برزخ بين قلب عذب وعقل أجاج

إبراهيم سنان

شياء التي تراكمت في ذهني، أأهديكم بعضا من الال

..! ومن يدري

.لم أستطع قد تصنعون منها ما

.وها وال تتحدثوا عني بعد ذلكخذوها فغل

واقرؤوني كما لم أكن،

.وكونوا كما لم تقرؤوني

براهيم سنانا

:بداية النهاية

.رتاحأنهكتني الحياة وأريد أن ألقد ، لي بطول العمر ال تدعـ

: بيدي وهمس في أذني ممسكاقالها والتفت نحوي

وها أنتم . إليك وال تنتظركلـن تكـون إال بمـا حـولك، فالحـياة تتصل ــ

.حولي ولذلك كنت حيا بكم

، بل تكـن فخمـة وفصـيحة كمـا دونتها ف ولـم لـم تكـن كلمـات فيلسـو

بلهجـة بسـيطة وعفوية رجل مسن من قرية ظلت على هامش جـاءت

. ث الكبرىالتاريخ يمررها بهدوء في فراغات األحدا

ل ؤ إلي بتفا انه تنظر اعين. أشـعر كأننـي أمسك يديه بتجاعيدها الناعمة

ولد ،داألغلى من الول: " ، ويقولونالتي تحققت كبيـر وكأني آخر أحالمه

. "الولد

بها نحو المطار، يودعني أرى طـيفه يقـف علـى أسوار المقبرة وأنا امر

تقل و،تتالشى األشياءبرة ونحو المق.فـي كل مرة أسافر إلى العاصمة

بـبطء تغادرنـا كل . األشـجار والطـيور وكـل شـيء يشـير إلـى الحـياة

. الموجودات، وكأنها تتماهى مع رحلة العمر نحو النهاية

يغادرنا من نحب ونغادر من نحب، إما باالختفاء ،علـى أطـراف القـرية

لعل الغربة هي أن . تحـت األرض فـي المقبـرة أو بالسـفر عبر المطار

لعل الغربة هي أن تترك مكانا . تـواجدك الممـتد بما ارتبط بك ختفـي ي

وألوح له ولكل من يرقد إلى أودعه. تألفـه إلـى مكـان تتمنى أن يألفك

. إلى نفس المكانمنهاداد وإخوان سافروا برحلة ال عودة جانبه، أج

والـدي الـذي تعـود الصـمت فـي كـل عام خالل وأودع الطائـرة أركـب

نصـحني أول مرة غادرته فيها، ولم يعد يكرر .مسـافة إيصـالي للمطـار

لقد كبرت ولم أعد طفله الذي غدر به .نصـائحه أو يشدد على تشجيعي

. في الخروج من كنفهرجولته ورغبتهفجأة ليعلن

.ك واتصل بي متى احتجت إلى أي شيءسلم لي على أصدقائ -

أطــال اللــه ، شــيئا ســوى رضــاكأحــتاجسأوصــل ســالمك ولــن -

.بعمرك

أن أعتقد لماذا .يبتسـم لـي وكأنـه كـان يتذكـر معي نفس كلمات جدي

ولماذا أشعر أنه أقوى من أن يمارس الحنين إلى ،والدي لم يولد طفال

ــده ــاء !..وال ــة اآلب ــنات قابل ــبارهم كائ ــن اعت ــنا م ــدة تمنع صــورة جام

.لالنكسار

أو لعــل .وأجــتذبه بقـوة عتصــر الـنوم أكـرهها، أ وألننــي ،تقلـع الطائـرة

وكـيف يمكن لي . الخـوف يحـيط بـي حتـى يمـنع الوعـي مـن الـيقظة

أي أداة أملكاالطمئنان إلى آلة تحملني معلقا بين السماء واألرض وال

امقوديضعوا أمام كل مسافر ي مـرات كثيرة تمنيت أن فـ .للـتحكم بهـا

ربمــا تكــون مخاطــر الســفر. يشــعره بأنــه قــادر علــى الــتحكماوهمــي

، وال يسير كفي أنني املك القدرة على التحكم برا اكثر، ولكن ي بالسيارة

بـي شـخص يعلـن عـن اسـمه وكأننـي سـأرفع عليه قضية من العالم

.اوية اآلخر لو أخطأ ورمى بنا إلى اله

والنوم الذي انتابني، يمنع عني الشعور .لـم تكـن فتـرة التحلـيق طويلة

ي أهبط وكأن. مكدرات التحليق في السماء مـن بطـول المسـافة أو أي

مرة رغم أنها السنة أتخلـص مـنه قـادم مـن كـوكب آخـر، وشـعور لـم

مازلت غريبا عن كل . وأقيم فيه الخامسـة التـي ازور فـيها هـذا المكان

.لي، وبدأت اصبح غريبا عن نفسيشيء حو

. وتتشابه المحتويات،ويعـود الزمن في عجلة تتشابه مسمياتها التاريخية

بدأت معالمه ا وقد باهتبدا كـل شـيء ،المديـنة والمبانـي واألشـخاص

الفصــل هــو هــذا .تفقــد بــريقها الــذي شــاهدته فــي أول حضــور لــي

معتادة ال زخم فيها وبداية .ي األخيـر إن شـاء اللـه لي التوفيق الدراسـ

وجعلها تتفاعل مشاعري، لكن استسالم للواقع الذي التهم وال حمـاس

ب جعله يمتصني بهدوء نحو رتابة تترت فأمباشـرة بشـكل آلي مع الوقت

وصول بعد إجازة، نوم طويل يغسل .تلقائـيا مـع كـل السنوات الماضية

. مدينة السـفر ويقطـع كـل عالقتي بما ورائي بعيدا عن هذه ال إرهـاق

مخـتلف بمواصفات اكتسبتها خالل السنوات الماضية كشـخص اسـتيقظ

انسجم في حالة ، وبدون أي شعور باالنقطاع .البيئةلتتناسـب مـع هذه

.الصيفيةتشبه األمس قبل ثالثة أشهر هي مدة اإلجازة

الجمـيع حاضـر بسـالمات بـاردة ومختصـرة تدخلـنا في أجواء التواصل

لقاء اعتدنا تطبيعه بأنوار في هـذا المسـاء مباشـرة، وكالعـادة نجـتمع

نخلـع أمام الباب األحذية ومعها كل تفاصيل شخوصنا، يجمعنا .الجـنون

اتفقنا على أن ذلك الصندوق الذي خلقنا فيه لن .فكـر مـؤمن بالـتجاوز

من لقائنا نخرج إلى هكذا بتنا و، حقيقـته حتـى نـراه مـن الخـارج نعلـم

ــيالنغســل قل . المجــتمعداخــل جــدران ــنا قل المــنطق ىنتعاطــ، ثــم وب

ديدن ذهاب العقل ليس بالخمر، ولكن .بسكارىكسـكارى ومـا نحـن

نبني عالما من االفتراض،. واجز اإلدراك المستفيضة من حولنا بـزوال ح

.ونحاسب الضمائر على كل حقائقنا التي نخفيها تحت لباسنا الوطني

؟ما أخبار القلوب -

عيــناه .رمـي بحــديث السـاعة المتكــرر ي ، الطــرف األكثـر إثــارة ،سـامي

يعرف تلك لم .االحترامالصـغيرتان كحد السيف تصيب اآلخرين بذهول

وكأنه يجير الرزانة فبدأ يمارس طقوس متأخـرا، إال الصـفة عـنه نفسـه

.أجله لم تخلق من امالمحه قدرل

.إن قلبي اليوم في إجازة أمومة -

فمظاهر الفقر .للتصديق قلبه غير قابل أن تعلن سالم األسمر سـخرية

. التـرفيه الممكنة أنـواع علـيه تشـير إلـى عـالم يخلـو مـن أقـل الـبادية

.الرومانسـية فـي حـياته كمالـية تحتاج إلى عناصر كثيرة أهمها المظهر

لكل كلمة تمركزا وتأهبا ، يجعـل رأسـه أكثـر كتفـيه بـين عـنقه الغـارق

كم لتخرج الذعة يبيح لها كها بتهيتناولها بطرف لسانه ويلو ، يـنطقها أحدنا

. دون إساءةاألنفسقبلنا الضاحك أن تمر عبر ت

تدريجيا، ليخرج صوت ؤيضـج المكـان بالضـحك، وتـبدأ األنفـاس بالتباط

يشير بسبابته . ه نحـو سالم محـركا يـد مر فـي مجموعتـنا سـت القلـق الم

:وكأنها تستلذ بشقاء ذلك المسكينطقوس اللعن المباح امعلن

بك؟ وماذا أنجب قل -

.السخرية ناصـر وجـد فـي سالم ملجأ الفاقد لمعنى أنلحسـن حظـنا

تحت الطويل متصلبا حتى أن األرض تجعل من جسده الـزائفة الجديـة

ثقته الوهمية بعقله أضفت عليه .الرحمةطالبة منه تـنطق قدمـيه تكـاد

شـيء حتـى الهواء الذي تجـاه كـل يثيـر القلـق بالملـل، يصـيبنا غـرورا

.معنايتنفسه

. وغمم هيكالعادة توأم -

خـرجت الكلمـات عليـنا تخبـرنا بـأن أحـداث الـيوم لم تمر بسهولة على

العجز عن معلنة الرأفة شفاهنا تلبسـت وقـد بهـدوء لـه نبتسـم . سـالم

ودنيا ال قدر فيها سالم رجل يحتاج لوطن يعيش فيه وحده، .مسـاعدته

ة ساعده بمقدار قش ن وقد بتنا على يقين بأننا لن نستطيع أن . غير قدره

.حتى لو اجتمعنا بكل إمكانياتنا

لم يشعر فهو .بها أذنه تترجم الكلمات وال تحس .ناصـر وحـيدا يضـحك

لتوتر في ينتبه للم ومضحكة،بالحـزن فـي كلمـات سالم حتى وإن بدت

.هادئةت مطمئنة حتى وإن بدابتساماتنا

لن عادت فضاقت فعلمت أن / فلمـا ضاقت واستحكمت حلقاتها -

.تفرج

.اليتيمين على هم وغم سالم وأربت أواسي بعض همي بهارميت

.ح مجـاال ألحد كي يمارسها معي أفسـ ، ال أمارسـها هـذه العـادة التـي

ــادر بالحــديث عــندما أننــيتعلمــت يسترســل ، عــن همــي ألحــدهمأب

من شاف مصيبة غيره هانت ( مضمنا في حديثه بإخـباري عـن مصـائبه

جعلنـي فـي آخر المطاف على الجانب اآلخر من يممـا ،)علـيه مصـيبته

ملــتقط والماســح لــتلك فأصــبح المواســي وال.هــذه العملــية الحمــيمة

.لمالمقعنة باأل الدموع

حرا ليرفرف بعيدا عن صدري إطالقه به غير أعـن بـوح لـم أنـدم علـى

ليصـبح كائـنا يصـطاد همومهم ويعيدها لي ملطخة .بـه ق اضـ بعـد أن

.بالحزن

يتركنا في وجوم متردد، . ن الخشوع يطبق بها آذان المسجد لحظـات مـ

هناك تساؤالت تسود لفترة ثم .عـين تـتفادى التالقي ألونظـرات غائـبة

مها دون الحاجة إلى المصارحة نفه ،تصبح بصمات مطبوعة في نظراتنا

بعضــنا أحاديثــنا أصــبحت جــدرانا تفصــل بينــنا وتــبعدنا عــن حــدود.بهــا

، نقرأ عبرها كأوراق شفافة تكشف ما وراءها فرد تحيط بكل الـبعض،

مازلنا نتربص .، ونستسلم لشعور الذنبأفكارنـا التـي نخـاف الـبوح بهـا

.بالتوبة متى تأسرنا فال نحتاج للهرب

ويتمتم بصوت ذراعيه،يشمر عن . يقوم بهدوء،اللـه أقـربنا إلـى ، سـالم

.أحد يسمعه لن يائس

. الصالةالصالة، -

. بعد انتهاء الصالة خفية سيعود، الغرفدى ينساب خفية إلحناصر

كيف : مبتسـما، وكأنـه يطرح سؤاله الدائم المتعجب إلـي سـامي ينظـر

؟لسالم أن يصبح أقرب األصدقاء لناصر

يـزيد صـاحبه غنــى أنلفســقلو، كـيف للصـالح أن يــزيد صـاحبه فقـرا

تسـاءل عـن نفسك فهي األجدر " : أنهجيـبه بنظـرة تفـيد أ ..؟ورخـاء

، يقلب في جهاز الريموت ويفهمها ويعود إلى صمته . "هـذا التفكير كـل ب

. يصلي ولكنه يحترم الصالة ال.بحث عن قناة ال تعرض األغانيي

يـداعب أسالك الكلمـات، أعـذب يتمـتم أراه مبـتهال .ناصـر وراء أتسـلل

نحــو أغــادره ف.لــه وكأنهــا شــعر عــذراء تحضــره اآلن وتتصــور الهاتــف

اآلخــرينانظــر إلــى . نفســي وأعاتــب ، الــنافذةافــتح. األخــرىالغــرفة

ابسط المظاهر التي يمارسون .اللهيبـتعدون عـن مسـاكنهم نحـو بيت

م باإليمان دون حاجتهم لكشف قلوبهم ألتأكد تجبرنـي علـى الشهادة له

أثبتكي إياه وأريهم قلبي وأنتزع أدعوهم لو أتمنىمـن ذلـك، ولكننـي

حياءا حتى وأتآكل ذاتي فـي قعر أخجـل لهـم عكـس نظـرتهم نحـوي،

ــى ظهــورهم وهــي تغــادر نحــو المســجد .أننــي ال اســتطيع النظــر إل

.ما معهم يوما أكون بان وأعدهم ،أودعهم

هل ترى الله ؟

الفجر عن يوم وتمخض .الغسقغـادر الـثلث األخيـر مـن اللـيل نحـو "

".بالسهر حتى فجر آخرجهضه سأمشوه،

فتحت .عـدا إيـاه بالعودة في ليل آخر لقلم وغـادرت الـنوم وا رمـيت بـا

لتطالعني الشاشة الزرقاء الغارقة في الغموض كبحر جهـاز الكمبيوتـر

أيقونة الضغط على اختارت يداي بتلقائية . يبـتلع أفكارنـا وال يعـيدها لنا

. االتصال باالنترنت

"هناك رسائل جديدة لديك"

يء في هذا فكل ش. دون عـناء لفهـم محـتواها وأتجاوزهـا ، أتصـفحها

يمكن للطفل أن يحلل حربا كاملة دون .العـالم بـدأ يتكرر بشكل يومي

تسرد ل نقرة سحرية تتأهبصبع طرف إعلى و. الحاجـة لقـراءة الـتاريخ

.قذارة هذا العالممكدسة من النا أكوام

تذكــروأحــاول األلقــاب تغيــرأتتــبععــدت إلــى قائمــة المتصــلين لــدي،

؟ من هذهأم من هذا .أصحابها

حكمة التقطها خالل عبثه أوالجمـيع يعبـر عـن نفسـه ببيت من الشعر

،نجعل من الكلمات شخصيات تعبر عنا . فـي هـذه الشـبكة العنكبوتـية

ونصبح كلمات أخرى تمر طابـق تلك الصفات حتى نفقد أنفسنا ونظـل ن

. عبر األثير

.صباح الخير -

.صباح النور -

.يبدو أنك لم تنم منذ ليلة البارحة -

كاف ال يوجد ليل .دهر منذ يناموا جميع الناس لم .ومتوقعةة ذكية بدايـ

!األعينليغمر كل

.بالفعل لم أنم -

ماذا ؟ل -

.ألنني أشعر بالوحدة -

بعين ينظر إل، ولكن المعضلة تكمن في أن الطرف اآلخر ي صـادق أنـا

أعلم النهاية .يشاء يـريد أن يصـل بي إلى حيث .المحـاور الذكـي أيضـا

ليس مهما . نحو نهاية خيالية ال معنى لها وكالنا نتسابق ، ا جـيد ويعـرفها

أن نريد . اآلخر قبل النهاية فيمـن يصـل أوال، ولكـن المهـم من يصل

كيف سيتصرف حين يحس بأنه أحـدنا يقـف هـناك، ومن ثم نتابع نـرى

، صممت على تلك الوسائل أهم وألن الكـذب والخـداع .يسـابق نفسـه

. صادقا دائما وأبداكونأكسر جميع التوقعات بأن

. كذلك أشعر بالوحدةوأنا -

ونرى كيف سيعيشان وحـدتك، اجمـع وحدتـي مـع أنمـا رأيـك -

؟ بدوننا

ولكـن وحدتي تحتاج من يخلص ، ال بـأس )صـورة وجـه يغمـز ( -

.لها وحدها

؟ومن قال لك أن وحدتي تحب التعداد -

؟ رجال ألست )صورة وجه ضاحك ( -

!رجال تكون أنحب لعلي فتاة ت.. ؟وما يدريك -

!!؟تقولين هل تعني ما تقول أو )صورة وجه يتعجب ( -

.نعم -

كنت .تغيب في قائمة غير المتواجدين للحظات ، ةـ/ـتختفـي تلك المتصل

ذكاءتي آخر يبدو اقل ن لممارسـة نفس اللعبة مع كائن انتر هممـت قـد

يعيش في عالم . لقـد أغرقنـي بروابط األغاني والصور . طفـولة وأكثـر

ال أدري كـيف يمكـن لـي التواصـل معه، فآخر .ن األصـوات واأللـوان مـ

أكن يوما لم . أغنـية استمعت لها كانت لمطرب أصبح تذكر اسمه دعابة

ــرا ــي وش ــى األغان ــا عل ــتمع ، هائحريص ــى أن اس ــي عل ــراديو علمن فال

أول المساء ، عند فـي الصـباح فيروز .للمطـربين حسـب أوقـات الـيوم

.ليل عبد الحليم وعلى بدايات الفجر أم كلثومقـبل آخـر ال ، محمـد عـبده

من اليوم ليست تا أصـبحت تثيـر فـي ذهني أوقا حتـى أن تلـك األغانـي

.ل يدخلنـي فـي أجـواء الصباح الباكر فسـماع فيـروز فـي اللـي . حقيقـية

.الفجروكآبة أم كلثوم تجعل من صباحي ليال غارقا في تربص

)ادلع يا كايدهم قام بتسجيل الدخول ( *

تطلق .اللقـب الذي كان يحاورني قبل قليل ولكـنه نفـس مـتأكدا لسـت

مربع الحوار نحوي

!أنت أيتها الفتاة -

؟نعم) صورة وجه مغفل ( -

سماع بها الطرق التي تريد أم هي إحدى ،تدعيههـل صحيح ما -

؟صوتي

؟وهل صوتك مهم لهذه الدرجة -

.لكنعم مهم بالنسبة ) صورة وجه لسانه يمتد خارجا ( -

.ربما العكس -

؟تعني أن صوتك مهم بالنسبة لي -

.أعني أن صوتك ليس مهما بالنسبة لي -

لدي بعض ثم أنه .هذا ولكن لن انخدع بمثل ربما،هههههههههه -

!حقيقتك من أتأكداألسئلة تجعلني

يعتبرنها النسـاء مازالـت كثيـر مـن األمـور التـي عـن تسـألني وشـرعت

ــة ــرجال خاص ــن إدراك ال ــيدة ع ــدا بع ــي ن.ج ــنت تس ــزون ال ــن غ أنه

. مشاكلهن حتى غدا الرجل أكثر المتابعين أدقبالمواضـيع وعبـرن عـن

على واترك الشبكة تجيب ، معهـا كلمـة بكلمـة كنت افتح متصفح البحث

انتهــى إنومــا . ، لتصــل إلــى حقــيقة أننــي فــتاة ولســت رجــال أســئلتها

ك استخدمت محر أنني أخبـرتها بحقـيقة اإلجابات وكيف حتـى التحقـيق

.عنهاالبحث لإلجابة

!لماذا تفعل بي هذا، لقد احترمتك كثيرا -

وأول األسئلة بيننا القائم وأعادنـي إلـى حقيقة الوضع ، كالمهـا فاجأنـي

)من هي هذه الفتاة ؟ ( التي طرأت في ذهني

. في هذا المأزقأوقعتك هي التي أسئلتك اعتذر لك ولكن -

.قال تعأكثر حديثك مختلف وتبدو -

.ا ألنني لم أنم بما يكفي ربم-

؟ وما دخل هذا بتعقلك-

فكأن بتلقائـية، ال شـيء سـوى أن الهـذيان وسـيلة يمارسـها العقـل -

.أناعقلي الذي يجيب عليك وليس

؟ ما بأمر حسنا أيها الفيلسوف هل تعدني -

.الوعود عليها تعلق أما أنا فوسيلة يعدك، القدر هو الذي -

. على عمل وال أريد أن أندمأقدم لو سمحت أريد أن -

؟ فيها ندمت متى كانت آخر مرة -

. لم يحدث هذاأبدا، -

. إذن ال بأس بمرة واحدة تعلمك شيئا جديدا في الحياة-

. التحدث إليكأريد -

. تتحدثينأنت ها -

. رقم هاتفكأريد -

من أضاف هذه : نفـس األسـئلة وأعـيد للمـرة الثانـية يفاجئنـي حديـثها

هل من الممكن أن تكون ؟ كـيف تعـرفت عليها ؟ى قائمتـي علـ الفـتاة

إحــدى الفتــيات اللواتــي تعــرف علــيهن ســامي واســتخدم بـــريدي

؟إلضافتهن

.ليس لدي هاتف -

!ولكن لديك انترنت -

.اعني ليس لدي هاتف محمول وهاتف المنزل مشترك -

؟كيف يمكن لي االتصال بك -

.اكتبي رقمك وحالما أجد هاتفا سأتصل بك -

. حاول أن يكون اتصالك في مثل هذا الوقتحسنا، -

مازالت ها حسبت أن اللقاء انتهى، ولكن .ثم ودعتها ، نسـخت رقم هاتفها

هل نا األثيرية ، ئ انتهى الحوار ولم ينته تواجدنا على نافذة لقا .موجـودة

غـارق في انـتهت مـرحلة التواصـل عبـر االنتـرنت، أم أن هـذا الصـمت

تســاءل لمــاذا أقــدمت علــى هــذا ا اآلن تلعلهــ.. ؟األســئلة والمــراجعات

من يدري، فجميع .أو لعلـه رجـل لـم يـنم أيضا ويشك أنني فتاة . األمـر

.، ال شـيء لـدي أخسـره ومتسـاوية فـي النتـيجة االحـتماالت مطـروحة

من هو أو من هي ؟ :ويبقى التساؤل األهم معلقا

صرف وسامي ما كان ليت ،اللعبة ممتعة يس مهمـا أن أعرف يكفي أن لـ

على الفصول المضافة بقراءة أحدثلم أقم سوى .بغيـر ما تصرفت به

و عبارة عن ه. ) الغزلكتالوج (:ه من ا نقرأ نجميعـ كـتاب مـن ،االنتـرنت

خبــرات الشــباب وتــبادلها عبــر وتــراكم تــوارثمــنكــتاب تــم تجمــيعه

هـذا الكتاب الخيالي عبر التاريخ يكتشف أن مبدأ مـن يتصـفح .األجـيال

كل العشاق يبحثون عن .احـد لـم يتغيـر وإنما تطورت وسائله الغـزل و

الـبدوي كـان يقتنص الفرص ليرمي ، ف وسـائل تواصـل مـع عشـيقاتهم

أو يمر على ، ليثير انتباهها بحجـر صـغير علـى الفـتاة قـرب مـورد الماء

ومع مرور الزمن .الحبيبةعره لتسـمعه شـ ناثـرا مجمـوعة مـن الفتـيات

الحبيبة حال انصرافها ويرمي في طريقها اصـبح المـراهق يمر بمدرسة

لتطل عليه من وراء شق الباب منـزلها أمـام مسـاءا يتسـلل أو ، رسـالة

جاءت ثم . كل أحالمه هناك ويبني عليه ة الظـل المختبـئ يفـرح بنظـر ف

الغزل لم يتغير إنما تطورت . وهكذا دواليك ، الجواالت وبعدها ،الهواتف

.وسائله

معي في كل يتفق، وكان سالم ي نقاش فـي إحـدى المـرات دخلـنا فـ

ألنه يكره تصرفات سامي وغزله المستمر وكثرة عالقاته نقـاط الحـوار

لئك الذين ينظرون إلى الحب من زاوية العفة، وال فهـو من أو .الغـرامية

بـدأ فـي اآلونـة األخيـرة يقتنع لكـنه ، و يتقـبلون تـواجده إال بعـد الـزواج

أن في حالة واحدة فقط وهي ن تدريجـيا بـأن الحـب قبل الزواج ممك

أي عالقـة ال يمكـن الحكـم بعفـتها وطهارتهـا إال عندما يتم عقد النكاح

يقوم به يقع تحت تصنيف أما سامي فهو مصر على أن ما .بـين طرفيها

قلــبه ضــحية إحــداهن ، وينتظــر الــيوم الــذي يقــع فــيه عفــيفالغــزل ال

واللعب على فـي هـذا األمـر، يستخدم التسويف هـو كـاذب .فيتـزوجها

نظرته ال تختلف عن . مشـيئة األقـدار كتبريـر يدفعه بحماس في مساره

بل الزواج نظـرة أي شاب آخر يعتقد أن الفتاة التي تتعرف على شاب ق

سألته . لى نفسه إ، ينظر إلى الفتاة وال ينظر قـد تتعـرف على آخر بعده

:في إحدى المرات

؟فس المفهوم إليك بنأن تنظر للفتاة يحقهاال تعتقد أن -

غير جدير عالقات قبل الزواج أقامهـل تعنـي أن تعتبر كل رجل -

بالثقة؟

" الشــك" وقــد يــذهب لـــ ، هــي أيضــا لهــا عقــل يفكــر بالضــبط -

."اإلعتقاد"و

!يعيبهشيء ال ف) ل عيبهحام( جيدا أن الرجل ن ولكنهن يعلم -

لماذا ال يعيبه شيء؟ -

.ألن شرفه غير قابل للكسر -

ويمكن لشرفها أن يلطخ ة سريعة العطب، أهـا، تعنـي أن الفـتا -

.حال فقدانها عذريتها

.نعم، اما الرجل مهما فعل يظل بكرا -

شــرف البــنت زي عــود ( يقلــد الجملــة الشــهيرة للمــثل يوســف وهبــي

فيما لو تحمله إلى التفكير عة تخـيالت واسـ ويضـحك راسـما ) الكبـريت

يفضح سـوف عـدد الـذين تفـض، ويتخـيل لـرجال أيضـا بكـارات لكـان

اإلختبار للمرأة فقط، فالرجال يحمـد اللـه على أنه اختار هذا !..مأمـره

فالحياء والستر ،اما النساء. بطبيعـتهم غيـر قادرين على مقاومة اإلثارة

ومن تتجاوز هذا األمر ستكون عذريتها .المطالـبات بـه كفـيل بحفظهـن

. يقلقهااأمر

ده الرجل هو شيء يفتق . الشـرف ليس أمرا محسوسا يا سامي -

. ممارسة للزنىلأيضا عند أو

! المخيفةالمصطلحات األمور بمثل هذه تضخمإنك -

ــال يــا عزيــزي، - نــبوءة بــذلك وحققــتم ر مســمياتهاأنــتم مــن غي

إنك يا سامي احد مظاهر آخر . الرسـول صـلى اللـه علـيه وسلم

.الزمان

حاول االسترخاء !!ي سأكون سببا لنهاية العالمبـل قـل أيضـا أنـ -

. وال تضخم القصةقليال

أمــور جعلهــا اللــه خــيارا لإلنســان العفــة والطهــارة يــا صــاحبي -

وهــي ليســت ثابــتة وعضــوية، إنهــا خصــائص . لإلرتقــاء بنفســه

وجدانـية تميـز صـالح اإلنسـان وتمنحه نعمة التعايش بسالم مع

.نفسه وضميره الحي

وعلى اعتبار اعتبرنـي مـن أشـد الناس فسادا، . حسـنا يـا صـالح -

شخص بوجودهل تعتقد ، الزمان آخر مظاهـر ثال علـى أنـي مـ

!قادر على منع هذه التنبؤات

فكر ،ولكـن الماسـك على دينه كالماسك على الجمر . ال بالطـبع -

.كيف تمسك بهذه الجمرة

هو عنوان اجتماعات كثيرة . في الموضوع األول نقاشـنا هـذا لـم يكـن

أشرت إليه في كتاب الغزل الذي .قضـيناها فـي الشـقة، والكل يشارك

اللقـاءات، أصـبح مـثاال يـتحدث عـنه الجميع كنوع من الظرافة، إال أحـد

مـن المبالغة في وصف حال الغزل ئا فـي قولـي شـي ىسـالم الـذي رأ

واطهر مما يحاججني بأن القدماء من البدو كانوا أعف . العفـيف قـديما

، عندما بادرته بالقول ان غضـب ذات نقـاش . يفعلـه شـباب هـذا الـيوم

لعـادات والتقالـيد وصـعوبة التواصل بين المحبين والعشاق جعلت من ا

العفـة والطهـارة رمـزا لعالقـات صـعبة المـنال لـم يكن أي طرف فيها

مطلقـا بقـدر مـا كـان يتمنى كل شعور جميل ومتعة ممكنة همايقصـد

د كما يتصور الجميع، الفساد في المجتمعات لم يزد . قةفـي هـذه العال

له لو أعدنا ترتيب فكرة تطور موازأو ،يقة أخرى بطر هـو مشابه للغزل

. وأضفنا واقع تلك األيامالوسائل

قـرأت فـي كـتاب الفقه أن اإلحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه وإن لم

تي أهملها المصلحون لتلـك هي الرقابة الذاتية ا . تكـن تـراه فهـو يـراك

اإلحسان . واتجهـوا نحو تحصين جماعي يمكن كسره بسهولة وبالخفاء

هـو الـرقابة الذاتية التي يتفلسف بها علماء التربية واالجتماع كأنها علم

قادر همتـى رأى كـل إنسـان ربـه في قلبه وفي ضميره أدرك أن . جديـد

، همهما كانت ظروف مكانه وزمانعلـى مقاومـة نفسـه األمـارة بالسوء

.ايظل كما أراد لنفسه طاهرا عفيفهكذا

سامي هل ترى الله ؟ -

.بع ال بالط -

.بالتأكيد ال -

:بوليتارياوبرجوازية

عن العمل والطالب أما العاطل .نهايـة األسبوع تعني الكثير للموظفين

دأ حتى التاريخ يب.كل يوم لفهـو في نهايات دائمة السـنوية فـي إجازتـه

.لجــرائدعــناوين ا تصــبح األيــام مجــرد أســماء أخــرى ل .بالــتماثل لديــه

ريخ التـي ال يـربطها مـوعد راتـب أو سداد أجرة أو فاتورة، تصبح والـتوا

. في الزمان مر ذات يوم، وسيمر في يوم آخر ا مكرر اهـي األخرى رقم

،كأعمار تتآكل بها مالمحنا ونظـل نحسـب أن األسـبوع والشـهر والسـنة

،بسرقة أحالمنايستمتع يظل طفال ، دوما يتجدد .نشيخ وال يشيخ الزمن

كـل مرة تشرق علينا شمسه وية بكـل أمـل نغذيـه بـه عـند ويـزداد حـي

.الخالدة

لم نعد نغامر بتلك اللحظات المحرجة . بعـد صالة العشاء اللـية نجـتمع

آخــر ســالم كــان . والتــي تعــزلنا لــوهلة ثــم تــدوم لمــدة أســبوع آخــر

لعله كان طوال اليوم . ظهر من العدم كعادته فقدمـا ناصر أ. الواصـلين

غامزا سامي يلمح بهذا .رى يمارس طقوسه المعتادة فـي الغـرفة األخ

لي إ ويعود .يستأذن ليتفقد بريده االلكتروني ، ثم لـي مـع دخـول ناصـر

مسـرعا نحـوي ويقف على رأسي كالطائر يـنقض دقائـق بعـد خمـس

.فريستهالمغير نحو

!ةي من الذي تحدثت إليه آخر مرأخبرن -

. مالبسيأحضرتحدثت إلى محمد خان حين -

! على االنترنتأقصد -

، لماذا تسأل ؟أذكرال -

رقــم أعطــتكاســتحلفك باللــه أن تتذكــر إن كانــت إحــداهن قــد -

.هاتفها

أقرب إلى الغبي في نظر ي رغـم أنـ البـريء، ل أن اظهـر بصـورة جمـي

، بينما بالحديثجلس متكئا على ركبته مهتما ي منا و يقترب ناصر .الجمـيع

:مشاكسا سالم يضحك

. يا ساميمحمد أبوأجل ورطك -

يصـف الصورة .التذكـر ويعـود يسـتحث عقلـي علـى سـامي، يـتجاهله

مازلت امسح يكـرر لقـبها الذي تسجل به الدخول و للفـتاة ماسـنجرية ال

إلى الوراء ، يتراجع األمل ناصر يفقد.مدعيا محاولة التذكر علـى رأسـي

: الخاصةأساليبهويبدأ بالحديث عن

االفتراضي، عالمكم ر مـن بكثيـ أجمـل أن الواقـع أخبـرتكم لقـد -

.فكل األمور فيه واضحة وسريعة

سيارة امتالكه يعلـم جـيدا أن ناصـر يقصد .ينظـر إلـيه سـامي باحـتقار

وهناك . فارهـة ومـا يكفـي مـن المال ليدخل به إلى المطاعم الفخمة

نحـوه بساعته الباهظة الثمن نيجـذبه . يتواصـل بطـريقته مـع الفتـيات

ويساهم هالم يدرك هو اآلخر مغزى حديث س. وغيرها من مظاهر البذخ

:في النقاش ساخرا

حتى أصبح ينافسونكم في صنعتكم بدؤواناصر عـيال الفقـر يـا -

مقابل ما يجدونه هم من غير ذي أهمية مـا تصرفه على نفسك

. غنائم

في نفس توقعه ناصـر من هذه السخرية التي يـبدو واضـحا امـتعاض

، لكنه يحرص دائما يرتاح لنا كأصدقاء يحبـنا و رغـم أنـه .التصـنيف معـنا

هو الغني الذي يخبرنا عن ف. الفروقات حاضرة في تميزه علـى أن تظل

في جلساتنا كأحاديث تصيبنا أخبارها ، أو نردد نحياهاحياة نقرأ عنها وال

!صنفها كإشاعاتنبالذهول لدرجة أن

لهايد او ، الشانزلزيه في باريس ، وشوارع الريفيرا الفرنسية شـواطئ إن

دول وشوارع في عواصمل أسماء والقاهرة، وبيروت، ،بـارك فـي لندن

الخارطة، :، وما يثبت لنا ذلك ثالثة أشياء نعلـم أنها متواجدة في العالم

!ناصرواألخبار

ال يمكـن لمثل هذه العالقات أن تعوض اإلنسان عن سر الحب -

.من أول نظرة

مقولته صادقة . الجملة بهذه كفـته قـد رجحـت مجـددا يعـتقد ناصـر أن

يتراجع، ف بنظرة تصيبه بالشك تجاه نفسه أبادره .ولكـنها ال تنطـبق عليه

ــين قــبل أن يعلــن انتصــاره فــي هــذه الجــولة الخفــية مــن الصــ راع ب

. والبرجوازيةالبوليتاريا

لعلها مصطلحات ضخمة تبعدنا عن بساطة الحدث، ولكن عالم الصراع

نوع النظـريات والفرضيات التي بسـيط فـي مفهـومه رغـم تـ اإلنسـاني

كالهما . هابيل وقابيل: بأول قتل بين فردين الصراع بـدأ تشـرحه ، لقـد

اآلن نعيد نفس هـا نحـن و. عـن نفسـه بقـربانه ليكسـب الـرهان عبـر

تحضرا مما أكثرالـتاريخ مـع الكثير من الهوامش والمظاهر التي تجعلنا

، وكــل أيامــهنســان يعــيش فــي كهفــه حتــى آخــر هــذا اإل.نــبدو علــيه

إالهيما تـي يطـبقها مـن حـوله فـي المجتمع ممارسـات الحضـارة ال

اخله ، يتجه بها رجل الكهف الغائب في د رضـي يوقـرابين أدوات أنـيقة

حجر .نفس اهداف البقاء بكـل الوسـائل الممكـنة فـي واقعه ليحقق

ويقـتل، أصبح سكينا من بـه يقطـع اإلنسـان األول الصـوان الـذي كـان

!ويقتلبه يقطع زال ماه الفوالذ ولكنالفضة أو

أن وعدت مرة أخرى مدركا وسـالم، ناصـر أحاديـث غـبت لدقائـق فـي

لذلك اختصرت عليه .أتذكر هـذه المـرة حتى أفلـت سـامي لـن يدعنـي

يجد فــيه لــالمكــتب لــه أن يفــتح ملفــا علــى ســطح وأشــرتمحاوالتــه

قد تحدثت سألني مستحلفا إن كنت .الهاتـف المحادثـة كاملـة مـع رقـم

شــريحة علـى رقـم مبـرمج سـي أن هاتفـي المحمـول مجــرد ونإلـيها،

.يحتضنه االكترونية ينتظر جهاز

قد استخدم جهاز الحاسب خالل غيري ن كان أحد اقتـرب منـي سـائال إ

ما فهم أدرك السـؤال و الـذي سـالم إلـى مشـيرا أجبـته .األسـبوع هـذا

:أجاب بسرعة ف _أردت توريطه ورؤية ردة فعله _ أرمي إليه

ب حتـى يصـبح لدي منزل على وسـتخدم الحاسـ أال لقـد حلفـت أ -

.عطاردالقمر ومكوك فضائي يوصلني إلى عملي في

ــيقة ــي الحق ــالم ف ــن س ــم يك ــى ل ــادرا عل ــتخدام ق ــاز اس ــذا الجه .ه

.إطالقا ال يملكه أمر وفرة بسيطة وهذا ي تحتاج لشخص ذالتكنولوجيا

يعود إلينا ثم نحو الغرفة فز يق .رناص على هاتف أجراسهارسـالة تـدق

جيبه سالم بنفس ي .شيء يسألنا إن كنا بحاجة إلى .هـندامه وقـد رتـب

:اإلجابة المعتادة

! وظيفة وزوجة -

لقد . يكـرر هـذه اإلجابة وهو صادق فيها الغـريب فـي األمـر أن سـالم

يستطيع فعل أي ، صـديقه المخلـص ، ناصـر .ذات يـوم لـي بـذلك أسـر

وزيرا ويجعله معـارف واألقـارب مـا يشفع لسالم الشـيء، ولديـه مـن

ينتمي . براتب منقطع على بند األجور ولـيس مجـرد كاتـب فـي مدرسـة

ــر ــى أناص ــذين إل ــخاص ال ــئك األش ــاوز ول ــى تج ــدرة عل ــون الق يملك

نهرع غيرة في حجمها وطلباتها، لذلك البيروقـراطية بـبعض األوراق الص

تسجيل الجامعات وتقديم الوظائف لنا أزماتنا الروتينية من واإلـيهم ليحل

حتى غدت األرشيفأو حتـى تخلـيص معـامالت نسـيها الـتاريخ وابتلعها

ةلكنه في اآلونة األخير .ثارهاآكأمجـاد األمـة التـي نسمع عنها وال نرى

تدابير هاتخاذببـدأ يعتمد نظاما جديدا يبدو متبعا من قبل الجميع، وذلك

بد ال .كل من يطلبها ره ال يسـتحقها طة بنظـ فالوسـا .احتـرازية مشـددة

يكــون حاصــال علــى مــؤهالت تــزيد مــن رونــق الشــخص أن للمــتقدم

فـال يمكـن لـه أن يخسـر مظهـره الالئـق بسبب .المتوسـط والمسـاعد

مــن أن يتفضــل علــيه بــبعض أدنــى إذ يعتبــره، شــخص يشــبه ســالم

. المساعدة

ارسنا الضغط م، حتى أننا ذا الموقـف الـذي جادلـنا فـيه كثيرا تفهمـنا هـ

األخير اعترفنا في إلى أن من مجموعتنا، النفـي علـى ناصـر وهـددناه ب

إن كان . أيضـا ضـحية مجـتمع تربـى فيه ونما على أساليبه وعاداته هأنـ

منا تجاوز مجتمعه الذي يعيش فيه، سيكون ناصر وقتها أحدباسـتطاعة

سقف عنفذلك المجتمع المرتفع . األقـل جـرأة علـى فعـل هـذا األمر

كما نمارس تماما ها ولكن،تكبرأو غرور عن ممارساته ال تصـدر الواقـع،

حين حلقوا باألرض مانقطعـت جذوره لقـد .وسـذاجتنا نحـن بسـاطتنا

ا ينظـرون إلينا بعين الشفقة أحيانا والغضب أحيان وغـدوا ، فـي السـماء

الناس بالنسبة إليهم عاجزون عن . اللحاق بهم علىعدم قدرتنا أخـرى ل

رة ث وقف ع ربما ليس ألن الحظ و ألنهم جبناء وأغبياء، المهمأحتحقـيق

اختار زوجين تعيسين ورزقهما مولودا أكثر ألن القـدر أوفـي طـريقهم،

. تعاسة

مـنعه بلطـف مـتعذرا بضرورة ف سـالم لـيلحق بـه وهـم ،غادرنـا ناصـر

ـ لكن سالم اقترح. مـوعد الـذي وافاه قبل قليل على هاتفه اللحـاق بال

غادر .ابسط الطرق التي تحرج ناصر وتجبره على قبول طلبهـ كعادتـه

مخـرج الطـريق السريع حيث ينزل عـند االثـنان علـى أن يـتوقف ناصـر

أو لم يعد مثل هذا األمر يحرجنا .ن يوصله إلى منزله عمسـالم ويـبحث

كـنا فـي الـبدايات نحـاول قدر اإلمكان أن نساعد بما .يشـعرنا بالسـوء

سـائل الممكـنة لتجنـيب سـالم عذاب التنقل بين أو نختـرع الو ،نسـتطيع

ولكن مع الوقت .رة حتـى يصـل إلـى حـيه جنوب المدينة سـيارات األجـ

وإن كـان ال بـد لنا التأقلم مع قضية . مشـكلة ال تنتهـي أن سـالم أدركـنا

ح سالم قضية أخرى ال نجد فال بأس بأن يصب ،العراقفلسـطين وقضية

يكون قضية تشغل عقولنا بأن فرحا ، ورد علينا أخبـرناه بـذلك .لهـا حـال

يفضـل أن يصـبح قضية سياسية تشغلنا كشعب، .دون أن تخـرج بنـتائج

علـى أن يتبـناه عقـل ناصـر الـذي يعتبـر السياسـة إحدى هوايات والده

.وليست فكرا مهما بقدر ما هي مظهر يزيد بريقه

هدهما يغـادران فـي تـزاوج غيـر منطقـي يلغي كل فرضيات كتب اأشـ

تماع التـي جعلـت الطـبقات مـتفاوتة في تأقلهما مستحيلة االمتزاج االجـ

بــرجوازي .ســوى بواســطة عــوامل صــاهرة وحارقــة لكــل الفــروقات

بعيدا عن شقتنا،،تاري يمشـيان جنـبا إلـى جـنب نحو الخارج حيث يـ وبول

المجتمع الذي يختفي في حضورنا . تصـبح االنظـار قـادرة علـى التمييز

الحفاظ على النوعية يبقي عجلة التطور دائرة .أي اندماج عفوي يغـتال

. وسباق مستمر نحو أفضليات البقاءفي صراع دائم

:تبا لنا

لحاسب علـى سامي وهو يقيم معسكرا أمام جهاز ا مـرا أسـبوعان

، فهـي لـم تـرد على الهاتف بنفس اآللـي كـي يصـادف تلـك الفـتاة

را حصل على اخيـ لكـنه . الـذي اقتـرحته فـي اول لقـاء لـنا المـوعد

اقترح أن .وأفكارهمنهمكا في شحذ صوته الـيوم بـدا فقـد فرصـته،

الوقت الذي قتناص بحاجـة ال إذ أنـه اللـيلة، فـي الشـقة لهـذه بـيت ي

.الشبكةأشارت إليه الفتاة ليتحدث إليها أو يقابلها على

الشـقة التي نجتمع فيها سكن متوارث عبر سلسلة طويلة من أجيال

تسـاءلنا يوما .ركوا ذكـرياتهم حتـى فـي السـقف ذين تـ العـزوبية الـ

من الشعر أبيات أربعـة متعجبـين كـيف اسـتطاع أحـدهم أن يكـتب

ن توقيعه وتاريخ يشير إلى سنة كا مع على السقف بخط جميل جدا

يؤدي مسفلت غير هوطريق، بالكالب الشاردة ئاملي فـيها هـذا الحـي

الذين يدرسون كثير من الشباب بـرفقة ها التـي نسـكن العمـارة إلـى

. المجاورةفي الجامعة

.يرضى صاحب السكن ما نوفر بقدر . الشـقة متفاوت التوفير إيجـار

ويعني بذلك ،رأيـه أفضـل األشـخاص الـذين مروا به حسـب إذ أنـنا

الهاتف ال حتى أواع المـاء أو الكهرباء فانقطـ . فـي الطلـبات أقلهـم

وإن كان البد من . دكما نري وعيشها يمنعـنا من االستمرار في الحياة

جار عبارة عن ألن اإلي . فلن يكون األمر بالغ الصعوبة اإليجار،دفـع

لى تحقيق وهذه فترة قادرة عسـتة شهور متتالية ل ة مقدمـ اتدفعـ

كــان علــى وإنالكــل يســاهم بقــدر ولــو ضــئيل حتــى . المســتحيل

فهذا المتنفس الوحيد الذي نجتمع فيه .حسـاب أمـر مهم جدا يخصه

ويـبعدنا عـن الوصـول إلـى حــاالت ، فـي أقـل حـاالت الــتهور يبقيـنا

مـا علـى مكتـبه أثناء أداء العصـبية التـي قـد يـذهب ضـحيتها مديـر

!وظيفته

الكثيـر مـن اإلضـافات كانـت عـبارة عـن تبرعات غير معلنة لمن مر

غادروا وا مراحل التعليم وهبهـذه الشـقة من زمالء الدراسة الذين ان

والتي ينهمك "ي ستيشنبال"ـ فلعبة ال .وجـدوا فرصـا وظيفـية حـين

تركها العزيز علينا جميعا الشيخ ،فـيها سـامي وناصر حربا ومراهنات

قفل ووضع بابا جديدا عليه أيضا، طالء الشقة أعاد هو الذي .تركي

حقيقـي غيـر ذلـك الـذي كـان عـبارة عـن سـلك حديـدي يربط بين

وإن . ديمر واآلخـر فـي ثقـب القفل الق شـقين أحـدهما فـي الجـدا

والتـي اتفقت كل علـى اإلطـالق أمـتعها فـإن ذكـرياتنا كثيـرة كانـت

ذلك اإلنسان . كانـت بوجـود الشـيخ تركي األجمـل علـى أنهـا اآلراء

عليه شيخا أطلقنا، دأب علـى نصحنا بلطف دون تشدد، لذلك التقـي

كـان يتـركنا نمـارس كل أفعالنا الخاطئة ومن ثم .رغـم صـغر سـنه

لـم يكن يكثر من الحديث عن أهوال .ئجها عليـنا يذكـرنا بهـدوء بنـتا

طـريقته الجمـيلة فـي كيفـية تأثيـر الدين على .يـوم القـيامة والقبـر

سببه التوفيق من عدم علـيه المجـتمع جعلتـنا نـؤمن بـأن مـا نحـن

حدثـنا عن أن الصالة تساعدنا .ابـتعادنا عـن اللـه سـبحانه وتعالـى

اإلنسان من نشاط علـى تنظـيم الـوقت، وأن الوضـوء صـباحا يـزيد

أن الذهاب إلى المسجد يريح النفس كما .بتحـريك الدم في عروقه

بالوصول إلى ينشغلمـن عناء التفكير في أمور الحياة ألن اإلنسان

مـن الخشـوع والـتقوى تحـتويه ضـمن الجموع التي وأجـواء هـناك

الشيءللـه در ذلك الشيخ لم نعد نسمع من أخباره . تسـير بجـواره

.الكثير

مسرعا يحدثنا عن لقاء جمعه ا يوما حين أتان فاجأنا أن سـالم ذكـر أ

الجميع أناخذ يحدثنا كيف . إحدى الهجرمسجد تركـي فـي بالشـيخ

يقرأ ويتحدث إليهم بلهجة البدوي فيما هوكـان يستمع للشيخ ويبكي

ــرب مــنهم بكــل وســيلة ممكــنة، . البســيطة ــات يقت يفســر لهــم اآلي

اخبرنا كيف . تعودوا سماعه في بيئتهم تماثل ما واألحاديـث بكلمـات

شعبية من حياتهم ومن لسان بأشعاركـان الشـيخ يجـذب انتـباههم

بيننا، إال ناصر أيامهشـعرائهم كـنا جميعـنا نشـعر بالسـعادة ونتذكـر

حتى النساء في . األضواءيسلبه االـذي كـان يـرى في الشيخ شخص

ؤاله عن شارع لسالشـارع كن يتجنبنه ويفضلن التحدث للشيخ تركي

لم يكن يعتبر ناصر سوى رجل بالغ في ف هوأمـا . مـا أو مكـان مـا

لقلة معناهاا بحياة الرخاء والرفاهية فلم يفهمو هؤأبنامجـتمع ظلم

نحاول ة، فـي نفس الغرف كمـا هـو مـا زال فراشـه .تجـاربهم فـيها

خاطئ تصور .كانهحال نومنا م بالبركة يغمرنا شعورو إليهالتسـابق

اولكنه يشعرنا بالطمأنينة من أن هناك أشخاص ، خفـيه داخلنا نربمـا

ا أثرا يعيد إلينا بعضا من الراحة التي نفقدها نمتـى مـروا بنا تركوا في

فـي زخــم التسـارع اليومــي لحـياة المديــنة المليـئة بأبــواب الذرائــع

. المشرعة

رفضـت أن يبـيت سامي على فراش الشيخ وهو يضمر في قلبه نية

، وإن مازلـنا نحترم الشيخ حتى في غيابه .ى تلـك الفـتاة الـتحدث إلـ

كـان ال بـد أن نسـتخدم شـيئا من أغراضه سنحاول قدر اإلمكان أن

. يحبه الله ويرضاهأمر في يفعل ـكما كان ـ نستخدمه

اسـتلقيت على الفراش المتساوي باألرض ، وتذكرت كلماته األخيرة

. وهو يغادرنا ويودعنا على أمل اللقاء

إال وله عند الله باب مغفرة عاص أويس هـناك شخص فاسد لـ -

فاجعلوا تلك ، إن كـان البد أن تتذكروا زينة الدنيا .واسـع ينتظـره

وكل أنفسـكم، الذكـرى مـرتبطة بشـيء يشـعركم بالرضـا عـن

أن أمل وكلي سأترككم .إليه أكثر الله يقربكم عمـل صغير لوجه

وأخذني _ ا صالح ي أنتأما .حال أحسن وقـد رأيـتكم في أعـود

:_ بيدي إلى زاوية الممر خارج الشقة

اعـرف انـك األكثر قدرة على الفهم، وليس لديك ما يمنعك من -

.ولكنك مازلت تصارع العادة ، تكـون أحسـن مني وأكثر علما أن

عن اقتناع، ولكن احمد اإلسالم تريد أن تكون مسلما اختار أنـت

يك فرصة العودة صبح لد ياللـه انـك ولـدت فـي مجـتمع مسـلم ل

على يديك كيف للعقل ألتعلم انتظرك ،علي ال تتأخر .متـى أردت

.يعارضه يرفع من قيمة هذا النقل ال أن أن

وقـبل أن يتـرك يدي قبل جبيني وترك دمعة تطفو على مساحة البياض

وخرج بلطف، تعانقهـا علـى لحيـته المهذبـة أخـرى ودمعـة عينـي، فـي

.غاب لنا بيده حتى ملوحا

يحضـرني تركـي لدرجـة أننـي رأيـت طـيفه أمامـي يبتسـم لي بطريقة

:تجعلني اجسد حضوره بسؤال

. عن رأي الشيخ فيما ستفعله غدا أخبرنيسامي -

. بأخواتيكان ليذكرني أنه أعتقد -

؟فعالوهل كنت ستتذكرهن -

يهرب من اإلجابة .يديـر وجهـه عنـي بعد أن يرمي بعلبة السجائر نحوي

يجتهد في إبقاء مزاجه صالحا .ستمنعه من تحقيق نزوته يعلم أنها ألنه

يظل مستلقيا وأنوار هاتفه .تراجع، مبعدا كل احتماالت ال اإلثـم الرتكـاب

يقلب في الرسائل ويحاور . مـول تضيء عتمة الجدار مقابل وجهه المح

يصور إنه .سـينمائيا نفسـه فـي تحضـيرات جديـرة بـأن تجعلـه مخـرجا

خرى في ذهنه ويتوقع األسئلة ويجيب ويتوقع اللقطـات الـواحدة تلـو األ

يرى نفسه في كل مكان ماعدا هذه .بـذكاء المـراوغات ويـدور حـولها

ولكن هذا أتوهم لعلي . يغـدر بـي الـنوم علـى ذكـرى الشـيخ .الغـرفة

الفـراش بالفعـل مـبارك فما استلقيت عليه مرة إال وغمرتني الطمأنينة

تأخذ األشياء التي نستخدمها أن أتأكد، ولكننـي بـدأت ال أدري .والـراحة

مالمسة أولمـن صـفاتنا وتمـتص مشـاعرنا لتفـرزها مـرة أخـرى عند

حتـى هذه الشقة التي نسكنها فيها من الذكريات المحزنة .لكـائن حـي

إن كانت و. تنهال على رؤوسنا حال اجتماعنا اأكواموالمآسـي المتكررة

اإلنسانية طاقة ان، فكل مشاعر لطاقـة ال تفنـى وال تسـتحدث من عدم ا

شـعب ومن إلـى تنـتقل عبـر الـزمان واحـتكاك الحضـارات مـن شـعب

نحن . ومن فرد إلى فرد أسـرة إلـى أسـرة مجـتمع ومـن إلـى مجـتمع

، هـذا ما أشعر به حين ا هـنا الـيوم نعـيش مشـاعر شـباب سـكنوا قبلـن

أذكر أني. الكلمات المحفورة فيهاعلى أصابعي وأمرر الجـدران ألمـس

مجمـوعة مــن ،ى المـرات علـى الجـدار كلمـات غـريبة فـي إحـد قـرأت

:مرتبةغير الالحروف والكلمات

ال (

حي

ات

ع

قيد

هـ

وجه

) اد

كنت في كل مرة أمر بذلك .ت فهمهـا واستغرق مني األمر شهورا حاولـ

كنت احفرها . تلك المقاطع يمكـن أن تعني ا عمـا أقـف مفكـر ،الجـدار

لم ربما. يمينا ويسارا، رقميا وأبجديا مـرة تلـو األخـرى في ذهني أرتبها

ولكن حين فهمتها .وقتيكـن اهـتماما بقـدر مـا كـان فرصـة لتمريـر ال

هامعنالوال أنني مررت ب فعـل ذلـك لـم يكـن باسـتطاعتي أدركـت أنـه

وثورة تشاؤم وأنـا في حالة ذات يـوم المضـمر حـين المسـني بوضـوح

. فترة من االنقطاعلى اإلخبار بعد عاودت اإلستماع إ كـنت قـد .شـديدة

ربمـا نحسـب األخـبار تتكرر بما يكفي لتجعلنا نفقد االهتمام بها، ولكن

قد جميال ئاأمل بسيط بأن شي لدينا كون تحـين ننقطع عنها ونعود إليها ي

ولكــن ال . التكــرار المحــبطويكســر صــورة ســيفاجئنا اتغيــرأن حــدث و

أنا في صراع مع .لون األجساد والوجوه وي شوارع الـدم يغرق ال .جديـد

لو أني بينهم لفهمت أن حياتي . وغيـري فـي صـراع مع الموت ،الحـياة

مقارنة ، حـياة ال معنى لها آخـر حيـنا وأتمنـى ذهابهـا حيـنا ألعـنها التـي

ر ي من الغضب المؤجج للتغي نوعاسـرب ذلـك اإلحـباط بـدأ ي .معانـاتهم ب

، لجدارعني في ذلك اليوم نحو نفس ا شيء غريب كان يدف .في حياتي

أمة تواجه أفكـر مـا الـذي ينقصـني حتـى أصـبح فـردا صـالحا نبنـي به

نـا الفـردية تعـود إليـنا كانتقام جماعي ؤأخطا. أزماتهـا وتنتصـر لنفسـها

علم كلألقـدار ينهمـر علـى جـزء مـنا ليظل الصمت المخزي على البقية

ال حي ات ع ( تلك الحروف على الجدار بالتقارب وتبدأ!.. عـار يرفرف

يغزو شعور . عقلي دونهـي تكتمل في قلبي هـا . ) هــ وجـه اد دقـي

ينخر ، يتمدد ل بأنـي كـنت هنا في حياة سابقة وفي جسد آخر جوارحـي

. )جهاد الحياة عقيدة و ( ي بسرعة اقلبـي ويسـارع مـن نبضـه لتقرأ عين

دون أن ةياة اليومييدي جريدة الح في أحمل أن مصادفة لـم تكـن أبدا

قديم وخبر ال ها على أحد الرفوف بتاريخ ملقاة انتفقد ك . أنـوي قراءتها

حيثسـفرة نأكل عليها أخـذتها ألجعلهـا .مـن الماضـي يـؤرق الحاضـر

في هذه المرة سبقت العادة . حبات األرز الهاربة من قبضاتنا تسـاقط ت

الطريق مضحيا قرأتها في .ولـم أقـرأ أطـرافها المختبـئة تحت الصحن

ألن السببية تلغي ، وما أؤمن بالصدفة لـم أكـن يـ .نائـ بهـا مـن أجـل غدا

لكل شيء سبب ولكنه قادر .حقـيقة التفـرد واألعجـاز فـي قـدرة اللـه

، ارتســمت الصـورة واضــحة فـي عينــي . فـيكون "كــن"علـى أن يقـول

وصورة ، الجملـة علـى الجـدار مكـررا انظـر بهمـا إلـى داخلـي وأخـذت

.!"تبا لنا" متمتما ينحتها ترتسم أمامي وهو غاضبشخص

FaceEmpty:

