124
ج ن ل ش ها لدى ت ورا ط ت و ة وي ه ل ا ي ف ا ور ن ب س ة ف س ل ف د.( ور ص ن م ن س ح رف ش3 ا1 ) : دمة ق م( ا ور ن ب س دى ت ك د ب عدُ ي2 () 1632 1677 ) Benedikt de Spinoza ل م ح ى الد ي ل ق ع ل ة ا! ب ه مد! ب ر ه ت س . ا ن ي ث حد م ل ا ة ف لاس ق ل ر ا ه ش3 م وا ه3 ا ن م ي لت وا ارت ك دي ة ف س ل ف ي ف ة ب3 ب ا بc لي ا عة ر لن ي ا عل اء ض ق ل ة ا! د حاول ي و! ج و ل ل ة واحدي رةr ظ ت ما هد و و! ج و ل ا ي ف ن ي ز ي ما ت م ن ي ر ه و! ج ود! ج و! بر ق ي ، و دن! س وب ف ي ى ل ا سان ن لا م ا س ف ياد د ب ملا ز وا ك ق ل ا ط، وما ق ف ر واحد ه و! ج ي عل ا ور ن ب س كد3 ل ا! ث ا ق م ل ا ي فاد. و د ب ملا ز وا ك ق ل ا ة ف س ل ق ل رَ ّ د قُ ي م ل . و واحدة ة وي ه ي ف ما ه ل! ث ر ه و! ج ل ا ا هد ل ن ي ب ض ق ا ب مي ر ن ع ن ي ب ف ص لا ا د ق ع ل ا ي ف ة ب ب ما ل3 لا ا ة ب ل ا ب م ل ع ا م لا ا ة ب ف س ل ف ساق ن3 ع وا ي ار س م لً شاشا3 ا ون ك ب ن3 ا ا ور ن ب س ن3 ج ا ن ح ص ر. ش ع ع س ا ب ل ا رن لق ا ن م ى ل و3 لا ود ا ق ع ل ر وا ش ع ن م ا ب ل ا رن لق ا ن م ر ن خ3 لا ا! ب ه مد ل ل ا ب م ر، ش ع ن م ا ب ل ا رن لق ا ات ق س ل ف ي ف ز ي3 لا ا ع ل¤ ب3 ا ها ل كان ا ور ن ب س ة ف س ل ف1 . ة دري ب شك لا ا عة ، ح!ام! داتلا ا ة بل ي!ك ة ف س ل ق ل مدرس ا) 2 مة س ا ! ون ن كي ب ن ي الد ل ك ع م ف ل ت ح ن . و ا ور ن ب! ي س ا كد ه مة س ا ة! اي ب ك ل ض ق ي ا ب ب3 ي ا عل ة ب! داي ل ا ي ف ة ب¤ ي ب لي ود ا ب) " " و ه ا ور ن ب! ي س ل ي ق ي ف ج ل م ا سلا ا ن . ا! ب! ب س ل” ب ض ق ي ل ا ا هد ل .” و ا ور ن ب! ي س ا ا: كد ه ة ب! داي ل ا ي ف ف ل3 ا! ب" " Baruch de Espinoza ا ور ن ب! ي س رة ن ع ي حت م سلا ا! ب ب كُ ب كان ا كد ه ف ا ور ن ب! ي س ا دى اروخ! ب" " وس” ن ك د ب ب ح! ب ص3 ا ب! اروخ ف دا. ب ل و ه ي ف ة ودي ه لت ا ة ب ل ح ل ا ن م ة ف ح ي ف رمان ح لار ا ر ق ي! عد صدور سة ف يBenedictus ا” ور ن ب! ي س رك˘، وا ب! ا م ل ا ي عت ي و ب! اروخ ل ي” ت ي ث لا لدل ا عا م ل ا ي ه ، وEspinoza ا ور ن ب! ي س ب ح! ب ص3 اSpinoza ع ي ف و ب رم حن ن ن ح ن ة. و اي ب ح وال ط ا د هد ! دب ح ل مة ا س ا! ع بَ ّ ف و ب ا ور ن ب! ي س ج! ن ص3 د ا . وف ع! ح مة” را س ا! ا ب ور ن ب! ي س ة ف ج ل3 ا ى الد ل ث عد ي ل ول ا ج مة. س لا ل ث عد ي ل ا ا ! هد تارة ر ق رم حن ن ا و ور ن ب! ي سSteven Nadler, Spinoza: A Life. (Cambridge University Press: Cambridge, 2001), pp. 42ff., 155ff. 1

فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

Embed Size (px)

DESCRIPTION

HegelSpinozaDialecticsMacheryGerman IdealismIdentity

Citation preview

Page 1: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

فلسفة سبينوزا في الهوية وتطوراتها لدى شلنج

(1د. أشرف حسن منصور)

مقدمة:

�عد بندكت دى سبينوزا ) Benedikt de( 1677 – 1632()2ي

Spinozaمن أهم وأشهر الفالسفة المحدثين. اشتهر بمذهبه العقلي الذى حمل نظرة واحدية للوجود حاول به القضاء على

النزعة الثنائية في فلسفة ديكارت والتى تقسم اإلنسان إلى نفس وبدن، وتقر بوجود جوهرين متمايزين في الوجود وهما الفكر واالمتداد. وفي المقابل أكد سبينوزا على جوهر واحد

فقط، وما الفكر واالمتداد إال صفتين غير متناقضتين لهذا

( مدرس الفلسفة بكلية اآلداب، جامعة اإلسكندرية. 1

( نود التنبيه في البداية على أننا نفضل كتابة اسمه هكذا2

"سبينوزا". ونختلف مع كل الذين يكتبون اسمه بألف في البداية

هكذا: "اسبينوزا". ولهذا التفضيل سبب. إن االسم الحقيقي

"باروخ دي إسبينوزا" فهكذا كانBaruch de Espinozaلسبينوزا هو

يNكتب االسم حتى غيره سبينوزا نفسه بعد صدور قرار الحرمان في

حقه من الجالية اليهودية في هولندا. فباروخ أصبحت بندكتوس

Benedictusوهي المعادل الالتيني لباروخ وتعني المبارك، وإسبينوزا ،

Espinozaأصبحت سبينوزا Spinozaع باسمه Tوقد أصبح سبينوزا يوق .

الجديد هذا طوال حياته. ونحن نحترم توقيع سبينوزا ونحترم قراره

بهذا التعديل السمه. حول التعديل الذي ألحقه سبينوزا باسمه راجع Steven Nadler, Spinoza: A Life. (Cambridge University Press: Cambridge, 2001), pp. 42ff., 155ff.

1

Page 2: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

�قدPر لفلسفة سبينوزا أن الجوهر بل هما في هوية واحدة. ولم يV لمشاريع وأنساق فلسفية إال مع المثالية األلمانية تكون أساسا

في العقد األخير من القرن الثامن عشر والعقود األولى من القرن التاسع عشر. صحيح أن فلسفة سبينوزا كان لها أبلغ

األثر في فلسفات القرن الثامن عشر، مثل المذهب التأليهى والمادية الفرنسية، لكن التأثير السبينوزىDeismاإلنجليزى

على هذين االتجاهين كان يتركز في الجوانب األخالقية والسياسية وانحصر في نظراتهما في األلوهية والنفس

V لبناء مذهب اإلنسانية. ولم تصبح فلسفة سبينوزا نموذجافلسفي متكامل إال مع المثاليين األلمان.

(4( وشلنج)3تضم المثالية األلمانية الفالسفة فشتة) (. وقد تأثر كل هؤالء بفلسفة سبينوزا، وباألخص شلنج،5وهيجل)

الذى تكشف فلسفته عن قرب كبير من مذهب سبينوزا، بحيث نستطيع القول بأن فلسفة شلنج هى إعادة بناء أو تطوير

لمذهب سبينوزا. وألن القضية األساسية في مذهب سبينوزا هى فلسفته في الهوية، أى الهوية بين الفكر والوجود داخل جوهر

، فيلسوفJohann Gottlieb Fichte (1762-1814) ( يوهان جوتليب فشته 3 ألماني وأحد أعالم المثالية األلمانية؛ كان كانطياY في بداية حياته

الفكرية لكنه اتجه نحو تأسيس فلسفة مثالية ترانسندنتالية تستعيد الطموح الميتافيزيقي القديم الذي قضى عليه النقد الكانطي، لكن

في المجال الذاتي. Friedrich Wilhelm Joseph Schelling ( فريدريك فيلهلم جوزيف شلنج 4

، أحد المثاليين األلمان الذين طوروا مذهب المثالية(1775-1854) النقدية لكانط. أقام مذهباY أنطولوجياY متكامالY يحوي فلسفة في

الذاتية الترانسندنتالية وفلسفة في الطبيعة، ومال فكره نحواالتجاهات الحيوية والعضوية والتطورية.

Georg Wilhelm Friedrich Hegel (1770جورج فيلهلم فريدريك هيجل ( 5– Y. اتصddف فكddره(1831 ، أحد أهم المثاليين األلمdان وأوسddعهم تddأثيرا

Y لتأكيddده على بالنسقية والشمول والموسوعية. مثاليته مطلقة نظرا الddروح المطلddق باعتبddاره المحddدد األول والنهddائي للوجddود والفكddر. وتحتوي فلسفته على بعد تاريخي وتطوري قوي أثر على االتجاهات التاريخية في العلوم اإلنسانية. ويضم مذهبddه فلسddفة في السياسddة

وفي التاريخ أثرتا على الفكر االجتماعي والسياسي من بعده.

2

Page 3: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

واحد، وألن فلسفة الهوية هذه هى أساس مذهب وحدة الوجود الحاضر بقوة في فلسفة سبينوزا، وألن مشروع شلنج الفلسفي

كله يتمحور حول إقامة فلسفة جديدة في الهوية تعيد صياغة مذهب سبينوزا وتعالج الكثير من صعوباته وتتجنب العديد من أخطائه، فقد ركزنا في هذه الدراسة على مقارنة مفصلة بين فلسفة سبينوزا وفلسفة شلنج في الهوية، محاولين توضيح ما يدين به شلنج لسبينوزا، والنقاط التى خرج فيها عن الصورة

التى جاءت بها فلسفة الهوية لدى سبينوزا، ونظرية شلنجV لوحدة الجديدة في المطلق وفي وحدة الوجود التى تعد تطويرا

الوجود السبينوزية.

ننطلnق في هnذه الدراسnة من فnرض نحnاول إثبnات صnحتهV على أساس أنه بديل لفلسفة يقول بأن مذهب شلنج كان مقاما سبينوزا، وحل لصعوبات وجدها في فلسفته. لقد قدم كل واحnnد من المثnnاليين األلمnnان انتقاداتnnه على فلسnnفة سnnبينوزا، وعلى أسnnاس هnnذه االنتقnnادات بnnنى مذهبnnه الخnnاص باعتبnnاره البnnديلV في لمذهب سبينوزا. وما دفعهم نحو ذلك هو رغبة منهم جميعnnا بناء مذهب واحدى يؤسس للهوية المطلقة بين الفكnnر والوجnnود لكن بطريقnnة مختلفnnة عن طريقnnة سnnبينوزا. لقnnد وافnnق هnnؤالءV على النيnnة العامnnة عنnnد سnnبينوزا وهى تأسnnيس مnnذهب ضnnمنيا واحدى يؤسس للهوية المطلقة، لكنهم رأوا أن طريقnة سnبينوزا في بناء وتحقيق هnnذا المnnذهب لم تكن صnnحيحة، وقnnد احتفظnnوا بالنية والقصد السبينوزى العnnام مnnع تقnnديم مnnذاهب بديلnnة، كnnل واحد منها يؤسnnس الهويnnة والوحnnدة بطريقتnnه الخاصnnة. وهnnدفناV لمnnذهب سnnبينوزا V جديدا الكشف عن مذهب شلنج باعتباره بديال في الهوية. مع األخذ في االعتبار أن فلسفة الهوية هي األساس الذي قام عليnnه مnnذهب وحnnدة الوجnnود، سnnواء لnnدى سnnبينوزا أو شلنج. ولم تكن وحدة الوجود لديهما تعني مجرد هوية بين اإللnnه

3

Page 4: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

والطبيعة أو العالم، بل كانت كnnذلك هويnnة بين الفكnnر والوجnnود،والمادي والمثالي.

تنقسم الدراسة إلى أربعة أقسام وخاتمة. في القسnnم األول نوضح أن مبدأ الهوية هو المبدأ األساسي الحnnاكم لكnnل فلسnnفة سبينوزا، بحيث نستطيع القول إن مذهبه كله إثبات لهnnذا المبnnدأ على مسnnتوى المعرفnnة والوجnnود. والقسnnم الثnnاني تnnاريخي، نستعرض فيه اسnnتقبال الفكnnر األلمnnاني لفلسnnفة سnnبينوزا منnnذ أوائل القرن الثامن عشر وحتى عصر شلنج، والسnnياق الnnذي تم فيه تبني هذه الفلسفة من قبل المثاليnnة األلمانيnnة. ونتنnnاول في القسم الثالث كيفية تبني شلنج للمبدأ األساسي والمركnnزي في فلسفة سبينوزا وهو مبدأ الهوية. أما القسم الرابع ففيه مقارنnnة نسقية م�فصPلة بين فلسفتي سبينوزا وشلنج في الهويnnة. وتقnnدمV لتعامل شلنج مع فلسفة سبينوزا ونظnnرة شnnاملة الخاتمة تقييما

إلى الفروق الدقيقة بين مذهبيهما.

أوالY – الهوية عند سبينوزا:

. الجوهر، أو الهوية المطلقة: 1

بأنه »ما هو في ذاته SubstanceعرPف سبينوزا الجوهر �تصور من ذاته، أي الذي ال يتطلب مفهومه مفهوم أي شئ وما ي

. ومعnنى ذلnك أن الجnوهر عنnد سnبينوزا هnو ذلnك(6)آخر يتكون منه« ي شnnئ آخnnر كي يوجnnد.أ من ذاته وفي غnnير حاجnnة ليتقومالذي

6() Spinoza, Ethics, in: Complete Works. Translated by Samuel Shirley. Edited

with introduction and notes by Michael L. Morgan. (Cambridge: Hackett, 2002)

Part I, def.III.

سوف نتبع فيما يلي الطريقة المختصرة المتبعddة دائمddاY في اإلحالddة

,Eإلى كتاب "األخالق" لسبينوزا. فعلى سبيل المثddال: I, P1نيddيع ،

هddذا االختصddار كتddاب األخالق، الجddزء األول، القضddية األولى. أمddا

. Ax، والمسلمة n، والمالحظة Dالتعريف فنستخدم فيه حرف

4

Page 5: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

والحقيقnnة أن هnnذا التعريnnف ال يمكن أن ينطبnnق على أي شnnئ جزئي، ذلك ألن أشياء العالم الطبيعي بما فيها النبات والحيوان واإلنسان في حاجnnة إلى أشnnياء أخnnرى لتوجnnد. وهnnذا مnnا يجعnnل مفهوم الجوهر ال ينطبق على شnnئ إال اإللnnه أو الطبيعnnة حسnnب قnnول سnnبينوزا، فnnإذا نظرنnnا إلى األلوهيnnة على أنهnnا الضnnرورة الحاكمة لألشياء فسوف تصبح بذلك هي الجnnوهر الحقيقي، وإذا نظرنا إلى الطبيعة على أنهnnا الكnnل المتجnnانس المنسnnجم الnnذي تحكمه القوانين الضرورية وإلى أشياء الطبيعة على أنهnnا تعتمnnد كلها على بعضها البعض في تناسق وتnوازن ألدركنnا أن الطبيعnة هي ذلك الكnnل الnnذي ال يعتمnnد في وجnnوده إال على ذاتnnه، أي أن الطبيعnnnة هي الجnnnوهر الحقيقي، وبالتnnnالي ذهب سnnnبينوزا إلى

بين اإلله والطبيعة باعتبارهما معنيين لجوهر واحد.التوحيد

»ما يفهمه الذهن من بأنها Attribute ويعر~ف سبينوزا الصفة الصnnفة إذن هي ماهيnnةالجnnوهر باعتبnnاره مnnا يؤسnnس ماهيتnnه«

. وفي مقابnnل ديكnnارت الnnذي أقnnر بوجnnود جnnوهرين(7)الجnnوهر متمايزين ومنفصلين في الكون: الفكر والمادة، يnnذهب سnnبينوزا إلى أنه ليس هناك في الكون جnnوهران بnnل جnnوهر واحnnد، وهnnذا الجnnnوهر الواحnnnد يحمnnnل صnnnفتي الفكnnnر واالمتnnnداد في نفس

(. وهو ال يذهب إلى أن للجnnوهر ماهيnnة مزدوجnnة يجمnnع8الوقت) ، الفكر واالمتnnداد، بnnل يnnذهب إلى أن الجnnوهريفبينهما في تضا

الواحد الحقيقي لديه صفة واحnnدة هي فكnnر وامتnnداد. إن الفكnnر. (9)واالمتداد شئ واحد عنده

7 () E,I, def.IV. 8) William Charlton: “Spinoza's Monism”, in The Philosophical Review, Vol. 90, No. 4. (Oct., 1981), pp. 503-529.

9 () E,II, P.VII, note.

5

Page 6: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

وعلى الرغم من غرابة هذه الفكرة فإنه من السهل تبريرهnnاV فسnnوف V ممتnnدا كي تتفق مع فلسفة سبينوزا. إذا تناولنnnا جسnnما

Vهندرك مباشرة أن ما يشكل ماهيته هو جسميته، أي اتخاذ شكالV من المكان، أي أن االمتnnداد هnnو ماهيnnة كnnل V وإشغاله حيزا معينا األشياء الجسمية. كيف سينظر سnnبينوزا إلى هnnذا االمتnnداد على أنه فكر؟ إذا تناولنا مفهوم االمتداد في ذاتnnه وجnnدنا أن خاصnnيته األساسية تتمثل في أبعاده الهندسية، والحnnيز الnnذي يشnnغله منV هو عبارة عن حيز هندسي يمكن أن يقاس وتحكمه المكان أيضا القوانين الرياضية. لكن العالقات الرياضية الهندسية الnnتي تمnnيز االمتداد هي ذاتها نوع من الفكر، هذا باإلضnافة إلى أن القnوانين الفيزيائيnnة والكيميائيnnة الnnتي تحكم تفnnاعالت الجسnnم وحركnnاتV نوع من الفكر. وبالتالي فإن الماهية الحقيقية األجسام هي أيضا

ومن جهة أخرى فإن الفكر كذلك يحتوي على.لالمتداد هي فكر (. إن مصnnطلح10 على مستوى األفكnnار المجnnردة)حتىاالمتداد،

االمتداد في معظم اللغات األوربية شnnبيه بالمصnnطلح اإلنجلnnيزي .والمnا صnدق. وفي المنطnnق نمnnيز بين المفهnnوم extensionوهو

المفهوم هو معنى الكلمة الذي نتوصnnل إليnnه بnnالتعريف، أمnnا المnnا فهو األشياء التي ينطبق عليها هذا المفهوم. فكلمة حيوانصدق

V لها مفهوم وهو الكائن الحي الممتلك التغذيnnة والنمnnولقوىمثال واألحساس والتكاثر، أما ما صnدق الحيnوان فهnو كnل مnا ينnدرج تحت هnnذا التعريnnف من كائنnnات حيnnة مثnnل الحصnnان والجمnnل

هnوم.ف للمالعيnنىوالقطة والثعلب. الما صدق إذن هnو االمتnداد لكل مفهوم النطاق الممتد الذي يشمله. مفهnnوم الحيnnوان يمتnnد ليشمل كل األنواع الجزئية من الحيوانات، ومفهوم النبnnات يمتnnد

إلخ. لكnل مقولnة ... ليشمل كل األشnجار والزهnور والحشnائش فكرية إذن امتدادها من الما صدقات، وبالتnnالي فاالمتnnداد صnnفة

10 ) Francis S. Haserot, “Spinoza's Definition of Attribute”, in The Philosophical Review, Vol. 62, No. 4. (Oct., 1953), pp. 499-513.

6

Page 7: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

للفكnnر نفسnnه. وهكnnذا نظnnر سnnبينوزا إلى الفكnnر واالمتnnداد على أنهما شئ واحد، فالفكر له امتداده من الما صnnدقات، واالمتnnداد

نفسه ليس إال البعد الهندسي الرياضي الذي ليس سوى فكر.

»أعnnنى فهnnو كالتnnالي: Modeأمnnا تعريnnف سnnبينوزا للحnnال بالحال ما يطnnرأ على الجnnوهر، أو مnnا يوجnnد في شnnئ غnnير ذاتnnه

هذا التعريnnف أن الحnnال هnnويعنى. و(11)شئ غير ذاته«بويتصور فnnإذا نظرنnnا إلى اإلنسnnان على أنnnه.الجزئيnnة للجnnوهرالتعينnnات

جوهر، فإن األشكال المختلفة لألجسnnام البشnnرية سnnوف تكnnونV، أي تنويعnات على الجnوهر اإلنسnاني، أو األمثلnة الجزئيnة أحواال لجنس اإلنسان. وإذا نظرنا إلى الشكل الكروي على أنه الجوهر سnnوف تكnnون الnnدائرة هي صnnفته أو ماهيتnnه، وتكnnون أحوالnnه أو تنويعاتnnه هي كnnل األشnnكال الكرويnnة الموجnnودة مثnnل الشnnمس والقمر وكرة القدم وكرة البلياردو والتنس...إلخ. الحال إذن هnnو

. ومن طبيعة هnnذا المثnnال الجnnزئي أال(12)المثال الجزئي للجوهر يوجد في ذاته بل في شئ آخر، ذلك ألن الشمس كروية والقمر

توجد باعتبارهnnابل كروي وكرة القدم كروية وهي ال توجد بذاتها ملحقة بالشكل الكروي الnnذي ال يمكن تصnnورها بدونnnه. إذا كnnان هناك مثال واحد فقط للشnnكل الكnnروي فلن يكnnون هnnذا المثnnال

V على الشكل الكروي بل سيكون صفة. V أو تنويعا حاال

V من الصفات وهي في الحقيقnnة يلحق سبينوزا بالجوهر عددا أنnه ال يمكنبمعnنى تصnل إلى خمس: الأولى أن الجnوهر واحnد،

، كمnnا أن وجnnوده ضnnروري، وأزلي، والاثnnنينوجnnود جnnوهرين متناهي. لنتناول كل صفة من هذه الصفات. يnnذهب سnnبينوزا إلى أنnnnه ليس هنnnnاك إال جnnnوهر واحnnnد وال يمكن أن يكnnnون هنnnnاك

11 () E, I, def. V. 12 () Nadler: op. cit, PP. 56-57.

7

Page 8: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

، ذلك لأنه إذا كان هناك وجود لجوهرين فمعnnنى هnnذا(13)جوهران أن كل منهما سوف يحتnnوي على صnnفة مختلفnnة عن الآخnnر، إذ ال يمكن أن نمnnيز بينهمnnا إال على أسnnاس تمnnايز صnnفاتهما، ولأن

صnnفات وعلى رأسnnها الفكnnرالالجوهر الحقيقي يحتوي على كnnل واالمتnnداد فمعnnنى هnnذا أنnnه ال يمكن أن يكnnون هنnnاك جnnوهر آخnnر بجانبه يحتوي على صnnفة مختلفnnة. ويشnnبه هnnذا البرهnnان الأفكnnار

نون والمسnnلموالتي قدمها فالسفة العصور الوسnnطى المسnnيحي حول وحدانية الإلnه وهnو عnدم إمكnnان وجnود إلnه آخnر بجانبnnه أو

(، كمnnا تشnnبه فلسnnفة أفلnnوطين الnnتي14اسnnتحالة وجnnود إلهين) وضعت على رأس الوجود الواحد الذي يصدر عنnnه كnnل شnnئ من عقل كلي ونفس كلية. والحقيقnnة أن في فلسnnفة سnnبينوزا قليnnل من التشابه مع الأفالطونية المحدثة ونظريتهnnا في الصnnدور الnnتي تذهب إلى صدور كnnل شnnئ عن الواحnnد المعروفnnة في الفلسnnفة

بنظرية الفيض التي كان يعتنقها الفارابي وابن سينا.

"ال يمكن تصور صفةيقول سبينوزا: أما الثانية فهي أنه بسيط. ويشرح سبينوزا هذه القضية )15(للجوهر يتبعها إمكان إنقسامه"

V، فإما أن تكون أجزاءه التى بقوله إنه إذا كان الجوهر منقسما ينقسم إليها المتناهية، وإما أن ينقسم إلى جزء المتناهى وجزء

V من أجزاء المتناهية، فإما أن متناهى. وإذا كان الجوهر مكونا تكون هذه األجزاء حاصلة على صفات الجوهر نفسه وبالتالى يكون الجوهر قد أنتج جواهر أخرى المتناهية، لكن سبينوزا قد أثبت عدم امكان انتاج الجوهر لجوهر آخر، كما أن الجوهر هو

13 () E,I, P.V.

( انظر في ذلك: أبو نصر الفارابي: كتاب آراء أهل المدينة14

الفاضلة. قدم له وعلق عليه د. ألبير نصري نادر. دار المشرق،

؛ ابن سينا: اإللهيات41-39. ص 2002بيروت الطبعة الثامنة

من كتاب الشفاء. تحقيق آية الله حسن زادة اآلملي. قم،

، المبحث الثاني. 2007مؤسسة بوستان كتاب، 15 ) E, I, P.XII.

8

Page 9: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

علة ذاته فقط ال علة لجوهر آخر؛ وإما أن يكون في الجوهرV جزء المتناه وجزء آخر متناه، لكن ال يمكن تصور الجوهر محتويا على جزء متناه. وينتهى سبينوزا من ذلك إلى القول بأن الجوهر غير منقسم، وال يمكن انقسامه، ال بصفاته وال بذاته. ومعنى هذا

V النقسام أن صفتى الفكر واالمتداد ال يمكن أن تكونا سببا الجوهر إلى صفتين، فكر وامتداد، وال يبقى اال النظر إلى هاتين

V للجوهر بل على أنهما وجهتى الصفتين ال على أنهما انقساماV من جهة أخرى. V من جهة وامتدادا نظر لجوهر واحد، يكون فكراV ونستطيع تفسير هذه القضية بقولنا إن الجوهر ال يكون منقسما

إلى فكر وامتداد إال داخل الفكر اإلنسانى، الفكر الذى يعتاد على النظر إلى كل شئ من وجهتى نظر مختلفين، الفكرV في طبيعة واالمتداد، في حين أن هذا االنقسام ليس داخال

V في القضية التالية الجوهر نفسه. ويزيد سبينوزا نظريته تأكيدا وهنا ينقل )16"("الجوهر الالمتناهى بإطالق غير منقسممباشرة:

سبينوزا الحجة إلى مفهوم الالتناهى، فإذا كان الجوهر المتناه فال معنى النقسامه إلى أجزاء، ألن الجزء من طبيعته أن يكونV، وال يمكن للجوهر أن يتكون من أجزاء متناهية حتى ولو متناهيا

.V كان انقسامها المتناهيا

أن وجوده ضnnروري. يnnذهب أما الصفة الثالثة للجوهر فهيV يحتnnوي على V واحnnدا سبينوزا إلى أننا ال يمكن أن نتصnnور جnnوهرا كnnل الصnnفات وفي نفس الnnوقت يفتقnnر إلى الوجnnود، ذلnnك ألن

. وهnnذه(17)الوجود صفة الزمnnة للجnnوهر ال يمكن تصnnوره بnnدونهاV شبيهة بحجة إثبات وجود الله عنnnد القnnديس أنسnnلم الحجة أيضا

V(18) وديكارتىوتوما األكوين . المالحnnظ أن سnnبينوزا يnnدرك جيnnدا الفرق بين الفكرة والوجود الحقيقي، ويعلم أن الفكnnر يمكن أن

V ألشياء ال وجود حقيقي لها، وهو جنب النقnnدييثبت الوجود نظريا المحتمل الذي يمكن أن يوجه إلى فكرته عن الوجود الضnnروري للجوهر من حيث أنه يستخلص الوجود من الفكر، ولذلك يnnذهب

16 ) E, I, P.XII17 () E, I, P. VII. 18 () Nadler: P. 65.

9

Page 10: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

إلى أن الفكnnرة، وهي هنnnا فكnnرة الجnnوهر، إذا كnnانت صnnحيحة فمعنى هذا أن الجوهر موجود، ذلك ألننا ال يمكن أن نحnnوز على

موجnnودفكرة صحيحة ودقيقة عن شئ ويكون هnnذا الشnnئ غnnير يعnnنىفي نفس الوقت. إن عدم وجود هذا الشnnئ في حnnد ذاتnnه

أن فكرتنا عنه غير صحيحة وغير دقيقة. لكننnا نحnوز على فكnرة صnnحيحة عن الجnnوهر، وبالتnnالي يجب أن يتصnnف هnnذا الجnnوهر

بالوجود ضرورة.

، بمعnnنى أنeternityالصnnفة الرابعnnة للجnnوهر هي األزليnnة الجnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnوهر

. فnnإذا كnnان وجnnود(19)لم يظهnnر من العnnدم وال يمكن أن يفnnنىV فإن وجوده هذا مرتبط به على نحو ال يمكن أن الجوهر ضروريا ينفصل، ويترتب على ذلك أنه في وجود دائم، أي خالد. وال يجبأن نفهم خلnnnnnnnnnnود الجnnnnnnnnnnوهر هنnnnnnnnnnnا على أنnnnnnnnnnnه ال تناهي بالقيnnاس إلى الزمnnان، أي على أنnnه أزلي ليس لnnه أول وأبدي ليس له نهاية، ذلك ألن أزلية الجوهر ليست صفة زمانيnnة

. ويnدلل سnبينوزا على صnحة(20)له بل صفة وجودية أو أنطولوجية هnnذا الnnرأي بذهابnnه إلى أنnnه بمnnا أن الجnnوهر هnnو علnnة ذاتnnه وأن

ال في ماهيته ذاتها فمعنى هذا أن الوجnnود ليس صnnفةحوجوده أو حال مكتسب يطرأ على الجوهر بnل هnو ماهيتnه األصnلية. إذا نظرنا إلى أزلية الجوهر على أنها أحد أحوال الجوهر فمعنى هذا

nnية االسnnه خاصnnا بnnا ألحقنnnان، ولكنتأننnnدوام في الزمnnمرار وال الخلود عند سبينوزا ليس صفة زائدة على الجوهر أو حال يطnnرأ

.V عليه بل هو ماهية مرتبطة به دائما

يعني خلود الجوهر عنnnد سnnبينوزا أنnnه علnnة ذاتnnه وليس في حاجة إلى الزمان كي يتحقق فيه أو يسير فيه منذ األزل واألبnnد.

