22
1 ا ﻟﻤﺤﺪدات اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻠﻮاﻗﻊ" ﻣﻌﺮﻓﯿﺔ ﻣﻘﺎرﺑﺔ" ﻋﺎرف ﻣﺤﻤﺪ ﻧﺼﺮ. د اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﺪراﺳﺎت وﻣﻨﺴﻖ اﻟﻤﺸﺎرك اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﻌﻠﻮم أﺳﺘﺎذ زاﯾﺪ ﺟﺎﻣﻌﺔ دﺑﻲ2003

المحددات العامة للواقع الاسلامي المعاصر: مقاربة معرفية

  • Upload
    cairo

  • View
    2

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

1

للواقع اإلسالمي المعاصر العامة لمحدداتا

"مقاربة معرفیة "

د. نصر محمد عارف

أستاذ العلوم السیاسیة المشارك ومنسق الدراسات اإلسالمیة

-جامعة زاید دبي 2003

2

تقوم على اإلسالميالفكریة في النسق المعرفي والرغم من أن بنیة المنظومات الفقھیة بل على

معرفیة كافیة تمكن من یقوم بھا من إحاطةقاعدتین أساسیتین ھما: أوال، فقھ الشریعة بما یعنیھ من

فقھ الواقع الذي یعني في ثانیا،، ام الشرعیةمن األحك تلمس قصد ومراد الخالق سبحانھ وتعالى

والقضیة موضع التناول بحیث یصل ،الظاھرةجوھره الفھم واإللمام، بل واإلحاطة بمختلف جوانب

كنھ حقیقة تلك الظاھرة أو القضیة التي ھو منشغل یعرفالباحث إلى قناعة یقینیة أنھ قد استطاع أن

في القضایا اإلسالمیة سواء فقھیة تشریعیة أو ھوانشغالباحث ال نصف جھد بالبحث فیھا. ومن ھنا فإن

إلى معرفة الواقع معرفة تجمع بین الوصف والتشخیص وجھیجب أن یت عامةفكریة أو اجتماعیة

بصورة تكون كافیة ألن یتصاعد بھ إلى مالمسة جوھر حقیقة ذلك الواقع المؤدي والتفسیروالتحلیل

لیوجد لتلك الواقعة أو الظاھرة الحكم المناسب لھا إذا إسالمیةمعرفیة منظومة الى أيإلى الشریعة أو

قانونیة أو لیستخلص المنھج المناسب للتعامل معھا تعامال یحقق غایة الحق و فقھیةكانت ظاھرة

فیھا إذا كانت من الظواھر االجتماعیة أو الفكریة. سبحانھ

نفسفي غایة األھمیة والخطورة في را وتحلیلھ یعد أم الواقععلى ھذا فإن فھم وتأسیسا

الصواب لواقعة أو ظاھرة معینة سواء أكانت فقھیة أو غیر فقھیة جانبھیالوقت ألن التشخیص الذي

وفي ھذه ،إلى الوصول إلى حكم خاطئ لھا أو منھج غیر سلیم یتم التعامل بھ معھا محالةسیؤدي ال

-قد تكون نتیجة تلك العملیة ال تتحقق غایة الشارع سبحانھ فیھا بل الحالة خاطئة بمقدماتالتي بدأت

-من فھم أو تفسیر أو تشخیص ناقص أو خاطئ للواقع أو ،اد في األرض أو إلحاق ضررفس تحقیق

تماما كالذي یقدم وصفة بعالج خاطئ لمریض نتیجة لتوصیف خاطئ لحالتھ. مصلحةتعطیل

لذلك ینبغي توجیھ االھتمام ،د أنھ أكثر خطورةأكثر عمقا وعالجھا من المؤك المجتمعاتوأمراض

الشریعة. وتفسیردراسة وتحلیل الواقع بنفس القدر الذي نھتم بھ بدراسة إلى

حول ھذه القضیة بالتحدید أي الكیفیة التي بھا ینبغي أن یتم تتمحورالتي بین أیدینا والدراسة

قیق للواقع سیكون حینذاك األساس الذي المعاصر من أجل تقدیم توصیف د اإلسالميتحلیل الواقع

الوقتوفي نفس ،بناء المنظومات الفقھیة المختلفة التي تغطي جمیع مناحي الحیاة البشریة یتمعلیھ

والمنھجي الفكريتكون أیضا المنطلق الذي منھ تبدأ أفكار اإلصالح االجتماعي الشامل والتجدید

سوف تتم مناقشة المعاصرالعامة للواقع اإلسالمي الفعال. وللوصول إلى ذلك التوصیف للمحددات

القضایا التالیة:

3

المعاصرمنھجیة دراسة الواقع اإلسالمي في .1

المعرفیة للواقع اإلسالمي المعاصر المحددات .2

االقتصادیة للواقع اإلسالمي المعاصرو السیاسیة المحددات .3

الثقافیة للواقع اإلسالمي المعاصرو االجتماعیة المحددات .4

واالنفصال بین الواقع المعاصر والتجارب التاریخیة للمسلمین التصالا .5

التجدید الفقھي والفكري واإلصالح الواقع اإلسالمي المعاصر على منھجیة تأثیر .6

االجتماعي والسیاسي.

منھجیة دراسة الواقع اإلسالمي المعاصر في: أوال

سواء من حیث زوایا اقترابھا من ذلك ،تنوعدراسة الواقع اإلسالمي المعاصر وت مداخل تتعدد

النواقصأو من حیث محاور تركیزھا ومجاالت اھتمامھا. ولكنھا جمیعا تسودھا مجموعة من الواقع

وفي السیاق وتحلیلھ،أو توصیفھ ،التي ال تجعل من أي منھا كافیا لدراسة الواقع اإلسالمي المعاصر

الواقع اإلسالمي المعاصر وذلك وتحلیلجي في دراسة التالي سوف نعرض ألھم نقاط الخلل المنھ

كتوطئة لطرح مالمح عامة لمنھجیة ھذه الدراسة:

1- واقعا وجودة في عقل الباحث أكثر من وجوده في الواقع تخلقالعقلیة الشاعریة التي غلبة

من واقعإلى إیجاد العربیة ذات الطبیعة الشاعریة التأملیة التي تلجأ العقلیةالمبحوث، حیث انعكست

وقد انعكست ھذه فیھ،وحي خیالھا إذا لم تستطع التكیف أو التعاطي مع الواقع الحقیقي الذي توجد

أو التاریخ. وھذا النوع من بالواقعما یتعلق فیالعقلیة على مجمل التناوالت العربیة المعاصرة سواء

لك أنھ یتحاشى دائما كل ما یعكر صفو ذ ،ومفیدةالبحث ال ینتج علما بل وال یقدم معلومة حقیقیة

منأو سلبیة، إذ لم یقتصر ھذا النوع إیجابیةصورة أكانتالصورة المراد رسمھا للواقع سواء

فأولئك الذین یرفضون الواقع ویتعلقون بالتاریخ ،على تیار فكري معین للواقعالتناول الرومانطیقي

التاریخلواقع المعاصر تطورا وتنویرا یتجاوز ظالم البعید یشتركون مع الذین یرون في ا أوریب قال

یحملون عقلیة السیاسیةوانتماءاتھم ةاألیدیولوجیاتھم زجمیعھم على اختالف انحیا انوسلبیاتھ. إذا

ذلك المحظور الذي ما انفك فيواحدة ویستخدمون منھجا واحدا یؤدي بھم ال محالة إلى الوقوع

4

أي أن كراھیة )1( یعني انعدام الوجود الانعدام الوجدان أنھو علماؤنا یحذرون من الوقوع فیھ و

معھ على أنھ غیر موجود. والتعاملواقع معین ال تعني إطالقا أنھ ینبغي تجاھلھ

2- ویضخمھا ویتعامل معھا على أنھا ھي أبعاده حدأ علىالجزئي من الواقع الذي یركز االقتراب

وقد نتج ھذا المنحنى في البحث من الطبیعة التخصصیة ،مجملھكل األبعاد أو أنھا ھي الواقع في

للواقع من زاویة تخصصھ الدقیق أو من اإلطار المعرفي ینظرمنھم إذ أن كال المعاصرین للباحثین