ــيوماســتيقظت ــع ال ــى رائحــة فطــور رائ ــى عل ــر . للمــرة األول ( فطائ

لو أجد أتمنى كـم .الفرنسـية تمـأل بعـبقها أرجـاء الشـقة ) نسـا االكرو

تكفيني رائحتها لتجعل من إشراقة .مواستخدمها كل يو معـبأة رائحـتها

ال أعني بالطبع . لراحةم كنت في كنف أسرتي أنعم با أقرب ليو صـباحي

ولكـن رائحـة القمح المخبوز تتشابه مهما اختلفت فرنسـية، أن عائلتـي

ــر األســمر أمــيرغــيف . المســميات ــي الســاخن مــن الب نفــس يعطين

.اإلحساس

.صباحك عسل وقشطة -

؟ألم تذهب اليوم لمحاضرتك -

. جامعة في الدنياأجملبل ذهبت إلى -

؟ماهو اليوم -

.األربعاء -

. يدي بسرعة تناولتها مـن الصـحن مبـتلعا أول م وأقتـرب أفـرك عينـي،

الذي غفوت على بدايته وسامي يعيش دور العاشق األسبوع بهذا أفكر

أنا عاشق من فيما ،مـن أول كلمـة، ليصبح اليوم عاشقا من أول نظرة

!لقمةأول

؟ت لك هذا الفطور هل أعد -

ر الذي تدفن حيا في هذا القب أن بمـا يكفـي ليناسبك أنـت غبـي -

.تدعوه شقة

؟إذن من أين لك هذا الفطور -

رة بهذا إنها عالمة أحد المحالت المشهو. الورقيالكـيس يشـير إلـى

مكان كنا نمر به ونحن في طريقنا إلى القهوة .الـنوع مـن الفطائـر

علي العامل اليماني أبوحسن تقبلنا سـ يحـيث فـي شـمال المديـنة،

. عليه سالمأطلقهكذا . )السوليام وا ( االسكتلندي ببثـياب المحار

رجالـية ال يلبســها إال أهـل الـيمن وايــرلندا تـنوره هــي ) الـوزرة (فــ

حرقا، تطوي من المعدن الم إبريقيحضر لنا الشاي في . واسكتلندا

وهي اراجيل ) الجراكشيشـة (، و وكاسـات زجاجـية ال مقـابض لهـا

دخانا والتي تطلق خ الديناصور الصغيرةا تخـتلف عـن فر ديناصـوريه

سالم يضفي على كل مكان عالما من األلقاب يتركها . بعبيـر الفواكه

.غيابهكبصمات تبقي االبتسامة على شفاهنا حتى في

؟، هل قابلتها هناك اللهما شاء -

هل تعتقد أنها . أسبوعفلـم يمـر علـى عالقتـنا سوى . بالطـبع ال -

!؟سهلةفتاة

تغرق مني صـعبا اسـ أمـرا ال، لقـد كـان الحصـول علـى هاتفهـا -

!كاملةخمس دقائق

بأنني له أوحي . غارق في الضحكفيما أنا مـا تبقـى من الفطيرة أبـتلع

بــنفس بوســعه أن يقــوم بــه لــم يكــن ءكــنت قــادرا علــى فعــل شــي

الفـرق لـم يكن بيني وبينه كما يبدو، بل كان بين فتاة أن، مـع السـرعة

هنته على را. نفس الشخص من وراء الشاشة وإياه نعتبر فأنا .وأخـرى

الحـديث معهـا هاتفـيا في حالة انه تذكر دروسه إكمـال أننـي اسـتطيع

. لـيس األمـر بهذه الصعوبة .بـدأ يـداوم علـى الحضـور فـي الجامعـة و

، تختفي عالماته يغـرق بـالهمس الـرقيق ونبرات الشجن فصـوته الـذي

وهذه الضحالة . وراء قـناع الرومانسـية الضـحلة التـي يعيشها المميـزة

فقلـيل مـن الـنعاس وكثيـر مـن الـدخان وبعض .تقلـيدها مـن السـهل

يعلم ذلك . تماما كصوتهيصبح صوتي و حالة استلقاء المرة في القهـوة

ذات أنقذتهفقد تقليدي له، اذكره بحادثة .كابر على نفسه جـيدا ولكنه ي

كنت أنا ابنه الذي يريد .مـرة مـن غضـب والـده حـين اتصـل يـبحث عنه

وسامي هناك في ، تحان وال استطيع العودة ر لالم ضوأخبـرته بأننـي اح

لكــل مــنا ف . األصــدقاء المجهولــينإحــدى الســهرات مــع مجمــوعة مــن

، يحـتفظ بهم في حال الضرورة القصوى أصـدقاء خـارج هـذه الدائـرة

.لجأ لهم متى وجدنا غير نافعين لهوي

. هذا الفطورأهدتأخبرني كيف -

سأحضرنني بأ وأخبرتهم الطلب لتجهزذهـبت قبلي بنصف ساعة -

.ألخذه

؟ألم تبحث عنها بالجوار -

بالخطأ، ووجـدت مـثلها الكثيـر فخفـت أن أتوقـع إحـداهن بلـى، -

.الحاالتوتعلم أنت ما يحدث في مثل هذه

.إذن لم ترها -

.تخيلت مما أجملكانت فمن رأيت ،أشك أني فعلت -

...!نعم اعلم -

ها كـان مجـردا مـن كـل مظاهر الجمال التي نعرف فـيما مضـى الخـيال

حـدود الشعراء في بيئتنا لم تطل في تفاصيلها أكثر . المـرأة عـن الـيوم

،عليهامـن الشـعر الطـويل والعـيون الواسـعة حـد عـدم انطباق الكف

وصــف متكــرر شــاع بــين .ســليمانوأنــوف كالســيوف وأفــواه كخــاتم

فقد اليومأما .ألبنائهن النساء الباحثات عن الزوجات وشـجعته لـرجال ا

الفضـائية الخـيال البسـيط القـادر على رسم أجواء من القـنوات ألغـت

التنافس في الحصول فلـم يعد . الرضـا واالكـتفاء فـي أنفـس الـرجال

الفتيات تعلمن . دالال وغنجا األكثر إلى الوصـول علـى األجمـل بـل فـي

تلك األعين الصغيرة .أشـياء تجعـل القبـيحة مـنهن جذابـة إلى حد كبير

مطلب ، باتت اليوم صفات الزمن القديم التـي لم يكن لها نصيب في موا

. سيطرت على صور القبالت، وتلـك األفواه الضخمة بشفاهها . الكثيـرين

خيال شاب . ت غصن البان في تثنيها وانطوائها نافسـ حتـى أن األجسـاد

مـن هـذا الجـيل يفوق ما يتوقعه ةمـراهق فـي سـن الخامسـة عشـر

ســم مــن لــذلك اعــتمدنا االنــتظار حتــى نرســامي،شــخص فــي عمــر

تطيب لنرضى و األنثـى، الحقـيقة صـورة تشـابه أقصـى مـا نتمـناه فـي

، يصبح الشاب ترسـم صـورة مغايـرة لحقـيقة الفتاة فعـندما .خواطـرنا

والجانب اآلخر ال .ار والتحطم متى حانت ساعة اللقاء علـى حدود االنهي

ينظـر بأكثـر ممـا يـتوقع دائمـا ويعلم أن ما يراه في التلفاز من الرجال

الطرف اآلخر أقل . يل التوافـر بحصـص متسـاوية لجميع الفتيات مسـتح

، الفتاة أكثر نضوجا من الشاب .يجنيه ولكـنه أكثـر تمسـكا بمـا طمـوحا،

.أبعاد تتجاوز حدود المتعة واللعب والعالقة التي ترسمها في ذهنها لها

فالشـاب لـم يكن حاضرا في منزله طوال الوقت ولم تكن أمه لتسر له

، وكذلك أبوه جل والمرأة خاصـة عـن العالقـة بـين الر ال ورمـ األبأسـرار

ــتجاهلها ــيه أن ي ــى أمــور يجــب عل فقــطيهــتمليتجــنب فــتح ذهــنه عل

تالحظ كل مراحل ـ األقـرب إلـى أبيها وأمها ـ وتظـل الفـتاة .بمسـتقبله

أمها تبدأ .ي المنزل المرهون بعادات المجتمع العالقـة خـالل جلوسها ف

أحاديث النساء .وجات المتزوأخواتهاك خاالتها بمشـاركتها أسرارها وكذل

أكثـر خصوصـية من الرجل، لذلك تكبر الفتاة وهي تبني من عالقتها مع

الـرجل منـزال كامـل المعـالم وعالقـة مليـئة بالتفاصيل الصغيرة التي ال

المطبخ ، أطفالها ، أثـاث المنـزل، شـكل غـرفة النوم .الـرجل لهـا يهـتم

من المـرأة ن أن الشـاب يـتعلم أمـور ومالبسـهم، فـي حـي همؤوأسـما

لتمتع وجسد مثير يتطلعون ل كـأداة توارثـوا النظـر إلـيها نأصـدقائه الـذي

إلـى تفاصـيله فـال تـتجاوز تفاصـيل العالقـة في أذهانهم أطراف ذلك

.الجسد وما يتبعثر منه على األسرة

شعر وجه ينبت كالزغب .للتصـنع سـامي وسـيم وجـذاب وال حاجـة لـه

ل لهما ظال ناعما يبرز ذقنه الصغير والمسنن ع ويج فكيه، الخفـيف حول

Dirty ) أجنبي يطلـق علـى مظهـره هـذا مصـطلح .العصـفور كمـنقار

Face ) عجيب أمره، بل عجيب أمرهن، هل من . )الـوجه القذر ( يعنـي

هذه من تقليعات العصر، ..!المعقـول أن تغـدو القـذارة رمـزا للجمـال

.اك طلب متزامن على العرض سنقدمهدام هناوكما يريد منا سنفعل م

.بالدماء شـابا غادرنا ذات مساء ليعود إلينا مضرجا هوأتذكـر إلـيه أنظـر

المغامرات .)الوجه المهشم(ه أحـق بـأن نطلـق علـيه بمـا معـناه وجهـ

ترمـي بـنا فـي كـل اتجـاه ونحـاول الوصـول إلى أقصى حاالت الخطر

افـر لدى أحدهم، أو لنعبـر فـيما بعـد بأحاديثـنا عـن معجـزات قلمـا تتو

على صدر ذلك الذي قفز إلى أحد المنازل اليضـاف وسـام رجـولة نادر

عالمة تجارية جبينهستظل الندوب على . وسـقط عن السور على وجهه

وفي كل مرة ينظر إليه أحدهم ويسأله .تعنـي الـتفوق فـي المغامرات

به أنقذ كأنـه يخفـي حدثا بطوليا بفخـر وتواضـع سيبتسـم ها،عـن سـر

تاركا وراءه فتاة ترزح نفسه أنقذبالكاد هو الذي و . مـن المـوت انسـان إ

.تحت رحمة مصير مجهول

. من الغرفةأخرجصالح، -

ه إلى ؤ تصل أصدا أن يجب ور الـتلذذ بهـذا الفطـ .سـتبدأ الطقـوس اآلن

ستســمع بإعجــاب كــيف جعلــت مــن صــباح هــذا الشــاب .إذن الحبيــبة

ال تعلم أن .تبطا باسمها وحدها ى فـي ذاكرته مر يبقـ لالمسـكين مميـزا

مرت به خالل التي والوجبات المختلفة األطعمةعقله قائمة منوعة من

ولكـنه قطعا سيفكر مليا قبل أن قـد يتذكـر الطعـام والمطعـم .حـياته

. إن وفق إلى ذلكيتذكر اسم الفتاة

تعيد مشاعر . في النفسا مرعباالصـالة في غياب األصدقاء تثير هاجس

الحرارة هنا تفوق غيرها . الساطعلـوحدة وتـزداد فراغا مع نور الظهر ا

هنا فجهاز التكييف األفضل تركناه في غرفة النوم، واعتدنا .من الغرف

ويخلطها بهواء حينا أ في قذف البرودة علـى هواء مكيف مستعمل يتلك

الحر من أجل عالقة تدور أحداثها في أتحمـل علـي أن . أحـيانا اخن سـ

أو بدايــة قصــة ســنظل نتتــبع مــراحلها لمــدة شــهر .فة المجــاورةالغــر

وبحسـب ما تسمح به الظروف سيشارك كل شخص .ينشـهرين قادمـ

هكذا هو التعاون بيننا، مشاركة .اقتـراح لحـل مشـكلة مـا وأمـنا بـرأي

ندفعه نحو الهدف . جماعـية تتـيح لكل الخبرات االمتزاج من أجل أحدنا

ذكـى وكـيف سـيخدم رأيـه فـي هـذه القضية نتـنافس أيـنا األ المـرجو و

. بشكل فعال

سالم يدخل مسرعا .امسـك جهـاز الـريموت واسـمع صـوت الباب يفتح

يعود وقد أغرق . نحو الحمام منطلقاباتجاهـي ويرمـي بعقالـه وغترته

.شفافا يكشف عن مالبسه الداخليةالمبـتل ثـوبه ليصـبح نفسـه بالمـاء

التي اترك الخيار لعيني .ال شيء واقلـب بحـثا عن أي شيء و أتجاهلـه

. ليدي بأن تكف عن البحثأشارت ،متى وجدت ما يشد انتباهها

.هناك بعض الطعام اللذيذ لدى سامي -

.ال أريد شيئا -

.رئ ناولني علبة السجاحسنا، -

يشعلها بزفرة واحدة كادت . ويقـذف بالعلبة نحوي سـيجارة يأخـذ مـنها

يطفئها من ثم .فها القطني تجعـل مـنها جمـرة متصـلة حتـى نهايـة طر

قد مشى أنفاسـه الالهـثة تـدل على أنه .مباشـرة وهـو يقتـرب نحـوي

. ، مهما حاول شد انتباهي لن أسألهال جديـد فـي األمر . مسـافة طـويلة

. يغادرإلى أنإما أن يبدأ بالحديث وإال سيبتلع قصته التي أتى بها

؟هل تعرف ماذا فعل ناصر -

.ال أريد أن اعرف -

يعود ثم لفترة ا، يغضب أحدهمبنفس النمط تتكرر . مشاكلهما مللـنا من

كثرت المشاكل مهما، كالزواج تماما .لينسـى ويسـود الصـلح مـن جديـد

، والكثيــر مــن التــنازالت والتضــحيات يقــدمها كــال يظــل الــرباط مقدســا

مـتكامل لعالقـة مـنهارة من الطـرفين مقابـل المحافظـة علـى ظاهـر

تجاوز كافة العقبات يعتقد انه من الممكنالكل يمارس ذلك و . الـداخل

: لذلك دأبنا على تكرار نفس القول.العالقاتللمحافظة على تلك

. تسريح بإحسانأوإمساك بمعروف -

.هذه المرة سيكون تسريح بمجموعة من الركالت -

يبدو أن القصة .مطلقالـم أعهـد سـالم يهدد بالضرب . مـا هـناك تطـور

طار محلقا وقد ناصـر أرى إلـى أن ولكـن نفسـه، شـديدة الوقـع علـى

ــن ــة م ــراء ركل ــالم،ج ــس ــدق ل ــتدخل أنن أص ــتحق ال ــا يس خالفهم

.أزمته بحل ركةوالمشا

.إذن انتظر المساء -

!سأجلس حتى يحضر ولو بقيت العمر كله هنا -

ن بالخـروج مـن هـذه الشقة في أي ونـنا مهـدد ال تفعـل ذلـك أل -

. يمكنك انتظاره في الشارعوقت،

معاملة المشاكل .أثـبت فعاليـته فـي كثيـر من المواقف السـخرية دواء

.وع من التراخي يجعلها أقل تعقيداالصعبة بن

حياتـنا الصـغيرة هـذه تشبه نوعا ما األمة العربية، نحب بعضنا البعض

ما ق والشروخ ارونـؤازر بعضـنا الـبعض ومـع ذلـك يظـل بيننا من الفو

يشكالن مثاال صر وسالم نا. ها بسهولة غائرة ال يمكن رأب اجروحيشـكل

تـتعاونان علـى جعل مسار ،فقيـرة خـرى األ غنـية و تـين، إحـداهما دولل

نحنبينهما نقف .واألسفلالـتقدم متوازيا مع مسافة فارقة بين األعلى

ومع ذلك مستقرة ، حياة غريبة تجمعنا .التكاملكيفية هذا كمشاهدين ل

.عواملها فةبكا

. ه في رشفة واحده ويعيد البقية يتجرع نصف ، يمسك سالم بكأس الماء

جزيئاته من الداخل تتصادم بجدران .حـركة الماء في الكأس أنـا أتابـع

تظل من الخارج مستقرة هادئة والكأس بينما بينها،الوعاء وتتنافر فيما

. نبدو للناظر إلينا في شقتنا هذهتماما كما .عناءيحتويها بال

حاق به دون أن يالحظ يطـل سـامي مـن بـاب الصـالة ويطلـب مني الل

األولــى أنـا . اتـبعه فـي تـربص لحـدث يخـص عالقـته الجديـدة .سـالم

كنت فقـد باألحـداث المهمـة والحساسـة فـي مـراحل العالقـة األولـية،

يفاجئني بالحديث عن اتصال ناصر الذي .السبب في توفر هذه الفرصة

: وقطع عليه طقوسهأزعجه

مر هذه المرة جدي ن ناصـر يـتوعد ويـتهدد سـالم ويـبدو أن األ إ -

.جدا

؟هل تعتقد أن ناصر يستطيع ضرب سالم -

. ولكن يستطيع النيل منه بطرق أخرىال،بالطبع -

حين .الحكومة بل عالقاته المتشعبة داخل دوائر ،ناصر ال يستخدم يديه

.فهو يعني ما يقولبدمار مستقبل أحدهم وتحطيم حياته يهدد

. أن تصل األمور لهذا الحدأتوقعال -

يوحي بان هناك وأسلوبه ،غير عادته على لكـن ناصـر بـدا لي و -

.أمر خطير

؟ ماذا فعلت مع الفتاة ، وحدثنيدعك منهما -

ال أحـب أن يركز سامي على مشكلة من هذا النوع فهو يحفر فيها حتى

نتباهه نحو شد ا أحـاول . ممـا يمكـن لهـا أن تصـل إلـيه أعمـق يجعلهـا

،للمرة األخيرة أن ال يتدخل مـنه أطـب .يـبدو مصـمما موضـوعه ولكـنه

واذكـره كـيف جعل من المشكلة بين ناصر والشيخ تركي أمرا مستحيل

األمر . الخاطئ بها كالهما إلى الشخص الحـل عـندما نقـل أحاديثا اسر

بـل هو عادة ربما تعودها إثر نشأته في كنف لـيس عيـبا فـي سـامي،

ع األولي الذي هـذا هو التوق . عائلـة تشـكل النسـاء الجـزء األكبـر مـنها

لعل النساء ال عالقة لهن . صفة نقل الكالم لدى سامي يه عن أشـرنا إل

الصـفات السيئة فوق كاهل بالموضـوع، وهـذا المجـتمع يـبالغ بتجمـيع

ولو كنت .الـرجال قـدوة تدهور معها المجتمع حتـى جعـل مـن المـرأة

فـي مكـان قـادر على التغيير لجعلت من بعض النساء قدوة لكثير من

. جال في الرجولةالر

؟أين الفطور الذي تبقى -

طلبه كما أن .بناسـالم يحـس بأننا نتحاور ويدفعه الفضول إلى اللحاق

عندما يغضب يحترق كل ما في دمه من .حقيقةللطعام المتبقي أيضا

!غذاء

يأكلها وهو يشير . بنوع معين من الفطائر وأنصحه مـنه الصـحن أقـرب

، يـتلفظ بكلمـات تزاحمها قطع الطعام في بـيده نحـو الحاسـب اآللـي

:فمه

أتقنه فالجميع يطلب مني أن الشيء، علـى هذا أتعلـم أريـد أن -

.وظيفة محترمة على لصألح

هذا مـن كـان يمكنه توقع .ا مسـتجد اهـنا فقـط أدركـت أن هـناك أمـر

!؟ سالم منطلبال

وعدد الذين التعليميتباهـى بخبـرته فـي . صـدره سـامي يضـرب علـى

يبرر، ذلك لكـن سالم يطلب مني أنا فقط أن افعل .لمـوا علـى يديـه تع

يبتسم هذه المرة بنوع من الحزن و. أنـه يـريد تعلم أشياء مفيدة بذلـك

القذريشـعر سامي باإلحراج ويتقلص وجهه .نـبادله االبتسـامة دون أن

(Dirty Face) وجها فارغا في هذه المرة ليصبح (Empty Face).

:جنوب اليأس

" ونظل كأرواح أتقنت التحدث بصمت بنا،العمر يعيشنا ويفيض "

ماذا تكتب ؟ -

.ال شيء -

.جميل هذا الالشيء حين تغرق فيه، ليبكينا بعد حين -

: يعاود سامي سؤالهحتىاعة أخرى، ويدوم الصمت س

؟هل انتهيت -

.لم أبدأ بعد -

؟وهل بدأت يوما -

؟ وهل انتهيت أبدا -

اهترأت أحمـل بـين يـدي أوراقا .لهـدوء أرجـاء الغـرفة الـباردة سـود ا ي

عدة ل أي مساحة بيضاء تكفي . فارغة صفحاتلكثرة ما أقلبها بحثا عن

سأضـع فـيها كلمـة أو كلمتين، ألقفز نحو صفحة أخرى وأكمل .حـروف

تجعل من الدنيا ه أوراقـي القاتمة في تصورها لهذ .فـيها مـا اسـتطعت

من يبدو أقل تكلفاأتمناه والمسـتقبل الذي ،اؤالالعـالم حولـي أكثـر تفـ

كل ما ف، إنجازه بما استطيع أفكر لكني ال . تحقـيقه ذاك الـذي يمكننـي

هذا القالب االجتماعي الذي تنصب فيه مـن أن أعـيش حـرا هـو أريـده

ليغدو رجال يتعلم ويتوظف يولد الذكر وينمو .الـنهاية حـو حياتـنا لتسـير ن

وهكذا نظل نجعل من أنفسنا طوبا نبني به . ذكرا بدورهويتزوج وينجب

هويتوجب على أحدنا، فكل ما هناك حاجة للتفكير لـم يعد .المسـتقبل

وكيفما شاءت .ية النهاأن يسـتخدم قدراتـه في تكوين ذلك القالب في

الفقر . الخطوط العريضة من توقعات أسرته سـوف يحقق ،لـه األقـدار

فحيث .ال األشخاص والشـوارع ياءاألحـ مظهـرا يفـرق اوالغنـى أصـبح

.يع السكن طوال حياته في فندق فخم رجل يستط يشاركنا اليوم أقـيم

الثياب والمساكن .آلف رغمـا عن األشياء التي تفصلها ولكـن الـناس تـت

األشـخاص في ، فـي حـين يتشـابه ات تصـبح عديمـة الجـدوى والسـيار

.لمليونمـن يحـتاج ألـف ريـال يشـبه فـي همه من يحتاج ل ف. همـومهم

الحاجة .ومـن يحـتاج لفـيال، هـو كاآلخر الذي يحتاج بيتا من طابق واحد

. هين، وبقدر ما نملك تكبر حاجاتناتجعلنا متشاب

أن ناصر يعجز في بعض ، فـي سـياق حـديث عابـر، ب فوجئـنا ذات يـوم

أنه يكذب، األولى اعـتقدنا للـوهلة .الشـهور عـن سـداد فاتـورة جـواله

فإنهوهكذا . يل مصروفاته، وجدناه صادقا تفصشرع في ولكـن عـندما

وفي النهاية سيكون .صرفنر مـا يـدخل عليـنا كـل شـهر بقـدر مـا بقـد

!متساوونذلك والجميع في ، الشهرأفولهناك عجز يتلكأ قبل

:يسألني سامي

؟متى آخر مرة رأيت فيها ناصر -

.قبل قليل -

!أين ؟ -

.األولــى فهــو بجــواري مــنذ ســاعات الفجــر ،يســتغرب مــن إجابتــي

،أحيانا نتشاجر حينا، نتحدث .الظهـر تعـودنا االسـتلقاء إلـى مـا بعـد

ومتـى اقتـربت الشمس من الغروب شعرنا بالملل لسـاعات، نغفـو

.ه يومهدأ كل شخص يفكر بوجه آخر ينهي معبفي ،بعضنامن

. في ذهني عندما سألتنيالقد كان حاضر -

؟ الخواطربتواردهل تؤمن -

!معك مستحيل -

؟أنا بالذات ولماذا -

وكل الناس الذين تعرفهم ال يتركونه جدا،ألن خاطـرك مـزدحم -

.أبدا

. الجميع من حوليأحب أنني الحمد لله -

أنــت فضـولي بمــا يكفــي لتخـنقهم فــي دهاليــز تحــبهم،أنـت ال -

.عقلك

ا ؟ومن منا ليس فضولي -

.أنا -

ولماذا كنت تفكر بناصر قبل قليل ؟ -

يهتم أنه هو مـا يميزني عن سامي ولكـن . أنـا أيضـا فضـولي ،بالفعـل

أما صيل حياتهم ومعرفة أسرارهم، لألشخاص أنفسهم ويحب جمع تفا

.لتمأل خانات األسئلةكإجابات أحتاجها خياالت تمر بتفكيري أجعلهمف أنـا

يتمكن من إدراك لكن سامي لم . باإلضـافة إلـى ذلـك، فأنـا أناني أيضا

بل كحالة ،تمامي به كشخص بعدم اه كنت سأعترف له فإني وإال ذلك،

تملــك مجمــوعة مــن التصــرفات قــد تفيدنــي فــي فهــم هــذا اإلنســان

دفعــه إلــى أحــاوللكنــي و، بأنانيتــي ادفــع نفســي لالعتــراف .المعقــد

اإلعتراف طبـيعة اإلنسـان أن يجفـل من مـن ف .المـبادرة باتهامـي أوال

د من يشير به حالما يجتلقائيا يبادر غير أنه قد ،حتـى لو كان ذلك يريحه

هي ها. عترافإلـيه مـتهما، فـيكون بذلك قد كسب جولة الصراحة واإل

ليصـبح اعترافي متهما بما أحاول باالعتـراف، األنانـية تـنال مـن رغبتـي

!؟ أليس كذلك،هذا غريب .بهاالعتراف

.لقد مر بذهني عندما احتجته -

؟وبماذا احتجته -

.عقلي ألحدهم أن يشخصها في أردت فكرة شيء،ال -

!لك أحمد الله أنني لست عقال ..!العقلكم تجهد هذا إلهي ا ي -

.أحمد الله أنني لست قلبا لك -

!؟ماذا تقصد -

.شيءال -

. يتـناول هاتفـه، وكأنـه يؤكد على ما طرأ في ذهني . ينظـر إلـى بتأنـيب

يتصـل على إحداهن، وما أن يبادر إلى الحديث معها، حتى يرمي بهاتفه

. أتخلص منهانأالمحمول نحوي، ويشير بيده

.ألو -

؟، من تريد نعم -

.ال ادري -

؟ تتصل على هذا الرقملماذاإذن -

.لم اتصل عليه -

؟من اتصل إذن -

.شخص ما -

بقلـيل مـن اللـباقة وال تعاود وتحـتفظ تحتـرم نفسـك أن أتمنـى -

.االتصال مرة أخرى

. فعل ذلك ولكن من اتصل ال يستطيعاستطيع -

؟ من الذي اتصل إذن -

مررنا . ، ولكنه يبتسم أنطق بها رأسه مع كل كلمة بك سـ سـامي كـان يم

تغرق ) ةبصق (األحـوال ، وكانـت نهايـتها فـي أسـوأ بهـذه التجـربة كثيـرا

يشعر بأنها أغرقت وجه ل ، على الطرف اآلخر المتواجد هاتـف الشـخص

نظل نحن في حين ، يجعل هاتفه يتصبب لعابا تعبيـره الفطـري .احـدنا

!سالمين من كل سوء

ولكن ماذا سأجني من عـنه، رك بكافـة التفاصـيل مسـتعد إلخـبا -

؟ذلك

.أخبرني بكل شيء وسوف أدعو لك -

. احتفظي بدعائك ألبنائك.شكرا لك، أمي تقوم بذلك دوما -

.عمرها فـي منتصـف الثالثـين مـن امـرأة يـدل علـى أنهـا كـان صـوتها

امرأةالخبـرة التـي نملكهـا بـدأت تـتطور حتـى كاد احدنا يوما أن يصف

ولكن هذه .بينناة متناهـية جعلتـنا ننظـر إليها عارية حاضرة كاملـة بدقـ

.االنكشافيرفض الذي ة في صوتها نوع من االحتشام أالمر

. ولكن ال أبناء ليأمك، الله في عمر أطال -

. أنت عانس اإذ -

؟ هل تعرف كم عمريأنا، هل تعرف من ! ؟هذاولم تقول -

.عمرك عندما توقعت أبناء إال أن يكون لك أتوقعلم -

؟وكيف فعلت هذا أيها الذكي -

. في هذا الحديث ويكتم الضحكات يمنعها من االنفجار ينسـجم سـامي

كالنـا يفهـم أن تلـك المـرأة شـاهدت االسم المخزن على الجهاز لديها،

لتجمع محتـرم ذكـي و بأسـلوب سـوى الـتوجه إليـنا بوسـعها ولـم يكـن

.صاحبة الهاتف بها لكي تدينبعض المعلومات

.علي التخمين ه واختصرت فعلت، أنت افعل ذلكلم -

!؟أنا -

وتبدأ بمحاوالت مستميتة العائلة،تشـك بأنـنا نعرف كل شيء عن هذه

ورغم انزعاجها لم تعلم أنها .نملكها عنها لتعـرف قـدر المعلومات التي

لتصبح هي ، وصديقتهوقعـت علـى الخـط الـرابط بـين سـامي ضـحية

قوي،االنصراف بما أملك من موقف لـذلك سـأمارس .الحاجـة صـاحبة

سامي أدرك .أخرىواجعلهـا تتخـبط فـي الشـك لـتعاود االتصـال مـرة

وانتثرت خياالته . المغـزى وبـدأ يفكر بما يمكن تحقيقه من هذه الخطة

. لتصـل بـنا إلى خارج البالد حيث المقاهي والفنادق واللقاءات الحميمة

كل جالء خارج قصـص يسـمعها كثيـرا عـن عالقـات جماعـية شـاعت ب

.حدود الوطن

.إزعاجك واعتذر عن حرصا، أن تزدادي أتمنى ولكن ،أنتنعم -

!انتظر لحظة -

.ال استطيع ، هناك من يطلب مني إنهاء المكالمة -

؟هل أنت سوسو اخبرني !..انتظر، ال -

.ولكنني لست سوسو بالتأكيد. ال يا سيدتي ، قد أكون صوصو -

؟هل تسخر مني -

.رينلعلك أنت من تسخ -

) .سوسو ( إن رقمك محفوظ باسم -

؟وكيف تم حفظه هناك -

.هذا ما أريد معرفته -

إنها طريقة صعبة، قد تحتاجين إلى مساعدة االمن العام، ولكن -

شـاكل واساعدك واخبرك بطريقة ختصـر علـيك المشـقة والم أس

.سهلة

؟ماهي -

.لي صاحب الجوال الذي بين يديكاسأ -

؟ماذا تعني -

.ال اعني شيئا -

..... تتهم اختي تى ، لحظة أنبل -

.إلى اللقاء -

الــذي بــدأ يعــد عــدد ســامي ورمــيت بالهاتــف علــى الســماعة، أقفلــت

إحداهما :برسالتين والتي انتهت المرأة،المكالمـات الـواردة مـن نفس

بعدم التحدث على هذا تهديـد واألخـرى بعـد فتـرة هـدوء كانت توسال

.تماماالرقم مرة أخرى ونسيانه

وما . يقطع عليه ذلك، ولكن اتصاالامي إلـى الـرد على رسالتها بـادر سـ

تهدئة الطرف محاوال بـادر بـرد التحـية حتـى بـدأ يتلعثم في الحديث أن

تتصل من هاتف نفسها ، فـربما تكون صديقته أكتـرث لألمـر لـم . اآلخـر

: ( ولكن سامي يجيب بسرعة. تطلب منه إنقاذها من هذا الموقف آخـر

كيف تختفي للضمائر في هذه اللغة تبا .) حاال حضـر سأحسـنا حسـنا ،

! الفهم بحسب ما ينطقه اللسانتهيئ وهي التي

؟هل ستذهب إلنقاذها -

!بل سنذهب سويا -

؟؟أناوما دخلي -

!!أنت المطلوب حاال -

.فورا مساعدتنا يطلب انظر إليه بدهشة ينهيها بإخباري أن سالم

ــرتدي الخــروج رغــم حــرارة ، ونهــم ب ســريعا أقــرب المالبــس توفــرا ن

ولكــنه ال ة ســامي يعـرف الــوجه . نــنطلق بالسـيارة صــامتين .الشـمس

نا ولكن الطريق سيكشف عن وجهت . يعـرف السـبب، وأنا ال اعرف شيئا

.والسبب سيكون حاضرا في نهايته

الحـي الجنوبـي مـن هـذه المديـنة يحـتاج إلى قيادة إنسان خبير، لذلك

أخذت أمر .وتركني أقود بدال عنهتوقـف سامي قبل الدخول إلى األزقة

باألصدقاء يمتلئبـين الشـوارع الضـيقة وذكـريات هذا الحي الذي كان

لعل سالم . ح تجمعـا للمقيمـين من خارج البالد والعـوائل قـبل أن يصـب

سيارات الشرطة . اقتربنا من منزله .وعائلـته هـم آخـر المواطنـين هـنا

لون الحديث مع عدة فـي الخـارج، ورجـال األمـن يتـباد كانـت مجـتمعة

إنه سالم .وتمكـنا من معرفته أشـخاص ظهـر احـدهم وسـط الـزحام

تقدمنا . القـبض عليه أوتـتلطخ ثـيابه بالـدماء، والجمـيع يحـاول تهدئـته

صرنا وما إن . ليصل نحو سالم األكتافبسـرعة وكان سامي يقفز فوق

لن يذهب إلى المخفر مهما بأنـه موضـحا تشـبث بـنا حتـى جانـبه، إلـى

!حدث

كان الصخب. وسألته عن مجريات األمورولؤالمساقتـربت من الضابط

نصــراخ نســاء مــن داخــل منــزل ســالم يحــاول، ال ســيما يمــأل المكــان

المسكينة وقد ميزتني وبدأت أمه ميزت صوت .التوسـل لـرجال الشرطة

:تنادي وتصرخ لي

!، ال تدعهم يأخذون ابني الله يخليك ألمكصالح -

قـريب من هذه العائلة وقادر يبأنـ لضـابط الـذي أدرك اسـتأذنت مـن ا

.الموقفعلى التدخل إلنهاء

وال تـزيدي األمـور رجـاء ولكـن ادخلـي اآلن ،ابشـري يـا خالتـي -

.إرباكا

سحبها مقبال يديها وممسكا فأتقتـرب منـي وتحـاول تقبـيل يدي، -

.بها

أطرافهسـالم ينظـر إلـيها مـن خلـف سامي الذي احتضنه محاوال تهدئة

نظرة الحزن والشفقة على فـي عينيه رأيـت . لطائـرة فـي كـل مكـان ا

. بالسوء تجاه نفسه شعوره أن يصمت ويهدأ مستغال ، فأشـرت لـه أمـه

فهدأت قليال . من رأسها أقبله وأطمئنها ت بـيد أم سـالم واقتـرب تامسـك

ودفعـت أبـناءها إلـى الـداخل وهـي تدعـو لـي فـيما بكـاؤهم يتعالى

وأعمقهنوهـي أحـبهن إلـى سالم ـ صـغرى كانـت األخـت ال .ويسـتمر

كأنها تخاف أن تفقده يتعلق بصرها به .تأثـرا ونحيـبا األكثـر ـ تعلقـا بـه

عوضها األب الذي كان سالم ف فقـدت أباها في سن مبكر وهـي التـي

.به القدر

يجلس على عتبة الباب . إياه بالهدوءيفلـت سـالم مـن يـد سامي واعدا

وصوت نحيب خفيف ، يث يد صغيرة تالمسه نحو الداخل ح ظهـره ممـيال

ابنتها الصغيرة أمه أخذت لقد . مـن صـدر بالكـاد يستطيع التنفس يخـرج

ظهر بها تمسحوجلسـت علـى الجـزء الداخلـي مـن العتبة ومدت يدها

.ابنها

أبـدأ بتفـريق الجمـوع الـذين كان أغلبهم من الجنسيات المقيمة التي ال

ألنهى هذا ،بقـي كمـا كـان سابقا ولـو أن هـذا الحـي .العـربية تعـرف

.الزمان قـدوة فـي رجولتهم وأخبارهم حتى هذا رجـال هـم الموقـف

.مـرتبكا وفاقـدا للسـيطرة علـى الوضع ااقتـرب مـن الضـابط الـذي بـد

، والكثير من فـيها العوائل يصعب التعامل معها فالمشـاكل التـي تـدخل

رغم األوامر الضـباط هـم أبـناء هذا المجتمع ويتحلون بنوع من الحياء

. بها لتطبيق القانونيأتونالصارمة التي

؟األمراخبرني لو سمحت ما -

. سالم مطلوب أمنيا -

ماذا فعل ؟ -

.اعتدى على أحدهم بالضرب -

؟وهل كان االعتداء خطيرا -

ينظـر الضابط إلى األرض خجال من الكلمات التي يهم بنطقها ، ويقترب

:مني هامسا

. خطير في شخوصهال ليس خطيرا في أضراره ولكنه -

؟كيف ذلك -

.لقد اعتدى على ابن رجل مهم -

.وجهيمالمح الغضب في ، وتصاعدت مباشرةقفـز ناصـر إلـى ذهني

لم آخذه على .مرة بالذنب إلهمالي الموضوع حالما بدأ أول أحسسـت

أزعجني أن تصل المشكلة إلى هذا .عابرة حادثة وظننته ،محمـل الجـد

.المطاف فنحن أصدقاء في نهايةالحد،

بأن إياها مطمئنا ،الباب من أمه وراء مستأذنا وأسحبه من سالم أقترب

نزوال عند ها ء الباب ورا وتقفـل تـدخل .يـرام سـتكون علـى مـا األمـور

ينهار على كتفي باكيا وصوت ف ،إليهبالـتحدث حيـنها هـم أ .طلـب سـالم

.أعماقه يتفجر غليال في تةخفقات مكبو

!رنيقهرني يا صالح ، والله قه -

؟ماذا فعلت له -

.ضربته بكل ما أوتيت من قوة -

؟ يصل األمر بين األصدقاءأهكذا بالله،ال حول وال قوة إال -

حتى بهيحس ومازال ايعـيد كلماتـه معبرا عن القهر الذي شعر به حينه

عن موقع الفضوليين إلـى سـامي الـذي كان منهمكا بإبعاد أشـير .اآلن

ن بعض الشباب الذي أنيعرف تماما الحـدث، فهـو خبيـر بأمـور الغزل و

األبواب أكثر من و وراء الشبابيك ن بمـ ون يهـتم وا كانـ ين متأخـر واحضـر

وهو يقترب مني . خبـرته تلـك أتـت عن ممارسة مماثلة ،الحـدث نفسـه

ه، ويحـذفهم بـبعض الحجـارة مبعدا ءعـن الجمـع ورا ، يل غاضـب أيضـا

دون ذ سالم بعيدا وأجيبه بأن يأخاألمر،يسألني ما . عـن المكان إيـاهم

.الضابطأن يشعر

اقتـرب مـن الضابط الذي أخذ ينادي سامي المبتعد بسالم نحو السيارة

اعترض طريقه واخبره أن ماحدث كان بين .محـاوال مـنعه من الذهاب

. سالم بنفسي إلى المخفر سأحضرأصدقاء وأنني

. بمثل هذه الحدةأوامرقدر موقفك ولكن من الصعب تجاوز أ -

؟أوامر عادية تأليس -

.لقد صدرت من مكان أعلى مما يمكن لك توقعه. ال -

؟ حالة ناصر خطيرة أنيبدو -

ه تنزف ءلـم يصـبه سوى خدش سطحي فوق الجفن جعل دما -

.رأسهبغزارة وكأنه مصاب بعيار ناري في

حاالت ب مر ال بد أنه .يجيب الضابط بهذه الكلمات وهو يشعر باالشمئزاز

مترفين يضخمون األمور حتى تبدو كأنها حرب ال دأوالف .كثيـرة مثل هذه

بأنه أيضا ال يشعر بالراحة تجاه موضحا يهز رأسه تجاهي .وقعـوا فـيها

سيارته بلحق أ بأنعـده أأقـدر مـوقفه و . امـر هـذا الحـدث، ولكـنها األو

. مصطحبا سالم معي

.حسنا يبدو أنكم أبناء قبائل وتعرفون الواجب -

.وأنت كذلك. شكرا لك -

هاتــف ســامي، أعطيـتهم . عائلــة ســالمطمأنـا أنادر المكــان بعــد نغـ

، وسوف تضطر للخروج إلى سـالم أمفهـاتفهم مفصـول كمـا أخبرتنـي

منعتها من . على مجريات األمور لالطمئنانبيـنة االتصـاالت المجـاورة اك

إلبنهاو ،دعت لنا بالتوفيق . سنتصل بها في كل لحظة أننا وأخبرتهاذلـك

. المخفرباتجاهالشرطة ب نلحق السيارةركبنا . الفرج

؟خبرني ماذا حدث أ ،حسنا -

. لقد تضاربنا وجرحته وهذه هي النهايةيهم،ال -

؟وهل من المعقول يا سالم أن تمد يدك على صديقك -

!! أنه قهرني وجعلني انفجر فيهأخبرتكلقد -

.كان بإمكانك االتصال بنا لتدارك األمر -

لني معتبرا األمر إحدى مشاكلنا كـنت أنـت بالذات ستتجاه و، نعـم -

.المعتادة

سامي في الخلف مازال . الموقف إنهاءأشـعر بالـذنب ولكننـي أحـاول

أن وأعلم ."لقـد قلـت لك يا صالح أن األمر جدي : "يـردد نفـس الكلمـة

فحكمته التي .لمدة طويلة ههـذه االسـطوانة سـتظل دائـرة على لسان

وبالطبع .هذه المرةصب إال لـم ت باإلهـتمام، يعـتقد أنهـا كانـت جديـرة

. سيعتبر نفسه الرجل الحكيم القادر على توقع حجم المشاكل

؟اخبرني أين حدث هذا -

خارج استراحته إلى بيـنما كـنا متوجهـين علـى الطـريق السـريع -

.المدينة

. من قبل أنك ذهبت معه إلى هناكأتذكرال -

.حدث ما حدثقد وإنها المرة األولى -

.سنحاول االتصال به -

! ولكن ليس ناصرقدميك، إليك وأقبل أتوسل قد !أرجوك ،صالح -

سنحاول تقريب األمور .هذا من شيء لـن يحدث اللـه، اسـتغفر -

. فقطوتداركها

الجنود إلى تقييده أحد وننـزل بسـالم الـذي هـم ،نـتوقف عـند المخفـر

مـنع الجندي مـتفهما جـدا، ف ولكـن الضـابط كـان .وزجـه فـي الزنـزانة

.مصدرا أوامره بعدم اإلزعاجل إلى مكتبه وطلب منا الدخو

فأنتم كما يبدو لي مسـاعدتكم، نـي أخبرونـي كـيف يمكن ،حسـنا -

.نأشخاص محترمي

فهو يدل على أصلك علـى شيء، هـذا واللـه إن دل . شـكرا لـك -

.الطيب

ــي المجــامالت،ال داعــي لمــثل هــذه - ــي وأخبرن ــيف يمكــن ل ك

.مساعدتكم

.األمر له بالتفصيل وشرح ولكؤبمسنحتاج منك االتصال -

؟حسنا وماذا بعد ذلك -

سـنحاول نحـن االتصـال بصـديقنا ناصـر ووالـده لننهـي الموقف -

.ويتنازل

يدل على ممايمسـك الضـابط بهاتفـه المحمول ويقف مؤديا احتراماته،

يخرج ثم ،هاتف مكتبه يطلـب منا استخدام . لهيـتحدث إلـى مسـؤو أنـه

ى مكتب أبو ناصر وبعد انتظار اتصل عل . عن المشكلة يتابع حديثه وهـو

.وتمرير للمكالمات بين السكرتارية يرد علي

.الو -

. وسهالأهال -

؟كيف حالك أبو ناصر -

هـل رأيت ماذا فعل صديقكم سالم .صـالح بإبنـي أهـال وسـهال -

؟ ناصربولدي

نحن شباب والكثير من األمور حدثت خيرا،يـا والـدي جـزاك الله -

ركنا نحـن ننهـي الموضوع دون تتـ أن ونتمنـى علمـك، بينـنا دون

.إزعاجك

ومادام يريد معاقبة . اخذله يا صالح لن ولقد لجأ لي، ولـدي انـه -

. عقاب سأفعل ذلكأشدسالم

من التفكير ا إن ناصـر وسـالم اآلن في وضع يمنعهم ناصـر، أبـو -

ودبلوماسي من الدرجة ذو عقل راجح رجل وأنت .سليمبشـكل

. الطرف األضعف فيها سالم فال تجعلها حربا تعلم أناألولى،

ولكـنها تعجـب أبـو ناصـر وتشعره بأهميته هـذه، يكـره سـالم كلمتـي

الكلمات تعمـدت اإلشـادة بعقله واإلطراء عليه بمثل هذه لقـد .وقـوته

.وبسالم يعطيني الضوء األخضر كنوع من الرأفة بي لكي

. القرار لناصرسأترك، حسنا يا ابني -

بدأ .ةسالم يتطلع إليه بنظرات معنف بينما ، كـان سامي يمسك الضحكة

ا إيانا أن مبشر مبتسماالضابط علينا يدخل .الموقـف يأخذ طابعا ساخرا

فهو على عالقة مقربة ،ولهؤمسه من قبل ؤالموقـف سـوف يـتم احتوا

. ناصريأبب

هذه . ناصر عالقات في القطاع األمني إطالقا يبألكون تلـم أتوقع أن

إال مسئول، فما من ب بسبب مظاهر الحياة غريالطـبقة متداخلة بشكل

ون صيفهم في فهم يقض .جانبهإلى يعرفه ويخدمه ويقف اآلخـر وتجـد

تقع هم فـي نفـس المـدارس الخاصة، و ؤأبـنا يـدرس ، و نفـس الـبلدان

ــراقية ــي نفــس األحــياء ال ــيوتهم ف ــزل احــده.ب ــن يأخــذ م وألن من م

هم ؤياة بـيوت متوسـطة الحجـم ، كانت أح رشـ عالمسـاحة مـا يكفـي ل

ساعد على تعارفهم مما سـكانها ال يتجاوز العشرات وأعـداد مختصـرة

.وتقاربهم

أيضا كيف نستطيع نفكر .المنحنى هذا أخذت األمورنحمـد الله على أن

ســالم، نحــاول معــرفة تفاصــيل المشــكلة مــن .بالتــنازل ناصــر إقــناع

يبدو قلقا علىسامي .الضرب بأكثـر من حادثة إخـبارنا بشـدة يـرفض ف

موقفا مضحكا علينا يعرض ، و سـالم بـين يـدي أم أصـبح هاتفـه الـذي

ــال ــي ح ــيحدث ف ــت س ــى أي أجاب ــم عل ــزمة رق ــيدة الملت ــي الس وه

البد أن بأنه يذكرني .والنساءوالمتشـددة تجـاه العالقـات بـين الـرجال

تجيب وهي ل فأتصليناولنـي الضـابط هاتفه . أطمئـنها اتصـل بهـا لكـي

أعطيت . ا افقدنـي القدرة على الحديث بالـدعاء والسـؤال ممـ متحفـزة

الواثق من بأسـلوب لـيها إتحدث يـ و أخـذ يطمئـنها الهاتـف لسـالم الـذي

سيبلغ بأنـه يـؤكد لهـا نسـمعه يقفـل الخـط أنانـتهاء المشـكلة، وقـبل

.متسائاليقفز سامي نحوه . بما تقولهسامي

. عنكتسألها قد اتصلت بها أمكأمي تقول أن -

.الهاتفأمي ال تتصل على هذا -

. ال تكذب يا ساميأمي -

.حسنا فهمت لم اقصد هذا -

أتـدخل إلنهـاء الحـوار الـذي فهمـه الضـابط وشـاركنا بأحاديـث الشباب

المعـتادة عـن المواقف المحرجة التي تمر بنا مع عوائلنا في مثل هذه

يعود وأن ال يتعرض لناصر بأنبعـد كـتابة تعهـد علـى سـالم و. األمـور

، نغادر المخفر القضـاء بيـنهما يفصـل تـى ي وقـت آخـر ح للمحكمـة فـ

.حقه بأن يتنازل ناصر عن شـاكرين الضـابط علـى تعاونـه معـنا، آملين

.الضابطسيقدره القاضي ولن يكون صعبا كما أخبرنا فأما الحق العام

مصطحبين سالم بالقوة بعد أن رفض اتجهـنا مباشـرة إلى المستشفى

.إلى هناكمرافقتنا بشدة

:الحبق طبول قلب يد

أخطـأت تقديـر األمـور، واعـتقدت ان عالقـة سـالم بــ ناصر لن تتجاوز

حـدود المشـاكل المعتادة والمشادات الكالمية، هناك أمر يختبيء وراء

هـذه المشكلة، سبب ضخم استطاع كسر كل مظاهر االحترام والتقدير

ــرالهشــة التــي تفصــل ــدأ بالتفكي أســوأ األمــور، ولكــن كــل ب بيــنهما؛ أب

ــل هــذا الضــرر ــد يحــدث ك ــى شــيء ق ــتماالت ال تشــير إل ــو . االح نح

، وتصبح ضوضاء المدينة ، الصمت يخيم على حضورنا المستشـفى نتجه

.نا المتوتر ا يتناغم مع هدوئنسيج

نصـل إلـى صرح يشبه القصور ويدخل الرهبة في النفوس، ال اعتقد أن

نع التخيل الفخامة تم .، هكـذا تحدثنـي نفسي ا يـتألم فـي الـداخل احـد

.عاناته ألحد مفاهيم المرض وم

لم يكن .الورودمـررنا باالسـتقبال تتـنقل أبصـارنا بـين أنـواع الـزهور و

مستشـفى بالمعنـى المـتعارف علـيه، لقـد كان فندق خمس نجوم مع

.طـاقم تمـريض وكـادر طبي، وأما بقية األمور فهي فخمة لدرجة البذخ

ى أن يدخل إلى هذا سـبق وتمنـ فقـد حلـم سـالم تحقـق هـذا الـيوم،

فيما تتناهى إلى مسامعه هاهـو اليوم يدخله .يـراه عـن قـرب لالصـرح

ونــبدأ . أن يبــرح ناصــر ضــربا مــنهتلميحاتــنا بــأن تحقــيق حلمــه احــتاج

أماكن أخرى حات ضـحيته التالية التي ربما لو ضربها ستدخله إلى اباقتـر

ذي يتجه بنا فـي الممر الطويل ال ، ويـرافقنا يـتجاهل سـخريتنا .يتمـناها

، نقف هناك قليال . أنواع الخشب أجود مـن األطـراف إلـى بـاب مـذهب

ة لكثرالبرتوكوالت عن ولؤالمس فهو .ويطـرق سـامي على الباب بأدب

. العوائل الغنيةأبناء احد بأنهادعائه

الباب فتاة تغطي جزءا من وجهها وتترك الباقي مكشوفا ينير لـنا تفـتح

ترحب بنا .قائـق قـبل أن نسـأل عـن ناصـر دهشـتنا ويجعلـنا نتسـمر لد

دخلنا إلى الغرفة األولى . عرفتهوكأنهاوتنظـر إلـى سـالم بعـين غضب

يكـن مـتواجدا فـيها، بـل لم يكن فيها ما يشير إلى أن ولكـن ناصـر لـم

، والمقاعد مجلس واسع تتوزع التحف في أرجائه . مـا ينـزل هنا امريضـ

مقارنة اقصرتعتبر فهذه الغرفة .الوثيـرة تغـرينا باالنـتقال والسكن هنا

ويجلس . سـامي يمرر يده بفضول على كل شيء .بشـقتنا المتواضـعة

من الفتاة أتقدم . النحيل جسمهيغـرق فيه ل علـى أحـد المقاعـد سـالم

ترحب بي وبعد أن تستفسر مني عمن أكون، . أسـألها عن ناصر بحـذر و

يتحدث نأنني أكثر األصدقاء الذيموضـحة مـرة أخـرى وبشـكل خـاص

!هي ناصر أخت ا إذ. ناصر باحترامأخوهاعنهم

وتفرج لنا الجدار، قطعـة مـن الخشـب بشكل جانبي لتختفي في تدفـع

يختفي داخلها سرير ضخم والباقات،عـن غـرفة أخـرى مليـئة بالـزهور

يعلـق سـامي علـى أنـه يكفي لعقد محاضرة نوم عليه يحضرها شعبة

غـرفة الخارجـية، ونتقدم نحو نتـرك سـالم فـي ال . مـن الجامعـة كاملـة

نجده يبتسم لنا جالسا بثوب .ناصـر نـبحث عـنه وسـط كل هذا الذهول

الذي قلب حيا نـوم من الحرير وعلى جبينه قطعة صغيرة تخفي جرحه

هنا يتطبب المسكين من جرحه، وهناك عائلة .بكـامال رأسـا علـى عق

.وصل صوت بكائها إلى جميع أقاصي األرض

.شرسالمات ما تشوف ت -

.الشر بعيد عني وعنك -

؟ماذا حدث -

به إلى أن يمد أدى سـوء تفـاهم بينـي وبين احد الوقحين ا،بـد أ -

.يده على وجهي

. أصبح سالم وقحاإذ -

. من ذلكوأكثرنعم -

.غباء أن تعرف هذا بعد خمس سنينمن ال -

تـزيد شعوري بالسوء تجاه هذا أال أرجـو لـو سـمحت يـا صـالح -

.الشخص

..!شعورك بالسوء -

.عم فأنا مستاء جدا وبالكاد استطيع التفكيرن -

.سالمتك يا ناصر -

ولكنه بالتنفيذ يهم . الباب خلفه وإقفـال مـن سـامي الخـروج أطلـب

. ناصر على ذلكأخت فتساعده يـرتبك لعدم تمكنه من إقفال الباب،

األول .من ذلك، ولكن لثالثة أسباب منعتها هي األخرى كـادت تخرج

لينا بحركة اعتباطية وال إرادية من إيسيء أن سـامي في الخارج قد

، والثانـي لكــي علــى حـد زعمــه حواجـبه التــي تـتالعب غصــبا عـنه

فقد الثالث أما ناصر في التنازل عن القضية، إقـناع تسـاعدني علـى

.احتفظت به لنفسي وأرسلته ليغيب في عينيها نحوي

.ناصر -

. تتدخلأالأرجوك صالح،نعم يا -

د دخلـت وغـرقت فـي هذه المشكلة فلقـ ذلـك، ال يمكـنك قـول -

.حتى النخاع

فــي االتجــاه الــذي لتســيرر ورك األمــتســتطيع الخــروج مــنها وتــ -

.ارسمته له

تقصـد فـي اتجـاه عائلـة كانـت تصـرخ وتتألم لفقدان ابنها الذي -

تقصـد اتجـاه عائلة لن يبقى لها أم .الشـرطة حاصـرته سـيارات

على عدها بعـد سـالم إال أن تـدق علـى األبـواب تطلب من يسا

؟بالضبط أي اتجاه تقصد .العيش

واقصد اتجاه سالم، اإلسـاءة لعائلة أتمنـى تعلـم جـيدا أننـي ال -

.معاقبة سالم نفسه فقط ال غير

سـالم تـريد الحضور هنا لتقبيل رأسك وتطلب أمهـل تعلـم أن -

؟منك مسامحة ابنها

تبدأ مالمح .هامسةرأسه وتقتـرب مـن طـرف بالحـديث، أخـته تـتدخل

من انوعفيما يرمقني بنظرات تحمل قاتما،لـونه يصـبح لبالتغيـر ه وجهـ

.الغضب

.حسنا سأتنازل -

.جميل ما تفعله -

. أن يعتذر مني عليهولكن يجب -

إقناعه ومن الصعب ،تعلـم أن سـالم شـخص عصـبي ومتـزمت -

.بهذا

.ال بد أن يعتذر -

؟وإن لم يفعل -

.فليذهب هو وعائلته للجحيم -

ألكملت على وجهك ببعض الركالت، لـوال وجـود أخـتك يـا ناصر، -

به أذى ولكن فأنـت تـبدو فـي غـرفتك هـذه كطفل مدلل لم يص

وإال فقــد كــان ، إنــك تفــتقد الــرجولة.شــعوره المتــرف انجــرح

.بإمكانك رد الضربات لسالم دون الهرولة باكيا إلى والدك

؟إنهاءها أنك تحاول أم الطريقة،هل تحاول تعقيد األمور بهذه -

بشـيء لو عرف عنه سالم أخبـرتك ، لقـد هـذا يلـم يعـد يهمنـ -

لرمانــي بجانــبك هــنا، عفــوا اقصــد فــي مكــان اقــل بكثيــر مــن

.مكانك

. غضبهيستحقلم تقل شيئا -

وهذه كرامة إليك، بالتوسل أمه عن رغبة أخبرتك لقد .بل فعلت -

.ويقتلكرجل لو عرف عنها لدخل يكمل عليك

ال ا تطور بسببي إلى ما ربم األمـور ويـدرك أن خـوفا، ناصـر عيـنا تلمـع

إخافتهسهل ت ، يملك كل هذا فمن .تخويفهتعمـدت لقـد .عقـباه تحمـد

.والحياة مقابل شخص يفتقد الكثير وتتساوى لديه رغبة الموت وإرعابه

كم .، وهنا ينزل عينيه حياءا أذنه فـي أخـرى بجانـبه تهمـس مـرة أخـته

عور أنها تتحدث فلدي ش، ما تقوله لهكـنت قـادرا على سماع لـو أتمنـى

وجاذبيتهماها يعينحدة . دون شك ألشدت بها وامتدحتها عـرفته لـو بأمـر

. ذكاءا ال يمكن لي تجاهلهانتخفي

.حسنا سأتنازل ولكن سيكون هذا آخر معرفتي به -

.وستكون آخر معرفتنا بك -

كلماتي األخيرة قد الحظت أن . هم بالخروج أ وأنـا يصـدمه قولـي هـذا

ا إن فـتحت أخته الباب الذي سبقتني إليه حتى ومـ . ألمـا وجهـه عصـرت

سامي بيده مودعا يلوح . سـالم وناصر وكأنه الوداع األخير اتقابلـت عيـن

:ويعلق ساخرا يعلم نتيجة حديثي معه دون أن

تخبرنـي عـن طعـم مغذية عصير أن أريـد قـريبا، سـأراك ناصـر -

.التوت التي في ذراعك

.ناصرإلى اللقاء يا -

طالبا من سامي على عجل ظهري أديرثم ه الكلمـات إلـيه بهـذ ألـتفت

. الممر كمن تسبح رجاله في الهواء أقطع، ف بالخـروج اإلسـراع وسـالم

رقما خارجيا أطلب الموظفينيالحـظ الجمـيع ذلـك، وحالما اقترب من

إجــراءات يرســل احــد جــنوده لينهــي بالضــابط اطلــب مــنه أنوأتصــل

وأتصل السماعة أقفل .توفيق لي بال يـبارك لـي عملـي ويدعو .التـنازل

تأخــذ الصــغيرة مــنها . تــنهار باكــية علــى الهاتــفف، أبشــرها ســالم بــأم

ويبشــرهم ، يحــدثها قلــيال.الســماعة وتطلــب منــي الــتحدث إلــى أخــيها

الحظ االثنان . السماعة لال ثم يقف يبعـودته إلـيهم سريعا ويثني علي قل

شيء، عـن يسـأالني تغيـرا فـي طـريقة حديثـي ومالمـح وجهـي، لـم

ولكــنهما تركانــي لــوحدي قلــيال وأخــذا يــتحدثان بهــدوء متجهــين خــارج

توقفني إحدى الممرضات وتضع في ف بهـم بـبطء، ألحـق .المستشـفى

إحدى البطاقات التي كانت بل ورقة، مجرد لم تكن .يـدي ورقـة ورديـة

كشف عن ي ظـرف صغير زهري اللون مفتوح .الـورد باقـات تـرفق مـع

عينـي الممرضة تنظر إلى الخلف كمن أرى .ورقـة أخـرى فـي الـداخل

بالسير وأستمريـريد منـي مجاراتهـا بـنفس الحـركة، ولكننـي أتجاهلهـا

نـنطلق بالسـيارة، ومـازال سـامي يـتحدث عن ضياع . أصـدقائي خلـف

، ويترجى سالم أن يحقق مع أمه ليعرف تفاصيل كافة الغزلي مستقبله

يل يكاد يقفز إلى يدي الظرف في جيبي ثق .المكالمـات التي اتصلت بها

ولكن الحياة التي مررت بتقلباتها خالل هذه الفترة القصيرة ،كـي أقرأه

ناصر وسالم وسامي وكل . تـرتيب أولوياتـي في العيش أعـيد جعلتنـي

البد لي . بعيد جدا عن هذا المجتمع أننـي أدرك جعلتنـي األحـداث تلـك

لتفاصيل مـن المشـاركة بشـكل فعـال، ال بـد لـي أن اغـرق في كافة ا

فاتنـي مـا يكفـي مـن الحـياة، ولـن يعوضـها إال الجـرأة فقـد الدقـيقة،

لم . عقل من روب المسـتحيل مغامـرا بكـل مـا أملك والـتهور وضـرب د

اخـرجت الكلمـة خـوفا مـن االعتـراف بأن لدي قلب لقـد العقـل، أقصـد

. فيهاأسجنهيتمنى الخروج من كل ممارسات المنطق التي

وصلت إلى الشقة وأخذت أفكر بانها . الورقة جيبـي يشـتعل بتواجد تلك

أفكارنا .بـاب متـى فتحـته سـأدخل إلـى عـالم ال أسـتطيع العـودة مـنه

تـذهب بنا نحو ما نتمناه حتى لو كان سرا ينساب بحياء لما فيه من تعد

وتجـاوز علـى حـدود رسمها الدين وأضاف لها المجتمع تعقيدات أخرى

القلب بنظرة من عينيه، كإثم ال جعلـت من مجرد التفكير بشخص التهم

كجـزء مـن الـناس افكر، وأعلم أنني كنت .يمكـن مغفـرته مـن الـناس

لـن افـتح الـورقة، سامزقها دون أن .سـأفكر تجـاههم بـنفس الشـيء

هكـذا أحـدث نفسـي، وحـرب مسـتعرة بـين رغـبات قلبي .انظـر إلـيها

رتكاب ا شعور باإلقدام على يخالجني .الثائـرة، وأحكـام عقلي الصارمة

باب التوبة المفتوح يجعل كل األبواب .الـذنب ومـن ثـم طلـب المغفـرة

. الموصـدة سـهلة االقـتحام، هكـذا يشـعر الـبعض وها أنا اشعر مثلهم

إننـي احاسـب نفسي على سيرة فكرة لم يتجاوز خط سيرها المسافة

القصـيرة بـين قلبـي وعقلـي، وفـي كر وفر، أصل إلى ارهاق المحارب

عد في واسمع صوت الخفقان يتصا أغفو .لـى عيني ويتسـلل الـنعاس إ

أسي كصداع يريد التفجر نحو الخارج عنقـي نحـو أذنـي ويتـراكم فـي ر

الحل من ليل أصبحت أسيره بعد ان غادرني كل من سامي عن ليسأل

قة لم رو، لقـد اعلـنت الحـرب ب وظلـت نـوف وحـدها المقـيمة .وسـالم

أقــرأ . جيبــيعلـى ي افـتحها حتــى اآلن، ويـداي تخــونان سـيطرة إرادتــ

بسـرعة، ال الـتقط الحـروف، فأمنيتـي تجسدت أمامي في أرقام هاتف

ما سمعت منه سوى جمل قصيرة ومتقطعة، ينتظـر مني االتظر صوات

لكـنه نحـت فـي ذهنـي خانـة تنتظـر استضـافة طيف يقيم فيه، ويصبح

ارفــع الســماعة فــي تــردد .قــريبا مــن قلبــي الــذي دق طــبول الحــرب

:الخيانة لصديقي ناصر، اضرب األرقاميصاحبه شعور ب

مساء الخير -

مساء النور -

ستجابة لها وأحاديـث نـاب عقلي في اال ،وفـي دقائـق مـرت كحلـم

نفسي بكل أمنياتي اقع من ، كـي أجـد وقلبـي غائـب عـن الحضـور

يجعلني .عمـق احـالم عانقـت السـماء علـى واقـع كحجـر الصوان

ي علــيها قــبل أن االرتطــام أفــيق مــن كــل افتراضــات عاقــبت نفســ

ما أجمل أن .تحـدث، ومـن ذنـوب بدأت االستغفار منها قبل ارتكابها

نـثمل بشــيء مــن غرائــزنا البســيطة قــبل أن نصــحو علــى ســطوة

نحب وما أصعب ما أسهل أن.ةالضـمير الذي ال يرحم طبائعنا الطيني

كـان سـالم وناصر إسمان يترددان بصوت . أن نمـارس هـذا الحـب

كنت وسيلة . نادي باسمي ما بقي لي من عمر ظـل يـ وددت لـو أنـه

.يستغيث بها من حولها، وال تجد من تستغيث به

كل حالوة الدنيا تجاهه، ويجعل الناس جاذبا كرهت أن يظل عقلي

قلبـي كالطفل الذي ال يود مـتع بـتواجده حاضـرا ليـنقذها، ليصـبح تت

يجلـس فـي زاويـة مـن الفـناء فـي ظل .أحـدهم إشـراكه باللعـب

نتظر التفاتة ى مـع مالمحـه الباهـتة، يبتسم لكل من يعبر به ي يتماهـ

ذلك بـه كـي يـراه الجميع حاضرا في زخم تضـيء زاويـته وتشـرق

في ،العقـل الـذي سـرق األضـواء لشـدة صـخبه وقدراتـه ومهاراته

عهيولديـه سـوى حب أصبح الكل يتنازل عنه لش مقابـل قلـب لـيس

ال تتجاوز جذورها علـى ألسـن وشـفاه يسـهل عليها النطق بكلمات

.الحلق

انتهـيت مـن معـركة بـين ما أريد وماذا يريد لي الناس، وغفوت في

حـزن يشـوبه بعـض مظاهر االنتصار، لعل ما افتقده ينصب له يوما

.ما يعبر عنه ككبش فداء انقذ من حولة ولم ينقذ نفسه

مرة .اللـيل يجـثو علـى كاهلي بعد عناء يوم اخطأت فيه عدة مرات

قـدر حجـم المشـكلة بين سالم وناصر، ومرة اخرى حين حـين لـم ا

مـا اقـدمت علـيه نـوف وتـركت لقلبـي حرية التوقع، اخطـأت تقديـر

فكـان طفـال عابثا حملني تبعة تنظيفه وترتيبه بعد كل ما احدثه في

لقد . تحـتم علـي ان ارسم خطة لأليام المقبلة .كيانـي مـن فوضـى

والتي تمأل خانات يطة انـتهت فتـرة زاخـرة باألحـداث السـهلة والبسـ

، لتحل مكانها كتل صعبة التحرك تسد منافذ التواصل حياتنا الشاغرة

يبدو أن حالة االعتكاف قد حانت، لن اقدم على أي .بـين األصـدقاء

خطـوة اخـرى ولكـن سـأتجهز لكـل ردات الفعـل التـي تتجسد في

وكالعــادة يظــل . وكــرامة ســالم المجـروحة غـرور ناصــر المكسـور

تنتظر مـباالة سـامي يـنوب عـن الدنـيا كي يخبرني أنها ال سـفير الال

.احدا كي تقرر ما تفعله بنا

:ال شيء يتذوقني

، تريد أن تبعث أشعتها هربا إلى الشمس تبحث عن متنفس في النافذة

اكثر من مر. من حرارة الحياة في الخارج بركود شقتنا الداخل لتستظل

هــدوء . بث أصـداء أفكارنــا الصـاخبة عــ الجـدران تعانــقأنشـهر دون

.يخ الـوقت ويصـبح متثاقال في مروره يشـ .مـزعج يفـيض بالـروح أرقـا

كانت مهمة . أذكر بدايتهتعـودت ان أصـل إلـى نهاية كل إسبوع دون أن

دون أيامي به شارع ليعبروابيد هذا الوقت العجوز األصـدقاء اإلمساك

. يوماثالثين يمر بي خالل ا دهر أما اآلن، فإن .أن أشـعر بـبعد المسافة

بأنها أشعر .فرك التجاعيد حول عيني وعلى جبيني، وأ إلـى المرآة أنظـر

، فالضحك والبكاء والصراخ أشـاهدها مـن قـبل ظهـرت للـتو، لـم أكـن

شفتي ترتخي عضالت أن .يجعـل مـن مالمحـنا متشـابهة في تفاصيلها

توتري عضـالت رقبتـي للـوراء يعنـي شـد لألسـفل يعنـي الحـزن وأن ت

ع أحاسيس تتجنى بها ماذنـب هذا الجسم يتفاعل دون إرادة م .صـارخا

وحتى .السكون يسجن عالمي . مـنا الـبقاء أصـحاء الدنـيا عليـنا طالـبة

األذنيجـب ان تألــف .اس فــي الشـارع ال يمـأل هــذا الفـراغ صـوت الـن

، لكـي تلتهمه النفس ى تعتبـره صـالحا السـتعمال الذاكـرة الصـوت حتـ

لـم أتصـور أبـدا أن عـبور سيارة اإلسعاف قد يربك .رهوتـتغذى بحضـو

بحثا وأنظر الستائر أرفع اقتربت من النافذة .هـذا الركود ويشعل ذهني

ها هناك تحاول المرور عبر إن .عـن السيارة التي مرت صارخة قبل قليل

ــزحام ــنا ال ــرار ، والســيارات األخــرى تت فس فــي اســتغالل الفرصــة للف

. هاوراء

لعـل احـدهم كـاد أن يفقـد فرصة ..)! قـوم فـوائد مصـائب قـوم عـند (

وظـيفة أو يعلـق فـي مشكلة مع زوجته التي تأخر على وقت مغادرتها

افكـر بهـذه االقـدار التـي تتسلسـل عبـر الشارع لتجعل .مـن المدرسـة

إشارةاتجاه ب انظر .الجمـيع معلقـا فـي خـيط من االحتماالت والفرص

يقف .ى مـنع تدفق السيارات لـم يعـد قـادرا علـ األحمـر المـرور، لـونها

أعرفه . بجـوارها علـى الرصـيف يصـفق يـدا بيد وكأنه يحوقل أحـدهم

فقـد انطـبع وجهـه المبتسـم فـي ذهني وهو يفرك يديه ليقبض ، جـيدا

يحب المصائب أحـد ال. قـيمة نقلـه سـيارتي مـن موقـع الحـادث يـومها

هــؤالء : "ســألت نفســي يــوما . مــاذا عمــن كانــت مصــدر رزقــهولكــن

يستيقظون كل اص الـذين يمارسـون نقـل السـيارت المتصادمة األشـخ

للهم ا"صـباح لممارسـة عملهـم، هـل مـن الممكـن انهـم حين يقولون

. "؟على اآلخرينن بالكوارث يدعو، "ارزقني

هـا هـو اآلن يفكـر بمكان الحادث الذي كان السبب في انطالق سيارة

يعود. يرهاالسـعاف، انـه يـبحث عـن كيفـية الوصـول إلـى هناك قبل غ

صـغيرة نصــبها لنفســه بجــوار خــيمة ) السـطحه ( إلــى شــاحنته مسـرعا

كـيف أنـه ساومني على حزني وحاول اقتناص أتذكـر .بجانـب اإلشـارة

لـم يهمـه بقـع الـدم على ثيابي وال .لحظـات األلـم لكـي يكسـب اكثـر

لقـد اختصر شعوره بمواساتي بجملة الجـروح المنتشـرة علـى وجهـي،

كلمـات كغيرها من . "ك والحمدللـه علـى السـالمة فـي الحديـد وال فـي "