19 () E, I, P.XI. 20 () Nadler, op. cit, PP. 66-67.

10

Page 11: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V يسير في زمان وتطرأ عليه األحوال الزمانيnnةليسالجوهر شيئا ، ذلك ألنه فوق الزمnnان، أنnnهصيرورة أو ريغمن بداية ونهاية أو ت

يلغي الزمان ذاته، ومن هنnnا فإنnnه أزلي بمعnnنى أنnnه غnnير خاضnnعللزمان وفوق الزمان.

. ال تعnnنيInfinity(21)الصفة الخامسة للجوهر هي الالنهائيnnة ليست ال نهائيnnة فيأنها ال نهائية الجوهر ال نهائية مكانية، بمعنى

إمكان انقسام الجوهر إلى عدد ال متناهي من األجزاء، وال تعnnني كnnذلك أن الجnnوهر ال متنnnاهي في الحجم أو الضnnخامة. ال نهائيnnة الجوهر عند سبينوزا تعني أن كل مnا يوجnد ومnا يمكن أن يوجnد داخل فيه وليس هناك شئ آخر خارجه، فهي ليس ال نهائيnnة في الكم بل ال نهائية في الكيف، ذلك ألن الجوهر هnnو المحnnدد لكnnل ما يمكن أن يظهر إلى الوجود، وهو السnnبب الكnnافي ألي حادثnnة

. (22)تحدث في الكون

�عnnرPف سnnبينوزا الالتنnnاهي في مقابnnل التنnnاهي. يكnnون كما يV إذا كان هناك شئ آخر يحده أو يشكل لnnه حnnدوده الشئ متناهياV من المكnnان، إذ الخارجيnnة، فnnالحجم متنnnاهي ألنnnه يشnnغل حnnيزا تشكل حدوده المكانية حدوده النهائية التي ال يستطيع تجاوزهnnا، كما أن اإلنسان الفnnرد متنnnاهي ذلnnك ألن لnnه عمnnر محnnدد ينتهيV في وجnوده من V أن يكون للشئ سببا بموته، ويعني التناهي أيضاV عنnه، بحيث أن هnذا الشnئ ال يمكن أن يوجnد غير ذاته أو خارجا بدون هذا السnnبب الخnnارجي. أمnnا ال تنnnاهي الجnnوهر فيعnnني أنnnه

لذاته، وأنه ليس هنك شئ آخر غيره يحده أو يعيقه.بسب

هوية اإلله والطبيعة )وحدة وجود(: .2

من أهم القضايا التي يبدأ بها سبينوزا كتابه "األخالق"

21 () E, I, P.VIII; E, I, P. XIX..22 () Nadler, PP. 73-75.

11

Page 12: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

القضية الثانية التي يبني عليها نظريته في هوية اإلله والطبيعة. "إن جوهرين، صفاتهما مختلفة، ليس بينهماتقول هذه القضية:

. وبالتالى فلن تكون بينهما أى صلة أو تفاعل.(23)شيئ مشترك" ينكر سبينوزا بذلك نظرية ديكارت حول جوهرى الفكر

،V V، واالمتداد وحده جوهرا واالمتداد. فإذا كان الفكر وحده جوهرا فلن يكون بينهما أى صلة أو تفاعل، ال على مستوى الطبيعة والV على مستوى اإلنسان. تعنى هذه القضية أنه إذا كان اإلله فكرا

V، فلن تكون V ممتدا V ماديا V، والعالم جوهرا V فكريا V وجوهرا خالصا بينهما أى صلة أو تفاعل، ولن يؤثر األول على الثانى من أى

جهة، ألنه حسب التعريف الثانى فإن الفكر يحده الفكر، والجسم يحده الجسم، وال يمكن أن يحد الفكر الجسم وال يحد

(. 24الجسم الفكر)

ومعنى هذا أنه ال وجود إال لجوهر واحد، إله وطبيعة في الوقت نفسه، إذا نظرنا إليه من جهة وجدنا أنه إله، وإذا نظرنا

إليه من جهة أخرى وجدنا أنه طبيعة. فإذا كان في الطبيعة قوة تحدث التغير والنمو )بالمعنى األرسطى( فإن هذه القوة إذا

V وجدنا أنها قوانين الطبيعة، أو الطبيعة الطابعة نظرنا إليها مادياnatura naturansوجدنا أنها إرادة اإلله V ، وإذا نظرنا إليها روحيا

وفعله المستمر. ولذلك يقول سبينوزا في "رسالة في الالهوت

23) E, I, P.II.

ذهب سبينوزا إلى أن صفات اإلله ال متناهية لكن اإلنسان ( 24 ال يستطيع أن يدرك منها إال اثنتين فقط: الفكر واالمتداد، ألن

اإلنسان نفسه مكون من هذين الحالين ويشعر أنه مكون منهما، فكر وامتداد. وبذلك فعندما يصف سبينوزا اإلله حسب صفتى الفكر واالمتداد وحسب فكأنه يصفه من وجهة النظر

اإلنسانية أيضاY، إنه فى الحقيقة يقيس اإلله حسب الفهم اإلنسانى والطبيعة اإلنسانية. لكن يحذرنا سبينوزا من أن

نعتقد أن اإلله مكون من جوهرين متمايزين، فكر وامتداد، ذلك ألنهما عنده مجرد صفتين ليس بينهما اختالف حقيقى بل

االختالف ال يوجد إال فى العقل اإلنسانى. واإلضافة الحقيقية لسبينوزا هى أنه على الرغم من وصفه لإلله بأنه فكر وامتدادإال أنه كان دائم االصرار على أنهما شئ واحد فى جوهر واحد.

12

Page 13: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

.25والسياسة" أن إرادة اإلله وقوانين الطبيعة هما الشئ نفسه والسبب في أننا ندرك هذا الجوهر الواحد من جهتين مختلفتين،

جهة تصوره لنا على أنه اإلله وجهة أخرى تصوره لنا على أنه الطبيعة، أن اإلنسان، أو بعبارة أدق، وجهة النظر اإلنسانية، تميل إلى الفصل بين صفتى الفكر واالمتداد وال تدرك أنهما

الشئ نفسه، وعلى أساس هذا الفصل، تنظر إلى الجوهر على أنه فكر من جهة وبالتالى تنظر إليه على أنه إله، وتنظر إليه على أنه امتداد، وبالتالى تجد أنه طبيعة. االنفصال بين الفكر واالمتداد هما على مستوى التفكير اإلنسانى وحده، ألنه يميل

إلى أخذ الصفة على أنها جوهر قائم بذاته، وهذا غير صحيححسب سبينوزا.

يقوم التفكير اإلنسانى إذن بالفصل بين صفتين للجوهرV، وهكذا يتوصل خطأ إلى الواحد ويعتبر كل صفة منهما جوهرا وجود جوهرين متمايزين، ويضفي الطابع الشيئى عليهما، أى

يعمل على موضعتهما وتشييئهما، بحيث يكون الفكر شئ واإلمتداد شئ آخر، ويلحق الفكر بجوهر هو اإلله، واالمتداد بجوهر آخر هو الطبيعة. وهذا ما يتضح من التعريف الثالث

"أعنى بالصفة ذلك الذى يدركه الذهن باعتبارهلسبينوزا للصفة: . الفكر واالمتداد إذن ليسا سوى(26مؤسساV لماهية الجوهر")

ثنائية صادرة عن طبيعة الذهن البشرى وليس لهما وجود حقيقى في الواقع، ألن الواقع عند سبينوزا جوهر واحد. وهدف سبينوزا في كتابه "األخالق" هو تطهير الذهن من هذه الثنائية

والوصول به إلى مرتبة إدراك الهوية المطلقة من الفكر واالمتداد. يتطابق هذا مع ما ذهبت إليه المثالية األلمانية في

. فالفهم لديها هو الملكة التىVerstandنظريتها في الفهم تقسم وتفصل وتضع الثنائيات، أما العقل فهو الذى يدرك

الوحدة والهوية األصلية بين هذه الثنائيات التى يصنعها (. والمالحظ أن ملكة الفهم في الفلسفة األلمانية هى27الفهم)

( سبينوزا: رسالة في الالهوت والسياسة. ترجمة وتقديم د. حسن25

،167. ص 2008حنفي، مراجعة د. فؤاد زكريا. دار التنوير، بيروت

186 ،215 ،222.26 ) E, I., Def. 4.

نجد أفضل عرض لهذه الفكرة في الكتابين التاليين لشلنج ( 27

13

Page 14: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

ملكة الحكم، والحكم هو الذى يقسم الشئ الواحد إلى موضوع ومحمول، أو إلى حدس وتصور، ويحكم على الشئ بأنه ينتمى

والكلمة تعنىUrteilإلى مقولة أو فئة، والحكم باأللمانية هو V اإلنقسام األصلى ، وملكة الفهم عند كانطUr-teilحرفيا

، وتعنىUrteilskraftوالمثالية األلمانية من بعده هى ملكة حكم V الملكة المقسمة، أى الملكة المحللة للشئ الواحد إلى حرفيا موضوع ومحمول. أما ملكة العقل لدى المثالية األلمانية فهى التى تدرك الوحدة والهوية األصلية بين ما قسمه الفهم وصنع

(. والمالحظ أن العقل لدى المثالية األلمانية،28منه الثنائيات) وخاصة في تعبيراتها عنه أنه حدس عقلي، هو الذى يتوصل، من

خلف ثنائيات الفهم وعن طريق تجاوزها، إلى الهوية األصلية،أى إلى جوهر سبينوزا.

اإلله عند سبينوزا هو كل شئ والواقع النهائي المطلق الشامل، واأللوهية عنده هي إله وطبيعة في الوقت نفسه، وهذا

"اإلله، أو الجوهر المكون منما يظهر في القضية التالية: صفات ال متناهية، والتى يعبر كل منها عن ما هوية أزلية وال

(. ال يقصد سبينوزا هنا إثبات وجود29)متناهية، يوجد بالضرورة" الله كما يتبادر للوهلة األولى وكما هو ظاهر في القضية. ما

يريد سبينوزا إثباته في الحقيقة هو أننا إذا أردنا إثبات وجود الله فيجب علينا بالضرورة أن نلحق به كل الصفات التى يمكن

تصورها، التى نعرفها اآلن والتى يمكن أن نعرفها في المستقبل، هى وأحوالها. فاإلله بذلك يجب أن يكون كل شئ:

فكر وامتداد وروح وجسد ومادة وعقل، ما عدا الصفات

وهيجل على التوالي:

Schelling, System of Transcendental Idealism. Translated by Peter Heath;

introduction by Michael Vater. (Charlottesville: University Press of Virginia,

1997), pp.117-118, 176, 192.; Hegel, The Difference Between Fichte’s and

Schelling’s System of Philosophy. Translated by H.S. Harris and Walter Cerf.

(Albany: State University of New York Press, 1977), pp. 90-93, 94-97, 99-103.. 28 ) Limnatis, Nectarios G., German Idealism and the Problem of Knowledge.

(Netherland: Springer, 2008), pp. 31-32, 325-326. 29 ) E, I, P.XI.

14

Page 15: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

اإلنسانية بالطبع، مثل الشخصية والمشاعر واالنفعاالت، فسبينوزا يصر على الفصل بين اإلنسان واإلله، وهو يرفض أن

يكون لإلله نفس على شاكلة النفس(. 30اإلنسانيةبانفعاالتهاوأهدافهاوتقلباتهاوتحيزاتها)

والمالحظ أن كل تلك الصفات التي ألحقها سبينوزا بالجوهر هي نفس الصفات التي ألحقها الفكر الفلسفي والالهوتي بالإلnnه. والحقيقة أن سبينوزا عنnnدما يبnnدأ في الحnnديث عن الإلnnه بعnnد أن يفرغ من مفهوم الجوهر يعود ليلحق به كnnل تلnnك الصnnفات الnnتي ألحقها بالجوهر، كما أنه بعnnد ذلnnك يثبت أنهnnا هي نفسnnها صnnفات الطبيعة، ثم يأتي بفكرته الثورية القائلة أن الإلnnه والطبيعnnة شnnئ واحnnد ويسnnتخدم تعبnnيره الشnnهير »الإلnnه أو الطبيعnnة« لمnnرة أو مرتين، ثم يكف عن استخدامه هذا التعبnnير بعnnد أن أثبت للقnnارئ أنهما شئ واحnnد ويسnnتمر عnnبر بnnاقي كتابnnه في اسnnتخدام كلمnnة

. وهnnذا مnnا أدى بكثnnير من الفالسnnفة والمفسnnرين إلى(31)»الإله« االعتقاد في أن كل مذهب سبينوزا تأليهي، أو هو بحث في الإلnnه

، أي مذهب يقر بحضورPantheismأو أن مذهبه هو وحدة الوجود الإله الدائم في الطبيعnة، لكن كnل هnذه التفسnيرات على خطnأ، ذلك لأنه سبق أن وحد بين فكرة الإلnnه وفكnnرة الطبيعnnة واعتقnnد

لكن هذا االستبعاد للوعى الذاتى وللنفس أو الروح هو ( 30 الذى لم يوافق عليه شلنج وهيجل، فاإلله لديهما يجب أن

يحتوى على كل شئ، حتى الجوهر اإلنسانى وهو الروح. لقد سارا مع سبينوزا حتى نهاية مسلماته وتعريفاته وقضاياه إلى نهاياتها المنطقية. فإذا كان اإلله هو كل شئ، فيجب أن يكون

العالم اإلنسانى نفسه، والروح اإلنسانية كذلك، جزءاY من صفات وأحوال اإلله. وبذلك يكون شلنج وهيجل هما اللذان

سارا مع السبينوزية إلى نهاياتها المنطقية، إنهما سبينوزيان أكثر من سبينوزا نفسه؛ لكن بعد تحويل وحدة الوجود المادية

لسبينوزا إلى وحدة وجود روحية.

، ص1983)(د. فؤاد زكريا: سبينوزا، دار التنوير، بيروت، 31

115-118.

15

Page 16: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

أنهما شئ واحد. وكذلك فعندما يتكلم سبينوزا عن الإله فهnnو في ( بمعnnنى القnnوانين الضnnرورية الثابتnnة32الحقيقة يقصnnد الطبيعnnة)

والالنهائية للكون ال الإله بالمعنى التقليدي.

يذهب سبينوزا إلى أن الجوهر الحقيقي ال متنnnاهي، بمعnnنى أنه يحnوز على عnدد النهnائي من الصnفات واألحnوال، إنnه الكnل الشnامل لكnل مnا يمكن تصnوره من صnفات وأحnوال، وكnل مnا يمكن أن يظهnnر في الوجnnود من صnnفة أو حnnال جديnnد موجnnود

V في هذا الجوهر الالمتناهي . ثم يأتي سnnبينوزا بإشnnارة(33)مسبقا هامة وهي أن هذا الجوهر الالمتناهي هو المتعارف على تسميته

(. 34باإلله أو الطبيعة)

V؟ يعني V واحدا لكن كيف وحد سبينوزا بينهما واعتبرهما شيئا أن كل ما يمكن أن نصف به الطبيعnnة يمكن أن نصnnف بnnه اإللnnهV. فالطبيعة هي الضرورة وهي القانون الحاكم لألشياء وهي أيضا الطبيعnnة الطابعnnة، أي الnnتي تطبnnع األشnnياء بصnnفاتها وأحوالهnnا،V هي طبيعnnة، وقnnدرة فقnnدرة النبnnات على التغذيnnة والنمnnو مثال الحيوان على اإلحساس واإلدراك هي الطبيعة الخاصة بالحيوان، وقدرة اإلنسان على التعقل والتفكnnير هي طبيعتnnه الخاصnnة بnnه، وقدرة العناصر الكيميائية على التفاعل مع بعضnnها هي الطبيعnnة الكيميائية الخاصة بها. لكل موجnnود طبيعتnnه الخاصnnة، والطبيعnnة بالمعنى العام الكلي والشnnامل هي كnnل تلnnك القnnوى الكيميائيnnة والنباتية والحيوانية واإلنسانية، فالطبيعة هي التي تطبع كل شئ أو كnnائن بnnالقوى الخاصnnة بnnه، وإذا كnnانت الطبيعnnة هي القnnوة الشnnاملة على جعnnل األشnnياء تتغnnذى وتنمnnو وتتحnnرك وتتفاعnnل

32) Harry M. Tiebout, "Deus, Sive Natura...", in Philosophy and Phenomenological Research, Vol. 16, No. 4. (Jun., 1956), pp. 512-521.

33 () E, I, P. XVI, pr.34 ) E,I, P.XI, Pr.

16

Page 17: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

وتحس وتعقnnل، فمعnnنى هnnذا أن صnnفة الطبيعnnة هnnذه هي نفس صفة اإلله، أي القدرة الشاملة على الخلق واإليجnnاد والتحريnnك. كمnnا أن الطبيعnnة تحتnnوي على الغائيnnة واالنتظnnام، بمعnnنى أنV نهائية وتترتب في صور منتظمnnة ومنسnnجمة أشياءها تتبع أهدافا

مع بعضها البعض.

فالطبيعة إذن غاية وقدرة على إحداث االنتظام واالنسجام،V باإلله، وعلى هذا فnnإن وهذه القدرة هي التي يلحقها الفكر دائما قدرة الطبيعة هي نفسها قnnدرة اإللnnه، وبnnذلك يكnnون اإللnnه عنnnد

سبينوزا هو الطبيعة الطابعة.

وعالوة على ذلnnك يأتينnnا سnnبينوزا بفكnnرة غnnير مسnnبوقة، إذ يصل توحيده لإللnnه والطبيعnnة إلى درجnnة أن يلحnnق باإللnnه صnnفة

. مnnا هي مnnبررات سnnبينوزا في(35)خاصة بالطبيعة وهي االمتداد ذلك؟ الحقيقة أن كل الفكر اإلنساني قبل سبينوزا كان ينفي أيV فقnnط. لكن يعتقnnد V روحيnnا صفة مادية عن اإلله ويعتبره موجnnودا سnnبينوزا أن نفي صnnفة االمتnnداد عن اإللnnه سnnوف توقعنnnا في صعوبة بالغة. إذ سوف توقعنا في ثنائية اإللnnه الnnروحي الخnnالص والعالم المادي، ويكون لدينا إلnnه في جnnانب وطبيعnnة ماديnnة في

جانب آخر.

وحسب مذهب سبينوزا فإن في الكون جوهر واحnnد فقnnط، وإذا نظرنا إلى الكون على أنه إله وعالم فمعنى هذا أننا اعترفنا بجnnnوهرين، جnnnوهر روحي وجnnnوهر مnnnادي. حnnnاولت المnnnذاهبV تفسnnير كيفيnnة صnnدور المnnادة من الnnروح، وذلnnك الفلسفية دائما العتقادهnnا في اختالفهمnnا وتمايزهمnnا وتناقضnnها األصnnلي. لكن سبينوزا كان قد سبق وأن وحد بين الnnروح والمnnادة. وألن هنnnاكV جوهر واحد فقط في الكون فيجب أن يكون هذا الجوهر روحيnnا

35 () E, II, P.II.

17

Page 18: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V في نفس الوقت. ولذلك أصnnر سnnبينوزا على أن االمتnnداد وماديا صفة لإلله أو الطبيعة حسب تعبيره. اإلله عند سبينوزا باعتبnnارهV ال يمكن أن يفتقر إلى أي صفة، وإذا اعتبرنnnا اإللnnه V واحدا جوهراV بnnذلك إلى المnnادة أو االمتnnداد، V فقط فسوف يكون مفتقرا روحا وسوف يكون االمتداد صفة خاصة بالطبيعnnة وتميزهnnا عن اإللnnه. رفض سبينوزا أن يكون اإلله باعتبnnاره الجnnوهر الواحnnد والوحيnnدV لصفة االمتداد، وعلى ذلnnك أقnnر بnnأن اإللnnه يمتلnnك صnnفة مفتقرا

. (36)االمتداد

لكن يجب أن نفهم معنى إلحاق صnnفة االمتnnداد باإللnnه عنnnد سبينوزا على نحو يتفق مع فلسفته. هل يعني ذلnnك أن سnnبينوزاV على جسم معين قد أقر بأن اإلله شئ ممتد، بمعنى كونه حائزا

V من المكان؟ أو شكل وأبعاد هندسية ويشغل حيزا

ال يقصد سبينوزا أبدا هذا المعنى من االمتداد، إذ ال يقصnnد االمتداد الجسمي الهندسnnي المكnnانى بnnل يقصnnد صnnفة االمتnnداد ذاتها بصرف النظر عن أحوالها من الطول والعnnرض والجسnnمية والمكانية. اإللnnه عنnnد سnnبينوزا ممتnnد بمعnnنى أن فكnnرة االمتnnداد داخلة في جوهره وماهيته، فال يمكن أن توجد في الكnnون صnnفة ليسnnت موجnnودة في اإللnnه باعتبnnاره الجnnوهر الواحnnد والوحيnnدV بل هو V جسميا V شيئيا الحقيقي. االمتداد عند سبينوزا ليس امتدادا

(، االمتnnداد هnnو في جnnوهره رياضnnي، والرياضnnة37امتداد رياضnnي) فكر، وبالتالي فإن اإلله باعتباره الجnnوهر الوحيnnد يجب أن يكnnون

V لفكnnرة االمتnnداد الرياضnnي الهندسnnي. اإللnnه عنnnد سnnبينوزا ممتلكا يمتلك صفة االمتداد. والحقيقة أن هذه الفكnnرة أوقعت المفسnnرين في مشكالت عديدة، سببها أن سبينوزا لم يجب عن األسئلة الnnتي

تثيرهnnا. فnnإذا كnnان االمتnnداد صnnفة لإللnnه فهnnل معnnنى هnnذا أن

.124-120)( د. فؤاد زكريا، المرجع السابق، ص 3637 ) Harry M. Tiebout, "Deus, Sive Natura...", pp. 514-516.

18

Page 19: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V لإلله، أم معنnnاه أن اإللnnه منتشnnر في كnnل الطبيعة تشكل جسدا أجزاء الطبيعة ويتخللها؟ أم أنه ليس هناك إال الطبيعة الممتدة؟

إذا فسرنا امتداد اإلله عنnnد سnnبينوزا على أنnnه يعnnني انتشnnار(38) اإلله في الطبيعة المادية فمعنى هذا أن مذهبه هو مذهب وحدة

V الحضnnور الكلي لإللnnه فيPantheismالوجود والتي تعني حرفيnnا كل أجزاء العالم، وإذا فسرناها على أن اإللnnه عنnnد سnnبينوزا هnnو االمتداد أو المادة فمعنى هذا أن مذهب سبينوزا ال إلهي ويعتقnnد

، وهو المذهب المتعارفatheismفي أن المادة هي كل ما يوجد V على وصفه باإللحاد. وألن سبينوزا لم يطرح هnnذه األسnnئلة أصnnال وبالتالي لم يقدم لها إجابات فقد ظل المفسرون مختلفين حول

.(39)مذهب سبينوزا حتى اآلن

كما تعني فكرة أن الإلnnه والعnnالم شnnئ واحnnد أن الألوهيnnة هي تعبير عن النظnnام القصnnدي والغائيnnة والقnnوانين الضnnرورية الموجودة والمنتشرة في كل العالم، والعالم تعبير عن الجnnانب

. فnnإذا نظرنnnا إلى العnnالم من حيث كونnnه(40)المnnادي للكnnونV بنظnnام وقnnوانين ثابتnnة تجلي لنnnا الجnnانب الإلهي منnnه محكومnnا والذي ينظر فيه على أنه إرادة فاعلة نحو غاية، وإذا نظرنا إلى العnnالم من حيث كونnnه مnnادة تجلي لنnnا الجnnانب المnnادي منnnه،

والجانبان غير منفصلين.

وقد توصل سnnبينوزا إلى هnnذه النتيجnnة بفضnnل فكرتnnه عن الجوهر. يذهب سبينوزا إلى أن الجوهر هو ما يقnnوم بذاتnnه ومnnا

. وإذا41ليس في حاجة إلى شئ آخر سواه كي يتحقق أو يتقوم بحثنا في أشياء العالم عن شئ يمثل الجوهر الحقيقي فلن نجده

38 () Nadler: op. cit, PP. 81-83.39 () Ibid: PP. 112-121.40 () E, II, P.VII, note. 41 ) E, I, P.4, proof.

19

Page 20: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

لأن كل أشياء العالم معتمnnدة على غيرهnnا وعلى النظnnام الnnذي يشملها. وبالتالي فيجب أن يكون النظام الضروري للعnnالم هnnو هذا الجوهر الواحد الثابت لأنه غير معتمnnد على العnnالم بnnل هnnو الذي ينظم العالم، وهذا النظام الضروري ليس سوى الألوهية. وإذا كان نظام العالم الضروري والثnnابت هnnو الجnnوهر الحقيقي

فيجب أن تكون الألوهية هي هذا النظام الضروري الثابت.

وهكذا توصnل سnnبينوزا إلى أن الطبيعnة الnتي هي النظnام الضروري الحاكم لوجود الأشياء ليست سوى الألوهيnnة، وانتهى

. (42)بذلك إلى أن الإله والطبيعة شئ واحد

كما ذهب سبينوزا إلى أن اإلله هو العلة الكامنة في العالم ال العلة المفارقة، بمعنى أن اإلله ليس خارج العالم بnnل محnnايثV للعالم ويقع خارجه بnnل هnnو V مفارقا له، وبذلك ال يكون اإلله شيئا المبدأ الباطن في هذا العnnالم نفسnnه. وقnnد كnnان لقnnول سnnبينوزا بعدم وجnnود اإللnnه خnnارج العnnالم مبرراتnnه القويnnة، ذلnnك ألننnnا إذاV آخnnر اعتقدنا أن اإلله خارج العالم فمعنى هذا أننا أثبتنا له مكانnnا

، واعتقnnدنا بnnذلك في وجnnود مكnnانين: مكnnان(43)يعلو هذا العnnالم يوجد فيه العالم بnدون إلnه ومكnان آخnر يوجnد فيnه اإللnه بnدون العالم أو أي شئ مادي.ولقnnد رفض سnnبينوزا هnnذه الفكnnرة بnnأن قnnال بnnأن هنnnاك جnnوهر واحnnد فقnnط وال شnnئ خارجnnه، يمكن أن نسميه اإلله ويمكن أن نسميه الطبيعة. ولعل سبينوزا قnnد قصnnد من ذلك أن يترك للقارئ حرية االختيار بين التعبيرين وهnnو يعلم

أنهما يعنيان الشئ نفسه.

42 () E, II, P.III, note. 43 () E, I, P.XVIII.

20

Page 21: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

والذي يجعل سبينوزا يسnاوي بين اإللnه والطبيعnة أن كليهمnاV الستمرار األشياء في الوجnnود V دائما . فالنبnnات ال يمكن أن44سببا

يستمر في الوجnود إال بقدرتnه المسnتمرة على التغذيnة والنمnو، والحيnnوان يسnnتمر في الوجnnود بفضnnل قدرتnnه المسnnتمرة على اإلحساس والحركة، واإلنسان مستمر في الوجود بفضل قدرتnnه

(. ومعnنى هnذا أن الطبيعnة هي القnدرة الغاذيnة45على التفكnير) والناميnnة والمدركnnة القnnادرة على الفهم والفكnnر، هي المجمnnوعV الكلي لكل هذه القدرات. فالطبيعة جوهر كلي واحد يتخذ أحواال مختلفة في صورة قوى متعددة يحيا بها كل كnnائن حي ويتحnnرك بها كل جسم متحرك. وهذا هو معنى قول سبينوزا أن اإللnnه هnnو العلة الكامنة المحايثnة لألشnياء ال المفارقnة أو المنفصnلة عنهnا، وألن اإلله والطبيعة شئ واحد عنده فإن سببية الطبيعة الكامنnnة والمحاثية في األشياء هي نفسها سnnببية اإللnnه وقدرتnnه الشnnاملة

الكامنة في األشياء.

هوية االمتداد والفكر )هوية أنطولوجية(:.3

رفض سبينوزا أن يكون للجوهر صفة واحدة فقط كما ذهبV، وذهب إلى أن للجوهر ديكارت، ألن هذا يؤدى إلى الثنائية حتما

عدد ال متناه من الصفات ال نعرف منها إال اثنين فقط. ألن الالتناهى يليق بالجوهر كما يفهمه سبينوزا، وألن وجود جوهر

للفكر وجوهر آخر للمادة يفرغ الجوهر نفسه من معناه ألنهما بذلك سوف يحدان بعضهما البعض، ويقيدان بعضهما البعض،

V عنه . (46)والجوهر حسب سبينوزا ال يحده شئ خارجه ومختلفا44 ) E, I, P.21, 22, 23, 26, 27, 29.

219-213وانظر أيضاY، سبينوزا: رسالة في الالهوت والسياسة، ص 45 ) Joseph Ratner, “Spinoza on God (II)”, in The Philosophical Review, Vol. 39, No. 2. (Mar., 1930), pp. 153-155.