وأن أزماتھ ،مثال ال یرى في الواقع إال أنھ ظاھرة اقتصادیة بحتة االقتصاديفالباحث ،الذي یتبناه

أووأن الحل بالتأكید لن یكون إال حال اقتصادیا. وكذلك كان الباحث السیاسي اقتصادیةھي أزمات

عتبر أنھ یو ضخمھیوتناول جزءا من الحقیقة یأو الثقافي..إلخ وكل من ھؤالء االجتماعيالقانوني أو

ھو نصف جاھل العالمھو الحقیقة كلھا. وكما ھو معروف فإن نصف الحق ھو نصف الباطل ونصف

الت تؤدي إلى تشویھ الواقع وتضلیل والتنا تلك إنإذا قلنا حقیقةقت، بل قد ال نجاوز الالو ذاتفي

عن ذلك الواقع ألن معظم الباحثین الذي یوظفون ھذه جزئیةالمتعاملین معھ أكثر من نقل صورة ولو

كلھ. واقعال تلك تناوالت جزئیة أو أنھا تعبر عن بعض الواقع ولیس تناوالتھمفي ال یرون المنھاجیة

3- بالجواھر واألصول، فمعظم التناوالت االھتمامعلى األعراض والمظاھر أكثر من التركیز

ظواھر األشیاء حتى أنھا ترى فیھا كل المشكلة أو جوھر أورق في تحلیل األعراض غالبحثیة للواقع ت

ت بل واإلسھام في السطحي للواقع یؤدي إلى إعادة إنتاج األزما التناولوحقیقة الواقع. وھذا

فمثال ظاھرة التخلف التقني والعلمي لیست ھي المشكلة بل ھي عرض ،مھایوتضخاستمرارھا

ظواھر مثل العنف أو اإلرھاب أو التطرف أو االنحالل األخالقي أو السلبیة أو وكذلكآخر لمرض

ألكثراحد أو جمیع ھذه المظاھر قد تكون عرضا لمرض و ،االجتماعي أو انتشار الجریمة التفكك

حلول تسكینیة إلى إال تؤدي لنولكنھا في حقیقتھا لیست ھي المشكلة. ومن ثم فإن معالجتھا في ذاتھا

ما تلبث أن تجعل المشكلة تظھر في شكل جدید ومظھر مستحدث.

4- ركزت مجمل التناوالت البحثیة المعاصرة ، فقدبقاعدتھبقمة الھرم أكثر من االھتمام االنشغال

قواعدھا وأصولھا فإذا ما تعلق األمر بالمجتمع نجد التركیز وتجاھلتى قمة ھرم الظواھر الواقعیة عل

الدولة أكثر من اھتمامھ بالمجتمع بحیث یتم ربط اإلصالح االجتماعي بالدولة أو إلىصرف بالكلیة نی

واحد أو باباك وبذلك یصبح ھن ،بحیث یجعل عملیة اإلصالح متوقفة على امتالك سدة الحكم بالحكم

5

االجتماعي مع تجاھل النظامواحد لتحقیق اإلصالح وھو المدخل العلوي الذي یأتي من قمة لمدخ

مع منھجیة اإلصالح والتجدید في واضحاوذلك یمثل تناقضا ،شبھ تام إلمكانیات اإلصالح من أدنى

على قمتھ وتھتم بالمجتمع تركیزھا من أكثر المجتمعالنسق المعرفي اإلسالمي التي تركز على قاعدة

یبدأ من الفرد أوال ثم بعد ذلك یأتي المجتمع. اإلصالحأكثر من اھتمامھا بالدولة وترى

5- من الباحث وصیا على الواقع أو قاضیا علیھ یجعلاالقتراب اإلیصائي الوصائي الذي سیطرة

ن ذلك عوكأنھ ھو خارج أو إصدار األوامر الصارمة، الجازمةینحصر دوره في إصدار األحكام

وفي نفس ،لھ أو أن األمة أصبحت تحت وصایة ھذا الباحث أو ذاك عقلأو كأن الواقع ال ،الواقع

فإن مجمل التناوالت البحثیة تقف عند حد التوصیة بأن ھذا الموضوع أو الوصائیةالوقت فإلى جانب

الباحثحددة..إلخ دون أن یشغل تناوال بصورة معینة أو یجب أن تتم دراستھ بطریقة م یستحقذاك

في العالم المعاصرنفسھ بالدخول في حل ھذه األزمة أو تلك. وبعبارة مختصرة فقد انشغل البحث

ینشغل بأسئلة أخرى مثل كیف؟ لمأسئلة ماذا؟ ولماذا؟ ومن؟ ولكنھ نالعربي واإلسالمي باإلجابة ع

ھلة سبھا. وھذه العقلیة المتعالیة المست نشغالاالومتى؟ وأین؟ فھذه أسئلة عادة ما یطلب من اآلخرین

تسھم في فھم الواقع أو تحلیلھ أو لم واللوم على اآلخرین العبء يالتي تھرب دائما إلى األمام وتلق

ولماذا ینتشر الجھل أو الفقر أو ،ن الكتب لماذا تأخر المسلمونیواعنكون ت ماتفسیره. لذلك نجد عادة

الجھل قضیةنجد كتابا یتناول كیف نخرج من حالة التخلف أو كیف نعالج ولكن نادرا ما االنحراف،

أو العنف أو االنحراف أو غیرھا.

6- على مقاسات تاریخیة. وذلك ألن صنعھعلیھ أو محاولة التاریخالواقع من خالل إسقاط تأزیم

أو ،علقا رومانطیقیاعقل الباحث سواء تعلق ذلك الباحث بالتاریخ ت علىالتاریخ یمثل ضغطا عنیفا

قطیعة معرفیة معھ. ففي كلتا الحالتین یتم تأزیم الواقع المعاصر ألن الباحث إحداثانخلع عنھ وحاول

ثم ومن ،جمیلةأن یلجأ إلى مقارنة الواقع بالتاریخ ویسعى ألن یرى في الواقع صورة تاریخیة إما

امتدادات الواقعتاریخ أو أن یرى في ات مع البعادة في صورة مقارنات أو مقار یظھریصبح بحثھ

فیبالغ في وتعاملھ معھ للواقعلتاریخ مرفوض لدیھ ومن ثم تمتد كراھیتھ للتاریخ ورفضھ لھ إلى فھمھ

تناوال متأزما ومؤزما في للواقعتشخیص أزماتھ أو تحلیلھا. وفي كلتا الحالتین یكون التناول البحثي

إسھامھ في تحلیلھا وفھمھا وتقدیم منوضع البحث أكثر نفس الوقت، یسھم في تعقید الظواھر م

الحلول المناسبة لھا.

6

7- األمة المعاصر. وذلك بالبحث واقع التي توجد في القابلیاتاألزمات على اآلخر وتجاھل تعلیق

تحمیلھ المسئولیة عن كل أزماتنا مع تجاھل شبھ تام للقابلیات الموجودة یتمطرف خارجي ندائما ع

األمةالمعاصر لألمة والتي أدت إلى ظھور األزمات أو المشكالت أو أدت إلى أن أصبحت الواقعفي

المقولة التي أطلقھا مالك بتلكضعیفة أمام التأثیر الخارجي إذا وجد ذلك التأثیر. وھنا ینبغي التذكیر

االستعمار ما كان خلص إلى أن حیثلالستعمار" القابلیة"و" االستعمارحول " )2(بن نبي رحمھ هللا

قابلیات لدى األمة اإلسالمیة ألن تستعمر وتستضعف وتنھب ثرواتھا ویتم وجدت اسیكون إال إذ

مصیرھا. فيالتحكم

في السیاق التاليو ،أھم المالمح العامة للمنھجیة السائدة في تناول الواقع اإلسالمي المعاصر ھي تلك

ستتضحمختلفة في تناول ھذا الواقع رؤیةتقدیم نسعى لتجاوزھا بقدر المستطاع وسنحاول سوف

معالمھا من خالل متابعة المنھج الذي سوف نتبعھ في دراسة وتحلیل ھذا الواقع.