لم أجد لها و التعابير المستخدمه في حياتنا اليومية، سمعتها بتكرار ممل

.أي معنى حقيقي

يعلـن استسـالمه لحـرارة االســفلت إطـار . صـوت انفجـار فجـأة يـدوي

أمام تقف بهدوء سيارة بجوار الرصيف أنتـبه إلى .ويـتخلص مـن جلـده

حيث ال شيء سوى أنا والهدوء .بنفسي إلى حيث كنت وأعـود ، المبنـى

اخر عند لسيارة االسعاف تختفي أنظر وأنـا الـنافذة أودع .مـن حولـي

وتسحبني إلى ني تجتاح ةص بغ أشـعر .المخـارج علـى الطـريق السـريع

.األرض

عندما تفتح ذراعيها لناسـببا فـي انهـيارنا، هـي فقـط الجاذبـية ليسـت

. قنا بالسماءينقطع االيمان الذي يعل

الحفر في ذاكرتي بحثا عن ذاكرة جميلة على فراشي وأحاول أسـتلقي

"حسين" ضـحكة .هـذا الـيأس الـذي تـرنحت تحـته قـدماي تغلـف كـل

الـرنانة والتـي تدغـدغ مـن حوله كفيلة بأن تخلق من أي عبارة سخيفة

كـنا نضـحك لضـحكته ولـم يكـن يهمـنا أن نسـمع ما .أجمـل الـدعابات

. سمعه

كنت سأحسد الموتى " ..اللـه لك يا حسين واسكنك فسيح جناته غفـر "

. كنني أشك أنكم تستأنسون بتجاوركم المجـاورين لـك فـي المقبرة، ول

، مازالت فمهمـا كنت عزيزا علي . معـك أكـون أن أتمنـى لـن ومـع ذلـك

. آخراالحياة تدفعني ألجد أي حسين

؟ أخبرني هل هناك من يشبهك-

لقــد .غادرتــك، وأصــبحت وحــيدا فــي غربتــيالمديــنة غــادر ســكانها بم

أخرى ، ومرة وأهلـنا حـين غادرنـا قـريتنا بـرفقتك مـرة .تغـربت مـرتين

.وحدي حين غادرتني

اتذكـر كـل لحظـات ذهابه، واتذكر صوت الهاتف وهو يرن ليخبرني عن

ينقطع .نـبأ وفاتـه وكأن الصوت يتجسد في داخلي ليصبح حقيقة حولي

.انبيالفكر على رنين الهاتف بج

.ألو -

ــرد اآللــي تخــرج الكلمــة مــثل جهــاز ن أن يبادرونــي تعــود المتصــلو. ال

فما من .بالموضـوع دون الـبدء بديـباجة السـؤال عـن الحال واألحوال

، وكلمة مـنذ ان وصـلت إلـى هنا والحال يمشي واقفا ،تغيـر قـد شـيء

.هي شكر ضمني لله سحبانه وتعالى ألننا مازلنا نتنفس) بخير(

، هل احضر لك غداءا ؟نصف ساعةسأحضر بعد -

كم الساعة اآلن ؟ -

. الواحدة ظهراإنها -

!؟ياااه، هل مر كل هذا الوقت -

؟ تدري بنفسكأما -

كنت ألشعر يوما ما وتأخرت، لـذلك لـو قلـت بعـد نصف ساعة ال -

.بالفرق

!يبدو أن حالتك مستعصية -

؟في أي يوم نحن -

؟ لك الغداءأحضر هل وأخبرنياختصر علي -

.ريد، تعلم أن الرفض بذخ ال نتحمل تبعاتهما ت أحضر -

؟والدخان -

علبتي سجائر، ثم عد مرة اشتر قـبل أن تشـتري الغداء أتعلـم؟ -

ه من علب ؤاخـرى واشـتر بقيمة الغداء كاملة كل ما يمكنك شرا

.السجائر

حسـنا أيهـا المـريض، سأشـتري لـك غداء وسجائر تكفي لقتلك -

.سريعا

، ثم يعود أو شـهرين او حتى سنة اء لمـدة شـهر يغـيب أي مـن األصـدق

. كل هذه الفترةعن غيابه تساؤل أو دون أي استغراب بهذه الطريقة

الغـياب والعـودة دون وجـود مـن يأسرنا تعودأن نـ انـه لمـن الجمـيل

، واالصدقاءأشواق األهلاالبتعاد دون حساب ف .بقلقـه وخـوفه تجاهنا

ون من اذا يتعذب األخر لم .عطي شعورا بالحرية واالنفراد بألم الرحيل ي

يجعلـنا القـدر مركـز اهـتمامهم ومحـور حـياتهم ثم يغدر بهم ..أجلـنا؟

وأصدقائي أن نمرن كل من حولنا قررتلذلك .تـزعنا مـن احضـانهم نوي

أقل تشبثا ا، كانوا من يحبن م يابـنا حتـى إذا ما جاء القدر لسرقتنا علـى غ

. مون أن ينتزع رحيلنا قطعا من قلوبهنتركهم دف .بنا

كبر في مثل األخبرة ال، وهو صاحب كانـت هـذه إحـدى نظـريات سـالم

فمعاركـه معها تجعله .مصـائب وطـريقة الـتعامل مـع األحـزان هـذه ال

اكتشف هذه النظرية عندما انغرز .القـادر على توجيهنا وقيادتنا لالنتصار

انه فكر فيما لو أخبرني. فـي سـاقه مسـمار حديـدي أثـناء عمله كنجار

ضا منه، زاعه بقـوة كـيف سـيمزق اللحـم من حوله ويتنزع بع حـاول انتـ

ه عوضا ولكن. يصـيبه األلم دفعة واحدة ليضيء كالشرارة في أعصابه ف

كان األلم يقل كلما اقترب من .ء نحو الخارج يحركه ببط أخذ عـن ذلـك،

يشرح . واللحـم مـن حـوله يـتخلص بهـدوء دون أن يلتصق به ،اخـراجه

في وقت مبكر من عمره أن الحياة دركأ إلـى شخص أنظـر هـذا وأنـا

دام العذاب وما .لـن تقـدم لـه الكثيـر مـن األفـراح واللحظات السعيدة

أن يتعود صحبته ويتوافق معه ويتعلم إذن عليه، سيصـاحبه حتى النهاية

ذلك الذي يربط بينه وبين عقـد زواج كاثلوكـي . كـل مـنهما تقـبل اآلخـر

احدهما إال أن يخون للخالصطـريقة مـن لـيس هـناك .سـوء الحـظ

ال حتى لو حدث هذا .ومـا مـن شيء أشد إخالصا كسوء الحظ ، اآلخـر

سـالم بالـتخلص مـن هـذا الحـظ، فهـو يـؤمن أن الخيرة فيما يجـازف

قضب أ "الكويتاخـتاره اللـه، أو كمـا قـال لـه أحـد معارفـه مـن دولـة

. "مجنونك ال يجيك اللي أجن منه

شرون القبيلة ينتينتمون إلى نفسالذين عمومـته وأبـناء أقـارب سـالم

نه في ، وجمـيعهم أحسـن حظا م علـى مسـاحة واسـعة فـي الخـريطة

االحزاب أحد رئيس افـراد قبيلـته رجل يعمل ك أحـد حتـى أن .أوطـانهم

السياسـية فـي اسـرائيل وعضـو في الكنيست وهو من عرب فلسطين

الم س فأخبرنا حينها ، فنا ذلـك بالصـدفة عن طريق األخبار اكتشـ .هـناك

: معلقا على سخريتنا

لقد فهمت اآلن أن ال مشكلة لدي، فأنا الشخص الصحيح في المكان ــ

!ىءالخاط

يـرى أنـه مواطن كان بإمكانه العيش بطريقة أفضل لو قدر له أن يولد

فهم . لو قال الجميع ذلك لما بقي في األوطان إال حكامها . في بلد آخر

ص المناسـبين في األماكن الوحـيدون الـذين يجـدون أنفسـهم األشـخا

.المناسبة

ما يخصه شـيئا أن إلـى تتسـارع الذكـريات عـن سـالم فـي توتـر يشـير

لحظة . فـي تخـيل أحـدهم يقدم لي مبلغ مليون ريال أسـرع .سـيحدث

فال أمامنا، فاجـأ أن مـا طـرأ على الذاكرة حاضر تتكـرر دائمـا، ون كهـذه

هذه المرة . "ريالتنـي ذاكر مليون ي يـا ل " بقـول يسـعنا سـوى التعلـيق

لعل ما تعودنا قوله في تصور ساخر يتجسد ف. ي سبقت القدر أعـتقد أنـ

. المغامرة بكسر المألوفوأكسبحقيقة

. بالجوعأحس فيها هذه المرة األولى التي .ي جائـع وأتذكـر أنـ أبتسـم،

الصورة تزداد . سـالم يحـرك كـل مشاعر الحاجة لدى اإلنسان أنيـبدو

لقــد بــدأت اســخر مــن مأســاة .مــن الشــيطان وأتعــوذ باللــهســخرية،

الــرب والجمــيع يقــول ان مــن يضــحك علــى أحــدهم يعاقــبه ،شــخص

. بالمثل

مــن الغــرفة أخــرج . تحديــد مصــدرهأحــاول ،جــرس كهربائــي يصــدح

أحدهم أيقظه لقد .س الشـقة يكاد يقفز من على الجدار جـر واشـاهد

دق ال حاجـة ألي شخص أن ي .بعـد أن نسـي وظيفـته ومهمـة وجـوده

ــه ، فل الدخــولجرســا قــب ــى الغــرباء يصــبحون .الجمــيع مــرحب ب حت

بالسالم ثم يبدأ التعارف أصـدقاءا بممارسـة أساسيات حياة العزوبية ،

مشـاركة بعض األغراض، الملح، الصحون، السجائر، المالعق، األقالم،

هم لـدي فـي الشـقة أشـياء نسيت من .وأشـياء أخـرى كثيـرة األوراق

.أصحابها

أن ـ واغلبهم من طالب الجامعة ـ ة علمـت سكان هذا المبنى المشـارك

ين ي المبنى مخصص للمنف. يوما مامـا يفقده أحدهم سيضر من يحتاجه

بحــثا عــن المســتقبل، أو الهاربــين مــن زحــام الــروابط مــن أوطــانهم

متشابهون في بساطة الحضور، .العائلـية ومسـؤولياتهم تجـاه المجتمع

عن اآلخر إال عندما تشاهده يركب سيارته قـد ال تميـز مسـتوى أحدهم

، سهرته مع األصدقاء في إحدى الشققعائـدا إلى عائلته بعد أن قضى

أو آخـر تصـادفه صباحا أمام المبنى ينتظر من يقله للمطار يريد مفاجأة

شيئا ال أحـد يفكر بأنه خسر لـذلك .أهلـه بوثـيقة تخـرجه مـن الجامعـة

لكنه مهم ، له ذي أهمية غيـر فـه خل أحـدهم مـا يتـركه ويصـبح وراءه،

.لشخص آخر يحتاجه

بروتوكول إجابة الطارق على أتبعبـد أن بمـا أنـي سـمعت الجـرس، ال

.أنظر من العين السحرية .الباب

ا بك يا أخي لماذا كل هذا البطء؟م -

؟لماذا لم تدخل مباشرة -

!في يدي من األغراض ما يمنعني من اإلمساك بقبضته -

؟جرسإذن كيف ضربت ال -

!بطرف أنفي -

.تقصد يدك الخامسة -

أفرغ الطعام في .وأتجـه بهـا إلى المطبخ أعاونـه فـي حمـل األكـياس

.الصحن وأعود إلى سامي الذي بدأ يفرش الجرائد

مطعــم جديـد فــي آخــر فهــذا ،أريـدك ان تقــول رأيــك بصـراحة -

.الشارع

؟ منذ متى ؟حقا -

ت هذا متـى كانـت آخـر مـرة غـادر .األسـبوعين مـنذ مـا يقـارب -

!؟الكهف

أثارت رائحة طبخ مستمر في الحارة بأن أعتقد ي ولكنـ أذكـر، ال -

.حيرتي

.هيا كل وأخبرني برأيك -

.إما أن أقول لك بعد أول لقمة، أو بعد آخر لقمة -

؟وأي فرق بينهما -

أول لقمـة هـي الطعـم وبهـا التذوق عندما يكون شعور الجوع -

ما يكون متوسـطا، وآخـر لقمـة هـي الطعـم وبهـا الـتذوق عـند

شعور الجوع شديدا؟

.يبدو أنك بدأت تفقد عقلك في غيابي -

. في حضوركأملك واحدامن قال لك أنني كنت -

. منتظرا رأييويحدق بي أول لقمةأبتلعيشاهدني

.إنه طعام لذيذ -

. احد مشاهد المسلسالت التاريخية على بطني مقلداوأمسح

!بالله عليك أخبرني -

إنه علـى معرفة رأيي؟ مـاذا تلـح ل ؟ومـا المهـم فـي الموضـوع -

.رز ولحم وسلطةأطعام كأي طعام آخر،

أتعرف لمن هذا المطعم؟ -

؟وهل سيفرق الطعم إذا عرفت -

!ال أدري ، ربما -

؟لمن -

:قائاليشير بزهو تجاه نفسه

!لمحدثك وصديقك المخلص -

كان من الممكن أن اآلن تخبرنـي بعـد مـرور كـل هـذه الفترة، -

.غداء والعشاء علي مصاريف التوفر

لقد كان مشروعا متعبا، وها .بالكـاد انتهـيت منه خالل أسبوعين -

. تتناول الطعام على حساب المحلأنت

: القائل ألم تسمع المثل .إذن هـو ألـذ طعام تذوقته في حياتي -

!"الخل البالش أحلى من العسل "

.إذن هو خل -

.بل عسل -

والدة فكرة لي كيفيةيشرح. تـناول الطعام، ويتابع سامي حديثه أكمـل

قصة مثيرة . كانت البداية رأس المال، وكيف مـا إن توفـر لـه المشـروع

محل أخبرني بافتتاحه لو لو فهـو فـي كلـية الحاسب اآللي، .لإلسـتغراب

لكن األمر لم .ج حاسب آلي لكان الوضع طبيعيا ربما بـيع أجهـزة وبرام

إن ما .بالفرصالشباب لم يعد يؤمن بالتخصصات، بل ف يعـد مسـتغربا،

والخبرة .يشـاهد احـدهم فرصـة كسـب وربح حتى يبادر بالخوض فيها

أمـر سـهل، فالعمالـة المنتشـرة فـي الـبلد تقـدم خبـراتها مجانـا وبأقل

مـا يسمى طريقة ها ب التـنافس علـى هـذه المشـاريع حفـز ، و األسـعار

المطعم ال يشرف عليه سامي وال يعرف عن أموره إال . النسب والتستر

يأتي نهاية كل ، ثم بـبعض الدعايـة لـه بين محيط عائلته وجيرانه قـيامه

.هشهر ليأخذ النسبة المقررة له من قبل العامل الذي يدير

:ن هذه المرة تبادر إلى ذهني سؤالعدنا للحديث مرة أخرى ولك

كـيف تعـرف مقدار نسبتك بالضبط إذا لم يكن لديك فكرة كاملة -

؟عن دخل المحل

وما النسبة على أساسه،ى للـربح واعتبرنا أعلـ القـد وضـعنا حـد -

عـدا ذلـك لسـت مسؤال عنه، سواء خسر هو أو ربح أكثر، دخلي

.أنا ثابت

، وميدالية من المعدن نظيف وجديد . يلـوح بسلسـلة مـن المفاتـيح بـيده

. من اسمهاألول الفضة نقش عليها الحرف

. نخرج قليال بسيارتي الجديدةهيا بنا لكي -

اسـبوعين مـن المشـروع مكنتك من شراء هـل تعنـي ان مـدة -

سيارة جديدة

!بالطبع ال -

!، فما زال السؤال قائما اإلجابةأحدق به منتظرا

حصـلت على مبلغ من المال، كان كافيا لشراء سيارة والبدء في -

.مشروع المطعم

أن الشـيء الوحيد الذي تتوارثه أذكـر .. ؟هـل ورثـت يـا سـامي -

. عائلتكم هو الربو

فهمت ان هناك قصة طويلة وفترة ما . اول تجـنب اإلجابـة يضـحك ويحـ

يجب ان نكون في . إنها من حكايات آخر الليل .بعـد الغداء ال تكفي لها

مناسـبة جـدا، فـالظالم وكمـية الضـوء القلـيلة التي تتسلط علينا أجـواء

التفاصيل فتنساب ،مسـتلقين ومتقابلين تجعل من الحديث أكثر انسجاما

. هكـذا يخيل لنا، ولكن الحقيقة تختلف عن ذلك .نبصـورها إلـى الـذه

مليئة، قصصـنا التـي نتصـارح بها في آخر ساعات الليل لها طابع السرية

شـيء مـا خـالل التاريخ جعل الليل متهما . بالمغامـرات المحـرمة هـي

هذا . نبوح له بكل ما أخفيناه طيلة النهارف لها، اإلنصاتبسـيئاتنا، يـتحمل

ــيل بالــنهار، يتصــافحان والشــفق .مــا نعــتقده ــيل الــتقاء الل األحمــر دل

. عنا ويتبادالن األسرار

محصلة تغيرات سوى ما نراه ولـيس ،العـالم فـي الخـارج يتغيـر بـبطء

،صـغيرة وبسـيطة تتـراكم على مر الزمن لتظهر فجأة وتصيبنا بالذهول

. تي كانت بين ظهرانينا طوال الوقتوهي ال

أحياء جديدة .نب اآلخر من المدينة هـناك أشـياء كثيرة حصلت في الجا

وانتقالها للعيش أخته عرفت ذلك عندما تحدث سامي عن زواج .قامـت

بعــض األحاديــث تكشــف أمــورا ال . أحــد تلــك األحــياءمــع زوجهــا فــي

. يتعمدها قائلها

!مبروك -

ي علـى الحفـل ، ولكن أعـزمك صـدقني كـدت . اللـه يـبارك فـيك -

.ترفض أنتوقعت

.نت سأقبل لعلي كما يدريك؟ -

!، أنت تحاول إلقاء اللوم وتأنيبيأعتقد ذلكال -

.ال، ولكن بالفعل ما يدريك لعلي كنت سأقبل دعوتك وأحضر -

عدم المشاركة في مناسبات الزواج والعزاء _مبدئك، ومـاذا عن -

كـي ال تصـبح ديـنا علـى صاحبها ويصبح مضطرا لدفعها حتى لو

_كان كاذبا في مشاعر فرحه أو حزنه

نه؟ماذا ع -

هل تنازلت عنه؟ -

.يمكنه أخذ إجازة من وقت آلخر -

!! شخص بال مبدأأنت، ال أعلم كيف تعتنق مبادئك -

؟هل هناك من هو صاحب مبدأ -

.األغلبية كذلك -

؟بها حياتهم بفكرة وانتهوا بدؤوا مهل تعني أنه -

.ا على مبادئهمال طبعا األفكار تتغير ولكنهم حافظو -

..سامي -

يعـرف أن محاضـرة مـن الفلسـفة كمـا يسميها بامـتعاض، ينظـر إلـى

مشـتاق هـو ألحاديثـي هـذه، لذلك سيسمح لي هذه المرة أن .سـتبدأ

.رسا ربما يكون قد سمعه مني كثيرا دأعلمه

نعم يا صالح ، سم ، آمر ؟ -

أننيينصت لي ويعلم . وينتابنـي شعور افتقدته بغياب األصدقاء أبتسـم

كل طقوسي، أمارس يتركني . إلى أحدهم منذ فترة طويلة أتحـدث لـم

يكفيــنا مــن .الــذي يفهــم مــا أقــولويعطينــي انطــباع المســتمع الجــيد

األصـدقاء أن يسـتمعوا لـنا ويشـعرونا بـذلك حتـى لـو كانـت أحاديثنا ال

. األذنتتجاوز غضروف

ما الفرق بين المبدأ والفكرة؟ -

.يبدو أني سأعلق مرة أخرى بسبب كلمة لم أفكر فيها جيدا -

. جـب أن تفكــر قـبل أن تــبادر بــالكالم ي. هـو بالتأكــيد نعـم هــذا -

تصبح حتى ننطقها بال مباالة وما أن جميلة، الكلمـات لهـا معـان

.باهتة

.أعلم ما الفرق بين المبدأ والفكرةال -

.المبدأ هو فكرة يبدأ بها أحدهم -

.أفكارهبهو يتمسك فإذن من يتمسك بمبادئه -

. ولكنك قلت أن األفكار تتغير،صحيح -

.يتغير تقبل الناس لها، ولذلك تنتهي مدة صالحيتها -

. فكرة منتهية الصالحيةأحدهمولماذا يستخدم -

. بكل بساطةألنها فكرته -

التحف أوهـل تعني أن جمع األفكار أصبح كهواية جمع الطوابع -

؟القديمة

.من يدري لعلها تفيد يوما ما -

تأتــي النقاشـات معـه .سـامي صـاحب عقلـية منطقـية رياضــية عفـوية

قد يبدو . بقـدر ما أعطيه من معلومات، يتجاوب معي .بصـيغة البـرمجة

يحلل لك عقلـه ر فـي واقـع األمـر يتـ ولكـنه فاهمـا ومـدركا لمـا يقـول،

ــيها دون أي ــرد علـ ــاود الـ ــتأمل أو اإلدراك الكلمـــات ويعـ ــة للـ ممارسـ

التي تعد في ) 2 =1+ 1(ة الرياضي كإحـدى المسـائل تمامـا . المـتعمق

1هل من المعقول أن أي ف. ينقصها التمييز ة بال معنى، إذ الواقـع مجرد

!؟ آخر 1نستطيع جمعه مع

ماذا ؟ = برتقالة 1+ مصباح 1

1 مصباح باإلضافة إلى 1.بالتأكـيد سـتظل كمـا هـي وال يمكـن جمعهـا

.حدة، كل منهما منفرد على برتقالة

بالفعـل، كـل شـيء يمكـن اإلستفادة منه، كعملية إعادة تصنيع -

.فاياتالن

.أقصده هذا ما تماما -

ليال من االستسالم ق. إجابته هذه متوقعالـم يدرك أنني رميت له بطعم

باقتراب وصوله أوال إلى اللخصـم خـالل أي نقـاش يعطـيه شعورا زائف

.خط النهاية

.إذن أنت تعترف أن هذه األفكار كالنفايات -

قد بدأ كان ي ويرتخي عن الحماس الذ ،يـدرك متأخرا أنه التقط الطعم

ــيه ــزه .يتصــاعد ف ــباهه ســهلة، تحفي ــية شــد انت ــراؤه عمل ــبعض وإغ ب

يعود ، يصمت للحظات .سـب يجعلـه يـنطلق مسـرعا نحـو الهـدف االمك

. دون نقاشه أكمل أن ني أنه يريدفأدركلوضعية االستماع الوهمي

.يبدو أنك غضبت -

.ال ابدا، ولكنك دائما تحب فعل هذا -

فعل ماذا؟ -

.ألصل بها إلى حيث تريد أنت نفسي شأناقان تجعلني -

. باستمرار وتتقبلهأفعلهوهل يجب أن اعتذر على شيء -

فال حاجة لك بأن تشعر .، ولكـن علـيك ان تغيـر اسـلوبك هذا ال -

.اآلخرين بغبائهم وتضعهم في مواجهة مع ذكائك

.اأنت لست غبي -

.معك قبلت النقاش ينألبل غبي جدا -

شعر بكلماته التي تدل على أنه يفاجئني. علـى غيـر عادتـه يغضـب

حاولت تجاهل استيائه واكمال الحديث فهذا، منه أعهد لم .باإلهانة

خلط بين ي أن سـامي فـي كثيـر مـن األحـيان أعـرف .حـيث انتهـيت

األمــور ويتصــرف بمــزاجية لدرجــة أنــه فــي إحــدى المــرات كــاد أن

طلب منه السكوت هيشـتبك مـع ناصـر فـي شـجار عنـيف لمجـرد أن

.نهي محادثته على الهاتفحتى ي

المبدأ عبارة و. أيضاأنـت إنسـان ذكـي، ورجـل مكـافح، ووسـيم -

عـن فكـرة يـبدأ بهـا اإلنسان وليس شرطا أن ينتهي عليها، وفي

مـا يناسـب ظروفه التي يمر بها، ئكـل مـرة سـيجد مـن المـباد

.واعذرني

.يستغرب من اعتذاري، ويبادر بقبوله

.يجب عليه االعتذارمنته ، أنا من اعتبر األمر -

.اذن اعتذر -

.أنا آسف -

.يقولها بعصبية

لقـد كنت انوي االعتذار لك لكي استأذن منك . ، عـن أذنـك حسـنا -

. وليس ألني أخطأتقيلولة في أخذ

ضحكا أنفجر . وجهه تقترب من حافة التمزق غضبا ح مالمـ أتابـع -

ويقسم أن ال يعود مرة اخرى إلى ، ورائـي يلعـن ويشتم وأتـركه

ثم يشرع . وانـه كـان مخطئا حين فكر بإحضار الطعام لي هـنا،

بعزف اسطوانة األفضال ولماذا يستمر بالعطف والشفقة علي،

تصـال أمـي علـيه وتوصيتها وطلبها أن يطمئن علي من مـرورا با

لتركنـي حتى أموت دون أن يدري ذلـك اللـو إذ وقـت إلـى أخـر،

.بنىاحد إال بعد تعفن جثتي وانتشار رائحتها في الم

يخالجني شعور ، أستمع إلى حديثه مبتسما مـتجها إلـى الغرفة، أمشـي

فهـو حـين يصــيبه الفـرح يصــبح .بـأن سـامي يمــر بفتـرة ابـتهاج غــريبة

فاللـيل قادم وأحاديثه تستبدل األحالم ، ال حاجـة لـي بالتفكيـر .انفعالـيا

. بفجر جديدوتنبئنا

الو -

؟صالح -

.هال -

؟ث لم تتصل بي منذ شهر، ما الذي حد -

أول مكالمة، ال أحب أخبـرتك بكـل مـا لـدي فـي ؛ ، رجـاءا نـوف -

.التدخل في مواضيع كهذه

أنـت تعـرف أنـك تحب التدخل، وتحب إيجاد .ال تكـذب يـا صـالح -

.الحلول، لقد رأيت ذلك في عينيك عندما كنت في المستشفى

؟تغيرت بعد ذلك، أال يحق لي -

نا افزع إليك أ !؟ لمـاذا تـرفع صوتك وكأني أحاكمك هنا ؟مـا بـك -

! وأنت تعاملني كمن تشحذ منك،طالبة مساعدتك

تقـف عند إحدى اإلشارات .وأتخـيلها تشـحذ بعـباءتها الحريـرية أضـحك

كل ما إلى رمي الرجال تدفع بطرحتها الملكية وعينيها الكحيلتان متلـثمة

. في جيوبهم

.ال العفو، نحن من نشحذ منكم -

. ال تعاقبني على من أكون!وب صالح ال تتحدث بهذا اإلسل!يا الله -

.ره الكل معاقب بقدر لم يخت،حال الدنياهي هكذا -

؟هل تحدثت إلى سالم -

. وال أحد يعلم أين هوسالم مختف -

.أعلمأنا -

أين؟ -

. إنه هنا في دبي -

؟ أهذه مزحة سخيفة؟سالم في دبي -

.، لقد قابلتهأقسم لك أن سالم هنا -

ال استطيع منك، أعتذر . تدبر أمركما دون تدخلي احسـنا، يمكنكم -

.مع السالمة. متابعة الحديث

!!صالح -

، يســتطيع أكــره ضــميري .بإســميتــنادي مازالــت الخــط وهــيتأقفلـ

الجميع . ال أسـتطيع حبسـه فـي داخلـي .ينتصـب أمامـي وخـزي وكأنـه

حد أنا مثالي. يفعـل ذلـك وينتصر في هذه الدنيا ويكسب فيها السعادة

التي أحمل همها لن تشكل فرقا أمام رحمة وذنوبـي القلـيلة التعاسـة،

الله الواسعة والتي قد تجمعني في جنة واحدة مع من هم أشد فسقا

.