( لماذا يبدو إلحاق الفكر واالمتداد معاY بالجوهر غريباY فى نفس46 الوقت الذى يحوز فيه الكائن اإلنسانى نفسه على هاتين الصفتين بالذات فى الوقت نفسه؛ إن القول بأن الكائن اإلنسانى وحده هو

21

Page 22: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

يظهر توحيد سبينوزا بين الفكر واالمتداد في موقفه من الطبيعة وقانونها. فالطبيعة عنده هى قانونها. فالطبيعة التى

نعرفها بالمشاهدة الحسية والمحيطة بنا، الطبيعة المادية، هى ، وهذه هى االمتداد المكانىNatura Naturataالطبيعة المطبوعة

Naturaكما نراه، والقانون، قانون الطبيعة، هو الطبيعة الطابعةNaturansوهذا القانون هو الجانب الفكرى من الطبيعة. وأن ،

نقول إن الطبيعة هى قانونها فكأننا نقول إن االمتداد هو فكر. ويذهب سبينوزا إلى أنه ال شئ يحدث في الطبيعة يمكن أن

V، وقوتها على الفعل يلحق بها أي خلل، ألن الطبيعة واحدة دائما هى نفسها في كل مكان )أى أن الطبيعة ال تتوقف عن العمل في أى مكان فيها(، فقوانين وقواعد الطبيعة، التى يحدث كل

V وفي كل شئ وفقهما ويتغير من شكل آلخر، هما نفسهما دائما(. 47مكان)

V يوضح به V طريفا ويقدم أحد الباحثين المعاصرين تصويرا نظرية سبينوزا في هوية الفكر واالمتداد، والنفس والبدن؛ إذ يذهب إلى أن عقل تولستوى هو السبب الدقيق في رواية أنا كارنينا، بدن تولستوى هو السبب الدقيق في الكتاب المادي

الذى يحمل عنوان أنا كارفينا. فالرواية عبارة عن ظاهرة ذهنيةV وظاهرة مادية في الوقت نفسه، نتاج ذهنى باعتبارها تأليفا

V. والرواية باعتبارها ظاهرة V ماديا V ونتاج مادي باعتبارها كتابا خياليا ذهنية وعقلية عبارة عن نتيجة لسبب ذهنى هو عقل تولستوى،

وباعتبارها ظاهرة مادية عبارة عن نتيجة لسبب مادي هوV. وعلى هذا األساس فال يمكننا شخص تولستوى باعتباره جسداV الفصل بين عقل وجسد فكالهما شخص واحد، وال يمكن أيضاV شئ واحد هو أنا كارنينا التى الفصل بين نتاجهما إذ هما أيضا

V في الوقت نفسه. وكل ما V ماديا V وكتابا V وعقليا V ذهنيا تعتبر تأليفا�فسر عن نستطيع أن نحلله هو هذه الظاهرة الواحدة التى ت

طريق نظام وترتيب عقلي من جهة ونظام وترتيب مادي من

محل اجتماع الفكر واالمتداد فى حين أن الجوهر نفسه يفتقد االمتداد وهو مجرد فكر يعد نقصاY خطيراY فى الجوهر حسب

سبينوزا. ( سبينوزا: رسالة في الالهوت والسياسة. ترجمة د. حسن حنفي47

. 216-214، ص 2008ومراجعة د. فؤاد زكريا. دار التنوير، بيروت،

22

Page 23: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

(. وكل ما في األمر أننا ننظر إلى نفس الظاهرة48جهة أخرى) مرة من وجهة نظر الفكر ومرة أخرى من وجهة نظر االمتداد.

وكذلك الحال بالنسبة للكون، فإذا نظرنا إليه حسب صفة الفكرV وإذا نظرنا إليه من جهة االمتداد وجدناه V فكريا وجدناه نسقاV، لكنه في نهاية األمر شئ واحد، وال ينقسم إلى V ممتدا نسقا

فكر وامتداد إال داخل التفكير اإلنسانى. فمن طبيعة هذا التفكير اإلنسانى أن ينظر إلى نفس الشئ على أنه فكر من جهة وعلى أنه امتداد من جهة أخرى. ويميل سبينوزا في بعض أجزاء كتابه "األخالق" إلى النظر إلى الفكر واالمتداد على أنهما ال يتمتعان

V أن يلحق بكل واحد منهما بوجود واقعى، ألنه رفض دائما جوهرية مستقلة، فالفكر واالمتداد ليسا جوهرين بل مجرد

صفتين لجوهر واحد، أو هما الصفتان اللتان يفهم بهما العقل(.49اإلنسانى الجوهر)

"إنويظهر توحيد سبينوزا بين الفكر واالمتداد من قوله: الدائرة الموجودة في الطبيعة وفكرة هذه الدائرة التى في اإلله عن دائرة موجودة هى الشئ نفسه، والذى يتم التعبير عنه في

صفات مختلفة؛ ولذلك فعندما نفكر في الطبيعة تحت صفة االمتداد أو تحت صفة الفكر أو تحت أى صفة أخرى، فسوف نكتشف نفس النظام الواحد أو نفس الصلة بين األسباب؛ أى

نفس التتابع بين الحوادث. وهكذا فعندما تدرك األشياء باعتبارهاV للفكر، فيجب أن نشرح نظام الطبيعة كلها أو صالت أحواال

األسباب عن طريق صفة الفكر وحده، وعندما ندرك األشياءV لالمتداد، فيجب أن نفسر نظام الطبيعة كلها باعتبارها أحواال

من خالل صفة االمتداد وحدها، وهكذا الحال بالنسبة ألى صفات ( يوضح سبينوزا في هذا النص أن الفكر اإلنسانى محتم50)أخرى"

48 ) Amihud Gilead: "Substance, Attribute, and Spinoza's Monistic Pluralism" in The European Legacy, vol. 3, No. 6. 1998, (1-14), P.10.

( أما هيجل فقد حاول أن يثبت أن لهما وجوداY واقعياY وليس49 وجوداY ظاهرياY حسب سبينوزا أى أثبت أن بينهما تناقضاY أصلياY يمر

بعملية جدلية. ولهذا السبب نظر هيجل إلى جوهر سبينوزا على أنه الليل الذى تكون فيه كل األبقار سوداء، أو أن جوهر سبينوزا فى

نظر هيجل ال يحتوى على تمايز واختالف حقيقى بل ظاهرىوحسب.

50 ) E, II, P.VII, note.

23

Page 24: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V من جهة V فكريا عليه أن يدرك كل الطبيعة باعتبارها نظاماV من جهة أخرى. لكن عندما تستوعب كل الطبيعة V ممتدا ونظاما

في نظام الفكر، وتستوعب نفس هذه الطبيعة في نظام االمتداد، ويكون نفس نظام وترتيب الفكر هو نفس نظام

وترتيب االمتداد، فإن هذا يعنى أن الفكر واالمتداد شئ واحد، وهذه هى النتيجة التى يقصدها سبينوزا في النص السابق. لكن يجب التنبيه على أن سبينوزا ال يرد الفكر إلى االمتداد واالمتداد

إلى الفكر في إثباته للهوية األصلية بينهما، بل يحافظ على(. 51الهوية األصلية بينهما)

V لتأكيد الهوية بين الفكر واالمتداد، يقول سبينوزا: واستمرارا ، وفي"إن نظام وترابط الأفكار هو نفسه نظام وترابط الأشياء"

شرحه لهذه القضية يذهب سبينوزا إلى أن فعل الإله مساوV يدور V داخليا لتفكير الإله. ومعنى هذا أن تفكير الإله ليس تفكيرا

في ذهن مثلما يحدث لدى الإنسان، بل إن تفكيره هو فعله،(.52)"الجوهر المفكر هو الجوهر الممتد"و

يقدم سبينوزا لنظريته في هوية الفكر واالمتداد بمصادرة ideate"(53،)"إن فكرة صادقة يجب أن تقابل موضوعها تقول:

أو مطابقة ما في األذهان لما في األعيان كما يقول المسلمون. هذا هو التعريف التقليدى للصدق والذى يتفق عليه كل الفكر

اإلنسانى وال يختلف عليه أحد. لكن سبينوزا من هذا التعريف، ومن هذه الحقيقة التى ال ينكرها أحد، يتوصل إلى أن الفكر وموضوعه

شئ واحد. ذهب التجريبيون إلى أن الفكر إنعكاس للموضوعات في الذهن، وهم بذلك يطابقون بين االثنين، لكن من خالل نظريتهم

االنعكاسية في المعرفة باعتبار الفكر اإلنسانى مرآة للطبيعة. لكن سبينوزا لم يكن يقصد هذه النظرية اإلنعكاسية، بل كان

يقصد الوضع األنطولوجى للعالقة بين الفكر وموضوعه، إذ هما

( لكن شلنج وهيجل أدركا أن سبينوزا يرد الفكر إلى االمتداد،51Y إلى مذهبه على أنه مادى ويعطى األولوية لالمتداد ولذلك نظرا

للطبيعة على الفكر، وأرادا بناء على ذلك إقامة مذهب روحى فى وحدة الوجود، يرد االمتداد إلى الفكر. أنهما بذلك يرفضان نظرية

التوازى عند سبينوزا.

52 ) E, II, P. VII. 53 ) E, Ax.VI.

24

Page 25: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

الشئ نفسه عند سبينوزا؛ ذلك ألننا إذا نظرنا إلى الموضوعV يدركه الفكر وإذا نظرنا إلى V فكريا وحده سنجد أن به جانبا

V V وإشاريا V واحاليا V، أى دالليا V موضوعيا الفكر وحده وجدنا فيه جانبا للموضوع. وال يمكن أن تكون هناك مطابقة بين الفكر

والموضوع ما لم تكن هناك هوية أصلية بينهما، أى جوهر مطلقيمثل هوية الفكر واالمتداد.

"نظام وترابط األفكار هو نفسه عندما ذهب سبينوزا إلى أن ، فقد كان بذلك يمهد الطريق للمثاليةنظام وترابط األشياء"

األلمانية كلها، وخاصة لشلنج وهيجل، ذلك ألن األخيرينV، على أساس استطاعا أن يقيما مذهبين مثاليين يتضمنان أفكارا أن هذه األفكار هى الوجه اآلخر لألشياء، وبذلك استطاعا وصف

الوجود كله بمذهب فكرى. لكن في حين أن شلنج استمر فيV إلى المحافظة على ثنائية الفكر والطبيعة أو المادة، ناظرا المادي على أنه مواز للفكرى، وذلك حسب فهمه لفلسفة

سبينوزا، فإن هيجل استطاع في كتابه "علم المنطق" أن يقيمV. فألن الحقيقة V المادة تماما V للمقوالت الفكرية مستبعدا ترتيبا

V وألن هذا الوجود واحدة والوجود واحد عند سبينوزا وهيجل معا الواحد يظهر لنا مرة على أنه فكر ومرة على أنه امتداد، فقد

استطاع هيجل التعامل الحر مع مقوالت الفكر على أنها تكشف عن مقوالت االمتداد. لقد شكلت فلسفة سبينوزا حول هوية

الفكر واالمتداد األساس الذى استطاع هيجل على أساسه التعامل مع الفكر على أنه يضم االمتداد في داخله، أو على أنه الجانب اآلخر من االمتداد. وهنا فإن مذهب هيجل المثالى الذى

V، وال يستطيع في يصف الوجود بمقوالت فكرية مبرر تاما الحقيقة أن يجد مبرره الكامل اال بناء على أن "نظام وترابط

األفكار هو نفسه نظام وترابط األشياء"؛ وعلى أن الفكرواالمتداد هما وجهتى نظر مختلفين للوجود الواحد.

هوية العقل والبدن )هوية سيكوفيزيقية(: . 4

وضnnع سnnبينوزا نظريتnnه حnnول العقnnل والجسnnد في مقابnnل نظرية ديكارت الnتي تعnد في حقيقتهnا إعnادة صnياغة لنظريnnات العصور الوسطى. ذهب ديكارت إلى أن الكائن اإلنساني مكnnون من جnnوهرين منفصnnلين ومتمnnايزين، جnnوهر مفكnnر وهnnو العقnnل

25

Page 26: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

وجوهر ممتnnد وهnnو الجسnnم. وبالنسnnبة لnnديكارت فإننnnا نسnnتطيع التفكير في العقل في اسnnتقالل عن الجسnnم ونسnnتطيع التفكnnير في الجسد في اسnnتقالل عن العقnnل، ألنnnه لكnnل جnnوهر قوانينnnه

. وديكارت بذلك يعد(54)الحاكمة له والمختلفة عن الجوهر اآلخرV في نظريته حول العقل والجسد، وبمزيد من الدقnnة نقnnول ثنائيا

. ويذهب ديكnnارت إلىSubstantialist Dualistأنه جوهراني ثنائي أن العقnnل والجسnnد منفصnnلين عن بعضnnهما البعض لكنهمnnا فيV بnnل V ليس ضnnروريا V، وهذا التواجد معا نفس الوقت موجودين معاV، ألن الجسد يمكنه أن يوجد بدون عقل في حالة األطفال عارضاV يمكنnnه أن يوجnnد بnnدون والمجnnانين والحيوانnnات، والعقnnل أيضnnا الجسد في حالة النوم وبعد الموت عندما يمnnوت الجسnnد وتبقى الروح. كما يذهب ديكارت إلى أن العقل موجود في الجسد كله ال في جزء فيه وحسب، ذلك ألن العقل ليس مثل ربان السفينة الموجnnود في مكnnان منهnnا ويوجههnnا من هnnذا المكnnان، فالعقnnل منتشر في كل الجسد ألن العقل هو مصدر اإلرادة التي تحnnرك كل أجزاء الجسnد كمnا أنnه مصnدر األحاسnيس الnتي يشnعر بهnا

المرء في جسده كله. والجسد عند ديكارت آلة يحركها العقل.

وفي مقابnnل الثنائيnnة الديكارتيnnة بين العقnnل والجسnnد يأتينnnا سبينوزا بنظرية مختلفة لم يسبق ألي فيلسوف أن جاء بها منnnذ أرسطو والمشائين اليونان واإلسالميين وأتباع الرشدية الالتينيnnة المنشقة، إذ يذهب سبينوزا إلى أن العقل والجسnnد شnnئ واحnnد، وذلnnك من منطلnnق وجnnود جnnوهر واحnnد يحمnnل صnnفتي الفكnnر

( انظر في ذلك التأمل الثاني من "التأمالت في الفلسفة54

األولى":

Descartes: “Meditations on First Philosophy”, In Philosophical Writings.

Selected and Translated by Norman Kemp Smith (New York: The Modern

Library, 1958), pp.184-192.

26

Page 27: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

واالمتداد في نفس الوقت. فالعقل والجسد عند سبينوزا صفتان . كما يnnذهب سnnبينوزا إلى أن العقnnل(55)أو حاالن للجوهر الواحد

هو الحال المخصوص لجسد أنساني معين. ذلك ألن لكnل جسnد إنساني عقله الخاص، وهو يقول في ذلnnك: »إن موضnnع الفكnnرة التي تشكل العقل اإلنساني هي الجسد، الnnذي هnnو حnnال خnnاص

V أخر سوى ذلnnك«) (. وكnnل حادثnnة جسnnدية56لالمتداد وليس شيئا توازيها حادثة أخرى مماثلة لها على مسnتوى العقnل، بمعnنى أن كل مnnا يشnnعر بnnه الجسnnد باعتبnnاره إحسnnاس يشnnعر بnnه العقnnلV أو فكرة. ذلك ألن الجوع أحساس جسnnدي، أمnnا باعتباره شعورا الرغبnnة في تنnnاول الطعnnام فهي شnnعور عقلي، ومثلمnnا يشnnعر الجسد بالجوع يشnعر العقnل بالرغبnnة الnتي هي شnnئ عقلي في

السعي نحو البحث عن الطعام.

عندما يقول سnnبينوزا إن العقnnل والجسnnد شnnئ واحnnد فهnnو يعني بذلك أن اإلنسان وحدة واحدة متكاملة، إذا نظرنا إليها من حيث أنه كائن عاقل مفكر وناطق فسوف يظهر على أنnnه روح، وإذا نظرنا إليه على أنه كnائن عضnوي بيولnوجي فسnوف يظهnر على أنه جسد. ويعد التعريnnف األرسnnطي القnnديم لإلنسnnان بأنnnهV لذلك االتحاد بين الروح والجسnnد، فالحيوانيnnة حيوان ناطق تخيال في اإلنسان هي جسده، والنطق النnnاتج عن العقnnل والفكnnر هnnو الجانب الروحاني فيه. وباإلضافة إلى ذلnك فnإن سnبينوزا يقصnد من قوله بأن الروح والجسد شئ واحد أن الروح إذا نظرنا إليها

التفكnnير والنطnnق والحيnnاة في الإنسnnانعلى أنها تمثل وظnnائف فسوف تظهر مرتبطة بالجسnnد لأن هnnذه الوظnnائف ال تقnnوم إال في جسد حي بيولوجي، وإذا نظرنا إلى الجسد الإنساني سنجد أنه هو الأخر ال يقوم بذاته بل بفضل ما فيه من روح. والحقيقة

55 () Ibid: PP. 89-92.56 ) E, II, P.III.

27

Page 28: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

أنه سبينوزا ينظر إلى الثنائية التقليدية بين الروح والجسد على أنها ثنائية زائفة، أو ليس لها وجود حقيقي في الواقnnع، بnnل هي مجرد ثنائيnnة في الفكnnر الnnذي يفكnnر في الإنسnnان ويفصnnله إلى جnnانب روحي وجnnانب جسnnدي، إنهnnا ثنائيnnة ناتجnnة عن الفصnnل والتميnnيز الفكnnري المجnnرد في ماهيnnة الإنسnnان وليسnnت ثنائيnnةV فلسفة ديكnnارت وفلسnnفة حقيقية. وكان سبينوزا بذلك متجاوزاV بين الnnروح V حاسnnما العصور الوسطى التي كnnانت تفصnnل فصnnال

.57والجسد

والحقيقة أن نظرية سبينوزا هذه تعرضت لسوء فهم من ( 57

قبل بعض الشراح، إذ جعلت البعض منهم يعتقد أن العقل ليس إال

ظاهرة سيكولوجية باعتبارها أثراY من آثار الجسد، وأبرز مثال على

Jonathan Bennett, A Studyذلك جوناثان بينيت في كتابه عن سبينوزا:

of Spinoza’s Ethics (Indianapolis: Hackett, 1984), pp.143-149وجعلت

البعض الآخر يعتقد أن العقddل هddو الصddورة أو الهيئddة الddتي تعطي

للجسد طبيعته ووظائفه، وأحدث دراسddة تddرتكب هddذا الخطddأ هي:

Michael Della Rocca, Representation and the Mind-Body Problem in

Spinoza (Oxford: Oxford University Press, 1996), pp.118ff, 141ff.االعتقاد

الأول متأثر بالفلسفة التجريبية الإنجليزية التي نظرت إلى العقل

على أنddه شddئ ملحddق بالجسddد وعلى أنddه عضddو سddيكوفيزيقي،

واالعتقddاد الثddاني تddأثر بفلسddفة أرسddطو حddول الصddورة والمddادة

واتحادهما معاY، بحيث يكون العقل هو الصورة والجسد هو المddادة.

لكن نظرية سبينوزا حول العقddل والجسddد ليسddت سddيكولوجية وال

أرسdddطية، ذلdddك لأنdddه ال ينظdddر إلى العقdddل على أنdddه العضdddو

السddيكوفيزيقي المفكddر للجسddد، وال ينظddر إليddه أيضddاY على أنddه

الصورة التي تعطي للجسد ماهيته وشddكله ووظائفddه. إن نظريتddه

بddالأحرى هي نظريddة التddوازي الكامddل بين العقddل والجسddد، تلddك

النظرية التي ال ترد أحddدهما إلى الأخddر وتنظddر إليهمddا على أنهمddا

28

Page 29: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

وإذا كان العقnل الإنسnاني أحnد أحnوال الجnوهر الواحnد في الجانب المفكر فيه، فnnإن مnnا يمnnيز هnnذا العقnnل الإنسnnاني تمتعnnه بمزيد من الواقعية والتعقيد، فالعقل الإنساني فكرة، وما يميزهnnا عن أي فكnnرة أخnnرى مجnnردة ارتبnnاط هnnذه الفكnnرة بالجسnnد

. يمكن أن توجد بالنسnnبة لسnnبينوزا أحnnوال كثnnيرة(58)الإنساني للفكر، مثل الأفكار الرياضية والهندسية وقوانين الطبيعة باعتبارها

أفكار، لكن هذه الأفكار عامnة ومجnردة ال تتمتnع بمnا يتصnف به العقل الإنساني من عينية. ومصدر العينيnnة والواقعيnnة في العقnnل

V الرتباطnnه V بالجسnnد وأكnnثر تعقيnnدا الإنسnnاني أنnnه أكnnثر ارتباطnnاV في الوظائف. V وتعقيدا بجسد أكثر تركيبا

عندما يأتي سnnبينوزا بنظريتnnه في اإلنسnnان من حيث كونnnهV في الجزء الثnnاني من األخالق تتضnnح نظريتnnه حnnول V وجسدا عقال الفكر واالمتnnداد والnnتي وضnnعها في الجnnزء األول حnnول اإللnnه. إذ يذهب إلى أن اإلنسnnان يnnدرك الفكnnر واالمتnnداد ألنnnه هnnو نفسnnه مكnnون من فكnnر وامتnnداد، فnnإدراك الفكnnر واالمتnnداد باعتبارهمnnا صفتين يnnأتي من امتالك اإلنسnnان لفكnnر وامتnnداد. والمالحnnظ أن سnnبينوزا بnnذلك يوحnnد بين الوجnnود والمعرفnnة، ذلnnك ألن وجnnود اإلنسان هو الذي يحnnدد إدراكnnه، بمعnnنى أنnnه فكnnر وامتnnداد علىV المستوى األنطولوجي وهذا هو الذي يمكنه من إدراكهما معرفيا على المستوى االبستيمولوجي، ويnnأتي سnnبينوزا بفكnnرة طريفnnةV كلمnnا كnnانت فكرتnnه معقnnدة وهي أنه كلمnnا كnnان الجسnnم معقnnدا ومركبة، والجسم البسيط فكرته بسيطة، ولهذا السبب يستطيعV لتعقnnد وتnnركيب اإلنسnnان إدراك أفكnnار مركبnnة ومعقnnدة نظnnرا

حالين لجوهر واحد . إن ما تتميز به فلسفة سبينوزا أنهddا ال تنظddر

إلى العقل والجسد على أنهمddا جddوهرين، ذلddك لأن الجddوهر عنddده

لجوهر واحد.modesواحد، بل تنظر إليهما على أنهما حالين

58 () Nadler: PP. 132-136.

29

Page 30: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

جسمه. هذا باإلضnnافة إلى أن سnnبينوزا يصnnف الكnnائن اإلنسnnانيV، فاالثنان لديه يتكونان من فكر وامتnnداد ال كما وصف اإلله تماما في ثنائية بل في اتحاد ووحدة يشnnيران إلى صnnفتين متمnnايزتين لجوهر واحد. فاإلنسان عنده جnnوهر واحnnد بصnnفتين همnnا الفكnnر واالمتداد، وكان سبينوزا قد سnnبق وأن وصnnف اإللnnه أو الطبيعnnة

بنفس الوصف.

خطأ نظرية التوازى:

العقل والجسد عند سبينوزا شئ واحد، إذ نظرنا إليه منV لألعضاء ألجل هدف V عقالنيا جهة الفكر، أو من جهة كونه تنظيما

وغاية، وجدنا أنه عقل، وإذا نظرنا إليه من جهة االمتداد وجدنا أنه جسد. ويرفض سبينوزا صراحة احتمال أن يكون في

اإلنسان جوهرين متمايزين، عقل وجسد، يؤثر أحدهما على اآلخر في عالقة تبادلية، وهذا ما يثبت نظرته إليهما على أنهما

: "ال يمكن للجسد أن يحددشئ واحد، وفي ذلك يقول سبينوزا العقل في تفكيره، وال يمكن للعقل أن يحدد الجسد في حركته

(. والحقيقة أن هذه القضية59)أو سكونه أو في أى شئ آخر" تقدح في صحة نظرية التوازى التى ذهب كثير من الشراح إلى أنها هى نظرية سبينوزا حول العقل والجسد. فنظرية التوازى

تفترض وجود عقل وجسد متمايزين عن بعضهما البعض يحدث بينهما تأثير متبادل، بحيث تكون كل حادثة جسدية مصاحبة

بحادثة عقلية والعكس كذلك.

لكن ليست هذه هى نظرية سبينوزا الحقيقية. يكمن خطأ تأويل فلسفة سبينوزا حول العقل والجسد باعتبارها نظرية في

التوازى في سعى الشراح نحو فهم سبينوزا وفق فلسفة ديكارت الثنائية في العقل والجسد، في كونهما كيانين

منفصلين. لكن سبينوزا يصر بوضوح على إنكار كل الثنائيات الديكارتية. والمعنى الحقيقى للتوازى في فلسفة سبينوزا ليس

هو التوازى بين العقل والجسد الذى يظهر في إطار الفهم الديكارتى له، بل في أن العقل والجسد، لكونهما شئ واحد،

فإن الذهن اإلنسانى يدركهما على أنهما شيئين متوازيين.

59 ) E, III, P.II.

30

Page 31: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

التوازى إذن هو الطريقة التى يفهم بها الذهن اإلنسانى العقل والجسد، ومعنى هذا أن التوازى ليس فيهما نفسيهما بل في

الفكر اإلنسانى وحده.

ونستطيع توضيح المعنى الذى يقصده سبينوزا بالتوازى بين العقل والجسد باالستعانة بالمثال الذى قدمه لسنج لمندلسون في شرحه لنظرية سبينوزا في العقل والجسد. يقول لسنج إن

العالقة بين العقل والجسد عند سبينوزا تشبه اإلنسان الذى ينظر إلى نفسه في المرآة. فهو في المرآة يرى صورة

V لجسده على الحقيقة، ويمكن لجسده، صورة مطابقة تماما لهذا اإلنسان أن يعتقد أن العالقة بين صورة جسده في المرآة

(.60وجسده الحقيقى هى عالقة توازى، لكنها ليست كذلك) فالصورة هى انعكاس مرئى للجسد الحقيقى. الصورة في

مقال لسنج هى فكرة الجسد، الجانب الفكرى والتصورى من هذا الجسد الحقيقى المادي، وليس هناك تواز حقيقى فيهما ألن

الصورة مجرد انعكاس مرئى للجسد المادي. وبناء على هذا المقال نستطيع القول بأن العقل هو الصورة الذهنية للجسدV على الفكر اإلنسانى. وليس هناك بالتالى كما تنعكس مرئيا عقل متمايز عن الجسد عند سبينوزا، ألن االعتقاد في وجود

عقل مستقل هو بسبب اعتقاد الفكر اإلنسانى في أن الصورة الذهنية التى لديه عن الجسد والتى يسميها العقل مختلفة عن

الجسد المادي، لكنهما في الحقيقة شئ واحد، جسد مادي وانعكاس ذهنى لهذا الجسد المادي في الفكر اإلنسانى الذى

(.61يعمل على أنه مرآة داخلية)

60 ) Lessing, Gotthold Ephraim, “Spinoza only put Leibniz on the track of (his

theory) of pre-established harmony”, in Philosophical and Theological

Writings. Translated and edited by H. B. Nisbet (Cambridge: Cambridge

University Press, 2005), pp. 33-34.

( فسر الكثير من شراح سبينوزا نظريته فى هوية نظddام األشddياء61 (. لكن الBennett, Op.cit., pp.127-135ونظام األفكار على أنها تواز)انظر

يقصد سبينوزا أن يقيم توازياY بين الجانبين، بل قصد إقامddة الهويddة. ولذلك يقول إن الجوهر المفكر والجوهر الممتد همdا نفس الجddوهر، يتم فهمه مرة تحت هذه الصفة ومdرة تحت تلdك؛ وكdذلك فdإن حdال االمتداد وفكرة هذا الحال هى الشئ نفسdه، لكن يتم التعبdير عنهمdا بطريقddتين مختلفddتين. الثنائيddة التقليديddة إذن ليسddت إال ثنائيddة فى

31

Page 32: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

ثانياY – سياق عودة المثالية األلمانية إلى سبينوزا:

. النزاع حول سddبينوزا في الفكddر األلمddاني السddابق1على ظهور المثالية األلمانية:

ما الذى أدى بالمثاليين األلمان إلى االقتراب من سnnبينوزا وإعnnادة إحيائnnه وتبnnنى فلسnnفته في الهويnnة؟ يرجnnع السnnبب إلى المناخ الفكرى الذى ظهnnر في ألمانيnnا بعnnد صnnدور "نقnnد العقnnل الخالص" لكانط وردود األفعال عليه من قبل عدد من المفكرين األلمان الذين كان لهم تأثير حاسم في ظهور المثاليnnة األلمانيnnة

، ذلnnك المنnnاخ(64) ويnnاكوبى(63) وهnnردر(62)بعnnد ذلnnك، وهم هامnnان

الفكر أو الفهم، لكنهما ليسا كdذلك على المسdتوى األنطولdوجى، إذ هما فى هوية واحدة، أو هما الشئ الواحد نفسه. فهم كانط مddذهب سddبينوزا خطddأ على أنddه يقيم توازيddاY، وأقddام نقddده للميتافيزيقddا التقليدية التى هى ميتافيزيقddا سddبينوزا فى األسddاس، على أسddاس هذا الفهم الخاطئ، ورفض وفصddل فصddالY حddاداY وتامddاY بين الظddاهر، الذى يبدو فيddه االنفصddال أكيddداY، والشddئ فى ذاتddه. لكن أنطولوجيddا هيجل استطاعت استعادة شئ من هddذه الوحddدة األصddلية بين الفكddر واالمتddداد، على الddرغم من أنddه كddان يميddل إلى اخddتزال االمتddداد أو الوجود فى الفكر، والنظر إلى الفكر على أنه نمddط أنطولddوجى فى

الوجود.

:Johann Georg Hamann (1730-1788)( يوهان جورج هامان 62 فيلسوف ألماني من أشهر الذين دافعوا عن المسيحية واإليمان الديني في عصر التوير. ترجم أعمال هيوم إلى األلمانية والتي أثرت بدورها على كانط. وأثر باتجاهاته الالعقالنية على ياكوبي

The Cambridge Dictionary of Philosophy. Edited by Robert وكيركجور.Audi (Cambridge: Cambridge University Press, 1999), P. 360

-Johann Gottfried von Heder (1744يوهان جوتفريد فون هردر ( 63 ، فيلسوف ألماني وشخصية أدبية شهيرة، يمثل مرحلة(1803

االنتقال من التنوير إلى الرومانتيكية. حمل فكره بوادر النزعات The الحيوية والتاريخية التي أثرت على شلنج وهيجل من بعده.