للواقع اإلسالمي المعاصر المعرفیة: المحددات ثانیا

یتأسس علیھا الواقع اإلسالمي التيمجموعة من األسس والمسلمات المعرفیة ھناك

الواقع وتنساب في مختلف ظواھره ھذاألسس والمسلمات تتسرب في كل أبعاد المعاصر، ھذه ا

ھذه األسس ھي بمثابة الدم الذي إنالقول المبالغةوأفكاره ومؤسساتھ وحركاتھ، بل لن یكون من

یستمد ھتتحدد خصائصھ وماھیتھ، ومن خالل وبھ وأوردتھیسري في مختلف شرایین ھذا الواقع

أو المحددات ھي: المسلماتذه ھو، هوجوده واستمرار

1- الوحدة المعرفیة والدخول في حالة من االختالط والتداخل بین فقداناالتساق المعرفي أو افتقاد

بدأت فمنذ بدایة احتكاك العالم اإلسالمي مع الغرب في القرنین الماضیین مختلفة،منظومات معرفیة

بحیث ،اإلسالميسجم وغیر المتناغم تسود العالم من التداخل واالختالط المعرفي غیر المن حالة

تسودھا حاالت معقدة من الكبرىأصبحت المسلمات والقیم والمعاییر والمفاھیم والمناھج واألفكار

فیھا ھجینةأصبحت في ذاتھا تكوینات والمعاییرالتداخل واالختالط والتشوه فمعظم المسلمات والقیم

وھذه الحالة لم تتم بصورة واعیة أو منھجیة ،من االثنین مولدةثة عناصر إسالمیة وأخرى غربیة وثال

العشوائیة واالنتقائیة والصدفة بحیث كانت في النھایة عبارة عن تكوینات سادتھاأو منظمة بل إنھا

7

تحمل كانتأي أنھا في ذاتھا ،ویفقد بعضھا فعالیة البعض اآلخر ،داخلیا یھدم بعضھا بعضا متناقضة

یقوم علیھا التيضة أو تحمل بذور فنائھا. والناظر في المسلمات والقیم المعاییر عناصر متناق

نظرا لفقدان الوحدة الداخليالمجتمع اإلسالمي المعاصر یجد فیھا ھذا الكم الضخم من التناقض

الذي یعطي البنیة الفكریة والثقافیة المعرفيالمعرفیة أي وحدة النسق المعرفي أو وحدة الناظم

فتحلیل أیة قضیة أو مسألة فكریة أو ثقافیة أو تنظیمیة واتساقھا، ھا میمیة ألیة جماعة بشریة تناغوالق

المعاصر یثبت أنھا في جوھرھا عبارة عن خلیط من أجناس معرفیة مختلفة بل اإلسالميفي الواقع

األوروبیة عرفیةالم األنساقمتناقضة. فالنسق المعرفي اإلسالمي بتنویعاتھ المختلفة وكذلك أحیانا

تشكیل األسس المعرفیة للواقع فيسواء اللیبرالیة أو االشتراكیة واألفكار اآلسیویة جمیعھا ساھمت

اإلسالمي المعاصر.

2- أن ستطیعننقطة الثبات المرجعیة لصالح مرجعیات متعددة مختلطة ومتناقضة، حیث فقدان

مرجعیة في ثباتھذا الواقع ال یرتكز إلى نقطة أن إلى ص من تحلیل الواقع اإلسالمي المعاصرلنخ

مجتمع ینتسب لإلسالم یجب أليمعظم قضایاه وإشكالیاتھ، فعلى الرغم من أن نقطة الثبات المرجعیة

المجتمعات اإلسالمیة على اختالفھا قد فإنأن تكون مرحلة الوحي في عھد النبي صلى هللا علیھ وسلم

على المستوى الفكري المعرفي أو على المستوى سواءدیة لھا اتخذت نقاطا مختلفة كمرجعیة وجو

أو حركة إصالحیة معینة أو امعین االمعرفي ھناك من یتخذ عالم الجانبفعلى ،السیاسي التاریخي

مرجعیة لھ وفي وسط كل ذلك ضاعت نقطة الثبات امعین ااعتقادی اأو مذھب معینةمدرسة فكریة

أما على المستوى التاریخي السیاسي فنجد أن بعض ،دة لھالألمة والموح المجمعةالمرجعیة

رجعیة م معینة دولةأو امعین اأو مصلح ،حركة سیاسیة معینة تاإلسالمیة قد اتخذ المجتمعات

والفینیقیةوأحیانا تجاوز بعضھم اإلسالم ورجع إلى ما قبل اإلسالم فظھرت الفرعونیة ا،تاریخیة لھ

یة..إلخ.والبربریة والبابلیة والتدمر

القضایا منوأصبح من الصعب الوصول إلى إجماع حول أي ،ھنا اختلفت المرجعیات وتعددت ومن

..إلخ.االعتقادیةالھویة والنسق القیاسي للحكم والمرجعیة الفقھیة أو كالمة لالكبرى

3- مشتقظ األمة لألمة، فعلى الرغم من أن لف الحضاریة" القبلةفي تحدید " التعددالوجھة أو افتقاد

نسقھا المعرفي وضوح لعدمالوجھة واالتجاه فإن األمة اإلسالمیة المعاصرة نظرا أي" األممن "

على الرغم من الحفاظ على قبلة واحدة في حضاریالھا المجمعة" القبلةوتعدد مرجعیاتھا فقد فقدت "

8

حظ تعددا وتشتتا یصعب وقبالتھا الحضاریة یل اإلسالمیةالصالة. فالناظر في وجھات المجتمعات

سواء االشتراكیة أو اللیبرالیة، وھناك من اتخذ التاریخ لھ وجھة الحداثةفھناك من اتخذ ،الجمع بینھ

أي طریق یسیر يوھناك من وقف مذھوال ال یعرف ف ،أو البعید وجھة لھ واتجاھا القریبأو الماضي

كثیر فيوزع ویتصارع ویدمر بعضھ بعضا اد الوجھة یتشتت الجھد ویتفتقوبا ،أي اتجاه ینطلق وإلى

بل إنھ ینطبق السیاسیةالحركات واد الوجھة ھذا ال یقتصر على المجتمعات والدول فتقمن األحیان، وا

كذلك على األفراد ولو داخل األسرة الواحدة.

4- جتمعات المعیار حیث تتجلى ھذه القیمة في معظم إن لم یكن كل الم ادفتقاالمؤدیة إلى النسبیة

مختلف القضایا المعاشة سواء السیاسیة أو االجتماعیة أو االقتصادیة أو حتى وفي ،اإلسالمیة

إن معظم األزمات التي مرت بھا األمة اإلسالمیة في عصورھا األخیرة جاءت نتیجة بلاألخالقیة،

بین والحروب قیمة النسبیة وتحكمھا في العقل اإلسالمي المعاصر. والناظر في الصراعات النتشار

كال الطرفین یذبح أنالدول والمجتمعات اإلسالمیة أو بین الحركات اإلسالمیة وبعض الدول یجد

السیاسیة واالقتصادیة التوجھاتحالال وطبقا ألحكام الشریعة اإلسالمیة. كذلك كانت ذبحا اآلخر

فكانت ھناك رأسمالیة على أسس إسالمیة تتمواللیبرالیة االشتراكیةلبعض الدول العربیة سواء

.اإلسالماإلسالم كما كانت ھناك اشتراكیة

ة اإلسالمھو دین الوسطیة فإنھ یجمع في وسطیتھ الطرفین أو النقیضین فوسطی اإلسالمألن ونظرا

نھ یحمل قیما افكما ،بین نقیضین بل ھي جمع للنقیضین معا وإزالة التناقض بینھا وسطالیست

من السھل كانو من ھنا ،أیھما يقیما لیبرالیة فردیة ولكنھ ال یندرج ففھو كذلك یحمل اشتراكیة

كل القضایا التي یكنمن الطرفین. وقد تم تطبیق ھذا النموذج في معظم إن لم إلى أيسحب الوسط

فحتىالدول والمجتمعات حدودواجھت المجتمعات اٍإلسالمیة المعاصرة بل إن األمر ال یقف عند

معیارا حاكما یتم االستظھار بالدین لتأیید أو المصلحةتحكمھا قیمة النسبیة التي تجعل عالقات األفراد

تأكیدھا على حساب الطرف اآلخر.