!! سامي! .. سامي!سامي -

وحين . نفسي أصارعفقط أنا الذي . بغضـب ال أحد مسؤول عنه أصـرخ

لماذا لم تنتصر هي وتأخذني أسيرا معها إلى الجانب ! ..أغضب ،نتصـر أ

!؟ه الحياة الممتعةاآلخر من هذ

!نعم ، لماذا تصرخ؟ -

أين سالم؟ -

!ال أدري -

أليس في دبي؟ -

.ال بد أنك تمزح! سالم في دبي -

ال أمزح ، أين هو؟ -

خلطت بين كيبدو أن . ناصـر وعائلـته في دبي . قلـت لـك ال أدري -

.االثنين

.دعني قليال لوحدي. أخلطال لم -

! ولكنك ستخبرني عاجال أم آجال ،كما تشاء -

!رجاءا أخرج -

سلوب، فأنا خارج من الشقة كلها، ، ال داعي لهذا األ حسـنا، حسنا -

.وسأعود إليك بعد صالة العشاء

. ما يحلو لكإفعل -

شعوره إلظهار اإلنفعال يفتعل . خلفـه الـباب ب يصـفق يخـرج وأسـمعه

. ما حصل قبل قليل ث بالعب الممتلئة حياته أنسته سـيعود وقـد .بالسـوء

:وأظل مرهون التفكير

.!ي جبانن؟ ألنكان سالم وليس أنالماذا ـ

أنتشي ليلة كاملة وأنا تركتني ،تلـك الفتاة الجميلة أهدتني ورقة معطرة

حلـم تـذوقت حالوتـه حتى أصبح .)اتصـل بـي علـى هـذا الـرقم (أقـرأ

بها، لكنت أكثر أتصـل الحلم ولـم اكتفـيت بـ ليتنـي . مـرارة تحـرق كـبدي

بعيدة المنال قبل أن تتالشى حالميأ هكذا هي . بـأن لـي أمـال قـناعة

.مع أول محاولة نحو تحقيقها

من :عليهما كل ما يطرأ لتلبية قلـبا وعقـال اننـوعان مـن الـناس يـندفع

يحـب نفسـه حتـى غـدا ال يشبع مهما قدمت له الحياة من ملذات أدمنها

قلبه وعقله، وآخر ال يملك شيئا يخاف أن يخسره لذلك يجازف بما بقي

تحاول العيش على . بينهما فئة عالقة في التردد. عقـل وقلب لديـه مـن

. تخدع نفسها بالهدوء واالستقرار.الراحةهامش آمن، يبقيها في ظالل

ذلك تعبرني مراكب ل. ال يخلتطان ،أجاج عقلعذب و قلب أنا بين كبـرزخ

.لتتذوقنياح دون أن تتوقف تراح وسفن األفراأل

:قالب حديدي

، ولو تركنا له الخيار لفضل أن ارع شيء جعلناه دليال على عبورنا الش

ندوس عليه ونعاود ذلك في كل مرة .يظـل خاليا من كل أثار الخطوات

أشاهده يتجاوز المباني .وال نفكـر كـم مـن الـندوب يحملهـا دون إرادة

ــ ــنعطف ويختب ــي المتربصــة ئوي ــه يهــرب مــن نظرات ــزوايا، كأن فــي ال

وأجد سامي قد سلك ، واسير معه حتى يرمي بي أمام المبنى .بامتداده

نفـس الشـارع مـن بدايته التي كان من المحتمل أن تكون نهاية لي لو

يظل ، و ذا األقدار تنتهي بنا حيث يبدأ منا اآلخرون هك .بـدأت في اتجاهه

علي شارع آخر في حياة كل من ل .الشـارع بـريء إال مـن آثـار أقـدارنا

.ل زاوية تبقيني بعيدا عن أقدارهم في كئعطف واختب، امتد وانحولي

:يستوقفني سامي

.هيا بنا -

؟إلى أين -

.إلى المطار -

؟لماذا -

. ناصرالستقبال -

؟وأين سائقه -

طلب مني .أعلـم لقـد حدثنـي مـرتبكا أو غاضـبا ال .يـريدنا نحـن -

.وانتظار قدومه إحضارك

!..ما بال هذا الهم ال ينجلي أبدا

األصدقاء .وليةؤيهم مـن يـرمون عليه كافة المس فـرحون هـم بـأن لـد

رفضوا أن يظل .مجـرد أطفـال ثـاروا على أهلهم ليستقلوا بشخصياتهم

وبعــد أن .األعــباء بأنفســهماخــتاروا تحمــل فولين عــنهمؤاألهــل مســ

يتحملون أشخاص مـن حرية، عادوا للبحث عن أرادواحصـلوا علـى مـا

ــم ــاركونهم اله ــاة، ويش ــض المعان ــم بع ــرف ج .معه ــذا التص ــيل ه م

اإلنسـاني، أن تـتخلص مـن أهلـك بحجـة انهـم يقـيدونك حرصـا عليك،

أن الصـديق يمكن اختياره والتبريـر .تجعـل شخصـا آخـر يفعـل ذلـك و

ما يجعلهاإلنسانمجرد كونهما قدر لم يختره ف األب واألم اشخصـيا، أمـ

للتحرر تضيق عليه وتدفعه واإللتزامات، إلى أن ألفضـال باعـوامل تقـيد

.امنه

. هناسأنتظركمااذهب إلحضاره أنت، -

.لقد ألح أن تكون حاضرا هناك -

.ولذلك ال أريد أن اذهب -

؟ولكن أين كنت بمالبسك الجديدة هذه -

.في المسجد -

المسجد؟ -

! ناصر، والله يصبرني عليكموأحضرذهب اآلن سأ -

!حاضر يا بابا -

لشراء بالمالفكر من أين له وتركني أ انطلـق سـامي بسيارته الجديدة

األفكار تتجاور . سالم، وناصر، ونوف تجاوزته بفكري إلى ثم !.. واحـدة

كل منها مليء .نا اآلن متجها إلى شقتأعبرهافـي ذهنـي كالشقق التي

لذلك وصلت للشقة .امـا وارتـباطا دحباألحـداث، ولكـن أفكـاري أكثـر از

ال . بيدهويشيرفتح الباب ي لمحـت أحـدهم . بمـن حولـي أشـعر دون أن

.لم ربما رمى بشيء إلى الخارج، أو لوح لي بالسالماع

ن ألم ببعض الشـقة وقـد قـررت تـدارك الموقـف مـع ناصـر بـأ أدخـل

ومتى ، مكان سالم بشأنالتأكد مـن ال بـد .المعلـومات عـن الموضـوع

!ذهب ولماذا

، عصر أمسومحادثة نوف إالحـاح ناصر على ان أكون في استقباله إن

إلى هاتف أسارع. مـور قـد تعقدت بشكل كبير األ أنتشـير إلـى دالالت

: بخالتي أم سالموأتصلالمنزل

.السالم عليكم -

.الطرف اآلخر صامت ولكن أنفاسه تشير إلى وجوده

؟، صديق سالم، أين خالتي أم سالمغريبصالح الأنا -

لديه سالم .ط الهاتـف، وخطوات مسرعة تبتعد عنه و ضـجة سـق أسـمع

مازالوا يتمسكون بعادات المجتمع . فقطالعديـد من األخوات وأخ واحد

منع على الفتيات الرد على الهاتف ي .البسـيط رغـم حـياتهم فـي المدينة

المسئول عن إجابة سالم ث مـع أي شخص غريب، لذلك يكون يوالحـد

فــإن لــم يكــن مــتواجدا، أخــوه . الهاتــف حســب التــرتيب فــي األولــوية

وفي حال . حاضرا ماالصـغير، ثـم بعـد ذلـك ترد األم إن لم يكن أحده

تـرد إحـدى الفتـيات صـامتة إذا كـان المتصل رجال، وإذا تعرفت مغـيابه

علـى الصـوت فكان أحد أقاربهم أو معارفهم تجيبه، وإال ستظل صامتة

، إن كانا قريبين ها للرد عليه ي قد تنادي أمها أو أخ .حتى يعرف عن نفسه

.أو تكتفي بمعرفة اسمه وتغلق السماعة دون أية كلمة

ولكنه ) المتصل خدمة إظهار رقم ( طلبـنا مـن سـالم أن يضيف خدمة

يعتقد أن كل فتاة قد .تسيء أكثر مما تنفع فهو يرى أنها خدمة .رفـض

يعتمد على ثقته فإنهلذلك . أحدهم عندما يتالعب بعاطفتها تقـع ضحية

وبعد ذلك يتوكل على ،بأخـواته وبحكمـته فـي إبعـادهن عـن الشبهات

مع ثورة نفقـده نافـي هـذا المجـتمع بـدأ م فعـال وشـائع مفهـو . اللـه

.االتصاالت وانفتاح الناس وانغماسهم في حياة المدينة المترفة

.هال ولدي صالح -

.حياك الله خالتي -

؟ف حالك ، ولماذا لم تعد تتصل بناكي -

.أنا بخير وكالعادة ننشغل في هذه الدنيا -

.الله ال يشغلك إال بطاعته -

؟أين سالم -

؟لم تذهب معهأافر إلى دبي مع أصدقائه، سالم س -

.أعرف أنه سافر إال منكال يا خالتي، لم -

. أنه قادم بعد اسبوعوأخبرنياتصل بي البارحة -

أي شيء، هل ينقصكم إلى هـل انـتم بحاجة .حسـنا يـا خالتـي -

؟شيء

موضوع أريد التحدث إليك في يولكن. ال يـا ولدي كثر الله خيرك -

.هام

ما هو؟ -

.عن سالم -

؟ما به سالم يا خالتي -

نـه ليس ابني الذي غيـر يـا ولـدي، وأصـبح غـريبا علـي وكأ لقـد ت -

.أعرف

؟هل تعرفين سببا لذلك -

. بسوء ظنيأن أظلم أحدا أريدي ال ، ولكناشك بأمر ما -

ه؟ر أصدقائه غيأحدتعتقدين أن -

. أصدقائهأحدال ليس -

من إذا؟ -

.بنت العالي -

من؟ -

.أخت ناصر العالي -

تتحدثي بمثل أن من أعقل ، خالتي أنت قوة إال بالله ال حـول وال -

!هذا

بـه احـدا غيـرك، ولـوال ثقتـي بـك مـا تحدثت به لـم أخبـر واللـه -

.اطالقا

. ال تفكري بهذا الموضوع،حسنا ال بأس -

.والمشـكلة اعمق مما تصورت ،يـبدو أن الجمـيع لديـه مـا يخبرنـي بـه

. ف طلبت مني نوعندمالعلي أخطأت حين رفضت التدخل

أريده أن يعود كما . سالم أمانة بين يديك وإبني يـا ولـدي، أبشـر -

.إليهكان، لقد افتقدناه ونحن بحاجة

هل تحتاجين إلى أي . بإذن الله كـل األمور ستكون على ما يرام -

؟شيء آخر

.سالمتك -

.مع السالمة -

لم يكن هناك تواصل بين . كـيف تعـرف سـالم على نوف أفكـر أخـذت

تتعرف عائلته ترك ومـن المستحيل أن يتنازل ناصر في العائلتـين إطالقـا،

حتى أن ، لم تتعد شخصيهمابينهما حـدود الصـداقة .علـى عائلـة سـالم

ه أن يعرف فهو ال يريد ،سالم اكثر حرصا من ناصر بخصوص هذا األمر

مجـتمع واحـد فـيه من .االحـتماالت صـعبة . بـأي شـيء يخـص عائلـته

حتى . رسم أي توقع ممكن الفـروقات مـا تجعـل المـنطق عاجـزا عن

األمـاكن العامـة التـي تـذهب إلـيها العائلتـين مختلفة تماما، هذا إن لم

.نضع في الحسبان أن عائلة سالم ال تذهب إلى أي مكان عام

لدي إيمان أن األمور عندما تزداد تعقيدا تتجه نحو البساطة في نتائجها،

دى عقائد الشرق أن تقترح إح .يجعلني متفائال بإيجاد الحلول وهـذا مـا

يتخـيل اإلنسان نفسه وهو يحل تلك المشاكل التي قد يقع فيها بطريقة

تفتح ، بمجرد محاولة التذكر لحلول ممكنة وكأنـه قـد وقـع فيها مسبقا ،

كل ما يتعرض ف ال شيء جديد تحت الشمس، .للتفكيـر أوسـع تمجـاال

ه بطريقتمقتـبس عـن الماضي ومكرر إلـيه اإلنسـان فـي هـذا العصـر

.الخالية من مظاهر حياتنا اليوم

لقد بدأت األمور بالتسارع، . الهاتـف حتـى يـرن مرة أخرى أغلـق إنمـا

.وسينجلي األمر قريبا

الو -

؟صالح -

.الحمدلله على السالمة -

. الستقباليالله يسلمك، لماذا لم تحضر -

؟ كل هذه العجلةلمها انت قادم، -

.يةارجوك ال تتحرك من مكانك، فاألمر مهم للغا -

.انتظركم وأخبرت سامي بذلك. حسناحسنا -

إظهار يحـب .فـي تشـجنه يـريد وضـعي فـي خانـة القلـق ناصـر يـبالغ

تبدو األسرار التي احتفظ بها له أكبر .الخطـورة في كل شيء يتعلق به

تافهـة لدرجـة أننـي حتـى لـو فكـرت بإفشائها ألحدهم اخاف أن اظهر

ر ازداد برودة باتجاه شؤون يجعلني األم.امامـه بصورة الرجل السخيف

يكره هذا . يذوب خجال في ثيابه وأجعله رعونته السطحية أمتص .ناصر

بأنني مصيب، ويظل مصرا على أن كل مـوقن في داخله الشـعور ألنـه

نوع من إنـه .مـا يخصـه شـيء مهـم وخطيـر ألنـه رجـل مهـم وخطيـر

.المظاهر والكماليات المضافة إلى حياته المترفة

تماع المهم االج بعض التحضيرات التي تجعل أتعمد . الشاي دبإعداأبـدأ

أغنية ،)الشاي يا حبيبي الشاي ( وأغني أترنم .بسـيطا ككـل اجتماعاتنا

( حسـن ابـو علـي فـي القهـوة، والتي ركب كلماتها من اغنية أم كلثوم

ا مـنه احضـار الشـاي لنا في يـرددها كلمـا طلبـن .)أزاي يـا حبيبـي ازاي

.المقهى

يغليها . الذي يطفئهالهيـبها ال يحـرق المـاء .ر علـى المـوقد تشـتعل الـنا

أعماقي إلى صوت في أستمع ، فيما تتراقص في الوعاء فقـط ويتركها

لن يحرقوني ولكنهم . أن حياتـي بـدأت تغلـي بـنار مـن حولـي ينبئنـي

؟ لها حلوالأجد أين أنا من مشاكلي التي لم .أفطـيء لهيـبهم ي نـ يتركون

.ا لنا وال نقدم له إال االستنزاف إنـه يقـدم شيئ ؟سـعيد هـل هـذا المـاء

. حينها غير األنفاس سيذكرني من ،سـأتبخر يوما ما واختفي في الهواء

أعلق في لحظة خارج إطار المكان والزمان واتجسد في ذاتي منقسما

.عليها

!!لن اتدخل -

!ولكن الجميع طلب مني ذلك -

.لست مسئوال سوى عن نفسي -

؟وثقتهم بي -

!م اطلبهم منحي اياهال -

!اراهن انني سأتدخل -

.سوف افعل ذلك متى طلب سالم منيحسنا -

! األغلبية طلبوا مني التدخلولماذا سالم؟ -

على مثل هذا التصرف إال ألنـه األكثر تضررا من غيره ولن يقدم -

.لسبب قوي

؟أين سالم -

سيعود يوما ويقرر بنفسه؟ال يهم -

؟وماذا عن نوف -

!نعم ماذا عن نوف؟ -

، يذكرني بعينيها التي مرت ىء والمبحوح يصيبني باالرتخاء صـوتها الهـاد

تمسك ، أراها تقترب مني. لتتـرك فـيه جرحا ال يندمل ىبقلبـي كالموسـ

بجوارها بخطوات ناعمة أمشي ، وأنا بـيدي باتجـاه حديقـة المستشفى

سحابة تفرش لنا الممر، وقطرات الماء ترشنا وتغسل حرارة .وخفـيفة

فتاة مثلها ال ، إذ أن تخبرنـي عـن احالمهـا وآمالها .لمضـطربة وجوهـنا ا

فـي نظـرتها خليط غريب من الغرور والحياء .يمكـن أن تعتـرف بحـبها

بكلمات تشرح كل ما في قلبي إلى داخلي وينطبع يتسللوالرقة، خليط

أحرقني أفلتها بعد أن أحسست باأللم، لقد .يدي تزداد حرارة . في قلبها

فة على ثـ قطـرات الـبخار المتك أمسـح للواقـع، أعـود .مقـبض األبـريق

. اعداد الشايوأكمل، جبيني

نفسـي وقد أجـد .تنتابنـي حـاالت مـن الهـذيان واالنعـزال عـن الواقـع

أغيب في . حول كل أموريت حولـي، وبـدأت احاور كل جزء مني تجـزأ

، ينطلقون في ذهني ممثلين كل )األنا ( عالم آخر سكانه مجموعة من

أشــاركهم حـوارا اخــرج مـنه فــي .ي ويعرضـون النــتائج امامـي توقعاتـ

تلبستني خطيرة تلك األعراض متى . األكثـر سدادا ) األنـا ( األخيـر بـرأي

تؤثر على مستوى .وأنـا أقود سيارتي أو استخدم بعض األدوات الحادة

متأخرا ألحدهم وهو غاضب أنتبه مرات عديدة .المحيطانتباهـي تجـاه

ره اكثر من مرة، أو اعود اكرضج من ت ؤاله الذي س على مـن عدم ردي

أقف محاوال التذكر أين ذهبت .ال أعلـم أي الطـرق سلكتها الـى الشـقة

إن المغادرة بالخيال .ومـن أيـن بـدأت وكيف انتهيت إلى هنا مرة أخرى

دون وجهـة أمـر مـبطن بالخجـل يغـدر بكـل نـية اللهـروب من الواقع ،

أخـرى ويعطـيه فرصة للمواجهة ويجعـل العقـل يعـود حـيث بـدأ مـرة

.بشجاعة

أحد أعراض الفصام على أنها يفسر زميلي في كلية الطب هذه الحالة

، عرض جميل جدا اتمنى لو انه يصيب جميع الناس أجـدها .الشخصـي

نتائج كل شـاهدون يف ، وينشـغلون فـي متابعـتها أنفسـهم لعلهـم يـرون

كثيـر مــن األفكــار ســيمنحهم ذلــك ال .خططهـم اللحظــية أو المسـتقبلية

والفـرص للتـراجع، وأغلبـية القـرارات التـي يتخذونها في دقائق سوف

كة مــع كــل ظــروف الواقــع تتــبدد حالمــا تتجســد فــي أذهــانهم متشــاب

يجعل هلعلأو مجرى الحياة بعض الهدوء، هذا يمنح قد. المحـيط بهـم

دائما بعد كل تشريح لهذا المجتمع أسـتنتجه حـل وحـيد . الجمـيع مثلـي

ال يـوجد مخـرج آخـر سـوى أن أكـون أنـا الدولـة والمدينة .حولـي مـن

.! كـذلك يتمنـى ناصـر وسـامي ولكن ليس سالم؛ نعم سالم .والـناس

أين أنت يا سالم ؟

كل إجراءات أتخذ يجب أن .جانبا بانتظار القادمين وأضعهأجهـز الشاي

من القفز فوق هذا االضطراب أتمكـن الـتفاعل ببـرودة أعصـاب حتـى

إنه المستحيل الذي .ا آخر متى تحدث سالم إلي سـأجد مـنفذ .تالـي المت

علـيه أن يخبرنـي كيف جعل هذا الممكن مستحيال على .أصـبح ممكـنا

! انقلبت الموازين واقتربت الساعة.اآلخرين

على مخرج المطلة النافذة أمام أقف . نحو الغرفة وأتجـه الصـالة أجهـز

تمنيت . بهذا المبنى باتجاه المدينة ال بد أن يمروا .القادمـين مـن المطار

، سوف تبتلعكم )عودوا أدراجكم ( خ فيهم فـي أكثـر مـن مـرة أن اصر

ابحثوا . اهـربوا باتجـاه أفـق ال تحجبه المباني المرتفعة .هـذه المديـنة

عـن أرض مــازال فــيها التــراب متســيدا علــى ســطوة اإلســفلت، أســود

. طمعكم بالمزيد منهايقـودكم نحـو ثقب أسود يبتلع كل احالمكم ويزيد

. المسجونة داخلهاباألرواحالمدينة ال تنمو بالمباني وال بالشوارع، بل

في كل مرة تمر سيارة أخمن .وألعب قليال لعبة التوقع ، السيارات أتابـع

ــامي ــيارة س ــذه س ــن .أن ه ــن أراه ــزيد م ــأت بم ــى أخط ــي مت نفس

رات تتشابه، األنـور األمامـية للسـيا . لـم تكـن تلـك، وال هـذه .الـتوقعات

أنوار مع ة متقطعوسـرعة انطالقهـا علـى الطـريق السـريع تترك ظالال

سيارة تقترب أخيرا و. األلوان تختلط في عيني، وأشعر بالدوار .الشـارع

.ء من سرعتها، إنها سيارة سامي وتبطىالمبنىمن

ادعي . تابع باهتمام وأ التلفاز على قناة األخبارأفتح إلى الصالة، أسـارع

. بخطوات القادمين نحوي وأتربصنسـجام بمـا يـوجد على الشاشة، اال

:ينفتح الباب بقوة يقتربون بتسارع، و

!!صالح -

.هال، حياك الله، تفضل -

لمصـافحته وتقبيله، يستعجل في ذلك أنهـض . يـنطلق ناصـر باتجاهـي

يبالغ أنهظننت . بهأتىبالحـديث عـن موضوعه الذي بدءوكأنـه يـريد الـ

. بخطورة الموقفكي أشعرل إثارتيويريد

هذه ي لـن أتنازل ولكنـ األولـى لقـد قـدرت تـدخلك فـي المـرة -

.المرة

؟تتنازل عن ماذا -

.عن كرامتي وشرفي، وسأتصرف بكل ما لدي من وسائل -

؟ تتحدثعم -

يكره ردة . دور السـاذج بجـدارة، ووتيرة ناصر ترتفع اكثر ألعـب مازلـت

سامي يدخل .فكرة سريعا يعلم أنني قادر على التقاط ال ،فعلـي هـذه

عن بعض ما صرح به ناصر في ويبادرني بالحديث طالـبا منـي الهدوء،

.الطريق

!يريد أن يقتل سالم -

.جميل، سيقدم له خدمة جليلة -

!انه جاد في هذه المرة -

، هناك دجاجة مجمدة في الثالجة يستطيع التدرب إن كـان جادا -

لــي عــناء طــبخ بتقطــيعها، ستختصــر ع خــذ ســكينا وابــدأ .علــيها

.العشاء

الجدية التي كسرتها تماما بتعليقي إظهاريكـتم سامي ضحكته ويحاول

.الساخر واستهزائي بعصبية ناصر

. لم تلده أن أمه يا صالح، ولكنني سأجعله يتمنى لوأقتلهلن -

؟هل أتيت مسرعا من المطار لتخبرني بقرارك -

.نعم -

؟ أن أعرف عنهولماذا يهمك -

.حاول تخليصه هذه المرة ال تتدخل وتلكي -

أنكلقدرة على تخليص نفسي منك لو ا أنـي أملـك وهـل تعـتقد -

؟قررت نفس الشيء تجاهي

( يصـمت ناصـر قلـيال، يـرفع عينـيه إلى السقف ويزفر بقوة كمن يقول

إياه للجلوس بيده ساحباوأمسك بهدوء أبتسـم .)اللهـم طـولك يـا روح

مــازال ناصــر . ا ســامي لــه فــنجانا مــن الشــاي، ويشــاركنأصــب. معــي

سامي تمتد يد. بفنجانهمضـطربا ومـرتبكا، تنـتفض يديه وبالكاد يمسك

: تطبطب عليه ناصر إلى كتف

. الله يا ناصرأذكر -

.ال اله اال الله -

.صل على النبي -

.اللهم صلي وسلم عليك يا نبي -

! قليالأن اتفاعلويرميني سامي بنظرة

الماضـية وتــنازلت عــن صـالح لقــد احتــرمت رغبـتك فــي المــرة -

.حقي

.ت على نفسكلم تحترم رغبتي، لقد خف -

.أنا ال أخاف -

لم ال شيء بلى، لقد ظهر الرعب في عينيك عندما ذكرتك ان سا -

.لديه ليخسره وقد يقتلك

.لن يتجرأ على ذلك -

.يبدو أنه تجرأ على شيء أكبر من ذلك -

التساقط عن ب يـبدأ قـناع الشـجاعة الزائف .يديـر وجهـه باتجـاه الـتلفاز

حقـيقة قدرتـه علـى التفاوض والمساومة هي الشيء الوحيد ف. وجهـه

. ساللة عائلته الغنية والمشهورة بالتجارةمنالذي ورثه

.، أنت تعرف انني قادر على فعل أشياء كثيرةأرجوكصالح -

أنت جبان يا ناصر ولو انك .، بل من هم حولك انـت القادر لسـت -

. قبل أن تصل سن الثالثين خوفا لمتأخرىولدت لعائلة

!تمنى ان تبقي االحترام متبادال أ.. ؟ لماذا تستهزئ بي هكذا -

تـدخل علـى الشـقة بعـد غـياب شهر . ال أراك تحتـرم أي شـيء -

ــي ــك غادرتن ــي وكأن ــاألمسوتعاملن ــق .ب ــوتك وتطل ــرفع ص ت

!أريده شكرا ال ؟ احترامكأهذا. التهديدات في وجهي

!، وأريد ان انفجرمقهور جداأفعل ذلك، ولكنني أن أقصدلم -

، ولكـن ال تـبالغ في انفعالك، فأنت حسـنا انفجـر كمـا يحلـو لـك -

.مارس ذلك على اآلخرين. مكشوف لنا جميعا

. منك أن ال تتدخلأطلب، حسنا -

سأتدخل؟من قال لك أنني -

يـتفاجأ سـامي بكلمتـي هـذه، يـدرك أن رفضـي للتدخل في الموضوع

:التدخليحاول فاف، ومحاولة تهدئته ستضر أحد األطر

!ناصر اذكر الله -

لقـد ذكـرته يـا سـامي مـرارا وتكـرارا، ألـيس لـديك شـيء آخــر -

؟تضيفه

.، استغفر الله، إهدأ قبل أن تقع في اإلثماستغفر الله -

، وصــلى اللــه علــى نبــيه ورســوله اســتغفر اللــه، وال الــه اال اللــه -

!؟هل من شيء آخر. محمد

!، فقط إهدأال -

أفهمها محركا حاجبيه لألعلى بطريقة معينة لييسـكت سـامي وينظـر إ

. يطلب مني بأن انقذه من االحراج.بعد ان تعودنا عليها

؟ناصر، ألم تقرر -

.نعم قررت -

تريد هل .أفعل لـك أنني لن وأنـا أؤكـد ، أتـدخل طلـبت منـي أال -

مني شيئا آخر؟

! جنى على نفسهمن أنه ال، اريدك فقط أن تخبر عائلة سالم -

؟ كثيرامرهمأوهل يهمك -

.نعم -

منذ متى؟ -

؟ لعائلته التي تعتمد عليهأهتمكيف ال ف، إنه صديقي يا صالح -

.، وتريد أن تسجنه وتقتلهاهااا، صديقك -

. كان صديقيأقصد -

!بهمال تشغل بالك كثيرا . عائلته، هي عائلة صديقك السابقإذا -

!!حسنا ، تذكر أنني حضرت إليك -

.م التدخللكي تخبرني بقرارك وتطلب مني عد -

يحاول ابتالع إنه .وأشاهد حنجرته تتحرك في رقبته ، ذقن ناصر ينتفض

متابعته حتى انفجر في أكملما كدت . ، لـيس غضـبه بالطبع شـيء مـا

. الموقف المفاجئ بهذادهشت .بكـاء ونحـيب انهمـر علي كالماء البارد

بكاء أي رجــل بهــذه الطــريقة يحــرك ، فــ يبكــي قــبل اآلنأشــاهدهلــم

بكــاء الــرجال لــيس كــبكاء .غــريبةلحــزن والشــفقة بطــريقة مشــاعر ا

.النساء واألطفال، إنه المستحيل الذي يوقع الرعب في النفوس

باألحداث المستجدة، يحاول تهدئته وضمه يقتـرب مـنه سامي المفجوع

. إليه

!ابتعد عني لو سمحت -

يرمـي بـيدي سـامي بعـيدا، يضـع وجهـه في كفيه، يتنفس ببطء ويبتلع

بذهــول، أتابــع . المتشــابكةأصــابعه الدمــوع تتســلل مــن بــين .عبــراته

إنه متضرر . يخـرج كـل مـا فـي صـدره مـن حزن وغضب وقهر وأراقـبه

انفعاالته التي . كانت نداء استغاثة أيضـا، ومظاهـر القوة التي دخل بها

أطلقه ليس التهديد الذي . مجـرد وسـيلة راقية للتوسل بالـغ فـيها كانـت

يبدأ بالهدوء، . الحدثأمامح بهـا معلـنا انهزامه داة مفاوضـة يلـو سـوى أ

انه . يمسـح عينيه بطرف غترته التي يخلعها مع عقاله ويرمي بها نحوي

. يعاتبني بهذه الحركة

دم قدرته على البقاء عيستأذن معتذرا عن ف إلى سامي بالخروج، أشـير

يغادر وهو ينظر إلى ناصر بشفقة، لقد انكسر شيء مهم هذه . طـويال

تحطمـت تلك الصورة التي رسمها ناصر عن نفسه وحرص على .يلةاللـ

المواقف أصعب الـرجل الغني القادر على تجاوز .أن نـراه مـن خاللهـا

شـجاعته المبنـية علـى ظروف عائلته الخاصة جعلته .بمالـه وعالقاتـه

بمظاهر فأخفاه نما في داخله الجبن .لضعفيـؤمن بأنه محصن تجاه ا

ناصر في أضعف حاالته بيننا، ألول مرة . ال ينكشف عقل والرزانة كي تال

تتساوى كذلك . هذا اآلنأدركنا ، إنه إنسان مثلنا تماما.نشـعر بقـربه مـنا

األلـم والعذاب والظلم، مفاهيم تجعل . فـي أضـعف حاالتهـا اإلنسـانية

هذه اللحظة .ن فـي اسـتحقاق الشـفقة والرحمة مـن الـناس متسـاوي

. كرهت نفسي للحظات .)يز قوم ذل ارحمـوا عز (بالـذات تشـكل محـور

. أنني كنت وقحا جدا في تصرفي تجاه هذا المسكينأدركت

) ..!مسكين (

.أنعت ناصر بهذه الصفة أن يوما أتوقعلم

يقـوم بخطـوات . مـنه الدخـول إلـى دورة المـياه وغسـل وجهـه أطلـب

الــراحة فــي الغــرفةيــرغب بأخــذ قســط مــن بأنــه ويخبرنــي ،متــثاقلة

ســفر والمشــاعر التــي كــتمها وقــاوم انكشــافها اســتهلكت فال.األخــرى

كيف أبدأ الحوار مع فكرت خاللها ، ثم ألحق به بعد ساعة يدخل .طاقته

معـه للمرة أجلـس مـع شـخص أتعامـل ؟ كـيف هـذا اإلنسـان الجديـد

.!. لم يعد صديقي الذي عرفته منذ سنوات ؟األولى

منه أعتذرجبينه، قبله على أ. على فراشي من رأسه وهو مستلق أقترب

الجميع قلـبه أطيب مما كان ف يهـز رأسـه مسـتجيبا لـي، .طالـبا السـماح

كلمات . ويبدأ بالحديث بصوت متجرح األخرى يدير وجهه للجهة .متصـورا

بقايا رجل . تخـرج مهشـمة كأنهـا طحـنت فـي داخلـه كـل هـذه الفتـرة

لرجل قوي وجبار، قالب القدر في قالب حديدي اضـعيف وبسـيط صـبه

!سجن اإلنسانية زمنا طويال ومازال يفعل

: سارةعينا

، والتنازل عن من ماء الوجه السـعي وراء الحـياة يحـتاج لسـكب قلـيل

. يستر ثياب الكرامة المهترئةقطـع مـن عزة النفس يحفظ الباقي منها و

من بها ء ىحكمـة أم سـالم التـي تـنطقها بلسـان بسيط تحاول أن تهد

تقوم به لتكسب قليال باإلهانـة تجـاه كل عمل إحساسـه ونعـرة سـالم

.من المال

أخوه .شاهد سيارة أجرة تنتظر أمام الباب و ، مبكرا على غير عادته عاد

الصندوق مالسائق أمابينما يقف ، الصـغير يـركب فـي المقعـد األمامي

: الكثير من األكياسحامالالخلفي للسيارة

؟، إلى أين تذهبعبدالله -

.مع أمي -

؟وأين تذهب أمي -

.ستأخذني أمي للعب مع وائل -

ه احضار تعود . أخوة سامي أصغر وهو ،وائـل فـي مـثل عمـر عـبدالله

تعارفت العائلتان بسبب وبعد ذلك. في كل مرة يأتي لزيارة سالم معـه

.فــيهالـم يكـن األوالد سـببا مباشـرا ،عالقـات متشـابكة مـن المعـارف

ــة ســالم كــان فالحــي ــذي تســكنه عائل ــئامال بالعــوائل المــتعارفة متل

خرج ، وعـندما تطـورت المديـنة وضـاق هـذا الحـي بأهلـه .والمـتقاربة

الجمـيع بمسـاعدة القـروض العقاريـة إلـى أحياء أكثر رخاءا ورقيا في

الجهـات الغـربية والشرقية، وظل وسط المدينة للمقيمين القادمين من

فيا يساعدها على بقـيت العوائل التي لم تجد ماال كا كمـا . الـبالد خـارج

.ها الحظ في الحصول على قرض عقارياالنتقال ولم يحالف

كانت قد . يذكـر سـالم جـيدا كيف حدثته أمه عن عائلة سامي ألول مرة

وأخذت ، وهي فرحة ومبتهجة، فدخلت عليه عـادت للتو من حفل عرس

في النهاية لتصال تعارفتا أنهما بأم سامي، وكيف لقائهاتسـرد علـيه خبر

فعائلة سامي . ابتسم سالم لهذا الخبر . ى صـدفة أن ابنـيهما أصدقاء إلـ

ــي ــعة ف ــنها متواض ــال ولك ــورة الح ــطة والميس ــوائل المتوس ــن الع م

لعادات ومازالـوا يتمسـكون بالعديـد مـن ا ، لهـم طابـع قبلـي .معيشـتها

.لذلك ال بأس بأن تتعرف أمه عليهم. والتقاليد مثل عائلة سالم

كملت تشرح له كيف أن أم فأعند هذا الحدث، سالم أملـم ينـته حديث

باق الشهية سألتها عن األط. سـامي شـاهدت جهـدها فـي هذا العرس

التي تناولتها على العشاء في هذه الليلة، لتجيب مـن الفطائـر المتنوعة

وأنهـا منزلية التحضير مائة قـام بإعـدادها بفخـر أنهـا هـي وبـناتها مـن

لب منها صنع نفس األطباق لحفل تطلكي أم سامي ممـا دفع . بالمائـة

، والحظت أمه امتعض سالم من هذا الخبر. أسبوعينخطـبة ابنـتها بعد

على فمه، فبادرت بتهدئته وإخباره أن أم المرسـومة تالشـي االبتسـامة

من أن تكسب بعضا ها ال يمنعصديقهكون ولدها ، و طيبةامـرأة سـامي

ا في كل عرس ، تقدم نفسه فهـي تفعـل ذلـك مـع الجميع .مـن المـال

.وتحاول الحصول على عروض من النساء الحاضرات

أنـه سيحضـر لها عرضا أفضل منه وبديال أخبـرها . مـنعها سـالم حـاول

طي ت وتهدئة خاطره، عادت لتم إرضائه وبعد محاولة .عنه، لكنها رفضت

.كسرها له التي ال يمكن األمومةصهوة سلطة

تنحـرج من أمك إن كـنت .هـذا رزق أخـوتك، وال تسـتطيع مـنعه -

واخـواتك يمكـنك الخـروج مـن المنزل لتبحث عن عائلة أخرى ال

.تحرجك

:جفنيه، يمسح دمعة علقت بين يقترب منها ويقبل باطن قدمها

ظفر ال واللـه يـا أمـي، مـا أبـدلك بكـل نسـاء األرض، وال أبـدل -

الشرف الذي يتوج أنـتم فـتاة أخـرى، بـأي أخواتـي واحـدة مـن

.رأسي

:اع كلماته، وترفعه إليها مقبلة جبينهتحزن أمه لسم

أن املك الدنيا كلها أتمنى علـيك يـا ابنـي، والله كنت يرضـى اللـه -

موزع شاء فعل، وهو ولكن قدر الله وما . تحت قدميك واضـعها

.األرزاق

حديث كل المجتمع جعل منه هاعن رضا الـدؤوب وبحـثه تهوالد بـره بـ

. المحيط بهم

باألكياسهو يرى أمه تخرج محملة وها ليلة،أسـبوعان مـرا على تلك ال

قليال في السيارة والتفت باتجاه أخاهالعب . مـتجهة إلى منزل آل مفرح

أخـواته تخــرج إحـدى شـاهد . المنـزل عـندما سـمع صـوت الـباب يفـتح

ليحدد أيهن بعـباءتها وهـي تحمل صحنا مغطى بالبالستيك، اقترب منها

:تكون

إلى أين تذهبين ؟سارة -

تعرف أن سالم يغضب من خروج إحداهن ، رأسـها إلى األرض تـنكس

على كتفيها داللةرافعةاتجاه الباب با تشير برأسها هإلـى أي مكان، ولكن

، فيسارع إلى سؤالها إن كانت تخرج أمه. )ال عالقـة لـي فـي الموضوع (

.تاخذ سارة معها

كما أن بنات أم سامي طيبات ،، أريدها ان تساعدني بنينعـم يا -

تفرح أخـتك بالجلـوس معهـن، فهـي حبيسة هذا المنزل منذ وسـ

.فترة طويلة

صغيرة ومليئة بالحياة، يحبها . سارة بلغت للتو سن الخامسة عشر أخـته

. دائما بتعليقاتها الالذعةفهي تضحكه أخـواته، بـين ألنهـا األكثـر ظـرافة

. ويخبر البقية أنها الوحيدة التي تشبهه في خفة الظل،يـرى فـيها نفسـه

وطلـبت منه أن يصمت قليال إلـيه لكـنها رفعـت عينـيها أمـه، حـاول مـنع

يتجاوب مع طلبها ويهم بالدخول إلى المنزل . ويتـرك عـنه تعقـيد األمور

ما وينطلق يتذكـر امـرا . وهـو يـتابع أمـه وأخـته تـركبان سـيارة األجـرة

تحاول أمه بغضب ف منهما العودة إلى الداخل، طالبا ، يـوقفهما نحـوهما

:فة السببمعر

! بانتظارنا هناك، الناس لقد تأخرنا بما يكفي ؟بك ما -

لن تتأخري، وسأذهب . ، جـزاك اللـه خيرا دقائـق فقـط يـا امـي -

.إذا تأخرتم معكم بنفسي

؟ ما الذي حصل؟ماذا تريد -

.وسأخبرك الحقاادخلي اآلن -

أخته ان ويطلب من وراءهماباب لـ للـداخل، يقفـل ا وأخـته أمـه تـتوجه

.بينما أمه تحدق به مستغربة تنظر إليه بتعجب، . عباءتهاتخلع

!اخلعي العباءة -

!لن أتركها هنا، ستذهب معي شئت أم أبيت -

. يا أمي، دقائق فقط دعيها تخلع عباءتهاأمنعهالن -

ءة ا العب ع تخل .على ذلك ، التي تهز رأسها موافقة تنظـر اخته باتجاه أمها

. وهو ينظر إليهاأمامهوتقف

؟وجد لديها ما هو أفضل من ذلك يأال -

وال تعطلنا اكثر دعنايا ولدي نحن ذاهبتان للعمل وليس للزيارة، -

!من ذلك

؟لقد سألتك يا سارة هل لديك أفضل من هذا -

.يوجد لدي واحد آخر ولكنه صغير المقاس -

يمسـك بـيد اخـته متجها إلى . يطلـب مـن أمـه الدخـول واالنـتظار قلـيال

انــه ســيؤخرهمإلــى ســمعهما صــراخ أمهمــا بأبيــنما يتناهــى الشــارع،

من يطلب من أخيه النزول. والطعـام سيفسـد إن لـم يسرعوا بالذهاب

يركب . طالبا منه ادخالها واالنتظار حتى يعوداألكـياس ويـناوله السـيارة

يتوقف في الطريق . هـو واخـته مـنطلقا بهـا إلى حيث المجمع التجاري

ت تجارية في السوق محاليسـألني عـن صـديق لـنا لديـه ويتصـل بـي ل

. ويطلب مني التحدث إليه سريعا ألنه متجه إليهالمجاور لحيهم،

أخته ما تزال مرعوبة .أمام المجمع بعـد دقائـق تـتوقف سـيارة األجرة

وتعـتقد أنـه سـيفعل شـيئا مـا ليمنعها من الذهاب مع أمها، ولكنه يفتح

يسير . السوق إلى داخل برفقتهاالـباب علـيها ويسـحبها للخارج ويمشي

يـبدو علـيه الحمـاس وجديـة تجعـل أخـته تلحق به ،بخطـوات سـريعة

يقف أمام أحد . خطواتها بين اللحظة واألخرى حيث تتعثر خائـرة القوى

إلى أخته يلتفت ثم يتحدث إلى البائع هناك، مسـرعا ل المحـالت ويـدخل

. لها أن تأتيويشير

.هيا اختاري ما تشائين من المالبس -

؟لماذا -

اقل من ينـك سـتذهبين إلى حفلة خطوبة وال أريدك أن تكون أل -

.الحاضرات

.ال حاجة لي بهذا فأنا سأحضر األطباق فقط وأعود مع أمي -

.كبقية المدعوينن ال لن تعودوا، ستحضرو -

.مالبسي جميلة وال حاجة لشراء شيء جديد -

عليها ويدفع بها بلطف يصر تعلـم جـيدا انـه ال يملـك المـال، لكنه أخـته

يخـرج لهـا القطعة تلو األخرى .تجـاه األرفـف يحفـزها علـى االختـيار اب

تريد منه .مبدية عدم إعجابها في كل مرة يسألها رأيها، وهي تهز رأسها

يعجـبها لتقيه شر االحراج مع صاحب المحل مـا أن يقتـنع بعـدم وجـود

. عندما يطالبه بالثمن

.ال تجعلي يومي أسوداوهيا اختاري -

. مع أمي ، كفى ، اعدني إلى المنزلأذهبلن .ال أريد شيئا -

.بل ستختارين وتذهبين وتكوني اجمل الفتيات هناك -

، يشاهد ذلك بحزن . وتبلل النقاب الذي يخنق رموشها عيـنا سارة تدمـع

ئه يمسـك برأسـها قـريبا مـنه ويهمـس فـي أذنها أن المحل ألحد أصدقا

كانت تنتفض تـبدأ بالهدوء بعد ان .وكـل مـا فـيه سـيأخذه دون مقابـل

وتحاول تكتفي بها، . تتجرأ ببطء وتشير إلى إحدى القطع ثم وتـرتعش،

ويسألها بشدة، يرفض.فيصبح لباسها جميال هااقـناعه بأن لديها ما يكمل

ال ترفعه ،تتحرك خلفه وهي ترخي رأسها. اان تشـتري شـيئا آخر إضافي

أ يتناولها عن رأيها في إحدى القطع التي بد متسائالحتـى تسـمع صوته

تخـتار عـدة قطع من المالبس، يرمي بها . سـريعا واحـدة تلـو األخـرى

يعتقد أن قليال .علـى منضدة البائع ويتجه باخته نحو ركن االكسسوارات

. الذهبية والمجوهراتى قـد يخفي صدرها العاري من الحل الـزينة مـن

بعــض االكسســوارات وفـي جمــيع األحــوال هــي فـي ســن الطفــولة،

تـبدأ باالختـيار وتتجـرأ على شراء المزيد، فهذه القطع . تألقسـتجعلها تـ

.الصغيرة مهما كثرت لن يكون سعرها كبيرا

، ويمر على محل صغير رغم حجمه إال األكـياس يضـع المشـتريات فـي

،)الجالبيات ( أنـه مشـهور بـنوع خـاص مـن المالبـس الخليجـية تدعى

شارع ومنه إلى يشـتري ألمـه إحـداهن ويمسـك بـيد أخـته متجها نحو ال

غاضبة على ما التي تتوجه إليه معاتبة و امه إلى يـدخل سريعا .المنـزل

ما ان انهت حديثها .ره أن ام سـامي اتصـلت أكثـر مـن مـرة تخبـ ، فعلـه

:أخذ الهاتف يرنحتى

؟هال أم سامي ، كيف حالك -

هل أرسل لكم سيارة ؟أنـا بخيـر، لمـاذا تأخـرت أمـك يـا ولدي -

؟تأتي بكم

. منكوأعتذر أنا أخرتهم يا خالتي ال شكرا ، -

.، ربما يكون سامي هنا متى أتيتحسنا ال تتأخر -

.إن شاء الله ساعة ونكون هناك -

تغير مالبسها، ويسألها ملحا أن تلبس يطلـب من أمه ان تأخذ ما أتى به ل

تصرفه متى لالمدخر إحـدى الحلـي التـي تحـتفظ بهـا كـنوع مـن المال

. يصر على طلبه ولكنه تحاول ردعه.ا إليهاحتاجو

.امي ؛ الله يخليك لي، افعلي ما اطلبه منك -

لـن نبقـى هـناك سـوى بضـع ساعات قبل حضور ؟مـا الفائـدة -

!المدعوين

أنـت مدعـوة يـا أمـي وانـا اعرف ذلك، تريدين الذهاب ومن ثم -

.االعتذار والعودة سريعا

.أناس ال أعرفهمنعم، ال أريد البقاء مع -

أنت مدعوة كأي .ن أم سـامي تعـرفك هـم يعـرفونك ويكفـي ا -

؟ اخرى وكذلك أختي، أين هيامرأة

سعيدة . وراء الـباب تنتظـر القـرار األخير واقفـة يلـتفت ويشـاهدها

هـي بمـا فـي يديها من مالبس واكسسوارات، لكنها تريد أن تلبسها

مـع شـعور بالرضـا والـراحة، وقـرار أمهـا هـو السبيل الوحيد لفعل

.ذلك

عن يؤخرنا أخاك، إن بتبديل مالبسك وعجلي اذهبـي يـا سـارة -

!!موعدنا والطعام سيفسد من الحر

مالبسها تستبدل بدورها سالم أمه أن ويسألتـنطلق الفـتاة الصـغيرة،

تتأمل عينيه وتشعر بأن .تستجيب لرغبته فبـتلك الجديـدة التـي احضرها

يذة لذ لقطع يـتحطم فـؤادها ويتهشم .رجـال كبيـرا يـرعاها ويهـتم بهـا

تعبر قلبها من دعوة صادقة تـبث تشـعر بهـا و ،سـرور الفـرح و مـذاقها ال

ابنها يحب ). اللهـم ارزقـه واعطه على قدر نيته (:العمـق نحـو السـماء

أن يكونـوا أفضـل الـناس، لكـن حظه السيء لم هم يـريد ،الخيـر لهـم

. المال الكافي لفعل ذلكيمنحه

جميلة .ة وافتخار ينظـر إليها بغبط ،تخـرج الصـغيرة سـارة مـن الغـرفة

اضافات، تتألق بذلكهـي دون الحاجـة إلـى أيـة مالبـس جديدة أو أية

عيناها .الجمـال البسـيط الخالـي مـن أي تعـديالت تقوم بها الصالونات

ةشفتاها الزهرية اللون تطبع في جبينه قبل و فرحا، ان تلمعـ نالواسـعتا

ى وترض ال تطلب الكثير .قـد جعلهـا اخوها أميرة خالل ساعات ، ف شـكر

يحصلن على أيضا تتمنـى لـو أن اخواتها .بـأي فرصـة تشـعرها بأنوثـتها

ون ؤها يسرحن شعرها سريعا ويقر ، لكـنهن يقفن وراء هـذه الفرصـة

وهـي محـرجة ويزغردون ها يـزفون .علـيها اآليـات لـتحفظها مـن العـين

بيدها أكياس حاملة تغادرهم مع امها . ذاهـبة إلـى حفل زفافها وكأنهـا

ه اللحظات النادرة تظل في حياتهم كذكريات منحوتة في هذ. الطعـام

داخل تجاويفها يرتمون. كلمـا باعدت بينها السنين الصـخر، تـزداد عمقـا

كأنها عنها لحظاتهم هذه يتحدثون .ن متى داهمتهم ااالحزمختبئـين من

ــة، يكــررون أدق تفاصــيلها ، ويضــيفون المــزيد مــن مــراراالحــياة كامل

يمطر ، ذلك الذي هداب الفرح العابر فوق سمائهم يتعلقون بأ .الخـياالت

. أناس غرقوا به وأصبحوا ينعتونه بالروتين المملعلى

ينمو على ، نادر ورائع ،الذكـريات السـعيدة بالنسـبة لهـم كالزهـر البـري

.جفاف الذكريات ببقايا لحظات سعيدة

ه ينطلقون باتجاه بـاب المنـزل يـتابع اخته وامه وأخا يقـف سـالم علـى

تتبخر على .تسـقط تلـك الدمعـة أخيرا من عين سالم . ائلـة ال مفـرح ع

يلوح ألخيه وهو .عتـبة الـباب وتبـرد حرارة آثار التعاسة المتراكمة عليها

يسـأل اللـه أن يـرزقه ماال يغمر به عائلته ويجعلهم بنفس تلك السعادة

. التي شاهدها في عيني سارة

:صديق من نار

:ناريائن الإلى الك

. أصل الماء في تكويني وتحاول تبخير ،نيشـهب فكـرك الحارقـة تتلبس

إليك، لم أشتاق أنني أعترف .فخـار أنا يزداد صالبة كلما نفثت فيه لهبك

. أنك بجواريأعلمكن يوما وحيدا وأنا أ

." ا عباد الله أغيثونيي:" قالت لي أحدهم أن أردد،عـندما أضعت كتابي

.ثوناا إن استغثنا بهم أغ ،بحانه وتعالى عبادا ال نراهم أن للـه سـ وأردف

منذ أن استمع نفر منهم للرسول صلى كانفعهـد اإلسـالم بينـنا وبيـنهم

. الله عليه وسلم

ال أجـدهم عـندما تضـيق بـي الدنيا، ويضيع مني كيان الوجود في هذه

أشـعر بالعجـز كلمـا غـادرت الشمس نحو الغروب، أعرف أن .المديـنة

.يل الثقيل سوف يأسرني في الخيالللهذا ا

أنت .أكـره عقلـي القـادر على خلق صورة تطغى على قبح هذا الواقع

تحترم عقلي، وتزين .أيهـا الصـديق الملعـون، ال أحـد يبقى معي غيرك

تعرف كيف أفكر .لـي كـل الوسـائل وتجعـل كل العقبات سهلة التجاوز

مك يصدر أنينا تهمس كأن ف أسمعك. وتنسـاب بـين خططي لتشرق بها

تقرع األجراس تعلن أن ساعتك قد دنت، وأن .لـه أصداء في جمجمتي

تاريخك األسود، كامل أتجاهل .وعـدك لتضـلني مع من تضل قد اقترب

الفوضى لها أصل . علـى كل هذا العبث الذي خلقه اإلنسان أحاسـبك ال

متـى ما وجدت منفذا لها انتثرت لتبعثر ،ثابـت فـي طبـيعة كـائن الطـين

الحضارات التي تبنيها بكل ما تبثه . األجسـاد وتنشر بقايا الحطام شـالء أ

فـي الصـدور مـن طمـع وجشـع وحـب للـتملك والسيطرة، تعود لتفنيها

وساوسك سعادة يزعجك أن تصبح .متـى ما كادت ان تصل حد الكمال

.يجنيها الناس فينسون فضلك

يبتعد جـواري هـنا كـل لـيلة حـين تبقـى إلـى كثيـرا علـى أنـك أشـكرك

، فال رحمة لدي ألعنكلن . ولكننـي أشـعر بوجـودك ،ال أراك . األصـدقاء

، بك أرحبلذلك . منه أنبذكلكـي اطـردك مـنها، وال نعـيم يخصـني كي

تفضــل . مســاحات هــذا العــذاب الــذي يحــيط بــي لتشــاركنيوأدعــوك

ترفعني من فوق أسوار جنات . يعجبك ما أنا فيه . وادخـل عالم الشقاء

، تلتهم نيرانها م السـعادة التـي يحتـرق فـيها الـناس نتعاسـتي ألرى جهـ

. أحالمهم وتطلب المزيد

.أيها الكائن الناري الملعونشكرا لك،

."كائن الطين المعذب": المخلص مع تحيات

سيصبح هذا البائس من عبدة الشيطان، لماذا لم : " يقـرأ سـالم ويفكر

شيخ تركي على قناعته يعاتب ال ،ويعيد ذاكرته !! .. " طالح والديهيسـمه

هو عقل . اجتهد في ذلكوإنبـأن ذلـك العقـل لـن يخـرج سـوءا حتى

ئا يـدرك في كل مرة شاط .السـابح فـي بحـر االعتراضـات والتناقضـات

إن لم يظـل يسـبح دون توقف عله .، وجمـيعها مهجـورة ويعـود لآلخـر

. شهيدا آخر المطافيموت ،تدركه سفينة عابرة تنقذه

به الماديـة التي تكسو حياته بالحزن واليأس، أقل يـرى سـالم أن مصـائ

لي بالرحمة أكثر من لذلك يدعو .ضـررا مـن الجنون الذي يتلبس عقلي

والفضول يدفعه ليقرأ بقية الفصول في ،الورقة في يده . دعـاء أمـه له

إنما . في نفسه الوقت الذي اخترته للرحيل العناهـذا الدفتـر العتـيق،

مع صوت سامي يلج إلى الصالة لسابقة حتى يس يهـم بالـرجوع للورقة ا

: مناديا

!صالح ، صالح -

.ليس هنا -

. إذن ذهب التعيس في رحلته الموسمية -

.ك تعلم أين يذهبمن يسمعك يعتقد أن -

.ا عن حياته الخاصةر أحدصالح ال يخب -

تشعر بأنه يستغلنا؟ أال .ولكنه يعرف كل تفاصيل حياتنا الدقيقة -

أو ألحصكك يـوما ان تـبوح له بشيء يخ طلـب مـن ه أنـ أعـتقد ال -

!ما يزعجك في حياتكعليك للبوح ب

ال ولكن يكفي أن يطلق باتجاهي جملة . نعم، هو ال يفعل ذلك -

!أفهمها ولكنها ترغمني على قول كل ما يخصني

ماهي تلك الجملة ؟ -

ولــو حفظــتها، لــتفاديت .لــو كــنت قــادرا علــى فهمهــا، لحفظــتها -

! كلمات ال تعني أي جملة مفيدة ولكنها.االستماع لها

؟هل تتحدث عن صالح أم عن ناصر -

وكأن، سالم الدفتر من يده على صدر سامي فـي هـذه اللحظـة يرمي

أربعة أحرف . في داخله حقيقة تواجده في الشقة اسـم ناصـر قـد أثار

كفـيلة بـأن تتـرك لصـاحبها أثـرا يعـادل كـل سـيرته مع ف شخصـا تعـر

.يجمعها اسم واحدوأحداث مواقف كلمات، ، لحظات، صور.أصدقائه

.نعم، ناصر -

.أقصد إثارة هذا الموضوع لم أعتذر -

.؟ لم يحصل شيءعن أي موضوع تتحدث -

أتعني أنك لم تكن في دبي قبل أسبوع؟ -

هل أصبح غريبا سفر الشباب ؟ وماذا في ذلك . كـنت هـناك بلـى -

؟إلى دبي أو البحرين

".شباب " وأنت لست . الشباب -

لم . آخرأمرا قصد يفهـم أن سامي ،الم مـن هـذه الكلمـة يمـتعض سـ

لعل هذا المبدأ الذي التزم به ناتج . يتبع المتعة وال يبحث عنها يكن يوما

المال الذي قد يصرفه في إحدى . عـن ظروفه وليس باختياره واقتناعه

هـذه الرحالت على المحرمات، كفيل بأن يوفر ألحد أفراد عائلته الدواء

المــادة تجعــل مــن الشــرف قــناعة . س متــى دعــت الحاجــةو المالبــأ

. عــل مـن النــزاهة رمــزا يميــز الجبــناء ، والقوانــين تجءيمارسـها الفقــرا

!اوكالهما الفقر والجبن يتفقان على جعل المواطن صالح

، معرفة مكانيل لم يكن يوما يهتم . ذهن سالم بإلحاح أشـغل أنـا أجـل

ت موسمية تنتشلني دون إعداد رحال . ذلك يعتد األصح أن الجميع لم بل

أنني ذهبت أصـدقائي هـنا يعـتقد .فـي عـالم خـاص لهـا، وترمـي بـي

نـي منشـغل في الجمـيع يعـتقد أن ، وهـناك فـي القـرية .لـزيارة أهلـي

ــتي ــي الجــرائد، ال .دراس ــتواريخ واالعالنــات ف ــنون بقــراءة ال ال يؤم

ليهم يحـتاجون لمعرفة متى يبدأ الفصل الدراسي ومتى ينتهي، كل ما ع

الـوقت في حياتي وفرة وألن. فعلـه هـو سـؤالي مباشـرة متـى تأتـي

مـن تحديـد وقـت معـين بيوم ا، أجدنـي محـرج تجاههـا الـبذخ أمـارس

األمــر مــرهونا ومعلقــا بالــرحالت المتوفــرة وإمكانــية وأتــركوســاعة،

الخطـوط الجـوية فـي وطنـي تخلصني من هذ المأزق، .الحجـز علـيها

. نات أميوتستقبل نيابة عني كل لع

أسست لها بأن وفرت عليهم تلك أغـيب فـي فجـوة المباالة من حولي،

وأظل فيه أختفيثقب أسود في عقولهم . مشـاعر القلق تجاه مصيري

ــابعهم .مــتواجدا حــولهم بعــيدا عــن وأبقــى مــن حــيث ال يعلمــون، أت

. لكن سالم هذه المرة مصر على معرفة مكاني.المالحظة

؟ي القريةسامي هل لديك رقم صالح ف -

لهذا الحد حتى تعتقد أن صالح سيمنحني اوهـل كـنت يوما مميز -

!؟هذا االمتياز

.انت األكثر قربا منه -

.كلنا في خانة واحدة بالنسبة لصالح -

الخانات هي؟وأي -

.أصدقاء المرحلة -

؟أي مرحلة تلك -

وبعـد ذلك يمكن لنا الحكم أينا أكثر . مـرحلة الدراسـة الجامعـية -

. صالح بالتواصل معهتميزا متى استمر

.ولكنني ال أدرس في الجامعة -

هذا كاف لكي أفترض بأنك هـا لمـدة فصل دراسي، و بالـتحقت -

. شاركته قاعات الدراسةكونكلصالح األقرب

ــس ــتار نف ــة، واخ ــي الجامع ــد ف ــل واح ــدة فص ــتحق لم ــالم ال س

اعتقد أنه قادر على خلق نظام ". القانون " التخصـص الذي اخترته

ــد يســمح ــهم جدي ــين تخص ــالم ال قوان ــي ع ــيش ف ــثله الع ــن م لم

لـم يعلم ان تلك القوانين التي يريد دراستها ويحاربها لن . وتـنقذهم

خرج . للحياة تكشـف له عن نفسها ألن هناك أنظمة وقوانين أخرى

. بتصـور أن هـذا الـوطن صـممت كـل لوائحه وأنظمته لتبقيه تعيسا

:في إحدى المراتسألني

اختـيار قسـم له كـان بإمكانـك ؟القانـون لمـاذا اختـرت دراسـة -

.مستقبل وظيفي أفضل

.القانون، نعم القانون -

ماذا ؟ -

أال تكفي هذه لتجعله محل اهتمام . ال شـيء سـوى أنـه قانون -

؟أي شخص

كيف ذلك ؟ -

لماذا تركت القانون؟ -

.الجامعة لم ينمنحني فرصة اإلكمال نظام ألن -

محدد بمجموعة من حتى المستقبل ا إذ !تقصـد قانـون الجامعة -

.ر باتجاهه يجب أن نفهمها ونطبقها األنظمـة والقوانين، كي نسي

تتغير لنكتشف أن كل حياتنا سوف هناك إلى وربمـا حـين نصـل

.ذهبت سدى من أجل قوانين تتغير مع الزمن

أنـك تقصد أن هذا القانون هو ب أعـتقد ي، ولكنـ أفهـم جـيدا لـم -

. بهنحياالذي

أصبح ،آدم الذي انتهك أول قانون . لقتبـل هـو الحياة منذ أن خ -

.ه كعقوبة تكفر عن الخطيئة األولىؤ يحمله وأبناائعبالقانون

؟استغفر الله ، هل يجب أن تقحم الدين في كل مناقشة بيننا -

.أقحمههو موجود في كل لحظة وال ينتظرني حتى -

ــيحســنا دع عــنك الفلســفة - لمــاذا تحــب دراســة جــاداوأخبرن

.القانون

.ي أمارس المنطقلك -

؟ولماذا تحب المنطق -

.ألنه هيكل الفلسفة التي تكرهها -

. أنت تحب الفلسفةإذا -

إجابة محبتي للفلسفة، واعتبرتلمـاذا لم تتابع سلسلة تساؤالتك -

؟لسؤالكنهائية

؟أغفلت سؤالك عنههل هناك شيء آخر -

؟إسألني لماذا تحب الفلسفة -

فلسفة؟ لماذا تحب الإذا -

. المادة الخام كل شرائع الدنيا التي شكلت منلةاآلا ألنه -

. يغضـب سـالم مـن نهاية هذا الحديث وينهيه داعيا لي بالشفاء العاجل

دينه بسيط جدا، يطبقه .يكـره أي نقـاش يـتعلق بمسائل دينية وشرعية

قبل الخروج من رداءه يلبس كأن .كمـا يمـارس بقية األشياء في حياته

. ن، أشياء تشابه ما يفعله اآلخرو ماغا وعقاال ثوبا وش يرتديالمنزل، ان

. الـدين عـادة نكتسـبها فـي هـذا المجتمع دون أن نفهم لماذا اخترناها

في سألته. طلب منا ذلك تنحـن مسـلمون ألننا ولدنا في مجتمع مسلم ي

:إحدى المرات

؟ لو لم تكن مسلما، هل كنت ستختار اإلسالم دينا لكـ

: أجاب دون تفكير

. بالطبعـ

تمامـا انـه يلغي أي احتمال وارد لخيارات أخرى، والسبب ألنه لم أعلـم

سـمعني ذات مرة .يطلـع علـى كـل تلـك الخـيارات او باألصـح األديـان

في ما أفهمأنـاقش الشـيخ تركي في ذلك، كنت أخبره حينها بانني كي

لم .الصـندوق يجـب أن أراه مـن الخـارج أيضا بعد أن رأيته من الداخل

ولكي اختار أي الصناديق . يفهم ما اقصد ولكن الشيخ فهم يكـن سالم

وهنا . علـي الدخـول إلـيها يجـب أن اجـرب كـل صندوق ممكن يـتوجب

ــت فجــيعة ســالم عــندما شــاهد الشــيخ تركــي يتحســب ويحــوقل كان

أجبته حينها أنني فعلت وانتهيت، .ويسـألني أن ال أكـون قـد فعلـت ذلـك

ن العادة وأصبح ديني عبادة وأننـي عـدت بعـد قناعة، وانني تخلصت م

سالم . هـذه الكلمـة جعلـت الشيخ تركي يبارك لي مرة أخرى .صـادقة

في شيء، لكن ئالشـيخ تركـي دليل على أنني لم أخط اعتبـر مـباركة

سالم انتبه : "تجاهـه جعلـته دائمـا يتجنب الحديث معي كلمـات الشـيخ

تركه وان فعلت، فال ت .علـى نفسـك من هذا الشخص، ال تستمع اليه

عليه بالسؤال ألح بميله للتوقف، وما ان تحس .لديـه حتـى ينهـي مـا

فمتى وجدته سعيدا بك كسعادتي به اآلن، . مـا سكت عنه عليخبـرك

لذلك تعود سالم على إنهاء أي حديث يمتد إلى ."اعـرف أنك قد نجوت

أن يلزم نفسه بأمر خطير ال يحب.حـيث كـان نقاشـي مـع الشيخ تركي

.لشيخ له اكما صور

اآلذان يـوقظ سـالم ويجعلـه ينتـبه لوجود سامي الذي كان بجواره منذ

.أن غادره في رحلة ذاكرته مع صالح

.دعنا نذهب للمسجد ومن ثم نعود لنفكر بطريقة نجد بها صالح -

.يبدو أن األمر ضروري -

.نعم هو كذلك -

ن صـالح ال يـنوي الـتدخل فــي اوأخبــرك علـيك الـبحث أوفـر لمـاذا ال -

. مشكلتك

.هيا بنا نصلي، ودع عنك التفكير اآلنـ

ويسأل عن التفاصيل، ينتهزها فرصة لسامي كي إعطـاء ال يـريد سـالم

إذا كان هذا األمر صحيح، وصالح ال يريد .لكـنه شـعر بـأن نبرته صادقة

يؤنب . كبيـرة ال يسـتطيع تحمـل نـتائجها وحده أزمـة الـتدخل، سـتحدث

يتابع ..؟ يفكر باحتمال تخلي الجميع عنه لماذا لم .نفسـه على ما فعل

في مشاركته ليتوضـأ ويعـاود التفكيـر في إمكانية ذاهـب سـامي وهـو

!يحاوللماذا ال فإنه يبدو أكثر تعقال ورزانة في هذه المرة. األمر

الحي مازال .الطـريق مـن الشـقة إلـى المسـجد يعبر مساحة شاسعة

المرات النادرة التي ذهبت في .فـي بـدايات الـتطور والتـزايد العمراني

أحسسـت ان القرية ال تفرق عن المدينة سوى في كميات هللصـالة فـي

الغبار التي تثيره . التـراب المنتشـرة فـي األراضـي الخالـية مـن المباني

أمر تفقده ،هـا آثـارا متشابكة تحكي سيرة األقدام ء ورا تاركـة األحذيـة

إلــى المســجد يشــبه لطــريق ا. فلت والمبانــيســالمديــنة المغطــاة باأل

. أمامهما بيت الله. الطريق ذاته إلى نفس الهدف في قريتي

انطباعا مشـيهما الصامت يعطي . ء وهـدوء بـبط سـامي وسـالم ريسـي

واجب ، التقوى والخشوع لحظات ترقب وانتظار.خادعـا للناظـر من بعد

سالم يعتقد أن . من الساعة أقلروتينـي كغيـره مـن الواجبات يستهلك

يفكر . لمناسـبة لتجـربة الحـديث مـع سامي تكون بعد الصالة اللحظـة ا

. يقدم للحديث بعد الصالة بحديث قبله.بجس النبض قبل البداية

. المرة األولى التي أراك فيها ذاهبا للمسجد، إنهاعلى فكرة -

؟هذا المسجد تقصد -

إن لم تكن تصلي هنا، لن افكر أنك تصلي . كـل المساجد سواء -

.في أي مسجد آخر

أنا أداوم على الصالة في مسجد ف، ىء يـا عزيـزي انـت مخطـ ال -

. وال اترك فرضا مادمت في المنزل،حينا

أم أن ؟ولمـاذا تتـرك كـل الفروض عندما تكون في الشقة معنا -

مظهرك امامنا ليس مهما كمظهرك أمام أهلك وجيرانك

لقـد تعـودت علـى الصـالة فـي مسـجدنا ووراء إمامـنا، فصوته -

كمــا أننــي أجــد صــعوبة فــي التجهــز .اح إلــيهالوحــيد الــذي ارتــ

.ندما أكون في الشقةوالوضوء ع

؟وبةصع، ماهي الأفهملم -

أحب الدخول تعلم أن الجميع يدخن، ويلتصق هذا في ثيابي وال -

ــرائحة ــدل عــندما اكــون فــي منزلــي .إلــى المســجد بهــذه ال أب

.هذا غير ممكن هنابالطبع ف، ووأتعطرمالبسي كاملة

طـور والثـياب فـي غـرفة صـالح مـا يكفي لتنتقل لـديك مـن الع -

. أي لحظة تشاءللسكن معه

يعــتقد أنــه يــريد اســتدراجه إلــى . ســالمإلحــاحيمــتعض ســامي مــن

يحاول التملص بكل ما يمكن ، ف االعتـراف بأنـه ال يـذهب إلـى المسجد

سالم بسيط في تفكيره وال . لشـاب مـثله قوله من حجج، لكن ال فائدة

يكتشف امورا .ا ما يوقعنا احيانا في مشاكل معه هذويحمـل سوء نية،

ما ألحداألسـئلة المترابطة ال يمكن . مجـرد أنـه يسـأل ويكـرر السـؤال ل

هذا ما يفعله الرجل البسيط ذو و . علـى اكتشـاف اإلجابـة قـدرتها كسـر

ممارسة لعبة الذكاء المتحضرينالفطـرة الـبدوية عـندما يحـاول احـدا

. أمامه

!سرع ، أ الصالةلقد أقام -

هكـذا ينهـي سامي الحديث ، ويهرب من الزاوية التي وضعه سالم فيها

بعفوية

، ويصبحان آخر من تين يلحقان بالركعيتن األخير .يسـرعان نحو المسجد

صـف واحـد وأقـل مـن ربـع الصـف الثانـي، المسـجد كبيـر جدا .يغـادر

أفضل الخير يقدمون فاعلو. مقارنـة بحجـم هذا الحي وعدد البيوت فيه

يجعـل المساجد ممـا ، ولـيس للمديـنة أو سـكانها للـه لـديهم تقـربا مـا

. ضخمة جدا مقارنة بحجم األحياء

سـامي يجـوب بعينـيه أرجــاء الم وذكـر اللـه كثيـرا، فـيما كـان سـبح سـ

بـناء فاخـر يفـوق مسجد حيهم .المسـجد مكتشـفا أشـياء لـم يـتوقعها

،ف التكيــي.منبــر مــنقوش ومــزين بافضــل نوعــيات الخشــب . المــزدحم

. واألسـقف، كـل شيء يجعله يفكر ماذا لو كان هذا المسجد في حيهم

:ينظر إلى سالم

. على مثل هذا الحيفاخرهذا مسجد -

!!األمرحتى في هذا تمارس الحسد استغفر الله ، -

فكمــية . نا كمــثال يحــتاج إلــى مســجد مــثله، ولكــن حيــأقصــدال -

.ر واالزدحام خانق في أيام الجمعةالمصلين أكث

الـناس يتكاثـرون ويتوسعون في . هـذا المسـجد يـوما ئسـيمتل -

.سكناهم باتجاه هذا الحي

..اعلم هذا ، لكن -

إمـام المسجد والمؤذن .يقطـع حديـثه ويطلـب مـنه اللحـاق بـه سـالم

. يهمان بالرحيل ويقتربان من حيث يجلسان

.اكمل لك -

ال تكمـل شـيئا، ادع لبانيه بالخير، ومسجدكم سيأتيه خير من عند -

.لهال

!تعني بذلك أن أصمت وأطبق فمي -

.كما تشاء -

سامي يلحق به يتجه و سالم هو من يـتجهان إلـى الشـارع، أو باألصـح

الم السير قليال بعد تعود س. عـن الـوجهة التي يقصدانها دون أن يسـأله

يتأمل السماء،. يحب أجواء الليل الهادئة في هذا الحي صـالة العشـاء،

أكثر لمعانا هنا النجوم . جنوب المدينة عن سماء الحي مخـتلفة يجـدها

هم ؤ ســما.يــبدو أن اللــيل أيضــا يتآمــر علــى األحــياء الفقيــرة . وعــددا

والسـواد هــو ،المغبـرة بـدخان المصــانع حـولهم تختفـي فــيها الـنجوم

. الشيء الوحيد الذي يعرفونه عن الليل

؟سامي، متى يعود صالح -

. يدريأحد ال أن وتعلم أنتال أدري يا سالم، -

؟لماذا لم يعطي احدا منا رقم هاتفه في القرية -

.ال اعتقد أن احدا منا طلبه منه -

. عن أهلهشيئابالفعل لم يسبق أن سألته -

.، حاولت مرة ولم أفلح سيتجنب اإلجابةسألتهحتى لو -

انـت معـروف بالفضـول يـا سـامي مع احترامي لك، وال أحد منا -

.يحب مشاركتك األخبار والمعلومات

؟ي أنني لست موضع ثقةهل تعن -

ــيال - ــك، أعن ــتحدث دائمــا ولكــنك ذل ن تعــرفهم بأســلوب عمــ ت

عندما نستمع . مـرة واحـد فعـل كـذا، وآخـر فعل كذا .القصـص

.إليك نشعر بان مصيرنا أن نصبح أحدا ما في أحاديثك لآلخرين

.سم على شفتي ساميتابتسامة ماكرة تر

وأنا اتحدث بالفعـل أنـت باألمس على سبيل المثال كنت أحدهم -

.إلى أمي

؟ كنت تتحدثعماذا -

أمك لم تتصل بها لقـد سألتني عنك وعن أهلك، وتقول أن ،أبـدا -

.أختيمنذ خطبة

. أننا فقط مشغولونوأخبرهااعتذر لها -

بماذا يا ترى؟ -

.ال شيء مهم، كمشاغل الحياة -

ما حدث وجعلكم تنقطعون، حتى الكـن أمي تصر ان هناك أمر -

.لوع في هذا األمرانها اتهمتني بالض

.بالله عليك يا سامي، ال تلح بالسؤال وتزعجني وتزعج نفسك -

وأحب التدخل في أمور ا أنـك تعتبرنـي فضـولي أعلـم . بـل سـألح -

اآلخـرين، وأعـرف جـيدا أنـك تـبحث عن صالح لكي يتدخل في

..مشكلتك التي

بإظهار إسكاته ين إلى سامي محاوال تيقـف سـالم وينظـر بعينـين متقد

.مات الغضبعال

لـم أكن اشعر بذلك حتى . ، إن االمـر يخصـني أيضـا أصـمت لـن -

مـا حدث تلك الليلة في منزلنا جعلك ا أمـي بـأن أمـر لـي حـت لم

.وتنقطعون عنانت وعائلتك تبتعد أ

سـامي لـم يحـدث شيء، والله أن أمي تحبكم وتشعر بأنها بين -

.لكن كما قلت لك مشاغل الدنيا. أهلها عندما تزوركم

ا قصة نوف؟وم -

من المفيد أن ه لعل . يشـعر أن سـامي لديـه معلومات ما ،يـرتبك سـالم

وفي لـم ال، بالفعل لسامي وعائلته ضلع في الموضوع .يشـاركه األمـر

، تنتقل األخبار من عائلة عادة هكذا يحدث .نكشف كل شيء ينهاية س الـ

أمام بطل تلك أحـدهم إلـى أخـرى عبـر المديـنة ليـتحدث بهـا يـوما مـا

.ادثة وكأنه شخص آخر ال يعلم عنهاالح

:يستسلم سالم ويحاول تهدئة إلحاح سامي

.ما رأيك أن نعود للشقة، وهناك نتحدث بكل شيء -

يلة، لدي عمل في المطعم ، سـأبيت فـي الشـقة هـذه الل حسـنا -

.يوم غد

سـامي ذكـي بمـا يكفـي لكـي يلـتقط اإلشـارات والدالئل ويبني منطقا

ن أمـه لتـتحدث عن شيء أمامه، لكن لـم تكـ .متماسـكا مـن األحـداث

تسمح له بالتقاط عادتـه فـي مشـاركة أخـواته الحـديث بعد المناسبات

مـن خاللهـا صـورة كاملة عن بعـض التفاصـيل التـي يـربطها ويشـكل

يخبرن بالمهم ، سـاء متـى تحدثن يسردن كل شيء ممكن الن. األحـداث

راحة للحظـات متـى شـعرن بالثقة وال هن يخـونهن ذكـاؤ . وغيـر المهـم

هن بالثقة السادسة الالتي يعتمدن عليها تملؤ الحاسة وتجـاه المستمع،

عالمهم مليء باألسرار ومهما تحدثن يظل .لدرجـة التخلـي عـن الحذر

الحـديث عن أمور حدثت في . فـي هـذا المجـتمع ذلـك العـالم غامضـا

لكي تأخذ مسار المشاكل دائما يدفع انعـزال تـام بـين الرجال والنساء

، وفي هذه الحالة ليس أمام الرجل إال أن يصدق د على األقوال االعتما

مــن اتصــبح المشــاكل نــوعل .لــم يســمعه بإذنــه أو شــاهده بعيــنه مــا

الكثيـر من العالقات بين األسر والعوائل انتهت بشكل غريب .المقامـرة

بسـبب أحاديـث خرجت من وراء الحجاب العازل للنساء، لتصل بطريقة

سـامي في هذه . بـتهور دون وعـي وإلمـام تجعـل الـرجال يتصـرفون

خر من الحقيقة من خالل مـا يـريد، ثم بادر برؤية الوجه اآل أخـذ المـرة

ولـذلك سـيحافظ علـى مظهر المطلع ، اعـتقد أنـه يعـرف سـالم الـذي

يتجه . يصالن إلى الشقة.والملـم بكـل التفاصيل حتى يفهم بقية القصة

الحديث مع سالم الذي إلـى الغرفة، يخطط كيف يبدأ ب مباشـرة سـامي

يقرأ .يمسـك به ويفتح على آخر الصفحات . يطلـب مـنه احضـار دفتـري

يلتفت حوله في ظالم الردهة بين ل ء في خطواته ىآخـر الرسائل ويبط

، لعله من أتحدث عنهالغـرفة والصـالة، يـبحث عـن ذلـك الكـائن الـذي

ه ينظــر وراء يشــعر بـه، يـتوقف عــند طـرف الـباب، .يخطـط معـه اآلن

:يتمتموجاه غرفتي بات

. بالله من الشيطان الرجيمأعوذـ

:يسمعها سالم ويرد عليه ساخرا

!ـ ال تتعوذ من صديق صالح

:الرجل المجنون

تلك هي كل .وشيك موقع في محفظتي ،بعض المالبس ، قلـم وحقيبة

نى عزلة بالمع ليست . بها الجميع متجها نحو عزلتي أغادراألشـياء التـي

، ولكـنها مقارنـة بكثـرة األصـدقاء والعالقـات والمعارف تصبح الكامـل

غــادرت قــبل بدايــة . تؤثــر فــيها صــحبة شــخص واحــد كــاد ال ت منعــزال

اقتطعت اسبوعين اضافيين قبل اسبوع امتحانات ، ف االمـتحانات الفصلية

الدكتور " من رئيس القسم لإلسـتئذان اضـطررت ذلك لـ . العـام اإلعـداد

مر ستسـتغل الفرصة ليوبخني بسبب غيابي المتكرر والم الـذي ا ، "علـي

تأتي في أخرىفـي مـثل هـذه األوقـات من كل فصل دراسي وفترات

شـرحت لـه مـن الظـروف مـا يكفي لجعلي مناضال .منتصـف الفصـول

صدقني لسبب بسيط ، أنني لم .وعصـاميا كمـا فـي الروايات والقصص

يقــية، لكــنها مــن تلــك الظــروف الصــعبة التــي أعيشــها حق.أكــن اكــذب

مسألة االعتماد غير أن بإمكانـي العـيش بطـريقة أفضل، . أنـا اختـياري

رمـى به أبي داخل نفسي عندما غادرت علـى الـنفس تشـكل هاجسـا

بـأن اصـبح رجـال يقـاوم المصاعب ويحقق أوصـاني .القـرية أول مـرة

لــم يكــن يقصــد التخلــي عنــي، لــم يكــن يــريد أن يقلــل مــن .أهدافــه

هي، كل ما في األمر أنها ممارسة أبوية تعودنا عليها في مسـؤوليته تجا

على إيقاع هاجس الرجولة على المراهق يجعله أكثر حرصا .مجتمعـنا

يرغمه على تـركه يشعر بانه وحيد في مشاكله أمر .سـمعته ومسـتقبله

نوع من إنه .بل اإلقدام على خوض مغامرة خطيرة ألف مرة ق التفكيـر

بعــيدا عــن حقيقــية كانــت وف األجــداد واألبــاء ظــر.التــربية المــتوارثة

اخذوا منها إثر تصديهم لها أكثر صالبة أنفسهم عـندما وجـدوا .اإلفـتعال

الدكتور علي من جيل أبي، . معـتمدا لتربيتنا اسـلوبا هاالمعانـي وجعلـو

لـذلك تفهـم وضـعي وطلـب منـي محاولـة االلتـزام بالحـد األقصى من

.الحضور

هذا ال يخلي مسؤوليتك من ، ولكـن طالـب مـتفوق صـحيح أنـك -

.الحضور

.اعلم ذلك ، النظام يحرجكم -

الحـياة الجامعـية أكبر من مجرد . لـيس فقـط الـنظام يـا صـالح -

ــم، إنهــا اخــتالط ومشــاركة مــع الحصــول علــى الشــهادة والعل

انتم هنا جميعا يتجاوز . أشـخاص مـن شـرائح اجتماعية مختلفة

لمناطق، أليس هذا عـددكم األربعـين ألـف طالـب مـن مختلف ا

؟مكان يستحق منا العيش فيه بكافة تفاصيله

فــي بهــو الجامعــة وأتجــولتعنــي ان اتــرك قاعــة المحاضــرة -

؟لمخالطة الطلبة

!دع عنك التحذلق يا صالح، أعنيهتعلم جيدا ما -

األصدقاء نوعيات عترف لك أن لدي من ترمـي إلـيه وأ مـا أفهـم -

.لن تصدق وجودها أبدا

.وا على قدر كبير من األخالق يكونالمهم أن -

. المهم انهم أصدقاء -

ان أضيف إليك سأحاول .، سأتابع غيابك من اليوم وصاعدا حسنا -

أنك لم تكن فـي األمـر الغـريب . فـوق النسـبة المقـررة للغـياب

.تتغيب إطالقا في أول سنة دراسية لك

. إجازاتي لأليام الصعبةأقوم بجمعكنت -

فهمت من الطلبة المخضرمين ولكنيأفعـل ذلـك بالطـبع، لـم أكـن

أول انطباع يشكله أنالـذين اخـتلطت بهم في أول ايامي الجامعية

لذلك حرصت . الطالـب عـن نفسه يستمر معه حتى آخر ايام التخرج

ــتهدان ألتـــزم ــارك فأ فـــي أول فصـــل دراســـي وأجـ وأراجـــعشـ

وبعــد أن كــونت . رؤيتــييعــتادواالمحاضــرين فــي مكاتــبهم حتــى

أني لم معي لدرجة متساهالطالب المجتهد، اصبح الجميع انطباع ال

.االمتحاناتأيام المواد أال أحضر بعض

يسمعني كثيرا .إحراجييذكرنـي الدكتور علي ببداياتي الملتزمة محاوال

جامعة تفرض على طالبها ال ف ، بالحضور نييطالبمـن فـوائد الحضـور و

في اتخاذ أي لها الحق . كـل شـيء وال تفـرض علـى نفسـها أي شيء

مما . لـيس لديـنا أي فرصـة التخاذ أي إجراء تجاهها وبالمقابـل ،إجـراء

قصة طالبيوما حين أخبرني األصدقاء أعـاد إلـى ذاكرتـي صـورة أحد

، زاره والده في جامعته للسؤال عنهعندما وذهـب للدراسة في ألمانيا،

ة ما، وشعر بأن هناك مشكل تفاجأ الوالد . باستدعائه رئيس القسم قـام

الدكــتور لقــيه بــه ولكـنه مــا لــبث أن فوجــئ باإلســتقبال الحافـل الــذي

الدكتور كان استغرابه شديدا عندما علم أن . المسـؤول عـن متابعة ابنه

منطقة الخليج العربي قادما من مـن كـون الطالـب مـندهش األلمانـي

حياة الترفيه ينساق الطالب القادمون منها باتجاه جرت العادة أن حـيث

معه حامال كـان يأتي في نهاية كل فصل دراسي إذ . لـى عكـس ابـنه ع

بخصمن، ويطالب وقائمـة بكافـة المحاضرات التي تغيب عنها المحاضر

حاول األب .قـيمة هـذه المحاضـرات مـن رسومه الجامعية وإعادتها له

أنه أخبره .االعـتذار، لكـن الدكـتور األلمانـي طلـب مـنه عدم فعل ذلك

أرجعوا أنهم زاد احترام الجميع لهذا الطالب، حتى قد بعكـس مـا يتوقع

.له حقوقه وعاقبوا المحاضرين على تغيبهم

صوت الدكتور علي الجهوري استرسالي في عالم الذكريات، فقد قطـع

تعاكس تههيبإذ أن كلمة تخرج من فمه، كل جسـمي ينـتفض مع كـان

.روحه الطيبة والمرحة

.دكتور في هذا القسم كيبدو يا صالح أنك بدأت تصدق أن -

ال أبـدا يـا دكـتور علـي، حاشا لله أن أصل لهذا المستوى الخطير -

منكم؟في التفكير، أين أنا

. بي ويشاركني السخريةئيستهز

تنافسني على أخشى أن كـنت .حسـنا ، لقـد اطمـأن قلبـي اآلن -

.رئاسة القسم

يطغى على أي ال أستطيع تخيل ذلك يا دكتور علي، إن حضورك -

.ر آخرحضو

.يبدو أنكم مللتم النظر إلى وجهي. أحتاج إلجازةحسنا، لعلي -

على ما من يشعر بذلك هو الدكتور عبدالعزيز ، ولكـن بـالعكس -

هـل يمكن لنا يا دكتور أن نسجل حضوره وغيابه ونطالب . يـبدو

الجامعة بحرمانه من تدريس المادة؟

ألمانيا، متخيال قصة ذلك الطالب في أتذكرقلت هذه الكلمات ببرود وأنا

.نفس االحداث ونفس التجاوب الجميل يحدث هنا في جامعتنا

ــذه - ــثل ه ــنك م ــالح ودع ع ــا ص ــل ي ــثاعق ــتور ف، األحادي الدك

ــي ــيل ل ــز زم ــمحال وعبدالعزي ــذا أس ــنه هك ــتحدث ع ــك بال . ل

!سامحك هذه المرةأس

ــراطية ــى بيروق ــي يحــافظ عل ــتور عل ــبة اآلدابالدك ــين الطل ــة ب العام

حتى . يريد مني التمادي حتى ال يشعر بالسوء تجاه نفسه ال .والدكاتـرة

لديـه نفـس شـعوري وشعور الطلبة تجاه الدكتور عبدالعزيز، وإن كـان

. عهد المهنةيرتبط معه ب أخر أكاديميا يظل هلكن

من المكتب سرت في الرواق الذي أحيا في داخلي أول عـندما خـرجت

جعلني ذلك الذي . تماما الرجل الذي جعل من حياتي مختلفة بلقاء لي

بكـل عقلي المستخدم بطريقة خاطئة، ألبدأ بعقل كأنه جديد لم أرمـي

وجهه المختفي . رجـل يتجنـبه الـناس لقبح منظره . مـن قـبل يسـتعمل

ضاق حتىقصيرة، جسمه المكتنزوراء لحـية كـثة، ثـيابه الـرثة، قامته ال

يخبئ .س يبتسم بخبث محبب للنفو ، وأليف هو شيطان صغير .بـه جلده

تأسر كل من هروح . ال يرى بالعين المجردة جماالو، ا ضخم اداخله مالك

تشــرق بكــل مكــان يحضــره دون ان ته ابتســام.حــولها متــى المســتهم

ل أصعب يحوو لـه، المنصـتين أرواح علـى يـوزع الـراحة .يـنطق بكلمـة

يمــتص . المشـاكل دون أي محاولــة لحلهـا تــزيل بسـاطة إلــىالحـاالت

الكل في كاإلسـفنج ويخلطهـا بهمـه الوحـيد ليـنوب عن همـوم الـناس

.تحمل الشقاء وحل المشاكل

جمعتني به الصدفة . كـتاب في يده منذ أول لقاء لنا لـم أره قـط دون

رأيت اهتمام الدكتور به لدرجة .عندما كان يزور الدكتور علي في مكتبه

تور طلب من الدكلكنه عند وصوله، مـن مكتـبه إخراجـي أنـه بـادر إلـى

الحقا واعدا اياه بالعودة االسـتماع لمـا لدي واالنتهاء من حل مشكلتي

رجع، كان باب غرفة الدكتور ما عندما . هلـيأخذ النصـيب األكبـر مـن وقت

ارتبك الدكتور كثيرا واستعجل . فـي الخارج زال مفـتوحا، فبقـي منتظـرا

أن هذا الرجل مهم جدا ويجب عندها فهمت .فـي انهـاء الحـديث معي

اعتذرت عن تأخري ف الدكتور، أحرج بقليل من اللباقة حتى ال أحظـى أن

إذا انهيت فعال حديثي مع دخـل وهـو يسـألني مـا .وبـادرت بالمغـادرة

علـي بأخـذ مـا احـتاجه مـن الـوقت، لكننـي رفضـت ذلك ألـح .الدكـتور

طلـب منـي الدكتور أن أعود إليه في فترة الراحة ، ف وفضـلت المغـادرة

.ة والغداءالمخصصة للصال

، غير أن شخصية ذلك الرجل محـاوال معـرفة اتجهـت لمكـتب السـكرتير

لـم يكـن أمامي سوى انتظار فترة . محاوالتـي جمـيعها بـاءت بالفشـل

مثل ذلك الرجل ال .قد تضخم داخلي والفضـول حيـنها عـدت . الظهيـرة

طالب القسم، ألن أحد وال حتىيمكـن لـه أن يكون دكتورا او محاضرا،

.ميـز بـالطالب المهندمـين الذين يعتنون جيدا بمظهرهم العام قسـمنا ت

للمظاهـر الالئقـة ليحظوا بالمزيد من تكملـة يعتبـرون دراسـة القانـون

.االحترام في المجتمع

سـمعت الدكـتور مـن الـداخل يضحك من فاقتـربت مـن بـاب المكـتب،

لم أدرك قبل اآلن أن الدكتور علي يحمل مثل هذا القلب .أعمـاق قلـبه

هممت بفتح . هو السبب الجالس معه الرجل ي أيقـنت أن لكبيـر، لكنـ ا

لنلتقيالـرجل يخـرج مستعجال ، وفوجـئت ب بالدخـول الـباب واالسـتئذان

.وجها لوجه

.أهال يا صالح -

.أهال بك -

أنـت الطالب الذكي والمتفوق الذي ازعجني الدكتور بالحديث اإذ -

!عنه

.أكون كما يصف أن أتمنى -

علــى هــذه الســمعة أحســدكحتــى أننــي ،اطمــئن أنــت كــذلك -

. لو تخسرهاوأتمنىالجميلة

مزعجة هي . علـى جملـته األخيـرة ردي منتظـرا وجهـي إلـى ينظـر

نبرة صوته أنه يحاول من أدركت . شعورا باالستياء في لم تثر هالكـن

.السخرية مني

ما شاء الله واعوذ بالله ، ماذا بقي !أحسدك هل خفت أن ؟مـاذا -

بوجهك ؟أبصق، هل

ه يكاد ضـحكات الدكـتور علي ممسكا ببطن تصـاحبها يطلـق ضـحكة

. ينفجر من الضحك

.ال شكرا لقد غسلت وجهي للتو -

، الحلو حلو حتى لو صحي من وجهـك جمـيل وال يحتاج للغسيل -

.النوم

.شكرا لك -

؟هل لديك هاتف -

ماذا ؟ -

" !ترقيمك " ؟ إني معجب بك وأريد مابك يا رجل -

ى باهتمام دكتور قانون كيف له أن يحظو؟ يـا تـرى مـن هـذا المجـنون

كل هذه االفكار تسارعت إلى ذهني ! .. صبيانية جدا أحاديـثه ؟محتـرم

: قائالليوقف زخمها الدكتور

كما دراستك رقم هاتفك يا صالح، سوف تستفيد منه في أعطـه -

.في حياتك وفي آخرتك أيضا

.هاتف محمولليس لدي -

مخرجا _ في تلك اللحظة أسميتههكذا _ جنون الرجل الم عندها يبادر

:يبدو غالي الثمنقلما مذهبا

أي رقـم هاتـف قريب منك، حتى لو كانت البقالة بجوار أعطنـي -

.منزلك

. إذاسجل رقم هاتف المنزل -

على الحد الفاصل الرجل يقف . شـيئا مـنها أدركدون أن األمـور تجـري

أقف .ا ويمنعني من الدخول يواجهني تمام .بـين الرواق ومكتب الدكتور

األمر الدكتور في الداخل الحظ .عصابيمحاوال السيطرة على أ مـرتبكا

الرقم سجلوكـذلك الـرجل المجـنون الذي ،لكـنه لـم يتصـرف تجاهـه

باالتصال في اقرب فرصة، اياي الـورقة فـي جيبه واعدا ودسبسـرعة

. بيده إلى الخارج ملوحا بعدهاطلقين

؟ رقميأخذلرجل ولماذا دكتور من هذا ا -

.كان بامكانك الرفض -

. شجعتني على القبولوأنكلم استطع ذلك، خصوصا -

؟لماذا أنت خائف هكذا ومرتبك -

.ال أبدا، لكن شكل الرجل غير مطمئن مع احترامي لك وله -

.احترمني انا، أما هو فال تفعل حتى تتأكد انه يستحق ذلك -

.ال أريد التأكد من أي شيء -

يقول أمرا يشعرني بأنه سوف .ر عينـيه ويمسـح وجهـه يغمـض الدكـتو

ء يتنفس ببط. كل تصرفاته وحركاته بت أفهم .مهمـا، هكـذا تعودت منه

الــى وأعــود أســتجيب علــى الفــور. المكــتبويطلــب منــي اقفــال بــاب

لعـل بعضـها ينكشف متى تحدث ، فهـم أشـياء كثيـرة منتظـرا الكرسـي

:الدكتور

ــي ومجــتهد وت - ــب ذك ــت طال ــا صــالح، أن ســتحق ان أخــدمك بم

.استطيع

؟ما عالقة هذا الرجل بذلكو -

ال تســتعجل الحكــم علــيه مــن مظهــره، لقــد حدثــته كثيــرا عــنك -

صــدقني لــم يكــن األمــر بهــذه . أثيــر اهــتمامه بــكوحاولــت أن

!السهولة

هل هو وزير؟ -

ــتور أيضــا - ــذلك، وال دك ــيس ك ــه ال يحمــل شــهادة ..ال ل ــى أن حت

.جامعية

دمني؟كيف يمكنه أن يخ اإذ -

؟تعلم أنه سبب وصولي لهذا الكرسيأ -

.هو من عائلة نافذة ولها عالقاتف اإذ -

.هوأبدا ليس كذلك، رجل بسيط جدا -

ــا دكــتور علــي - هــذه األلغــاز مــن لعــبة أخرجنــيباللــه علــيك ي

.ذا يجري ماوأخبرني

تترقرق في إحدى طرف دمعة بلـق عتسـكت قلـيال ونظـر إلـي بحـزن

أثاره شيء ما .هذه النظرة ا مفيهرى التي أ ى لمـرة األولـ إنهـا ا . هعينـي

يصبح في آن واحد لذلـك الرجل في داخله جعله يضحك ويحزن ويبكي

يتحدث بهدوء ويتنفس ببطء، يحكي لي . مكشـوفا أمامـي لهذه الدرجة

لقـاء في مقهى شعبي على أطراف المدينة كان الدكتور .قصـة غـريبة

ث اسـتمر لساعات الفجر حـدي .)الشيشـة ( يعـتاد الـذهاب إلـيه لـيدخن

األولـى بيـنه وبـين ذلـك الـرجل، جعلـه يخـرج من المقهى ليرى العالم

، كـان حيـنها قـد حصـل على الدكتوراه للتو من جامعة امريكية .مخـتلفا

على كانت خير عون لهلـيعود للـوطن وتـتحطم كل آماله وأحالمه التي

فتــرات ســيرة حــياته الدراســية التــي أخبــرنا فــي . العــيش فــي الغــربة

. مـتقطعة عـن أجـزاء مـنها، لكـنه لـم يخبـرنا عن قصة هذا الرجل أبدا

رجـل فـي خـالل جلسـة واحدة ينقل شخصا من حالة اليأس التام إلى

دكـتور معـروف ومشــهور األمـل الـذي يفضـي بــه إلـى حـيث هــو اآلن

تلك القصة ذكرتني بتلك . بعلمه، الجميع يكن له أقصى درجات االحترام

ت وغير أناس بها مر إستثنائيةنية الشـهيرة عـن حـاالت فـزو لالبـرامج الت

حققها، إنني أمام شخص يتحدث عن معجزة .مجـرى حـياتهم بالكامل

بتركيز وانتباه وأرى نفسي أمام أستمع. كمـا صورته أنا "رجـل مجـنون "