Cambridge Dictionary of Philosophy P.377. ،Friedrich Heinrich Jacobi (1743-1819)( فريدريش هاينرش ياكوبي 64

فيلسوف وأديب وروائي ألماني. اشتهر بكونه الذي بدأ النزاع األلماني الشهير حول فلسفة سبينوزا والذي دار حول اإلشكالية

القديمة بين العقل واإليمان. دافع ياكوبي عن إيمان العقالنيYوذهب إلى أن كل المذاهب الفلسفية تؤدي إلى السبينوزية حتما لكونها معتمدة على العقل، واالعتماد على العقل وحده يؤدي في النهاية إلى العدمية. ويعد ياكوبي هو الذي أدخل مصطلح العدمية

32

Page 33: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

الفكnnري الnnذي سnnيطر عليnnه مnnا كnnان يسnnمى بnnالنزاع حnnولV بnnالنزاع حnnولSpinozismusstreitالسبينوزية ، وكان يعnnرف أيضnnا

. وقبnnل أن نسnnتعرض الnnنزاعPantheismusstreitوحnnدة الوجnnود األلماني حول فلسفة سبينوزا والnnذي بnnدأ في ثمانينيnnات القnnرن الثامن عشر، يجب علينا معرفة وضع فلسفة سبينوزا في ألمانيا

منذ بداية القرن الثامن عشر.

سبينوزا في ألمانيا القرن الثامن عشر:

حnnتى نشnnوب الnnنزاع الشnnهير بين المفكnnرين األلمnnان حnnول فلسnnفة سnnبينوزا في العقnnدين األخnnيرين من القnnرن الثnnامن

( ، كان سبينوزا شخصية غير مرغوب فيهnnا في ألمانيnnا.65عشر) فألكثر من قرن عاملتnه المؤسسnات األكاديميnة والكنسnية على أنnnه "كلب ميت" كمnnا ذهب لسnnنج. لقnnد تم نشnnر "األخالق" في

..1670، ورسالة في الالهوت والسياسة في 1677ألمانيا سنة V على كnnل أسnnتاذ وحتى منتصف القرن الثامن عشnnر كnnان لزامnnا وقسيس أن يثبت أرثوذكسnnيته قبnnل أن يتnnولى منصnnبه؛ وإثبnnات

.V أرثوذكسية المرء كان يتطلب إنكار سبينوزا باعتباره مهرطقا

وبما أن الهجوم على سnnبينوزا قnnد أصnnبح شnnعيرة إفتراضnnية، فقد كان هناك كم هائل من األطروحات المهاجمة والناقnnدة لnnه.

هاجم عnnدد كبnnير من األسnnاتذة ورجnnال الnnدين1710وعند سنة V باألعمnnال المضnnادة سnnبينوزا حnnتى لقnnد ظهnnر آنnnذاك كتالوجnnا

عnnnدد تريnnnنيوس1759(. وفي سnnnنة 66لسnnnبينوزا في اليnnnبزج)Trinius ول129 مؤرخ الفلسفةnnلسبينوزا في قاموسه ح V عدوا

. كانت هnnذه هى سnnمعة سnnبينوزاFreydenkerlexiconالفكر الحر حتى أنه كان يوصnnف بالشnnيطان نفسnnه. والسnnبينوزية لم تكن

في الفكر الفلسفي وكان بذلك يمثل نهاية لعصر العقل وبداية.The Cambridge Dictionary of Philosophy P446. للرومانتيكية

( والذي بدأه نشر ياكوبي لكتابه "رسddائل حddول مddذهب سddبينوزا"65Briefe über die Lehre von Spinoza أنظر في ذلك: 1785 في ,Gerard Vallee؛

The Spinoza Conversations Between Lessing and Jacobi. Translated by G. Vallee, J.B. Lawson, and C.G. Chapple (Lanham: University Press of America,

1988)pp.1-5, 27-45, 51-56 .66 ) Catalogus scriptorum Anti-Spinozanorum; cf. Frederick C. Beiser, The Fate of Reason: German Philosophy from Kant to Fichte (Cambridge: Harvard University Press, 1987), pp.48-49.

33

Page 34: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

مجرد صورة من االلحاد بل التجسد الكامل له.

ولم يكن اسnnتقبال سnnبينوزا من قبnnل أوائnnل مفكnnرى عصnnر.V التنوير في ألمانيا – اليبنتز، فولnف، توماسnيوس – أكnثر ترحيبnا فقد أظهروا أنهم يكتبون انتقادات نزيهة لفلسفته، لكن كان من الواضح أن نزعة سبينوزا الالأرثوذكسية قnnد عملت على المزيnnد من الرفض لفلسفته. كانت هاك تحذيرات مستمرة من إلحاده،V لفلسnnفته. أعلن وقد شnnعروا أنهم من واجبهم أن يكتبnnوا تفنيnnدا

أنnnه من بين كnnل المnnذاهب1688توماسnnيوس لتالمذتnnه سnnنة الفلسفية فإن مذهب سبينوزا كان األصعب في المواجهnnة. كمnnا أعلن فولnnف أن فلسnnفته عقبnnة ضnnد السnnبينوزية. وفي كتابnnه

Theologica"الالهnnوت الطnnبيعى" naturalis 1737V قnnدم تفنيnnداV لسبينوزا، والذى أصبح المقياس الذى حكمت به مدرسته مطوال على سبينوزا طوال القرن الثnnامن عشnnر. كمnnا حnnذر اليبنnnتز من شnnرور السnnبينوزية، واتهم كتnnاب "األخالق" بأنnnه كتnnاب خطnnير ويؤدى إلى الهرطقة. كل هnnؤالء المفكnnرين رأوا في السnnبينوزية اإللحاد والجبرية. فألسباب دينية أكثر منها فلسفية كnnان ال يمكن تقبل إنكار سبينوزا للعناية اإللهيnnة والnnوحى وحريnnة اإلرادة وإلnnه

(.67شخصى مفارق)

وشعر بعض أتباع مدرسة اليبنتز وفولف من أمثال يواكيمJoachimالنجnnه Lange ودهnnز بnnان فرانnnويوه Jonann Franz Buddeيرnnا تم السnnف إذا مnnتز وفولnnد اليبنnnأن منهج البرهان عن .

V إلى الوقnوع في معnه إلى نهايتnه المنطقيnة سnوف يnؤدى حتمnا السبينوزية، وكانت هذه المالحظة من جراء تأثر اليبنnnتز وفولnnف نفسnnيهما ببعض أفكnnار سnnبينوزا دون وعى منهمnnا. والطريقnnة الوحيدة لمواجهة الوقوع في السبينوزية من وجهة نظرهمnnا هى في التخلى عن العقnnل في سnnبيل اإليمnnان، وعن البرهnnان في

V للنقnاش الnذى دار بين68سبيل الوحى) (. وكnان هnذا الnرأى مشnابها ياكوبى ومندلسون حول فلسفة سبينوزا، إذ سوف يؤكد ياكوبى

.V على اإليمان والوحى مثلهما تماما

V في ألمانيnnا القnnرن V أن سبينوزا كان مهمال لم يكن صحيحا

67 ) Ibid: pp.49-51. 68 ) Jonathan Israel, Radical Enlightenment. Philosophy and the Making of Modernity 1650-1750 (Oxford: Oxford University Press, 2001), pp.543-547.

34

Page 35: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

الثامن عشر، فهذا الوصف صnnادر من أعnnداء فلسnnفته وحسnnب. والحقيقة أن سبينوزا كان شخصية رئيسية لدى االتجاه اليسارى في حركة التنوير األلمانية. كnnان هnnذا االتجnnاه ذا خلفيnnة لوثريnnة، ووجد في سبينوزا وسnnيلة للخnnروج عن الطnnابع الكهنnnوتى الnnذى وصnnلت إليnnه البروتسnnتانتية وفكnnر لnnوثر. أكnnد لnnوثر على أولويnnة اإليمان الفردى وعلى أن كل إنسان يمكنه أن يكتشف الحقيقnnة الدينية من قراءتnnه للكتnnاب المقnnدس دون االعتمnnاد على رجnnال الnnدين. لكن االتجnnاه اليسnnارى لم يسnnتطع أن يتبnnنى سnnبينوزاV لهذه الخلفية اللوثرية بالذات، ألن لnnوثر أكnnد على بالكامل نظرا ضnnرورة الرجnnوع إلى الكتnnاب المقnnدس مباشnnرة دون وسnnاطة رجال الدين، وأما سبينوزا فقnnد هnnدم سnnلطة الكتnnاب المقnnدس نفسه. وبذلك وضع سnnبينوزا اليسnnار اللnnوثرى في معضnnلة. لقnnد انجذب االتجnnاه إلى سnnبينوزا بفضnnل مnnا فهمnnه لديnnه من وحnnدةV بالدين ولم يستطع قبول نقnnد الوجود، لكنه كان ال يزال متمسكا سبينوزا للوحى وسلطة الكتاب المقدس واإلله المفارق. ولذلك تبنى االتجاه وحدة الوجود السبينوزية مع رفض آراء سبينوزا في "رسالة في الالهوت والسياسة". وهكذا فإن الشكل الوحيد من السبينوزية الذى استطاع أن يدخل في صnnميم اليسnnار اللnnوثرى

(، ذلك المذهب الnذى سnnوف يقnدر69التنويرى هو وحدة الوجود) له االستمرار في الفكر األلمانى في أواخر القرن الثnnامن عشnnر والنصnnف األول من القnnرن التاسnnع عشnnر لnnدى الرومانتيكيnnة

والمثالية األلمانية.

مواقف هامان وياكوبي من فلسفتي سبينوزاوكانط ومن عصر التنوير:

ولم تسلم فلسفة كانط هي األخرى من النقد، إذ بnnدأ هامnnان وياكوبي في نقدها فور صدور كتاب "نقد العقل الخالص". ولهذا النقد داللة بالنسبة لوضع فلسفة سبينوزا في ذلك العصر؛ إذ إن فلسفة سبينوزا هي األخرى كانت محل النقد من قبnnل عnnدد من المفكnnرين األلمnnان في نفس هnnذا التnnوقيت، وأهمهم هامnnان

وياكوبي.

في مقnال بعنnوان1783 قدم هامnان أول نقnد لكانnط سnنة Metakritik"نقد متعال حول الطابع الخالص للعقل الخnnالص " "

69 ) Beiser, The Fate of Reason, op.cit., P.52.

35

Page 36: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

Uber den Purismus der reinen vernunftرةnnان فكnnنقد هام ." كانط عن العقل المستقل الذى يحاكم ذاتnnه بذاتnnه في اسnnتقالل

.(70)عن أى خبرة تجريبية، وثنائيته في الظاهر والشnnئ في ذاتnnه وهاجم هامان نظرة كانط للعقل على أنه خnnالص، أى مسnnتقل عن أى

خبرة تجريبية، فالطnnابع الخnnالص للعقnnل في نظnnر هامnnان هnnو ، أى اعتبnnارهhypostasizeإضفاء الطابع الشيئى على العقnnل وأقنمتnnه

V عن اللغnnة والثقافnnة والخnnبرة. وإذا V ومستقال V في ذاته خالصا شيئا كان علينا أال نقع في إشكالية أقنمة العقل في نظر هامان فيجب

علينا أن نسأل أنفسنا؛ أين يقع هذا العقnnل؟، وفي أى األشnnياء يكمن هذا العقل؟ واإلجابة عن هذه األسئلة تتمثل عنnnد هامnnان في النظnnر إلى العقل على أنه يتجسد في اللغة والثقافة والفعل. والعقل بذلك

ليس مجرد ملكة معرفية خالصة تقع في عالم ذهنى مجرد، بل هnnو مجnnرد أسnnلوب معين في الحnnديث وفي الفعnnل بلغnnة معينnnة وفي

ثقافة معينة. وبالتالى أكnnد هامnnان على الجnnانب االجتمnnاعى والتnnاريخى للعقل والذى تعرض للتجاهnnل في عصnnر التنnnوير. ومقيnnاس العقnnل

ليس سوى اللغة، وهذه اللغة هى لغة أمة معينة. وتحمل نظnnرةV، فألن العقnnل V نسnnبيا هامnnان اللغويnnة والتاريخيnnة للعقnnل طابعnnا

يتجسnد في لغnة وثقافnة وتnاريخ أمnة معينnة فسnوف يختلnف معناه من أمة إلى أخnnرى ولن يعnnود ذلnnك الكيnnان الكلى الخnnالص الnnذى

وصفه كانط. بnnل سnnوف يكnnون لكnnل أمnnة مفهومهnا الخnnاص عن. (71)العقل والمتعارض مع مفاهيم العقل األخرى لدى أمم أخرى

70 ) De Giovanni, George: “The First Twenty Years of Critique: The Spinoza

Connection”, in Paul Guyer (ed.), The Cambridge Companion to Kant.

(Cambridge: Cambridge University Press, 1992), pp. 423-427. 71 ) Beiser, The Fate of Reason, pp. 37-41.

والمالحddظ أن هيجddل سddوف ينطلddق من نفس هddذه النظddرة التاريخية للعقddل، لكن بddدالY من الوصddول إلى النتddائج النسddبية التى وصل إليها هامان، ومن بعده هردر، سddوف يجعddل هيجddل من العقل المسيرة الباطنة لتطور تاريخ البشddرية كلddه ال ألمddة معينة، على الرغم من أنه سوف يذهب في محاضرات فلسddفة التاريخ وتاريخ الفلسفة إلى أن العقل يصل إلى غايته الباطنة

في األمة الجرمانية.

36

Page 37: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

كما تعرض مفهوم عصر التنوير ومفهوم كانط، عن اسnnتقالل العقل، لهجوم من فيلسوف ألمانى آخر هو ياكوبى في "رسائل حnnول فلسnnفة سnnبينوزا". وفي حين أن هامnnان وهnnردر أعلنnnا أن�عnnزل عن اللغnnة والتnnاريخ، أعلن يnnاكوبى أن العقnnل ال يمكن أن ي�عزل عن الرغبة والغريزة. ذهب يnnاكوبى إلى العقل ال يمكن أن ي أننا يجب أن ننظر إلى العقnnل على أنnnه جnnزء من كيnnان عضnnوى حى، حيث يقوم العقل بدور تنظيم عملياته الحيوية. والعقل عند ياكوبى ليس قوة محايدة في التأمل بnnل أداة لإلرادة تسnnتخدمها للسيطرة على البيئة والهيمنة عليهnا. والعقnل عنnد يnاكوبى يقnع تحت تnnأثير اإلرادة إلى درجnnة أن معnnاييره في الصnnحة والخطnnأ موجهة عن طريق هذه اإلرادة. فما هو صnnحيح أو خnnاطئ يصnnبح هو الناجح أو الفاشل في تحقيق أهداف الحياة؛ وهnnذه األهnnداف تختلف من ثقافة إلى أخرى، وبالتالى فليس العقل ملكnnة ذهنيnnة

. لقnnد كnnان(72)مستقلة بل هو جزء من الوجود الحيnnوى لإلنسnnان ياكوبى من بين أوائل الفالسفة الذين وضnnعوا الخطnnوط العامnnةV لnnدى المثاليnnة V أساسnnيا لفلسفة الحياة والتى سوف تكون معلما األلمانية وللعديnnد من الفلسnnفات األلمانيnnة في القnnرنين التاسnnع

عشر والعشرين، لعل آخرها فلسفة شبنجلر.

لقد كان نقد هامان ويnnاكوبى لمفهnnوم العقnnل عنnnد كانnnطV من العودة إلى سبينوزا، ذلك ألنهما بذهابهما إلى أنnه يجب جانبا تفسير كل شئ عن طريnnق قnnوانين الطبيعnnة، فيجب أن نتوقnnف عن النظر إلى العقل على أنه ملكة مكتفية بnnذاتها موجnnودة في استقالل عن الطبيعة، بل يجب أن ننظر إليه على أنه هو نفسnnه جزء من الطبيعة، وهذا ما يتجلى بوضnnوح في فلسnnفة سnnبينوزا. إذا كnnان على العقnnل أن يفسnnر كnnل شnnئ عن طريnnق قnnوانين الطبيعة، فيجب أن يفسر نفسnnه بنفس القnnوانين وأال ينظnnر إلى نفسه على أنه مستقل عنها. وال يمكن للعقل أن يnnدرك قnnوانين الطبيعnnة إال ألنnnه هnnو نفسnnه جnnزء من الطبيعnnة، أو هnnو نnnوع من الطبيعة ذاتها، فالشبيه يدرك الشبيه. هذه النتيجnnة متضnnمنة في

كتاب األخالق لسبينوزا.

لقد كانت فلسفة كانط غير مناسبة لهذا الطمnnوح الفلسnnفي الجديد لهؤالء الفالسفة األلمان، ذلك ألن كانط قnnد ذهب إلى أن

72 ) Beiser, The Fate of Reason, 46-48.

37

Page 38: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

العقل يدرك الطبيعة ألنه هو الذى يفرض قوانينnnه عليهnnا، أو ألن مnnا يسnnمى بالطبيعnnة هnnو الظnnاهر الnnذى ينتجnnه العقnnل بملكاتnnه المعرفية وأدواتnnه من تمثالت وتصnnورات ومقnnوالت. لكن هnnؤالء الفالسفة وجدوا صعوبة في تقبل هذه النظريnnة الكانطيnnة، ذلnnكV للطبيعة ذاتهnnا وال لقوانينهnnا بnnل ألن العقل بذلك لن يكون مدركا سوف يدرك الطبيعة بناء على بنيته المعرفية ذاتها، وبذلك تكون فلسفة كانط كاشفة عن الثنائيnnة القديمnnة بين الفكnnر والوجnnود، الفكر الذى ال يستطيع أن يدرك من الوجود إال تصnnوراته القبليnnة عنه، أما الوجnnود ذاتnnه فال يمكن للعقnnل معرفتnnه، ألن كانnnط قnnد فصل بين الظاهر والشئ في ذاته. وفي مقابل فصل كانnnط بين العقل والطبيعة، كان هذا الفصnل هnو الnذى أراد شnلنج وهيجnل القضاء عليه بالعودة إلى تأكيد وحدة العقل والطبيعة، أو بإقامnnة

مذهب فلسفي يستعيد مبدأ الهوية عند سبينوزا.

النزاع حول وحدة الوجود في أواخر القرن الثامن

عشر

ساد المناخ الفكnnرى األلمnnانى في العقnnدين األخnnيرين من القرن الثnnامن عشnnر نnnزاع سnnمى بnnالنزاع حnnول وحnnدة الوجnnود

Pantheismusstreitنزاع الحقيقىnnة؛ ألن الnnير دقيقnnمية غnnوالتس . V حnnnول اإللحnnnاد كnnnان حnnnول فلسnnnفة سnnnبينوزا، أى نزاعnnnا

Atheismusstreitاكوبىnnاش بين يnnدما دار نقnnنزاع عنnnذا الnnبدأ ه . ومندلسون حول فلسفة لسnnنج وعالقتهnnا بسnnينوزا، ودار الnnنزاع في صnnورة خطابnnات متبادلnnة بين االثnnنين، وتحnnول إلى نnnزاع أو نقاش عام بين أطراف عديدة عندما نشر ياكوبى خطاباته سnnنة

. أعلن ياكوبى لمندلسون أن المذهب الحقيقى للسnnنج هnnو1785(73)V. ويعnnنى ذلnnك أن V متخفيnnا مذهب سبينوزا، وأن لسنج كان سnnبينوزيا

لسنج كnnان يتمسnnك على نحnnو ضnnمنى وخفي بتوحيnnد سnnبينوزا بين اإللnnه والطبيعnnة، والnnذى كnnان يعnnنى في نظnnر األلمnnان آنnnذاك

V V مسnnتقال V أو كيانnnا اإللحnnاد، ألنnnه ينكnnر أن يكnnون اإللnnه شخصnnاV للعالم ،1785. وعندما نشر ياكوبى خطاباتnnه سnnنة (74)مفارقا

73 ) Lord, Beth, Kant and Spinozism. Transcendental Idealism and Immanence

from Jacobi to Deleuze. (New York: Palgrave Macmillan, 2011), pp. 20-25.

74 ) Vallee, Gerard (ed.), The Spinoza Conversations Between Lessing and

38

Page 39: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

دخل النقاش عدد من أشهر الفالسفة األلمان في ذلnnك العصnnر:V كانط، هردر، جوته، هامان. بnnل إن هnnذا النقnnاش اسnnتمر ملمحnnاV في المثالية األلمانية: فشتة، وشلنج وهيجل ومن قبلهما أساسيا

Hermann Timmراينهولد. وقد أعلن هرمان تيم مؤرخ الفلسفة أن "نقد العقل الخالص لم يحnnدث أى قطيعnnة في الفهم الnnذاتىV مع الnnتراث السnnبينوزى الفلسفي للعصر. لكن األمر كان مختلفا للسنج. فما أحدثه هذا التراث الذى قسم المفكnnرين آنnnذاك إلى مnnع ضnnد جعلهم على وعى بnnالتغير الثnnورى الحnnادث في الفكnnر

. وأصبحت وحدة الوجود، أى السبينوزية "الدين غير(75)األلمانى" الرسمى أللمانيا" كما ذهب هnnاينى في تnnاريخ الفلسnnفة والnnدين

في ألمانيا.

وهكذا يتضح لنا أن المناخ الفكري األلماني السnnابق مباشnnرة على ظهور المثاليnnة األلمانيnnة كnnان يسnnوده نnnزاع حnnول فلسnnفة سnnبينوزا، وأن فلسnnفة كانnnط هي األخnnرى تعرضnnت للnnرفض والهجوم، وهذا ما جعل تفكير المثاليين األلمان يدور حول هذين الفيلسnnوفين، محnnاولين تجاوزهمnnا معnnا وفي الnnوقت نفسnnه االحتفاظ بأفضل مnnا في مnnذهبيهما. فالمثاليnnة األلمانيnnة خnnرجتV، وتأثرت بسبينوزا لكنهnnا لم من فلسفة كانط وخرجت عنها أيضا تتبنى فلسفته بالكامل بل حاولت تجاوزهnnا، لكن بnnالوقوف على

كتفيها. وهذا ما سيتضح لنا في تناولنا لشلنج.

. استقبال المثالية األلمانية لمبدأ الهوية2السبينوزي:

على الرغم من أن المثاليين األلمان، فشتة وشلنج وهيجل، قد اشتركوا في تبني فلسفة سبينوزا في الهوية، وعلى االعتراف بأنه أول من أعلن عن مبدأ الهوية في الفكر الحديث،

إال أنهم لم يكونوا راضين عن طريقة سبينوزا في التعامل مع هذا المبدأ، والطريقة التى قدمه بها، واألسلوب الذى استخدمه

في إثباته. رأى فشتة أن مبدأ الهوية يجب إثباته من منطلق

Jacobi (Lanham: University of America Press, 1988), pp. 27 ff.

75 ) Hermann Timm, Gott and die Freiheit: Studien Zur Religions philosophie der Goethe zeist (Frankfurt, Klostermann, p 974), p. 6.

. Beiser, The Fate of Reason, P.335ذكره:

39

Page 40: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

الذات، أو األنا المطلق بتعبيره، ووضع لنا نظريته الشهيرة فيV على تأويله الخاص وضع األنا لالأنا، أو الذات للموضوع، معتمدا

Transcendentalلنظرية كانط في اإلبصار الترانسندنتالى Apperception.وفي االستنباط الترانسندنتالى للمقوالت

ورأى شلنج أن مبدأ الهوية يجب إثباته بحجتين، األولى تنطلق من الذات إلى الموضوع على شاكلة فشتة، وهذا هو

السبب في تبنيه لمذهب فشتة في أعماله األولى وحتى "نسق ، والثانية تنطلق من(76)(1800المثالية الترانسندنتالية" )

V من الموضوع إلى الذات، أى تبحث عن الفكر انطالقا ، وهذه هى فلسفة الطبيعة التى اعتقد أن مذهب(77)الطبيعة

فشتة يفتقدها والتى كتب فيها منذ تسعينيات القرن الثامن (. لقد كانت مذاهبهم كلها78عشر، وتوسع فيها بعد ذلك)

محاوالت منهجية للوصول إلى نفس مبدأ الهوية عند سبينوزا، وهم في اختالفهم هذا كانوا يتبنون بعض مبادئ نسق سبينوزا، وأهمها المبدأ القائل أن نظام الفكر هو نفسه نظام الطبيعة أو

(.79الوجود، لكنهم أثبتوه بطرق مختلفة)76 ) F. W. J. Schelling, System of Transcendental Idealism. Translated by Peter

Heath, with an Introduction by Michael Vater (Charlottesville: University Press

of Virginia, 1978), pp. 5 – 13. 77) Bowie, Andrew, Schelling and Modern European Philosophy. (London:

Routledge, 1993), pp.30-31.

أما هيجل فقد رأى أن خير وسيلة إلثبات مبدأ الهوية هو المنهج ( 78

الجدلى، ذلك الذى يكشف عن التوتر بين الذات والموضوع وعن

التركيب الجدلى بينهما. كان الجدل فى "فينومينولوجيا الروح"

يشتغل على مستوى الوعى، وبذلك كان داخالY فى مجال

اإلبستمولوجيا، ألنه كان يوضح كيفية قيادة الوعى من موقفه

الطبيعى األول الذى يقع فى الثنائية حتى يصل إلى وجهة نظر

العقل أو الروح المطلق أو الوعى الذاتى الذى يدرك الهوية

المطلقة. لكن الجدل فى المنطق يصبح جدالY أنطولوجياY، موضحاY أن

المقوالت األنطولوجية ذاتها تبدأ فى ثنائيات متعارضة حتى تصل

بالتركيب الجدلى إلى تجاوز الثنائية وتصل إلى الوحدة أو الهوية.79 ) من المالحظ أن برنامج العمل الddذى وضddعه هيجddل وهولddدرلين

40

Page 41: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V استطاع تجاوز Pل سبينوزا بالنسبة لشلنج وهيجل فيلسوفا مث الثنائيات التقليدية في الفلسفة، وفي الميتافيزيقا كذلك وأهمها ثنائية اإلله والعالم، ولذلك نظرا إلي فلسفة سبينوزا على أنها صادقة وصحيحة إلى حد كبير، على الرغم من أنهما لم يوافقا على الطريقة التى قدم بها سبينوزا هذه الفلسفة. كان شلنج

وهيجل يسعيان نحو وضع مذهب فلسفي جديد يستطيع القضاء على الثنائيات التقليدية، ألن الثنائيات لديهما دليل على وعى

منقسم على ذاته بين الجانب المادي والجانب الروحى والفكرى، ودليل على ثقافة منقسمة على ذاتها بين العقل

V لفلسفة تستطيع القضاء(80)واإليمان . قدم لهما سبينوزا نموذجا على هذه الثنائيات وبالتالى تستطيع تقديم مذهب جديد يعالج

أمراض العصر وأمراض الوعى.

لكن مذهب سبينوزا في نظرهما قد مال ناحية المادة وقدم الهوية بين الفكر واالمتداد على أنها هوية مادية، فالطبيعة عندهV للطبيعة. هى الجوهر األوحد، وهى كل شئ، وما الروح إال أثرا

ولذلك حاوال إقامة مذهب بديل، يستوحى مبدأ سبينوزا وهو الواحدية ووحدة الوجود، لكن في الوقت نفسه عمال على تغيير

االتجاه المادي لسبينوزا نحو اتجاه آخر روحى أو مثالى. وألن كل الفلسفات التالية على سبينوزا تعد خطوة للوراء بالنسبة

له، إذ قد عادت إلى تأكيد الثنائيات القديمة وإنتاجها من جديد، فقد نظرا إلى سبينوزا على أنه صاحب الحدس الفلسفي

األصيل حول الهوية المطلقة وحاوال إقامة مذهب، كل بطريقته،

والمسddمى "أقddدم برنddامج1796وشddلنج للمثاليddة األلمانيddة سddنة

Eineللمذهب" أى لمذهب المثاليdة األلمانيdة، يحمdل عنdوان "أخالق" Ethikوهذا هو عنوان كتاب سبينوزا الشهير. وعندما نعرف مضمون ،

هذا البرنامج نجdده يجمdع بين األنطولوجيdا والمعرفdة واألخالق على شاكلة أخالق سبينوزا بالضddبط. أن أقddدم برنddامج للمثاليddة األلمانيddة كان يحمل نفس عنddوان كتابddه سddبينوزا، واألكddثر من ذلddك أنddه كddان

يحمل نفس الهدف. أنظر في ذلك: Hegel: “The Earliest System Program of German Idealism (eine Ethik), Bern 1996”, in H.S. Harris, Hegel’s Development: Toward the Sunlight 1770-1801. (Oxford: The Clarendon Press, 2002), pp.510-512. 80 ) Henrich, Dieter, Between Kant and Hegel. Lectures on German Idealism.

Edited by David S. Pacini (Cambridge: Harvard University Press, 2003), pp. 1 –

10.

41

Page 42: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

يحتفظ بهذا الحدس السبينوزى األصلى مع تغيير توجهه المادي. (81)نحو توجه أكثر روحية ومثالية

وقد نظرا إلى مذهب سبينوزا على أنه يمثل وجهة نظر العقل أو التفكير التأملى الذى ال ينخدع بالثنائيات التى يقع فيها

( ويستطيع إدراك الوحدة األصلية التى82التفكير االنعكاسى) تكمن خلف الثنائيات. وقد أطلقا عليها اسم "الحدس العقلي"

متبعين فشتة في هذا المصطلح. لكن بينما الحدس العقلي عند فشتة هو حدس األنا المطلق بذاتها وبأنها هى التى تشكل

الواقع، وبينما الوحدة األصلية عند فشته هى وحدة هذا األنا المطلق، فقد نظر شلنج وهيجل إلى فشتة على أن مذهبه

بذلك قد وقع في المثالية الذاتية، وعاد مرة أخرى إلى التمسك ، في حين أن المذهب الفلسفي(83)باألنا باعتبارها المبدأ األول

عندهما ال يمكن أن يبدأ بتقرير األنا المطلق ووضعه في البداية باعتباره المبدأ األول المطلق، بل يجب أن تكون الهوية هى

النتاج األخير والنتيجة النهائية للمذهب.