5- قیمة التجاوز، فتحت تأثیر حضارة العصر أصبح الزمن لیس ةبغلالزمن ومن ثم معیاریة

اره ومدى اقترابھ أو ابتعاده من ولم یعد العصر یحدد بقیمھ وأفك معیاریا،عنصرا محایدا بل عنصرا

رز من یرى أن ھناك محددات ومعاییر ببل أصبح الزمن في حد ذاتھ قیمھ. حیث ،اإلسالميالنسق

واألفرادومن ثم ظھر مفھوم المعاصرة أو الحداثة وأصبحت المجتمعات اإلسالمیة بل ،الزمنیعرفھا

9

لمواكبة قیم العصر تشكیلھسالم تتم إعادة بل أصبح اإل ،یسعون ألن یتكیفوا مع قیم ومعاییر العصر

المجتمعات اإلسالمیة فيو المسلمینومعطیاتھ ومعاییره، وعلى النقیض من ذلك فقد ظھر من بین

معین كلما زادت قیمة ذلك العصر وأصبح عصرمن یعطي قیمة للماضي فكلما ابتعدنا في الزمن عن

تحقیقھ في الواقع المعاصر. وبین ھذین الطرفین ادةوإعینبغي الرجوع إلیھ ونموذجا مثالیامعیارا

وكونھ مجاال یشكلھ اإلنسان ویتفاعل معھ. حیادهتضیع الحقیقة ویفقد الزمن

أھمیة تغیر المجتمعات وتجددھا مع مرور الزمن وعلى الرغم من ضرورة تغییر منالرغم وعلى

ھایأخذخذ فكرة الزمن بھذا المعنى وإنما تغیرت األزمان إال أن الواقع اإلسالمي ال یأ كلمااألحكام

الماضيتحت دعوى المعاصرة أو الزمن حاضربصورة تضفي على الزمن قداسة سواء الزمن ال

بحجة األصالة.

ھذه المحددات المعرفیة التي تشكل الواقع اإلسالمي المعاصر یمكن مناقشة باقي على وتأسیسا

ة أو الثقافیة االجتماعیة.سواء السیاسیة أو االقتصادی المحددات

االقتصادیة للواقع اإلسالمي المعاصر.و السیاسیة: المحددات ثالثا

المعاصر من زاویة البنیة السیاسیة االقتصادیة لمجتمعاتھ نجد أن ھذا اإلسالمينظرنا للواقع إذا

ار بواخت لتجریبیة قد أعید تشكیلھ مرات عدیدة في القرنین األخیرین بل أنھ یعتبر حالة مثال الواقع

سیاسیة أو اقتصادیة إال لوجیةیوأیدمختلف النظم والفلسفات الغربیة المعاصرة، فلم تظھر نظریة أو

فصائلھ الفكریة والثقافیة حولھا من حیث وتحاربتبل ،ارھا في الواقع اإلسالمي المعاصربوتم اخت

ة صیاغة ھذا الواقع مرات عدیدة ومن ولذلك فقد تمت إعاد الخ،..مشروعیتھاجدواھا وفعالیتھا ومدى

العامةوالمحددات األطر ر تناولنا علىتصبل سیق ،في ھذا السیاق المستویات التفصیلیة تناولنثم لن

التي سنوجزھا في التالي:

1- بما یؤدي )3(لتحل محلھا روابط قومیة وعرقیة ولغویة وإنسانیة عامة اإلیمانیةالرابطة تراجع

العشرینالھویة وإعادة تركیبھ على أسس جدیدة، فمنذ بدایة الربع الثاني من القرن ھوممفإلى تفكیك

بقاع العالم مختلفحین نعى أمیر الشعراء أحمد شوقي الخالفة العثمانیة بقصیدة تصور مدى حزن

سح تراجع لتفت رمزیةن كانت شكلیة اوبدأت الرابطة اإلیمانیة حتى و منذ ذلك الحین اإلسالمي علیھا

ثم أصبح العالم اإلسالمي ومن ،الطریق لمفھوم القومیة والوطنیة والعرقیة والطائفیة والمذھبیة

10

لھا كل دولة منھا ذات سیادة اإلسالميمنظمة المؤتمر في دولة ممثلة 57مجموعة من الدول تبلغ

ن كان والء یتم البد أن یتوجھ إلیھا حتى وإ الوالءقوانینھا ونظمھا ونشیدھا وعلمھا مما یعني أن

الوطنیة إلى القومیة إلى اإلسالمیة إال أن الواقع المعاش أثبت منتصویره في صورة دوائر متداخلة

إسالمیة أو كانت دولة إسالمیة دول الثاني من القرن العشرین دارت بین النصفأن معظم حروب

مما یعني أن ھناك روابط ،تتعاون مع الطرف اآلخر أخرى دول إسالمیة ھناكبینما كان طرفا فیھا

محل الرابطة اإلیمانیة التي كان یجب أن توحد األمة اإلسالمیة وأن تجعل حلتلأخرى قد تصاعدت

واحدة كالجسد الواحد. أمةمنھا

2- المصلحة الشرعیة والمصلحة الفردیة على المصالح المجتمعیة، علىالمصلحة القومیة ةبغل

طغىیدع مجاال للشك أنھ على مستوى الدول ت المعاصر یثبت بما ال اإلسالميحیث نجد أن الواقع

تطویع إعادةما یتم غالباالوطنیة أو القومیة على مفھوم المصلحة الشرعیة حیث المصالحعادة

لتبریرالمصلحة الشرعیة حتى تتفق مع المصلحة القومیة في عملیة استظھار بالنص الشرعي

عادة ما ینحاز حیثتلك. كذلك یتم الشيء نفسھ على المستوى الفردي وتسویغ سیاسات ھذه الدولة أو

تبرز حاالت الفساد لذلكالفرد لنفسھ ومصالحھ قصیرة األجل على حساب المصالح المجتمعیة

قامت على القطاع العام التيالسیاسي الموجودة في كثیر من الدول خصوصا النظم الجمھوریة

التطوعیة والعمل العام بصورة مفاھیمبیة والالمباالة وتضاؤل كذلك ظواھر السل ،وتدخل الدولة

بل أنھ ،المصلحة الخاصة على المصلحة العامة مفاھیمكل ذلك ما ھو إال دلیل على انتصار .كبیرة

العینیة على حساب الفروض الكفائیة التي اعتبرھا الفقھاء الفروضحتى في مفاھیم التدین یتم تضخیم

ن للقائم بفرض الكفایة مزیة على القائم بفرض العین ألن من یقوم اول السیوطي یق حیثذات أولویة

)4(.فقطالكفایة یسقط اإلثم عن األمة أما من یقوم بفرض العین فإنھ یسقط اإلثم عن نفسھ بفرض

3- فبدال من أن یكون الحق المعاصر على مستوى النظام الدولي والقوةالعالقة بین الحق انقالب

ذاتھا، أصبحت القوة ھي الحق، وھذه الحالة تعاكس تماما الحالة التي القوةما في القوة أو ھو متحك

علیھا المجتمع اإلنساني حیث یكون الحق ھو الضابط الذي یلجم القوة إذا خرجت عن یكونینبغي أن

كطرف مياإلسال. وھذه الوضعیة التي تحكم النظام الدولي المعاصر الذي یوجد فیھ العالم حدودھا

معظمھا فما أوومن ثم ضاعت حقوقھم ،ضعیف جعلت المسلمین موضوعا لممارسة القوة علیھم

لوجود ذلك نظرادخلوا في صراع مع أي طرف غیر مسلم إال وكان ضیاع الحقوق من نصیبھم

11

ون لماھیة الحق بحیث یك المحددبل یجعلھا ھي ،النظام الدولي الذي ینحاز للقوة ویعلیھا على الحق

القوة. فقدحقا إذا وجدت القوة التي تسانده وال یكون كذلك إذا

ھذهالحالة مفروضة من قبل النظام الدولي على األمة اإلسالمیة فقد تسربت إلى داخل ھذهكون ولكن