إليه أن يخلق من عالمي نفس الشيء الذي حققه أتوسل ،ذلك الرجل

تضيء جة لرجل يطلق من يديه أنوارا صورا مزع أتخـيل . للدكـتور علـي

أنسجم، مشهد مسرحي أمامي نحو أفضل المناصب الحكومية الطـريق

:فيه للحظات حتى يعيدني للواقع طلب الدكتور

ال كــتاب قــديم جــدارف وراءك فــي المكتــبة علــى أول ،صــالح -

.أحضره لي، لهعنوان

ا عن كل طرف بعيدال وحيدا على ألجده عـن هذا الكتاب أقـف وأفـتش

أمســكه وأنظــر إلــى مجلــد قــديم يشــبه إلــى حــد مــا .الكــتب األخــرى

للدكـتور الـذي يضـعه أمامه على المكتب أناولـه . المخطـوطات األثـرية

:ويتوجه لي متحمسا بالحديث

تحدث له بكل شيء عن حياتك .ف على هذا الرجل تعر ،صـالح -

لكن متى.وال تخـف، سـتجده منصـتا ممـال في الساعات األولى

تحـدث سرق كل انتباهك كأنه يمسك بطرف روحك من أعماقك

. يديهبينيحل كل عقدة تمر لويسحبها إليه ببطء

.ا تريد حلهالدي عقدأعتقد أنه دكتور علي، ال -

لكن اسمع مني، واحمد الله الذي سنح . ذلك أعتقدحتى أنا كنت -

، فمن النادر جدا فيه حاضرا أنترؤيته في وقت كنت لي بفرصة

. أراهأن

؟أليس بينكم زيارات مستمرة -

ال يمكـن ذلـك ألنـه يعـيش فـي عـالم منعـزل عـن الجميع، وال -

.ئا أكثر من اسمه وموطنهأعرف عنه شي

!أنك تثق به دون أن تعرف عنه شيئا؟دكتور علي، هل تعني -

. هذا الكونفي من ثقتي بأي شخص آخر أثق به أكثرنعم، -

! به أيضا الوثوقويجب علي أنا -

ال إلــيك أ فــي نهايــة المطــاف، ولكــن نصــيحتيلــكاألمــر يعــود -

.لديه تستعجل الحكم عليه حتى تكتشف ما

مارأيك بأن تكون .سـأنتظر اتصـاله الـيوم واذهب للقائه حسـنا، -

؟حاضرا

الحــديث فــي اول لقــاء اأوال يــا صــالح، ال أســتطيع مشــاركتكم -

سيفاجئك ثانيا ال تنتظر منه االتصال في أي وقت، .اتعارف بينكم

. تكون قد نسيته حينيوما ماهو

.أعتقد أنه يمكن نسيان شخص كهذا بسهولةال -

.هذا أول انطباع صادق تكون لديك عن هذا الرجل -

مـن الله ان يجعل في هذا االمر وأتمنـى لـك اهـتمامك، أشـكر -

.خيرا لي

، واآلن يمكـنك االنصراف ألنك اخذت من وقتي ما إن شـاء اللـه -

.يكفي

؟ مشلكتي مع الدكتور عبدالعزيزماذا عن -

؟امارأيك أن تجعل محمد يحلها لك كأول مشكلة تخبره عنه -

محمد من؟ -

. مثله ال يمكن نسيانهألم تقل أن رجال -

. اسمه محمداهااا ، إذا -

. حين يتمك بمحمدئ عن نتائج لقاوأخبرني نعم ، واآلن انصرف -

بكافة التفاصيل هإلخبار بالعودة واعـدا إياه كـتور علـي مكـتب الد أتـرك

. التي جرت بيني وبين هذا الـ محمد

بينما د التـي نقطعهـا غير قابلة للنسيان أن الوعـو أحسـب .يمـر الـوقت

هـي األكثـر هشاشـة فـي الذاكـرة، إذ نتخلى عنها عند أول المنعطفات

الخطـرة فـي أحـداث حياتـنا للـتخلص مـن كل شعور بالمسؤولية تجاه

، ويصبح الدكتور آخر من يعلم انه سبب أنسـى وعدي متعمدا . اآلخـرين

محمد الذي دخل حياتي في فترة غيابـي المستمر بعد أن عرفني على

أنا من يطلب الناس .حد كي يساعدني بحاجة أل كنت ال اعتقد أبدا بأنني

آخر يشبهني سوى محمد يطل من الشيك الموقع امسـاعدته، ال شخصـ

يحسبني .باتجاه الشرق حملها أ قلـم وحقيـبة وبعض المالبس .باسـمه

طعم أسابق .مالحقا الشمس قبل والدتها الـراحلون بعكـس اتجاهـي

دون الملح على شواطيء الخليج يحرق جلدي .رطـوبة البحر في فمي

،غرفة الفندق المكيفة تكثف قطرات الماء على جسدي .أن أغـرق فيه

علـبة مـن السـجائر يلتهمها صدري .يتشـربها االرهـاق وتخـتلط بالعـرق

وأقداح القهوة كأنها توضع للمرة األلف على نفس الطاولة، حيث ،بـنهم

يلة التقيت بها بـ محمد ليؤكد لي أن الحزن يندس في قلوبنا أول ل تكانـ

هذا ما كنت افعله دون وعي، منخدعا بطاقة .خـوفا مـن تأنيب العقول

.ث مؤمـنا بأن الواقع يختار ما يناسبه من الناس واألحدا الفكـر الـزائفة،

تقبلتـنا بعد أن .بهـا الدنـيا وهـي المظلـومة بأقـدارنا التـي ولـدنا أظلـم

حمـق الكائن األضعف يجعله يعتقد . رفضـتها الجـبال تحملـناها كأمانـة

وكان لدي .الكمـال فـي خصائصـه، لـيقارن اآلخـرين بحسـب مـا لديـه

أن صديقي الوحيد منذ أسميشـيء يشـبه العقـل أثـق بـه لدرجـة أن

وال جنون في هذا العالم يمكن له أن يمأل . "ل المجنون الرج"قابلـته بـ

.عقال بحجم عقله

:نسب و مال

من هي تلك الفتاة ؟ـ

تتالمع .المزينة باألحمرشر بين الحاضرات، ينتقل على الشفاه تنسـؤال ي

اهتمام يخرج نتيجة الفضول .المـتوهجة األسـنان تحـت أضـواء الصـالة

أو على أقل تقدير لمحات ، الكـل مـتعارف بما يكفي .بلمعـرفة الغائـ

لكن . سطحية عن األسماء والعوائل تبرر تواجدهن هنا في هذه الليلة

خجلهــا . تلــك الفــتاة الصــغيرة جعلــت األعــين تالحقهــا حيــثما تحــركت

. الوقوع في فخ نظرات التربص من عينـيها يحمـيان ها الفطـري وحـياؤ

غنج، دالل وأنوثة يمتهنها الجسم دون تسـير بنشـاط يخلو من التصنع وال

: طبيعة بسيطة تنفي أي احتمال للقرابة بإحدى الحاضرات.إرهاق

من هي تلك الفتاة؟ -

ال عليك منها يا نوف، إنها فتاة حضرت مع أمها التي تشرف على -

. الطعام في حفلتنا

إنها جميلة جدا إن . ان هـذه الفـتاة أقل منا في شيء أعـتقد ال -

.مل بيننالم تكن األج

تتحدثـين، إنهـا مـن عائلـة فقيـرة جدا عـم باللـه علـيك يـا نـوف -

.وبائسة

شـيخة أخت سامي، األصغر بين أخواته، تجلس بجانب نوف العالي منذ

لـديها هـاجس التقرب منها والتشبه بها، فتشرع بتجميل .أن بـدأ الحفـل

.محيطها واهتماماتها ومعارفها

لصدفة التي جمعت بين العائلتين لم عائلـة العالـي معـروفة بثروتها، وا

المـدارس الخاصـة فـي تلك .يكـن لهـا عالقـة بصـداقة سـامي وناصـر

قاربت بين فئات ،المديـنة جعلـت مـن السـهل تصنيف المجتمع وطبقاته

تعلم نوف جيدا أن . الـناس المتوسـطة والمرتفعة حتى سقف التضخم

حريصة تظلف، لقهـا بمـثل هـذه التصـرفات المراهقة تمشـيخة تحـاول

علـى عالقـتها ببقية أفراد األسرة ألنها ال تحمل في داخلها ذلك الشعور

يتفاجأ بها من هـي الحـاالت التي ةكثيـر .بالفوقـية كمـا يعـتقد الـبعض

يجد نفسه عـندما التـزلف والـنفاق لشـخص ذو مـال أو سـلطة يحـاول

إلى حد استغالله كوسيلة للترفيه احقير وصـغيرا في نظر ذلك الشخص

المجـتمع الخليجـي مـازال يحمـل فـي داخله البساطة مهما . ضـحك وال

.التحضر تراكمت عليه مظاهر

منـي وأكثـر أنوثة مما تخلقه أجمـل عـن نفسـي، أراهـا ،شـيخة -

.مساحيق المكياج على وجهي

مع أمها المنهمكة وتنظـر بنوع من الغيرة باتجاه سارة ة شـيخ تمـتعض

يكفــيها ،بحضــورها هــي فــرحة.وأم ســامي فــي التحضــير واإلعــداد

ال يهمهـا مـاذا يقال أو كيف .تواجد فـي عـالم جديـد لـم تشـهد مـثله الـ

الذي ) منزل ألول مرة الخروج من ال ( حلمتتعـرف علـى الـناس، تعيش

!تحقق اليوم

اللون الحنطي ذات أمهـا فـرحتها المرتسـمة بهـدوء علـى وجنتيها تـتابع

صــخور علــى أقســىا نمــتزهــرتينجعــل مــن خــديها الــذي الخفــيف

تسمي . بقية بناتها إحضارتتمنى في نفسها لو كان بإمكانها ف ،الظـروف

بـنوع من كثيـرا وتقـرأ المعـوذات كلمـا لمحـت إمـرأة تنظـر إلـى ابنـتها

.الحسد

.بي للجلوس قليال مع بنات أم ساميسارة، اذه -

.ال أريد يا أمي فأنا ال أعرفهن -

.حضوركبسرعة، إنهن طيبات وسعيدات بستتعارفن ،ال عليك -

تظهر الرفض وفي نفسها رغبة حقيقية في اكتشاف عالم هذه ، تتمـنع

إنهن يبدون . تستكشـف الموجـودات ألول مـرة مـنذ ان دخلت .العـوائل

مالبسهن تفوق ما تلبسه جودة وثمنا، لكنها جميلة هي بسبب .متـرفات

لن تعتبر نفسها األقل حفظا لكرامة ذلك األخ الذي أصر على أن . سـالم

سامي، تلتصق أمتقترب من أكبر بنات . هـا فـي أفضل حال ممكن يجعل

. تشعر بها عبيرأنبها بهدوء وتجلس دون

.، تعالي اقتربي هنا في الوسطهال والله بـ سارة -

طرف يكتنفه الظل ، وتفضـل الـبقاء حـيث هي ، تـرفض .تـرتعد خجـال

عاشت . تعـودت اإلختـباء وعـدم الظهـور .بعـيدا عـن األضـواء الكثـيفة

على تحرص دوما ال فـي كـنف أسـرة تعلمهـا أن الفـتاة يجـب أن طـوي

النساء سوى الرجال أمأماملم يكن هناك فرق بين التحشم . الحجـاب

تصر عليها عبير . كـان متساويا ف غيـر ذلـك غطـاء الـوجه والعـباءة، أمـا

.تتقارب أعمارهن باختالف سنة او سنتين . وتسـحبها إلى وسط الفتيات

، لكن األخيرة نحوها إبقـاء اهـتمام نوف منصبا محاولـة تغـتاظ شـيخة

.تجدها فرصة مناسبة لتحرر فضولها

؟عبير من هذه الفتاة الجميلة بجانبك -

.هذه سارة بنت أم سالم، أصدقاء ومعارف لنا -

ابتسامة ساخرة .الفتاةب معرفتها أنكرتتنظـر نـوف باتجـاه شيخة التي

.يقة تود الفكاك بأية طرإحراجتجعل من شيخة كومة

اهـا، واللـه مالكم حق يا عبير لم تعرفونا على هذا الجمال من -

؟ هل تخبئونه من أجل سامي مثال.قبل

ا وارتباكا لذكر مثل ، وتضـم يـدي سارة التي انتفضت حياء تضـحك عبيـر

دتها امهـا الـبقاء بعـيدا عـن سـماع تلك األحاديث عـو .هـذه المواضـيع

يتناهى إلى سمع الفتاة شيء بـأن البـراءة تتحطم ما ان ا مـنها اعـتقاد

ال حاجة للشرح أو تبادل . الزواج والعالقات بين الرجل والمرأة أمورمن

تعلم لكي لحياة يدعون األمر ل الخبـرات فـي المجتمع القبلي المتحفظ،

بأنفسهم عالم الحياة فيكتشفوناألبناء وترمي بهم في خضم التجارب

بابنتها در جدا أن تمسك األم مـن النا .الـزوجية بكافـة حسـناته وسـيئاته

هي ليلة واحدة تلمح بها األم . الزواج من قبل أول يوم وتخبرها بشيء

بعـض األمـور الحساسـة وتجعـل مـنها مفاجأة مرعبة تنتظر الفتاة في

.ليلتها األولى مع الرجل الغريب

كانــت نــوف مــن عائلــة ال تهــتم كثيــرا بمــدى ، ذلــكعلــى العكــس مــن

، التلفاز، صديقاتها.اها الفـتاة عن الحياة الزوجية المعلـومات التـي تـتلق

في والنساء األمهات .حصرالمجـالت، كلهـا وسـائل متاحة دون تقييد أو

مـثل ذلـك المجـتمع يعبـرن بكـل حـرية عن تفاصيل مشاكلهن ويتندرن

نوف لدى جرأة ذلكخلق. بالمواقـف حـول االزواج فـي حضور الفتيات

في نفس مما جعلها وجات كإمراة ناضجة، المتز النساءتجذب بها انتباه

.الوقت مصدر معلومات مهم لكل فتاة ال تملك نفس الجرأة لالطالع

إنهــا . سـارة بمــثل هـذا الحــديث أحــرجتاللـه يهــديك يـا نــوف، -

!صغيرة جدا على مثل هذه األمور

. بمواصفات فارس األحالمأزعجتنيإنها بعمر شيخة التي -

ؤنبها على هذا االنطباع السيء الذي كونته تنظـر عبير شزرا إلى أختها، ت

على شيخة ترغم تـتحدث بطريقة التـي أخـذت عـن نفسـها لـدى نـوف

، تربية متعارف ومتفق عليهأسـلوب . نفسـها مقارنـة مـع سـارة احـتقار

وضـع المقارنات بين الفتيات والشباب لجعل الغيرة دافعا للوصول نحو

.أفضل الصفات الشخصية

ال أدري مـا الـذي يجـري بيـنكما، لكن ؟تقولـين شـيخة يـا نـوف -

.سارة ليست كشيخة

شيخة أيضا فتاة . أمازحكال تضـخمي األمـور يـا عبيـر، لقـد كنت -

.تستحق األفضل

.بالتأكيد هي كذلك، يكفي أنها ابنة آل مفرح -

.شـيء مـا لمع كشرارة كانت تختبيء في أعماق أجواء األلفة السائدة

الرتطام بين الفروقات االجتماعية فكـرة يغيـبها الوعـي لتظهـر كصوت ا

حقــيقة يــتم تجاهلهــا لخلــق واقــع يمكــن .المغيــبة عــن إدراك الــناس

لعـل تلـك الشـرارة تنذر باشتعال أكوام مظاهر . الـتعايش فـيه بسـالم

.االندماج الهشة بين الحضور في هذه الحفلة

والـنعم بـآل مفـرح، يـبدو أنك ستجعلين من األمر حربا قبلية، أنا -

.هزامي مقدماأعلن ان

ا بأن تطمئن من حوله . تجنح لتهدئة األمور .ومتواضعةنـوف ذكية، طيبة

تخبـرهم من خالله بأنها فتاة كأي فتاة ترسـم لنفسـها انطـباعا بسـيطا

نفــس هــي. ســتقرارتحلــم بالــزواج واألبــناء والعــيش با ،أخـرى مــثلهم

أنها على لهنتؤكدف .العـناوين الرئيسـية التـي تدور في عقولهن جميعا

ماديات لم تخترها لنفسها، مـن شـكليات و رأيـن ال تخـتلف عـنهن مهمـا

.هي ضحية أيضا ولكن على الجانب اآلخر من القدرف

لكني كالم لك وإنما كان ال ال أبـدا يـا نـوف، لـم تكن حربا قبلية، -

"..اسمعي يا جارة"اقصد به

هـي تصفية لنزاعات سياسية داخلية على حساب عنصر اأهـا إذ -

!خارجي

.سياسة يا نوف، ضيعتك السياسة -

إذا كان الرجال .مـن الـنادر جدا أن تهتم الفتيات في مجتمعنا بالسياسة

،ينعـتون بقلـة العقـل متـى غـرقوا بالتحليالت السياسية ومتابعة األخبار

نـوف وجدت لنفسها طريقة . نفسـه فكـيف بالنسـاء إذا فعلـن الشـيء

تريد التحرر فهي. السائد ابتكرت اهتمامات تختلف عن .مخـتلفة للعيش

العقل . فتيات طبقتها االجتماعيةبعـيدا عما تفكر به قتها الخاصـة، يبطـر

تعاند وتتطرف في فهم . يعتـرف بنقصـه أمـام الرجل أنلـديها يـرفض

حماسها المنقطع .األمـور كـي تجـذب االنتباه ألبسط دالئل الذكاء لديها

اورة ومناقشة لكل مـع الـناس وفـرض احتـرامها كمح للـتداخل النظيـر

هذا الشيء . القضـايا االجتماعـية، جعـل مـنها فتاة ذات حضور مرموق

كونته بنفسها ولم تكتسبه بسبب ظروف عائلتها المادية، لذلك تفتخر بما

. عرض الحائطاتحققته رامية بكل االحتجاج

سارة كم عمرك؟ -

أنا في سنة أولى ثانوي؟ -

في حال وجود استثناء .د العمر ذكـر السـنة الدراسية إجابة كافية لتحدي

كالتأخـر فـي الدراسـة والرسـوب لسنة أو سنتين، تكون اإلجابة صريحة

. كقراءة مباشرة من شهادة الميالد

ألتذكر أتمنـى أن أعـرف عـيد مـيالدك، يحـين متـى .العمـر كلـه -

.هديتك

كلمة أعياد الميالد . ، نظراتها نداء استغاثة للتدخل تلـتفت سارة إلى عبير

الدين ليثبتها كعادة أجنبية وقـد أتى ة ومناسـبات محـرمة عـرفيا، خطيـر

ليترجم الكثير جاء الدين في هذا المجتمع .ويحـرمها كـنوع مـن التشبه

مـن األعـراف، ويحـولها مـن مـبدأ العـيب الشـائع والمرفوض من قبل

كل فئات وشرائح المجتمع في ركاألغلبـية ليصـبح حـراما ومكروها يش

.عرف واحد

عنوان .يكن عيبا لدى أحدهم، سيكون مكروها على أقل تقدير ومـا لم

يكسـر األعراف ويربك األجيال القادمة ،ال يمكـن تجـاوزه مـن أي فـرد

ير حسب الزمان يحـين تجـد نفسـها واقعـة بـين خـيار العيب القابل للتغ

لكــنه حالــيا . وظــروف المجــتمع، والحــرام الــثابت المســتمر فــي أصــله

عورا بالتشابه يتفق ر جوا من االستقرار وشيناسـب ظـروف الحياة ويوف

.نعليه المواطنو

ال .نـوف اللـه يهـديك، سوف تجعلين من ليلنا هذا كارثة حقيقية -

الهدية على أحضري . كـذلك سارة ، بأعـياد المـيالد نحـن نعتـرف

كـل حال في عيد الفطر أو عيد األضحى كي ال يكون لديك مبرر

.لتهرب من وعدكل

وعدي في أعياد ميالدك أخلفـت ننـي قـد مـن يسـمعك يعـتقد بأ -

!وأخواتكأنت

الحـدة المـتفاوتة فـي الحديث ليست نوعا من الصراع المؤدي للبغضاء

ممارسة لوجهات إنهـا فقـط . مـا الكـره والحقـد ال وجـود له . والتجافـي

ــب النظــر وعــرض للح سياســة .جــج والمــؤاخذات المخــتلفة لكــل جان

نقاش حضاري يخلو من الحدة عطي نفس النتائج ألي ت للحوار مـتوارثة

المتفـرج مـن الخـارج يعـتقد أن حـربا وشـيكة سـتندلع بين .والتـنافس

احتمال هم من أي من الداخل تخلو أجواؤ األطـراف، لكـن المشـاركين

.للعراك

نفتعل أعياد الميالد ناال مـا تقصـرين يـا نـوف نعـرفك جـيدا، لكن -

.حتى نبادلك المناسبات كتبادلنا للعزائم

!أعتقد أعماركم ليست كما أها إذا -

؟من يدري يا نوف -

المضـاف إليه نكهة الـنقاش ينتهـي و األلفـة، أجـواء يعـود الحـوار إلـى

سارة بعيدة كل البعد عن الجميع رغم توسطها . المشاحنات والسخرية

األجسـاد المتلصـقة بهـا بـأن حصـارا خانقـا يعـزلها عن تشـعرها . لهـم

وتفكر بالعودة إلى حيث لديها، الضيق شـعور يتـزايد .عالمهـا المألـوف

الخوف من المجهول يزيد من . تـريد وجهـا مألوفا يطمئن له قلبها .أمهـا

يتذكرها بكافة تفاصيلها المعروفة سلفا فاشـتياق اإلنسـان إلـى عـزلته،

تدعوها أمهاعي انها الحظت بلطـف تد سـارة تسـتأذن .لتكـرارها علـيه

. للحضور

الــوقت مبكــرا علــى تقــديم مــازال.ســارة، اجلســي قلــيال معــنا -

.العشاء

. يا نوف بعد أن ارى ماذا تريد أميسأعود -

.حسنا، أنا في انتظارك -

بالهمس المترامي صوبها وهي اي خطـواتها تدريجـ ، تتـثاقل تبـتعد بـبطء

وتملــؤه تختــرق ظهـرها ن تحـس بــأن نظـراته .تـتقدم عابـرة الحضــور

عــن قلــبها تســري قشـعريرة بــاردة تـنفض فتعــري جسـدها ل بالـثقوب

تلتصق بها ، تسـرع نحو أمها .حـرارة الفـرح الـذي بـدأت بـه هـذه اللـيلة

إلى الخلف لم تلتفت . وتسترخي باطمئنان الدافئلتسـتعيد مناخ عائلتها

د تجــرأت بعــ. أمهــا وأم ســامي تقــف حــيث إلــىحتــى لحظــة وصــولها

تجاه نوف التي مازالت تركز ة طفـ ها نظـرة خا ي بعينـ واسـترقت لحظـات

.يهاالنظر عل

؟ تلك الفتاة هي من،أمي -

؟يزعجك أمراهل قالت لك -

ال تـدري سارة أن أمها كانت تتابع كل األمور من مكانها حيث يبدو عليها

قلـب األم أبى عليها أن ترمي بفتاتها .االنهمـاك بالعمـل مـع أم سـامي

شــعرت لقــد .فــي عــالم غــريب لــم تجــرب الــتعامل معــه قــبل ذلــك

قد ترشق تخاف عليها من كلمة جارحة فهـي بالمسـوؤلية تجـاه ابنـتها،

التقطت عدة . سـبب حضـورها أو مظهـرها أو أي شيء آخر بهـا حـول

مـرات ارتـباك سـارة وخجلهـا ودعـت مـن اللـه أن يحفظهـا من الكالم

،رغـم ثقـتها ببـنات أم سـامي إال أنهـا تظل حريصة على ابنتها . السـيء

التحكم في مثل من مجريات الحديث الذي قد يخرج عن تخشـى علـيها

عـن امهاتهن الفتـيات هـذه الحـاالت مـن السـعادة المفـرطة وانعـزال

تجتمعكانت فتاة بريئة يوما وتعرف ماذا يحدث حين . األسرار وتـبادلهن

األباء فعلـى هـذا العالم، جديـد ال شـيء . الفتـيات دون وجـود األهـل

ه هم يعاقبونهم أحيانا على ما فعلو. يعـيدون رؤيـة أنفسهم في أبنائهم

علـى كـل مـا لم يستطيعوا إنجازه، وكذلك ويكافـئونهم ،فـي الماضـي

سوى الحاضر ليس. على ممارستها يتجرؤوايخلقـون فـيهم أحالمـا لـم

.بقايا الماضي تبحث عن نهايات لهامجموعة من

. وفكرت أنها تصلح زوجة لسالم.ال لم تقل شيئا، لكنها جميلة -

زلت صغيرة لتشتغلي بمـثل هـذه األمـور ما دعـي عـنك التفكيـر -

.خاطبة ألخيك

. عنها أنا جادة، وسأخبر سالم.لم أقل شيء خاطئا يا أمي -

إحـدى الحاضرات عـن لـو علمـت أنـك تحـدثت سـأقطع لسـانك -

!!ك، هذا فضح للستر يا ابنتي وال يجوزألخي

.لكنه جائز إذا كان بقصد الزواج -

!، بدأت تعرفين ماهو الجائز وغير الجائزهما شاء الل -

ــى المدرســة بمعــرفتك وإال شــككت الح - ــي اذهــب إل ــه أنن مدلل

!بمصدر معلوماتي

لقد اقترب ،اقفلـي فمـك وسـاعديني فـي حمـل هـذه األطباق -

.موعد العشاء

. زوجة البنه الكـل ، نـوف فـتاة يتمـناها األمـر نفسـه أم سـالم الحظـت

عن الجمال أو ا باحـث سـواء كـان تناسـب كـل شـاب، صـفاتها المتميـزة

رغم بعيدة عنه على ال حتى الدين لم تكن .النسـب وب المـال او الحسـ

.انفتاحامـا قد يشوب توقعات الجميع نحو فتاة من مجتمع باذخ وأكثر م

وحجابها الكثيـرة ال تخلـو من ذكر األحاديث واآليات القرآنية، فنقاشـاتها

ال تختلف عن وهي. جـدا إلعطـاء انطـباع عن التزامها المعقـول كـاف

ب األغاني والرقص ومشاهدة المسلسالت ومتابعة بقـية الفتيات في ح

يكفــي لــتكون ملتــزمة فــي نظــر الجمــيع أن تكــون إذ أخــبار الموضــة،

. مالبسها محتشمة ال تكشف شيئا من بشرتها الزجاجية

.نها يحظى بفتاة في مثل مواصفاتها تتمنى أم سالم في نفسها لو ان اب

سم نفس مالمح نوف قبوله لو تقدم، لذلك تر يسـتحيل تعلـم جـيدا أنـه

ــزل شــوشخصــيتها علــى فــتاة قــريبة مــنهم فــي معي تها وعاداتهــا، تخت

المالبـس الفخمة والمكياج وتنظر إلى فتاة أقرب ما تكون شبها كإحدى

يكبر لذلك أو أخواته، أبـنائه ال احـد يعـتقد أن هـناك أفضـل مـن . بـناتها

ي الـرجل علـى أنـه يـريد زوجـة تماثـل في كل شيء ما تعوده ورآه ف

. فتيات العائلة

تـتقدم أم سـامي وتدعـو الجمـيع إلـى االنـتقال لغـرفة تـناول العشاء،

بــناتها يســاعدن العجائــز فــي الــنهوض .تــرحب بهــم وتكــرر التــراحيب

أيضـا مــع أم أم سـالم تقـف .ويسـحبن الفتـيات المـتحججات بالـريجيم

لقد وجدت لنفسها .سـامي وبجانـبها ابنـتها تنظر وتدقق في الحاضرات

. ا سالم، إنها تختار زوجة المستقبل ألخيه ررا كافـيا يجعلهـا أكثر جرأة مبـ

تقتـرب مـنها نـوف مبتسـمة، تشــعر باهـتمامها يكـاد يـرفعها مـن علــى

تعتبـر ذلـك مشـجعا علـى فكـرتها الخيالـية والبعيدة كل البعد فاألرض،

.في واقع عائلتها وعائلة العاليعن الممكن

.لى جواريك أن تجلسي إهيا يا سارة، أريد -

. شكرا سأبقى هنا مع أمي وام ساميال -

. أنهن يستطعن تدبير االمور بدونكال عليك اعتقد -

المضيف . تسـاهم أم سـامي فـي الحـديث وتـرفض بقـاء سـارة معها

ام سالم في تتدخلبالعـادة يظـل واقفـا يشـرف علـى راحة الضيوف،

:معتبرة نفسها مضيفة أيضا الموقفهذا

ن بالريجيم لنحافظ على تا ملتزم وأمك، انا ابنتي معها اذهبـي يـا -

.رشاقتنا

:تضحك نوف وتشارك في المالحظة الساخرة

يــبدو أن أبــو ســامي أصــبحت لــه اهــتمامات أخــرى مــنذ أن بــدأ -

. القنوات الفضائيةمتابعة

ابنتي، نحن نقوم بذلك محافظة على بقاء السكر والضغط يـا ال -

.بعيدا عنا

سارة سينهون الفطائر اللذيذة قبل اللـه يعطـيكم الصحة، هيا يا -

.أتذوقهاأن

الوصفات واألسئلة .علـى العشـاء تكثر األحاديث كأن السماء تمطر بها

عـن المكـونات، اهـتمامات كثيـرة تخـرج حتـى فـي الصـحون وانواعها

تضج .وأفضـل المحـالت لشـراء مـثل هـذه المعجـنات أو تلـك األطباق

فـي األكل تدريجيا في جو من يختوغـرفة الطعـام كأزيـز خلـية الـنحل،

األرواح السعيدة خفيفة مهما إمتأل .أكله ال أحد يشعر بكمية ما .السـرور

متـى تمـددن فــي حـتما سيشـعرن بــذلك الجسـم بالطعـام والشـراب،

االرهاق واالنهاك تتحرر مشاعر عـندما تهجـع الـروح وتسـكن، .بـيوتهن

ل عن تخريب لحظات وااللم التي اختفت في غمار األفراح، ينفيها العق

النشـوة العارمـة، يبقـيها كامـنة حتـى آخـر الليل حين يغفو ويتنازل عن

.التسلط على باقي الجسد

حسـب ترتيب الواصلين من نحـو الخـارج يـتجهن ،وقـت المغـادرة أزف

ــ . االزواج والســائقين الخاصــين ا بحث عــن عــباءتهكــل واحــدة مــنهن ت

ومقدمة لها لفتاة المخطوبة ا مع ألحاديث والتوصيات والنصائح متـبادلة ا

ب امها لـم يكـن لهـا حضـور إال فـي النهاية، حين وقفت بجان .المـباركة

. لبناتهن الموفقلنصيبا السعادة وتتمنى لهن وتودع الحاضرات

لو استهلك اإلنسان كل يوم من مشاعر .ىانتهـى الحفـل، وبدأت الفوض

الحضارة في ماديـات مـثل مـا يستهلكه في كل حفلة كهذه، النقرضت و

.بضعة شهور

أبـت أم سـالم الـذهاب مبكـرا إال بعـد أن تسـاعد عائلـة آل مفـرح في

رغم بساطة ف . إعادته إلى حالته الدائمة أمر صعب جدا . المنـزل تـرتيب

.تلك الحالة، إال أنها تصبح صعبة اإلعادة متى تبعثرت مكوناتها

أســوأ و. لم التأخــر حتــى يأتــي ســاأرادتــاالحقــيقة أن أم ســالم وابنــتها

التوقعات أن سالم لن يجد وسيلة مواصالت في هذه الساعة المتأخرة

مـن اللـيل، لـذلك سـاهمت أم سـامي دون أن تخبـر ام سـالم واتصلت

سامي هو الحل .بسـامي لكـي يحضـر ويـرجعها مـع ابنتها إلى منزلهم

ال يمكن ألم سالم أن تركب مع إذ األمـثل فـي هـذه الحالـة المعقـدة،

قد تتنازل في أقصى .خصوصا أن ابنتها سارة بصحبتها شـخص غـريب،

تخاف على . ، لكن الوضع مختلف هنا تماماالظـروف لـو كانـت لوحدها

المرأة الكبيرة في السن تعتقد أن .ابنـتها أكثـر مـن خـوفها على نفسها

الخسـائر التـي قـد تلحـق بهـا عند حدوث امر سيء أقل ضررا من تلك

.التي قد تصيب فتاة بعمر سارة

سامي كعادته بعيد في رحلة برية مع ف .حيد الـنجاح للحل الو لـم يكـتب

أصـدقائه، وأبـو سـامي يقـيم حفلة أخرى لنفس المناسبة في استراحة

عـزلوا الـرجال والنسـاء حتـى يشعر كل فريق منهم بالراحة .المـزرعة

حفلة النساء تقـام وجـود الـرجال قـريبا مـن حـيث . دون ازعـاج اآلخـر

يقلل من الحماس الذي يمكن له وفظا على األصوات، يجعلهـن أكثر تح

كذلك أصوات الغناء . أن ينشـأ مـن حرية انطالق الحناجر بكامل طاقتها

الصـادحة مـن المسـجل الضـخم، تعتبـر ظاهـرة مشـينة إذا مـا وصلت

بوجـودها وأن النساء يرقصن مـن معـرفتهم رغمبالـ .ألسـماع الـرجال

فقد ،لامـن جانـب الرج و. يبقـى هـو المشـكلة ويغنـين، لكـن الصـوت

فــي ذلــك فرصــة الهــروب مــن مســؤوليات االســتجابة لــنداءات وجــدوا

اقتـراب المسـؤول ووسـيلة المواصالت، إذ أنـه عـند .زوجـاتهم وبـناتهم

ادة عفوية تنشا عن وفرة عـ . النسـوة إلـى اإلكـثار فـي الطلـبات تجـنح

زل لذلك كان الع ،مكانية استخدامها حتى في غياب المشاكل الحلـول وإ

.بين الجنسين هو الحل األمثل

لـم تجـد أم سـالم عـبارة مناسـبة غيـر أن ترمي بحل ، ف تـأزم الموقـف

.تعرف انه مستحيل

فذلك سـيارة أجـرة إذا وصـلت إلـى الشارع العام، سـأجد ربمـا -

. بوسائل المواصالت طوال اليومالجزء من المدينة حي

رة تقلك حيث ال والله يا أم سالم، لن تخرجي من منزلي إال بسيا -

. تريدين

ال تزعجي . ، لـن تكـون المرة األولى ولن تكون األخيرة ال بـأس -

.نفسك

لـم يـتوقع أحـد أن نوف العالي كانت تستمع لحديثهن، بل لم يتوقع

عبير في حوار جانبي مع اختهم أخرتها .أحـد أنهـا مازالـت موجـودة

ن استفسارات وأسئلة حول بعض المحالت والتكاليف عـ المخطـوبة

نوف خبيرة في هذه األمور، . االالزمـة لتجهيـز العروس لليلة عرسه

يعتمدن عليها . سـاعدت الكثيـر من صديقاتها في التجهيز ألعراسهن

محالت تـنقذهم بعالقاتهـا العريضـة باكبـر ال ففـي أحلـك الظـروف،

.والمتاجر التي تتردد عليها

سنوصـلكم يـا خالتي إلى حيث ،ناصـر فـي الطـريق إليـنا أخـي -

. كما ان ناصر صديق سالم ويعرف أين منزلكم.يدينتر

يا ابنتي ولكن منزلنا بعيد وال أريد تأخيركم وارهاق أخيك أعـرف -

.في هذا الليل

في جميع األحوال . للتو استيقظوقد ، باكرا ال علـيك هـو ال يـنام -

. بحارتكم ليرى إن كان سالم مستيقظا أم السيمر

. نشاطاتهليزاولار ويستيقظ متأخرا تعـود ناصـر أن ينام في أوقات النه

لـم يكـن يحـبذ قـدوم ناصـر لـه فـي مـثل هـذه الساعات ف سـالم أمـا

يمر بجانب منزل سالم ويرى أضواء غرفته، األخيرالمتأخـرة، لذلك كان

غادر يبحث مطفأةإذا كانـت مضـيئة طرق عليه واستدعاه، وإذا كانت فـ

.عن شخص آخر يقلقه بسهره

ي أفضل شاكرة لك أنا عرضك هذا، لكن .خيرايا ابنتي جزاك الله -

.سيارة األجرة

أم سالم ، ف لم ولن يفهمه أحد عدا ابنتها سارة يجول في رأسها أمـر ما

تعلـم جـيدا أن ابـنها سيغضـب كثيـرا اذا ما عرف أن اخته قد ركبت في

صديقه نعم، لكنه لم يسمح له يوما أن يلمح .سـيارة واحـدة مـع ناصر

يـثق بـه فـي حـدود أشـياء خارج أسوار .واتهطـرف عـباءة إحـدى اخـ

مستحيال المنزل وجدرانه، لكن ما أن يصل األمر إلى الداخل حتى يغدو

تدفعها .ترتعد أم سالم من مجرد الفكرة . على الكل وليس ناصر فقط

عدم قدرتها على بسبب اإلحراج الذي تشعر به .الظـروف إلى الموافقة

ام سامي وبناتها عليها بالموافقة حاحويـزيد من إل التبريـر يعقـد األمـور

التردد يصيب . الـذي سـيطمئنهن علـيها وعلـى ابنـتها ألنـه الحـل الوحـيد

تذوب .سـارة أيضـا بالقلـق، تلعن نفسها من الداخل على هذا الموقف

سالم غيور جدا، كالنار يشتعل .فـي جلـدها خـوفا مـن تفاقم المشاكل

.لعالم إلى صخب شديد متـى ثار يتغير هدوء ا .ليحـرق كـل مـن حـوله

لسـانه .تـراه وقـد غـرقت عيـناه بالـدم غضـبا يزفـر باتجاههـا ويعاتـبها

الشـيء الوحـيد الـذي يمـتد على اخواته، أما يده فتحطم أقرب األشياء

تمسك سارة بيد أمها تشدها بعد أن تكاثرت الصور . القلـيلة في منزلهم

أي خيار وال المسكينة ال تملك .فـي ذهـنها، تـرتعش وتشـعر امها بذلك

لن يدرك .تسـتطيع إخـبار أحـد بامـور عائلية قد تسيء إلى سمعة ابنها

مهما تطورت آثار .أي شـخص ان غيـرة سـالم هـي فخـر لهـا ولبـناتها

هو يزبد ف . بالضرب والشـدته لـن تصـل إلـى سوء ال بالكلمات الجارحة

رع ويرعد في ذكر العادات واألصول، يعيد قراءات التعاليم العرفية، يخت

رغـم ذلـك يظـل األخ الرجل الذي يرين فيه . نـتائجا سـيئة تخـيف أهلـه

. جدارهم الصلب والحامي لهن من مصاعب الدنيا ومخاطرها

أنا مثل ابنتك وناصر .أم سـالم، لقـد وصـل ناصـر هيا بالله عليك -

مع أن سارة ؟هل تخافين أن نخطفك . مـثل ابـنك وسـارة اختنا

ه المــرة وســنخطفها لكــن لــن نفعلهــا هــذ،تشــجع علــى ذلــك

.بطريقة أخرى

أرادت أن تـبالغ فــي .الـوقت لـم يكــن مناسـبا لسـخرية نــوف العفـوية

الخـياالت تعـتقد اسـتحالة وجـودها في ذهن أم سالم التي نشف الدم

خافـت كثيـرا على ابنتها .وقها مـا أن سـمعت بكلمـة اخـتطاف فـي عـر

فــي الصــغيرة ولعــنت الســاعة التــي رفضــت طلــب ابــنها بــبقاء ســارة

ن علـى توقـع األسـوأ اكثـر من و ادركـت اآلن أن الـرجال قـادر .المنـزل

فكـرة ونتـيجة تتكـرر في كل مرة متى وصلت النتائج إلى حيث .النسـاء

هذا .)!ألم أقل لكن؟ ( الحـال المـتوقع يـتوقع الـرجال، فـيكون لسـان

العتب يؤخر المحاوالت القادمة لكسر أي قرار من الرجال، لكنه يختفي

.ة ليعود العناد وتتكرر نفس المشاهدبعد فتر

. ال اخاف من ذلك ولم افكر فيه. الله يحفظك يا بنتي ويحفظنا -

لم . الشـبهة عـن تفكيـرها، وتبـرئة عقلهـا من كلمات نوف أرادت إبعـاد

.وأخيها سوى اإلقدام على األمر إلثبات حسن نيتها في نوف يتبق

إيصالكم إلى هـيا يـا خالتي إن ناصر في الخارج وسعيد بفرصة -

لمنـزل، يقـول انكـن اختصـرتم علـيه التفكيـر فـي كيفية ايقاظ ا

.سالم

مشـكلة اخـرى لكـنها لـن تـزيد مـن سـوء األوضـاع، ناصـر يريد مقابلة

!ما لهذا الهم ال ينفرج عن راحة. سالم

.حسنا يا ابنتي اسبقينا وسنلحق بك -

ة تركب السيارة طالب .تخـرج نـوف فـرحة ومسـرورة بمـوافقة أم سالم

زل أكثر ألن عائلة أم سالم محافظة مـن ناصـر االقتـراب مـن بـاب المن

ناصـر المنهمك بتحسين . معهـم ا أن يلمـح خـروجه تـريد ألحـد جـدا وال

يتمتم ساخرا من هذه الرجعية والتخلف، لكنه .ألمـر مظهـره يسـتغرب ا

نوف، لديه ألختهلم يكن األمر كما قال . يظـل أيضـا فرحا بهذه الفرصة

تربص يشبه .ي عقلـه يكشـف نظـرات اإلثـارة في عينيه شـيء آخـر فـ

نيته بشيء حاالتـه عـندما يهـم بالمغامـرة تجاه رغباته الخاصة، يغطي

.من األريحية مرحبا بأم سالم التي ترد باقتضاب

.حياك الله -

؟كيف حالك يا خالة، وكيف حال سالم -

.بخير -

؟، من الصغيرة التي معك الله يحفظها...وكيف حالك يا -

.سـكون مـربك يمـأل أرجاء السيارة و، مـن بـوادر الكارثـة يلـوح شـيء

.للحظات عاقدا لسانها عن الردم سالم يتوقف نبض أ

.هذي سارة اخت سالم -

، هـل تعلمـين يـا نوف أنني لم اعلم يوما أن لدى اللـه مـا شـاء -

...سالم أية أخوة سوى أخوه الصغير ما اسمه ما اسمه

لكـنها تتجاهله كمن يطلب منه ينتظـر إجابـة تلقائـية مـن أم سـالم،

تلوم عن أخيها، و ذلـك بـدال نـوف تـدرك .الكـف عـن هـذه األسـئلة

فهمت أن سالم لم يخبر ناصر قط .نفسـها علـى التأخـر في التفكير

. عـن أخـواته وعائلـته، لقـد أفشـت دون قصد سرا من أسرار سالم

ــرام خانهــا عقلهــا مــرة أخــرى، أرادت إضــفاء نــوع آخــر مــن االحت

.خطئها أقل ضرراض سبب وجيه ومبرر يجعل من بافترا

لو تقبلون به زوجا اواللـه يـا أم سـالم إن ناصـر يكـون محظوظ -

.لسارة

هنا تفقد األم هدوءها وتمد يدها خفية من تحت العباءة لتقرص نوف

رها تتلعثم نوف في ألم يعتص . في فخذها، تريد منها عدم تعقيد األمور

، فهمت أن ام سالم لم تعد طيبة بما وتغـرق في مقعدها لتصمت أبدا

. أخطائها الغبية المتكررةيكفي لتحمل

. نتشرف والله بناصر لكنها صغيرة -

اللــه يشــرف مقــدارك يــا خالتــي، لكــن مالــي نــية بالــزواج اآلن -

والملقـوفة التـي بجانـبك تقحـم نفسـها في مواضيع ال دخل لها

.بها

تعارض مع مركزه وجـد فـيها سـخافة تـ .ناصـر كـره أيضـا فكـرة أخـته

ه قد يقدم على بمـا ال يـدع فرصة اعتقاد واحدة ان فأجـاب االجتماعـي،

لـم يـدرك أن فـي الجانـب اآلخـر رجال آخر . الخطـبة مـن عائلـة سـالم

الصداقة مهما . سيرفضـه لـو قدم كل كنوز الدنيا من أجل إحدى أخواته

ن كان ناصر إ.كسـر قـواعد متأصـلة بعمـق الجبال وصـلت روابطهـا ال ت

حسبه ينظـر إلـى فقـر سالم، فاألخير يرى وضاعة في الحسب مقارنة ب

النقص على أحد . بما ال يملكه اآلخر الكـل يـرى نفسـه أفضـل . ونسـبه

األقــدار الحســنات تــوزع األطــراف كمــال يــزين الطــرف اآلخــر، هكــذا

.ات بمقدار الكيف ال بمقدار الكموالسيئ

" :أمل"نهاية

الشـمس إشراقا، وغدا يطيب له الغرق في دمعة تختال عيـنان تـروي "

غرورا على جفنيها

.........................

ثالثين ألف

اآلف10

20.000

ساعة بقيمة خمسة اآلف

المجموع

الله اعلم

....، فندق مطعم ، سيارة ، تذاكر

.المجموع خيالي

هروب بعزة نفس : الحل

.............

ينمو بك داخل قلبي، ولن يطاوعني إليك ، فشـوقي أحـبك بعـيدة عنـي

"النسيان فهو يتذكرك رغما عني

يخرجه من من دفتري شيئا سامي يتناولثم ، ألرقام وا يجمـع الكلمـات

ينظر .مأزقـه المتكـرر مـع كل فتاة يفاوضها على الرحيل واالبتعاد عنها

التي الهـدايا حـول ي ويتذكـر كلماتـ ،إلـى فراشـه الفـارغ إال مـن عقلـه

متـى سقطت العاطفـية تفقـد قيمـتها تمـنحها الفـتاة لمـن تحـب كـيف

ته وتصبح عبئا ماليا يرزح تحت وطأ.هاا لفعت ثمن تكالـيف الحـب الـذي د

المطالـبة بـه، ديـن ينـبعث مـن مـرقده يوم حساب مـن افوخـ الشـاب

.العشاق

اإلطالل من وقت آلخر متى اشتدت بهن نبعضـهن يبقينه نافذة تبيح له

أو،وأرغمــت كــرامتهن علــى التــنازل مــن أجــل ســماع صــوت صــبابةال

من ، ليبقى لديهن بعض اللحـاق بأثر ينفي أخبار زواج أحدهم او سفره

.أمل العودة

تظل . يمارسـن بـه فقـط إذالل العاشـق الهارب اأخـريات يـرينه انـتقام

إحـداهن تلـح علـى حبيـبها المفقـود بـأن يدفع لها كل لحظة بذلتها في

بها ثمنا للدقائق وكل تثبت وتحتسب لو وجدت طريقة و. ضـائه سـبيل إر

إنها عملية .مـا تأخـرت بطلـبه ل، ها مـن كلمـات او صـمت مـا كـان يملـؤ

ترميم آخر مظاهر العزة والكرامة التي فقدتها الفتاة بعد رحلة عفـوية ل

. فجأة على أرض الواقعسقطت بعدها حرة في سماء الحب،تحليق

ــؤلم ــي م ــم ســامي أنن ــي وشــروحي يعل ــي تبريرات ــتلك ف المفصــلة ل

العالقـات، لكـنه يظل مؤمنا بها ألنه يعلم صدقها وحقيقتها المتمثله في

.شخصه

لتنوب يعـيد تلـك األفكار إلى حيث تنتمي ،يرمـي بالدفتـر علـى فراشـي

. عنهعن صاحبها الغائب في مكان ال أحد يعلم

يستثير دقات قلبه يقارب العبرات نحو حنجرته، ،يسـتعد بأنفاس متباطئة

في لحظات أصبح . بالخـوف والقلـق، ويوقع على نفسه عذاب الصادق

تعود هذا المشهد، ولكن .رجـال أجبـرته الظروف على اتخاذ قرار مؤلم

تمنى خفية وبعيدا عن مكابرته وغروره . جـزءا منه هذه المرة حقيقي

، لـو أن ظروف مجتمعه وعائلته تسمح له باختيار حب غدر به ذات عبث

هما طرائد اقتنصتها لحظات قدر فغيـر مبدأ الصياد والطريدة، ليصبح كال

.يداهم القلوب بالحب دون استئذان

يـرفع سـماعة الهاتـف واختـناق مـتقطع يبعثـر كل ترتيبات الحوار الذي

.رسمه في ذهنه

!الو ، إنني قلق عليك، طمئنيني ارجوك -

تأنيب يشعر .بكـاء ونحـيب مكتوم، يحرق أجزاء من ضميره الفضفاض

. تأبي عليه التراجعابمرارته ألول مرة، لكن نيته التي بدأ به

؟تكفين عن البكاءحبيبتي هل -

ولما ال أبكي؟ -

جيدا أنك قلت وأذكر. عليه أخبرتك بذلك منذ البداية ووافقت لقـد -

. أيضالي أنه نفس رأيك

.لم أدرك أنني سأصل إلى هذا الحد من التعلق بك -

.أنت: لم من حولياكل الع يصبحوقع أنوأنا كذلك لم أت -

؟أي عالم ذلك الذي ال تريده -

.كنني ال أستطيعمن قال أني ال أريده، أنا أريده ل -

.تستطيع لو أردت، اعرف أنك قادر على فعل المستحيل -

كلماتك هذه شجعتني على القيام بالكثير من األمور، لكنها تفقد -

.معناها عند هذا الحد

.إنك تظلمني -

. أظلم نفسي أيضاأنا -

. سامي أرجوك ال تتركني هكذا -

.ذا االقتراب أكثر من هأستطيعلن اتركك أبدا، لكنني ال -

؟رجل آخرعندما أصبح زوجة ل معككيف سأستمر -

.كأصدقاء يا حبيبتي -

!ال يمكن ذلك، أنت تعلم هذا جيدا -

إذا ما الذي يجب علي فعله؟ -

!!، ال شيءال شيء -

.أجيبيني. أمل ... أمل -

تصـرخ إشارات انقطاع الخط مكملة لصرخة انطلقت داخل جسد خوت

كان بوده لو . ساميأذن أصـداء تلـك الصـرخة تتـردد فـي .مـنه الـروح

، ويطبطب قليال بكلمات ديث مـدة كافـية يعـد فيها بالتواصل اسـتمر الحـ

.التضحية من أجل أن تحصل على سعادة ال يستطيع تقديمها إليها

ه، وتنطبع على الفراغات البيضاء صورته وهو ينظـر إلـى الورقة في يد

رته الجديدة التي بسيا بعدها السـاعة التـي أهـدتها لـه، ليـنطلق يـتأمل

علىها، متجها إلى المطعم الذي شجعته وعاونته سـاعدته علـى شـرائ

طـريقه للوصـول إليها افتـتاحه، لـيجمع المـال الـذي وعـدها أن يكـون

به عاليا عله يقترب من السماء ؛ ظلت تقذف "أمـل " إنهـا . والـزواج بهـا

هذا الحاجز الذي أجاد استغالله لم يمنع تلك . حـيث تقـيم عائلـتها الثرية

أشرق على آفاق قلبه الذي ال حب صادق " أمل " الفـتاة مـن أن تكون

.يلين

!ـ تبا لك يا صالح ؛ أين أنت ؟

تكاد مالمـح وجهه الحاد . تـنفذ مـن صـالبة أجفانـه كـادت دمعـة بـريئة

فـي قلـبا لـين األطـراف، يحـتاج لمـن يحمل عنه عبء هذه التجربة تخ

.المكررة في بدايتها ونهايتها، الجديدة في نتائجها عليه

:يرفع السماعة مرة أخرى، في عزم يؤكد على قرار طرأ في ذهنه

؟ أين أنت،ناصر -

؟أنا في الجوار، ماذا تريد -

!أريدك أن تحضر اآلن، فلدي أمر مهم جدا وضروري -

.حسنا، حسنا -

تفاجـأ ناصـر بـأن يكـون موضـع اهـتمام أحدهم في حاالت الضرورة،

فأسـرع إلى الشقة، ودخل حامال على وجهه مالمح القلق والجدية في

.قابلـه سـامي بهدوء وطلب منه الجلوس . تقـديم أي مسـاعدة ممكـنة

امـتص حماسـه، وقـتل فـيه فرصـة إثبات قدرته على تقديم المساعدة

.لآلخرين

؟ن شاء اللهخير إ -

.بس حبيت أسألك بخصوص امر خاص جدا، كل خير -

؟خاص من أي نوع -

.من نوع العوائل -

.، أجل موضوع زواجاها -

هـذا ذكـاءا مـن ناصـر، ولكـنه رد تلقائي وإجابة مبرمجة لدى يكـن لـم

فما أن يبدأ أحدهم بالسؤال عن األسر والعوائل .شـباب هـذا المجتمع

إنه يفكر بالزواج من :منطقية والوحيدة والقـبائل، حتـى تكون اإلجابة ال

.إحداهن

.ليس أمرا مؤكدا -

هل مللت من كل ؟ أخيرا اخترتهاومـن تعيسـة الحـظ هذه التي -

! مازال أمامك الكثير منهن لتجرب؟الفتيات اللواتي تحبهن

.ليس لألمر عالقة بي -

، ويمنع ناصر يمنح الموقف أجواء أكثر جديةإبعـاد الشـك عن نفسه

ألن الحياء الذي ينكسر عادة في مثل .رار في السخرية مـن االسـتم

هـذه المواضـيع بـين األصـدقاء، يـتم اسـتعادته بوضع عناصر غائبة

لذلك استعاد . تسـتحق االحتـرام والتقديـر لمجـرد كـونها غائبة فقط

.ناصـر حرصـه خـوفا مـن الوقوع في خطأ تجاه أحد أقارب سامي

فــيلــزج بأطـراف خفــية ألن أكثـر االحــتماالت شــيوعا عـندما يــتم ا

كأحد الموضـوع، أن يتم ترجيح نساء قريبات من الشخص المتحدث

.أخوات سامي مثال

ــنا - ــب حس ــرف، أو اطل ــا أع ــبك بم ــأحاول أن أجي ــألني وس ، إس

.مساعدة من أهلي وأقاربي للسؤال

ال أريـد أن أسـألك عـن أسـماء العـوائل، فلـدي من المعرفة ما -

.ذة تاريخية مفصلةيكفي ألكتب عنك وعن كل أقاربك نب

يـدرك ناصـر مغـزى سـامي فـي التلمـيح إلـى كونه من عائلة ليس لها

جـذور قبلـية تـوازي قبـيلة سـامي التي يفتخر بها ويزايد على أنها أعلى

تجاهل التلميح العـوائل الموجودة في نفس المدينة، ف مكانـة مـن كـل

.عند بداية تعارفهم تم البت فيها أمورلكي يتجنب الخوض في

جعــل أ حريصــا علــى أن يحافظـون علــى مــا أسسـناه معــا حــين كـنت

الجمـيع سواسـية فـي الـتعامل، الغـيا كـل الفـروقات االجتماعـية التي

يمكـن لهـا أن تمـنع صـداقة محـتملة، او تكـون سـببا فـي نهاية صداقة

فـي أول مـرة تقابـل فيها ناصر مع سامي شعر كالهما بوجود . قائمـة

لية والتـي بـرزت حـال تواجدهم في نفـور نـاتج عـن المضـاهاة الشـك

قصص الرحالت للخارج، ، الساعات واألقالم والسيارات .نفـس المكـان

وعالقـاتهم النسـائية، كلهـا أمـور بـدأت عـند أول لقـاء وتمادت حتى تم

فما كان أحدهم يفوق اآلخر في .استعراضـها جميعا في جلسة واحدة

حتى وصل األمر إلى ،جـزئية حتـى يثير اآلخر أمرا يرجح مركزه وتفوقه

وسامي هنا ينتفخ ".العوائل والقبائل"وهو الخـط الفاصـل والحسـاس

ضـيق علــى ي المكــان ويكـاد جد حولـنا بقـوة سـاحبا كــل الهـواء المــتوا

في شيء منهمكن أقل أو أكثر ألم و الوحيد الالمبالي كـنت أنا .الجمـيع

م محلقا فوق رؤوسه أرى نفسي . لسـت معهـم ذهنـيا أو فكريا ولكنـي

ت لنفسي مكانة محايده تؤهلني لذلك وجد .ومالحظـا لكـل تصـرفاتهم

لم أيضاسالم. ن من حولهموختـراق كل الحواجز التي يفترضها اآلخر ال

، مع أي شخصلمقارنتهيكـن يبالـي ألن مـا يفتقده كثير جدا وال مجال

حتـى قبيلـته التـي تـرمم جـزءا مـن مآسـيه رآهـا سـامي بسيطة جدا ف

. ة نسلهمقارنة مع عراق

وانتهت بجدية كادت المـرات حـدثت مشـاحنة بدأت بالمزاح إحـدى فـي

فاضل اسـتاء و تفضـي إلـى نـزاع واشـتباك باأليـدي، سـببها أن سـامي

، ، وذلـك شيء شبه حقيقي وجهـة نظـر المجـتمع مـن بمكانـته القبلـية

ساط بالطـبع مكانـة ناصـر المعـروفة واألكثـر شـهرة فـي األو تعارضـه

كلـيهما فـي مقارنـة خارج ت إال أن أسـقط ان منـي فمـا كـ . االجتماعـية

ن ي فيه فئت ت واقعا افتراضيا، خلق ترسم. الـنطاق الذي يتنافسون حوله

ت وجعل ، تسيران في خطين متوازيين ولكنهما ال يتقاطعان تـين اجتماعي

الصدق . تحـاول الوصـول إلـيها ا تـنطلق مـنها واهـداف الكـل فـئة أسسـ

سـية والـذكاء فـي الطـرف اآلخر، طـرف، والدبلوما والطيـبة والعفـوية

فكانت .الفئتـين إحـدى لكـل مـن سـامي وناصـر حـرية اختـيار توتـرك

النتـيجة أن رضي سامي بأن يكون أقل دبلوماسية وذكاءا في سبيل أن

يكسـب كـل الصدق والطيبة والعفوية في تعامله، في حين اختار ناصر

سار الموقف ذا وهك. االنتماء إلى الفئة الدبلوماسية بكـل زهـو واعتزاز

إلـى حـيث ال يـتقاطع الفـريقان، وانتهـى الخـالف على أن الجميع رابح

ن قناعة خاصة بمكاسبه الناتجة عن ظروف قدرية رضـي وكو مـا متـى

.لم يختر التواجد فيها عند والدته

،انـت السـخرية أن سـالم طالـب بفـئة تخصـه وأخـرى أنتمـي إليها أنا ك

موديا بين ان ولكن عين متوازيت ي فئتـ فكانـت مفاجـأة الجمـيع أن خلقـت

فـي أحـدها سـالم الذي بقناعته كسب رضا ت وجعلـ .السـماء واألرض

الفئة المعلقة بين السماء ي تلـك لنفسـ تاللـه سـبحانه وتعالـى، وتـرك

واألرض ال تعـرف أيهمـا يمكـن الوصول إليه بأسرع وقت ممكن وبأقل

. األضرار

. عيوب اآلخر واحد فينا كل تقبل جيدا بحيث وامتـزجنا ،اتفقـنا كأصـدقاء

المسائل الحساسة من بينها، عالقتنالكثيـر مـن األمور بعيدة عن ا تـركنا

تم اعتبار ذلك خاصية ال إذ تعارف بين األهل الـ زواج و مـثل الـ والخاصـة

يقرر ما يراه مناسبا بينـنا كـل فـرد ، فتـركنا دث بهـا جماعـيا يمكـن الـتح

. لحالته

تخص الزواج، باستشارته في مسألة قام سامي بأن ناصر فوجئلذلك

عالم إلى ال حب الولوج . بينهما دوماوتناسـى عقـدة التـنافس المضمرة

يـزيد مـن الرضا بالنفس الناتج عن وجود ثقة خاصة للصـديق الخـاص

.وعلى مثل هذا المستوى ليتميز بها ناصر دون غيره من األصدقاء

؟ماذا تريد أن تعرف -

؟فئتان التي ينتمي كل منا إليهاهل من الممكن أن تتقاطع ال -

ماذا تقصد؟ -

فتاة أقصـد هـل يمكـن لشخص من فئتك االجتماعية أن يرتبط ب -

؟من فئتي االجتماعية

..بالتأكيد يمكن ذلك، وسبق أن حصل -

ناصـر يعـدد الـزيجات التي يعرفها، لكن سامي يقاطعه مستأنفا وأخـذ

:يفهمها ناصريستعجل الوصول إلى الفكرة األهم والتي لم والحديث

؟ماذا عن العكس -

تقصـد أن يتـزوج شـاب مـن فئـتك االجتماعـية بفـتاة مـن إحدى -

!؟عوائلنا

.نعم إحدى عوائلكم -

.يقولها بمضض تخفيه ابتسامة باردة ومصطنعة

اعـتقد أن ذلك من النادر جدا، إن لم يكن مستحيل الوقوع حتى -

.اآلن

؟لماذا تعتقد ذلك -

الشاب يحتوي نسب عائلة الفتاة نك تعلم أ ، ولكـن ال أدري لمـاذا -

وتصبح جزءا منه، وهذا ما يجعلنا نرفض على فتياتنا الغرق في

ر مشـاكل مجـتمع قبلـي ال يحـب الكثير من األشياء التي هي أم

.اعتادت عليه الفتاة في مجتمعنا

، ولن يحرم الفتاة من على ذلك ا وموافق وإن كـان الشاب راضيا -

كنف عائلتها؟تحظى به فيأي امتياز كانت

ليست معظـم األحـيان ، أنـت تعـرف أن مشـكلة األزواج سـامي -

.ما يكون بينهم من تفاهم، وإنما من قبول اآلخرين حولهمفي

يسـتطيع الـرجل عـزل نفسـه والعـيش باسـتقاللية أكبـر إن كان -

.يعاني من ازعاج عائلته

حسنا هل يفعل شاب من قبيلتكم ذلك، بحيث يرضى أن تكشف -

ــازوجــته ــناء عمومــته وجهه ــيع أب وإن رضــي، هــل ؟ أمــام جم

؟يستطيع التعايش مع نظرة أبناء عمومته إليه

الحياة تتغير باستمرار، والكثير من العادات لدينا !ربما، من يدري -

.بدأت تقارب المجتمع المتحضر لديكم

سـامي، رجـاءا ال تغـالط نفسـك، وال تنسـى أنهـا لم تكن المرة -

هل نسيت أول وصف رميته . ا األمراألولـى التي نتناقش فيها هذ

؟علي

هـنا يـندفع الـدم إلـى وجنتي سامي، ويصبح الخجل عنوان وجهه الذي

.نزل بابتسامة تطلب العفو والتسامح من ناصر

.ال محبة إال من بعد عداوة -

" الديوث " لقد وصفتني بـ . أنـا ال أتحـدث يـا سـامي عني وعنك -

.ندما تقابلنا في لندن نوف استقبلتك بالترحاب عأختيلمجرد أن

ولكن ها . عن ذلك، ولكن بالفعل كان تصرفا جديدا علي أعـتذر -

. معه بكل احتراموأتعامل أعتادهأنا

ولوال أن صالح .أوال يـا سـامي، أنت لم تتعامل معه بكل احترام -

رمـى بصراحته المعتادة بهذا األمر أمامنا جميعا، لظل عالقا في

فس الوصف تجاه شخص آخر ومن يدري، لعلك تطلق ن .نفسك

ال تعرفه فأنت لست مضطرا وحـيث أنـك مـن نفـس مجتمعـي،

!الحترامه

!نعم، لعنة الله على صالح -

ــول - ــا أق ــالعكس أن ــرا " ب ــه خي ــى " . جــزاه الل ــنا عل ــد جمع لق

قبل عيوبنا واختالفاتنا الصـراحة، وتـركنا نـتعامل مـع أخطائـنا ونت

.ذلك على االحترام المتبادل بينناونحافظ ب

؟ليخطب فتاة من عائلتك هل تزوجونهلو تقدم صالح -

اصـر قلـيال، ويــرفع حاجبـيه معلـنا الـتعجب الملـيء بكــل هـنا يتـراجع ن

ندما يكون الحديث مجمل ع .احـتماالت الوقـوع في فخ نصبه له سامي

منطقـية غير واردة التطبيق، فإن كل شيء مستحيل يتحول افتراضـات

ا جزءا من هذه الفرضيات، نكتشف ولكن عندما نجد أنفسن .إلى ممكن

.مدى معاناة أي عناصر نزج بها في معادلة ما ونتالعب بها

.حين ندور به أرجاء المسائل حتى نخرج له قيمة " س " مـا أجمـل الــ

بالثناء ألنه ساعدنا على اكتشاف صديقه المجهول " ص" ومـا أجـدر الـ

.والمجاور له دائما

نـنوب عـنهما داخل معادالت المجتمع حـين نجـد أنفسـنا أتعسـهما ومـا

. واألقدار التي تداهمنا وتجعلنا مجاهيل تبحث لنفسها عن قيم ممكنة

عم تتحدث بالضبط يا سامي؟ -

؟إنه سؤال افتراضي، لماذا أصبحت متحفزا لهذه الدرجة -

!حدثني بالصدق يا سامي -

؟ يا ناصرأي صدق تقصد -

؟هل حدثك صالح عن شيء بخصوص نوف -

لـ إلهياللطمـة التـي انهالـت على وجه سامي سوى رد هـنا لـم تكـن

يتذكر الدفتر وتلك . نفـس الصـفعة التي أخرجت من ناصر هذا الحديث

كممارسة أعبر عنها التـي الـتقطها في بداية اليوم والتي كنت المقاطـع

يقع و يالحظ ناصر ذلك، . يرتبك خوفا،لـألدب الخيالي دون وجود أسباب

ات وتـرقب لكـي يكمل احدهما نتائج هذه كالهمـا فـي تجـاذب للنظـر

."أمل " بـبعد ان بدأت " نوف " انتهت بـ الفوضى التي

:يوم كـ عمر

.الـدخان مـن حـرية معانقـة نسـائم الصـباح الباكر تمـنع األنفـاس آثـار

في ي األول علـى شرفة غرفت نـي كحـة شـديدة تخـنق شـهيقي تداهم

أدين . بإشعال واحدة أخرى سـي وأعاقـب نف السـجائر، ألعـن .الفـندق

التي التقطت أول سجارة حين ي الـذي غـادر مـع أطـراف أنامل يشـباب

) بلغما (أنزفكـل يـوم فـي مثل هذا الوقت . بعمـر الثامـنة عشـر كـنت

مرارة القطع المتطايرة من طرف .ي صـاعدا نحو فم ييشـعل حنجرتـ

ي صورة وجه وأرى إلى المرآة، أنظر .ي تلـون المغطـس أمامـ يلسـان

ع كل فجر لكـن انـبعاث الـروح م . الشـتائم لـي الشـاحب تلعـن وتكـيل

فيروز، تعطي القهوة الساخنة، وأغاني . ، أمـر يسـتحق االحتفال جديـد

اعتدت. يخالف كل توقعات العالم باقتراب النهايةالحـياة معنـى متجددا

جزء ي المآسي والمصائب في تصور ،هذا الخليط الغريب من المشاعر

.م السعادة والفرحمهم لقياس طع

.ة الصباحيتأمالتييقطع علي رنين الهاتف

.االستقبال، هناك ضيف ينتظرك في صباح الخير سيدي -

من هو؟ -

.قريب مني إنه ، لحظة. سيديأسألهلألسف لم -

.ال تسأله. ال -

يعلم غيره من ،دلن يكون سوى محم : السماعة مغلقـا أجـيب نفسـي

!؟ هنا في هذا الفندقبتواجدي

مـا من مجنون . هـوية الشـخص عـن تسـم واسـتغرب مـن سـؤالي أب

محمد : "نفسه كضيف وهو المضيف إن صح التعبير سوى عن ف سيعر

" .