كما أن تمسك شلنج وهيجل بنقطة االنطالق السبينوزية، وهى الهوية األصلية المطلقة، هو السبب في رفضهما لعدم

إمكانية معرفة الشئ في ذاته عند كانط، ورفضهما لألنا المطلق عند فشتة. لكنهما في الوقت نفسه نظرا إلى فلسفة كانط على أنها تقدمت خطوة هامة في طريق اكتشاف الهوية المطلقة، ذلك ألن كانط قد أثبت أن مقوالت الذات هى التىV V ال باعتباره شيئا تصنع الموضوع، لكنها تصنعه باعتباره ظاهرا

في ذاته، وما على شلنج وهيجل إال أن يثبتا أن مقوالت الذات ليست ذاتية وحسب، بل هى ذاتها مقوالت الوجود. وهذه هى

المهمة التى حققها شلنج في فلسفته في الطبيعة وهيجل في

81) Limnatis, Nectarios G., German Idealism and the Problem of Knowledge: Kant, Fichte, Schelling and Hegel (New York: Springer, 2008), pp. 118-121, 152-157.

( يجddد القddارئ أفضddل تميddيز بين االنعكddاس والتأمddل لddدى شddلنج82 وهيجل في مقدمة المترجم لكتاب هيجل "الفرق بين مذهبي فشddتة

وشلنج في الفلسفة": G. W. F. Hegel, The Difference Between Fichte’s and Schelling’s System of Philosophy, op.cit.,; translator’s introduction, pp. xvii-xxii.

83 ) Ibid: pp. xviii- - xx.

42

Page 43: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V .(84)علم المنطق وفي محاضراته في فلسفة الطبيعة أيضا الهوية السبينوزية إذن هى التى مكنت شلنج وهيجل من تشكيل

مواقفهما من كانط وفشتة، ومن وضع األسس األولى لمذهبيهما الفلسفي؛ كل بطريقته ومنهجه بالطبع، وحسب

مقتضيات مذهبه.

ومن بين األسباب التي دفعت بشلنج وهيجل إلى العودة . كانت فلسفة كانط في عصر(85)لسبينوزا فلسفة كانط ذاتها

شلنج ملئ السمع والبصر، لكنها واجهت صعوبات عديدة من وجهة نظر شلنج، أهمها أنها أعادت إنتاج النزعة الثنائية

التقليدية بين الذات والموضوع والفكرى والمادي لكن تحت أسماء جديدة، أسماء كانطية. ففلسفة كانط في نظر شلنج

مصابة بالثنائيات التى تفصل بينها هوة سحيقة، وهى في حاجة . ذلك ألن العصر الذى كان يعيش فيه شلنج(86)إلى من يعالجها

كان في حاجة إلى الوحدة ال إلى المزيد من االنقسامات، فيV ألن فلسفة سبينوزا حاجة إلى الهوية ال إلى الثنائية. ونظراV على فلسفة في الهوية استطاعت القضاء V باهرا كانت مثاال

على الثنائيات التقليدية – بطريقة سبينوزا – فقد كانت العودة إلى الهوية السبينوزية بالنسبة لشلنج هى الطريقة المثلى

لمواجهة الثنائيات الكانطية. لقد ظهرت ثنائيات واضحة في مذهب كانط: الحس والفهم، العقل النظرى والعقل العملى،

الخبرة التجريبية والعقل الخالص، عالم الظاهر وعالم األشياء في ذاتها. وكل هذه الثنائيات ترد في النهاية إلى الثنائيات

التقليدية "الذات والموضوع" أو "الفكر والوجود".

ومن األسباب التى دفعت المثالية األلمانية إلى النظر لفلسفة سبينوزا على أنها مادية، ووحدة وجود مادية، مما جعلها

( وهddذا مddا يتضddح في قddول شddلنج أن فلسddفته في الطبيعddة هي84

سبينوزية فيزيائية، وذلك في عمل مبكر له حول فلسفة الطبيعة:

Schelling, First Outline of a System of the Philosophy of Nature. Translated with Introduction and Notes by Keith R. Peterson. (New York: SUNY Press, 2004), P.117n. 85 ) Henrich, Dieter, Between Kant and Hegel, pp. 98 – 101.

86 ) Pinkard, Terry, German Philosophy (1760 – 1860) The Legacy of Idealism

(Cambridge: Cambridge University Press, 2002), pp. 1 – 8, 82 – 85.

43

Page 44: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

تتجه نحو وحدة وجود روحية، نظرة سبينوزا للجوهر ولإلله على(87)أنه شئ ممتد، ودفاع سبينوزا الواضح عن امتداد اإلله

وقد تم النظر إلى فلسفة سبينوزا على أنها مذهب فيV من هذا المنطلق، ألن وحدة الوجود. وتم نقد سبينوزا دائما

وحدة الوجود هذه كما فهمها نقاده تنكر اإلله المشخص وتنكر ، الروحى(88)استقالل النفس عن الجسد وبالتالى تنكر البعث

بالطبع، وهو مفهوم البعث في الفكر المسيحى الذى لم يعترف ببعث األجساد بعكس الفكر اإلسالمى. هذا النقد لسبينوزا

ينطلق من اعتبارات دينية ويعتقد أنه يدافع عن الدين، وهذا ما نجده لدى بيير بايل واليبنتز وفولف وياكوبى، لكنه يضحى بالفكرة السبينوزية األصيلة عن الهوية. ولذلك ف�ق�دت هذه

الفكرة في خضم مواجهة السبينوزية طوال الربع األخير من القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر كله. تميزت المثالية

األلمانية بأنها التقطت فكرة الهوية هذه ووافقت عنها، وباألساس في مواجهة النزعة الثنائية لدى كانط. وكانت المهمة الملقاة على عاتق المثالية األلمانية هى محاولة تأسيس فلسفة في الهوية مع تجنب الوقوع في إشكاليات الفلسفة المدرسية

، أى الحفاظ على مبدأ الهوية(89)التى ورثها كل من نقد سبينوزا . تقول هذهXV. ويظهر هذا واضحاY من المالحظة على القضية ( 87

القضية: "كل ما يوجد، يوجد فى اإلله، وبدون اإلله ال يوجد شئ وال يمكن أن يتصور أى شئ". فإذا كان اإلله هو كل ما يوجد، فإن االمتداد هو اآلخر يجب أن يكون فى اإلله. فإذا تصورنا المادة

الممتدة على أنها جوهر مختلف عن اإلله فمعنى ذلك أننا نعترف بوجود جوهرين بطبيعتين مختلفتين، جوهر روحى هو اإلله وجوهر

مادى هو المادة الجسمية الممتدة، وهذا محال كما أثبت سبينوزا حتى اآلن. وال يبقى إذن إال القول بأن االمتداد هو اآلخر فى اإلله،

وأن المادة الممتدة الجسمية هى فى اإلله أيضاY. وفى المالحظة على هذه القضية يناقش سبينوزا حجج القائلين بأن اإلله ليس

جسماY وينقدها ويثبت العكس.

88) Lord, Beth, Kant and Spinozism, pp. 29 – 31.

يجد القارئ مزيدا منن التوسع حول موقف سبينوزا من األلوهية Mason, Richard, The God of Spinoza: A Philosophical Study: في

(Cambridge: Cambridge University Press, 1997)؛ وحول موقفه من خلود النفس .Nadler, Steven, Spinoza’s Heresy: Immortality and the Jewish Mindفي:

(New York: Oxford University Press, 2nd ed. 2004) .89 ) Beiser, Frederick C., German Idealism: The Struggle Against Subjectivism,

44

Page 45: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

مع تجنب مناقشة القضايا التقليدية التى تم نقد سبينوزا بهدفالدفاع عنها: اإلله الشخصى وخلود النفس.

ولذلك حافظت المثالية األلمانية على شكل من السبينوزية مع تجنب الوقوع في النزاع السبينوزى الذى ساد المناخ

الفكرى األلمانى في الربع الخير من القرن الثامن عشر، وذلك عن طريق تأسيس ما يمكن أن نسميه سبينوزية روحية في

مقابل وحدة الوجود المادية عند سبينوزا. وعن طريق تأسيس مبدأ للهوية روحى ووحدة وجود روحية لدى شلنج وهيجلV لإلله استطاعا تجنب أن يكون مذهبيهما في الهوية منكرا

V، فالخلود الشخصى ولخلود النفس، ألن كل شئ أصبح روحيا والالنهائية والشخصية أصبحت من صفات هذه الروحية الشاملة

في نسقى شلنج وهيجل.

. السبيوزية مكون رئيسي لرؤية العالم لدى المثالية3األلمانية:

الحقيقة أن رغبة المثاليين األلمان في االحتفاظ بجوهرV فلسفة سبينوزا وهو مبدأ الهوية قد جعل السبينوزية مكونا

V من رؤيتها للعالم، بجانب مكونات أخرى أهمها رئيسيا األفالطونية والنزعة الحيوية. ونستطيع القول مع بايزر إن رؤية

V من V ضخما العالم التى حملتها المثالية األلمانية كانت تركيبا . أمدتها السبينوزية(90)السبينوزية واألفالطونية والنزعة الحيوية

بفلسفة في هوية الفكر والوجود، والذات والموضوع، والذهنى والمادي، وأمدتها األفالطونية بالتركيز على الفكرة من حيث كونها

أعلى نمط أنطولوجى في الوجود، وأمدتها النزعة الحيوية بنظرة حيوية للكون من حيث أنه كيان عضوى متكامل يربط

أجزاءه ما بينها من قوة أو طاقة حيوية. والحقيقة أن رؤية ، ذلك ألن(91)العالم هذه تحتل فيها السبينوزية مكان الصدارة

مذاهب المثالية األلمانية كلها هى مذاهب في وحدة الوجود، أو

1781 – 1801. (Cambridge: Harvard University Press, 2002), pp. 350 – 352, 361

– 364. 90 ) Ibid: P. 350.

( د. عبد الرحمن بدوي: شلنج. المؤسسة العربية للدراسات91

. 186-181. ص 1981والنشر، بيروت. الطبعة الثانية

45

Page 46: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

تنويعات متعددة على تيمة واحدة هى وحدة الوجود. ولم يستطيع المثاليون األلمان إقامة مذاهبهم في وحدة الوجود إال

بفضل مذهب سبينوزا في وحدة الوجود وعلى الخصوصنظريته في الهوية.

ويتضح ما تدين به المثالية األلمانية لسبينوزا من اسمها المذهبى الذى اشتهرت به والذى وصفت نفسها به، وهو

فهذا االسم المكون منAbsolute Idealism"المثالية المطلقة" كلمتين يعبر عن سبينوزيتها، التى تظهر من كلمة "مطلقة" وعن أفالطونيتها التى تظهر من كلمة "المثالية". ونستطيع القول بأن المثالية المطلقة للمثاليين األلمان هى سبينوزية

أفالطونية، فهى سبينوزية ألنها تؤكد على الهوية المطلقة التى أخذتها من سبينوزا، وهى في الوقت نفسه أفالطونية ألنها تؤكد

والتىeidosعلى المكانة المركزية للفكرة بالمعنى األفالطونى تعبر عن النمط األعلى من الوجود األنطولوجى، وألنها تؤكد على الجانب الروحى، ذلك ألن مذاهب المثالية األلمانية هى

. وهذه هى اإلضافة أو االختالف الذى(92)وحدة وجود روحية اختلفت فيه عن وحدة الوجود السبينوزية التى كانت وحدة

وجود مادية.

والمثالية المطلقة هى مذهب المثاليين األلمان، الفالسفة منهم واألدباء. وبالنسبة للفالسفة فقد كانوا يؤكدون على

V عبر كل مؤلفاتهم. "المطلق"، وكان هذا المصطلح يتكرر دائما ويتضح ما يدينون به لسبينوزا من تعريفهم للمطلق. فشلنج

V كما عرف سبينوزا الجوهر. فالمطلق عند شلنج هو يعرفه تماماV "ما هوdas an sich / the in-itself"ما هو في ذاته "، وهو أيضا

Von Sich Selbst und durch Sich (93)من ذاته ومن خالل ذاتهSelbst/ From itself and through itselfويكاد هذا التعريف .

يتطابق مع تعريف سبينوزا للجوهر. ويقصد شلنج بهذا التعريف أن المطلق هو ما يوجد بذاته ال بغيره والذى يعتمد

في وجوده على ذاته ال على شئ آخر غيره، والذى يعتمد عليه كل شئ آخر. وكل هذه المعانى سبق ظهورها لدى سبينوزا. وكل

92) Beiser, German Idealism, op.cit., pp. 151-152. 93 ) Schelling: “Presentation of my System of Philosophy (1801). Translated by Michael G. Vater. The Philosophical Forum, vol. XXXII, no. 4, winter 2001, P. 350.

46

Page 47: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

الفرق بين شلنج وسبينوزا أن األول يختلف عن الثانى في تحديد طبيعة وهوية هذا المطلق. ففي حين ذهب سبينوزا إلى أن الجوهر، أو المطلق بتعبير المثالية األلمان، هو الطبيعة كلها

والكون كله، وكان يقصد به الطبيعة المادية التى اختزل اليها الفكر والروح والكائن اإلنسانى، فإن شلنج لم يرض بهذا

االختزال وذهب إلى أن المطلق ال يتحقق على الحقيقة إال في الوجود اإلنسانى الذى يمثل اتحاد الطبيعة والروح، والمادة

والفكر، والذات والموضوع. فقد عرف سبينوزا الجوهر بأنه "ما. (94)يتشكل تصوره في استقالل عن أى تصور آخر"

أما المشكلة التى وقفت أمام بدايات الفلسفة الرومانتيكية األلمانية أن الطبيعة كانت آنذاك مدركة باعتبارها آلية وتفسر

بقوانين ميكانيكية. لكن عندما ظهرت في العلم الطبيعى االتجاهات الحيوية تحت تأثير تطور علم الكيمياء والبيولوجيا في النصف الثانى أو العقود األخيرة من القرن الثامن عشر، تغيرت

النظرة إلى الطبيعة من اآللية والميكانيكية إلى الحيوية والعضوية. وتمكنت المثالية األلمانية عندئذ من النظر إلى

V من العقل وهو الغاية والهدف الطبيعة على أنها تحتوى شيئا والتنظيم والتخطيط، على الرغم من أنها غير واعية في حالة

الطبيعة، والنظر إلى العقل على أنه شئ حيوى، وتطور طبيعى . وبذلك تمكن شلنج وهيجل من(95)من الكيانات العضوية العليا

إقامة الهوية بين العقل والطبيعة على أساس حيوى وعضوى. وهكذا فأن مبدأ الهوية السبينوزية الذى تبنته المثالية األلمانية

قد أعادت ادخاله وفق هذه الطبيعة الحيوية.

لقد كان مصدر التأثير الذي مارسه سبينوزا على الرومانتيكية والمثالية األلمانية هو رؤية سبينوزا للعالم، إذ كان

V للمعرفة V، وذا معنى، وموضوعا العالم عند سبينوزا منظما المطلقة وللحب الطاغى الذى يؤدى إلى الخالص. وقد حول

V سبينوزا ما في الطبيعة من انتظام وعقالنية إلى ألوهية، موحداV به الصفات العليا التى ألحقها التراث بين العالم واإلله وملحقا

، وهذا هو مصدر التأثير الذى مارسه سبينوزا(96)الدينى بالخالق94) Spinoza, Ethics, Part I, def. 3. 95) Wirth, Jason M., The Conspiracy of Life: Meditations on Schelling and his Time. (New York: State University of New York Press, 2003), pp. 65ff. 96) Yovel, Yirmiyahu, Spinoza and other Heretics. Volume I: The Marrano of

47

Page 48: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

على الرومانتيكية والمثالية األلمانية. فالنظر إلى الطبيعة على أنها كاشفة عن األلوهية وعلى أنها ذات نظام ومعنى وهدف

غائى كان القاسم المشترك بين شيلر وهولدرلين وجوتهV هو وهايني من جهة، وشلنج وهيجل من جهة أخرى. وهذا أيضا

الرابط الذى يجمع الرومانتيكية األلمانية والمثالية األلمانية؛ وهو أساس أنطولوجيا شلنج التى تجمع بين فلسفة الطبيعة

والمثالية الترانسندنتالية، وانطولوجيا هيجل التى تجعل فلسفة الطبيعة الجزء الثانى من فلسفته، وتحتل الموقع الوسط

والوسيط بين المنطق الذى هو الفكرة في ذاتها، وفلسفة الروح التى هى الفكرة لذاتها، فالطبيعة عند هيجل هى الفكرة

خارجة عن ذاتها، أو في آخرها.

ثالثاY – تبني شلنج لفلسفة الهوية:

. البدايات األولى لفلسفة شلنج: 1

رأى شلنج أنه كى تتجاوز الفلسفة النزعة الثنائية ، فعليها أن تسلكEgoismللديكارتية، وكذلك نزعتها األنوية

مسلك الطبيعة ذاتها، وذلك بأن توضح كيف أن الوعى ذاته نتيجة لتطور الطبيعة، وأنه يقع في نهاية سلسلة التطور

. وفي حين بدأ شلنج بالجانب المعرفي الذى يركز)97(الطبيعى قد أعطى1801، إال أنه ابتداءV من 1796على الوعى منذ

األولوية لفلسفة الطبيعة في مذهبه. ويتضح من هذه المرحلة natura naturansفي تطوره الفكرى أنه يبدأ بالطبيعة الطابعة

ويستقى منها الوعى باعتباره إمكانيتها القصوى.

V أول V منه مصدرا والذى جعل شلنج يتجه نحو سبينوزا متخذا لمذهبه هو أن فلسفة سبينوزا كانت تنظر إلى اإلنسان على أنهV. والمكانة العالية التى V عنها أبدا جزء من الطبيعة وليس منفصال

V مع حازت عليها الطبيعة في فلسفة سبينوزا اتفقت تماما التوجه الرومانتيكى لدى الفالسفة واألدباء والفنانين األلمان في العقدين األخيرين من القرن الثامن عشر والعقدين األولين من

Reason. (New Jersey: Princeton University Press, 1989), P. 127. 97) Schelling, First Outline of a System of the Philosophy of Nature, op.cit., pp.

13-15.

48

Page 49: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V من الحركة(98)القرن التاسع عشر . وكان شلنج نفسه جزءا الرومانتيكية األلمانية. نظرت هذه الحركة إلى الطبيعة ال على

أنها مجرد وسيلة لتحقيق غايات إنسانية مختلفة عن غاياتV وغاية في ذاتها، وغاية الطبيعة ذاتها، بل على أن لها هدفا

الطبيعة هى ذاتها غاية اإلنسانية بما أن اإلنسان جزء أصيل وهام من نسق الطبيعة. وتوجه الرومانتيكية األلمانية نحو الطبيعة كهدف في ذاتها وكموضوع لإلبداع الفنى والتأمل

اإلستاطيقى هو الذى جذب المثالية األلمانية، وعلى رأسها شلنج، نحو فلسفة سبينوزا ذات النزعة الطبيعية الواضحة. كما

أن الهوية المطلقة التى سعى شلنج نحو تأسيسها تتمثل فيV وحدة النظر إلى اإلنسان والطبيعة على أنهما يشكالن معا

عضوية واحدة، وإلى اإلنسان خاصة على أنه يكشف في ذاته . وفي حين نظرت معظم(99)عن كمال الطبيعة وغايتها األسمى

الفلسفات األوروبية من عقالنية وتجريبية ونقدية )مثل كانط وفشتة( إلى الطبيعة على أنها قوة معادية غريبة عن اإلنسان

يجب عليه أن يخضعها ويسيطر عليها ويستغلها ألهدافه المختلفة عن الطبيعة، نظر شلنج ومعه كل الرومانتيكيين

األلمان إلى الطبيعة على أنها تحمل في ذاتها العقالنية والقيمة.(100)والغاية، التى هى ذاتها أهداف الوجود اإلنسانى

لكن لم يقبل شلنج الفلسفة الطبيعية لسبينوزا كما هى وكما رسمها سبينوزا في مذهبه؛ إذ اعترض شلنج على سبينوزا لكون

V تصوره عن الطبيعة آلى وميكانيكى، وكان بذلك مستبعدا للجانب العضوى والحيوى من الطبيعة، ذلك ألن سبينوزا، حسب

V في نظرته للطبيعة بالعلم الفيزيائى ما ذهب شلنج، كان مقيداV V فيزيائيا V ماديا السائد في عصره والذى يفسر الطبيعة تفسيرا

V، وذلك كما يتضح في أفكار جاليليو وتوماس هوبز .(101)محضا وفي مقابل التصور اآللى والمادي للطبيعة عند سبينوزا أكد شلنج

. 181( د. عبد الرحمن بدوي: شلنج، ص 9899) Wirth, Jason M., The Conspiracy of Life, pp. 53-64. 100) Ibid., pp.68-74. 101) Schelling: “Stuttgart Seminars 1810”, in Idealism and the Endgame of

Theory. Translated and edited by Thomas Pfau (New York: State University of

New York Press, 1994), pp. 214-215.

49

Page 50: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

على تصور آخر للطبيعة، عضوى وحيوى، وذلك الستفادة شلنج من علمى األحياء والكيمياء حديثى الظهور في عصره. وبعد أن

كان جوهر سبينوزا مجرد طبيعة مادية مكتملة ذات طابع ستاتيكى، صار المطلق عند شلنج هو القوة الحيوية السارية في

الوجود كله، وهى قوة متحركة ومتطورة في حالة خلق دائم.(102)وأبدى

تكشف الدراسات األولى لشلنج عن تحمسه الشديد لفلسفة سnnبينوزا، على الnnرغم من أن هnnذه الدراسnnات تنتمى للمرحلnnةV فيهnnا تحت الذاتية من تطوره الفكرى والتى كان ال يnnزال واقعnnا

فقnnد انشnnغل شnnلنج منnnذ وقت مبكnnر من تطnnورهتnnأثير فشnnتة. الفكري بالبحث عن شكل عام وموحد لكل فلسnnفة. ومnnا دفعnnه للبحث عن هذا الشكل العام ثالثة من الفالسفة: سبينوزا وكانط وفشته. فقد كان شnnلنج على قناعnnة بnnأن هنnnاك فلسnnفة واحnnدة فقnnط، الفلسnnفة الحقnnة الnnتي تمثnnل وحnnدة المعرفnnة البشnnرية وتشnnكل األسnnاس اإلبسnnتيمولوجي واألنطولnnوجي لكnnل العلnnوم. ونظر إلى هذه الفلسفة على أنها العلم األول واألساسnnي الnnذي يمد باقي العلوم الجزئيnnة بمبادئهnnا المطلقnnة، وفي ذلnnك يقnnول: "إن الفلسnnفة علم، أي أنهnnا تقnnدم مضnnموناV معينnnاV في شnnكل معين... والعلم في حد ذاته، أياV كان مضمونه، هnnو كnnل محكnnوم

. والحقيقnة أن مnا كnان يقصnده شnلنج بالشnكل"( 103)بشكل واحدي الموحnnد للعلم هnnو مnnا سnnوف يضnnعه في كتاباتnnه الالحقnnة تحت

. والنسق في فهم شلنج له هو البنnnاءSystemمصطلح "النسق" الفكري الذي يمثnل وحnدة المعرفnة والوجnود، والnذي يعnبر عن

. Absoluteهذه الوحدة باعتبارها هي المطلق

102) F.W.J. Schelling, "System of Philosophy in General and of the Philosophy of

Nature in Particular (1804)”, in Idealism and the Endgame of Theory.

Translated and edited by Thomas Pfau (New York: State University of New

York Press, 1994), P.164. 103) Schelling: “On The Possibility of a Form of All Philosophy (1794)”, in The

Unconditional in Human Knowledge: Four Early Essays (1794-1796).

Translation and Commentary by Fritz Marti (New Jersey: Associated University

Presses, 1980), P. 40.

50

Page 51: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

وجه شلنج نقده لكانط ألنnnه لم يعnnثر في كتابnnه "نقnnد العقnnل الخnnالص" على هnnذا الشnnكل الموحnnد للعلم الفلسnnفي وال علىV منه تأسnnيس مثnnل هnnذا الشnnكل المبدأ األول الذي يمكن انطالقا

. أما فشته فقد أمده بمثل هذا المبدأ األول وهو مبدأ(104)الموحد الهوية المطلقة بين الذات والموضnوع، والnذي عnبر عنnه فشnته بقيته الشهيرة، أنا=أنnnا، والnnذي يعnnبر عن هويnnة الnnذات العارفnnة والذات المعروفnnة، أي الnnذات القائمnnة بفعnnل المعرفnnة والnnذات كموضوع للمعرفnnة. لكن في حين أن قضnnية الهويnnة عنnnد فشnnتة أدت بمذهبه الفلسفي إلى المثالية الذاتية واألنا وحدية المغلقnnة على الذات، مهملة بnnذلك الجnnانب الموضnnوعي بمnnا يشnnمله من عالم طبيعي، فقد حاول شلنج تعديل مبدأ الهوية هذا ليستوعب الذات والعالم والفكر والوجود في الوقت نفسه. وقnnد كnnان فيV بسبينوزا، ذلnnك ألن مnnذهب سnnبينوزا كnnان هnnو الnnذي ذلك متأثرا يمده دائما بنموذج للهوية المطلقة بين المعرفnnة والوجnnود. لكن في حين كانت هوية سبينوزا موضوعية، أطلق عليها شnnلنج بعnnد ذلك "هوية دوجماطيقية" ألنه لم يرهن عليهnا بمnا فيnه الكفايnة، وألنه وضعها مسلمة في بداية المذهب وبنى المذهب كله عليها، وألنه اعتقد في تحقق هذه الهويnnة خnnارج الnnذات اإلنسnnانية وفي استقالل تام عنها في صورة جوهر، وفي حين أن جوهر سبينوزا هو محل هذه الهوية بين الفكر والوجود، فإن شnnلنج أراد إدخnnال الذات اإلنسانية والوعي الذاتي واإلرادة الحرة اإلنسانية في هذاV من أي جnnانب ذاتي أو إرادي، الجوهر السبينوزي الخnnالي تمامnnا

والذي يحمل الطابع الموضوعي والمادي الخالص.

V منذ بداياته األولى، V تماما كان تصور شلنج عن العلم سبينوزيا "حnnول إمكانيnnة شnnكل لكnnل فلسnnفة": "إنإذ يقnnول في مقالnnه

العلم في حد ذاته، أياV ما كان مضمونه، هnnو كnnل محكnnوم شnnكل واحnnدي. وليس هnnذا ممكنnnاV إال عنnnدما توضnnع كnnل أجnnزاءه تحت مقدمnnة واحnnدة، وعنnnدما يعين كnnل جnnزء منnnه الجnnزء اآلخnnر عن�ن هذا الجزء بهذه المقدمnnة الواحnnدة. وتسnnمى أجnnزاء طريق تعي

، وتسnnnnمى مقدمتnnnnه مسnnnnلمةSatze/Theoremsالعلم قضnnnnايا Grundsatz/Axiomس علىnnnإذن إذا تأس Vاnnnون ممكنnnnوالعلم يك .

مسnnلمة واحnnدة. وهnnذا النnnوع من الوحnnدة، أي وحnnدة الصnnلة

104) Ibid., P.38.

51

Page 52: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

المستمرة بين القضnnايا المشnروطة، الnتي تكnnون مقnدمتها غnnير ". وال نسnnتطيع)105(مشروطة، هو الشnnكل العnnام لكnnل العلnnوم...

فهم ما يقصده شلنج بهذا الشكل العnnام لكnnل العلnnوم واعتمnnاده على مسلمة غير مشروطة إال في ضوء مذهب سnnبينوزا، الnnذي يستند على مسلمة الجوهر الnnذي يمثnnل اتحnnاد الفكnnر والوجnnود. فشnnلنج في وضnnعه لبنيnnة الشnnكل العnnام للفلسnnفة إنمnnا يصnnف بتلقائيnة منnه مnذهب سnبينوزا بالضnبط. صnحيح أن شnلنج يضnع مسلمة العلم األولى الالمشرةطة في هnnذا المقnnال في القضnnية الفشتية أنا=أنا، والتي تعبر عن الهوية المطلقnnة، إال أنnnه سnnوف يغnnير من هnnذه المسnnلمة في كتاباتnnه التاليةويصnnر فيهnnا على أن القضnnnية األولى للفلسnnnفة هي الهويnnnة المطلقnnnة بين الnnnذات والموضnnوع، والفكnnر والوجnnود، وسnnوف يسnnميها "المطلnnق" أو "الهوية المطلقة" في اتفاق أكثر مع جوهر سبينوزا وابتعnnاد عن مثاليnnة فشnnتة الذاتيnnة. أي أن شnnلنج عنnnدما ابتعnnد عن فشnnتة ومثاليته الذاتية اقnnترب من سnnبينوزا أكnnثر في صnnياغته لمثاليتnnه

الموضوعية.

وفي مقاله "في األنا باعتبارها مبدأ الفلسفة" سنةV ال1795 ، يعلن شلنج صراحة أن السبينوزية "تستحق احتراما

V" دون كل المذاهب التلفيقية للحاضر ، حتى أنه كتب(106)متناهيا105) Ibid., P. 40.