فأصبحت القانوناألمة وأصبحت معظم دولھا ونظمھا السیاسیة وتنظیماتھا الحركیة تعمل طبقا لھذا

. والناظر في العدید من األفرادر الحق ولیس العكس حتى في العالقات بین كثیر من القوة ھي معیا

،أن الحق تشكلھ وتحدده القوة ولیس العكس للشكالنظم السیاسیة اإلسالمیة یلحظ بما ال یدع مجاال

من الدول اإلسالمیة مع الشعوب أو في عالقة األغنیاء كثیركذلك الناظر في عالقة أھل السلطة في

ثم فإن القانون وحكمھ قد ومن یجد نفس المعادلة موجودة ویتم تطبیقھا. بالضعفاءبالفقراء أو األقویاء

الكثیر من الدول اإلسالمیة خصوصا تلك التي كانت تسمى نظما جمھوریة أو ثوریة فيتراجع كثیرا

.تحدیثیةأو

4- اإلسالمیة في مرحلة من االستضعاف لم ضعف ودخول األمة عواملمصادر القوة إلى تحول

الفعالیة الحضاریة وتأخر األمة اإلسالمیة عن امتالك النعدامنظرا ف تاریخھایسبق لھا مثیل في

واعتمادھا ،بل وعدم قدرتھا على إنتاج ما تحتاجھ من وسائل وأدوات العیش ،المعاصرة القوةوسائل

األمةنظرا لكل ذلك دخلت وسائل الحیاتیة.ال الكامل على الخارج في المأكل والملبس ومختلف

للوصول بھا إلى ھذه خارجیة عدیدة و اإلسالمیة في حالة من الضعف تضافرت عوامل داخلیة

الضعف واالستضعاف من قبل اآلخرین منإال أن حالة الضعف ھذه مثلت بدایة لمتوالیة الحالة؛

اإلسالمي واقعا ضعیفا معتمدا الواقع فكون؛ مواردو إمكانیاتالطامعین فیما لدى األمة اإلسالمیة من

بل وثقافیا أیضا. وكونھ كذلك یتحكم في معظم واقتصادیاعلى الخارج تابعا للقوى الكبرى سیاسیا

الدولیة ممراتوالقویة سواء الموقع المتمیز أو التحكم في ال المتقدمةالمصالح االستراتیجیة للدول

أھم السلع االقتصادیة قاطبة والتحكم في احتیاطاتھا، كل ذلك أدى إلى إنتاجالتحكم في األساسیة أو

الضعیفمعقدة یكون فیھا الضعیف متحكما في القوى من حیث مصادر القوة ولكنھ أي معادلةھور ظ

في حقھوتحویلھا إلى عناصر قوة یستطیع بھا أن یفرض المصادر غیر قادر على استخدام ھذه

غیر القادر الضعیفلذي یجب احترامھ. فھذه الحالة تجعل من مصادر قوة الوجود ویكون لھ دوره ا

الجامحة في التحكم ورغبتھاالكبرى علیھ ىعلى استخدامھا مصادر ضعف بل ودواعي لتكالب القو

. وقد بدأت ھذه الحالة منذ ظھور مفھوم فیھاأو إفقاده القدرة على التحكم ،وإفقاده ھذه المصادر ،فیھ

أطلق على الدولة الذيأوروبا المریض" رجلعشر ثم مفھوم " التاسعالقرن فيشرقیة" ال المسألة"

12

اإلسالمي ولعل حالة وسط العالممع النفط في مختلف بقاع وأخیراالسویس" قناةثم مع " العثمانیة

عوامل ضعف ألنھ إلىھنا فقد تحولت مصادر قوة العالم اإلسالمي ومن، آسیا خیر مثال على ذلك

،القادرة على حسن استخدامھا القوة إرادةاستخدامھا أو إمكانیاتتلك مصادر القوة ولكنھ لم یمتلك ام

اإلسالمیة في الغرب خیر مثال الدولتجمید أرصدة عملیات الصحیح. ولعل مجالھا وتوظیفھا في

ھو الطرف األضعف الذي یتم الدائنعلى تحویل مصادر القوة إلى مصادر ضعف بحیث یكون

ویتم تجریده وحرمانھ منھا. من قبل المدین بل لتحكم في ثرواتھا

5- بعد أن تم التخلي عن قاعدة الذھب في ف ؛االقتصادیةأسس التعامالت التحول الجوھري في

إطارفي العالم اإلسالمي تخضع إلرادات دولیة خارج خصوصاالتعامالت المالیة أصبحت الثروات

قیمة عملة معینة مئات أو عشرات األضعاف مثل حالة العراق تتراجعبحیث قد ،األمة اإلسالمیة

متتالیة تضعف االقتصادیات الوطنیة مثل حاالت مصر ومالیزیا لذبذباتوالسودان أو تتعرض

-جعل اقتصادیات العالم اإلسالمي ذلك. كل وإندونیسیا التي ھي في حقیقتھا تابعة القتصادیات الدول

-الكبرى أن تخط لھا طریقا مستقال یخالف ما ھو موجود على مستوى النظام غیر قادرة على

من یتحررالدولي أو یختلف عنھ، حیث یكون من المستحیل على االقتصاد التابع أن االقتصادي

إلى ظھور أنماط من باإلضافةاالقتصاد المتبوع بدون التعرض الھتزازات قد تؤدي إلى تدمیره. ھذا

لیس للعالم اإلسالمي فیھا سابق تجربة وغیرھا اإلنترنتواقتصادیات ئتمانكاالالتعامل االقتصادي

كل ذلك أحدث ،ما ینظم ھذه األنماط االقتصادیة الجدیدة الحلولوال یوجد في منظوماتھ الفقھیة من

الدول اإلسالمیة أو في معظمھا ساھمت ھذه االرتباكات في إضعاف فيالعدید من االرتباكات

فإن الواقع االقتصادي في العالم اإلسالمي ھو في معظمھ واقع أخرىناحیة ومن اقتصادیاتھا.

التعاطي مع المعطیات المستجدة في العالم خصوصا ما سیترتب على تطبیق علىمتخلف غیر قادر

تلك الحالة المغامرةذلك یعود في أساسھ إلى فقدان الفعالیة واالبتكار وروح ولعل ،"الجاتاتفاقیات "

إلى الحالة التي یوجد وصلوالتي أدت إلى أن ،سیطرت على العالم اإلسالمي لقرون طویلة التي

یحتاج إلى عملیة متواصلة طویلة األمد بلعلیھا اآلن مما یعني أن اصالحھ لن یكون یسیرا أو سریعا

جیدة التخطیط وشدیدة الواقعیة.

13

6- ألن یباع ویشتري وحیث ل شئ قابالاصبح ك الحدیث حیث العالمحضارة السوق على ھیمنة

في كل شئ وھذه الحالة ألقت بظاللھا على الواقع الغایاتالمادة أو الثروة ھي غایة أصبحت

ومعاییرھا. قیمھاجزءا منھا تسرى فیھ نفس اإلسالمي بحیث صار

7- ل قوة دولیة عظمى أو كبرى إلى طرف ضعیف یكون موضوعا للفع مناألمة اإلسالمیة تحول

األمة اإلسالمیة ھي الطرف الدولي األقوى أو من األطراف الدولیة كانتفبعد أن ،ولیس فاعال

أصبح العالم اإلسالمي في القرنین األخیرین ،سنة 1200لھا حساب لما یزید عن یحسبالقویة التي

والطرف ،بل أصبح مفعوال بھ بصورة دائمة ،لممارسة نفوذ القوى الكبرى غیر اإلسالمیة موضوعا

في ربصالالدولي األضعف في العالم قاطبة بحیث تفرض علیھ إرادات جماعات صغیرة مثل

وال اوالیھود في فلسطین، البوسنة والھرسك والقبائل البدائیة في تیمور الشرقیة أو جنوب السودان

اآلن تستلزم ھانعیشیستطیع ھو أن یدافع عن نفسھ سواء في قلبھ أو أطرافھ، تلك الحالة الواقعیة التي

یعد لھا وجود. لمرؤیة الواقع كما ھو دون الغوص في أحالم القوة التاریخیة التي

خامسا : المحددات االجتماعیة والثقافیة للواقع اإلسالمي المعاصر

قد یكون مجافیا للحقیقة القول بأن ھذه السطور ستقدم تحدیدا دقیقا للواقع اإلسالمي المعاصر في