كثيرة اذلك يـدل علـى أن أحداث ، فـ لـتواجده مبكـرا هـذا الصـباح أسـعد

. بصحبة ذلك العاقل حد الجنونتنتظرني بالمفاجآت مليئا وجدوال

مع يحديثفـيها سـتعيد أ للحظـات توقـف أ .ي بارتـداء مالبسـ أسـتعجل

محتارا أمام خزانة وأنا أقف ني في القرية، عندما داهمتيإحـدى أخواتـ

.يمالبس

ثياب جميعها إنها ما الذي تحاول اختياره ؟ ، علـيك يا صالح باللـه -

!بيضاء، نفس اللون ونفس التفصيل

هناك تفاصيل دقيقة تجعل . ليس كذلك لكن األمر ، يبدو هـذا ما -

. عن اآلخرفاثوب مختلكل

؟مثل ماذا -

هـذا مثال، لديه بقعة الحبر تلك التي تشير إلى أول مرة استخدم -

.فـيها قلـم حبـر عـندما ذهـبت الستخراج بطاقة األحوال المدنية

واآلخـر هـنا جيـبه األيمـن مخروم، وهكذا فقدت محفظتي التي

.بطاقة بعد عدة شهور من استخراجهاتحمل نفس ال

أي ثوب لي كخيارات تحددأطرحهاى هذه األمور التي علتضـحك أختي

. في كل مرةسأرتدي

!نتم تختارون ثيابكم حسب المصائبأ فأإذ -

. حسب األفراح والمناسبات السعيدةتماما كما تخترن مالبسكن -

.بعد أن تدمع من شدة الضحك تضع يدها على فمها وتختفي عينيها

، ليبتلع ى االثورة ضد جوعه علا يوشك النسيان عـندم أتذكـرها لحظـات

تبقيني على قيد الشعور .ى لـي من ذكرى جميلة تخص عائلتي مـا تبقـ

ي في حضن أم ي القدر حين رمى ب يمتواجدا كما شاء ل بأنني ما زلت

.وأبي

كنت قد اعتدت . ذلك فيطيلأ، وال يبحث عن ساعت أرتـدي مالبسـي، أ

دون ييت وتقـيد حر يجـدها تـثقل معصـم ، أ لـبس السـاعة علـى عـدم

راه وسـيلة فقط أ لـيس مهمـا، يالـوقت فـي حياتـ . حاجـة ملحـة إلـيها

ئا مهمـا، أو علـى التفاؤل حين تشـجع علـى التشـاؤم عـندما ننتظـر شـي

. طول انتظاريداهمنا األمل خالل

سمعت . سـريعة باتجـاه الغرفة المقابلة لي لقـي نظـرة أفـتح الـباب و أ

. محمد عن ذلكحدثأ س. البارحةيفيها أصواتا مثيرة قبل نوم

إثارة ريد بهااوين المهمـة التي أ كثيـرا بتحضـير عـدد مـن العـن اهـتممت

لمأل العا محب الصمت في حضور عقل ي أ ال .شجون الحديث مع محمد

.سكوتهصخبا حتى في

رتــبها حســب أولــوية أ إلــى هــنا،يل رحلتــ خــالنيصــادفتكثيــرة أمــور

على اعتدت .رحوازج بها أثناء الأفكر كيف أ و ي فـي خـط سير تـواجدها

ترك للظروف حرية أ أيضا ، لكني الـبدء بأي نقاش قـبل أفكـاري تنظـيم

. لهتتغيير كل ما خطط

العالي السقف أتأمل. يفتح باب المصعد على صالة االستقبال الواسعة

رى أن أ . في إحدى الكنائس ي الفندق كجزء من خيال تواجد افـي هـذ

ية، وأقـرب إلـى حضارة الـرخام يعـارض طبـيعة هـذه البيـئة الصـحراو

الجــبال لــتمهد بهــا األرض وتمــنع األقــدام مــن أحجــارإيطالــية تقــتطع

.مالمسة أصلها في التراب

حب أ .على الرخام م بخطـوات تثيـر صـوت طقطقـة كعـب حذائي تقـد أ

سير على قمة أ ي كأن يشعرنيحذائي فعـل ذلـك، فالصدى المتولد من

عادة . موجود ي اآلخرين أن مخبرا المكان صخبا ي من ويمأل جزء العالم،

المشابه ي حضور تالجامعـة، جعل ) بهـو (مـرارا وتكـرارا فـي اهتمارسـ

أخبار ي تنقل لاألصداء . خرير النوافيرع يمتـزج علـنا م يلكـل مـن حولـ

تهز ،الـزوايا متـى ارتـدت عنها، وترتعش لها األجساد متى اصطدمت بها

.بها عقل ضيقالهواء على محيط شاسع كي تنقل فكرة بالكاد يهتم

.أالحظ دون أن ني يراقب. أنظار محمديلفت، نيلذي يشغل ذلـك الوجود ا

عن ييفصـل بهـا جسد ف علـى حـد الـورقة نـي يتابعو، يتصـفح جـريدته

وأقدامي تعتزل مظاهر الرضوخ . الشاطح نحو عالم ال يحضره يرأسـ

نساب نحوه كريشة أف ،دون ازعاجإلرادة آلـية فـي تقـدمها تجاه الهدف

يرفض حقيقة ما يعتمل في هدوئـي . ب علـى صـفحات النسـيم تنسـا

. من أفكاريعقل

.السالم عليكم -

.، ابتعد قليال إلى اليمينعليكم السالم -

لماذا ؟ -

.افعل ذلك واجلس -

الحقا متى أتـركه يعلـل لـي ، و مـع محمـد دون طلـب تبريـرات أتجـاوب

يفة حـب مـنه هـذه الـتجارب التي تخلق احتماالت كث أ .انتهـى الموقـف

. حدد اتجاه الهدف الذي تتابعه أ ،أراقـب عيني محمد . عـناوين الـنقاش ل

تمثل أقصى مظاهر التراث، شـاب وسيم ومهندم جدا يمسك بيد عجوز

وطني كانت تؤدي فيه دور بقايا إمرأة متحفتـبدو كمـن خـرجت مـن ف

. القرى المهجورة إحدىمن أطالل

، أمامهشفة من قدح الشاي نتظـر تعليق محمد الذي يتنهد قليال ويبتلع ر أ

شيء ما سيخرج اآلن ليفجر .يطـوي الصـفيحة وهـو يهز رأسه انزعاجا

وها التي امتدت لمدة عامين ناالـنقاش ويبعثر األفكار كعادة كل لقاءات

.هي تقترب من إكمال السنة الثالثة

؟كيف كانت رحلتك -

.جميلة جدا، هذه المرة جربت الركوب مع أحد العابرين -

؟بر سبيلتقصد كعا -

.نعم -

لك اصيمكنها إيت كـل الوسائل الممكنة التي د أنـك اسـتنف أعـتقد -

.إلى هنا

ن مــأنطلــق لعلــي فــي المــرة القادمــة .بصــراحة بقــي البحــر -

وألـتف حـول شبه الجزيرة ، السـاحل الغربـي بعـد أداء العمـرة

.ألصل هنا

.إن فعلت ذلك فأنت محدود الخيال واإلمكانيات -

؟لماذا -

انـس أنك تقصد مدينة ، ي نقطـة فـي العـالم عـندما تبحـر مـن أ -

. بشوق دائم للمسافرينفكل الموانئ. معينة

. أن وقتي يسمح بذلكأعتقدال -

؟منذ متى بدأت تهتم بالوقت -

علي يلعن تلك ، وحين بدأ الدكتور علـى التخرج أوشـكت مـنذ أن -

.ارفنا على تع فيهاالساعة التي ساعد

بأنه علـى الشـعور يحملـه الدكـتور علـي خسـر مـن الـوقت مـا -

أن كبار السن يرون الوقت أعتقد .يعـوض ذلـك من خالل طالبه

. للتعويض بفرض القيود على وقت الشبابالذي أهدروه قابال

؟هل تعني أنه يحب نفسه وال يريد لي الخير -

يـا اللـه يـا صـالح، مازلـت تنظـر إلى الناس بعين اإلخالص دون -

.أجزاء من األنانية

.في اإلخالصألن األنانية تنا -

لماذا يمسك ذلك الشاب بتلك المرأة اذن أخبرني ..؟تعـتقد ذلك أ -

؟العجوز

.، وهو يبر بهالعلها والدته -

لماذا يبرها ويرضيها؟ -

.األجر عند اللهبألنه يحبها وكي يحظى -

يجعلـه غير هـناك شـيء مـا يخصـه هـنا . نعـم يحظـى باألجـر -

.مخلص تماما

انية؟ يعد أنهل تعني أن التفكير باألجر -

أليس كذلك؟ -

؟ اخبرني كيف صحتك! ..لم أعد ادري -

!جبان يا صالح جبان -

.قد حان بأن وقت الرحيل إلي، ويهم بالوقوف مشيرا عاليايضحك

لماذا جبان ؟ -

.ئسنذهب اليوم إلى الشاط -

لماذا جبان ؟ -

.اعتقد أن االجواء اليوم مناسبة لممارسة المشي -

مزاجي جدا . دث في الموضوع اآلن أن محمد ال يريد التح أدركـت حيـنها

، يحب أن يختار الوقت المناسب له، ويرفض اإللحاح في طرحه وحواره

.عليه

أين سيارتك؟ -

.في مواقف الفندق -

ألـيس مـن األفضـل اسـتخدامها، أشـعر بـتعب جسدي منذ رحلة -

.األمس

.هذا ما يجعلني أصمم أكثر على المشي -

هذه .د من األشخاص يسـلم محمـد علـى العديـ . نحـو الخـارج نـنطلق

ت بدأيفي هذا الفندق، لكن لنا بعد أول لقاء يالظاهـرة لفـتت انتباهـ

سكنا لي فعالقات محمد الواسعة توفر .مـن استفساراتي حولها قلـل أ

.للقائهزور فيها الساحل الشرقي كل مرة أمجانيا

إنهاكي؟هل تريد -

كن جسدك دك الـبارحة لم ي هـ فمـا أج .إراحـة عقلـك قلـيال أريـد -

، ولكـن عقلـك النشـط جعل من السـاكن علـى إحـدى المقاعـد

اعصـابك مشـدودة تـرفض سـكون اطرافك، فكنت كمن يجري

النتظار أنـت تعـتقد أن الـرحلة هي السبب، لكن ا .داخـل نفسـه

، أنشـطة تسـتهلك من طاقتنا أكثر من والملـل والقلـق والتفكيـر

ــر .المشــي أو حتــى العــدو أال تــرى أن المفكــرين يظهــرون أكث

. ارهاقا من الحرفيين والبسطاء

، لـديك نظـريات لكـل شيء، مقعنة ومنطقية، ال أدري يـا محمـد -

...لكن ما تعودنا على فهمه

على حالة المرض د هـل تعـرف ان االعتـيا !، تقـول تعـودنا أهـا -

نا لم اتعود على أ !ضـا حتى لو شفي تماما؟ يجعـل اإلنسـان مري

. عن الناسمن ضميرك المتحدث نيابة فال تضعني ض،ذلك

. ما تعود الناس،حسنا -

؟مازلت تتحدث نيابة عن الناس -

!! ما تعودت أناإذا -

.، إنك تتطورجميل -

حس بما كان يشعر به سامي عندما نـي أ جعلت ممارسـات محمـد هـذه

وحقيقته أنه من إلـى حـوار ظاهـره مكـون من شخصين يمعـ ه جـر أ

ي الذ المزيج هو امـتعاض وقهر وإحساس بالغباء .طـرف واحـد فقـط

مثل سببا في ألني كنت من سامي أعتذرتمنى لو أ .حينهايـتملك النفس

!هذا اإلستياء الذي أشعر به

.أتطورنعم -

بعد أن ندخل إلى الحارات المجاورة سـنذهب باتجـاه الشـاطئ -

.للفندق

لكن ال بأس، سأريح عقلي تماما ألرى كيف .أنـت تـريد اهالكـي -

.سيكون شعوري بعد تطبيق نظريتك

.رح تفكيرك وليس عقلكأ -

ما الفرق؟ -

فيها الشارع نعبـر للحظـات نا مـن الشـارع العـام، يـتوقف حديثـ نقتـرب

.مسرعين

.الصباح القاتل -

.يقولها محمد وهو يضع قدمه على الرصيف

.بالعكس أرى أن الصباح هو أمتع أجزاء النهار -

اق هكــذا هــو عــندما تنســى أن الجمــيع يتســارعون إلــى اللحــ -

يلتقط م ومـن ثـم أعمـالهم، وفـي هذه العجلة بمـدارس أبـنائه

الصباح يأخذ الجزء األكبر من هل تعلم أن . القـدر العديـد مـنهم

في السنة؟نسبة الحوادث

اعتقد ان القبح سعيد !إنـك تخلـق البشاعة من كل شيء جميل -

.بتواجدك على وجه األرض، فأنت مروج كبير له

التجاهل لـيس سـوى خديعة صـالح، إن الجمـال الـذي تعـتقده -

كل شيء هو برؤية الجمال الحقيقي . ا تجـاه مـا حولنا نمارسـه

.ء الصورةاممكن لتكتمل أجز

!هت صورة هذا الصباح في عينيولقد ش -

سيارة مسرعة بالكاد استطاعت الوقوف عند تتابع وعيناي ذلـك، أقـول

وأدرك ، اخلها وجوه األطفال الشاحبة رعبا شـاهد د أ .اإلشـارة الحمـراء

! على فكرة إهمال الوقتي نفسئهنأ و.ادق فيما يقولأن محمد ص

.لت جزءا من جمال صورة هذه الحياةكمأبل -

.الجزء المؤلم منها -

لـو لـم يكـن مـتواجدا لكـان الـنقص هو أول أسس القبح الذي -

.ل ممكنيلغي كل جما

.الجمال الذي نتحدث عنه هو الكمالإذا ف -

انظـر لقـد وصـلنا لـدكان أبـو سـعيد، دعنا نسلم عليه ونأخذ منه -

تشعر بالعطش؟ هل .بعض السجائر

أتنفس الماء أيضا؟أال يكفي أنني -

فكـر دائما كيف لرئتي أن أقصـد بـذلك الـرطوبة المـرتفعة فـي الجـو، أ

ي،يضحك محمد من قول. يتمـتص هـذا المـاء الـذي يـدخل مع أنفاس

علـى عتبة وز يجلـس جـ ك حـيث رجـل ع هـنا ، نحـو الـدكان يويـتجه بـ

فـوق رأسـه تتعلق أشياء قديمة لم يعد .مـرتفعة بجانـب بـاب المحـل

في مرة ماضية عن سبب عرضه نا أخبـر .شـرائها الـناس يقـبلون علـى

هذه ذكريات يا صالح وليست : بـألم وحسرة نالـتلك األغـراض، قـال لـ

.أشياء، بعضهم مازال يبحث عن ذكريات قابلة للشراءمجرد

، لكن بسيط جدا. أبـو سـعيد أحـد مصـادر محمـد المعـرفية كمـا يقـول

ثقافـته تعـود إلـى عهـد الكتاتـيب التـي تعلـم القرآن كأساس لكل علم

المـنهج فـي مـراحل دراستهم األولية لم يكن يتعدى حفظ أجزاء . آخـر

اللغة العربية واهم ، باإلضافة إلى مـن القـرآن واالحاديث وتفاسير ذلك

على فوق به تيحفـظ أبـو سـعيد من أشعار العرب ما ي . أركانهـا الشـعر

ــات ــن إحــدى الجامع ــي متخــرج م ــي األدب العرب ــاب متخصــص ف ش

ــيه مســتقبله .العــريقة ــه هــدفا يبنــي عل ــم يجعل ــد أحــب الشــعر ول لق

مر كل أبيات الشعر التي ت في ذاكرته الوظيفي، لذلك جعل الحب يجمع

ال يقوم أبدا .متازة سعيد أكثر من م وذاكـرة أبـ .سـريعا علـى مسـامعه

سماعة فقـط هـو يـرفع .لهواتـف المهمـة فـي ورقـة قـام ا رأبتسـجيل

الهاتـف القـديم علـى طاولـة الـدكان، ويدير القرص ليجعل من إيقاعه

كل شيء في عقله موزون وله . دلـيال لـه علـى الـرقم الـذي يريد طلبه

. عالقة بالشعر

!أبو سعيد صباح الخير -

.ضلوا، تفحياكم الله. هال. هال -

وأتوجه أنا إلى داخل الدكان يفسـح مسـاحة صـغيرة لــ محمـد بجانبه،

.حضر الكرسيأل

؟، ألم تطرح شيئا في األسواقماهو جديدك -

.طرحت ام سعيد البارحة -

كبار السن . مثل هذا التعليق ينتظركان يضج الشارع بقهقة محمد، فقد

زمات تصـويري رائـع يخلـق مـن أشد األ أسـلوب ، لـديهم فـي مجتمعـنا

.دعابة قابلة لتمرير التعاسة بغالف الفرح

.، ألم تجد شابة تطرحها وتكفي أم سعيد شركالله يسامحك -

.هي من طلبت الشر، وأعطيناها ما تريد -

فكرة الزواج التي تلح عليك منذ اعـتقد أنهـا تفعـل ذلـك لتطفـئ -

.فترة

، وأنت تعرف أنه بالكـاد أسـتطيع الوصـول إلـى دكانـي يا محمد -

.م جرائدمجرد كال

ــد مــنها المشــاركة فــي هــذا الحــدي ألــتقط فرصــة أ ث المخضــب ري

:بمظاهر السرور والسعادة

.فيك الخير والبركة يا عم -

، فأنتم دع عنك التحذلق علي . الخيـر والبـركة فـي البقر يا صالح -

.أيها الجيل الجديد ترون فينا الغباء

.آسفين يا أيها الجيل القديم -

واحاديثهم أصبحت عادة جميلة يستثيرها مقسوة كبار السن في كلماته

إلـى أقصـى درجات السخط، هو أكثر وذاك الـذي يصـل بهـم .الشـباب

أن حرضتهم على اإلعتقاد ب الحياة . بمحبتهم وحظوةاب قـربا لهـم بشـ ال

ومشـاركاتهم لـم تعد محط اهتمام، آراءهـم ، وأن قـد نسـيهم الجمـيع

كـل أستياء كتموه لـذلك يـتعلقون بكـل فرصـة ممكـنة ليـبادروا بقـذف

يتمنون . خـالل مالحظـتهم المسـتمرة لحـياة الشـباب فـي هـذا العصـر

البسـاطة التـي خلقـوا فـيها كانت واسعة ف. عـودة الـتاريخ إلـى الـوراء

إال أن الضيق ، ورغـم توسع المدينة وتكاثر الناس .تنشـرح لهـا الصـدور

ــيا كل االحــبة داخــل القلــوب مــع باقــي مشــا وضــعفــي الــنفوس الدن

دون إلى الخارج من نحبهمتدفع مشاغلنا حتـى يأتـي وقـت .هاوهمـوم

. نحسبهم هناكونظل، ويغادرون دون وداع يليق بهم إدراك منا

، يكفــي أن أراك ســعيدا أطــال اللــه فــي عمــرك يــا ابــو ســعيد -

.ومبتسما

يديـر نظـره باتجـاه محمـد، يخبـره عن سوء هذه الدعوة التي صدرت

.مني

لقد تعبت الروح من حبس . ربيمـن يحبنـي فلـيدعو لـي بلقـاء -

. تتوق إلى لقاء وجه اللهتهذا الجسد، وبدأ

يـا ابو سعيد، ادعو من الله أن يأخذ من عمرك ويزيد به عمر اإذ -

.صالح

يد هو بحاجة لعمر جد ؟ومـاذا يـريد صـالح بعمـر شـخص مثلي -

.ليس عليه آثار العذاب

ال تحققها بة ، فهذه الكآ سمعت ألم كلثوم كثيرا البارحةكيـبدو أنـ -

.إال أغاني أم كلثوم

وقمت على ،، لقـد غفوت على إحدى أغانيها في اإلذاعة صـحيح -

إن تلك اإلذاعة ال تعرف شيئا .صـالة الفجـر وهي ما زالت تغني

.سوى أم كلثوم

. استمع إلى إذاعة القرآن الكريمإذا -

يرتكـز أبـو سـعيد علـى ركبـته ويقترب من محمد ممسكا بذقنه، ينفضه

ئ يتحدث إليه بصوت منخفض ولكنه قوي ومركز كمن يتك بعـنف وهـو

. على الكلمات ليطلقها بطيئة يثقلها الغضب

،أنـا أقـرأ القـرآن واحفـظ مـنه مـا يكفـي ليجعلنـي أحسن منك -

، فال وفهمـته حتـى جعلـته مـنهجا أسـير بـه واربـي أبنائـي علـيه

، وساعة الهوى ا سـاعة اللـه حاضرة دائم !تحدثنـي عـن القـرآن

.نادرة

كنت . أعلـم يـا أبـو سـعيد، ولقـد اوجعت وجهي بيدك المتحجرة -

.فقط أحدثك واقصد اسمعي يا جارة

الـرجل محترم وساكت وانت ..؟ لمـاذا ..؟تقصـد صـالح بكالمـك -

.من يتطفل عليه

.ال هو فقط جبان -

. إن شاء الله تدل على الشجاعةفهيئتهال اعتقد ذلك -

ل بعض أمور أقصـد أنـه جـبان عـندما يصـل األمـر للـنقاش حـو -

.الدين

.، وأنت التقصد أنه يخاف الله -

كان في الوقت الذي أول موقـف إحـراج يقـع فيه محمد تهـنا شـاهد

ها هو يجيب على .فـي الفندق إثـارة الـنقاش الـذي أوقفـه فـيه يـريد

إال أن ي وبـرغم أن أبو سعيد أجاب نيابة عن .) لمـاذا جـبان ؟ ( سـؤالي

. حرجمحمد ظل مبتسما وكأنه لم يقع في

مـن يخـاف اللـه يـا أبو سعيد يفكر به دائما، وال يعزل أي شيء -

.من أمور الدنيا عن الدين

هـا أنـت تقـول حقـا، فهل صالح ال يفكر في . اللـه يجـزاك خيـر -

؟الدين

إنـه يخـاف مـن ذلـك، ويعـتقد أن مجرد ربط تفكيره بأمور دينية -

.سيوقعه بالمحظور

أعماقهفي . ويشد عليه يف يمسك بكت ، يمد يده . سعيد إلـي أبـو يلـتفت

لكنه في الظاهر يظهر مخاوف مستمرة بمرافقة محمد، يرانـي مـوفقا

.خص دنياه غائبة البدابة والنهاية وراء شأنزلقمن أن

مــازال يحتضــن عفــوية وبســاطة ال علــيك يــا ابنــي، أنــت رجــل -

.األولين

؟وما هي تلك البساطة -

ول معظمه شرع اندثر في فترة وتح عـن كانـت فطـرة مـتوارثة -

فكـنا نمـارس الحـالل كـنوع من الرجولة، .إلـى عـادات وتقالـيد

حتى أعاد المجددون والدعاة ). العيب(ونبـتعد عـن الحـرام ألنه

فحمدنا الله أننا .لـنا حقـيقة مـا كـنا عليه، وفصلوه بشكل واضح

وأنت ،)الحرام(ناه باالبتعاد عن لأكم) العيب(عن بعـد أن ابتعدنا

فإن شككت .ت على تلك البساطة والعفوية كمـا يـبدو لـي مازلـ

بأمـر إن كـان حـراما أو حـالال ، تذكر ما كان يقوله لك والدك أو

.أم ال) عيبا(هل كان . كبار السن في مجتمعك

).حراما(لذلك لم يصبح ) عيبا(تعني ان سماع ام كلثوم لم يكن -

اآلن، ولكننـي متأكد من أننا كنا األقرب من ) حـرام (يقولـون أنـه -

ولو عرفنا ذلك عنه لشاع بيننا .يل هـذا اليوم إلى علماء زماننا جـ

.فكر بالدين كحياة وال تبتعد به أكثر من ذلك). عيب(أنه

له ندعو. مضيفا تقبيل اليدوأقلده ،يـنهض محمـد ويقبل رأس أبو سعيد

يرى نفسه وقد . له بطول العمردعاءنابحسـن الخاتمـة بعـد أن رفض

فعل شيء أو على يعد له مكان او خانة تساعد اكتفـى من الحياة ولم

بعد أن استقلوا وتحملوا مسئولية ،ألبنائه هـو مصـدر أجر .تغييـر شـيء

، وينزع له من آخر الشارعا صغير عـنه وهو ينادي طفال نبـتعد .أنفسـهم

ى حلو .بعـض الحلـوى المعلقـة في حبل متدل على طرف باب الدكان

بطعـم البـرتقال، يغطـيها سـكر هالمـية .قديمـة الـنوع أتذكـرها كحلـم

منها تأخذ. منـثور، تلـذع اللسـان وتثيـر حموضة لذيذة في نهاية الحلق

اليوم ي أبـو سـعيد فـي المرات السابقة، لكن حنجرت زرتكثيـرا عـندما

بالمجازفة والتهام سـعالي المسـتمر بسـبب الدخان لم تسمح لي بعـد

، ي ومنزليئحة قريت إنها تعيد را.قطـع من الذكرى كما وصفها أبو سعيد

ــ ــنت أمضــغها عــندما ي نفســأرىف ــ وأ ك ــناء عم ــي يركــض وراء أب ف

ــزرعتهم ــح مخــتلطة، أشــ .م ــن روائ جار الحمضــيات، وازهــار شــذى م

ما تذكر كلمة محمد عند أ .روث األغنام فسـجية، وبعض من نبالبرسـيم ال

، تلك الروائح المتناقضة خلقت جماال قال أن الجمال هو كمال الصورة

.ش الروح بذكريات الطفولةعطرا ينع

.نا ظل السكوت مخيما على كلي

ي من خوف حول ريـد فـتح نقاش أ .ء عـن دكـان أبـو سـعيد نبـتعد بـبط

، وهي ما ي دائما ريد توضيح نقطة تشغل ذهن أ، التفكير في أمور الدين

. بمظهر الجبان والخائفأبدوجعلني ي

.، وخوفي له أسبابهحسنا أنا جبان -

. ذلكأعلم -

باب ؟تعلم األس -

. بل أعلم أن لكل شيء سبب خاص،ال -

؟هل تقصد أن هناك تبريرات مختلفة لدى كل إنسان -

، "أسباب" أنت قلت .التبريـرات كلمـة تعنـي الـتخلص مـن اإلدانة -

ولــيس هــناك إدانــة تدفعنــي الســتخدام . "أســباب"وأنــا كــررت

.مصطلح تبريرات

؟ألم تنعتني بالجبان -

وهل هذه إدانة؟ -

ترضى أن اصمك بمثل هذا؟ هل .نعم ، إدانة -

ومن قال أنني لست جبانا؟ -

الماء العالقة في الهواء قبل زفيرا ملتهبا يحاول تبخير قطرات أنفـث

.، ومحمد يعلم ان ذلك صحيح الرطوبةنيتخنق. فسهأن أتن

. كلمة جبان ليست إدانةإذا -

صـفة يملكهـا حتى الشجاع، ولو لم يكن جبانا أمام أشياء معينة -

.ناس شجاعتهلما الحظ ال

.عدنا للصورة الكاملة -

حتى .كـل شـيء فـي هـذه الدنـيا مـتكامل، وخلقـه الله بتقدير -

... صـفاتنا التـي نـرفض بعضـا مـنها، الخـوف ، الـبخل ، األنانية

.تذكرت أمرا

؟ماذا -

أمه إنسانة هـل تعلـم أن أنانـية ذلك الشاب جعلت من .األنانـية -

نحه رضى النفس م سـعيدة بـه، وحبه الكتساب األجر الخاص له

أتـرى كيف أن األنانية التي تعتبرها صفة قبيحة .تجـاه مـا يفعـل

.جميلةتخلق أمورا

لكـن الصفات التي نرفضها هي تلك التي تعبر عن .نعـم، رأيـت -

أن كل إنسان جبان تجاه أمر أعترف. ممارستها درجـات ىأقصـ

.معين، ولكن عندما يكون جبانا تجاه كل شيء فهذا سيء

.بانإذا أنت ج -

.نعم أنا جبان -

تناقضـاتنا تخلـق كمال إنسانيتنا يا صالح، والتوازن بينهما متأرجح -

الكمال في . الناس مختلفين بـين شـخص وآخر، وهذا ما يجعل

حـد ذاتـه هـو وحـدة التناقضات وتكاملها في عنصر واحد، وهذا

ألــيس هــو الغفــور . ه وتعالــىأمــر مســتحيل ســوى للــه ســبحان

. هذا هو الكمالالظاهر والباطن ؟ ؟ب شـديد العقـا -والـرحيم

، خلقها الله لتشمل الصيف والشتاء، الحر وهكـذا الدنـيا يـا صالح

.انظر إلى البحر...والبرد ، النور والظالم ، الحياة والموت

علينا حيث يطل إلـى بدايات انفراج البيوت عن زاوية الحارة يشـير بـيده

. من بعيدالبحر

لم . يجول بنظره في المكان من حولهانكـان الحـديث مسـتمرا وكـل م

االنسجام في كل شيء يحيط نااألعين دليل استماع، تعود حركات تعد

تلك تسرق الوقت وتختصر المسافات ناأحاديث. نا مع بقاء االتصال بين نابـ

.والزمان

ويقطع علي قلـيال علـى زاويـة أحـد األسوار، ينظر محمد للخلف، نقـف

.انسجامي بتأمل البحر

.ل هـذه اليابسة نمت على طرف البحر كـ .لح، انظـر وراءك صـا -

، ومع ذلك نغرق في الماء وندفن في ب ومـاء نحـن خلـيط تـرا

إن الحياة تنشأ من المتناقضات، وتزول متى انفرد عنصر . التراب

.وطغى على اآلخر

أصل بنظري إلى إلـى البـيوت المتراصـة على امتداد الشارع حتى أنظـر

.الحظه قبل هذه اللحظة أد منظـرا مختلفا لم شـاه أ .دكـان أبـو سـعيد

غير صمبانـي جديـدة وحديـثة تـتوازى علـى خـط واحد ينتهي عند دكان

،تنهدأ . قبل قليل بالماضي تلقد عبر . مقـتطع مـن زاوية بيت قديم جدا

أشياء .يويـنفلت نسـيم بـارد يـدل علـى الرضـا الـذي يعـتمل في نفس

حياة إلى ى هذه اللحظة حتي يومحولت مـنذ الصـباح يكثيـرة مـرت بـ

ولعـل كـل دقـيقة مضـت كانـت حـياة، بـل كل لحظة هي حياة . كاملـة

.نفتقد اإلحساس بها متى اعتبرناها جزءا يكمل ما بعده

، الجمال والقبح، الماضـي والحاضر ، الشـاب والمـرأة، اليابسـة والبحـر

!الحالل والحرام

بهــذه المســرورةيخاطــب نفســأمــا اكثــر المتناقضــات حــين تعــدها؛

منهك جدا ورغم هذا سعيد نيالحـيوات المتـزايدة بـتعداد اللحظات، إن

.جدا

!! لقد مر هذا اليوم كعمر، محمد-

:موت وميالد

يبدأ أحدهم إن ما .االنـتقام يشـرع أبـواب القلوب لكل ظروف التسامح

ا، وينسى حتى يالمس غرائز إنسانيته بكامل ظروفه لإلنتقامبالتخطـيط

أن الحـب والمغفـرة والطيـبة أجـزاء مبعثـرة فـي طـريق الوصول إلى

.هدفه المدمر

موجود في عقله وال أننيعـندما جلـس سـالم وحيدا في الشقة، أدرك

ها إليه تستمر في بناء ثت التي طالما بث ي أفكار .جسـديا يحاجـة لحضـور

.ولوياته لذلك أعاد ترتيب أ،منطق العيش في هذه الدنيا بشكل محايد

التدقيق في أول خطوة اودت به إلى هذا محاوال شريط الذكريات يعيد

لقـد فقـد الكثيـر مـن صفاته الحسنة منذ أن كاد ينفجر غضبا .المطـاف

وهـو ينظـر إلى سيارة ناصر تقترب، وبعض من أضواء الشارع تكشف

توقفت السيارة عند باب المنزل، وسارعت سارة .عـن ابتسـامته اللئيمة

.نزول لتمر من جانبه وكأنها شبح هارببال

أمـه بهـدوء تشـير إلـيه بأن يستقبل الضيوف، تتعثر خطواته وهو يقترب

نه ويزر بأسنانه لتخرج كلمات تخبئ الغضب يعقد لسا .مـن نافـذة ناصر

يفرح به . مـزيج غـريب مـن المشـاعر يحمله تجاه هذا الصديق .الكـره

لقد . المنـزل وعائلته ،يفـي اجـواء بعـيدة عـن دائـرته الصـغيرة، الحـ

هو يكتشف نوعا جديدا من العالقات هاواقتـرب في هذه المرة كثيرا،

:تربطه بصديقه

.ل؛ حياكم الله، تفضهال ناصر -

سأعود إليك .، لكـن ال بـد أن أعيد نوف إلى البيت كـنت أود ذلـك -

.الحقا

. البيت بيتهادعها تدخل، -

عين الشخصيات المشاركة األجـواء مكهـربة تغذي البريق المتالمع في أ

.في هذا المشهد

يمر ، تفهـم أن مـا حـدث لـن فـي المقعـد الخلفـي تغـرق بـبطء نـوف

التشدد الذي شاهدته في عيني سالم جعلها .بسـهولة علـى تلك العائلة

تمنت لو لم يكن لها يد في هذا األمر، .تـوقن بـأن أمـرا خطيرا سيحدث

. االحتماالت الممكنةطيبـتها وعفويـتها دفعـتها بعـيدا عـن عـرض كـل ف

.مات ناصر التي تنيب عنها في الرد وراء كلتلعن نفسها وتختبئ

واعود إليك الجميع مجهد بعد هذه الليلة يا سالم، سأوصل نوف -

.إن كنت ستبقى مستيقظا

ولكن يجب أن .ال اعـتقد، فلـدي الكثير من المشاغل غدا صباحا -

.ناكم لحيفياه تشرنؤدي بها واجبنا تجتعدني أنت واألهل بزيارة

عـنك هـذه التصـرفات يا سالم، ال حاجة للتعامل مع االمر أتـرك -

.برسمية

.كما تريد -

، كاد قبضـته عـن مـرآة السـيارة الجانبية يبـتعد بخطـوات ثقـيلة ويفلـت

يـرفع ناصـر نافذتـه ويطلق ضحكات .ينـزعها معـه وهـو يعـود أدراجـه

سالم ويشعره بأن باتجـاه اخـته فـي المقعـد الخلفـي، يـزيد بذلك قهر

.ا قد حدثأمرا مريب

المنــزل لترمـي بنفسـها فــوق داخـل كانـت سـارة قـد اتجهــت مسـرعة

لكن منظر سالم . ، فتلحق بها أمها لتهدئها وتطمئنها السـرير وهـي تبكي

ها تشعر بأنها لوحـيد الواقـف على قمة العالم جعل الـذي غـدا كالـرجل ا

.خذلته وكسرت كرامته المتمثلة في شخصها

تطلب منه أمه .نحيـبا خافتا آت من تحت الوسادة يسـمع ء،خل بـبط يـد

بهذا السوء هيشعرلم يحدث أي شيء .الخـروج، لكـنه يلـح على البقاء

تجـاه مـا حـدث، لكن مجرد تواجد ناصر وأخته في حيز صغير كالسيارة

أثـار فـي داخلـه الغيـرة، تلـك التـي بعـثت فيه قبيلة من الرجال وأحيت

. من الدمار كان يشيع بين القبائل لمثل هذه األمور ا غابراتاريخ

سارة، سارة، لماذا تبكين؟ -

تعال ألخبرك بتفاصيل هذه .ال شـيء يـا ابنـي، مجـرد دلع بنات -

.السهرة الجميلة

.أخرج حتى تحدثني سارةلن -

اجهادها . اكثـر من ذلك ئتخـرج األم ممتعضـة، لـم يعـد بـيدها أن تهـد

م وترك األمور لتجري في سياقها المقدر ها على االستسال وتعـبها حمال

.لها، وسيكون لها موقف متى حان الوقت المناسب

تمسـح دمـوعها وتبتسـم مسـرعة فـي اطـالق سيل من ،تلـتفت سـارة

.الكلمات الممتزجة بالفرح والغبطة

.لقد وجدت لك عروسا مناسبة -

.وهل هذا يجعلك تبكين -

ان ذلــك أعلــملقــد انحــرجت مــن قدومــنا مــع صــديقك، ألننــي -

.يزعجك

ضايقك؟هل تصرف هذا الشخص بأي أمر -

. ال ، ال ، ال -

تكـرر ذلـك وهـي تعلـم جـيدا انهـا لـو كـررتها ملـيون مرة فلن يصدقها

غيـرته تفـتح كـل أبواب الشك في قلبه، وتمأل عقله بالكثير من .أخـوها

يلتقط التفاصيل البشعة من كل اخبار . اخته ضحية تصورالمشاهد التي

كـم مــن مــرة ســمع بــأن . واألحاديــث الشــائعة بــين الشــبابالمجـتمع

غني أحـدهم راود أخـت صـديقه، وكـم مـن مـرة سـمع عـن شـخص

قصـص المجـالس لم تعد تخبر عن . اسـتغل فقـر إحـداهن ليغـرر بهـا

ــر.شــيء جمــيل ــأل، والفســق، العه ــث ت والفجــور، م ســطور األحادي

ومن تنكر، الكل يدين ويس .المتـبادلة في كل مجلس يجتمع فيه الشباب

تجاربـه الخاصة كدليل على صدق ما يتحدث عنه، ناسيا انها ثـم يضـيف

.دليل يدين مشاركته فيما يحاول إدانته واستنكاره

يني من هي تعيسة الحظ التي اخترتها لي؟أخبر. حسنا، حسنا -

.نوف أخت ناصر -

!حكا، هل من الممكن أن يكون القدر أكثر سخرية من ذلك اينفجـر ضـ

يـريد إدانـته بكـل وهـم يجـول في ذهنه اآلن، أصبح هو الـرجل الـذي

هي اخت ناصر تصبح موضع نقاش وكشف هـا .المقـتحم لخصوصـيته

لم يفكر لماذا ومم . لالنـتقام بدأت منذ هذه اللحظة إذا امامـه، فرصـته

والوهمية لحالة تواجد ينـتقم، ال شيء حدث سوى تراكم الصور البذيئة

.أخته في سيارة ناصر

؟يلةهل هي جم -

.، ولكنها جميلةلن أذكر لك تفاصيل مالمحها -

.أخبريني بأدق التفاصيل عن جمال وجهها وجسدها. ال -

كما ان أمي ! اعـوذ باللـه يـا سـالم، هـل تـريد أن افضح سترها -

.ستغضب لو عرفت

ولن أخبر . ال حرام في ذلك األـيس الموضـوع بهـدف الـزواج، إذ -

.، سيظل األمر سرا بينناأمي بشيء

خيل امها هناك تتربص بكل ، تتالمـوارب ارة إلـى بـاب الغـرفة نظـر سـ ت

يتمسـكن بأبسط .أمـام سـالم عـدم ذكـر النسـاء اعـتدن لقـد .كلماتهـا

تعالـيم الـدين التـي خلـت منها ظروف المجتمع، فغطاء الوجه الخفيف

.والعباءات الضيقة جعلت من تفاصيل النساء أكثر وضوحا

، ثم يـتجه نحوه ويقفله . بالـباب تـين يلـح سـالم ويالحـظ عينـيها المتعلق

.يعود إليها يطلب منها البدء في ذكر كل ما رأته

بـدأت الصـغيرة تسـرد مـا شـاء لذهـنها الـتقاطه، وتصـف بكـل طريقة

تذكره بصور الفنانات، . في ذهن سالم وتوضحهاممكنة لتقرب الصورة

تصف جسدا خياليا .تخـتار فـم إحـداهن وعينـي األخرى وشعر األخيرة

. ى ناضجةألنث

.ت نوف تتجسد في عقل سالم تدريجيابدأ

.حلم مستحيل التحققفـي لحظـات أصـبحت هـدفا النتقام يحل مكان

يراجع حالته، .تفاجـئه نظـرات سـارة، إنهـا تسـتغرب شيئا ما في وجهه

لقـد كانـت ابتسامة الظفر تنسرق من بين شفاهه، وغرائزه السيئة تثور

يرمم هذا المنظر لن نخوة وشهامة، يستجمع ما بقي لديه م .فـي عينيه

. أزت منه سارةالمقزز والذي اشم

. اذهبي للنوم، وغدا نذهب لخطبة نوف.ال بأس، هذا يكفي -

.ال تسخر مني -

؟لماذا اسخر منك، أال تريدين مني أن اخطبها -

؟نعم أريد واتمنى، لكن هل سيوافقون -

.عليك ناصر صديقي وسيفرح بالموضوعال -

صدقت كلمات .تغلـف عقـل سـارة بالبراءة والعفوية مازالـت الطفـولة

ممكن جدا، وشـعرت بأن المستحيل الذي تحدثت عنه امها يوما ،سـالم

ها العزيز ي لقد اختارت ألخ. أسـعدها هـذا الحوار .ومـن السـهل تحقـيقه

.ي حضرن إلى الحفلة في تلك الليلةافضل النساء اللوات

يدفعه ما شيء .ا حصل ويفكر مليا في كل م يخـرج سـالم، يفرك ذقنه

إلـى السـعي وراء انـتقامه الوهمـي، كوسـيلة دفـاع عـن فشل تحقق

إن لـم يكسـب نـوف، فخسارتها تكسبه المعركة مع .حلمـه المسـتحيل

.ناصر

مداهـنة ذلـك الصـديق وإخفاء كل مظاهر هـي خطـواته ىكانـت أولـ

دة االقتراب يحتاج إلى فتح سبل جدي .السوء التي تراكمت منذ تلك الليلة

.من التواصل، وسائل كان يحرمها على نفسه جعلتها الضرورة مباحة

يوما يتجرأ لكان هذه الخطوة ما .بعـد اسـبوع يتصـل بناصر على منزله

ذلك تعود الجميع ، ل يعلـم أن نـوف سـترد علـى الهاتف .علـى اتخاذهـا

. االتصال على هاتف ناصر المحمول لتجنب االحراج

.السالم عليكم -

.سالموعليكم ال -

؟كيف حالك نوف -

؟من معي -

.أنا سالم -

كـيف حالك انت وكيف حال .، انـا بخيـر وللـه الحمـد اهـال سـالم -

؟خالتي ام سالم

.الجميع بخير ولله الحمد -

وسارة ؟ -

.ليلة الحفلة لم تر غيرك اتتحدث عنك باستمرار، وكأنه -

اللـه يسلم قلبها، لقد أحببتها أنا أيضا لدرجة أنني اتمنى لو تسمح -

. بزيارتنانهل

.بالتأكيد سيحدث هذا، يكفي أن هذه الدعوة منك يا نوف -

ن؟جميل جدا، متى ستحضره -

ن حاضــرا فــي ، وســأكون واالتفــاق معهــنيمكــنك االتصــال بهــ -

.الخدمة

.حسنا سأتصل بخالتي أم سالم غدا -

؟أين ناصر -

؟الم تتصل به على الهاتف المحمول -

ان من المفروض أن ك. عقلهاوأضـاء هـنا فقـط تـوقفت نـوف للحظـة

. حوار لماذا اتصل على هاتف المنزلتسأل سالم منذ بداية ال

.حاولت ولكنه مغلق وال يمكن االتصال به -

. في المنزل، ربما كان في المزرعةاليس موجود -

.حسنا، اخبريه بأنني اتصلت ابحث عنه -

.، وفرصة سعيدة يا سالمإن شاء الله -

.بالعكس أنا األسعد يا نوف -

لقد بدا بعكس .أشعرت نوف بالغرابة تجاهه الكلمات بطريقة لكتقال

لـم يكـن متشـددا، ولـم يشـعرها بذلك، بل غمرها .مـا يصـف الجمـيع

تركيـزه على الكلمة األخيرة جعلها تحكم عليه باألخالق ال أكثر، .بلطفـه

.وهو على الطرف اآلخر مد أول طرق الوصول إليها

ليصـل بـه المطـاف إلـى حـيث بــدأت ، تتسـارع بـه األحـداث فـي توتـر

لـم يكـن أحد منهم يتوقع أن يصدر مثل هذا األمر من . صـداقته بناصـر

، أو من "زلجياالمغ" و"المستهتر" قـد يحدث من سامي .سـالم بالـذات

. ناصر المغرور واألقل اعتبارا للقيم والعادات

عبــرات خشــنة تجــرح ،يرمــي بــوجهه بــين يديــه، يبكــي بصــوت أجــش

استحالة وتأكـدت عر بـوحدة مـؤلمة، لقـد تحطـم واقعـه يشـ .حنجـرته

ني يطل عليه مؤنبا، يحسبييحـتويه ظالم الغرفة ويشعر بوجه . أحالمـه

ضجيج مشاعره بيغوص . ضـميره الـذي يسـتغيث داخلـه طلـبا للمغفرة

. من روعه ومهدئامطمئنا لهي يحتضنه فراشفويغرق في اآلمه،

يع في عشوائية األقدار يضكـيف يمكـن لإلنسـان أن يـنطلق مـن ذاته و

لم يكن . ، ليصـل بـه المطـاف إلى نهاية تجعله كبش الفداء كمـا يعـتقد

مازال ينظر إلى .امـى بـه أفكاره ليصب في صناعة قدري يـتوقع أن تتر

جميع األشخاص الذين بدأ بهم .الـوراء، يـراجع كـل األحداث ومسارها

حتى هو ، سارة، ناصر .رسـم خطـته تسـاقطوا تدريجـيا دون وعي منه

.نفسـه، كانــوا عتـبات صــغيرة دفعــت بـه باتجــاه اكتشـاف لــم يــتوقعه

لم يكن ما يدفعه كرهه .التسـامح تجلـى كالفجـر بعـد ألـف ليلة حالكة

لناصـر، أو سـعيه لالنـتقام مـنه، ولـم يكـن أيضـا دافعـه الفـوز بـ نوف

لقد سقطت ثوراته .في حياتهوالحصـول على شيء من المتعة الغائبة

دما اكتشف انه يحارب ظروفه، ويمارس ضدها الكره لكونها الكبـرى عن

يـرفع يديه إلى السماء يطلب سرا عفو ناصر، . اخـتارته هـو دون غيـره

ويعـتذر إلـى نوف، ويعد سارة بأن يعود إلى كمال الصورة التي تشرق

هـذه هـي أطـالل ذلك القلب الذي بناه على مشاعر . فـي عينـيها عـنه

ساحة الشاسعة من الغرائز تقلصت لتعود إلى تلك الم.الكـره واالنـتقام

أحداث تجربته دفتري هاهو يمسك بالورقة ويكتب في .أصـلها الفطري

الدنـيا التي كان يعتقد أنها السعي من أجل الرزق .األولـى فـي الحـياة

. قيقيةفقط، المست للمرة األولى معاني الحياة الح

/عزيزي صالح "

، فقط ل عني وال تستغرب مني ءسافـي هـذه الصـفحات القادمة، ال تت

، ورأيتها من خالل لقـد اقتحمتنـي الحياة .اعتبـر اننـي ولـدت مـن جديـد

اسمك كاد .عينـيك، ليشـاء القـدر أن أشاهدك حاضرا في آخر المطاف

وقبل أن تسأل من هي المقصودة، سامحني .ينفجـر لـذة علـى لسانها

ي، وتقبل مني علـى كـل التفاصـيل السيئة، وتجاوز بالمغفرة كل أخطائ

؛ ولذلك أرضا للمعركة، وانتم أبطالها فلم اكن سوى .هدية اقتحام قلبك

النصر ن إعال ويظل ،لك نزفت فرحا . لن أحمل منكما سوى آثار الجروح

.ا بكماالهزيمة مرهون أو

وفاجأتني . صـالح لقـد سـافرت إلى دبي، ألجدك قد سبقتني إلى هناك

ء، وتذكر أن سالم مات ليعود إقـرأ بـبط .بحضـورك الـذي افـتقده اآلن

".ويولد للمرة األولى في هذه الصفحات

:أغنياء يستغيثون

نظـرات جديدة تطل من عيني ناصر، لم يكن بمثل هذه الريبة تجاه أية

يعيش في عالم آخر ال عالقة له بكل ما . هذا المنزل تجري في أحداث

على شاربه المهذب يمسـح .مـنذ أن تفـرقت بهـم الـدروب يمـر بعائلـته

بـنعومة ويخـتطف لقطات سريعة من وجه نوف الجالسة بصمت أمامه

تبدو هادئة وكأنها ال تعلم .تمسـك في يدها كتابا وتقرأ بانسجام وتركيز

بمـا يـدور في ذهن ناصر عنها، ولكن الفتيات تعلمن كيف يبقين مالمح

صر ال تعلمـت نوف أيضا أن نا .الخـوف بعـيدة عـن متـناول المتطفلـين

يتجـرأ على التحدث بخصوص كل األحداث الماضية مالم تسمح له هي

.هي تتجاهله فيما تلـو األخرى يـتابع اسـتراقه للنظـرات واحـدة .بـذلك

هـل كـان من الممكن ان يقدم :لءوبعـيدا عـن سـطور الكـتاب تتسـا

؟القتل من أجل أختهناصر على عمل عنيف ك

وســيقية تشــير إلــى أن صــوت رنــين الهاتــف المحمــول بــنغمة ميــرتفع

ناصر يكشف المتصلين عليه من خالل تصنيف .المتصـل شخصية ناعمة

الــنغمات التــي تصــاحب اتصــاالتهم، حتــى أنــه اخــتار صــوت صــفارات

. رطة كنغمة تصاحب اتصال أمه وأبيهالش

ينتقل إلى الغرفة المجاورة وهو يتمتم بحنان ورقة مع المحافظة على

. إلى أحد أصدقائهضمير المخاطب وكأنه يتحدث

تبتسـم نـوف وتشعر أن ناصر ما كان ليفعل أي شيء تجاه سالم وهو

. تجاه أخوات وبنات أشخاص آخرين ظع وأشنع الـذي يمـارس أمـورا أف

. لهاا كم وجهمتأملةتلـتقط صـفحة مـن الكتاب وتظل تقلبها أمام عينيها

ال وجهـان اثنان على صفحة واحدة، كل وجه يسرد كلمات مختلفة، وجم

كذلك هي . بمعانـي مـتفاوت، ولكنها جميعا تشكل كتابا له معنى واحد

.األحداث في حياة كل إنسان

ماذا لو أن ناصر ).جرائم الشرف (ؤل مخيف عن يخطـر فـي ذهنها تسا

ويحملها هذا ..وصـل لحـد القـتل مـن أجـل الحفاظ على شرف أخته؟

بة تثيرها مع ل نحـو فكر متسلسل من التحليالت واألسئلة واألجو ؤالتسـا

:عقلها

لماذا أصبح ؟لقـد قلـت شرف أخته، أليس هذا الشرف ملكي أنا -

كل ! حتـى في أفكاري وداخل ذهني يمـن السـهل انتـزاعه منـ

الـرجال يدافعــون عــن شــرف نسـائهم، وتصــبح المــرأة إضــافة

مـاذا لــو أردت أنـا أن اتخلــى عـن هــذا .مجازيـة لصـفة الشــرف

مـاذا أظل حبيسة هذا ل ؟الشـرف وأقايضـه بسـعادتي وحريتـي

الشـيء الـذي تفقـده الفتاة بسهولة ويظل الرجل محافظا عليه

وماذا .. )حمل عيبه في جيبه الرجل ي (مهمـا اقتـرف من أخطاء؟

حتى أن لون أتحمل العار في كل طيات مالبسها، .. عن المرأة؟

بـنطالها ذات يـوم كـاد أن يجعـل مــنها فاسـقة ألنـه لفـت انتــباه

!!أحدهم

يكـاد يلـتقط مالمـح التفكير على وجه نوف، . إلـى الغـرفة يعـود ناصـر

.لكنها تتدارك ذلك وترفع نظارتها وتعود للقراءة في الكتاب

، وال تعلم أن هذا االسم يشغل )صالح(بـين كل كلمة وأخرى ترى اسم

يتذكر .تـه أخته بما يعني لها هذا االسم أذهـن ناصـر أيضـا مـنذ أن فاج

العـوائل وكـيف أنه استعجل االستنتاج كلمـات سـامي عـن الـزواج بـين

أن صالح يخطط ول هل من المعق .وفضـح أمـره أمـام ذلـك الصـديق

؟للزواج من أخته

ظـل هذا الهاجس عالقا في ذهن ناصر منذ أن اقتحم تلك الخلوة على

عندما تصادم مع سالم ليجد ،سـالم ونـوف في أحد المقاهي في دبي

.ضرنفسه أمام أخته وصديقه وآخر غائب حا

!!تتهور بفعل شيء انتظر يا ناصر ال -

كـان حيـنها يمسـك بثوب سالم ويشده نحوه، واألخير يبتسم وينظر إلى

. نوف على الطرف اآلخر من الطاولة

أنت يا سالم، أنت ؟ -

؟ولماذا ال أكون أنا، هل انا أقل من أن أجلس أمام أختك -

.أنت صديقي -

.وماذا فعلت لكي تمسك بي هكذا -

.تي أيها الوقحتجلس مع أخ -

ربمـا لـو كـان شـخص آخـر غيـر سالم ما انتفض ناصر بهذه الطريقة ،

لكـنه يـرى أن سـالم أقـل مـن أي يحـق له هذا ، وبعد معاشرته لمدة

طـويله فهـم ان سـالم يعتبر هذا األمر معيبا وملطخا بسوء النية ، لذلك

.ألبسه ناصر نفس الرداء الذي كان يحيكه لآلخرين

يحافظ .ر ويعصـرها وينـزلها بعيدا عن ثوبه ناصـ يمسـك سـالم بـيد

.على ابتسامته، ويلتفت إلى نوف المفجوعة من هذا الحدث

.، ناصرناصر -

. ايتها الحقيرةاخرسي انت -

حسبت أن أخاها .ها وتخرج من المقهى بعيدا عنهميتلمـع دمعة في عين

د تبتع. زرع فـي صدرها عبرة سامة ستنتزع روحها متى انفجرت بالبكاء

.ذيال موقف لم يكن لها فيه أية يدوهي تجر أ

يالغريب يا ناصر أن قهرك هذا كان سيفرحني ويسعدني، ولكن -

.سأخبرك أمرا مهما

.معي، وسأعلمك من هو ناصرال تتحدث -

ولكـن يبدو أنك خسرت كرامتك منذ ، لـدي شـيء أخسـره لـيس -

.زمن

يده في يد يهـم بصـفع سـالم، ولكـن للمـرة الثانية تخونه قوته وتعلق

يـتلون وجــه ناصــر .سـالم الــذي يجعلهـا كــيد طفـل صــغير تـتلوى ألمــا

ــة جأشــه، و ــى رباط ــة عل ــاول المحافظ ــم ويح ــديقه يعل ســالم أن ص

.الضعيف قد ينفجر باكيا في أي لحظة

بإمكانـي يـا ناصـر أن اضـربك هـنا حتـى اجعـل اسـنانك تختلط -

، الفعـل أنـا مـن أخطأ واستحق العقاب بأنسـجة فمـك، ولكـن ب

. أريدك أن تعرف أمرا مهماو

.افلتني أيها الحقير -

. واسمعني جيدا،ال تتحدث بكلمات أنت األقرب لها مني -

-

لم يعد لدى ناصر خيار آخر سوى االستماع، ألن الناس في المقهى

ينتـبه سـالم لذلك ويسحب ناصر معه للخارج .بـدأت تـتجمع حـولهم

في عينيه كافية مـن الجمـيع عـدم التدخل، والنظرة الشرسة طالـبا

لـتجعل كل شخص يفكر اكثر من مرة قبل محاولة افالت ناصر من

.يديه

وإذا أردت أن تفعل أي . مـن أن تـتهمها بـأي أمـر أشـرف اخـتك -

ويالـيت ان لديك نصف ما . شـيء بـي فاتـركها خـارج الموضـوع

. لدى اختك من اخالق وعقل

. بحجمك متى عدنا إلى الوطنوسأعلمكاتركني اآلن -

ألنني بكل بساطة استطيع . عـدنا لـن تستطيع فعل شيء متـى -

الحياة واتخلص من كل اترك هذه حتىاعتـبارك مبررا كافيا لي

. واعتبرني أنا من سامحك هنا وغفر لك. هذه التعاسة

يبدأ ناصر بالتحرك جيئة وذهابا ف. يتـركه ويـتجه إلى الشارع بكل ثقة

التي تتأجج في مـن الـنار ئيسـتجمع شـجاعته لـيفعل أي أمـر يهـد

لعله لم يستطع فعل . يفكر جديا بالذهاب إلى نوف وضربها .صدره

قليال من ئشـيء تجـاه هـذا الوحش الهمجي سالم، لكنه قد يطف

رجولته .ثـورته بضـرب اخـته التـي كانـت حاضـرة في هذا الموقف

علـى المحك، وفي داخله طفل مدلل يخاف من كل محاولة اشتباك

ــيات مظاهــر الفحــولة ا.جســدي ــبادية فــي جســمه وصــوته كمال ل

يسـتخدمها الجتذاب الفتيات نحوه، لكنها ال تنفعه متى حانت لحظات

. بين الذكورعالصرا

يـزداد الحقـد في قلبه، ويتسلل القهر ليجعله يعيد التفكير في نفسه

تلك اللحظة،هي نوف أمامه كما كانت في ها .متذكـرا كل األحداث

قريبا منها هويقفبيـنما وجـوده، اهلةمـتج تقـرأ بهـدوء لكـنها هـنا

مـازال منذ ذلك الحدث يهم بالهجوم . يـتمعن كـل تفاصـيلها الجمـيلة

.عليها وتكسير كل مظاهر التماسك التي تحيط بها

مرة أخرى ويعود للغرفة تعود النغمة للرنين، يأخذ هاتفه المحمول

الحـنان يـتدفق مـن كلماتـه، ونوف تسمعه وتستمر في .المجـاورة

في عالم غارق ها ألنه االتفكيـر كـيف أن الشـك ال بـد أن يصيب أخ

، ب الفتيات بعيدا عن أعين عوائلهم يسـرق قلـو فهـو .مـن الخـيانات

. اللذة والمتعة واألحالم هدايام، ويوزع األحال يـوهمهم ويرمي لهن

. أن يشك بكل فتاة أخرى، حتى أخته عليه إذنمن السهل جدا

.)وإن زدت زاد السقا (ب األمثال الشعبية تتذكـر كلمات تتردد في قال

تتحول و، خـرجت لتمنع الشباب من التحرش بالفتيات حادثـة قديمـة

فهو . يشعل الشك في قلب كل رجل خائن فـيما بعد إلى مبرر كاف

يد ويـزيد ويصـبح السقا وحشا اسطوريا يطارده في كل خطواته يـز

.ويخنق هواجسه ويسجنه في الريبة تجاه اخته أو زوجته

تـريد أن تقتل هذا التوتر فـل الكـتاب وتهـم بالدخـول إلـى ناصـر، تق

تعلمـت أن إبقـاء األمـور تحـت سطح هش من الهدوء .بالمـواجهة

ومن األجمل أن .يجعلهـا تتـراكم لتنفجـر فـي ظـروف غيـر متوقعة

يسـارع اإلنسـان إلـى التخلص من كل المسائل الشائكة متى حلت،

ة لـن يسـتطيع التنبؤ بالقدر ألنـه إن تأكـد مـن ظـروف هـذه اللحظـ

.وكيف يمكن لألمور أن تنساق إلى أسوأ النتائج

تقتـرب مـن الغـرفة المجاورة حيث يجلس ناصر، حتى تجده إنمـا

على حد .يقـف أمامهـا وفي عينيه نفس النية التي عزمت هي عليها

الـباب الفاصـل بـين الصـالة والغـرفة يقـف االثنان وكأنهما يتقابالن

في منزل واحد ضمن عائلة يعيشان . بمثل هذا القرب للمرة األولى

واحـدة، ولكـن وفرة المال زادت من اتساع الدنيا حولهما وجعلتهما

.يبتعدان كثيرا عن بعضهما

ماذا؟ -

.أريد التحدث إليك -

.وأنا ال أريد التحدث إليك أبدا -

أخبرني هل تكرهني لهذا الحد .ناصـر، أنـت بحاجـة للتحدث إلي -

؟ت منه تجاهيرغم كل ما تأكد

.ال أكرهك وال احبك، أنا مرتبط بك غصبا عني -

. بناالمحيطوأنا كذلك، ولهذا يجب أن نتخلص من كل هذا التوتر -

.ارجوك ابتعدي فلدي موعد مهم -

.يبدو أنه موعد مع شخص ترتبط به باختيارك وليس غصبا عنك -

يل ا الصغير يطير وشعرها الطو هيلـتفت إلـيها بصفعة قوية، تجعل طوق

.يغطي وجهها المنكس إلى الجهة األخرى

بلطف له تـرفع رأسـها بـبطء وتنظر إليه وهو ينتفض في مكانه، تبتسم

عيناها تنطق بحب تجاه . ك يده وتضعها على خدها حيث صفعها وتمسـ

هـذا األخ لـم يـره مـن قـبل، وابتسـامتها تخلـق فـي صدره أمواجا من

تجمد الدم في كل ي.الحسـرة تجعلـه يقـع فـي قـاع سـحيق مـن الندم

نوف بدمعة عالقة على .أقدامـه المنتفضة عن التقدم وتعجـز أطـرافه،

جفـنها الـناعس تطـبطب علـيه، تهمـل كل شعورها بالضعف واالنكسار

ها يوتجـده هينا بالنسبة لها كأنثى مقابل كل انكسار وضعف رأته في اخ

الـرجل الذي وجد نفسه في موقف المهزوم عندما حانت لحظة الدفاع

.عن شرف أخته

صفعتك هذه تمنيتها منذ . أخي وكرامتك هي كرامتي أنت، ناصـر -

لكل غضبك متى عجزت ملجأ اجعل من وجهي .بدايـة األحـداث

عن مواجهة العالم، ولكن ال تقهر نفسك وال تتركه يأكل رجولتك

!ا أنت وليس لي في الدنيا أخ غيرك أحبك كم.وعزتك

يـريد أن يضـمها ويبكي على .يسـتمع لهـا وفـي فـؤاده شـوق لحضـنها

، تعتني به دومـا هـي األم التـي كانـت مـتواجدة فـي جـواره ، ف صـدرها

عبرات .يهتـز ذقـنه ويـتجعد الجلـد حول فمه . وتـنقذه حتـى مـن نفسـه

وشوق لصدر أمه .يد االنطالق حرة مخـنوقة تعتصـر مالمـح وجهـه، تـر

تبحث تتمـثل أمامه في نوف منذ أن غادرت امهما عالمهما ل ظلـت التـي

يشاهد نفسه محتضنا نوف بشدة وهي تصم أذنيه .عـن حياتها الخاصة

كيف احتوته ويتذكـر ، وطء الجـدال الـناري بـين والـديهما لـتخفف علـيه

). الطالق(عندما ثارت في الجو كلمات

. أقبل يدك ال تظل هكذا مخنوقا أمامي. رد علي.ناصر، كلمني -

وي تمخره رياح بارده تقـبل يـده وتحضـنه ويظـل جامـدا كالجـذع الخـا

أخــته، إنــه فــي أمــاماآلن ال يقــف هــو .وتشــعره بالــوحدة واالنعــزال

يعيد كل شريط حياته التي خلقت منه رجال هشا مهمته .مـواجهة نفسه

فـي الدنيا لملمة المظاهر يبني منها منظرا جميال أساسه هيكل ضعيف

ملها في لية التي ح و، أين المسؤ أيـن كان كل هذه المدة . ئمـن المـباد

.لحظة بعد أن أهملها عمرا

.اتركيني -

ارجوك يا ناصر، لن اغفر لنفسي ان خرجت اآلن .، لـن اتـركك ال -

لقد . هنا، ولكن ابق اقتلني.ابق هنا، افعل ما تريد. بهـذه الحالة

. ليس لي في الدنيا غيرك.خسرت أبا وال أريد أن أخسر أخا

نت دوما أن يمثل ناصر نـوف التـي مـألت خانـة األم في هذه العائلة تم

بـزوجته الجديـدة واعتبر أن المال غـرق فـي اإلهـتمام دور األب الـذي

حاولت مرارا وفي أكثر من مرة أن تجعل . هعـنه في حياة أبنائ يعـوض

هـو يصـحو مـن غفـوة العبث وهـا ،ولية تجاههـا ؤناصـر يشـعر بالمسـ

.ويصبح رجال تمنته في غير هذه الظروف

!اتركيني اآلن -

يقود بأمنية موت تظهر .ه مـن بـين يـديها ويخرج من المنزل يسـحب يـد

تكره ما . نـوف على النافذة تذرف دمعا تعاقب به نفسها .فـي سـرعته

لـم يعـد يهمهـا سـوى أن تـتحمل كـل الجرم، ألن القدر لم يعد .فعلـت

من السهل . يقـدم لهـا التبريرات الكافية لتقنع نفسها بصحة ما قامت به

ــيها أن تصــبح هــي ال ــون الضــحية عل ــى أن تك ــرمة عل ــحايا .مج فالض

إذ يسـتمرون بالعـيش فـي لـوم مستمر للقدر الذي اختارهم دون إذن،

قـتحم علـيهم هـدوء حـياتهم لـيجعلهم فـي لحظـات األقـل حظـا من ي

فـي حـين أن المجـرم حـين يقترف ذنبه يرى في نفسه أداة .اآلخـرين

كبش .لضحيةاسـتخدمها القـدر وجعلهـا تمارس تغيير معالم حياة تلك ا

في ةعالقتبقى الفـداء دائمـا يـتجه إلـى نهايـة معلـومة، واما الضحية ف

وإلى أين هي بالتحديددائـرة مـن التساؤالت حول الحظ والقدر ولماذا

. المطافاسينتهي به

، تبرد أوصالها. وفـراغ كبيـر يمـتص روحهـا إلى الخارج ،تشـعر بالـوحدة

تشتاق ئ ذكرى صوت داف يتسرب إلى ذهنها .ويـتجمد الدم في عروقها

، يطـل مـن الزجاج الخلفي لسيارة ناصر طيف وجه تعرفه .للجـوء إلـيه

ه صالح الكائن المختبيء في وعيها، إنـ . يبتسـم لهـا وتشـعر بالطمأنيـنة

تحافظ عليه .تخفـيه كي ال يصبح عذابا آخر يضاف إلى كل حظها العاثر

تتجه .طرابكصومعة سرية تلجأ لها سرا متى ما شعرت بالخوف واالض

للمـرة األولى تجد نفسها . بسـرعة إلـى الهاتـف وتتمنـى أن يـرد علـيها

بحاجـة إلـى رجـل يحـتوي كـل ضعفها ويحملها بعيدا عن كل هذا األلم

ترتجف على وتحـس بكل خاليا جسمها أعماقهـا تصـرخ فـي .والحـزن

)أين أنت يا صالح ؟: (أصداء هذا االسم

:على الجسر دون اتجاه

كثيرا ما تحمل عالمات اليوم إشارات .هـذا الصـباح بطعـم النهاية ل يطـ

ــى األر ــوقت، خفــية ترســلها إل ــع ال ــا م ــنا نهمله ــنا دون ف واح، لكن ــر ب تم