106) "...إن يقddول شddلنج عن سddبينوزا في مقالddه "في األنddا...": القراء من هذا النوع يمكنهم أن يقولوا أنني في هذا المقdال تكلمت عن سبينوزا كثيراY، ال باعتباره كلبddاY ميتddاY )بتعبddير لسddنج(... ويمكنهم أن يقفزوا إلى استنتاج بأن المؤلف يحاول أن يكرر أخطاء سبينوزا،ن�دت منذ زمن طويل. ولهؤالء القراء... أقddول، Nعلى الرغم من أنها ف من جهة، إن مقالي هddذا يهdدف هddدم أسddس مddذهب سddبينوزا ذاتهdا وبتفصيل، والتي لم تNفنTد بعddد بddأي وسddيلة، أو على نحddو أكddثر دقddة،

؛ ومن جهdة أخdرى أريdد أنالتفdوق عليهdا عن طريdق نفس مبادئهdا فإن مذهب سبينوزا يبدو ليأقول إنه )على الرغم من كل أخطاءه(

بسddبب توابعddه الجزئيddة أكddثر من المddذاهبمسddتحقاY ألكddبر ثنddاء التوفيقية الشائعة في عالمنا الثقddافي، والddتي عن طريddق التلفيddق بين كddل المddذاهب، حكمت بddالموت على كddل فلسddفة حقddة. وفي الوقت نفسه فإنني مستعد لالعتراف لهdؤالء القddراء بddأن مثdل هddذه المذاهب، التي تتردد باستمرار بين السماء واألرض ولديها الشddجاعة الكافية للتوغل إلى قلب كل معرفة، أكثر أمناY ضddد األخطddاء األكddثر

52

Page 53: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V؛ لكنه في نفس لهيجل في نفس السنة يقول إنه أصبح سبينوزيا المقال يقول إن هدفه األساسى هو وضع مذهب يحل محل

. وال يمكن أن نفهم ذلك اإلعجاب(107)كتاب "األخالق" لسبينوزا بسبينوزا مع اإلعالن عن نيته لوضع مذهب بديل لمذهبه إال

بناءV على أن شلنج كان ينظر إلى مذهب سبينوزا على أنه صحيح في خطوطه العامة لكنه ضحى بالحرية اإلنسانية في سبيل

(. هذه الخطوط العامة لمذهب108الحتمية الطبيعية الشاملة) سبينوزا والتى يقبلها شلنج هى نظرية سبينوزا في الهوية، التى نظر إليها شلنج على أنها ترد الوعى اإلنسانى والحرية اإلنسانية

إلى الطبيعة وتختزل الفكر في المادة وال تعطى له حقه من االستقالل واالعتماد الذاتى. وبذلك نستطيع القول بأن شلنج

( كان يريد االحتفاظ بمبدأ1795ومنذ هذا التاريخ المبكر ) الهوية السبينوزى لكن مع إقامة تعديل جوهرى عليه، وهو

إدخال الحرية اإلنسانية والوعى الذاتى في فلسفة الهوية. ولمV من توضيح أن الحرية يجد شلنج طريقة لتحقيق ذلك خيرا

اإلنسانية ذاتها ما هى إال التطور الطبيعى والمنطقى للطبيعة الطابعة، وأن الوعى الذاتى هو الطبيعة وقد وصلت إلى وعى

خطراY من مذهب ذلك المفكر العظيم ]سبينوزا[ الذي أخddذت تأمالتddه تحلق عالياY، والذي خاطر بكل شئ، إمddا للوصddول إلى الحddق الكامddل في كddل عظمتddه أو عddدم الوصddول إلى أي شddئ حقيقي. وأرجddو أن تسمحوا لي بتذكيركم بأنه إذا لم يكن أحdد شdجاعاY بمdا فيdه الكفايdة لتتبع الحق إلى حده األقصى فال يمكنddه أن يحddوز عليddه... وأنddه على

فddإن األجيddالالddرغم من كddل األخطddاء الddتي يمكن التسddامح فيهddا، القادمة سوف تنصف هذا الرجل الذي جرؤ على أن يواجddه الحقيقddة

:Schelling. ..."بحرية “Of The I as Principle of All Philosophy, or on the Unconditional In Human Knowledge”, in The Unconditional in Human

Knowledge: Four Early Essays, op.cit., P.64 .

107) Ibid, loc.cit. 108 ) عن رغبته في وضddع بddديل1795إن إفصاح شلنج لهيجل سنة

عندما كتب شلنج عمله1801ألخالق سبينوزا قد تحقق بالفعل سنة الشهير "عرض للمذهب الفلسddفي". ففي هddذا العddرض يتبddع شddلنج طريقة سddبينوزا في كتابddه "األخالق"، ويسddتخدم طريقddة شddبيهة أو منهجاY في العرض شبيهاY بمنهج سبينوزا الهندسى، ويسddتخدم نفس مصddطلحات سddبينوزا في تقسddيم خطddوط العddرض، مثddل المسddلمة

والمصادرة والقضية والضميمة.

53

Page 54: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V للمرحلة العليا من V ممثال V طبيعيا بذاتها في اإلنسان باعتباره كائناالتطور الطبيعى.

شهد مقال شلنج "في األنnnا باعتبارهnnا مبnnدأ الفلسnnفة" ثnnاني ظهور لسnnبينوزا في مؤلفاتnnه، وفيnnه يتبnnنى فكnnرة الجnnوهر لnnدى

، ويحدد معnnالمUnconditionedسبينوزا، لكنه يسميه الالمشروط هذا الالمشروط والتي يتطلبها مذهب فلسفي علمي دقيnnق في

اآلتي:

. كي تكnnnون المعرفnnnة صnnnادقة يجب أن تكnnnون متفقnnnة مnnnع1موضوعها

. وبالتالي فnnإن صnnدق المعرفnnة يفnnترض هويnnة فعnnل المعرفnnة2الذاتي وموضوع المعرفة

. المعرفة التي في هويnnة تامnnة مnnع موضnnوعها يجب أن تكnnون3معرفة بالالمشروط

. ال يمكننا البحث عن الالمشروط في موضnnوع مnnا يقnnع خnnارج4 الnnذات ويقnnف إزاءهnnا في تنnnاقض، ألن هnnذا الموضnnوع بهnnذه

V الطريقة لن يكون المشروطا

. الالمشروط يجب أن يخلق ذاته من خالل فعل معرفته بذاته 5

V ال يمكن أن يكون هو الالمشروط، ألن6 . اإلله باعتباره موضوعا كل موضوع يتعين في تقابلnه مnع ذات مnا، ومnع كnل مnا يجعلnهV فلن يكnnون V. وبالتnnالي فطالمnnا كnnان اإللnnه موضnnوعا موضnnوعاV في الوقت نفسه V وموضوعا V؛ اإلله يجب أن يكون ذاتا المشروطا

. ال يمكن للذات أن تكون هي الالمشnnروط طالمnnا كnnان هنnnاك7 V موضوع يحدها ويجعلها مشروطة باعتبارها ذاتا

. هنnnاك نnnوع واحnnد فقnnط من الnnذات يصnnلح ألن يكnnون هnnو8 الالمشروط، وهو الذي يكون موضوعه هو الذات نفسnnها. وهnnذه

54

Page 55: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

الذات هي األنا التي تقول أنا=أنا؛ األنا الخالقة لnnذاتها باعتبارهnnاV يقف إزاءها موضوع يشرطها (. 109)أنا، ال األنا باعتبارها ذاتا

هذه األنا هي الالمشروط في المعرفة، لكنها ليست الالمشروط في الوجود. الالمشروط األنطولوجي هnnو وحnnدة اإللnnه والعnnالم. الالمشnnروط في المعرفnnة هnnو النمnnوذج المصnnغر لالمشnnروط األنطولnnوجي. والعالقnnة بينهمnnا هي أن اإللnnه هnnو األنnnا بالنسnnبة للعnnالم. الحnnظ أن شnnلنج في هnnذا المقnnال المبكnnر يوضnnح مبnnدأV فقط وال يهتم بأساسnnه األنطولnnوجي الnnذي الهوية إبستيمولوجيا

سوف يتضح في أعماله التالية.

وعلى هذه األسnnس يقnnدم شnnلنج نقnnده لسnnبينوزا في مقالnnه"حول األنا باعتبارها مبدأ الفلسفة" في العناصر اآلتية:

. وضع الالمشروط خارج األنا1

. اعتقد أن الالمشروط أو المطلق موضوع2

. افترض الالمشروط وسلم به دون أن يبرهن عليه3

V لكن دون االسnnnتناد على برهnnnان4 . مذهبnnnه متسnnnق منطقيnnnاV لالمشروط باعتباره موضوعا

5V . المطلق لديه غnير معnروف إال بالحnدس العقلي، بعيnد تمامnاعن اإلدراك الحسي وكذلك عن البرهان

. مذهبه بالتالي هو الدوجماطيقية التامة والكاملnnة والمتسnnقة6. (110)مع نفسها

109) Ibid., pp. 71-75. 110) Ibid., P. 78.

55

Page 56: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

. ماهية األنا هي الحرية. الحرية مفتقnدة في مnذهب سnبينوزا،7 إذ تسnnوده الحتميnnة. الحريnnة ضnnرورية للمطلnnق والالمشnnروط،

V مفتقد (111)والوعي الذاتي أيضا

�عر�ف بحدس عقلي، إذ هو نفسه الnnذي8 . الهوية المطلقة لألنا ت ينتجها. الحدس العقلي عند سnnبينوزا نnnاقص ألن من طبيعتnnه أنV لألنا إلدراك مطلق يقع خارجها. هذا هو V باألنا، ال فعال يكون خاصا معنى قول شلنج في البداية أنه سوف يسnnتخدم مبnnادئ مnnذهب

. (112)سبينوزا لنقد هذا المذهب ولتجاوزه

ويلحق شلنج في "في األنا باعتبارها مبدأ الفلسفة" باألنا المطلق كل الخصائص التى ألحقها سبينوزا بالجوهر؛ فهو علة ذاته، المتناه، العلة المحايثة لكل شئ، وتمتلك القوة المطلقة والصفات الالمتناهية. وكما ذهب سبينوزا إلى أن الجوهر يوجد بالضرورة، كذلك ذهب شلنج بالنسبة لألنا. والمشكلة بالنسبة لشلنج والتى الحظها على مذهب سبينوزا ليست في أن هذا الكيان موجود على الحقيقة – فشلنج ال يعترض على وجود المطلق ذاته، بل يعترض على االعتقاد في أن هذا المطلق

V عنا، في حين أننا يجب أن نبحث عنه في ذواتنا. يوجد خارجا والحقيقة أن شلنج في هذه الفترة المبكرة من تطوره الفكرىV بما فيه الكفاية في تحديد طبيعة األنا باعتبارها لم يكن واضحا

المطلق والتى تتحقق فيها هوية الذات والموضوع، والفكر على أنه1795والوجود؛ ذلك ألن شلنج كان يكتب مقاله لسنة

بداية مذهبه ومقدمة له، أى على أنه مجرد برنامج عمل ينتظر التحقيق، أو الخطوط العريضة لمذهب ينتظر الكثير من العمل

كى يكتمل. وبالتالى فيجب أن ننظر إلى كل ما يقوله شلنج عن األنا باعتبارها المطلق والالمتناهى والحاملة لكل صفات جوهر

سبينوزا على أنه النتيجة النهائية لمذهب ولنسق كامل من الحجج والبراهين التى لم يقدمها بعد. إنه وكأنه يضع الهدف

والنتيجة النهائية في المقدمة. والدليل على صحة تحليلنا هذا أن هى إثبات لصحة المبدأ1809كل أعمال شلنج التالية وحتى

111) Ibid., P. 84. 112) Ibid., P. 85.

56

Page 57: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

.1795الذى وضعه سنة "رسائل فلسفية كما يظهر سبينوزا في مقال شلنج التالي وهو

وهو مقال كبير نشر على جnnزأينحول الدوجماطيقية والنقدية"، مناقشnnة. وينشnnغل فيnnه شnnلنج في 1796 وأوائnnل 1795أواخر

الفnnرق بينnnه وبين سnnبينوزا حnnول اسnnتخدام الحnnدس العقلي بnnالمطلق: سnnبينوزا اتعقnnد أنnnه متنnnاه ويnnذوب في الالمتنnnاهي باالتصال به بالحدس العقلي، الحب العقلي لله؛ شلنج أصر على أنه المتناه ويستوعب في داخله المطلق والالمتناهي، ألنnnه جnnزء منه، وليس هناك انفصال بينهما. هوية سبينوزا إذن تظل تحتوي

(، لكن هوية113على مسلمة االنفصال بين المتناهي والالمتناهي) شلنج هي المطلnnق عن حnnق، ألن األنnnا لديnnه هي المطلnnق وهي جزء من المطلق، وال انفصال بينهما. سبينوزا أصر على ضرورة الذوبان في الالمتناهي، ولذلك افتقد مذهبه الحريnnة، أمnnا شnnلنج فليس هناك ذوبان عنده، هناك اتحnnاد أصnnلي يتم التحصnnل عليnnه بالحدس العقلي الذي هو إعادة إنتnاج للهويnة األصnلية، والحريnة

عنده هي هذا الفعل االتحادي نفسه.

. المشروع المزدوج لشلنج:2

نقد شلنج مذهب سبينوزا ألنه يضع المطلق خارج الذاتV V ماديا اإلنسانية. فالمطلق بهذه الطريقة سوف يكون شيئا

V يواجه الذات في تناقض، وسوف تصير الذات نسبية من خارجيا جراء وقوف مطلق خارجى إزائها. ومن هنا ذهب شلنج إلى أن المطلق ال هو بالذات وال هو بالموضوع، لكنه أعلن في الوقت

نفسه أن المطلق يكمن في األنا. وقد حيرت هذه الفكرةV؛ فإذا كان شلنج يرفض أن يضع المطلق في الباحثين طويال

طرف الذات وحدها أو في طرف الموضوع وحده، فكيف يعودبعد ذلك للقول بأن المطلق يكمن في الذات أو األنا؟

V ألن شلنج والحقيقة أنه ليس هناك أى تناقض في ذلك؛ أوال يرى المطلق على أنه هوية الذات والموضوع، أو األنا والعالم،

أو الفكر والوجود. وهو في الوقت نفسه يذهب إلى أن هذه

113) Schelling: “Philosophical Letters on Dogmatism and Criticism”, in The

Unconditional in Human Knowledge: Four Early Essays, op.cit.. pp. 171, 185,

194.

57

Page 58: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

الهوية ال تظهر إال على مستوى الوعى الذاتى لألنا المطلق.V يوجد في الخارج ويتحقق في V جاهزا فالهوية ليست شيئا

الطبيعة كما في مذهب سبينوزا، بل هى شئ يصير ويتطور ويصل إلى كماله التام في الوعى اإلنسانى؛ بمعنى أن الهوية ال

تصبح هوية كاملة إال عندما تحوز على الوعى الذاتى بذاتها داخل األنا. والسبب في حيرة بعض الباحثين، ونقد فريق منهم

، يرجع إلى أنهم لم(114)لشلنج بأنه كان غير متسق في فلسفته يميزوا بين المطلق األنطولوجى والمطلق اإلبستيمولوجى في

فلسفة شلنج. المطلق األنطولوجى هو هوية الذات والموضوع، وهى ناتجة عن أن الوعى الذاتى اإلنسانى هو االكتمال النهائى لتطور

الطبيعة الطابعة. لكن هذه الهوية مبدأية وليست متحققة بالفعل، أى أنها بالقوة وحسب. أما الهوية الفعلية فهى التى تصل

إلى التحقق الفعلى عندما تعى بذاتها داخل الوعى الذاتى اإلنسانى، وهذه هى الهوية اإلبستيمولوجية كما قلنا. هذه الهوية

اإلبستيمولوجية هى التحقق التام للهوية األصلية األنطولوجية التىبالقوة.

وقد تمثل المشروع المزدوج لشلنج إذن في جانبين، إبيستيمولوجي وأنطولوجي. في الجانب اإلبيستيمولوجي يوضح

إمكان تعقل الوعي اإلنساني لمبدأ الهوية، أي تحقق الهويةV؛ وفي الجانب األنطولوجي يوضح الهوية األصلية بين معرفيا

الفكر والوجود، وذلك بفلسفة في الطبيعة تركز على ما فيها من حيوية ودينامية وتطور، حيث يشكل الفكر أعلى مراحل التطور الطبيعي ويكون بذلك الجزء األرقى منها، وفي ذلك

قضاء على الثنائية التقليدية بين الفكر والمادة.

ليست الطبيعة عند شلنج مجرد موضوع يقع خارج الذاتV إلى اإلنسانية أو يقف إزائها، بل إن الذات والعالم ينتميان معا

وحدة أنطولوجية تجمعهما. وهما ينتميان إلى جوهر واحد، أطلق إسم المطلق. وال1806عليه شلنج في كتاباته المبكرة وحتى

( كان هيجل هو أول من وجه هذا النقد لشلنج على نحو غير مباشر في مقدمة114

"فينومينولوجيا الروح"، وتبعه الكثيرون الذين تأثروا برؤية هيجل لشلنج. توسع المرجع

التالي في شرح هذا النقد:

Snow, Dale E., Schelling and the End of Idealism. (New York: State

University of New York Press, 1996), pp. 1-10.

58

Page 59: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

شك أن هذه الرؤية مصدرها سبينوزا. لكن في حين نظر سبينوزا إلى اإلنسان على أنه جزء من الطبيعة وأحد ظواهرها،

وإلى الطبيعة اإلنسانية على أنها جزء من طبيعة الكون، فإن شلنج قد وضع اإلنسان في مرتبة أعلى من العالم المادي

والعضوى بفضل ما يحصل عليه من وعى ذاتى مفتقد لدى الطبيعة. كما لم ينظر شلنج إلى الطبيعة اإلنسانية على أنها

جزء من الطبيعة المادية للعالم مثلما ذهب سبينوزا، بل نظرV أرقى من العضوية الطبيعية V عضويا إليها على أنها تتضمن تركيبا

. وقد طور هيجل هذه النظرة للطبيعة اإلنسانية(115)الماديةV للطبيعة العضوية. وفي حين أن V جدليا بحيث أصبحت تطورا

نظرة سبينوزا للطبيعة اإلنسانية تكشف عن تقارب مع الفلسفات األبيقورية والرواقية، فإن نظرة شلنج تترك وراءها

األفق الفكرى األبيقورى والرواقى الذى يكمن في خلفية تفكيرV هى المميزة سبينوزا حول اإلنسان نحو نظرة جديدة تماما

V للطبيعة ذاتها للرومانتيكية األلمانية؛ حيث يصبح اإلنسان مطورا بتطويره لملكاته اإلستاطيقية، وحيث يخلق اإلنسان طبيعة ثانية

أرقى وأجل من خالل العمل الفنى.

وقد يبدو من عنوان كتاب شهير لشلنج وهو "برونو: أو حول أنه يوحي بأن هناك مبدأين(116)المبدأ الطبيعي واإللهي لألشياء"

V بnnالمرة، فليس لألشياء: طnnبيعي وإلهي. لكن ليس هnnذا صnnحيحا هnذا هnو قصnد الحقيقى لشnلنج. والمعnنى الnدقيق للعنnوان، أن هناك مبدأ واحد، طبيعى وإلهى في الnوقت نفسnه، ولnذلك فnإن شلنج ينظر إلى الطبيعة نظرة تأليهية ويعتقد في كمون األلوهية في الطبيعة.والمالحظ في العنوان أنnnه يتحnnدث عن مبnnدأ واحnnد

Principle عnnيغة الجمnnوبالمفرد ولم يستخدم ص Principlesانnnك . يمكن لشnnلنج أن يسnnمى كتابnnه "حnnول المبnnدأ الطnnبيعى اإللهىV مnnع لألشياء" أو "حول المبدأ الطبيعى أو اإللهى لألشياء" متفقnnا الصيغة السnnبينوزية الشnnهيرة "اإللnnه أو الطبيعnnة"، والحقيقnnة أن

115) F.W.J. Schelling, First outline of a System of the Philosophy of Nature. Trans. By Keith R. Peterson (New York: SUNY Press, 2004), pp. 71ff. 116) F.W.J. Schelling, Bruno, or on the Natural and the Devine Principle of Things; 1802. Edited and Translated with introduction by Michael G. Vater (Albany: State Un. Of N.Y. Pr. 1984)

59

Page 60: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

هذا هو ما يقصده شلنج في العنوان، لكنه آثر استخدام الرابطة رغبة منه في توضnnيح أن المبnnدأ الطnnبيعى لألشnnياء هnnوund"و"

V المبnnدأ اإللهى، وهnnو في هnnذه الحالnnة متفnnق كnnذلك مnnع أيضnnاسبينوزا.

ويهدف شلنج من كتابه هذا توضيح أنه ليس هناك تناقض أصلي بين حكم الضرورة في الطبيعة والحرية التى تتجلى في

الحياة اإلنسانية. "إن التناقض الظاهرى بينهما يجب أن يرفع كى تعود كلية العالم لتطرح نفسها، حيث تتمكن األعين التى توهمها النظرة الثنائية لثقافة مغتربة ومنقسمة من أن تعود

لتدرك الطوعية والتكيف العضوى العامل في الطبيعة كما تدرك اآللية العمياء، وكى تدرك االنتظام القانونى والعقلي العامل في

. وبرفعه للتناقض(117)عالم األفعال والتنظيمات اإلنسانية" الزائف بين ضرورة الطبيعة وحرية الفعل اإلنساني، وتأكيده على أن ممارسة الحرية اإلنسانية هي الغاية النهائية لتطور

الطبيعة، ينجح شلنج في تجاوز اإلشكالية التقليدية بين الحرية والضرورة، والتي أعاد كانط إنتاجها في النقيضة الكوزمولوجية

. ولم يكن شلنج لينجح في ذلك لوال تبنيه للسبينوزية. (118)الثالثة

والدليل على أنه ليست هنnnاك إزدواجيnnة في مشnnروع شnnلنج وأنه في حقيقته مشروع مزدوج سببه السعي نحو تقريب الفكر

117) Schelling, Bruno, P. 6. 118) Schelling, Philosophical Investigations into the Essence of Human

Freedom. Translated with introduction and notes by Jeff Love and Johannes

Schmidt. (Albany: State University of New York Press, 2006), pp. 4, 22, 49, 53,

58.

وقد أكد هايدجر في محاضراته الشهيرة حول الكتاب السابق لشلنج

على العالقة الوثيقة بين معالجة كانط للحرية اإلنسانية في النقيضة

الكوزمولوجية الثالثة ومعالجة شلنج لها في ذلك الكتاب. أنظر في

ذلك:

Martin Heidegger, Schelling’s Treatise on the Essence of Human Freedom.

Translated by Joan Stambaugh (Athens: Ohio University Press, 1985), pp. 33-

42.

60

Page 61: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

بين الفكرة والوجود،من الوجود والوجود من الفكر هو مساواته في حين نظر كانnnط إلى الفكnnرة على أنهnnا تصnnور ترانسnnندنتالى للعقnnل الخnnالص. يقnnول شnnلنج عن الفكnnرة، بnnالمعنى المطلnnق

، والذى سوف يظهر بعد ذلك لدى(119)والأنطولوجى الذى يقصدهV إليnnه على نحnnو مطلnnق هيجnnل: "إن الوجnnود الحقيقى منظnnوراV، فnnإن الفكnnرة هى الجnnوهر موضوع في الفكرة، وبnnالعكس أيضnnا

(.120)والوجود ذاته"

. تعديل شلنج لمبدأ الهوية السبينوزي:3

اعتنق شلنج منذ البداية مبدأ الهوية، وظل يدافع عنnnه طnnوال حياتnnه لكن بطnnرق مختلفnnة. فمنnnذ مقالnnه المبكnnر "حnnول األنnnا باعتبارهnnا مبnnدأ الفلسnnفة" دافnnع عن مبnnدأ الهويnnة بnnاللجوء إلى

(1800الجانب الذاتى. وفي "نسnnق المثاليnnة الترانسnnندنتالية" ) يnnnدافع عنnnnه عن طريnnnق االنتقnnnال من الnnnذات إلى الموضnnnوع والموضوع إلى الذات. وفي مقاالته المبكرة والتالية في فلسفةV في الطبيعnnة يثبت نفس المبnnدأ عن طريnnق الطبيعnnة. وأخnnيرا"نسnnق الفلسnnفة بوجnnه عnnام وفلسnnفة الطبيعnnة بوجnnه خnnاص )

( يnnnدافع عنnnnه1810( وفي "محاضnnnرات شnnnتوتجارت )1804 بطريقة جديnدة، ال عن طريnق الnذات أو الموضnوع أو الطبيعnة،

هذا المعنى األنطولوجى للفكرة يتكرر ظهوره لدى هيجل ( 119 بنفس المعنى الذى قصده شلنج. يقول هيجل فى علم المنطق:

، الحقيقى موضوعياY، ما هوadequate"إن الفكرة هى التصور الدقيق حقيقى عن جدارة. عندما يحوز شئ ما على الحقيقة، فإنه يحوز

عليها من خالل فكرتها، أو أن شيئاY يحوز الحقيقة طالما كانت ]هذه الحقيقة[ فكرة.. طالما كانت الفكرة هى وحدة التصور والموضوعية أو ما هو حقيقى، فال يجب أن يNنظر إليها باعتبارها مجرد هدف يتم

التقرب منه، بل شئ يبقى خارج المنال. بل األحرى فإن كل شئ واقعى يوجد فقط إذا كان يمتلك الفكرة فى ذاته ويعبر عنها. إن

الموضوع والمجال الموضوعى والذاتى بعامة ال يجب أن يكون مجرد بين التصورCongruenceانسجام مع الفكرة؛ إنها فى ذاتها التكامل

والواقع" علم المنطق، المنطق الذاتى.

120) Schelling, Bruno, P. 199.

61

Page 62: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

ولكن عن طريق إثبات مباشnnر للهويnة. وعnبر كnل تلnnك الطnرقV من شلنج لهnnذا المبnnدأ المختلفة إلثبات مبدأ الهوية، رأينا تطويرا

بعد أن كان يتبناه بعمومبة في أعماله األولى.

V للغاية عندما حدد الشروط الواجب وقد كان شلنج سبينوزياV. إذ يقول V وعلميا :توافرها في النسق الفلسفي كي يكون شامال

"يجب أن يعتمد على مبدأ يدعم ذاته، مبدأ يتأسس في ذاته ومن خالل ذاته ويعيد إنتاج نفسه في كل أجزاءه، كما يجب أال

")V ومعنى هذا أن مبدأ النسق(.121)يستبعد أى شئ )الطبيعة مثالV عن الجوهر عند سبينوزا، فالجوهر عند شلنج ال يختلف كثيرا عنده يتصف بنفس تلك الشروط التى للمبدأ عند شلنج. لكن يبدأ اختالف شلنج عن سبينوزا عندما يحاول توضيح كيفية بناء

"]يتطلب هذا المبدأ[هذا النسق وفق هذا المبدأ، إذ يقول: منهجاV في التطور والتقدم كى يضمن عدم حذف أى صلة ]بين

. ففي حين اكتفي سبينوزا بوضع مبدأ(122)الفكر والوجود[" الهوية في بداية مذهبه ولم يدلل على كيفية تطابق الفكر

والوجود بما فيه الكفاية، من وجهة نظر شلنج بالطبع، فإن برنامج شلنج يتمثل في توضيح هذه الكيفية بمنهج يستطيع به

االنتقال من الفكر إلى الوجود والعكس، أو من المثالى إلى الواقعى والعكس، ذلك البرنامج الذى يعتقد شلنج أنه لم يكن

V في نسق سبينوزا. وما نستطيع استخالصه هنا أن موجودا الهدف النهائى لنسق شلنج سبق وأن عبر عنه سبينوزا، والفرق

V إلثبات ما وضعه V جديدا بينهما أن شلنج يضع طريقة ومنهجاسبينوزا بطريقة تقريرية وجماطيقية في بداية مذهبه.

ويصف شلنج مذهبه في "نسق الفلسفة بوجه عام..." على أنه يعتمد على مبدأ الهوية المطلقة والالمشروطة، ويفهم هذه

، إذ يصف العالقة بين الفكرOrganicالهوية على أنها عضوية V آخر(123)والوجود على أنها عالقة عضوية . لكن يعد هذا اختالفا

عن فلسفة سبينوزا، ذلك ألن سبينوزا لم يصف عالقة عضوية بينهما بل وصف عالقة هوية وتوازى، ويتضح هذا من القول

121) Schelling, “Stuttgart Seminars”, op.cit., P. 198. 122) Ibid.: Loc.cit. 123) Schelling: “System of Philosophy in General”, op.cit., pp.168-169.

62

Page 63: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

الشهير لسبينوزا أن نظام الفكر هو نفسه نظام االمتداد.V يقول شلنج فى السطور األولى من مقاله والمتفقة تماما

: "رغم اختالف األوجه التى تظهر بها الفلسفة فىمع سبينوزاVكل موضوع جزئى فإن الدافع األول نحوها يتضمن افتراضا

واحداV فقط يمكن أن نعبر عنه من خالل االنعكاس على المعرفة ذاتها. وإلحاق الواقعية الخاصة بهذا االفتراض على نحو

كامل، وتقديمه على أنه الحق هو ما يمثل الدافع الذاتى والمختفى للفلسفة بعامة.. وألعلن اآلن عن هذا االفتراض

Presuppositionدون أى تأخير وأخذه على أنه مسلمة باعتباره القضية األولى فى بحثنا: االفتراض األول لكل معرفة هو أن

. وهنا يختلف(124)العارف وذلك الذى يعرف هما نفس الشئ" شلنج عن فشتة، ألن فشتة يتبنى نفس االفتراض، لكن يؤوله

V إلى أن هذا االفتراض يعنى أن العارف فى V، ذاهبا V ذاتيا تأويال هوية مع ذاته التى هى موضوع معرفته؛ العارف وموضوع

معرفته فى هوية واحدة ألن موضوع معرفته هو ذاته، أى األنا المطلق. لكن شلنج وفى عودة منه إلى سبينوزا وفى إختالف عن فشتة يذهب إلى أن العارف وهو الذات العارفة فى هوية

مع موضوع معرفته الذى ليس األنا المطلق والموضوع أو الطبيعة. إذا كان فشتة يقول إن أ = أ، فإن االثنين عنده عبارة

عن الذات أو األنا؛ لكن حينما يعلن شلنج نفس المعادلة فهو يقصد منها أن األلف األولى هى الذات، واأللف الثانية هىالموضوع أو العالم أو الطبيعة فى اتفاق تام مع سبينوزا.

ويدعم شلنج افتراضه حول الهوية بقوله إن المعرفة الحقة، حسب التعريف التقليدى للصدق، تتمثل فى إتفاقها

Correspondenceمع موضوعها، أو اتفاق ما فى األذهان مع ما فى األعيان بالتعبير العربى اإلسالمى، "أو أن الصدق يتمثل فى

االتفاق بين الذاتية والموضوعية فى المعرفة". وال يمكن للمعرفة التى تقع فى جانب الذات أن تتفق مع الموضوع إال إذا كانت هناك هوية أصلية بينهما. فسرت النظريات التجريبية هذا

124) F.W.J. Schelling, "System of Philosophy in General and of the Philosophy of Nature in Particular (1804)”, in Idealism and the Endgame of Theory. Translated and edited by Thomas Pfau (New York: State University of New York Press, 1994), P. 141.