االجتماعیة والثقافیة ؛ وذلك لشدة تعقد ھذا الواقع من جانب، وتنوع الثقافات والمجتمعات أبعاده

اإلسالمیة من جانب آخر؛ حیث لم ینشئ اإلسالم مجتمعا نمطیا واحدا وال ثقافة نمطیة واحدة بل

نشأ تفاعل عبر تجربتھ التاریخیة الطویلة مع مجتمعات متعددة وحضارات مختلفة وثقافات متنوعة فأ

من كل ذلك العدید من الثقافات اإلسالمیة ، كما أسس لظھور مجتمعات إسالمیة متنوعة تنوع تعدد

داخل إطار األمة الواحدة، ولذلك فإن ما سوف نتناولھ في السیاق التالي ما ھو إال مجموعة من

المحددات العامة لھذا الواقع اإلسالمي :

تي مثلت عنصر القوة األساسي في تاریخ األمة اإلسالمیة ، ـ تفكك شبكة العالقات االجتماعیة ال1

وكانت العاصم الذي وقى ھذه األمة من التفكك ، وحفظھا من الذوبان أو التحلل والضیاع . والمقصود

بشبكة العالقات االجتماعیة في ھذا السیاق تلك الروابط و التفاعالت وعالقات االعتماد المتبادل ،

فھذه )5(المجتمع اإلسالمي سواء أفرادا أو جماعات في مختلف مناحي الحیاة، والتكافل بین مكونات

14

الشبكة تشبھ إلى حد كبیر األوردة والشرایین التي تجعل من الجسم البشري كیانا واحدا ال یكون لھ

حیاة إذا انقطعت عالقاتھا .

بھ وجماعاتھ والناظر في الواقع اإلسالمي المعاصر ومدى الخالفات والتمزقات بین شعو

وأفراده یدرك بما ال یدع مجاال للشك أن ھذه الشبكة قد بدأت في التفكك ، فالشعوب اإلسالمیة تتنافر

كلما تقارب أفرادھا واكتشف كل واحد منھم اآلخر ، وتتصارع كلما اشتركت في مصالح واحدة ،

سباب نتیجة لتصاعد قیمة واألفراد كذلك حتى داخل األسرة الواحدة تتقطع عالقاتھم حتى ألضعف األ

المصالح على العالقات األسریة، وتقدم أھمیة المنافع على الروابط االجتماعیة، وعلو شأن ما في

-الجیب على ما في القلب . وھكذا بدأ الجسد الواحد الذي " إذا اشتكى منھ عضو تداعى لھ سائر

-)6(األعضاء بالسھر والحمى " ار تعاون المسلمین مع غیر المسلمین یفقد وحدتھ ، ولعل مطالعة مقد

ضد مسلمین آخرین وزیادة عدد الحاالت التي یحدث فیھا ھذا التعاون لدلیل واضح البیان على بدایة

حدوث حالة التفكك في شبكة العالقات االجتماعیة في العالم اإلسالمي .

2- ة المصطنعة ، فالواقع انحسار المؤسسات االجتماعیة الطبیعیة لحساب المؤسسات االجتماعی

اإلسالمي المعاصر یشھد تراجعا في أھمیة المؤسسات االجتماعیة ذات النشأة الطبیعیة مثل األسرة

والعائلة الممتدة، والجیرة ، وصحبة المسجد ، والحرفة والطائفة المھنیة ، وذلك لحساب مؤسسات

وحسابات وقتیة ، أو تنظمھا عالقات اجتماعیة مصطنعة مؤقتة یتحدد االنتماء الیھا بناء على مصالح

نفعیة مثل النادي االجتماعي ، والجماعة السیاسیة والمساھمین في شركات معینة ، والمشجعین لناد

معین ... إلخ . وعلى الرغم من أن ھذا النمط من العالقات البد أن یوجد في المجتمع وھو لیس سلبیا

نمط من العالقات الطبیعیة التي تمتلك درجة أعلى من في وجوده ، وإنما السلبیة في كونھ یحل محل

المناعة أمام عوائد الزمان وتقلبات األحوال ، ومن ثم تكون المؤسسات االجتماعیة الطبیعیة ھي

القاعدة التي تضمن وجود المحضن االجتماعي لإلنسان في حال تقلب وتغیر وضعھ في المؤسسات

ھذه آخذة في االنتشار في مختلف المجتمعات اإلسالمیة ، بل االجتماعیة المصطنعة، وحالة االنحسار

إن بعض تلك المؤسسات الطبیعیة آخذ في الزوال بالكلیة أمام زحف المؤسسات المصطنعة خصوصا

عند األجیال األحدث من المسلمین .

3- معاصر ؛ حیث سیطرة القیم الدنیویة أو بروز نمط من العلمانیة الواقعیة في العالم اإلسالمي ال

انقلبت المقاصد العلیا للشریعة لدى المجتمعات المسلمة المعاصرة فأصبح حفظ المال یسبق حفظ

15

النسل والعقل والنفس والدین ، وأصبح ما یتعلق بذات اإلنسان ومصالحھ یتقدم على ما عداه من قیم

مكن بالحیاة الدنیا، ومصالح، وأصبحت ھموم اإلنسان متمحورة بالكلیة حول التمتع إلى أقصى حد م

سواء بطرق مشروعة أو مشكوك في شرعیتھا على األقل إن لم تكن محرمة . وأصبح التنافس في

جمع حطام الدنیا ال یحده حد وال یوقف منھ أي رادع ، وفي مقابل ذلك ھناك نمط من التدین

اإلنسان أو تصوره الشعائري الذي یبالغ في المحافظة على الشعائر دون أن یتغیر أي شيء في ذات

للواقع ولدوره فیھ وعالقاتھ باآلخرین، ولما ینبغي أن یحصل علیھ من اللذة في ھذه الحیاة الدنیا،

وھذه الحالة من االنفصام بین المحافظة على شعائر الدین مع االنغماس في الدنیا والذوبان في ملذاتھا

ما بین ما ھو دیني وما ھو زمني أو دنیوي .، ما ھي إال حالة من العلمانیة أو الدنیویة التي تفصل

4- فقدان المناعة الثقافیة ؛ حیث أصبح العالم اإلسالمي یتمیز بحالة من الضعف والرخاوة في

مواجھة ما یفد إلیھ من ثقافات وقیم من مجتمعات أخرى . بل إن المسلمین أصبحوا أكثر شعوب

غالبة في ھذا الزمان من قیم وسلوكیات وفنون وآداب وأنماط األرض تقلیدا واتباعا لما تنتجھ الثقافة ال

حیاة . فإذا ما قارنا المسلمین بالصینیین أو الھنود أو غیرھم نجد أن المسلمین یسارعون في تبني

الثقافات األخرى بصورة أكثر دون أدنى شعور بالتناقض بین تلك الثقافات الوافدة وبین الثقافة

جسد األمة الثقافي فاقدا للمناعة، غیر قادر على الفرز واالختیار ناھیك عن اإلسالمیة ، وبذلك أصبح

الرفض والطرد إذا لزم األمر .

_ ظھور نمط ثقافي ھجین تختلط فیھ مكونات ثقافیة إسالمیة وأخرى غیر إسالمیة أو مناقضة 5

صبغھ بصبغة واحدة ، لإلسالم وقیمھ ، وھذا النمط الھجین أصبح یمیز الواقع اإلسالمي المعاصر وی

فال تكاد تجد موضوعا من موضوعات الحیاة إال وتتداخل فیھ األنماط الثقافیة تداخل االختالط

والتناقض ال تداخل المزج والتركیب .

_ ظھور أنماط متعددة األشكال من الفعالیات الزائفة ؛ حیث أصبحت المجتمعات اإلسالمیة تنفق 6

-من طاقاتھا وقدراتھا -ى مستوى األفراد أو الجماعات أو المجتمعاتسواء عل القدر األكبر في

فعالیات مجتمعیة زائفة أو بعبارة أخرى في حالة من توھم الفعالیة . وذلك من مثل المبالغة في الشكل

على حساب الجوھر والمبالغة في الدعایة حول الشيء أكثر من بنائھ وتكوینھ ، والمبالغة في االھتمام

16

ر من اإلنجازات ، والرغبة الجامحة في إظھار التمیز والجدارة للحصول على شكر لم بالرموز أكث

یفعل صاحبھ ما یجعلھ مستحقا لھ .