.اإلستفادة منها لتوقع األحداث القادمة

تذكر العرب القدماء كيف كانوا يتطيرون ويفهمون من وأنا أ بـذلك أفكـر

. دد حبات الرمل حيث يعيشونحركة الرياح حظوظهم التي تنتثر بع

خضتهال عن كمية التجارب التي أتساء. لـدي شـعور بـأن النهاية تقترب

يادر بالفكرة، ولكن أبكن مغامرا أ لـم . الماضـية خمـس سـنين الخـالل

. الفرص المشرعة في مغامرات من حوليلتقط أ بقيت

حـرية االتصـال بما حولها من تفاصيل يتـرك لروحـ أ ي، ولكنـ أتطيـر ال

خطط لجدول هذا أ مستيقظا بقيت ، مـنذ لـيلة الـبارحة أنـم لـم . لحـياة ا

بهذا المجنون يعتبر هذا اليوم هو آخر مراحل عالقت أ .الـيوم مع محمد

ئق تمر ثقيلة بقدر ما يحمله القدر من غياب نتظر الدقا أاسـما ووصفا، و

. عن هذا الصديق

نهاية عود إلى هنا في أ سـ .وجهـزتها للـرحيل ي أغراضـ ت قـد رتـب كـنت

في اسي لي آخـر فصـل در ئـدا حـيث نهايـة غـادر عا أ و آلخـذها الـيوم

شعر أ .ي مـرت فتـرة الدراسـة كحلم بسيط خالف كل توقعات .الجامعـة

ال . ي عنها خالل بعد يبالسـوء تجـاه مشـاعر القلـق التـي عانـتها عائلت

وليس كما ، االعتـراف بـأن المـتعة غلفـت كـل تلك المرحلة ييمكـن لـ

فـي القـرية، الغائـب يحمـل فـي جيوبه دعاوي اربـي ي وأق يعـتقد أهلـ

ربما هم أولى .التوفـيق ويعـيش فـي وفـرة مـن الشـفقة تجـاه حياته

لم تتوفر لهم نفس مساحات الحرية ففـي المجـتمع هناك بـذلك منـي،

في يتا رغب حتـى أنـه تبعثر وهو يحاول اشباع يتمـدد فـيها عقلـ التـي

ببعض يت غرق كثيرا واكتف أ لم .مالمسـة كل مظاهر الحياة في المدينة

سـتطيع دفـع قـيمة الـتعود علـى مـثل هـذه أ ال نـي عـرف أن أ. الـتجارب

ستقر في كنف عود أل أ حين القادمة يوفر آلية العادة لمرحلت أياة، و الحـ

، مليئة باألحداث والمغامرات تلـك السنوات ذاكرتـي مـرت فـي .يأسـرت

من طفولعلـي أقت . جنـي ثمـرة كـل هـذا الصـبر أوقت لكـي وحـان الـ

سـردها يــوما علـى أبــناء المتــنوعة ثمـار الحكمــة، أل يشـذرات عالقاتـ

فرصة الخروج م كأحد أبطالهم الذين اتيحت له ي الملتفـين حولـ يقريتـ

ون عنه في الجرائد ويشاهدون ؤ عـالم خيالـي في نظرهم يقر باتجـاه

المنظر ال يعلمون أن .تسـطع علـى شاشـات الـتلفاز مظاهـره الـزائفة

ــبدو جمــيال لغــياب التفاصــيل ف، عــن بعــددونهيشــاه حــين يخــدعهم ي

كذلك الجبل الذي مثل أمامهم رجال يفتح ذراعيه للقادم تماما .الصـغيرة

، وحـين نقتـرب منه يصبح ذلك الحضن الواسع مكانا مـن خـارج قـريتنا

. الضواريخلفتهاعظام الطرائد التي بمليئاموحشا

كان .ما إلى سفح الجبل ه يو تتذكر سائحا صاحب أبتسـم لهـذه الفكـرة و أ

صابه بعض من اإلحباط أيلـتقط الصور خالل اقترابه، وعندما وصل إليه

:

! قبيح جدا يا صالح هناالمكان -

؟وماذا كنت تتوقع -

!مليئا باألساطيرعالما سحريا -

في هو ثابت .ذا الجـبل أن يكـون قبـيحا أو جمـيال لـم يقصـد هـ -

إذ أنه .ي خيالكتراءى لك فأفكـارك صـورته كما لكـن مكانـه، و

ربما لو . يكن يوما رجال يفرد ذراعيه ليحتضن القادمين نحوه لـم

.حباطتخيلته وحشا يحذرك بعدم االقتراب لما أصبت باإل

اآلن تقول لي هذا؟ -

ن عبر الطريق باتجاه وحملها العابر فكـرة سائدة "عقلـك اتـبع " -

مسـاعد الـذي يرعى إبله على مشارف اولـو سـألوا ابـ . المديـنة

دد بخنق كل من لقـرية ألخبـرهم أن هـذا الجبل كان حارسا يه ا

.يقترب

السـائح يسـتعرض الصـور علـى الكاميـرا الـرقمية، لـيجد أن هــذا أخـذ

.الوصف هو األقرب، وأن خياله اتجه فجأة ليطابق حديث صالح

!نعم هو بالفعل كذلك -

أبو مساعد كان سيخبرك أن هذا . لـك ولكننـي كنت اكذب أعـتذر -

. القرية للقبلة لوقوعه في اتجاهها فقـط دلـيل أهل الجـبل هـو

، ليقلــبها باتجــاه يلــتقط وجــوههم الضــائعة فــي الصــحراءكــان

وكل ما رأيته وتخيلته . هو بوابة صلواتهم ال أكثر وال أقل .الكعـبة

يكـن سـوى صـور ذهنـية حـاول عقلـك رسـمها على هيكل لـم

.يكدلار التي التقطتها مداخل اإلدارك األفك

محـق ولكـنه يكـره فكرة وقوعه لعبة في يد شاب بسيط يأنـ يشـعر ب

. بابتسامة تدل على أنه يريد انهاء هذا اللقاءنييجامل. من قرية كهذه

الوقت الذي أضاعه كل يلعن وهو ودعته .مـن فـوق الجبل نا سـويا نـزل

شــاحبة تحكــي قصــص الوحــوشفــي الوصــول إلــى حجــارة ســوداء

.الجيف باردة مألت صدره برائحة اورياح

أتدارك وينظـر في ساعت ذكـريات عاصـفة مـرت بـي خـالل لحظـات، أ

كسـب الـوقت في هذا الحاضر الذي سيبدأ بعد خلوتـي مـع الماضـي أل

ــق ــ . دقائ ــن الم ــراب م ــدود االقت ــى ح ــول ، أوعدوعل زداد ضــيقة، وتط

ها بالذكريات، وال لئ تكفي لم هي الف . الفاصـلة بـين الدقائـق المسـافات

. أن توقع في النفس فراغا يجهد الصبرهي تمضي بسرعة دون

ن نحـو النهاية يضيفون جهدا مضاعفا في الخطوات األخيرة، والمتسـابق

هــذا نــي يغمر.ويشـعرون بــأن الـنهاية تبــتعد عــنهم كلمـا اقتــربوا مـنها

.ني نحو النهاية التي ستدفعيتحمس لزيادة جرأتأالشعور و

وفر أ .إلى بهو الفندق هبط أسبق االنتظار بخطوات، وأ . في الحال بادر أ

تلـك الدقائـق التـي يسـتغرقها محمد في الوصول إلى مكتب االستقبال

يفقدعـرف أن السكون في مكان واحد أ .يالتصـال علـي فـي غرفتـ ل

تترامى على أطراف السبيل التي صـغيرة مـن األقدار أجـزاءا اإلنسـان

نيئالممـر باتجـاه المصـعد يفاج لعـل . المنتظـر الكبيـر و باتجـاه القـدر

. تنتظر من يلتقطهابقصة

هدوء هذه الفترة من النهار يمنع .أرقامها قارئـا رفمـر بالغـ أ و ،خـرج أ

، التقاط أي شيء مثير عنشـعر بالعجـز أ. مـن الـتحقق يكـل توقعاتـ

ا محفزا وعنصر لتكون هـذه المـرة ي نفسـ وأدفـع تذكـر الـنهاية أ لكنـي

.مشاركا ال مراقبا يلتقط ويالحظ

ي الجامعية وبداية كل أرقام ي رقم سنت إنه). 415(أقـف أمـام الغـرفة

؛ لم اختاره أو ابحث عنه ، لقد كان فترة الدراسة تالسـرية مـنذ أن بدأ

أبـدأ تلـك المغامــرة فكـر ملـيا كـيف أ .حاضـرا أمامـي كدعـوة الختـياره

التخطيط المطول ألي .تعرض للسب أو الشتم أالوقت مبكر جدا وقد ف

لــذلك كانــت ،ب المقــدم علــى المغامـرة بــتوقعات تـره يغــرقهاتجـربة

الغية كلت تغمره بالدهشة آ تنتج لإلنسان مفاج دوما األفكـار العفـوية

معتبــراجــازف دون تفكيــر أ علــى أن ت صــمم.مــا حــولها مــن ســلبيات

اعتبارها مكاسب تبرر ما المتـرتبة تجـربة بحـد ذاتهـا يحـق لي األضـرار

ضــر بدايــة تلــك حأ ويقلــب جيبــأ فــي حــركة ســريعةو .قدم علــيهأســ

.المغامرة/المقامرة

وال تزعج زنها بحيث تنبه المستيقظ طرقات خفيفة أ طـرق الباب بهدوء أ

.خرج من مأزق إزعاج أحدهمأ، وبذلك النائم

.طفل صغير يفتح الباب قليال وينظر إلى األعلى

؟أين والدك -

هم وأ تيتفشل تجرب . وراءه ال يرد علي ويعود إلى الداخل مقفال الباب

سمع أ بضع خطوات حتى إن أخطو ما . باتجـاه المصـعد كمـال السـير إب

شــاهد ظــال أســود أليعــود أدراجــألــتفت وأ .الــباب يفــتح مــرة أخــرى

.نييراقب

.صباح الخير -

؟نعم -

.إمرأة تخفي كامل جسدها وراء الباب وتطل برأسها المغطى بالسواد

وجـدت هـذا واقعـا أمـام غرفتكم يآسـف علـى االزعـاج ولكنـ -

.ت أنه ربما يخصكمواعتقد

.يمد يده بسلسلة فيها مجموعة من المفاتيح يحملها دائما معه

.يتقرب المرأة رأسها وتنظر إلى يد

.اتركها في االستقبال وسيأتي أحدهم ألخذها -

.حسنا، وآسف مرة آخرى لالزعاج -

اقفلت المرأة الباب والكالم مازال يخرج من . األخيرة أكمـل جملتي لـم

.يطرف لسان

ني ال بأس يكفي. شيئاي تلـك لـم تنـتج لـ يأن مقامرتـ أشـعر بـ سـم و بتأ

ة ال ملك معرففقـد بت اآلن أ ،اكتشـاف مـن يسـكن فـي هـذه الغـرفة

أضرار تقلل من قيمة ، ولم يكن هناك يملكهـا آخـرون فـي هذا الفندق

.هذه المعرفة

تابــع الــوافدين ، وأنظــر إلــى الــبوابةأ. نتظــر محمــدت أفــي الــبهو جلســ

وهــم فــي نقــاش تجــاه احاديــث الــزبائن ي بســمعرامــياوالمغــادرين

ي يتجه نحو . مبكرا هذا اليوم محمد جاء .مسـتمر مع موظف االستقبال

ورأسه فوق كتفيه يهتز وكأن األفكار ا، نشيطا، بخطـاه المعتادة، متحفز

يرمي ثم يصل إلي ويلقي علي تحية الصباح . بها تتناثر منه ئالتـي يمتلـ

:يلمجاور لبجسده على المقعد ا

. وعيناك تضج بالتوتر،يبدو أنك لم تنم -

وترا لدرجة أن تالحظ ولست مت .نمـت قليال وفضلت انتظارك هنا -

.ذلك في عيني

، وانكارك السريع دليل إدانة االنـتظار هـنا كاالنـتظار في غرفتك -

. بهما اتهمتكل

توفير وقتك في االتصال أردت ، غير أني حسـنا اعتـرف أنا متوتر -

أتيت لكي تحقق ف ، يبدو أنك نشيط ذهنيا ك علـى ما ن ولكـ .علـي

.معي وتقيم محاكمتك

كـل ما تقوم به حواسنا هو اعتراف يخلصها من ذنب هذا العقل -

جميعها جلدك، ، يداك، عيـناك .الـذي يمـنعها مـن فرصـة التطهـر

أنا ال احقق معك، انا فقط و. تسـرد تـاريخ كـل لحظـة مـرت بك

لم كما أنك . كل ردات فعلك ذهنك من حبه للسيطرة على أحـرر

تحسـن الـتوقع هذه المرة، لقد كنت أود الصعود إليك والجلوس

. معك قبل الذهاب في نزهتنا لهذا اليوم

.، يمكننا الصعود مرة أخرىما زلنا هنا -

المفاجأة عـندما تتغيـر ظـروف الحـدث ال يمكن إعادة عامل . ال -

.إليها

هل كنت تحضر لي مفاجأة ما؟ -

، تلك الدقائق التي ضقت ذرعا بها .ختصرت الوقت ، ولكنك ا نعـم -

.ذهبت بما تحمله من أقدار

.ة ال عالقة لك بهاأكادت ان تحمل مفاجلعلها -

، هو يختار من ه باألحـداث ؤبالتأكـيد، الـزمان ال ينتظـر أحـدا يملـ -

.يريد وما يريد

.قلت كادت -

لذلك كان تاريخ ،المحاولـة تسـتهلك وقـتا أكبـر من الحدث نفسه -

ــ ــانية الحض ــن ال ارة اإلنس ــوعة م ــاوالتمجم ــازالمح ــو . وم ول

مــن األوراق ا كبيـر ااختـزلناها وركـزنا علـى النـتائج لوفـرنا عـدد

.وحفظنا رونق الكلمات التي غدت مبتذلة لكثرة تكرارها

فضــل الــنهوض أ أن محمــد يعــيش حالــة عصــف فكــري، لــذلك أفهــم

نية من عقل أفكار جنو تحرير ففي الخارج تكثر فرص .والمغـادرة معه

.محمد

.هيا بنا نغادر -

؟أخبرني أوال ما الذي كاد أن يحدث -

. وكيف انتهتأخبره بمغامرتي

؟لماذا لم تكمل -

؟أكمل ماذا -

.اتبعني سأريك -

ــتب االســتقبال ــى مك ــتجه إل ــد وي ــنهض محم ــناولها ،ي ــة وي ــتب ورق يك

).415( للمقيم في الغرفة رقم إعطاءهايطلب منه ثم ،الموظف

لورقة؟بت في اماذا كت -

وتذكر دائما أن تكمل ما بدأت به ،سـتعلم متـى نضـجت تجربتك -

ال شـيء نـبدأ بـه يظـل عالقـا، ربمـا تتأخر النتائج .حتـى الـنهاية

لذلك يفاجأ الناس بأمور تصيبهم تجعلهم يتذكرون بدايات .فقـط

.لم ينهوها

؟هل تعني أنني استسلمت -

تظار وتمرير قـتل االنـ أعنـي انـك خـرجت بهـاجس الملـل، تـريد -

لصبر المغامرات التي نفتعلها تحتاج افي حين أن ، الـوقت سريعا

ليس شرطا ، باإلضافة إلى ذلك.الـذي يصـبح جزءا من المعادلة

أو فترة أن تسـتمر أحـداث المغامـرة فـي حـدود مكانـية معينة،

شرع ابواب الزمان والمكان لتدخلك إلى عالم .زمانـية محـدودة

.كبير من االحتماالت

.ننتظر إذنس -

.ال لن نفعل -

؟اماذا إذ -

وننسى ما حدث في ، نستمر بالعيش .سنتصرف مثل بقية الناس -

نحن يا . لتفاجئنا متى حانت ساعتهانتـركها ، كـل لحظـة تـتجاوزنا

صـالح نعتقد أن األحداث ال تستمر إال بتواجدنا، وننسى أن هناك

تعلم . أخـرى تـتواجد غائبة عنا وتعمل بطريقتها الخاصة اأطـراف

دائمـا أن األحـداث تتـنقل بـين البشـر كالكرة، ولكن على ملعب

.كبير مترامي األطراف ال يرى المتبارين فيه بعضهم البعض

. هناك من يحاول تسجيل األهداف في مرمى اآلخريناإذ -

في آخـر عـوض وت اة كلهـا أهـداف مسـجلة، تصـيب طـرف الحـيا -

. تفنىطاقة مستمرة ال، نحن وهكذا دواليك.طرف غائب

.وال تنشأ من العدم -

.نشأت مرة -

كيف ؟ -

ا إلى باب كـنا قـد وصـلن .عجل الـرحيل سـت ينظـر محمـد إلـى سـاعته وي

. األخيرعلى سؤاليجابة اإل أن محمـد ال يريد أفهـم .الفـندق الخارجـي

.كالعادة يترك شيئا معلقا ويفتح له احتماالت كثيرة

قفز عامل الفندق ليفتح ي . الباب نا عند هـذه المـرة كانـت السيارة تنتظر

يتابع . ي إليه ببضعة أوراق نقديةمد يدأبتسـم لـه و ، أ بـاب السـيارة لـي

محمـد الحـدث ويـرفع حاجبـيه وهو يبعد العامل عنه ويفتح بابه بنفسه

.دويقفز أمام المقو

؟هل شعرت بأنك مهم -

ماذا تقصد ؟ -

عــندما فــتح لــك العامــل الــباب، ألــم تشــعر بــنوع مــن االهمــية -

.نفسك بحجم أكبر من واقعهاوشاهدت

. بإكراميةعلم يحدث هذا، لقد فهمت أنه يؤدي عمله ويطم -

حسـنا، حـافظ علـى هـذا الفهـم واعتبرني سائقك لعلي احصل -

.ة طويلة نقطعهاعلى ثمن الوقود، فأمامنا مساف

هـذه السـخرية محاولة من محمد لخلق شعور بالسوء أضـحك وأعتبـر

كراميات وأننا نستطيع أن نقدمها عـن اإل نـي سـبق وحدث .فـي أعماقـي

اإلنسان يفتقد . لة التي تدخل في أنفسنا الغرور دون انـتظار تلك المعام

معنـى تقـديم الخيـر والمسـاعدة عـندما يجـد مقـابال يعـزز فيه مشاعر

. حسنتها كشعور من الرضا عن الذاتة آنية تحلأالبذل والعطاء كمكاف

إلى أين سنذهب ؟ -

. نصف القمرإلى شاطئ -

؟ماذا سنفعل هناك -

.سنبحث عن النصف المفقود -

نصف القمر؟ -

، ولألسـماء لديـنا معانـي غائـبة في ئقـد يكـون نصـف الشـاط -

.أعماق أول من أطلقها

. ئاالسم يقول نصف القمر ولم يقل نصف الشاط -

؟وهل أنت فعال صالح -

. أخفيه عن أعين الجميع ، وتحرق بمرارة عمقا ي لسعة في قلب نيتصيب

عرف بالضبط كيف أعد أ لـم .، أو المـالك ي الشـيطان بجانبـ كـره هـذا أ

أخشى النظر ت أصبحني تجاهـه مكشـوفة لدرجـة أن ي مشـاعر .أفهمـه

اءة األفكــار واكتشــاف هــل هــناك فعــال مــن يســتطيع قــر. إلــى عينــيه

عود بوتيرة التقبل لكل ما يصدر عن أشـتت هـذا الوسواس و أ. األسـرار

النهاية التي .ع هذا الصديق تمنـى قضـاء يـوم ممـتع م مازلـت أ .محمـد

ني شـيء من هذا يذكر . أكثـر تقـبال وتسـامحا نـي تجعل يأحملهـا داخلـ

منهم عندما كان يحتضر، كل يبأشـخاص جلسـوا بالقرب من رأس جد

.) غازياسامحني يا اب(كرر

. ليتك أخبرتني، كنت احضرت معي مالبس السباحة -

، لعله يصبح تحـتاج لتملـيحه قلـيال بمـاء البحـر ؟أال تلـبس جلـدك -

.سائغ الطعم حين يهم الموت بالتهامك

يبصـقك كلما حاول عمـك يـا محمـد، اتخـيل المـوت مـا أقـبح ط -

.بتالعكا

؟هل تساءلت يوما لماذا يلعق الذئب جراحه -

لماذا ؟ -

. حوي مادة مضادة تخفف من االلتهاب لعابه يألن -

؟هل تعني أنك تشبه شيئا كهذا -

قد أكون . رة شيء مقززأعنـي أن لـيس كـل بصـاق هو بالضرو -

تي تهون من الرقيا ال شيئاأيضـا كبصـاق شيخ ينفث في محيطك

.عليك ما أنت فيه من توتر

الجـو خانـق هـنا والـرطوبة تكفينا هم .يـبدو فعـال اننـي متوتـر -

.التفكير بممارسة السباحة

.ا للحظاتنضحك سويا بطريقة باهتة نوعا ما، ويخيم صمت يفصل بينن

على ني وفـي حال انكشاف تجبر مـا زلـت متوتـرا، أننـي يـدرك محمـد

ويفهمه بطريقة ال يعلـم تمامـا سبب انزعاجي، . اتخـاذ موقـف دفاعـي

بالخوف ني، لكـنه يضطر إلى منع نفسه من التغلل حتى ال يصيب أدركهـا

في المقابل، . واإلنغالق على نفسي تماما يدفعنـي إلى التحصن الـذي

اد محمد عن مساحات خاصة مليئة حاول إبعألعـبة الذكاء و أمـارس أنـا

حفظ لها أكون في صحبة محمد أنعزل عنها كي أ التي حياتي. باألسـرار

وكما ان أصحابي . بـأن تكـون بعـيدة عن حذلقة هذا الفيلسوف احقهـ

قوم بها لزيارة محمد، أ ال يعـرفون عـن أمر هذه الرحالت التي وأهلـي

من العدل ه أنأرىبـل ال يعـرفون أن هناك شخصا يدعى محمد، كذلك

يدرك محمد . ي حيات حتى أو ي أو أقارب يأن ال يعلـم محمـد عن أصحاب

بحسب ما ييتعاطـى معـ ، ف هـذا الشـيء ويقـدره وال يـتجاوز حـدوده

. ي ويطلقه لسانيتظهره جوارح

ال تخـف لـن أقفزها ولن . يـبدو أنـك بـدأت تعـود إلـى أسـوارك -

. إليهأنتميأحاول الدخول إلى مكان ال

ــاردة تمــأل األجــواء صــقيعا لمــات وأ الك هــذهأتجاهــل . رد بابتســامة ب

فكــرة .الــرجولة عــادة مــؤرقة فــي مجتمعــنا تحمــي مظاهــر مــارسأ

ن يقدمان على ي الحـد الفاصـل الـذي يقـف عليه كل طرف الوقـوع علـى

مليئة بالثغرات العاطفية ، بالمشاعر دائما هذه المنطقة ملتهبة .االفتراق

كثيرا ما تصبح هذه . عليها بشكل تام يع العقـل السيطرة التـي ال يسـتط

البعض يندفع في ذلك ليجد .اللحظـة موضـع اسـتذكار لـتاريخ العالقـة

ن يكرهون الضعف الذي ، وآخرو مـنفذا يخلصـه من الشعور بالمسئولية

القلب ى يغذون كل ما يثير شعور القوة ليبق .يشـعرون بـه أثناء الوداع

نحن نلتمس المبررات .ستمراربعـيدا عـن نـزاع رغـباته في البقاء أو اال

ونجـدها تتكاثـر أمامـنا حالمـا نهم بخلق موقف عقلي جامد ال تنكشف

وأحـيانا إدعـاء الالمـباالة وحمل النفس على . فـيه مشـاعرنا المهشـمة

وأوقات اخرى .عـدم اتخـاذ اجـراءات استثنائية كالمصافحة أو المعانقة

فكرة ، أي يت منزل عائلت حـين غادر تيكـون التسـلل خفـية كمـا فعلـ

االتجـاه اآلخـر، شـرارة بسيطة تكفي إلدارة فـي تعطيـنا دفعـة كافـية

الـوجه بعيدا عن نظرات التأنيب والعذاب الذي يلمع في اعين من يحبنا

الق أول خطوة مغادرة تعلن الط كاف كـل شـيء يوفر تحفيزا .ونحـبه

رنا هـذه البيـئة الصـحراوية جعلتـنا ككثـبانها تنقلـنا ريـاح مشاع . الفـراق

نبني .الجافة من مكان إلى آخر بصمت يخيم متى استقرت بنا المواقف

تـواجدنا بـذرات خفـيفة وسـريعة االنهيار لنراكم مالمح جامدة وصامدة

.حتى تعصف بها رياح عاطفة اخرى

كثـبان الرمال تذوب في ذوائب البحر الذي يحاول جاهدا أطـراف بـدأت

ولكنها تجف ما ان يغادرها ،فـي كل فرصة مد علـيها مـبللة المحافظـة

.إلى الوراء في جزر

، وكيف نصـف القمر ئنظـرة حسـين للصـحراء هـنا علـى شـاط أتذكـر

عـن بـث بعض من مظاهر الحياة في كـل هـذا المـاء عجـز اسـتغرب

:هذه الرمال

ل هذا الماء وتظل إنها ترفض ك . مـا أقسـى الصـحراء يـا صالح -

.يابسه بال خضرة

صـغير كفيل بأن يخلق في أعماقها ، فنـبع ناهـيك عـن مـزاجيتها -

.واحة غناء

. اعتقد أنها تتذوق الماء جيدا قبل أن تبتلعه -

.نعم لديها ذائقة صعبة اإلرضاء -

.لقد اشتقت لها، وأثار حديثي عنها الحنين إليها -

.كنت اعتقد أننا نتحدث عن أنفسنا -

نحن ؟ -

.نعم أبناء الصحراء -

تطأ إنر المدينة يزول ما مظاهنسـتغرب كـيف أن غـرقنا في كـنا كليـنا

ربما .خلق أي تغيير حقيقي وصريح المدنية لـم تستطع .قـريتنا ناأقدامـ

رات، ولكــنها ال تســفر عــن أي مظاهــر فــي يــ بعــض التغيأعماقــنافــي

تسم لذكرى أب كدتوما . أول مرة نا كما ذهب ونظلالتصـرفات الظاهرة،

النــزول للتنــزه علــىي صــوت محمــد يطلــب منــتحســين حتــى ســمع

. قليالئالشاط

؟كيما بك كأني أرى دمعة عالقة في عين -

.بعض الرمل فيهادخل ربما -

قادرا على وما عاداعـتقدت أن الـرمل صـديق لك يا أيها البدوي -

.إثارة الدمع في عينيك

.ئ مالح يا محمد ورمالنا عذبةرمل هذا الشاط -

؟هل تشربون الرمل -

محمد ورائي، يقف .تجه نحو البحر أ هـذا السؤال الساخر و أتجاهـل

.ييلحق بثم الحزينة ييتابع هيئت

. هناك يا صالحأنظر -

.، رأيتهنعم -

يتبسم . "جسـر الذنـوب ": واردد مـا اكتـبه فـي الهـواء يكـتب بـيد وأ

، ومن ، وينزل رأسه إلى األرض قليال إلـى جانبي محمـد وهـو يقـف

:ثم يهم بسؤالي

.أخبرني كم الساعة اآلن -

.ما زال النهار في بدايته -

وأي ذنـوب تلـك التـي تعـتقد أن هـناك مـن يمارسـها فـي هذه -

.الفترة

.اقصد العائدين بعد قضاء لياليهم الحمراء هناك -

.يبدو ان عقلك احمر جدا في هذه اللحظة -

لماذا ؟ -

. عيناك دون أن تراهأنت تتحدث بما يراه عقلك -

ثار التي يعود بها وتلك اآل ، يكفيني ما اسمع .لسـت بحاجة للرؤية -

.شباب وقصصهمال

هـل اسـتمعت يـوما إلـى موظـف يقطـن في الجانب اآلخر من -

ام هـل اسـتمعت إلى عائلة ؟الجسـر ويـداوم يومـيا مـن هـناك

ام عوائل ؟توصـل أبـناءها يوميا إلى المعاهد والجامعات هناك

؟تذهب لتمضية إجازة أو للتسوق

ال تحدثنـي عـن االحتماالت الواردة، وال تحدثني عن االستثناءات -

.التي يمكن تواجدها في كل قاعدة عامة

كـل األمـور استثنائية . ال يـوجد قاعـدة عامـة سـوى فـي ذهـنك -

وظـرفية بحسب ما تفكر به، وعقلك هو الذي يتوجه بك إلطالق

األحكـام والقـواعد العامـة علـى أمـور تحمل الكثير من الحاالت

.الخاصة

.ئحسنا أنا مخط -

.خلكال أنت فقط تمارس غريزتك المكبوتة دا -

؟ماذا تعني -

كثيـرا مـا نحب رؤية اآلخرين يمارسون شيئا ال يمكننا فعله، حتى -

أخباره الذنـوب التـي تـراودنا أحـيانا تصبح هاجسا يطيب لنا تتبع

.على أفواه المجربين له

بسط من أن الـرذيلة يـا محمـد ال تحتاج إلى خيال وأخبار، فهي أ -

.يجتهد العقل في تصورها

.لقد قلت لك الغريزة. دث عن العقلومن قال لك أنني اتح -

؟وما مصدر هذه -

لــيس العقــل حــتما، ألنــك تقصــد بهــذه الكلمــة التفكيــر الســليم -

لقد أصبح العقل مرادفا للفضيلة، .المثالـي، وال تعنـي بها الدماغ

والغريــزة ال تصــدر مــن مكــان مــثل هــذا ألنهــا تعنــي التصــرف

.الحيواني الطبيعي

. ات كبيرةمحمد ال تبرر للذنوب بمفرد -

.الذنوب يا صالح هي أن تمارس غريزتك بشكل عشوائي -

.الذنوب هي أن استمر في الحديث معك على هذا المنوال -

؟هل غضبت -

ــ - ــئك المتســللين خفــية فــي الظــالم يال، ولكن ــرر ألول أجــدك تب

ليمارسـوا الـرذيلة ويعـودوا فـي الـنهار أمامـنا أشخاصا صالحين

.وأسوياء

إن ما يهم . ارسـوا الـرذيلة علـنا أمامـك ومـاذا تـريد مـنهم، أن يم -

المجـتمع هـو ان يكـون الجمـيع صـالحا بحـيث يحافظـون على

وأمــا مــا يفعلــونه منفــردين بعــيدا عــن . ســيره باتجــاه الفضــيلة

عهم يظـل أمـرا خاصـا بهـم ولست مسؤال عنهم يا صالح، ممجـت

.لهم رب يحاسبهمف

هر ، ألنه يظ شخص يسكر ويزني سرا تعني ان علي احترام هـل -

.لي الصالح علنا

لـو كـان اللـه يـريد مـنا الحكم على اآلخرين بما يخفون ألعطانا -

.ميزة قراءة النوايا وما تخفي الصدور

. حسنا دعنا نعود للفندق، فذهني مشوش جدا -

تقف عليه وتراقب ، أنت فقط تجعله كهذا الجسر .لـيس مشوشـا -

يلة جسر يفرق بين الرذ . علـيك أن تخـتار لنفسـك اتجاهـا . الكـل

علــى طــرف والفضــيلة علــى الطــرف اآلخــر مــنه، ولكــن أيهمــا

.للمذنبـين فرصـة الـتوبة، وللصـالحين وعـد الجنة . تمـارس أنـت

ئل فــال جــنة تــرجو وال جحــيم تنتظــر؛ الفضــا ؟تولكــن أيــن أنــ

ليس لها عالقة باألماكن التي . والـرذائل عناصـر نحـن من ننتجها

القة بالطرق التي نقـيم فـيها ونبنـي نصـبا لذنوبـنا، ولـيس لهـا ع

.نعبرها ونترك عليها آثارا لغرائزنا

جيدا ان محمد ت وأدرك .كالجسر فعال يجعـل روحـ ي أن عقلـ شـعرت

أمنيات كثيرة وغرائز قلـيال فـي نقاشـه السـتخرج من داخلي لـو اسـتمر

ل المؤجلة والرذائل ئ أنا بالفضائ ممتل .أكثـر مخفـية بعـيدة عـن األنظار

وللمرة .د حياتها من رؤية اآلخرين يمارسونها تسـتم ، وجمـيعها لمنكـرة ا

أطلب. فال يقف منتظرا ومراقباخـتار اتجاهـا أجـد عقلـي وقـد ا األولـى

قدم سأ يأنولديه شعور ب مبتسما لييقدمهفهاتـف محمـد المحمـول،

ويعلن أن أحداث نا لكـن الهاتف يسبق ،يعلـى خطـوة مهمـة فـي حياتـ

. تجربة أخرى سوف تنكشف

أهال وسهال :يهمهـم قلـيال ويبدي انتباها للمتصل _ نعـم مـرحبا، -

ال عليك يا أخي نحن في الخدمة وهذا .لـه أهل البحرين وحـيا ال

.أقل ما يمكننا خدمتك به

يصـمت محمـد قلـيال وتتغيـر مالمـح وجهـه كإشـارة علـى حديث سيء

تيخـرج مـن صـدره زفرة ساخنة شعر ثـم ،يسـتمع إلـيه مـن المتصـل

. يبحرارتها على وجه

طلب أي وارجو منك أن ال تخجل وال تتردد ب ، منـى لهـا الشـفاء تا -

.، مع السالمةحسنا. خدمة، وسأحاول بكل ما استطعت

ــناكانــت محمــد الهاتــف نــي ناول.لســيارة بــنا إلــى ا قــد وصــلتخطوات

وانطلقناا ن ركب. قد طرأا مهماول بهدوء وسكينة تشير إلى أن أمر مـ المح

نزل محمد من السيارة ،انل حـين وص .فـي صـمت مطـبق نحـو الفـندق

كتابة حتى كان قد أنهى لحق به أ كدت وما .بسـرعة مـتجها إلى الداخل

.415 إيصالها للغرفة رقم ه االستقبال وطلب منعند موظفورقة

أخبرني ماذا حدث؟ -

ال شــيء يــا صــالح ســوى أن تجــربتك ومغامــرتك سترســم لــك -

كنت صـورة جديـدة عـن أولـئك الـذين يعبرون ذلك الجسر، ولو

.اعلم لما أتعبت نفسي بالحديث معك

ماذا ؟ أخبرني ؟ -

لقــد حدثنــي الــرجل المقــيم فــي تلــك الغــرفة وهــو اآلن فــي -

حتى يتصل بي مرة أحتفظ بما وجدته البحـرين وطلـب منـي أن

أخـرى، فهو كما قال لي قد ترك عائلته في الفندق وعاد سريعا

.ليحضر بعض األشياء من منزله

من هي؟. الشفاءسمعتك تتمنى لها -

لها عن ، وينـزلون هـنا على أمل البحث نعـم إن زوجـته مريضـة -

.عالج في احد المستشفيات الخاصة

ال حــول وال قــوة إال باللــه، يــبدو أننــي تصــرفت بشــكل صــبياني -

.وازعجت تلك المسكينة

مع آرائنا فكر فقط في أن العالم كفيل بتغيير .ال علـيك من هذا -

تؤمن بما يسمى بالقواعد العامة تلك ال. كـل تجـربة نقـدم عليها

سـلبياته وإيجابياته، انت ،التـي تسـتمدها مـن مظاهـر المجـتمع

سـلبي بمـا يكفـي ألجعلـك قاعـدة عامة عن شخص عالق في

انت يا صالح مركز .ق إلـى كـل شـيء من حوله يمنتصـف الطـر

.ا وال فرحااحداث تعبرك وال تترك لك نصيبا منها، ال حزن

. مد يفتح القمقم لرجل يريد أن يشعر بالحياة أن حديث مح شـعرت

.يعود إلى أسرتأ التمتع بها حتى ت ذكـريات أجل يالفـرح فـي حياتـ

ؤجل فرحا اوشك قبل قليل على الخروج ولكن األمور أ أيضا وها أنا

التي تأججت يدرك بشـكل أكبـر حقيقة مشاعر أآخـرته قلـيال لكـي

من أقترب. أعماقي في كأمنية سوداء أخفيـتها تجـاه التجـربة التـي

رضى وجموح وحزن تحوي شيئا من قـبل جبيـنه وابتسـامة ، أ محمـد

.ومالمح مختلطة كثيرة فهمها محمد

.إلى اللقاء يا صالح ال بد لألحياء أن يتالقوا ولو بعد حين -

. شخص ال نستطيع الجزم تجاهه أبدالن أقول وداعا ألنك -

. لقةقل ما شئت إلنهاء هذه اللحظة وال تتركها مع -

. وسأعبر الجسرنعم لن اظل معلقا بعد اليوم -

، وال يهمني إن كان نحو إلى اإلتجاه الذي تريد غادرنـي يـا صالح -

رذائل ف. الجـنة أو الجحـيم، فـنحن نخلـق مـن خياراتـنا مـا نـريد

ن جحيم يالـبعض جـنة يسـتمتعون بهـا فـي الدنيا، وفضائل آخر

. ارحم نفسك ليرحمك الله. يصبرون عليه

يغادر محمد الفندق . معا نا بعد مصافحة كادت تعجن أصابع أيدينانفلت

كذلك .يختفـي وكأنـه لـم يكـن حاضرا أبدا ثـم ، ملتفـتا إلـي وهـو يلـوح

بشعور يمأل هذا أغمرها أن ني تسـأل يسـمع دقـات قلبـ شـعرت وأنـا أ

رفع السماعة دخلها الهثا أل أ ي،سرع إلى غرفت أ. الفـراغ المضـاف إلـيها

كانت . حتى اآلنأنسه يوما ولم ف رقما قرأته عيناي علـى الهات ضـرب أو

. منذ تلك اللحظةيورقة صغيرة تفوح عبيرا من روحها التي تحيط ب

." ال يمكن االتصال به اآلنالمطلوبإن الرقم "