63

Page 64: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

االتفاق على أنه نتيجة انطباع الواقع على الفكر، بحيث تكون .(125)المعرفة صادقة طالما كانت مرآة ينعكس عليها الموضوع

لكن نظرية شلنج تختلف عن هذه النظرية االنطباعية االنعكاسية، وتذهب إلى أن السبب فى صدق المعرفة أن بنية

الذات هى نفسها بنية الموضوع.

ويعترض شلنج على النظرية القائلة أن اتفاق الذات والموضوع يرجع إلى تشكيل الموضوع للذات، وهى نظرية لوك

وهيوم، حيث العقل عندهما ما هو إال أثر من فعل اإلدراكاتV من بنية الموضوع، إذ الحسية على الفهم، وتتكون بنيته أساسا

تشرط الثانية األولى. ويذهب شلنج إلى أنه إذا سلمنا بهذه النظرة فإن تأثير الموضوع وحده هو الذى تعرفه الذات ال

V الموضوع نفسه، وتصبح المعرفة بذلك مجرد ظاهر ال شيئا .V حقيقيا

كما يناقش شلنج نظرية ثالثة تذهب إلى أن ما هو معروف يتمثل فى شئ جديد يمثل تأثير الذات فى الموضوع وتأثير

�حل اإلشكالية ألن الموضوع فى الذات، لكن فى هذه الحالة ال تV سوى أنها جمعت صعوبات النظريتين النظرية لم تفعل شيئا

V لهذه اإلشكاليات سوى مبدأه(126)األولتين . وال يجد شلنج حال فى الهوية، القائل أن الذى يعرف وما هو معروف شئ واحد. "هذا الواحد الذى يعرف والمعروف هو الواحد المساوى لذاته

Identicalفى كل األوضاع الممكنة للمعرفة.. وبالتالى فتوجد V وبالضرورة وفى كل مكان معرفة واحدة فقط ومعروف دائما

. ويقصد شلنج بذلك أنه فى كل أوضاع أو أوجه أو(127)واحد" أنواع المعرفة هناك هوية كانت بين الذات والموضوع، تكشف عن الهوية الواحدة بينهما. "وبالتالى فإن المعرفة العليا )وهى المعرفة من النوع الثالث عند سبينوزا( تتضمن بالضرورة أن

للذات والموضوع هو نفسهSelf-Samenessالتساوى الذاتى شئ معروف؛ أو ألن هذا التساوى الذاتى يتأسس بدقة فى

هوية العارف والمعروف، فإن تلك المعرفة )بالهوية( هى التى

125) Ibid: P. 142. 126) Ibid: P. 143. 127) Ibid: Loc. Cit.

64

Page 65: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

يتعرف فيها التساوى الذاتى األزلى على نفسه. هذه المعرفة . هنا(128)التى تتعرف فيها الهوية الذاتية على نفسها هى العقل"

يختلف شلنج عن سبينوزا، ألن الطبيعة وقوانينها عند سبينوزا كانت هى المحل الذى نجد فيه العارف والمعروف وتتحقق فيه

V منها العقل، باعتباره المحل الذى الهوية، لكن يضع شلنج بدالتتعرف فيه الهوية الذاتية على ذاتها.

والمالحظ أن ما يسميه شلنج بالعقل هو المعرفة من النوع الثالث عند سبينوزا. وما يجعل شلنج يضع العقل باعتباره

المحل الذى تتحقق فيه الهوية أنه المحل الذى تدرك فيه الهوية ذاتها، ومعنى هذا أن شلنج يعطى األولوية لمعرفة الهوية على

الشئ المادى الذى تتحقق فيه الهوية وهى الطبيعة عند سبينوزا. وقد كان لشلنج مبرراته فى ذلك، ألن الطبيعة ذاتها

غير واعية من وجهة نظره، وهى غير قادرة على إدراك ما فيها من هوية أصلية، وذلك الشئ الذى يدرك الهوية هو األولى بأن

يكون محلها، وهو العقل. وسوف يتوسع هيجل فى هذه الفكرة ويذهب إلى أن الهوية األصلية تتحقق فى المفهوم أو المعرفة المطلقة أو الروح، وهى أسماء لهيجل البديلة لمصطلح العقل

الذى يستخدمه شلنج هنا.

يوضح شلنج مذهبه1810 في محاضرات شتوتجارت سنة في الهوية عن طريق عرض عام لمفهوم الهوية في الفلسفة

الحديثة، ويذهب إلى أن البداية كانت مع ثنائية ديكارت بين الروحى والمادي، ذلك المادي الذى كان يفهمه على أنه

الفيزيائى والميكانيكى، في مقابل المادي عند شلنج الذى هو في مقابل المادة الالحيةanimateعضوى في األساس وحى

. ثم يعلن شلنج أن سبينوزا قد أقر بأنinanimateعند ديكارت الروحى يساوى المادي، وبالهوية المطلقة بين المبدأين، ويقول في ذلك: "اذا إلتزمنا بدقة بعموميات مذهب سبينوزا، فسوف

نرى أنفسنا ميالين نحو النظر إلى تفكيره على أنه متطابقV مع الفلسفة األخيرة في الهوية، والعكس"، وهو يقصد تماما

فلسفته هو ومعها المثالية األلمانية كلها ابتداءV من فشتة. لكنه يعدد مجموعة من االختالفات بين مذهبه ومذهب سبينوزا في

الهوية. فهو يذهب إلى أن سبينوزا يكتفي بإقامة الهوية

128) Ibid: loc. Cit.

65

Page 66: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V، أو كيف تكون المطلقة بينهما وال يوضح كيفية ارتباطهما معا للمثالى صلة مع المادي والعكس، كما ال يوضح كيف يؤثر

الواحد منهما على األخر، وال يستطيع أن يتصور التداخل بينهما، ذلك ألنه قدم لنا مجرد دمج بين الجوهرين المنفصلين عند

ديكارت. كما أن فيزياء سبينوزا ميكانيكية، والطبيعة عنده الحيةinanimateفعلى الرغم من أن سبينوزا قد نظر إلى ،V . وأخيرا

الفكر واالمتداد على أنهما صفتين للجوهر الواحد، إال أنه لم يعين طبيعة هذا الجوهر الذى تصدر عنه هاتين الصفتين، وهو

.(129)ينكر مفهوم اإلله الشخصى

129) Schelling, “Stuttgart Seminars”, op.cit., pp. 199-203.

ونستطيع الدفاع عن سبينوزا ضد هذا النقد الذى يوجهه شلنج بتوضيح أن سبينوزا قد أوضح بالفعل ماهية هذا الجوهر الواحد

وذهب إلى أنه هو الطبيعة أو اإلله، ويكون الجوهر طبيعة إذا نظرنا إليه من حيث االمتداد، ويكون إلها إذا نظرنا إليه من حيث الفكر أو

الروح. المادى والروحى عند سبينوزا ليسا إال طريقتين مختلفين للنظر إلى الجوهر الواحد؛ والفهم اإلنسانى هو الذى يفصل بين الجانبين، إنهما كذلك من وجهة النظر اإلنسانية فقط. وبالتالى

يكون نقد شلنج لسبينوزا أنه لم يوضح كيفية التفاعل بين الجانبين فى غير محله. إذا كان هناك وجود واقعى منفصل لصفتى الفكر

واالمتداد لكانت قضية التفاعل بينهما على حق فى أن تطرح نفسها؛ شلنج ال يزال يتمسك بالحقيقة األنطولوجية لالنفصال بين

الفكر واالمتداد ولذلك يبحث عن تفاعل بينهما، لكن سبينوزا يقر بأن الفكر واالمتداد شئ واحد ولذلك ال يبحث عن تفاعل بينهما.

الكائن اإلنسانى وحده هو الذى يدرك انفصاالY بينهما وبالتالى فهو وحده الذى يبحث عن التفاعل بينهما لتبرير وحدتهما للفهم

اإلنسانى. كما ال يزال شلنج يتمسك بفكرة اإلله الشخصى المنفصل عن الطبيعة، ولذلك ينظر إلى سبينوزا على أنه أنكر شخصية

واستقالل اإلله، فى حين أنه ليس هناك إنكار لدى سبينوزا ألنه قد سبق وأن أعلن هوية اإلله والطبيعة المطلقة وأنهما شئ واحد.

يبدو أن شلنج يسلم بمبدأ الهوية مثل سبينوزا تماماY، لكن يتمثل كل جهده فى محاولة توضيح هذه الهوية للفهم اإلنسانى. إنها طريقة

جديدة مختلفة عن طريقة سبينوزا فى إثبات الهوية، لكنها فى النهاية تتوصل إلى نفس النتيجة، لكن مع بعض االختالفات

والتعديالت أهمها االحتفاظ بفكرة اإلله الشخصى المستقل عنالطبيعة التى تختلف عن الهوية المطلقة بينهما عند سبينوزا.

66

Page 67: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

وكان موقف شلنج من سبينوزا هnnو الموافقnnة الضnnمنية العامnnة على مبادئ فلسnnفته في الهويnnة لكن مnnع رفض الطريقnnة الnnتي أثبت بهnnا سnnبينوزا هnnذا المبnnدأ. ويظهnnر هnnذا في مقnnال شnnلنج:

"يبnnدو لى.. أنnnه حnnتى اآلن فnnإن)عnnرض لنسnnقى الفلسnnفي(: الواقعية في شكلها األجل واألكمل )أعnnنى في السnnبينوزية( قnnد أسئ تأسيسها وفهمها لnnدى اآلراء الnnتى نشnnأت عنهnnا وأصnnبحت

V على(130)معرفة شnnائعة" . ومعnnنى هnnذا أن شnnلنج يوافnnق مبnnدأيا مذهب سبينوزا، إذ يسميه بالواقعية في شكلها األجnnل واألكمnnل؛V ألن مذهب سبينوزا أسnnئ فهمnnه وأصnnبح هnnذا الفهم ولكن نظراV، فإن أساس فلسفة سبينوزا، وهو نظرية الهوية، الخاطئ شائعا في حاجnnة إلى عnnرض مختلnnف وحجج وبnnراهين جديnnدة تدعمnnه.V في ويقصد شلنج بإساءة فهم مذهب سnnبينوزا مnnا كnnان منتشnnرا ذلك العصر أن مذهب سبينوزا في الهوية المطلقة قدرى وينفي الحرية اإلنسانية ويقع في النزعة المادية الnnتى تخnnتزل الnnروحى في المادي وتختزل اإلله في الطبيعة. وهدف شnnلنج من عرضnnهV في نظرية الهوية الجديد لفلسفة الهوية توضيح أنه ليس شرطا في حد ذاتها أن تكون مادية وقدرية، بnnل من الممكن أن تكnnون روحية وتؤكد على الحرية وعلى روحية اإلله بالضد على التصور

المادي عنه في فلسفة سبينوزا.

وقد حل المفهوم األنطولوجي للعقل عن شلنج محل مفهوم الجوهر عند سبينوزا. فالعقل التي يتكلم عنه شلنج ليس مجرد

الملكة المعرفية المعروفة بل هو القوة العقلية الحالة في الوجود، ويمكن النظر إليه على أنه إعادة صياغة لصفة الفكر،

:إحدى الصفتين األساسيتين لجوهر سبينوزا. يقول شلنج "أقصد بالعقل، العقل المطلق، أو العقل طالما تم تصوره على

. وفي هذا تأكيد(131)أنه الالتمايز الشامل للذاتى والموضوعى"130) Schelling: “Presentation of my System of Philosophy (1801), op.cit., pp.

345-346. 131) Ibid: P.349

67

Page 68: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

على أن الهوية األصلية هوية عقلية، وهى العقل ذاته، بما أن العقل هو تعبير عن العقالنية الشاملة لعالم الطبيعة ولإلنسان في الوقت نفسه. فالعقل الذى لدى اإلنسان جزء أصيل من العقالنية السائدة في الكون. يعمل شلنج بذلك على التأكيد على أن الجوهر الحقيقى عقل، أى عقل مطلق، وهو بذلك

يرفض انقسام جوهر سبينوزا إلى فكر وامتداد، ألن االمتداد لدى شلنج هو في جوهره شئ عقلي، ألن أساس االمتداد لديه

فكرى؛ إذ االمتداد هو في أساسه عالقات هندسية رياضية، وتحكمه القوانين الرياضية التى هى في حقيقتها فكر، وتعبير

عن العقل.

"ال ويظهر إحالل شلنج للعقل محل جوهر سبينوزا من قوله: . والمالحظ أن(132)شئ خارج العقل، وهو يكمن في كل شئ"

هذا الوصف للعقل متطابق لخاصية أساسية للجوهر عند سبينوزا. فما يسميه سبينوزا بالجوهر يسميه شلنج العقل.

V. ويزيد شلنج ويقصد به العقالنية الشاملة للكون ولإلنسان معاV بقوله : "إن القوة التى تتفجر في مادةهذه الفكرة إيضاحا

الطبيعة هى نفسها في ماهيتها كتلك التى تظهر في عالم العقل، وكل الفرق أنها ]في الطبيعة[ تحمل واقعية زائدة، وفي

. (133)]عالم العقل[ تحمل مثالية زائدة"

كما يساوي شلنج بين وجود الهوية المطلقة ومعرفتها، فهي تتحقق بالفعل في فعل المعرفة بها، وفي ذلك

يقول:"الهوية المطلقة ال توجد إال تحت شكل تعقل هويتها مع (؛ أى أنها ال توجد إال في الوعى بذاتها باعتبارها هوية،134ذاتها")

أى مع الوعى اإلنسانى الذى يدركها باعتبارها كذلك. ومعنى هذاأن الهوية المطلقة ال تتحقق إال في تعقلها من قبل اإلنسان.

ويتضح من وصف شلنج للهوية المطلقة أنها هي التي توفي شروط جوهر سبينوزا، وأعني بها األزلية والسببية المحايثة أو العلة الذاتية )فجوهر سبينوزا هو علة ذاته(. ذلك ألن األزلية ال

تتوافر حسب شلنج إال في كيان يتحد فيه الفكر والوجود ويكونV لذاته. وال يمكن أن يكون هناك كيان ذاتي التعين إال إذا سببا

132) Ibid: P. 350. 133) Ibid: P. 358. 134) Ibid: P. 355.

68

Page 69: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

كان فكره هو وجوده ووجوده هو فكره، وهو عند شلنج الكون بما فيه العالم اإلنساني باعتبارهما يشكالن وحدة واحدة. يقول

؛(135)شلنج: "إن الكون أزلى بالتساوى مع الهوية المطلقة ذاتها"V للكون، بل الكون نفسه") (؛136"الهوية المطلقة ليست سببا

V لشئ آخر خارجه، وكذلك يقول سبينوزا إن الجوهر ليس سببا ألنه ليس هناك شئ خارجه. فالسببية داخلة في الجوهر

V لذاته فإن سببيته لذاته هذه ومحايثة فيه. فإذا كان الجوهر سبباV لكل ما فيه من طبيعة مادية وأحوال هى في الوقت نفسه سببا

وأشياء جزئية وكائنات. وعندما نعود إلى عبارة شلنج السابقةV نراه يؤكد مثله مثل سبينوزا على أن سببية المطلق ال تنتج كوناV عن هذا المطلق، ألن المطلق الينتج إال نفسه ألنه V منفصال ماديا

هو الكون كله.

رابعاY – تطوير شلنج لفلسفة سبينوزا في الهوية:

. الهوية:1

تأسيس الهوية اإلبستيمولوجية على الهويةاألنطولوجية:

رأينا فيما سبق كيف أن تبني شلنج لفلسفة الهوية كان بهدف القضاء على الثنائيات الكانطية العديدة التي أقامها كانط بين الذات والموضوع والمعرفة والوجود، والهوة السحيقة التي كانت تفصل بين الجانبين في أعمال كانط النقدية. ولذلك فإن

أول مجال طبق فيه شلنج مبدأ الهوية كان المجالV بذلك تجاوز الثنائيات الكانطية في مجال اإلبستيمولوجي محاوال المعرفة. أما عندما طور شلنج من مبدأ الهوية فقد وجد أنه من

الضروري تأسيس الهوية اإلبستيمولوجية على الهوية األنطولوجية، ألن األخيرة هي األصل الفعلي لهوية الفكر

والوجود. ولذلك نرى شلنج يقول في "نسق الفلسفة بوجه "في العقل أحوز على معرفة ال مشروطة: 1804عام..." سنة

~ن موضوعها مباشرة، أى أن �عي وواقعية معاV؛ العقل هو معرفة.. ت موضوع التعق�ل العقالنى نفسه، باعتباره موضوعاV – بالنظر إلى

واقعيته – متعين فقط عن طريق قانون الهوية. وال يمكن أن

135) Ibid: P. 360.136) Ibid: P. 359.

69

Page 70: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

تكون هذه الحالة إال حالة موضوع يسمح الحدس به باستمرار مباشر بين الفكرة والوجود، أى موضوع يؤكد ذاته بفضل

. يتضح من هذا النص أن ما كان يؤكد عليه سبينوزا(137)فكرته" باعتباره الهوية المطلقة للفكر والوجود، وللمثالى والواقعى، والذى أطلق عليه الجوهر، ال يعرف على الحقيقة إال بالعقل

V يعى بذاته. لقد اكتفي سبينوزا بالتأكيد وباعتباره عقال�عرف، الدوجماطيقى على الهوية المطلقة ولم يوضح كيف ت

وفي نص شلنج السابق يتضح أن تلك الهوية المطلقة يجب أن تصل إلى الوعى الذاتى بذاتها في اإلنسان، وبالتحديد في

"إن هوية الذاتالعقل. وعلى الرغم من أن شلنج يقول: والموضوع ليست مقيدة بوعيى بذاتى بل هى موجودة على نحو

، فإنه يقصد بذلك أن الهوية شاملة للوجود كله، وهى(138)كلى" متحققة بالقوة في الكون، لكنها ال تتحقق بالفعل إال في الوعى

اإلنسانى بها.

وألن شلنج كان دائم اإلصرار على أن الهوية المطلقة هى اإلله نفسه، فإن هذا ما دفعه في مؤلفاته المتأخرة إلى اإلعالن بأن اإلله ال يصل إلى كماله وال يتحقق على نحو فعلى إال داخل

. وهذا هو الخيط الذى سوف يلتقطه منه(139)الوعى اإلنسانى به فويرباخ ويقدم على أساسه نقده الشهير للمسيحية باعتبارها

تضع حقيقة الوجود في كائن مفارق للعالم، في حين أن الحقيقة، عند فويرباخ، وعند شلنج من قبله، هى في اإلله

الكامن في النفس البشرية. فوعى الذات اإلنسانية باإلله، عند137) Schelling: "System of Philosophy in General and of the Philosophy of

Nature in Particular (1804)”, P.149. 138) Ibid: P. 152.

( وهذا ما يتضح في أحد أعماله األخيرة التي نشرها في حياته139

.Ages of the World :1815 و1811وهو "عصور العالم" الذي كتبه بين

Translated with introduction by Frederick de Wolfe Bolman. (New York:

Columbia University Press, 1942)

1842وكذلك في محاضراته المتأخرة حول فلسفة الميثولوجيا سنة

: Historical-Critical Introduction to the Philosophy of Mythology. Translated

by Mason Richey and Markus Zisselsberger, forward by Jason M. Wirth

(Albany: State University of New York Press, 2007)

70

Page 71: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V، هو وعى اإلله بذاته عن طريق شلنج وفويرباخ معا . وهذا ما يتضح من قول شلنج: "إن التوكيد الذاتى(140)اإلنسان

.(141)لإلله يمكن أن يوصف على أنه عملية من المعرفة الذاتية" فألن اإلله هو كل ما يوجد، وألن كل ما يوجد يوجد في اإلله،

V، فإن اإلله في نفوسنا ونحن حسب سبينوزا وحسب شلنج أيضا فيه وجزء منه في الوقت نفسه، ومعرفتنا بنفوسنا هى في

الوقت نفسه معرفة باإلله، أو حسب القول الشهير "من عرفنفسه فقد عرف ربه".

التمييز بين الهوية في ذاتها والهوية في شكلها

المطلق:

ويميز شلنج بين الهوية في ذاتها والهوية في شكلها المطلق. الهوية في ذاتها هى المطلق الذى يتحد فيه الفكر

والوجود، والهوية في شكلها المطلق هى المطلق الذى يتجسد في فكر ووجود منفصلين لكنهما في نفس الوقت متحدانV. ويقصد شلنج بهذا التمييز اإلجابة عن السؤال الذى عضويا

يطرح نفسه نتيجة لمبدأ الهوية وهو كيف نفسر انقسام المطلق إلى فكر ووجود؟ المطلق في ذاته غير منقسم بل هو

وحدة مطلقة، وال ينقسم إلى هذين الجانبين إال عندما يتخذV؛ فعندما يتعين اإلله في الكون يتخذ المطلق صورتى V عينيا شكال

الفكر والوجود باعتبارهما الشكلين اللذين يعبر بهما المطلقV . يجب أن نالحظ هنا أن شلنج يمارس(142)عن ذاته واقعيا

V من أرضية سبينوزية بحتة، ذلك ألن تمييز تفلسفه إنطالقا شلنج بين المطلق في ذاته والمطلق في شكله المتعين هو حله

لإلشكالية التى تظهر في فلسفة سبينوزا وهى تفسير السبب في تعبير الجوهر الواحد عن ذاته في صورتين مختلفين على الرغم

من أنه واحد في ذاته. إنه حسب شلنج واحد في ذاته، ثنائى فيتحققه العينى.

140 ) Ludwig Feuerbach. The Essence of Christianity. Translated by Marian

Evans (London: Kegan Paul & co., 1890), pp. VII, 86, 89, 227. 141) Schelling: "System of Philosophy in General and of the Philosophy of

Nature in Particular (1804)”, P.162. 142) Schelling, “Stuttgart Seminars”, op.cit., pp. 200-201.

71

Page 72: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

اشتراط شمول الهوية المطلقة لفعل المعرفة

بها:

ويشترط شلنج في الهوية المطلقة وجود معرفة بها، فهذه الهوية ال تخص الوجود وحسب وال تكمن في كيان أنطولوجى

وحسب بل تخص كذلك المعرفة والكيان المعرفي. ويقر شلنج بأن معرفة الهوية المطلقة هى صفة لهذه الهوية المطلقة

. وبذلك يخرج شلنج عن مذهب سبينوزا في ثورية، ألن(143)ذاتها جوهر سبينوزا كان مجرد هوية أنطولوجية ولم تكن تتطلب

معرفة تدركها، أما شلنج فإنه يدخل المعرفة بالمطلق على أنها من صميم هذا المطلق. وألنه سبق وأن أكد في بداية المقال

على أن الحدس العقلي هو الطريق لمعرفة المطلق، فإنه بذلك يدخل هذا الحدس العقلي نفسه في صميم طبيعة

المطلق. صحيح أن الحدس العقلي موجود في مذهب سبينوزا في صورة المعرفة من النوع الثالث التى تستطيع معرفة

V من V أن يجعلها جزءا الجوهر، إال أنه لم يكن يدور بخلده أبداطبيعة الجوهر كما يفعل شلنج هنا.

ويميل شلنج نحو الذهاب إلى أن الهوية المطلقة تتحقق في الفكر اإلنسانى الذى يدركها ألنه هو مجال تحققها، وذلك بناء

على أنها ليست ممكنة إال على أساس الوعى بها. يقول شلنج: "الهوية المطلقة توجد فقط تحت شكل معرفة هويتها مع ذاتها.

وهذا ألن معرفتها أصيلة مثلها مثل وجودها، والحقيقة أن . يساوى شلنج في هذا(144)معرفتها تلك هى شكل وجودها"

النص بين معرفة المطلق ووجوده، ويذهب إلى أن معرفته بهويته مع نفسه هى الشكل التى يوجد به. واالختالف عن سبينوزا أن

األخير لم يكن ينظر إلى المعرفة على أنها شكل من أشكال الوجود، ولم يعمل على اختزال وجود الجوهر إلى معرفة بوحدته

كما يفعل شلنج في هذا النص. وتعد نظرة شلنج لمعرفة المطلق على أنها هى ذاتها شكل وجوده خطوة إلى األمام يتجاوز

بها سبينوزا الذى لم يكن ينظر إلى الجوهر إال على أنه الطبيعةذات الصفتين المادية والفكرية.

143) Schelling: “Presentation of my System of Philosophy (1801), op.cit., P.354. 144) Ibid: P. 355.

72

Page 73: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

ويأتى شلنج ببعض العبارات التى يشرح فيها فكرته عن الهوية المطلقة ويتضح فيها أنه يعبر عن جوهر سبينوزا تحت

مفهوم الهوية المطلقة هذا، إذ يقول: "الهوية المطلقة هى الكلية المطلقة. ألنها هى ذاتها كل شئ يوجد وال يمكن أن

تدرك على أنها منفصلة عن أى شئ.. وإننى أحدد الكلية . ومن الواضح كيفUniverse"(145)المطلقة على أنها الكون

�عر~ف شلنج الهوية المطلقة بأنها كل ما يوجد، وهو نفس ي تعريف سبينوزا للجوهر، كما يتفق معه في ذهابه إلى أن هذه

الهوية هى الكلية المطلقة التى هى الكون، أو الطبيعة بلغةسبينوزا.

الهdوية والقdوة:

كما يتبنى شلنج المبدأ السبينوزى الشهير حول هوية الفكر ، إذ يذهب إلى أنPowerوالطبيعة وذلك في سياق فكرة القوة

القوة التى تكشف عن نفسها في الطبيعة هى ذاتها القوةV القدرة العاملة على مستوى العقل، إذ هى في المجالين معاV، وكل الفرق بين قوة على التحقق من إمكانية معطاة سلفا

V وقوة العقل الطبيعة وقوة العقل أن قوة الطبيعة تعمل مادياV، وتكون قوة الطبيعة بذلك واقعية وتتمتع بتحقق تعمل مثاليا

عينى مادي، وقوة العقل مثالية وتعمل على التحقيق المثالى . ولعل شلنج هنا يقصد القوة بالمعنى الذى(146)المجرد للقوة

قصده كانط من القدرة القبلية على المعرفة والحكم.

شلنج: الهوية المطلقة تتضمن السببية المحايثة:

وألن شلنج قد سبق وأعلن أن المطلق هو الكون، وأن هذا الكون هو الكل الشامل لكل شئ، فهو يأتى بعد ذلك بفكرةV للكون، بل هى الكون تقول إن "الهوية المطلقة ليست سببا

. ومعنى هذا أن السببية ليست خارج الكون بل داخله(147)ذاته" ألنه هو الكل الشامل. وهذه هي السببية المحايثة التي تجعل

اإلله قوة محايثة ومساوقة للكون ال مفارقة له، وهذه هي وحدة

145) Ibid: P. 354. 146) Ibid: P. 358. 147) Ibid: P. 359.

73

Page 74: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

الوجود في صورتها لدى شلنج. وكذلك يقول سبينوزا إن الجوهرV عنه، سواء كان هذا V لشئ آخر خارجه أو مختلفا ليس سببا

الشئ هو الطبيعة أو المادة أو الفكر، ألن السببية ذاتها مستوعبة في الجوهر، وكل عالقة سببية توجد في الجوهر ال

خارجه بحيث تكون عالقة بين جوهر وآخر أو جوهر وصفات أو أحوال تكون مختلفة عنه أو خارجه، ولذلك يقول سبينوزا إن

الجوهر هو سبب ذاته، أى أنه يستوعب السببية. والحقيقة أن هذه النظرة للجوهر بلغة سبينوزا أو للمطلق بلغة شلنج تجعله

بدون تطور أو تغير أو انتقال من حال إلى آخر، ألن كل تغير حسب سبينوزا يكون في األحوال الداخلية في الجوهر، ال

للجوهر ذاته. وهذا ما رفضه هيجل في جوهر سبينوزا ومطلقV يحتوى على V ثابتا V أنطولوجيا شلنج، فالمطلق عنده ليس كيانا

كل شئ، بل هو العالقة الشاملة بين أجزائه، سواء كانت صفات أو أحوال، تلك التى تتحول في منطق هيجل إلى مقوالت.

وهيجل يؤكد على العكس من سبينوزا وشلنج على أن المطلق يحدث له تغير ويمر بتطور، ويكون تطوره هذا حسب الحركة

V V لكن بالقوة، ثم يصير مطلقا الجدلية، فالمطلق لديه يبدأ مطلقا بالفعل بفضل ما يمر به من حركة جدلية. وهكذا نرى كيف أدخل هيجل الفكرة األرسطية عن القوة والفعل في صميم

مذهبه كنوع من التعديل الشامل على مذهبى سبينوزا وشلنج.

تحقdق الهوية في الفرد:

وعلى العكس من سبينوزا الذى أصر على أن هوية الفكر والوجود ال تتحقق بالكامل إال في الجوهر، يؤكد شلنج على أن

V، ويقول الهوية ال تتحقق في المطلق وحسب بل في الفرد أيضا في ذلك: "الهوية المطلقة هى على مستوى الفرد تحت نفس

V، فهى في الشكل الذى توجد عليه في الكل، وبالعكس أيضا وهو(.148)الكل تحت نفس الشكل الذى توجد عليه في الفرد"

يقصد بالفرد هنا أى كيان جزئى بما فيه اإلنسان الفرد. فاإلنسان لديه يمثل هوية مطلقة بين الفكر والوجود، فهو فكر

في جانبه العقلي ووجود أو وجود مادي في جانبه الجسدى. صحيح أن سبينوزا قد أكد على هوية العقل والجسم علىV أن هوية العقل المستوى اإلنسانى، إال أنه لم يصرح أبدا

148) Ibid: P. 361.

74

Page 75: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

والجسد تعبير عن الهوية األكبر بين الفكر والوجود الموجودة في الجوهر، ولم يصرح كذلك بأن الشكل الذى توجد عليه هوية

العقل والجسد هو نفسه الشكل الذى توجد عليه هوية الفكر والوجود على مستوى الجوهر، ذلك ألن اإلنسان لديه مجرد حال للجوهر، لكن شلنج في هذا النص يؤكد على أن الفرد مساو� للجوهر على مستوى الشكل األنطولوجى الذى يمثل

هوية الفكر والوجود.