_ تراجع القیم االجتماعیة اإلیجابیة لحساب القیم االجتماعیة السلبیة ؛ حیث إنھ إذا قمنا بدراسة 7

ن القیم السلبیة أصبحت اكثر انتشارا من لمنظومة القیم السائدة في الواقع اإلسالمي المعاصر سنجد أ

القیم اإلیجابیة ، فالبخل أكثر ظھورا من الكرم ، والكذب یفوق الصدق ، والخیانة تجاوزت األمانة ،

والغرور فاق التواضع ، وانعدام الحیاء طغى على الحیاء ... إلخ . وھذه الحالة أوجدت منظومة

ھیكلیة في الواقع اإلسالمي المعاصر ، فأقل الكاذبین كذبا أخالقیة جدیدة ستؤدي إلى إحداث تغییرات

أصبح یسمى صادقا ، وأقل الجھالء جھال صار یطلق علیھ عالما وھكذا .

تلك ھي أھم المحددات المعرفیة والسیاسیة واالقتصادیة واالجتماعیة والثقافیة للواقع اإلسالمي

یح فإنھا من المؤكد ستؤدي إلى إحداث تأثیرات المعاصر التي إذا ما تم إدراكھا اإلدراك الصح

جوھریة في منھجیة التعامل مع ھذا الواقع سواء أكان تعامال فقھیا أو تعامال إصالحیا تجدیدیا ، ولكن

قبل الوصول إلى تحدید ذلك التأثیر البد من مناقشة عالقة ھذا الواقع المعاصر مع الواقع التاریخي ،

ھل یحتاج الواقع المعاصر إلى أفكار وأحكام تختلف بالواقع التاریخي أم وذلك حتى نستطیع أن نحدد

ال ؟

االتصال واالنفصال بین الواقع اإلسالمي المعاصر والتجارب التاریخیة خامسا :

للمسلمین

مما ال شك فیھ أن واقعنا المعاصر ھو امتداد للواقع اإلسالمي التاریخي ، ولذلك فإن االتصال

بینھما ال یحتاج إلى دلیل أو إثبات ، فھو بارز وظاھر في كل أبعاد الحیاة ولكن وفي نفس الوقت

ھناك العدید من أوجھ االنفصال عن ذلك الواقع التاریخي في تجاربھ المتعددة ، ولعل أھم عناصر

االنفصال ما یلي :

القوى الكبرى ، أما في واقعنا المعاصر ـ أن األمة اإلسالمیة كانت دائما القوة األكبر أو واحدة من1

فلیس لھا من موازین القوة نصیب ؛ نظرا لضعفھا وتشتتھا . لذلك فإن التنظیر الفقھي للعالقة مع

17

اآلخر أو للعالقات الدولیة ، یجب أال یستصحب الفقھ التاریخي ، أي فقھ القوة العالمیة العظمى ، ألنھ

.لم یعد لھ موضع في واقعنا المعاصر

ـ ظھور الشخصيات المعنوية وتعددھا على حساب الشخصيات الطبيعية في المعامالت 2

بحيث إن معظم المعامالت االقتصادية تتم بين مؤسسات وبعضھا البعض ، أو بين )7(االقتصادية؛

أفراد ومؤسسات ، بينما الحال في التاريخ كانت المعامالت تتم بين أفرد وليس مؤسسات ؛ ولذلك

خدام الفقه التاريخي في المعامالت المالية يحتاج إلى مراجعة شاملة لتغير طبيعة أطراف فإن است

التعامل ومن ثم تغير العلل الفقھية لھذه النوعية من المعامالت .

ـ تزاید وتسارع وتیرة ومستوى التعامل بین المسلمین وغیرھم وظھور أنماط معقدة من االعتماد 3

فبعد أن كانت األمة اإلسالمیة تاریخیا تستطیع االكتفاء ذاتیا ، وتعتمد على المتبادل بین األمم ،

اآلخرین بقدر أقل كثیرا من الواقع المعاصر أصبحت اآلن معتمدة بالكلیة على اآلخرین وھذا بدوره

یجعل من إعادة استخدام الفقھ المتعلق بكیفیة التعامل مع غیرالمسلمین في حاجة إلى رؤیة تجدیدیة .

4- إّن التحوالت الكبرى التي حدثت على مستوى الثقافة والقیم والعالقات االجتماعیة مقارنة بالوضع

التاریخي تجعل من عملیة اإلصالح عملیة معقدة غایة التعقید تحتاج إلى عمل مستمّر وعلى أصعدة

متعددة ولعدة أجیال .

وھریة في واقع األمة اإلسالمیة المعاصر، ومن خالل ھذه األمثلة األربعة یتضح أّن ھناك تغیرات ج

ھذه التغیرات من المؤكد أنھا ستفرض واقعاً جدیداً على منھجیة اإلحیاء و التجدید أو منھجیة صیاغة

المنظومات الفقھیة المحققة لمقاصد الشارع سبحانھ في الواقع اإلنساني المعاصر .

یة التجدید الفقھي والفكري سادساً : تأثیر الواقع اإلسالمي المعاصر على منھج

واإلصالح االجتماعي والسیاسي .

مما ال شّك فیھ أّن التغیر في الواقع یستلزم بالضرورة تغیرات عدة في مناھج التعامل مع ھذا

الواقع سواء أكان ھذا التعامل تعامالً فكریاً أم فقھیاً أو سیاسیاً أو اجتماعیاً ، وذلك ألّن الشریعة

18

ة أو إن شئت فقل إّن النسق المعرفي اإلسالمي في عمومھ قائم على قاعدتین اثنتین ھما : اإلسالمی

فقھ الشریعة وفقھ الواقع أو النظر والتطبیق أو بعبارة أخرى الوحي والوجود الكوني ، أو عالم الغیب

و أحد طرفي وعالم الشھادة ....إلخ . إذ إّن كل تلك الثنائیات تقوم في جوھرھا على أّن الواقع ھ

المعادلة ، لذلك ال یمكن تجاھلھ أو التعامي عنھ . وال یمكن حشره قسراً في أطر فكریة تم تطویرھا

أو إیجادھا لتناسب واقعاً آخر . وال یمكن تطبیق منظومات فقھیة أو اتباع مناھج إصالحیة كانت

ن تتغیر األحكام بتغیر صالحة لواقع معین في واقع آخر مخالف أو مختلف . ولذلك كان ضروریاً أ

وأن تتطور وتتغیر مناھج اإلصالح أو التجدید طبقاً لتغیر الواقع وتحولھ ، أو تغیر أحد )8(األزمان

عناصره أو كلّھا.

والناظر في الواقع اإلسالمي المعاصر یجد أن معظم أطراف المعادلة قد تغیّر كّما أو كیفاً وأّن ھناك

كن معروفاً سابقاً ؛ ولذلك ال بّد أن تتغیّر منھجیة التعامل مع ھذا الواقع الجدید واقعاً جدیداً قد ظھر لم ی

على المستویین التجدیدي واإلصالحي :

1- على المستوى التجدیدي ، ونقصد بالتجدید في ھذا السیاق ذلك العمل العقلي الذي ینصرف إلى

ومن ثّم إعادة تنزیل األحكام على واقع إعادة فھم قواعد الدین وأحكامھ في ضوء الواقع المتجدد،

جدید لتحقیق المقاصد العلیا من الشریعة، ولتغییر األحكام طبقاً لتغیّر العلل منھا أو الحكمة من

ورائھا، ولذلك فالتجدید عملیة عقلیة فكریة تنصرف باألساس إلى المنظومات الفقھیة واألطر

دث في الواقع المعاصر یستلزم بالضرورة إعادة تجدید الفقھ الفكریة الكلیة، وھنا نجد أّن التغیر الحا

المتوارث ولكن على أسس جدیدة لعّل أھمھا :

-أ انھ لم یعد مناسباً وجود المجتھد الكلي أو المجتھد المطلق ، بل لم یعد ممكناً أن یمارس عملیة

إذ ال بّد أن تنشأ مراكز الفتوى وإصدار األحكام فرد واحد متخصص في العلوم الشرعیة أو أحدھا ،

للفتوى واالجتھاد في صورة فرق بحثیة تشتمل على متخصص في العلوم الشرعیة وأخر في أحد

العلوم االجتماعیة واإلنسانیة موضع الدراسة والبحث، فإذا كان الموضوع اقتصادیا فال بّد أن یكون

القتصاد وكما أنھ یستحیل أن یقبل ھناك فریق من شرعي واقتصادي ، وال یُطلب من الشرعي إتقان ا

العكس .