وتعد هذه الفكرة عند شلنج من بين األفكار العديدة التى طور بها مذهب سبينوزا وتجاوزه. لكن هل يعنى تساوى الفرد

والجوهر على مستوى الشكل، أى على مستوى هوية الفكرV معه في كل شئ حتى الطابع الالمتناهى؟ يقر والوجود، تساويا شلنج أن الفرد ال متناه مثل المطلق أو الجوهر، لكن ال تناهيهV بالفعل مثل التناهى المطلق، بل إن V وليس متحققا ليس كامال

التناهيه هو على مستوى القوة وحسب، أى على مستوىV اإلمكانية. ففي الفرد إمكانية، غير متحققة بعد، ألن يكون ممثال

لوحدة الفكر والوجود، ولذلك يقول شلنج: "كل فرد ليسV V بالطبع، لكنه المتناه بالنظر إلى نوعه.. إنه ليس المتناهيا مطلقاV خارجه، وأنه محدد بشئ خارج عنه"، بإطالق، بما أن هناك شيئا

أى أن الفرد المتناه بالنظر إلى نوعه أى بفضل انتمائه إلى الجنس البشرى الذى يحتل وحدة الفكر والوجود، أما خارج

V نوعه فهو محاط بأشياء أخرى تحده ولذلك فهو ليس المتناهيا بإطالق بعكس الجوهر الذى ال يوجد شئ خارجه ولذلك يكون المتناه مطلق". وبالتالى فإن الفرد المتناه داخل نطاق قوته

Potency"بإطالق V . لكن سوف(149)، حتى ولو لم يكن المتناهيا يتجاوز هيجل شلنج في هذه النقطة بالذات عندما يؤكد على أنV بالفعل وبإطالق، ولذلك عندما اإلنسان يمكنه أن يكون المتناهيا

ينجح في استيعاب خارجه، أى ضم كل ما يحده من خارجه، وهوV من عالمه ووسيلة لتحقيق العالم الطبيعى المادي، ويجعله جزءا ذاته. وهذا هو معنى فكرة هيجل القائلة إن الروح تعود إلى ذاتها

V عندما تتجاوز اغترابها في الطبيعة أكثر عينية وأكثر تحققا وتعود إلى ذاتها في العالم الروحى اإلنسانى، وهذا العالم عند هيجل

هو المطلق الحقيقى المكتمل والالمتناهى بحق.

149) Ibid: P. 362.

75

Page 76: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

. وحدة الوجود:2

إدخال البعد التطوري في وحدة الوجود:

V في تعريفه والحقيقة أن شلنج هو الذى اتبع سبينوزا حرفيا وسار في هذا التعريف حتىCausa suiللجوهر بأنه علة ذاته

نهاياته المنطقية. فإذا كان الجوهر علة ذاته فهذا يعنى أنه خالق لذاته، وهذا ما يظهر في مذهب شلنج في نظريته في تطور

V بذاته بل V قائما V جاهزا األلوهية. فاأللوهية عند شلنج ليست كيانا تمر بتطور، وتطورها هذا يسير عبر عملية الخلق واإليجاد

. والمالحظ أن شلنج يدخل في هذا(150)وينتهى بخلق اإلنسانV حول تجسد اإلله في اإلنسان، إذ ينظر V مسيحيا السياق عنصرا

إلى هذا التجسد ال على أنه نزول لإلله إلى مستوى اإلنسان المتناهى، بل على أنه تحقق لأللوهية وتطور جديد لها. فاإلله

عند شلنج يخلق ذاته ويحقق ذاته في الطبيعة وفي العالم اإلنسانى على السواء. كان قول سبينوزا بأن الجوهر علة ذاته يعنى أنه ال يجب علينا البحث عن علته في سبب خارج عنه أو

في شئ غيره، إذ هو يحمل سببيته في داخله. أما التطوير الذى أحدثه شلنج على جوهر سبينوزا فقد تمثل في النظر إلى العلة الذاتية للجوهر على أنها فاعلية ونشاط وعملية يمر بها الجوهر

V، ال مجرد علة ساكنة فيه. األلوهية عند اإللهى يصير بها إلها سبينوزا مكتملة، لكنها عند شلنج ليست مكتملة بل تمر بتطورV. وبناء على ذلك نستطيع وحركة وصيرورة، بها تتحقق تدريجيا

النظر إلى مذهب شلنج على أنه مذهب حيوى وحركى فيوحدة الوجود.

وحدة الوجود الروحية:

إن مذهب شلنج هو في حقيقته مذهب في وحدة الوجود، لكنه يميز بين وحدة الوجود لديه وبين الفهم الشائع لها في

عصره والذى يذهب إلى أنها تعنى أن كل األشياء المادية تشكل كلية اإلله، بحيث يكون اإلله ليس سوى مجموع أشياء

. وهذه هى وحدة الوجود المادية التى يعترض عليها(151)العالم شلنج بقوله "ما الذى يمكن أن نفهمه إذن من وحدة الوجود

150) Schelling, Historical-Critical Introduction to the Philosophy of Mythology,

op.cit., pp. 143-157.

76

Page 77: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

]بالمعنى الشائع[؟.. إنها تعنى ببساطة أن كلية اإلله تشمل كلV. وهذا ما ال األشياء المحسوسة مأخوذة باعتبارها مجموعا

V، إذ هو أبعد ما يكون عن اإلعالن بأن مثل هذا نقصده هنا أبداV من التراكم ]لألشياء المحسوسة[ هو اإلله، ونحن نالحظ بدال

V لإلله" V ناقصا . فما(152)ذلك أنها محسوسة فقط لكونها وجودا يعترض عليه شلنج هو وحدة الوجود المادية التى تبدأ بالتسليم

بحقيقة وواقعية األشياء المادية المحسوسة ثم تنظر إلى مجموعها على أنه يشكل اإلله. فاإلله عنده ليس مجموع

األشياء المحسوسة ببساطة، ألنها ليست مستقلة بذاتها بل هىمجرد التعبير الناقص والعارض والزائل عن ماهية اإلله الكلية.

والحقيقة أن وحدة الوجود المادية هى ما ف�ه�م خطأ على أنه مذهب سبينوزا. أما مذهب شلنج فهو وحدة الوجود الروحية

V في األساس، التى تؤكد على أن ماهية اإلله روحية لكونه عقال وما المادة سوى تجل� جزئى ناقص لهذه الحقيقة الروحية

الواحدة. فالمادة هى الشكل األدنى لتجلى الروح الشاملة أو اإلله. ووحدة الوجود التى يقصدها شلنج هى التى تساوى بين اإلله والكون ال اإلله والمادة أو األشياء الجزئية المحسوسة،

وفي ذلك يقول: "اإلله هو الكون المطلق مباشرة، بفضل التوكيد الذاتى لفكرته، والكون الشامل ليس سوى التوكيد

V في(153)الذاتى لإلله" �عين وجوده ذاتيا ، بمعنى أن اإلله يؤكد أو يصورة الكون كله.

وعلى الرغم من أن محاضرات شتوتجارت تبعد عن الموقف المثالى الترانسندنتالى األول لشلنج بسنوات، إذ هى متأخرةV V واضحا بالنسبة لهذه المرحلة في فكره، إال أنها تعد نموذجا على نظرته الكاملة والناضجة للنسق الفلسفي الذي يضم

وحدة الوجود. يبدأ شلنج بقوله إن النسق الحقيقى يجب أن ال نسق أحدSystem der weltيكون هو نسق الكون نفسه

�خترع، إذ هو �كتشف وال ي المفكرين، ذلك ألن النسق الحقيقى ي

151) Schelling, Philosophical Investigations into the Essence of Human

Freedom, op.cit., pp. 11-12, 15-17. 152) Schelling: "System of Philosophy in General and of the Philosophy of

Nature in Particular (1804)”, op.cit., P. 168. 153) Ibid: P. 165.

77

Page 78: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

نسق الكون نفسه وليس مجرد نسق فكرى يعتمد على تفضيالت هذا المفكر أو ذاك. وبما أن الكون يشكل وحدة

واحدة فإنه هو هذا النسق نفسه، وما على الفكر سوى اكتشافه. وألن نسق الكون هذا يجمع الفكر والوجود، فإن على الفكر أن يدرك كيفية اتحاد الفكر والوجود في الكون، أو كيفية

. والواضح أن فلسفة شلنج(154)تشكيلهما لنفس الشئ الواحد في هذا السياق هى فلسفة وحدة الوجود بالصيغة المعروفة

عنها في فلسفة سبينوزا. لقد كان مذهب سبينوزا هو البرنامج الذى سار عليه شلنج، ال في التسعينات في بداية تطوره

الفكرى وحسب، بل وفي فترة طويلة من أوائل القرن التاسععشر.

. المطلق:3

المطلق هو األصل المشترك للذات والموضوع:

V لمشكلة المعرفة والقائلة بأنه كيف V مبتكرا قدم شلنج حال للذات أن تعرف الموضوع إذا كانا مختلفين ومن طبيعة مختلفة ؟ والحل المبدأى الذى وضعته المثالية األلمانية لهذه المشكلة

V بين الذات والموضوع، أو نوع V مشتركا هو القول بأن هناك شيئا من الوحدة األصلية التى تنقسم بعد ذلك إلى ذات وموضوع. وتمثل حل شلنج الجديد في القول بأن هذه الوحدة األصلية

تتمثل في أن الذات والموضوع ينتميان إلى الطبيعة، وأن الذات هى في حقيقتها أعلى مرحلة في التطور العضوى للطبيعة، وماV V للطبيعة والذى أنتج كيانا V عضويا المعرفة التى للذات إال تطورا

V. والمالحظ أن شلنج بهذه النظرية قد طور نظرية مفكرا سبينوزا القائلة بالهوية بين الذات والموضوع وبأن نظام وتراتب األفكار هو نفسه نظام وتراتب األشياء. فسبينوزا لم يشرح هذه

الهوية بما فيه الكفاية، وأسسها على هوية أخرى أنطولوجية بين االمتداد والفكر والتى كانت هى ذاتها في حاجة إلى تفسير

لم يقدمه سبينوزا. أما شلنج فقد رأى أن الطريقة الوحيدة إلثبات هوية الذات والموضوع وبالتالى لتأسيس المعرفة ذاتها

V إلى متصل طبيعى واحد وهو التطور العضوى هى إرجاعهما معا الطبيعى الذى تكون المادة في أوله باعتبارها الشكل األقل

V للطبيعة، ويكون الفكر في آخره باعتباره الشكل األرقى تطورا

154) Schelling: “Stuttgart Seminars”, P. 197.

78

Page 79: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

في التطور الطبيعى العضوى. لقد كانت هوية الذات والموضوع، أو األفكار واألشياء، في مذهب سبينوزا ستاتيكية

وتزامنية، وهذا التزامن هو الذى أوحى للكثير من شراح سبينوزا بالتفسير الخاطئ لنظريته في الهوية على أنها نظرية في توازى األفكار واألشياء، وتوازى الذات والموضوع، وتوازى الفكر واالمتداد، وتوازى العقل والبدن، ذلك ألن هؤالء الشراحV بجانب بعضهما البعض فظهرا قد وضعوا طرفي الهوية تزامنياV لهم على أنهما متوازيان. لكن شلنج على العكس كان مدركا

لحقيقة مذهب سبينوزا أكثر من الذين فسروه بنظرية التوازى، ولذلك وضع الطرفين على متصل تطورى واحد، طبيعى

وعضوى وحيوى.

: خاتمة

لقد كانت فلسفة سبينوزا في الهوية هي األنسب بالنسبةV نحو القضاء لطموحات شلنج الفلسفية، والذي كان يسعى دائما

على الثنائيات التقليدية في الفلسفة. فقد أمدته الهويةV V فلسفيا السبينوزية باألساس الذي يمكن أن يبني عليه مذهبا

V بعد أن هدم كانط بنقده للعقل الخالص كل إمكانية متكامال لعودة األنساق األنطولوجية الشاملة. ولم يتبنى شلنج فلسفة

سبينوزا في الهوية بحذافيرها، بل عدل فيها وطورها كي يقدمV في الهوية يستطيع تجاوز االنتقادات التقليدية V جديدا لنا مذهبا

لفلسفة سبينوزا والتي سادت في عصر شلنج. والحقيقة أن ماV في وحدة الوجود هو إعادة إنتاجه يجعل من مذهب شلنج مذهبا للهوية السبينوزية بين الفكر والوجود واإلله والعالم، وما يجعل مذهبه هو المثالية المطلقة تأكيده على أن الهوية األصلية هي

هوية روحية، وهذا هو التعديل الذي أدخله على سبينوزا، إذكانت الهوية لديه مادية.

وفيما يلي نحاول استخالص األفكار التي تجمع سبينوزاوشلنج، مع وضع اليد على الفروق الدقيقة بين مذهبيهما.

نظر شلنج إلى المادة والفكر، أو الفيزيائى والذهنى، ال(1 على أنهما طرفي نقيض يقفان إزاء بعضهما البعض في

تناقض، بل على أنهما يقعان على طرفي متصل واحد ومتطور، تكون المادة في بدايته والفكر في نهايته؛ ويكون الفكر بذلك هو النهاية العليا للتطور الذى بدأ

79

Page 80: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

بالمادة. ويكون الذهنى أو العقلي حسب نظرية شلنج المرتبة العليا من التنظيم والتطور للقوى الحيوية

للجسم، والجسم هو الدرجة الدنيا من سلسلة تطور نفس القوى. وبذلك أعاد شلنج تفسير نظرية سبينوزا في صفتى االمتداد والفكر، والبدن والعقل. ففي حين

كانت صفتا االمتداد والفكر مجرد وجهتى نظر مختلفتين للنظر إلى الجوهر الواحد، أو شكلين صوريين لفهمV V ذاتيا V ووجودا الجوهر وليس لهما في ذاتهما استقالال بمعزل عن الجوهر، صارت المادة والفكر حقيقيان

يتصفان باالستقالل والوجود الذاتى، لكنهما في الوقت نفسه يشكالن وجهين متكاملين يظهر بهما الجوهر

ويتحقق. وبهذا التعديل الجوهرى الذى أدخله شلنج على نظرية سبينوزا في الهوية، لم يعد الذاتى ينتمى إلى مجال أنطولوجى مستقل عن الموضوعى، ولم يعد

V بذاته في تعارض مع المادة، V مستقال الفكر يشكل مجاال بل صارا يشكالن طرفين لنفس عملية التطور الحيوى،

V التى ليست في حقيقتها سوى تطور المطلق ذاته. وبدال من جوهر يحوز على صفتى االمتداد والفكر كما عند سبينوزا، أصبح في مذهب شلنج مطلق يبدأ باعتباره

V. وهذا يعنى مادة وينتهى في تطوره إلى أن يكون فكرا أن وعى الفكر بالمادة، أو وعى الذات بالموضوع، ليس

V واعية. إنه إال وعى الموضوع بذاته بعد أن صار ذاتاV، وهذا التحقق هو التحقق الكامل للموضوع بأن يصار ذاتا

الوعى الذاتى للذات التى ليست سوى التطور األعلىللموضوع أو للقوة الحيوية للمادة.

اعترض شلنج على جوهر سبينوزا ألنه يفتقد الوعى(2 واإلرادة الحرة والشخصية. فالجوهر السبينوزى، والذى

كان يساوى بينه وبين اإلله والطبيعة الطابعة، كان مجرد قوة مادية غير واعية. فالوعى خاصية لإلنسان وحده

حسب سبينوزا وال يمكن إلحاقه بالجوهر، إذ نكون بذلك قد وقعنا في النزعة األنثروبومورفية

Anthropomorphism.التى تلحق باإلله الصفات اإلنسانية وال يمكن للجوهر حسب سبينوزا أن يتصف باإلرادة

V ويتبع الضرورة، كما أنه ال الحرة ألن فعله حتمى دائما

80

Page 81: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V؛ فالنظر إلى الجوهر على شخصى، بمعنى أنه ليس ذاتا أنه ذات حسب سبينوزا هو تشخيص له وقياس له على اإلنسان. وفي مقابل عزل سبينوزا للجوهر عن كل ما هو إنسانى، بما في ذلك الوعى والحرية والشخصية،

V على الحقيقة أعلن شلنج أن المطلق لن يكون مطلقا بمعزل عن اإلنسان وعن أخص ما يميز اإلنسان. ولذلك

ذهب شلنج إلى أن جوهر سبينوزا ليس هو المطلقV عن اإلنسان والصفات الحقيقى طالما كان منعزال

اإلنسانية. أما المطلق الحقيقى حسب شلنج فهو الذى يجد كماله ويتحقق بالكامل مع اإلنسان وعيه بذاته

وبحريته. فالجوهر السبينوزى في نظر شلنج ليس سوىV لمرتبة الذات الواعية الحرة. أما موضوع وال يرقى أبدا

المطلق عند شلنج فهو مطلق بالقوة وحسب، وال يصيرV بالفعل إال داخل الذات اإلنسانية التى تعى ذاتها مطلقا

وتعى المطلق وتدرك أنها هى اتحاد الفكر والوجود والنقطة التى تتحقق فيها الهوية المطلقة بين الذاتى

والموضوعى أو الفكر والوجود.

وما يسميه سبينوزا الجوهر يسميه شلنج المطلق(3Absolute،والمطلق عنده ينقسم إلى المثالى والواقعى ،

أو الفكر والوجود. وهذا االنقسام هو فردنة للمطلقIndividualization of the Absoluteبمعنى أن المطلق ،

V ويتجسد في صورتى الفكر والوجود. يتحقق واقعيا وليس معنى هذا الوقوع في الثنائية التقليدية، أو الوقوع

التى تذهب إلى أنnominalismفي النزعة اإلسمية تصورات الفكر ما هى إال أسماء للوجود الفعلى، ذلك

ألن هذه النزعة تلغى استقالل الفكر وتجعله مجرد مرآة عقلية أو لغوية للوجود، في حين أن الفكر يتمتع

باستقالل وتوازى مع الوجود وال يمكن أن يختزل إليه. وقد سبق لسبينوزا أن أقام نفس الهوية بين الفكر والوجود، أو االمتداد بتعبيره، لكنه أصر على أن هذا االنفصال للجوهر الواحد إلى فكر ووجود ال يظهر إال

لدى الفهم اإلنسانى، في حين أنهما متحدان وفي هوية واحدة على المستوى األنطولوجى. لكن شلنج ال يلتزم

بهذه النظرية، ألنه يحافظ على ثنائية الفكر والوجود

81

Page 82: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

V وال ينظر إليهما على على المستوى األنطولوجى أيضا أنهما مجرد ظاهرة تبدو للفهم اإلنسانى وحده. ومن جهة أخرى فإن شلنج يميل إلى القول بأن الهوية ال تظهر وحسب من المنظور األنطولوجى وحده ولكن

V من المنظور اإلنسانى، ذلك ألن الذات تظهر أيضا اإلنسانية هى التجسيد الحى لهذه الهوية، وهذا ما لم

يظهر بوضوح لدى سبينوزا.

اكتفي سبينوزا بإقامة الهوية بين اإلله والطبيعة، لكنه لم(4 يفسر كيفية ظهور الطبيعة. ويبدو أنه يعتقد أن اإلله

V ومتالزمان، بحيث أن ظهور والطبيعة قديمان معا الطبيعة هو ظهور اإلله نفسه. هذا الحل للمشكلة لم�رض شلنج، ألنه بخالف سبينوزا ظل يتمسك بالفكرة ي التقليدية حول اإلله الشخصى المنفصل عن الطبيعة.

ولذلك ظهرت إشكالية الخلق عند شلنج: إذا كان اإلله ، فكيفPrimordial beingهو الوجود األولى المطلق

نفسر ظهور العالم من هذا الوجود األولى ؟ لم تكن هذه المشكلة تؤرق سبينوزا وبالتالى لم يبحث لها عن حل، ألن اإلله والطبيعة عنده شئ واحد، لكنها كانت مشكلة

بالنسبة لشلنج ألنه تمسك بفكرة اإلله المنفصل عن الطبيعة. ولحل هذه المشكلة ذهب شلنج إلى أن الكون

يقيمه اإللهlimitationيظهرعن طريق تمييز أو تحديد على نفسه. فاإلله بالنسبة لشلنج يمر بعملية تطور، إذ

V وقوة خالصة، V ال متمايزا V أوليا هو يبدأ، باعتباره وجودا وعندما يحد ذاته بذاته يحدث فيه انقسام، ذلك االنقسام

V الذى يظهر في صورتى المثالى والواقعى. واإلله أيضا،V يبدأ على أنه كيان غير واعى، مثله مثل اإلنسان تماما

وهو ال ينقسم إلى وجود شخصى ووجود متجسد في الكون إال عندما يصل إلى الوعى بذاته. هذا الوعى الذاتى اإللهى يتم عن طريق التحديد الذاتى لإلله.

وتشبه نظرية شلنج في الخلق المقولة الشهيرة التىV فأردت أن V مخفيا تقال على لسان اإلله: "كنت كنزا

�عرف، فخلقت الخلق كى يعرفونى"، وكأن اإلله ال يصل أ إلى الوعى بذاته وال يتحول إلى إله مشخص إال بعملية

الخلق، تلك التى يضعها شلنج على أنها عملية وعى ذاتى

82

Page 83: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

وتحديد ذاتى لإلله. وألن التحديد الذاتى لإلله يتم عن حرية فإن ما ينتج عنه هو الجانب المثالى أو الفكرى أو

الروحى، وألنه في النهاية تحديد أو تقييد فيظهر من ذلك كيان محدد ومقيد وتحكمه الضرورة وهو الكون أو

الطبيعة. ويجب أن ننتبه هنا إلى أن نظرية شلنج هذه في الخلق، أو في صدور الجانبين المثالى والواقعى عنV لفلسفة سبينوزا في الجوهر بل هى اإلله ليست تطويراV عنها، ألن سبينوزا لم يكن في حاجة إلى تفسير خروجا

الخلق أو إلى صدور الفكر واالمتداد عن اإلله، ألنهما عنده شئ واحد يدركان بعمليتين فكريتين مختلفين من الوجهة اإلنسانية فقط. فعلى الرغم من انطالق فلسفة

الهوية عند شلنج من أرضية وبداية ومبدأ سبينوزىV، إال أنه يختلف عنه ألنه يرتد مرة أخرى إلى فكرة تماما اإلله المشخص التى رفضها سبينوزا، بل إنه يماثل بين

V بينهما، فاالثنان يمران اإلله واإلنسان ويقيم توازيا بمرحلة تطور من الالوعى إلى الوعى، ومن الوجود

األولى الالمتمايز إلى الوجود الشخصى الواعى بذاته. هذه المماثلة بين اإلله واإلنسان هى النزعة

التى رفضهاAnthropomorphismاألنثروبومورفية V في V مستفيضا V ووجه لها نقدا V تاما سبينوزا رفضا

"األخالق".

بيبليوجرافيا

أوالY – المصادر:

( سبينوزا:1Ethics, in Complete Works. Translated by Samuel Shirley. Edited with introduction and notes by Michael L. Morgan. (Cambridge: Hackett, 2002).

اسddبينوزا: رسddالة في الالهddوت والسياسddة. ترجمddة وتقديم د. حسddن حنفي، مراجعddة د. فddؤاد زكريddا. دار

.2008التنوير، بيروت

83

Page 84: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

( شddلنج )تddرتيب تddاريخي حسddب سddنوات النشddر2األصلية(:

(1794-1796) The Unconditional in Human Knowledge: Four Early Essays (1794-1796). Translation and Commentary by Fritz Marti (New Jersey: Associated University Presses, 1980)

(1799) First outline of a System of the Philosophy of Nature. Trans. By Keith R. Peterson (New York: SUNY Press, 2004)

(1800) System of Transcendental Idealism. Translated by Peter Heath, with an Introduction by Michael Vater (Charlottesville: University Press of Virginia, 1978)

(1801) “Presentation of my System of Philosophy”. Translated by Michael G. Vater. The Philosophical Forum, vol. XXXII, no. 4, winter 2001

(1802) “Further Presentation From the System of Philosophy”. Translated by Michael G. Vater. The Philosophical Forum, vol. XXXII, no. 4, winter 2001

(1802) Bruno, or on the Natural and the Devine Principle of Things; 1802. Edited and Translated with introduction by Michael G. Vater (Albany: State Un. Of N.Y. Pr. 1984)

(1804) "System of Philosophy in General and of the Philosophy of Nature in Particular (1804)”, in Idealism and the Endgame of Theory. Translated and edited by Thomas Pfau (New York: State University of New York Press, 1994)

(1809) Philosophical Investigations into the Essence of Human Freedom. Translated with introduction and notes by Jeff Love and Johannes Schmidt. (Albany:

84

Page 85: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

State University of New York Press, 2006)

(1810) “Stuttgart Seminars”, in Idealism and the Endgame of Theory

(1811) Ages of the World. Translated with introduction by Frederick de Wolfe Bolman. (New York: Columbia University Press, 1942)

(1842) Historical-Critical Introduction to the Philosophy of Mythology. Translated by Mason Richey and Markus Zisselsberger, forward by Jason M. Wirth (Albany: State University of New York Press, 2007)

ثانياY – المراجع األجنبية:

Amihud Gilead: "Substance, Attribute, and Spinoza's Monistic Pluralism" in The European Legacy, vol. 3, No. 6. 1998, (1-14)

Beiser, Frederick C. The Fate of Reason: German Philosophy from Kant to Fichte (Cambridge: Harvard University Press, 1987)

Beiser, Frederick C., German Idealism: The Struggle Against Subjectivism, 1781 – 1801. (Cambridge: Harvard University Press, 2002)

Bennett, Jonathan. A Study of Spinoza’s Ethics (Indianapolis: Hackett, 1984)

Bowie, Andrew, Schelling and Modern European Philosophy. (London: Routledge, 1993)

Charlton, William: “Spinoza's Monism”, in The Philosophical Review, Vol. 90, No. 4. (Oct., 1981), pp. 503-529.

85

Page 86: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

De Giovanni, George: “The First Twenty Years of Critique: The Spinoza Connection”, in Paul Guyer (ed.), The Cambridge Companion to Kant. (Cambridge: Cambridge University Press, 1992)

Della Rocca, Michael Representation and the Mind-Body Problem in Spinoza (Oxford: Oxford University Press, 1996)

Descartes: “Meditations on First Philosophy”, In Philosophical Writings. Selected and Translated by Norman Kemp Smith (New York: The Modern Library, 1958)

Feuerbach, Ludwig . The Essence of Christianity. Translated by Marian Evans (London: Kegan Paul & co., 1890)

Haserot, Francis S. “Spinoza's Definition of Attribute”, in The Philosophical Review, Vol. 62, No. 4. (Oct., 1953), pp. 499-513.

Hegel, The Difference Between Fichte’s and Schelling’s System of Philosophy. Translated by H.S. Harris and Walter Cerf. (Albany: State University of New York Press, 1977)

Hegel: “The Earliest System Program of German Idealism (eine Ethik), Bern 1996”, in H.S. Harris, Hegel’s Development: Toward the Sunlight 1770-1801. (Oxford: The Clarendon Press, 2002)

Heidegger, Martin Schelling’s Treatise on the Essence of Human Freedom. Translated by Joan Stambaugh (Athens: Ohio University Press, 1985)

86

Page 87: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

Henrich, Dieter, Between Kant and Hegel. Lectures on German Idealism. Edited by David S. Pacini (Cambridge: Harvard University Press, 2003)

Israel, Jonathan, Enlightenment Contested: Philosophy, Modernity, and the Emancipation of Man 1670-1752 (Oxford: Oxford University Press, 2006)

Israel, Jonathan. Radical Enlightenment. Philosophy and the Making of Modernity 1650-1750 (Oxford: Oxford University Press, 2001)

Lessing, Gotthold Ephraim, “Spinoza only put Leibniz on the track of (his theory) of pre-established harmony”, in Philosophical and Theological Writings. Translated and edited by H. B. Nisbet (Cambridge: Cambridge University Press, 2005)

Limnatis, Nectarios G., German Idealism and the Problem of Knowledge. (Netherland: Springer, 2008)

Lord, Beth, Kant and Spinozism. Transcendental Idealism and Immanence from Jacobi to Deleuze. (New York: Palgrave Macmillan, 2011)

Mason, Richard, The God of Spinoza: A Philosophical Study (Cambridge: Cambridge University Press, 1997)

Nadler, Steven, Spinoza’s Heresy: Immortality and the Jewish Mind. (New York: Oxford University Press, 2nd

ed. 2004) Pinkard, Terry, German Philosophy (1760 – 1860) The

Legacy of Idealism (Cambridge: Cambridge University Press, 2002)

Ratner, Joseph “Spinoza on God (II)”, in The Philosophical Review, Vol. 39, No. 2. (Mar., 1930).

87

Page 88: فلسفة سبينوزا في الهوية 6 أبريل

Snow, Dale E., Schelling and the End of Idealism. (New York: State University of New York Press, 1996)

Tiebout, Harry M. "Deus, Sive Natura...", in Philosophy and Phenomenological Research, Vol. 16, No. 4. (Jun., 1956), pp. 512-521.

Vallee, Gerard The Spinoza Conversations Between Lessing and Jacobi. Translated by G. Vallee, J.B. Lawson, and C.G. Chapple (Lanham: University Press of America, 1988)

Wirth, Jason M., The Conspiracy of Life: Meditations on Schelling and his Time. (New York: State University of New York Press, 2003)

Wolfson, Harry Austryn, The Philosophy of Spinoza: Unfolding the Latent Processes of his Reasoning. 2 Volumes (Cambridge: Harvard University Press, 1934)

Yovel, Yirmiyahu, Spinoza and other Heretics. Volume I: The Marrano of Reason. (New Jersey: Princeton University Press, 1989)

ثالثاY – المراجع العربية:

.1983فؤاد زكريا: إسبينوزا. دار التنوير، بيروت، الطبعة الثانية

شnnلنج. المؤسسnnة العربيnnة للدراسnnاتعبnnد الnnرحمن بnnدوي:1981والنشر، بيروت. الطبعة الثانية

أبو نصر الفnnارابي: كتnnاب آراء أهnnل المدينnnة الفاضnnلة. قnnدم لnnه وعلق عليه د. ألبير نصري نnnادر. دار المشnnرق، بnnيروت الطبعnnة

2002الثامنة

ابن سينا: اإللهيات من كتاب الشفاء. تحقيق آية الله حسن زادة2007اآلملي. قم، مؤسسة بوستان كتاب،

88