19

-ب انھ لم یعد في اإلمكان إصدار فتاوى وأحكام تستغرق الواقع اإلسالمي في شمولھ وإنما تكون

ھناك مساحة واسعة الختالف األحكام باختالف الظروف االجتماعیة والبیئات المكانیة .

-ج الشریعة وقواعدھا الكبرى والمناھج التي إّن عملیة االجتھاد ینبغي أن تستصحب مقاصد

طورھا أو اتبعھا كبار الفقھاء المسلمین في التاریخ، ولكن لن یكون مناسباً إعادة إسقاط الفتاوى

التاریخیة على الواقع المعاصر .

-د إّن الواقع المعاصر یشھد نمواً متصاعداً في المؤسسات والتكوینات الجماعیة ویربط بصورة

مصالح األفراد بمصالح الجماعات والمجتمعات والدول ؛ ولذلك ینبغي أن یتّم التركیز على معقدة

فتاوى األمة أكثر من التركیز على فتاوى األفراد وكذلك ینبغي التحرك في إطار واسع من البدائل

المعتمدة على الفقھ المقارن .

-ھـ ى ال یضطر المسلم إلى السؤال عن كل ینبغي إعادة تعریف منطقة المباح والحفاظ علیھا حت

شيء وفي كل شيء ویضطر الفقیھ إلى تقدیم إجابات عن قضایا لیس فیھا وجھ للحّل والحرمة بل ھي

في إطار المباح ، ولعّل المتابع لألسئلة التي ترد لعلمائنا عبر شاشات التلفزیون یلحظ أّن العدید منھا

ة تسھّل عملیة الوالدة ، فیضطر الفقیھ إلى تقدیم إجابة قد تكون ال ینبغي أن یُثار مثل استخدام أدوی

غیر ذات معنى وتخالف قواعد المعقول والمنقول .

2- على المستوى اإلصالحي ، والمقصود باإلصالح في ھذا السیاق كل ما یتعلق بتصحیح

بصورة عامة وكأنھ ھو مسارات المجتمع السیاسیة واالقتصادیة واالجتماعیة، األخالقیة والثقافیة

التجدید على المستوى العملي التطبیقي . وقد ال یكون ضروریاً التأكید على أّن اإلصالح في جوھره

یعتمد على التجدید ویكون نتیجة لھ في الوقت نفسھ .

20

وحیث إّن الواقع اإلسالمي المعاصر یشھد حالة معقدة من التركیب واالختالط وتتداخل في تكوینھ

ة كبیرة من العناصر الداخلیة والخارجیة فإّن منھجیة اإلصالح فیھ ینبغي أن تشھد قدراً كبیراً مجموع

من التجدید القائم على إدراك حقیقي للواقع ووزن دقیق لعناصره ومكوناتھ . وفي السیاق التالي

سنطرح مجموعة من المالحظات العامة حول ھذه المنھجیة :

-أ لإلصالح القائم على وجود شخص مصلح لھ خصائص وصفات أسطوریة إّن الرؤیة التاریخیة

تفوق الخلق قدرة واستطاعة لم تعد ھذه الرؤیة صالحة في ھذا الزمان المعقد في تركیبھ وخصائصھ،

بحیث انھ ال یمكن إیجاد شخص یستطیع اإللمام بكّل عناصر الحیاة االجتماعیة ومكوناتھا ، ولذلك

جاد ھیئات جماعیة تقوم على عملیة اإلصالح ولیس مفكر فرد أو مصلح عالم فانھ ینبغي أن یتّم إی

Thinkعبقري، وینبغي أن یتّم تطویر ما یُعرف ببیوت الخبرة العالیة أو مستودعات األفكار

Tanks . وھذه المؤسسات ینبغي أن یوكل إلیھا القیام بعملیة اإلصالح في مختلف المجاالت ،

-ب لمدخل السیاسي لإلصالح قد أثبت فشلھ في مختلف التجارب اإلسالمیة في القرن إّن اعتماد ا

العشرین ولذلك ال بّد من محاولة تحقیق اإلصالح عبر مداخل أخرى خصوصاً المداخل المجتمعیة

التي تعتمد على التربیة والتعلیم والثقافة والمجتمع المدني واألوقاف وغیرھا .

-ج تلزم دراسة تجارب األمة اإلسالمية عبر تاريخھا، وفي نفس الوقت إّن عملية اإلصالح تس

تجارب األمم األخرى التاريخية او المعاصرة وذلك للوصول إلى استخالص لسنن ينبغي دراسة

هللا في المجتمعات البشرية، ومن ثّم يمكن االستفادة منھا في ذلك وال يمكن إعادة إنتاج أية تجربة

بيئة اإلسالمية أو تجربة معاصرة من خارجھا ألّن عمليات اإلصالح تعتمد تاريخية من داخل ال

) 9(على معادلة اجتماعية معقدة ال يمكن تبسيطھا أو التعميم فيھا.

-د إّن عملیة اإلصالح ال بّد وان تكون ذات رؤیة شاملة لمختلف أبعاد المجتمع ولیست جزئیة

اإلسالمي تغییر شامل ، واألزمات التي یعاني منھا ذات طبیعة محدودة ألّن التغییر الحادث في العالم

شمولیة في جوھرھا .

21

وخالصة القول إّن الواقع اإلسالمي المعاصر یطرح من األزمات والمستجدات ما یستلزم تحفیز

العقول وتحریكھا ودفعھا لالجتھاد واإلبداع والبعد عن التقلید واالجترار . وھذا الواقع یتیح من

كانیات كما أنھ یفرض من القیود الكثیر ، ولذلك فإنھ یجعل من عملیة التجدید واإلصالح عملیة اإلم

في غایة التعقید والصعوبة ، ولذلك ینبغي أن یتّم التعامل معھا بالجدیة الالزمة لتحقیق المقصد األعلى

إلسالمیة كأمة وسط وھو إعادة استئناف الحضارة اإلسالمیة لدورھا التاریخي وإعادة موقع األمة ا

شاھدة على العالمین .

22

الھوامش:

1- 1996د. علي جمعة محمد، المدخل، القاھرة: المعھد العالمي للفكر اإلسالمي،

2- مالك بن نبي، وجھة العالم اإلسالمي، ترجمة: عبد الصبور شاھین، دمشق: دار الفكر،

1981.

3- 2001، مارس ية ألقاھا في المجمع الثقافي ، أبو ظبد. علي جمعة محمد، محاضر

4- جالل الدین السیوطي، األشباه والنظائر في قواعد وفروع فقھ الشافعیة، القاھرة: دار الكتب

العلمیة، ب ت،

5- حول مفھوم شبكة العالقات االجتماعیة انظر: مالك بن نبي، میالد مجتمع، ترجمة: عبد

.1985، الصبور شاھین، دمشق: دار الفكر

6- جزء من حدیث نبوي شریف

7- یرجع الفضل إلى العالمة الدكتور علي جمعة محمد في تطویر ھذا المفھوم وتوظیفھ في

، انظر: د. علي جمعة محمد، المدخل، مرجع سابق. ةالدراسات االقتصادی

8- حول تغیر األحكام بتغیر الزمان انظر: ابن قیم الجوزیة، إعالم الموقعین عن رب العالمین،

1919القاھرة: دار الطباعة المنیریة،

9- 1972مالك بن نبي، المسلم في عالم االقتصاد، القاھرة: دار الشروق،