:لقلوب المنتحرة ال تقتل الحبا

لها على لـم يعـد لـدي رغـبة بالـتجارب العابـثة والتي أرمي بنفسي خال

على مرمى من تنسكب . لتظل النتائج تنهمر من حولي ،طـريق األقـدار

أقدامـي دون أن تبللني ولو بقليل يشعرني بالوجود الذي أفنى حضوره

وجود وهمي . في أعماق ذاتي طابعا ظالله على جدران عقلي وقلبي

وبدأت ،لقـد مـر مـن الوقت ما يكفي . ال يـراه أحـد وال يحـس بـه احـد

.ثمن اللحظات فيهالتقاط أالاة تلح على باإلسراع يساعات الح

رسم أ وأنا الوقتغـدر بـي علـى متـنها، . اختـرت الطائـرة هـذه المـرة

وجدت أن الكثير من األحالم . المتبقي لي في العاصمة الزمنمـراحل

.واألمنيات ظلت مؤجلة بما يكفي لتفقد وهجها التي بدأت به

مـن أي معنـى سوى العبور نحو هـبطت الطائـرة وبآلـية باهـتة خالـية

للمرة .الخـارج وجـدت نفسـي فـي صـالة القادمـين وال أحـد يستقبلني

األولــى أشــعر بأنــي وحــيد جــدا وأحــتاج مــن يســاعدني علــى اختصــار

اقترب مني احد الشباب الذين .المسـافات واكتسـاب كـل دقـيقة ممكنة

كسي اتهم كخدمة تايكـدون فـي طلـب الـرزق مـن خـالل توظيف سيار

سألني .سـعار أقـل مـن تلـك التـي تعرضها سيارات األجرة الرسمية وبأ

:بلطف

هل تريد من يوصلك ؟ -

.ر شخص ماانعم ولكنني في انتظ -

ي ال أملك ما ولكن، رفضه لم اقصد .ابتسـم لـي واتجـه إلى شخص آخر

. مـن المـال وأخـاف أن أحرمه رزقا أفضل مما قد يكتسبه مني يكفـي

تسـتهلك ماء وجهي هـذه المـرة لـم فرحلتـي إلـى المـنطقة الشـرقية

التي كاملة وورفضـت أن يتكفل محمد بتسديد أجرة الفندق كسـابقاتها،

.وروبيةكما لو أنني في إحدى الدول األ بأنها خيالية فوجئت

عـن إمكانـية الحصول على بطاقة وسـألته إلـى متجـر الهـدايا تـوجهت

.هاأنهم ال يبيعون علمتين ، فخاب ظني ح مسبقة الدفعاتصال

شعرت .ئن ووقفـت بجـوار شاب يستخدم إحداها خـرجت باتجـاه الكـبا

واختصر علي ، الحظ هو ذلك. بـه حتى اسأله مساعدتي أتـربص بأننـي

هذه المواقف إال أنني ما زلت مثل ورغم تكرار .عـناء ومشـقة السؤال

على طلب المساعدة أو سؤال الناس أقدمأشـعر بالسوء في كل مرة

. خدمة ما

؟استخدام بطاقتيهل تريد -

.شكرا يا اخي بالفعل انا بحاجة لالتصال بأحد األصدقاء -

.خذ البطاقة وتحدث ما شئت فلم أعد بحاجة لها -

.ال ابدا، هي دقيقة واحدة فقط وسأعيدها لك -

ال علـيك هاتفــي الجــوال معــي ولكننــي احبــبت طمأنــة عائلتــي -

. لهم وصولييؤكدباالتصال عليهم من هاتف أرضي

ذكرني . سكان العاصمة من أن هـذا الشـاب الكـريم لـم يكـن أدركـت

وكيف كنت حريصا على طمأنة عائلتي بنفسـي عـندما قـدمت ألول مرة

خنوقة بمشاعر فـيما بقـيت هي م ،التـي حملـت معـي أحالمهـا وآمالهـا

القلـق تجـاه ابـنها ذو الثمانـية عشر عاما وكيف له أن يعيش في مدينة

ــعو ــن ص ــنها ع ــون م ــتحدث القادم ــتاعب ي ــن الم ــيها وع ــيش ف بة الع

والمشـاكل التـي قـد يقـع فيها كل فتى غر لم يغادر قريته إال بعد إنهاء

.دراسته الثانوية

إلى نفس مـن وصوله يـتأكد أهلـه إنـه يتصـل مـن هاتـف أرضـي كـي

فمفتاح المنطقة الظاهر في شاشة خدمة اظهار . المدينة التي يقصدها

لم يكذب عليهم ليغادر باتجاه بلد الـرقم سوف تؤكد لهم أن هذا االبن

ا كــان لديــه خططــ إن أو ،عربــي مــع مجمــوعة مــن أصــدقاء الســوء

رغم الثقة التي يكنها لنا أهلنا ف. مخفـية بخصـوص مسـتقبله اومشـاريع

بعـد تـربية سنوات عديدة، يظل الشك طبيعة سائدة تجاه أي شاب في

ئتي قد تفاج عـالم الشـباب مليء باألمور السرية ال و .فتـرة المـراهقة

أن ابنهم هو نفس اإلنسان الذي تربى فيها األهـل في كل مرة اعتقدوا

.بينهم وعلى أيديهم

. واتمنى لك التوفيق،شكرا لك -

؟هل تريد خدمة أخرى. العفو يا اخي -

، إلـى أي مساعدة ال بـالعكس أنـا مـن يسـألك إن كـنت بحاجـة -

.فأنت كما يبدو حديث عهد بهذه المدينة

ولكـن أبـناء عمـي كثر وسيحضر . للمـرة األولـى نعـم، أنـا هـنا -

.لقد اتصلت عليه قبل لحظات. أحدهم ليقلني من المطار

.اتمنى لك التوفيق -

.في أمان الله -

.إلى اللقاء -

هذا الموقف .شعور بأن الدنيا تفتح لي أبوابها يرافقني الـبطاقة أخـذت

يشـير ببسـاطة إلـى بـادرة حـظ جمـيل يحـاول التقـرب مني بعد طول

حتى اآلن، أستغلها لدي رصيد كبير من الحظوظ الجيدة التي لم .فـاء ج

!أحتاجهوربما هذا الحظ قرأ النية في قلبي وشعر بأنني

.الو، سامي -

.هال، هال -

أين أنت ؟ -

، متى وصلت ؟الحمدلله على السالمة. أنا في المنزل -

. في المطار انتظر من يعيدني للشقة اآلنأناوللتو، -

ة أجرة ؟ألم تجد سيار -

؟هل تعني أنك ال تريد المجيء الحضاري -

.المطار طريقه طويل وشاق، وربما توفر علي العناء والشقاء -

. ألجرة السيارة، ولكن ليس لدي مال كافكنت أود ذلك -

.حسنا أنا قادم إليك، لن أتأخر أكثر من مسافة الطريق -

.انتظرك -

.مع السالمة -

المطار ال يهدأ .من األحداث الكثير ا خالله نصـف سـاعة كأنهـا دهـر مـر

من كبيرة من المسافرين ا شـاهدت اعـداد .والـناس فـي تـرحال دائـم

قلق خفف من لعب األطفال سرق انتباهي و .كافـة االنـواع واألجـناس

مـا أجمـل هذا العالم بهم، يخلقون من كل الظروف الصعبة .انـتظاري

ان جديد أي مك، ومسـاحة للعـب تـتجاهل القوانـين والتعلـيمات والقيود

شاهدت .يمـثل لهـم مـنطلقا مـن الحـرية يمارسون فيه جنون براءتهم

يتحركن األمهات بعباءاتهن و، بـاء متوتـرين يصـرخون فـي كـل اتجاه األ

أكوام كبيرة من التوتر هذا المكان داخل . نبـثقل لـتهدئة شـغب اطفاله

إني اضيف ارتباكا .وهدوئيأنا جزء بسيط منها رغم سكوني و، والقلق

عدد كبير من العوائل تفرقت .ملئـي خانـة مـن مقاعـد االنتظار د لمجـر

.الـرجال مني فالنسـاء تـم جمعهـن فـي مكـان، بيـنما اقتـرب . بسـببي

الشـاب العـازب دائمـا يكـون عثرة في طريق األسر، ومجتمعنا يرفض

فذلك يشكل خطرا ال .أن يقتـرب هـذا الشـاب مـن مكان تواجد النساء

كلي ومطلق يعتمل في الصدور كشك ما ولكن. احد يستطيع الجزم به

وغريزة جامحة قد تثور في أي أن كـل شـاب لـم يتـزوج لديه نزوة هـو

هذا الشاب القابل عـن م ابعـاد نسـاءه الـرجال ، لـذلك يفضـل لحظـة

يـبعدون المحفـزات التـي قد تساهم في فرصة تـراهم أو ! ..لالنفجـار

يحملون أيضا نجوفالرجال المتزو .بشـكل قـد يـزيد االنتباه له ظهـوره

تجـارب سـابقة لمـراحل عـزوبيتهم، حـين كانـوا يبادرون للظهور بشكل

ورغم كثرتهن .باهـر خـالل مـثل هـذه الـتجمعات للفـت انتـباه النسـاء

حولـي إال ان تركيـزي كـان مـتجها نحـو فـتاة واحـدة حملتنـي للطيران

!ر لقد تأخ ؟أين سامي . الوسائل ألصل إليها كأسرعباتجاه هذه المدينة

معي في عقلي وأحضرها شـوقا كـي اعتكف في غرفتي ألـتهب إننـي

. وقلبي

.، الحمدلله على السالمةاهال اهال -

يكــون لــه بالعــادة . لقدومــهأنتــبه كــيف خــرج ســامي دون أن أدريال

حضـور قـوي يلفـت االنتـباه، وخصوصا في أماكن مثل هذه يجتمع فيها

لم يكن هذا هو قد حصل،يبدو بأن أمرا غريبا ولكن .كثيـر مـن النسـاء

مهذبة تشير إلى أن ال مالبسـه الـرثة، ولحيـته غير .أعـرف سـامي الـذي

ــر ــي اهــناك تغي مســتغربا أنهــض باتجاهــه . جــذريا حــدث خــالل غياب

سامي الذي يستغل مثل هذه .متسـائال أيـن ذلـك الشاب الذي اعرف و

الثـياب ويحلـق ذقـنه ويـدخل وكأنـه يلـتقط كل أجمـل الفـرص ليلـبس

.عين من حولهاأل

ماذا حدث؟.الله يسلمك -

عن أي شي تتحدث؟ -

.اقصد مظهرك -

المرة ذه هي فه . مسـرعا كـي ال اجعلـك تنتظر كثيرا جئـتك لقـد -

تعودت ان . من المطارفـيها إحضارك األولـى التـي تطلـب منـي

.أتفاجأ بك بعد كل غياب حاضرا من العدم في الشقة أمامي

هناك شيء ما، . سامي أعرف يكن ول .ا ومقنع لقـد كـان تبريـره جمـيال

لـم يعـد لهـا ذلك البريق المشتعل، والحدة الرزينة إذ حتـى فـي عينـيه،

. ظل إنه باهت كال.قد اختفتالمربكة لكل من يتحدث إليه

دة نوعا ما، وخطواتنا تتناغم كانت المواقف بعي .مشـينا باتجـاه السـيارة

ألنور الخافتة، والظالم طريقنا تضيئه ا .قائـية كـأن هـناك مـوعدا بينها بتل

رأيت نفسي أمشي في .فـي األركـان يطـبع جسدينا بنوع من االلتصاق

لم يكن ملال وال رتابة، وال .باألمر نفسه جـوار رجـل مـيت، وهـو يشـعر

وصفه ولكنه أعرف ال شيء . من المشاعر ا جديد ا كان نوع .افتورحتى

السيارات االخرى . بـنا حتـى ركبنا السيارة وانطلقنا باتجاه الشقة أحـاط

تسبقنا، وابتسامة على فم سامي تشعرني بالحرج من توقع السوء في

حالـه، وابتسـامة على فمي تشعره بالحرج من البوح لي بما يكدر صفو

حجر لكالنا يخاف من رمي أو . بالـي وحالـة السعادة التي حضرت بها

اع ما في الق إخراج ال نريد .فـي بـركة الصـمت التـي غـرقنا فـيها فجأة

دينا القدرة على تحملها مهما كان ت لـم يعد ل آوكأنـنا نـدرك أنهـا مفاجـ

حتـى الفـرحة احيانا تكون ثقيلة وتحتاج ف .ا أو حسـن سـيئا نـوعها سـواء

ترتخـي عضـالته بما يكفي ا واسـع اقلـب ، و لطاقـة خاصـة مـن الـتحمل

.ليكون التعبير معادال ومساويا لها ولتـتمدد مع كمية السعادة المفاجئة،

يشـبه بشـكل عكسي ما يحتاجه الحزن من مجهود عندما نتلقى شـيء

.األخبار السيئة

؟لم يتغير شيء -

.لم تغب كثيرا -

شـكلك يدل على انها لحظات عبرت بك ونزعت منك روحك التي -

.اعرفها

وتوقف مثيرا الغبار ضـغط فجـأة علـى المكـابح وانحـرف عن الطريق

صــوته بحــدة تجمع الحــدث حتــى انطلــق لــم أكــد اســ.حــول الســيارة

.حدى عينيتقلع إاتجاهي ويداه تكاد

سألوني كيف يجعلنا صالح نتحدث بكل ما . تلـك هـي، تلـك هي -

يا ليتهم ! ها أنت تفعلها .لديـنا دون أن يطلـب ذلك بشكل مباشر

إنـك تـريد منـي إخبارك بكل . كانـوا حاضـرين ليقتـنعوا بكالمـي

ماذا .رالتفاصيل دون أن تحمل نفسك عناء السؤال بشكل مباش

هل يجب أن ترمي ؟)مـا بـك يـا سامي (سـيحدث لـو قلـت لـي

بجملـة مـثل هذه حتى تخرج ما في داخلي وكأنك طبيب نفسي

تختفـي وتظهـر كما يحلو لك، تشعرنا بالالمباالة تجاه .أو سـاحر

وتحفظ لنفسك خفية تهتم بطريقة فـي الواقـع مشـاكلنا ولكـنك

إنك تحبنا وتهتم قل . خانـة تـبعدك عـن إظهـار مشاعرك تجاهنا

. إسألنا عن أحوالنا كأي صديق طبيعي في هذه الدنيا.لنا

إنه . تكاد تحرق وجهي لحرارتها ، سـيل من الكلمات الملتهبة ينهال علي

شعرت .يصـيح ويعتـرض ويجـادل ويخاصـم بطـريقة لـم يسـبق فعلها

بالعجـز أمـام كل كلماته، بل شعرت بأنني صنم وبالكاد أستطيع تحريك

، نفضني وشد ثوبي باتجاهه . مـن الوصول إلى رقبتي نع يـده ألمـ يـدي

. التواصل مع عينيهمتجنباوانظـر إلـى الطريق ملتـزم الصـمت أنـا بيـنما

. منـي أن انظـر إلـيه وأن أسـأله عـن حالته بشكل مباشر طالـبا يصـرخ

. كثيـرة كـنت محــورها رغـم غيابــي احديـثه يشـير إلــى أن هـناك أمــور

ــارت حــول ــوا مشــاكل ومســائل ث ــأنهم كان ــي معهــم، ك طــريقة تعامل

.يراجعون موقفهم مني خالل فترة رحيلي عنهم

. إلى يا صالح، بالله انظر إليأنظر -

أسمع حشرجة .يلـف ذراعـيه حول رأسه ويرمي به على مقود السيارة

إنــه يبكــي مــن العمــق . صــوته تبعثــر مــع العبــرات اجــزاء مــن روحــه

ل لمشـاعر الرقة واللين ذلـك المكـان الـذي يحفـره الـرجا .المسـتحيل

تنتظــر لــيحافظوا علــى كبــرياء دمــوعهم، حتــى يصــبح هاويــة ســحيقة

بعدها ، ليسـقطوا ابـتالعهم مـع أول خطـوة ضـعف تمـر علـى حافـتها

سامي يقع اآلن وعلي إن .ف ما كانوا يتوقعون اضـع أمسـافات غائـرة

.انتشاله قبل أن يصل إلى القاع

.ما بك يا سامي، اذكر الله -

.اال الله ، ال اله اال اللهاله ال -

مضت قبل أن يستجمع قواه ويشعر باهتمامي دقائق .تـركته حتى يهدأ

، لطالما عودتهم المعقول أنه كان بحاجة لمثل هذا ليس من .وحرصي

المشاركة فيها بنوع من علـى الالمـباالة تجـاه مشـاكلهم حتـى استطيع

ل وايجــاد جعلهــا اكثــر تســطحا بغــرض فهمهــا بشــكل افضــأ. األريحــية

بدأت آتآكل . قد استجد ما هناك أمر .الحلـول لهـا بأسـرع وقـت ممكـن

قلقـا مـن الـداخل، اريـد الوصـول بسرعة إلى الشقة، واالنفراد بسامي

حتى اعود، هذه المرةلم يمهلني القدر يبدو أن .حتـى أفهـم كل شيء

.وغيابـي الـذي عـودت الجمـيع علـيه أصـبح سببا مباشرا في مشكلة ما

بدأ الفزع فألهلي، حصلقد لمع في ذهني أن يكون شيء ما وفجأة

بقــوة مـن االنـدفاع فضـولي مـنع أحــاول .هينهشـ ويـدب فـي صـدري

عائلتي تعرف بمن ف، منه كافـة األحـداث لمجابهـة سـامي واسـتخالص

خيار في أي دقائي حد من أصأل لم يكن .تتصـل فـيما لـو حـدث أمـر ما

، والعقل قلق ال يعرف المنطق ال. إال انتظاري حـال حـدوث أمـر طـارئ

تلك الطمأنينة التي خلقتها و. تتشـابك حججه ليجعل كل مستحيل ممكن

ت تكاثــرو الفجــوات ظهــرت فــيها كبطانــية متقــنة الحــياكة،فــي عقلــي

إن الفواجع .تهدئة نفسي وسامي ترقيعها ل تفـوق قدرتي على بسـرعة

علهم حين تحل على أحدهم تصيب من حوله بنفس قوة ردة فعله وتج

ون بشكل رمتسـاوين فـي القـدرات العقلـية لدرجة أنهم جميعا قد يباد

عشـوائي تجـاه خطـوة واحـدة مـا كـان ألقلهم حكمة أن يفكر بها في

.حالة مشابهة وبعيدة عن حدود تفاعله

ما زال ملح الدموع يتألأل . باتجاه الشقة اإلسفلتعـادت السـيارة تحرث

ها تجاعيد رة تخفـي وراء شـعيرات وجهـه المبعثـ . علـى خـدود سـامي

انفاسه . فجـأة فـي عمـره ليهـرم ويشـيخ انهمـر جديـدة وكـأن الـزمن

يفتح نافذة سيارته ويأخذ شهيقا عميقا يخرجه .المتسـارعة اخـذت تهدأ

القلق والتوتر تالشـى عـادت وتيـرة تفكيـري للتركيـز، و .بـتؤدة وهـدوء

ساحة الـذي حـدث أفرغ م هـذا االنفجـار .تدريجـيا مـن أرجـاء السـيارة

. المشاعر ترتخي وتتمدد في مساحة أوسعجعلكبيرة من األجواء و

لكن .تي لمعرفة األحداث التي غبت عنها اقتـربنا من الشقة، وزادت لهف

. سامي يفاجئني بأنه يريد ايصالي والعودة لبيته

.أريدك أن تجلس معي الليلة -

علـى الحديث معك ال اسـتطيع فأنـا مـنهك ولـيس لـدي القـدرة -

. في أي شيءونقاشك

.، أرجوكانا محتاجك يا سامي -

.للمـرة األولـى يلـتفت علـي سامي بطريقة ساخرة وكأنه يسمع دعابة

كلماتـي األخيـرة اوقعـت فـي نفسـه الشـك بأني استدرجه، لكنه شعر

كثيـرة هـي لقاءات األعين بيننا حتى .بصـدقي عـندما نظـر إلـى عينـي

ه النوافذ التي تطل شفافية هذ .أصـبحنا نتكاشـف دون الحاجـة للكـالم

وتصالحا مـنها األرواح لهـا القـدرة على ان تجعل كل البشر اكثر تفاهما

.ون أعين بعضهم البعضفيما لو تعلموا كيف يقرؤ

ال أدري يـا صـالح، كأنـك تستدرجني اآلن وأنا في حالة ضعف ال -

.أستطيع المقاومة فيها

ال يـا سامي، أنا كأرجـو . انـا بالفعـل محـتاج لمـن اتحـدث معـه -

اسـتدرجك، ولكننـي اشعر بالوحدة واريد منك البقاء ولو لساعة

.واحدة

.هل تعدني بأن تتحدث بشكل طبيعي كأي شخص آخر -

وهل كنت يوما غير طبيعي؟ -

انـت اآلن كـذلك، وتفهـم مـا أقصـد وال أريـد الدخـول في جدال -

.حول اسلوبك وطريقة حديثك

.حسنا، حسنا، لك ذلك -

كان سامي يسبقني على الدرج ولكن . الشقة توقفنا وصعدنا سويا إلى

. قلــيال وجاورتــهأســرعت .ع قلــيال وكأنــه يــريد العــودةخطــواته تتــراج

بطـريقة تشـعره بأننـي احتضن كل لألمـام امسـكت بـيده ودفعـت بـه

أدركه من لم اأمرا جديد المسـت في داخله .مشـاعره التـي يكـنها لـي

كنت اعامله كطفل، . إنـه طـيب جـدا وقلـبه ملـيء بالمحبة نحوي .قـبل

وفـي هـذه المـرة شـعر بأننـي اعاملـه كرجل طاعن في السن واعينه

، تلـك االبتسـامه على شفتيه خرجت لتفسر هذا المعنى .علـى الصـعود

.هها ترد عليه بأنني فهمت ما تقصدقابلتها بابتسامة تشبف

ال بـد أن الشقة مليئة بالحشرات والرائحة المنتنة، فلم يزرها أحد -

.ة طويلةمنذ فتر

ال علـيك، هـي دقائـق فقـط نفتح فيها النوافذ وتعود إلى سابق -

.عهدها، مليئة بالحشرات ومنتنة

. العبرات التي مرت خالل حنجرتهيضحك بصوت متعثر في جروح

.من يسمعني يعتقد أننا سندخل إلى قصر ملكيصحيح، -

.ال تتحدث في السياسة -

ســحري، لعلهــا لهــذه الشــقة مفعــول .نصــل إلــى الــباب ضــاحكين

. يـبث فينا ما راكمناه فيها من مشاعر إخاء وألفة ا حـي اأصـبحت كائـن

كأنني أعيد التواصل معه إلى . بيننا األجـواء تنشـرح لهكـذا تسـتقبلنا

الجذاب الوسيم سـامي المـرح ،نقطـة مـا قـبل غيابـي حـين تـركته

. كثيــراالــم يكــن الوضـع مخــتلف ، فدخلـنا . )المغازلجــي(الفضـولي و

حـظ أن نـوافذ المطـبخ كانـت مفـتوحة ممـا ساعد على ولحسـن ال

.مرور تيارات الهواء لتجدد الجو وتمنع تراكم الروائح داخل الشقة

جلست سامي قبلي بطريقة المرحب أ. اتجهـنا بشكل مباشر نحو الصالة

والمستضـيف وكأنـه هـو الواصـل حديـثا من سفره، فعناء قلبه وروحه

ميت بحقيبتي في الغرفة والحظت ر. يفـوق مـا عانيته خالل رحلتي تلك

من شيئا فسـر هـذا .أن دفاتـري مبعثـرة ويظهـر أن هـناك مـن قـرأها

كلمــات ســامي التــي تحــدث بهــا فــي الســيارة، لكننــي لــن اســتعجل

عدت إليه سريعا . التوقعات هذه المرة، وساترك له الحديث بكل األمور

ه إذا ما كان اقتربت منه وسألت .بـدا عليه االنهاك قـد وجدته مسـتلقيا و فـ

. يود النوم وتأجيل الحديث للغد

.يبدو وكأنك نسيت ما قلته في السيارة -

. بالوحدةوأشعر أحتاجكقلت أنني -

، أريد أن تحدث أنت . مـن تعبي وما أريد وما ال اريد أذن ال علـيك -

.اسمعك

؟من أين أبدأ يا سامي -

، فقـط تحـدث بمـا جعلك تتوسل لي ألبقى مـن أي مكـان تـريد -

.ه الليلةمعك هذ

جدية ما محاوال معرفة مدى إنـه يرمي الكرة في ملعبي ويستفز عقلي

. مازال لديه شك بأنني استدرجته للمكوث معي كي يحدثني هو.قلته

.حسنا سأبدا قبل خمس سنوات عندما تعرفت عليك أول مرة -

ال تفعـل أرجوك، فتلك فترة طويلة وكانت مليئة باألحداث المملة -

.دي القدرة الكافية للبدء من تلك النقطةوال اعتقد ان ل

ــركم أيــن - حســنا ســأبدا مــن حــيث غــبت اول مــرة دون أن أخب

.اذهب

صالح؟هل تتالعب بي مجددا يا -

ابحـث عـن نقطـة ابـدأ بها الحديث كي أخبرك أنني ال واللـه، أنـا -

، أنتم عائلتي هنا وليس لدي والله أحبكم جميعا . أحبك يا سامي

.أحد غيركم

تبريـر تصـرفك تجاهـنا بأنـك تعاملـنا كعائلـتك التي ال هـل تـريد -

، ومع ذلك تحبها وتشتاق تعـرف شـيئا عـن تفاصـيل حـياتك هـنا

.إليها

ما زلت أريد إعادة ي ولكن.هـذا هـو مـا أقصـد نعـم يـا سـامي، -

إذ أننيلقـد رأيتها بشكل مختلف، .سـرد تفاصـيل عشـرتي لكـم

الماضية اعـدت التفكيـر فـي حياتي معكم طيلة الخمس سنوات

كنت .وشـعرت بأنهـا مضـت دون أن اتحـدث بمـا يكفـي معكـم

.وحيدا في داخلي رغم تواجدكم حولي

بيني وضع يده على ج ، ثم بعـين فاحصـة إلـي اتكـأ علـى قدمـه ونظـر

.وكأنه يتأكد من درجة حرارتي

ــرت - ــك تغي ــي أن ــل تعن ــالح، ه ــراجعة 180ص ــريد م ــة وت درج

؟حساباتك معنا

.نعم اريد ذلك -

.أن ليلة واحدة كافية لفعل كل هذا ال اعتقد -

مسـتعد للسـهر مـا بقي من عمري دون أن اخسر لحظة واحدة -

اكاشـف بهـا مـن حولـي واعبـر عن نفسي بطريقة اوضح واكثر

.جالءا

حسـنا يـا صـالح لقد انتصرت مرة أخرى، حتى لو لم تكن تقصد -

ما تشعر به لن يكفيه ولكـن ما تريده كثير وما تحتاج إليه و .هـذا

سوف ترهقني، لذلك افضل أن اخبرك بما لدي .لـي البسـيط عق

.شريطة أن تسأل بشكل مباشر

؟هل تعني أنك ال تريد االستماع لي -

انـت تـريد االسـتماع إلـى نفسـك يا صالح، وحاجتك لي هي أن -

.أكون شاهدا على هذه التغيرات التي طرأت عليك

.صدقت -

.للمرة األولي تقولها -

؟ألم أقل لك أنني تغيرت -

.ازال هناك أمر اضافي سأتأكد منه الحقام -

.أخبرني ما الذي حل بك ودعك مني -

.لقد احرقت نفسي باعواد الثقاب التي كنت اعبث بها -

؟ورطت مع احدى الفتياتتهل تعني أنك -

. من هذا القبيلشيئاليس بالضبط، ولكن -

اخبرني ماذا حدث ؟ -

ى إنهاء ، وأنـنا أوشـكنا علـ اسـتهل الحـديث عـن المسـتقبل والعمـر

عليـنا أن نفكـر كـرجال مسئولين ألن هذا ما لـزاما أصـبح فدراسـتنا

وما يعرضه من ضرورة . لم تكن جديدة كلماته .ينتظـره مـنا أهالينا

، كل تلك أمور تحدثنا النضوجاتخـاذ خطوات جذرية تنقلنا إلى مرحلة

فـيها كثيـرا وخصوصا مع نهاية كل عام دراسي عندما نشعر باقتراب

سـامي لـم يكـن يناقشـني أو يخبرنـي عـن مـا حصل في .التخـرج

إنـه فقـط يـناقش نفسـه من خاللي ويقنعها بما اتخذه من ،غيابـي

لم أشأ .قـرارات أدت به للوقوع في هذه الحالة من الحزن واألسى

قطـع حديـثه فهـو منسـجم فـي مصـالحة مع النفس ويفكر بصوت

شك على ئ األمان بعد أن أو نحو شاط ءعالـي ويسـحب رجليه ببط

. الغرق

وماذا قررت يا سامي؟ -

ــدي مــن .ســأتزوج وأســافر إلكمــال دراســتي - ــد تمكــن وال فلق

.التوسط لي في إيجاد مقعد بعثة شاغر إلى أمريكا

؟ الحظ تلك التي اخترتهاةومن هي سعيد -

.لم اخترها أنا، لقد فعلت والدتي وأخواتي ذلك نيابة عني -

د حتى اآلن سبب مبـروك يـا سـامي هـذه أخـبار جمـيلة ولم أج -

.ئك وانفجارك بالغضب تجاه اسلوبيبكا

لقـد حضرت يا صالح في وقت ألملم فيه بقايا الماضي، وأحاول -

لقـد شعرت بحقارتي تجاه .تـرتيب تلـك الفوضـى التـي أحدثـتها

إنسـانة مفعمـة بكـل صـفات العفـة والطهـارة، لقد ظلمتها بأن

اللواتي تياتوضـعتها فـي نفـس القالـب الذي كونته عن كل الف

.تعرفت عليهن قبلها

ومـا الـذي جعلـك تفعل ذلك، لم يكن من عادتك االلتفات لنتائج -

.أفعالك

!صالح -

يصـمت قلـيال، ثـم بـدأ يحدثنـي كـيف أنه استغل قلبه ليقتطع منه أجزاء

وكيف أن هذا القلب . صـغيرة ويـوزعها مجانـا فـي سـبيل إرضاء نزواته

مع البقية الباقية من أشالئه فـي آخـر المطـاف انتقم لنفسه حين استج

ئ أبدا أنها ستملك قلبه المهتر وارتمـى فـي حضن فتاة لم يتوقع سامي

لقـد اسـتطاعت تليـين كـل مفاصل غروره .وتـرممه ليصـبح خاصـا بهـا

أيواحـتواء كـل مـرواغاته حتـى انـه لـم يعـد قـادرا علـى اإلفالت من

ة، ومشروعه سيارته الجديد.شـيء فـي حياته ألنها تواجدت فيه بكثافة

الـذي بـدأ بـه، كلهـا احـتاجت مـبلغا مـن المـال سـاعدت فيه تلك الفتاة

رغم تلويحه أجل أن تسعد حبيبها وقدمـته مضـحية بكـل مـا لـديها مـن

المسـتمر بــأن مــا تقدمــه لــه ســيظل ديــنا علــيه تســديده عــندما يحــين

كانـت تبـتلع تلـك الكلمـة بمرارة وتهضمها وتغير تركيبتها حتى .فـراقهما

األحالم التي كمثال على ) سأبقى معك لألبد ( مختلفو ذات معنـى تغـد

كـان سـامي يسـتخف بهـا ويشـارك فـي تعاطـيها مـع الفتـيات اللواتي

هن نشوة وينسيهن الواقع في تواصـل معهـن كنوع من المخدرات يملؤ

ولكـن تلك .حضـوره ليصـبح مـتحكما ومسـيطرا علـى كـل مشـاعرهن

لم .عتها شديدة تجاه تصرفات سامي منا الفتاة كانت مختلفة، لقد كانت

تغـرق فـي الـيأس وظلـت تجمع قلب سامي قطعة قطعة حتى جعلته

من ظـل يحدثنـي كـيف أصبحت جزءا . صـالحا لالسـتعمال مـرة أخـرى

وجـوده تخـتلط بشـدة بكـل تفاصـيل حـياته حتـى أدمنـتها كـل لحظات

ورغـم ذلـك لـم يسـتطع منع نفسه من التصرف كأي شاب آخر ،عمـره

ه في قالب المجتمع وما فيه من عادات وتقاليد تظل تقيده يصـب نفسـ

سامي مضطر للهروب سريعا . وهـو ال يقاومهـا كـنوع مـن االفـتخار بها

مـن أجمـل قصـص حياته بل ربما من أجمل قصص الحب التي استمع

لــه فكــرة شــاب طابــتإنــه .الحــدوثلهــا الــناس كأســاطير مســتحيلة

ولكنه لم يقنع القدر ونسي أن المسـتحيل وظـل يرددها حتى اقتنع بها

العـالم ال ترسـمه قناعتـنا ولكـنه بعكـس ذلـك يـوجه أفكارنا حسب ما

.نائيثيره أمامنا دون انتظار أرا

؟ لماذا ال تقدم على خطوة تريح بها ضميرك،سامي -

.أنا لم ارتكب ذنبا -

.بل فعلت في حق نفسك يا سامي -

عها نفسـي تخصـني واسـتطيع مفاوضـتها مـن أجل ان استمر م -

.وتستمر معي

؟ما اسمها! إذن تركت تلك الفتاة -

حلقة الوصل سـوف أخبرك بالكثير من األمور عنها ألنك ستكون -

. األخيرة بيني وبينها

ال اعتقد ؟ومـاذا تبقـى بيـنكما، بعـض الهـدايا والرسائل والصور -

وربما اتفـتح بابـا إلعادة التواصل بينكم سـوف أراك . انهـا مهمـة

.أن تندملينكأ جروحا تكاد

هناك مبلغ و .لـن تـندمل جـروحنا، وسـتظل ندوبا تذكرنا بأفعالنا -

.مائة وخمسين ألف ريال تخصها كدين لها عندي

كـل هذا المبلغ ال يساوي شيئا مقابل ما قلته لي عن ندوب قلبك -

.يا صديقي

لكنه أقل ما و ،لي هاخيانتي تجاه حب عن ا لـن تعوضها أعلـم أنهـ -

، ا بقـي لـدي مـن نخـوة وشهامة يمكـن لـي تقديمـه ألحفـظ مـ

.وسأظل مدينا لها بأكثر من ذلك

الحب الذي تفاجأ به واللحظات .أكثـر مـن المال يقصـد مـا هـو سـامي

والذكـريات الجمـيلة كلها ال تقدر بثمن، ولكننا نتجه إلى التعويض بالمال

والماديـات كـنوع من إشعار النفس بأنها أدت أقل واجباتها وقلصت من

ي نحـدثها في ن نجعـل مـن المـال ضـمادات للجـروح التـ نحـ .األضـرار

.أنفسنا وفي من حولنا

أن الفتاة األخرى التي اختارها أنـه لمح لي المـؤلم فـي هـذه القصـة،

أهـل سـامي لـتكون زوجـة له، كانت بنفس مواصفات حبيبته المفقودة

ولكــن .ســواء مــن الناحــية المالــية أو االجتماعــية أو الحســب والنســب

ــوذعــودوا علــى أن يســتنفمجتمعــنا تالــرجال فــي بهم وا كــل قــوت قل

ان وحظهالـيكون مـن نصيب الزوجة المثالية ، ومشـاعرها قـبل الـزواج

. هتقضـي عمـرها مـع رجل بال قلب قادر على محبتها وكأنها فتاة أحالم

بنفس طريقة االنتاج ونظل نتكاثر عبر األجيال ،الكـل فـي هـذا مظلوم

ل تغيير صفاته شاذا ومنبوذا في أحسن ، ليصـبح كـل من يحاو التقلـيدية

نه شاب آخر قتل حبه إ. ؤه نهائيا عن المجتمع الحـاالت إن لـم يتم إقصا

ولكن إلحياء أنا كرجل يبدأ رحلة مشابهة، وبجواره أجلس وانتحـر بقلـبه

. روح حب رفضها يوما اليوميبثوقلب كان ميتا

كأنها وداع بين أجفانه و طمأنينة سـامي علـى دمـوع تختمر اغفـت عيـن

ول منه ومن كل ما شـعرت بأنني مسؤ . أخيـر لكـل مشـاعره المكـبوته

.حدث في غيابي

، ورغـم غيابـي إال أن هـؤالء األصدقاء جعلوني حاضرا في كـنت أنانـيا

لـم أشـأ ازعـاج سـامي وسـؤاله عن البقية وعن تلك . كـل اجـتماعاتهم

غرفة ألتفقد تركته في الصالة وتوجهت لل .عنياألحاديـث التـي أثاروها

ادخل .دفتـري الـذي بـدا مشـاعا وكثيـر مـن األسرار رغم ندرتها تفشت

لغرفتـي وارمـي بجسـدي المرهق على الفراش وقبل أن اهم بقراءة

بـنفس الــرقم أحـاول مــرة أخـرى واتصــل الدفتـر ومـراجعة صــفحاته،

ليفاجئنـي مأمـور الخدمـة بحديـثه المتكـرر مـن أن الهاتـف المحمول ال

ارمـي بالسـماعة وامسك آخر الصفحات التي . بـه اآلن يمكـن االتصـال

ينبعث بصورة وجه تـركت مكشـوفة من دفتري، ألجد خطا قبيحا اعرفه

يـائس يخـرج ليتجسـد أمامـي ويحدثنـي بصـوت مخـنوق يشابه صعوبة

.سياق تلك الجمل

:الشبح يستعيد آلته

/عزيزي صالح " "

ل عني، وال تستغرب مني، واعتبر ء، ال تتسا فـي هذه الصفحات القادمة

فلقد اقتحمتني الحياة، ورأيتها من خالل عينيك، .اننـي ولـدت مـن جديد

اسمك كاد ينفجر . ليشـاء القـدر أن أشـاهدك حاضـرا في آخر المطاف

وقـبل أن تسأل من هي المقصودة، سامحني على .لـذة علـى لسـانها

وتقبل مني هدية ، كـل التفاصـيل السيئة، وتجاوز بالمغفرة كل أخطائي

لذلك لن . فلـم اكـن سـوى أرضا للمعركة، وانتم أبطالها .اقـتحام قلـبك

ويظل إعالن النصر ولك نزفت فرحا .أحمـل مـنكما سـوى آثـار الجروح

.والهزيمة مرهون بكما

وفاجأتني ،صـالح لقـد سـافرت إلى دبي، ألجدك قد سبقتني إلى هناك

مات ليعود قدر أن سالم ، وتذكء إقرأ ببط .بحضـورك الـذي افتقده اآلن

انت يا صالح رجل محظوظ .ويـولد للمـرة األولـى فـي هذه الصفحات

ركت عناء ذلك لمن بشـيء واحـد فقـط، أنـك لـم تفكر بنفسك يوما وت

ال . أكره اسمك لكثرة تردده في كل طريق اسلكه لوحدي كدت .حـولك

تكرهنـي وال تكـره نفسـك، ولكن اكره الظروف التي خلقت مني رجال

ظـل حبيسـا في داخلي دهرا، مصبوغا بمظاهر .ر لـم اكـن اعـرفه آخـ

الطيـبة والصـالح رغـم كل الحقد الذي يعتمل في صدره على المجتمع

هـل تصـورت يا صالح أنني أحسدك يوما على ما أنت فيه من .وعلـيكم

أحسـدك علـى أنـك ابن قرية ال يحتاج سكانها للكثير من ..؟ راحـة بـال

ــيل مــن المــا ف ،المظاهــر ــيجعل الجمــيع متســاوين فــي قل ل يكفــي ل

أحسدك ألن عائلتك بعيدة عن كل مشاكلك وال .مسـتواهم االجتماعـي

أحـد يقحمهـا في عالقات تؤذيها وتهين كرامتها لمجرد أنك حلقة الوصل

، وتحفظ أحسدك ألنك ال تحب النساء . والمـنفذ الوحـيد المـؤدي علـيهم

. ظرهاقلبك إلمرأة واحدة ال هي تنتظرك وال أنت تنت

صـالح لقـد ضـربت ناصـر عندما رأيت في عينيه تلك النظرة التي تثيرها

أو عن أي فتاة ، عن أي شيء وكأنه يتمنى امتالكه ثكلماتـه حـين يتحد

لقـد ضـربته ألنني كنت اجمع في .وكأنـه يـريد ممارسـة الجـنس معهـا

قلبـي صـورا متكـررة لكـل تصـرفاته السيئة، وتركتها تتراكم في نفسي

. جرت بطريقة جعلت الدم ينهمر من جبينهحتى انف

كان قريبا . صـر شاهد أختي سارة في إحدى المرات أنـت ال تعلـم أن نا

مـنها لدرجـة أنني ما زلت أكره االقتراب منها ألن انفاسه المستها عندما

والموقف ال كانتا حاضرتين اخته وامي . في السيارة كانـت تـركب معـه

اعترف بأنني انتظرت .يرة من قبلييسـتحق كـل هـذا العداء وهذه الغ

سـببا اعـتقدته وجـيها كـي اطلـق العـنان لشيطاني المقيد داخلي لعله

ناصر لقد توجهت بغضبي نحو .يسـتطيع الثأر لي من كل ظروف حياتي

وال يستحقها، بل حظوظا ال تخصهألننـي كـنت افكـر بـه كشخص يملك

حظ بال راء فكـنت أحـد ضحاياه الذين أصبحوا فق .سـرقها ممـن حـوله

داخلي ان تنزفا كرامتـي وعـزة نفسي كانت .يسـعفهم متـى احـتاجوا لـه

ا بصداقتكم لتندمالما بالسـخرية والضـحك وأضمده م وأخفـيه باسـتمرار

كم . قتنا عال فيتحت رداء المحبة والطيبة الظاهرة بالخجـل تينمتدثـر

أســتطيعبأننــي ال مـرة تحجج فــ أن يســاعدني، مـن مــرة ســألت ناصـر

أنه ال يستطيع التوسط لي حتى في ساخرا ب الحاسـب اآللـي اسـتخدام

ومـرة أخرى كان أشد وقاحة واخبرني أن .اش لـدى والـده وظـيفة فـر

لقـد كنت اكرهه . مسـاعدتي "حسـنة " علـى همظهـري الـرث ال يسـاعد

ولكن ،قد أخطأ كعادته و .، وانتظـر الفرصة المناسبة لذلك واحقـد علـيه

النساء يا صالح، .قيه بعيدا عن صداقتنا بتلـك المـرة تجاوز الخط الذي ن

أخواتـنا وأمهاتـنا اللواتـي أصـبحن كعـورات نسـترها ونخـاف علـيها من

نقـاط ضـعف نخشـى مـن أن تنـتهكها نزواتنا ،االنكشـاف فـي أحاديثـنا

.وتغدو وسائل الستغاللنا وإذاللناالجامحة

لب أط، عندما اقترح علي أن ستراحةكـنا علـى الطريق متوجهين نحو اال

. اخته في التجهيز لحفلة عيد ميالدهامساعدة امـي واختـي سـارة مـن

كمســاعدة تقــدمها ســألته أن يفعــلهــو لــم يطلــب ذلــك إال ألن اخــته

في حفلة الخطوبة تقابلهما األقدار ان شاءتلعائلتـي الفقيـرة بعـد أن

سلت األحداث من حيث عائلة ال مفرح لقد تسل .الخاصـة باخـت سـامي

.حقدي كعنوان ل ق الطرق الذي غدا ملطخا بدم ناصر لتصـل بـنا لمفتـر

شــخص ال يملــك عقــال يفهــم ظــل معلــنا فــي داخلــي نحــو وكرهــي

إنهـم يـا صـالح أشـخاص يتحدثون عن النساء بكل .خصوصـية حالتـي

تها ادخوالي مناأأريحـية، فـي حـين أن اسـم امـي حتى اآلن ال يستطيع

لماذا " قول بكل وقاحة لقد تجرأ لي ".أم سالم " فقط نادونهاهم ي بـه،

لم انتبه ."ال تتـرك سـارة تشـارك والـدتك التجهيز لحفلة عيد ميالد نوف

سم اخته واسم ولـم اقارن بين ا ،ذكـر اسـم اخـته بشـكل طبيعـي ه أنـ

ومن هي تلك .من اسم اختهاكثـر قداسة اختـي واعتبـرت مـا يخصـني

في االخـت التـي تحـتفل بعـيد مـيالدها بطريقة تشبه تحضير االعراس

لقد ضربته واعتبرته انتهك عرضي وعزمت .طـبقة فقيـرة مـن مجتمعـنا

.على ممارسة المثل تجاهه

وال اكـتب لـك هـذه الرسـالة ألني اريد االعتراف بما حدث، ، لـم صـالح

فقلبـي المنهك لم يعد لديه القدرة الكافية للتمتع .ألننـي اشـعر بالـذنب

لرسالة ألن فيها أمرا اكـتب كـل هذه ا . بمـثل هـذه المميـزات اإلنسـانية

فمـا أن بادرت لالنتقام من ناصر في شخص اخته نوف، حتى .يخصـك

عقلها وطريقتها في .وجدت أمامي إنسانة تستحق أخا افضل من ناصر

, تها به أ التواصل الغريب الذي فاج وفهمها لغرضي من ،احـتواء غضـبي

من أن يدعي علهـا تتعامل معي كشخص مكشوف وابسط كـل ذلـك ج

حكيمة احتوتني كإمرأة.الـذي لـم يعـرفه خالل مراهقته وشبابه الحـب

ها وتقبلت مجازفتي في السعي وراء. يفـوق عمـرها مجمـوع أعمارنـا

والسـفر إلـى دبـي مـن أجل التقابل معها بشكل فضائحي يجرح البقية

.تبئة تحت اكوام البذخ والرفاهيةمن الرجولة في ناصر المخ

نوف، بل اكتشفت هن أنا من تتحدث مع في تلك المقابلة يا صالح لم أك

أنهـا إنسـانة ذكية عرفت كيف تستغل هدفي لتوجهه بطريقة سهلة نحو

تلـك الفـتاة يا صالح متيمة بك، لقد قالت لي إنها تعتبرنا جميعا . هـدفها

وعندما تخبرك فتاة بأنها تنظر .كإخـوانها ماعـدا شـخص واحـد هو أنت

م حبها لك كرجل، هذا درس قيلـك كأخ أو أب فأنت تخرج من احتماالت

، ، لـم يعد لدي مكان بينكم صـالح . تعلمـته مـن كازانـوفا شـلتنا سـامي

أحيت فعلتي هذه في .وتعلمـت أنـه يجـب علـي السعي وراء احالمي

لم أكن افكر سوى بنفسي خالل رحلتي . بالحرية ا غريب اداخلـي شـعور

الجتماعي لقد شاهدت عالما مختلفا وشبابا من نفس مستواي ا .لدبـي

يمارسون الفرح والسعادة برغم القلة والفاقة التي اراها في مالبسهم

نحن ابناء الفقر نعرف بعضنا البعض كالقطعان التي .وفـي تصرفاتهم

لقـد رأيتهم وجلست معهم وشاركتهم . تتعـرف علـى أجناسـها بالـرائحة

ــا يســتجمون فــيها .فــرحتهم وعــرفت أنهــم يقــتطعون ألنفســهم أوقات

تجديد الحياة داخل قلوبهم حتى ال تصبح قنابل موقوته تنتظر ويعـيدون

تعلمت يا صالح أن عائلتي . محفـزا يفجرها ويهلك من يقع في محيطها

أمي لم تكن تحبني .تسـتطيع العـيش حتـى بدون أن اتحمل مسئوليتها

.ل القادر على انقاذهم من المشاكل، أو ألنني الرج اعـيل اسرتي ألنـي

ي ابنها فقط، طفلها الصغير الذي تتمنى له الحياة بـل كانـت تحبنـي ألنـ

هـل تعلـم أن اختـي عرضـت علـي أن اخطـب نـوف بعد أن .بسـعادة

أن أبدأ مني ان اخواتـي ينتظـرن ؟ الخطـوبة تلـك حفلـة شـاهدتها فـي

ن غير سعداء ولكنهنن تضحيتي من أجله يتفهم. بانجـاز شـيء لنفسي

التضحية فرصة هنلـوقت يردن مني أن اترك ل فـي نفـس ا فهـن ، بهـذا

اكتشـفت ان مـا تحتفظ به امي من ذهب قليل حتـى أننـي .مـن اجلـي

حـرمت نفسها من التزين به إنما أرادته كرأس مال يساعدني حين اقرر

.الزواج أو البدء في عمل يساعدني على إقامة حياتي

وشبابنا الذي نراهن عليه .وقت لـم يعـد يكفينا كما كنا نعتقد الـ صـالح،

ظوظ كي تتوفر بين تسويف وانتظار واحتمال للفرص والح عبـر بسرعة

لم يبق لك سوى فصل دراسي واحد وها .هـا أمامـنا دون سـعي وراء

أنـت فـي نهايـته، وبعـد فترة سترحل عنا لتجتمع بعائلتك وتترك وراءك

اشخاصا يتحولون تدريجيا إلى ذكريات خافتة تمحوها أضواء الفرح في

. نفسك وتحاول تذكر أسامينايه مـع حتـى يأتـي يـوم تجلـس فـ ،حـياتك

تترك . أنـت بعـيد عنا بكثير من تفاصيلك .هـذا مـا يـتوقعه الجمـيع مـنك

الذي قلبكدون وتجلـس معنا بجسد وعقل ، فـي القـرية هـناك روحـك

ح سامحني يا صال.اودعـته فـي حضـن والـديك قـبل أن تحضر إلى هنا

هذا على ولكـن سأسـبقك فـي هـذه وأجعلـك ذكرى سعيدة مرت بي

لقـد اخبـرتك بمن يحبك واخبرتك ما .الطـريق الـذي تطـل علـيه شـقتنا

، واعتـرفت لنفسـي مـن خاللـك كعادة دأبنا على ممارستها نعـتقد فـيك

سوى أنها كما قال سامي هذه العادة ا ل ال نعرف سبب . كلمـا حضرت بيننا

ترمـي بجملـة واحـدة تجعـل مـن عقولنا تنسكب دون مقاومة : "يـوما

حتـى فـي هـذه اللحظة التي ! درك مـا اقـوى حضـورك للـه " ..أمامـك

. اكتب في دفترك وكأني اتحدث إليك أيها الغائب الحاضر ،افـتقدك فـيها

.طب نفسا ولنا بالتأكيد لقاء مادمنا أحياء

لقـد تـركت لـك مـبلغا مـن المـال تحت فراش الشيخ تركي، : مالحظـة

الشقة إيجاراعذرنـي لـيس بالشـيء الكثيـر ولكـنه مسـاعدة مني في

.".الذي سيحل بعد شهر

الشقة سيحل بعد شهر؟إيجار

فلقد نسيت تاريخ ،ابحث بسرعة في الصفحات عن تاريخ هذه الرسالة

الذي يهتم بمثل هذه األمور بيننا وكـان سـالم الشـخص الوحيد ،العقـد

رفعت فراش الشيخ ووجدت المبلغ بفئات ورقية تدل . بعد الشيخ تركي

شعرت بأن .ماليين األيدي قبل أن تصل إلى هنا علـى أنهـا مـرت علـى

تتسارع. بسـرعة وأنـه يداهمنـي ويضيق علي الخناق نيالـوقت يسـرق

بعـد شـهر وأنا احتاج لشهرين الشـقة ينتهـي عقـد .األمـور فـي ذهنـي

ماذا يحدث .متحانات واحصل على وثيقة التخرج حتـى انهي اال غيـرهما

أين كنت من كل هذا ؟

...ونوف

أمام المرآة أقف مرعوبا فـي هذه اللحظة أجـد نفسـي .. ! نعـم نـوف

أصابعي بشكل متكرر دون أن اصل إلى الـذي تعده وفـي يـدي المـال

في بعد تغرقني نظراتـي إلـى الشخص اآلخر في المرآة .رقـم نهائـي

األضـواء فـي الخـارج وهجهها، وازعاج تفقـد .غائـب عـن هـذا العـالم

صبح صوتا غائبا يبدأ بالتمازج لي السـيارات المـارة علـى الطـريق السريع

بـرد هـذه اللـيلة يذكرني بأن .فـي بـاطن الـرياح العابـرة عبـر نافذتـي

لقد مر .الشـتاء حـل قـبل أن اجمـع مـا يكفـي لـه من دفء في قلبي

الصـيف والـربيع وأنـا كالجـندب الكسـول الذي ظل يتابع النملة ويضحك

إن تلــك لــي؟مــاذا يحــدث . علـيها وهــي تجمــع مــؤونة الشــتاء القـادم

البرودة التي تنتابني ليست سوى اهتمامي البارد بالحياة يغادرني ليحل

.كـل مـا يمكـن احـراقه في فترة وجيزة محلـه نـار ملتهـبة تـريد الـتهام

خوف شديد وكأنني اوشك على ينتابني. ، واتصـبب عـرقا ش قلـيال ارتعـ

ور المباالتي وتقليلي من حجم األم ! لـم اشـعر بمـثل هـذا يوما .المـوت

اعل مع الحياة أصـبح عـادة لـدي حتـى قـتل فـي داخلـي انسـانية الـتف

، وهـا أنـا اصـحو علـى صـفعة مـن رجـل ظل بشـكل عفـوي وتلقائـي

حقد، .أتعسـنا ورغم ذلك غامر بوقته من أجل أن يشبع رغباته الخاصة

حـب، أو أي شـي آخـر، كلهـا مشـاعر تستحق أن نعيشها ،انـتقام ، كـره

.آالتإلى بعدها ونتحول تموتة حتى ال ونعبـر عـنها بكل طريقة ممكن

أين ذلك الشبح " ..نحن اآلت تسكنها األشباح "قـال أحـد الفالسفة يوما

، اريـد مـن آلتـي التـي خلقتها أن تتحرك . اريـده اآلن ..؟ ي يخصـني ذالـ

انفض ، وأنا مصدوم اتجه نحو الصالة .، تفعل أي شيء ممكن تتصـرف

وكـأن الـوقت غـدر به سـامي الـذي يسـتيقظ أيضـا بـنفس االحسـاس

.وجعلـه يغفـو فـي زمـن لـم يعـد يـتحمل أي لحظة نصرفها في النوم

تـذهب ثلـث حـياة اإلنسـان العـادي في النوم، ولكننا كما يبدو قضيناها

بشـكل متصـل حتـى اسـتنزفنا كل ذلك الثلث ولم يعد بإمكاننا سوى أن

.نظل مستيقظين حتى نهاية العمر

ماذا؟ لماذا لم توقظني؟ -

وإيجار ات النهائية بعد أسبوعين من اآلن؟ لم أن االمتحان هـل تع -

.الشقة سوف يستحق الدفع في نفس هذه الفترة تقريبا

:يه وينظر إلى باستغرابيفرك سامي عين

.ومنذ متى وأنت تهتم، سالم هو من يحسب ذلك -

ــبحث عــن - ــه محــتاج لل ــي أن ــا ســامي، واخبرن ســالم انســحب ي

.مستقبله

!..؟ توقظني ولماذا لم..متى جاء؟ -

.لم يحضر إلى هنا، لقد كتب لي رسالة في دفتري -

.اها -

ماذا تعني؟ -

ألم تقل . لم اشعر أنه جاد في كالمه يلقـد قـرأت رسالته، ولكن -

يـوما أن اإلنسـان فـي لحظات ضعفه يصبح أديبا يعترف للعالم

إنها من لحظات .بكـل مـا لديـه ويقـرر أشـياء ال يقدم عليها أبدا

، تلـك التـي اخبرتنا يوما أنها مخلوقة داخلنا فهاالتجلـي التـي تصـ

ربمـا أحب ممارسة .تجعلـنا نـتعامل مـع العـالم بـأدب وحكمـة ل

أو اثارته بعض افكارك التي قرأها في الدفتر أثناء ،األدب معـك

. فحتى أنا كتبت أشياء لم اتوقع انها قد تصدر مني.غيابك

لقد كانت .اتها أمامي بالفعل لقد تذكرت تلك الرسالة اآلن واتضحت صف

عندما اخبرهم عن نظرية أو .ادبـية ومـن الصـعب على سالم أن يكتبها

دون فرضـية اكـون فقط اتحدث عن أشياء أقرأها في الصحف والكتب

مـن كان يتوقع أن سالم قادر على كتابة مثل . بالضـرورة أؤمـن بهـا أن

استجمع إن كان قد و . ولكـن كالمـه خاللها كان صادقا ..؟تلـك الرسـالة

ال ابد أنه يعني اكـل قدراتـه في رسالة يعلن فيها قراراته واعترافاته، إذ

األدب يخرج عندما ينطلق اإلنسان من داخل نفسه باتجاه .ذلـك صـادقا

العـالم لينظـر إلـيه بطـريقة تتناسـب مـع ذاتـه وصـفاتها وظروفها التي

ين كبيرة تشغل اآلخر هكـذا يكـون األدب معبـرا وله معان خلقـت بهـا،

صـدر كمـراجعات لمـراحل مـر بها اإلنسان، أحـيانا ي . وتـدفعهم للتفكيـر

ــرتيب للذكــريات بطــريقة ــة للتشــريح تجعلهــاوإعــادة ت مســطحة وقابل

، لقد أعاد ترتيب كل األحداث وهكـذا كانـت رسالة سالم لي . والتدقـيق

عملية تنظيف للذاكرة .مـن خـالل كتابـتها ليقـرر نهايـة فصـل من حياته

ديـدة مـع األيام المقبلة، لعلي أشعر بنفس األمر تجاه وفـتح صـفحة ج

إقبالـي علـى اسـتغالل كـل مـا تبقـى لـي مـن زمـن في هذه .حياتـي

المديـنة والتعبيـر عـن كـل مشـاعري التـي ظلـت حبيسة قلبي يحرسها

عقلـي كـرقيب يعـرض لهـا األمـثلة مـن خـالل الـتقاط قصص مشابهه

ومتقبالقينـي مخدرا يمارسـها اآلخـرون مـن حولـي وأحللهـا بطـريقة تب

فـي القطـب الشمالي يدور مع الحالتـي التـي كانـت تشـبه شـتاء دائمـ

األرض ويـرى كـيف تتغيـر الفصـول علـى كـل الـبقاع ويظـل عالقا في

. شتائه

، لقد كانت رسالة عنى بها سالم يا سامي لـم تكن ممارسة أدب -

.كل حرف فيها

؟هل تعني أننا لن نراه مجددا -

.اعتقد ذلك -

. أحياءبقيناإن سنلتقي -

محمد وسالم . هـذه هـي المـرة الثالـثة التـي اسـمع فيها هذه الجملة

لماذا يثيرون في "..دمنا أحياء سنلتقي ما " الكـل يقول !..واآلن سـامي

.داخلـي هـاجس الـنهاية بشـكل تصـاعدي وكـأن الموت يتربص بأحدنا

.لمـاذا اتفقـت العقول والقلوب على جملة واحدة في ظروف مستحيلة

أو ؟هـل افقـد عقلـي وأبـدأ باالتجـاه نحـو نظـرية مؤامرة تحاك ضدي

لعلـي بـدأت أشـعر مـثل الجميع لذلك اجد نفسي مكشوفا ليس ألنهم

ون مافـي داخلـي ولكـن ألن مـا بـزغ فجأة في ضميري شابه ما ؤيقـر

أن اعيش الحياة لمـاذا يحـدث كل هذا عندما قررت . كانـوا علـيه دائمـا

ا توصـد األبـواب فـي وجهـي عندما قررت أن لمـاذ ..؟بكامـل تفاصـيلها

.مشرع على مصراعيه بقلب العالماقابل

عجز اللم وشعور باأل . واحس كأنها تمتصني لألسفل ،تـدور بـي األرض

ذاكرتي ترسلني إلى أول . اتصالي بالمكان والزمان ويفقدنـي يحتوينـي

سـقوط مارسـته بـإرادة منـي حـين قفـزت مـن فوق الجبل في قريتنا

ينها نفس الشعور غمرني ح.كل أبناء عمومتي بنفسي ومتحديا امغامـر

اطرافي وأصبحت قدرة السيطرة على ، عندما فقدت الذي اعيشه اآلن

تلك اللحظة. لحظة االرتطام باألرض معلقـا بين السماء واألرض انتظر

بـثت فـي داخلـي لمعـة ألم ظلت تسري عبر أعصابي كوخز إبرة تحفر

،لة الشقة انتظر لحظة االرتطام باألرض أقـف وسط صا . عظامـي فـي

لكـن يـدا تنفضـني وترجعنـي مـن غيـبوبة ألـم استرجعتها ذاكرتي بكل

يتكون للمرة األولى في حياة ا وهم يشـكالن األلـم والحـزن .تفاصـيلها

كـل إنسان وينحت لنفسه خانة في الذاكرة تستمر في تكرار نفسها عند

في كثير من األحيان حن ن.توافـر نفـس ظروف الحدث الذي خلقت فيه

حـزان ونخـاف مـنها كأوهام تتربص بنا على واأل بـاآلالم نكـرر الشـعور

وقـد ندمنها حتى تندمج في مجريات .حافـة كـل موقـف جديـد نمـر بـه

وتشير إلى ،حياتـنا وتطبعنا بصفاتها لتصبح عالمات فارقة يحملها الناس

.ناءشـتهم ومـا مـروا فـيه من شقاء وع حالـة مجـتمعهم وظـروف معي

عالمية األولى ظل يمد يده يوما أن رجال بترت قدمه في الحرب ال قرأت

بها تلك هـواء ليخفف ألم حساسية كانت مصابة باتجاههـا ويحـك فـي ال

قديمة واغيب عن واقعي آالمهكذا كنت أمتد في . القـدم التـي فقدها

أول ت وأثار،فـي أوهـام حادثـة أولـى خلقـت في داخلي شعور العجز

ني ويعيدصوت سامي ينتشلني من أوهامي .ماأحسست به ألـم وحزن

:إلى حيث يجب أن أمارس مشاعري اآلن

. مازال أمامك متسع من الوقت عليك، هون األمر ؟صـالح ما بك -

سهل وصاحب أاالمتحانات سهلة بالنسبة لك، وأما الشقة فأمرها

. من روعكئطب نفسا وهد. العمارة تعود على تأخرنا

آلن واتركني ارتب أموري كي أبدا منذ الصباح ا أنت ، اذهب حسـنا -

.الباكر في استغالل الوقت

.شكرا لك يا صالح على كل شيء -

لـم افعـل شـيئا يستحق الشكر، ربما كنت مقصرا في وقت كان -

.وض أن اشارك في األمور بشكل أكبرمن المفر

ــتها - ــت لعلــك احســنت صــنعا حــين تجاهل ، مــن يــدري كــيف كان

.ستتشابك األمور

.كن أن تسوء أكثر من ذلكال يم -

.بالفعل ال اتوقع أن تكون أسوأ من هذا -

.نسأل الله أن يجعلها آخر المشاكل ويكفينا شر أنفسنا -

سامي ورقة فيها تفاصيل ما يريد مني فعله مع تلك الفتاة التي يناولني

ابتسامة المستغرب لما يسمع، ويرفع حاجبه يرسم على شفتيه .فارقها

األخيرة اراجع استعدت كلماتي .جه نحو باب الشقة ويهـز رأسـه وهو يت

وسـمعت صوت الشيخ تركي يخرج من فـيها مـا دفـع سـامي لالبتسـام

.ئ تجاه تغيري المفاج امي بالسخرية ربمـا هـذا مـا اشـعر سـ . داخلـي

فعالقتـي بالــدين لـم تكــن لهـا طابــع األلفـة الــذي يجعـل مــن حولــي

.ن إحدى خطب الجمعة يـتوقعون دعـاءا مركـزا كهذا وكأنني التقطته م

يتم صرف المكافآت إلى أنخـرج سـامي بعد أن قدم لي بعض المال

لـم أكن احتاج إلى أكثر مما يوفر لي الدخان .الجامعـية الشـهر المقـبل

أما اللحوم فهي ، )تـونه ، جبن ، خبز ( واألكـل المكـون فـي أغلـبه مـن

أو شهرية نـادرة وبحسـب الوفرة والمناسبة وربما تصبح أحيانا اسبوعية

حياتـنا تـبدو صـحية لـو تطلـع إلـيها أحدهم من الخارج وهو ال .التكـرار

وربما ما يجعل .يعلـم أنها غير مقصودة لغرض المحافظة على الصحة

الفقـراء أطـول عمـرا هـو أنهـم يفـتقدون إلـى الطعـام المتنوع والذي

يحمـل فـي كثـرته ووفرته شيوع بعض األمراض بين األغنياء والعوائل

. وسطة في مستوى معيشتهاالمت

فطول العمر في .مـا اجمـل أن يشـعر الفقـراء بتميـز معين ال يريدونه

ظـروف مـثل ظـروفهم إنمـا يجعلهم أكثر اقداما على البحث عن المال

الحياة ساخرة. ن احتماالت وفاتهممـن أجـل أن يعيشوا بطريقة تزيد م

س تعاسة أو بمـا يكفـي لتنسـيني أي لحظـة اعـتقد فـيها أننـي اكثر النا

وحمـد اللـه علـى النعمة إنما هو شيء يحدث حين ينظر الناس .يأسـا

كثيرة هي األحاديث .إلـى غيـرهم ويقارنـون مـا يملكونه وما يفتقدونه

تعيس المليونير في نظرنا مثال إنسان . بهـا بعضـنا الـبعض نهـدئ التـي

م ، والفقير سعيد ألنه ال يحمل اكثر من ه ألنـه دائـم التفكيـر فـي مالـه

.يومه

وانـا فقيـر في قلبي ولم يعد يهمني سوى عبور األيام البسيطة القادمة

بطـريقة اجعلـه فـيها يعـيش مـا تبقـى لـه مـن فرص سانحة لتدب فيه

لقـد كـنت تعيسـا بعقلـي الغني، كثير الحرص عليه . مـن جديـد الحـياة

. والمحافظة على تزايده واستمرار ارباحه

.داث كثيرة ذكرها سالم في رسالته إلـى الهاتف وأتساءل عن أح أنظـر

لقـد اخـتفت أغلـبها وعلـق فـي ذهني ما يخصني بداية من المال تحت

استحقاق إيجاروقت االمتحانات وموعد وانتهاء ب ،نوفمرورا ب ،الفـراش

. الشقة

أتـت علـى حـين غـرة مـن عقلي، أول ردة فعـل طبيعـية اسـتمتع بهـا

. دون الحاجة إلرادتيومارست نفسها

كـنت إنسـان طبيعيا جدا، حمل هم المال . فعلـتها للمـرة األولـى لقـد

وقدمـه علـى هـم القلـب والحـب وأخيـرا ادرك قـيمة الـوقت في تدرج

.تصـاعدي بسـيط تثيـره فـي داخلنا النزعات والغرائز اإلنسانية الطبيعية

وكـيف أنهـا حملـت الكثيـر مـن الحب ، اسـترجع تفاصـيل رسـالة سـالم

ه الكـريمة لمسـاعدتي األخيرة ومشاركتي فـي بادرتـ تجاهـي المتمـثل

كـان مـن المفـروض ان يتفـتق قلبـي قليال ليالمس تلك .أجـرة الشـقة

نزلت . الكلمـات ويعاملها بثناء وشكر ويرسل لمن كتبها محبتي وتقديري

بنوع من ا، وشـعرت بحـزن يتصـاعد داخلـي ممـزوج دمعـة مـن عينـي

ت له العنان بغرض وعندما أطلق، فقلبي افتقد ممارسة مشاعره .اللـذة

هــذه الفرصــة وبــادر إلــى ســتغل االحــب فقــط وال شــيء آخــر غيــره

فقدت يبدو أنني .ممارسـة الحـزن كمقدمـة بسـيطة تشـير إلـى عـودته

تداركت ذلك بما أثارته .العقلي الذي تعودت عليهجـزءا من ذلك التجرد

في شكلة الوقت لدي وكيفية أنه غدر بي م مالحظـة سـالم األخيرة من

سالم وسامي تحدثا .ةظة التي قررت أن استغله بكل طريقة ممكن اللح

في أحاديثهم وأحلل كل جزئيات ما أخبروني به، لكن ألذوببمـا يكفي

المفاجـأة أننـي بكـل بسـاطة أصـبحت مسـكونا بذاتي التي فقدتها منذ

غادرها عندما التي إنه يحرك آلته.يسـكن جسـدي عـاد الشـبح ل زمـن و

.صدأت مع مرور الوقت فتركها لي حتى ،م فيها حاولـت مشـاركته التحك

لــت عقلــي عــن وســيطرته بعــد ان عط كامــل ســطوتهلقــد اســترجع

ومـن وسـط الظـالم يظهـر لـي ذلك ، علـى الفـراش أرتمـي . مقاومـته

يعبث بمجموعة من فرحا بتحركاتي العشوائية كطفل الشـبح المـزعوم

يرغمني . يضـحك مـن عـدم رغبتـي في منعه، ويغمز لي بعينه .االزرار

تشتت كل ، والتي أخذت لتلك البراءة التي غمرت نفسي علـى اإلبتسـام

، واتسامح مع جعلني اتوحد مع العالم من جديد شـكوكي ومخاوفـي وت

افحة ذلك احاول مص .ن جوانحـي يروحـي الهائمـة واجعلهـا تسـتكين بـ

يدي تهبط تدريجيا نحو صدري تستمتع ولكـنه يتجاهلنـي ويتـرك الشـبح

يخـتلط فــيها الــتعب وأنفاســي المتراقصـة بنشــوة لذيــذة دقات قلبــي بـ

عازمـا ومصـمما على بداية رحلة قصيرة واالنهـاك لـنهاية رحلـة طـويلة

.وسريعة

:الرابح األكبر

، فـيما الـراحة والطمأنينة تغمران اسـتيقظت علـى صـوت آذان الفجـر

لذي الحب ا هو ربما .تركه يقودني باتجاه من يحب منذ أن قررت قلبـي

حب من نوع ه لكن.نـوى علـيه مـنذ اول نظـرة اختطفتها من عيني نوف

نحــو ألفـة انظــر مـن الـنافذة تشــدني .أخـر يشـيع فــي أرجـاء نفسـي

لعـل روحي أصبحت رقيقة تبحث عن قوت يقويها .المتجهـين للمسـجد

كي وتشجعني أرى قـوة تمـد يـديها لي . الجديـدة إرادتـي كـي تـتحمل

أفق يوشك على انجاب في مسيرتها تحت تلك الجموع الخاشعة انضم ل

اشعر بأنني خلقت للتو وقلبي .شـمس يـوم جديـد بقدر قديم منذ األزل

إنسان، فطرة البحث في كـل يخلـق بهـا التـي يمـارس فطـرته األولـية

ها طمئنها ويمأل يل، اإليمـان الذي هو قوت القلوب داخلـه ومحـيطه عـن

. ة دون خوفياا نحو الحه يدفعارجاءا ويضمن لها ملجأ آمن

المسـجد فـي هـذه الحارة لم يكن كمساجد القرية، فهو في حي تكثر

لذلك لم يكن . العـزاب، وأغلـبهم طلـبة يتغيرون باستمرار عمـارات فـيه

أحد في هذا الحي يفتقدنا أو يالحظ غيابنا عن صالة الجماعة، بعكس

، اكتشاف المقصرين في صالتهم بسهولة لسـكانها القـرية التـي يمكـن

يصـبحوا بعد ذلك هدفا لالمتعاض أو التشكيك في رجولتهم التي جرت ل

.وليس لإليمانجعل االلتزام بالدين قياسا لها ب يهاالعادة عل

ن فيه يمارسون نفس الشيء، لكن والحـي المسـتقر هـذا ربمـا أهـل

تنشـأ مـن غـياب الرقابة تجاه ية التـي يشـعر بهـا الشـباب العابـر الحـر

قياسـات لـرجولتهم تغـيب لتطلق لهم قياسات وتلـك ال .اسـلوب حـياتهم

أخـرى يمارسـونها فـي العاصـمة مـن خالل العالقات الغرامية أو حتى

القــدرة علــى افــتعال مشــاكل الشــغب دون الخــوف مــن تهــم الــتهور

وهكذا .والفسـق والفجـور التـي تلتصق بهم كفضائح يتداولها المجتمع

من هذه للدراسةالقادمـين نحـو العاصـمة يتحـرر الكثيـر مـن الطـالب

الـرقابة االجتماعـية المتمـثله فـي مـتابعة المداومـين علـى الصالة في

تشارك اوجعلتـنا قطعان فقـد قـتلت العـادة الـرقابة الذاتـية، .المسـجد

الجمـيع ظاهـرة الصـالة فقـط الكتسـاب خانـة اجتماعية أو للتماثل مع

.ن االلتزام بالتقاليدبقية أفراد المجتمع كنوع م

حة للصالة في المسجد، داخلي ل اجـد فـي نفسـي رغبة م هـذه المـرة

.)العبادة: (نداء خفي يشدني نحو ابسط قيم الحياة تطبيقا واقلها كلفة

الق قادر ومتحكم بكل رابـط يعلق قلوبنا بالرحمة والرجاء واإليمان بخ

مــن جــاور ( .شــعرنا بالطمأنيــنةي الخالــق مــن اقتــرابنا.ظــروف حياتــنا

الخالق ويديرها ، وحكومة هذا الكون كله يملكها )الحكـومة امن عقابها

. ال شريك لهوحده

قلبـي يحدثنـي بكـل هـذا، بعـد أن كـان عقلي مليئا بالشكوك بحثا عن

وأحاديث . فـي داخلـي الحاجـة لإليمان أثـار الحـب فـي قلبـي .اليقـين

تدفعني نحو اختيار ،محمـد عـن الـرذائل والفضـائل، والجـنة والجحـيم

سعيت وراء عقلي مدة طويلة .ة والطمأنينة لروحي جـاه يحقق الراح ات

معـتقدا فـيه النـبوءة التـي سـتثبت اإليمـان فـي قلبـي، وأهملـت دالئل

من خاللها غـرقت فـي التفاصـيل الصعبة التي بررت ، ف واضـحة وسـهلة

.ة ابتعادي عن الدينحالللشيخ تركي

إجـباري على الذهاب معه فـيه حـاول تركـي ، فجـرا يشـبه هـذا تذكـر أ

لم يكن يغضب مني، . ولكننـي اكتفيت بمشاهدته من النافذة ،مسـجد لل

على ويواظب بل يدعو لي بالهداية ،ولـم يكـن يعتبرني فاسقا أو فاجرا

بذرة صالحة يمكن لها االستيقاظ تذكيـري مؤمـنا بـأن داخـل كل إنسان

.في أي وقت

وأن امشي للمسجد هذه المرة، يكـون مـتواجدا معـي وانـا تمنـيت أن

تنا كانـت خـالل عـبور هـذا الطـريق نحـو دار العبادة حيث ينفرد نقاشـا

.حد يتدخل فيه ]المخلوق بخالقه في تواصل ال

يحـتوى نقاشـي كشخص يعرف الحقيقة ولكنه يريد إعادة تركـي كـان

عاملني في مرات كثيرة وكأنني شخص .اكتشـافها ليصبح أكثر تملكا لها

، م اخرج يوما من هذه الملة ل.د أحـب اإلسـالم ويـريد الدخول إليه ملحـ

وينكشف من ظروف مواتية حولي ولكـنه تفكيـري الـذي اخفـيه في ما

امشي نحو . أحـيانا لمـن يدقـق فـي أسـئلتي الكثيـرة حـول هـذا األمر

المسـجد ونسـائم الفجـر الـباردة تعـيد تفاصـيل نقـاش جاء في نفس

.األجـواء وغادرني بعده تركي نحو نفس المسجد وعلى نفس الطريق

بدأ األمر حين ذكر . سـتعيد في كل خطوة اتقدم بها حوارنا جملة جملة ا

تركـي أنـه ينتظـر منـي اللحظة التي أعلن فيها إسالمي، في تعبير الذع

لكنني عاملته ببرودي . لي يريد منه أثارتي وإخراج كل ما لدي من أفكار

يظــل قصــده الطــيب ،همــا حــاولم ف.المعــتاد تجــاه مــثل هــذا األمــر

: في مالمح وجهه التي تشع إيماناا مكشوفوالمتسامح

أتعلـم يـا تركـي أن اإللـه فكـرة يعبـر كـل إنسان بها عن حاجته -

لمـلء خانـة فـي داخلـه تطمئـنه وتـزيده شـعورا باألمـان خالل

؟عيشه في هذه الدنيا المليئة بالمتغيرات والصعاب

؟هل تعني ان الرب غير موجود -

تي لخص بها بحثه ال أعنـي ذلـك، ولكـن لكـل شخص طريقته ال -

جميع البشر مؤمنون .وانـتج لنفسـه فكـرته الخاصـة عـن الـرب

.بشكل أو آخر

ولود يولد مسلما ما لم إنـك تـتحدث عن الفطرة يا صالح، وكل م -

.، فإما يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانهيغيره والداه

هــذا الحــديث، ولكــن الفطــرة فــيه ال تعنــي بالضــرورة اعــرف -

وطـريقة للتعـبد ولـيس من المعقول أن ألنـه شـريعة .اإلسـالم

يـولد شـخص وهـو يعـرف كيف يصلي الفروض الخمس وكيف

. يتوضأ أو ما هي أركان اإلسالم

؟إذن ماهي الفطرة -

تأتي الشرائع لكي هـي اإليمـان المجـرد والكلـي وعلى أساسه -

توضــح لإلنســان كــيف يتواصــل مــع ربــه ويتقــرب مــنه ويــرجوه

ي جعلت نبي الله ابراهيم عليه الفطـرة هي الت . ويخافـه ويحـبه

السـالم يـتأمل الشـمس والقمـر ويفكـر فـي ربه حتى أدرك أنه

.شيء يفوق كل هذه الظواهر الطبيعية

.لقد وصلت لنفس النتيجة -

؟أي نتيجة تقصد -

-

أن الفطـرة هـي اإلسـالم، فنبـي اللـه ابراهيم عليه السالم ملته -

.الحنفية وهي ملة المسلمين كلهم

، ولكنها معنا باتجاه اله واحد ال شريك لههي ملة تجال يـا تركي، -

ليسـت شريعة تتحكم بتصرفات اإلنسان وتوجهه ليمارس الحياة

.في هذه الدنيا

أنـت يـا صـالح تـبحث عـن شـيء لـم تفقده ألنك ولدت في اإذ -

فلماذا ال تختصر على نفسك وتحمد الله على نعمة أنك .وسـطه

.ولدت في مجتمع مسلم

تمع مسـلم، فهـذا ظـرف قدري ال أملك الخيار أن أولـد فـي مجـ -

. ولكننـي فهمـت أن اإلنسـان مخير ومسير، وعابد وعبد .تجاهـه

فهو مسير وعبد في أقدار ال يمكن له منعها مثل المرض والفقر

لقد خلق الله لنا .والكـوارث الطبيعـية، وعابـد مخيـر فـي إيمانه

ا عن وهـذا فرقن كـي يحاسـبنا بمـا انتجـته مـن خـيارات، عقـوال

.الحيوانات

دك نحو نتائج قديمة ناقشها من لكـن عقلـك يـا صـاحبي لـم يقـ -

. قرون مضتمنذسـبقوك حتـى أهلكـوها نقاشـا وأقفلـوا عليها

فلمـاذا ال تستخدم عقلك في استخالص المفيد من تلك التجارب

؟القديمة

، العقـل يظـل معلقـا بمنطق األحداث التي يعرضها الواقع تباعا -

عقولنا اليوم تتعامل . ة عـن تلـك التي سبقتنا اتـنا مخـتلف ومجتمع

مـع ظواهر ذات طابع له نفس الركيزة ولكنه مختلف في نمطه

ثيـر فـي العقل فحتـى الذنـوب أصـبحت لهـا مسـميات ت .ونسـقه

.الرغبة في ممارستها

في تمييز ئاسـتغفر اللـه يـا صـالح، ال يـوجد عقـل سـليم يخطـ -

المسلم أن يكون شرط ايقاع الذنب على ف. الصـالح مـن الطالح

راشـدا وعـاقال، وأنـت قلـت أن الله خلق عقولنا كي يحاسبنا بما

الخالـق الذي خلقنا في احسن تقويم، .تصـل إلـيه مـن خـيارات

يعلـم أن عقولـنا التـي منحـنا إياهـا قـادرة على تمييز الصح من

.الخطأ

نحــن نــدور فــي حلقــة مفــرغة ونتشــعب فــي تفاصــيل الــردات -

غريزة مخلوقة بجانب العقل، والرب أيضا ال .اإلنسـانية لكـل فرد

يعــرف أن تلــك الغريــزة قــد تفــوق قــدرة العقــل علــى التمييــز

تصل أحيانا لمستوى التماثل مع ببدائيةوتجعـل اإلنسان يتصرف

.تصرفات الحيوان

؟إذن كيف تثق بعقلك وأنت تقول أن غريزتك قد تطمسه -

يلة توجهني ال أثـق بعقلـي كنتـيجة نهائـية ، ولكننـي أثق به كوس -

.نحو ما أثق به متى تحقق

.وماهو ذلك الذي تثق به وتنتظر من عقلك أن يوصلك إليه -

.اإليمان -

.تقصد الفطرة -

.نعم -

. لقد عدنا للبداية -

، ولو فعلنا ذلك النتهت أكـن أحـاول الوصـول معك إلى نهاية لـم -

.مشاكل اإلنسان على هذه الدنيا

.ك في حالة انتظار اول إقناعها بأن أنـت تـدور حـول نفسـك وتحـ -

اختصــر علــى نفســك يــا صــالح وال تجعــل روحــك معلقــة فــي

قراءات وتحاليل منطقية لن ترقى بها إلى فهم الحكمة المطلقة

الذي تريده لنفسك خاصا ال يشاركك به ولن توصلك إلى اإليمان

.غيرك

.قالت األعراب آمنا -

.بكمقل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل اإليمان قلو -

، ي مـنذ أن كتـبوا ذلـك فـي شـهادة ميالدي وأنـا أسـلمت يـا تركـ -

.فاترك لي فرصة الوصول إلى اإليمان

لكـن اإلسـالم يـتطلب منك بعض العبادات، وصدقني من خاللها -

.يمكن لك ادراك اإليمان بطريقة أسرع

نحن .تلـك العـبادات أصـبحت عادة تشبه لبسنا للعقال والشماغ -

ة آلية تخلو من أي معنى حقيقي يؤدي نـتماثل مـع القـدر بطريق

.الحكمة المستهدفة من انزال الشرائع

، وخالفته لألرض إنما حـياة اإلنسـان علـى األرض تحتاج قوانين -

وخـالل هـذه المـرحلة يحتاج لتنظيم يحفظ مصلحته .ألعمارهـا

.الخاصة والمصلحة العامة لمن حوله

كافية لجعلي لـو كـان األمر كذلك فقط ، فإن القوانين الوضعية -

اقتـنع بـأن إعمـار الغـرب لما استخلفوه من جزء لهذه األرض ،

هـو أفضـل ممـا لديـنا في شريعتنا والذي لم يوصلنا إلى ما هم

.عليه من إعمار

، إنما هو بالحفاظ ليس بالبنايات والتكنولوجيا اإلعمـار يـا صـالح -

.حتى يتوفاها الله ويبت فيها أمرهعلى الحياة مستمرة

لحـياة يـا تركي سوى التفاصيل الصغيرة التي نسعى ومـا هـي ا -

ــندفع ورا ــين أقــدار مبعثــرة ي هــا اإلنســانءالحــتوائها مــوزعة ب

. للحفاظ على حياته وحياة من يتطلب منه رعايتهم

هل يفرق لو استخدمت جمال أو سيارة ؟ -

؟ أين أعيش أنا وأين يعيش الجمل:السؤال هنا -

. كالكما في نفس البيئة والمجتمع -

أين أعيش أنا :أجبنيظـر مـن حولك وأعد صياغة كالمك لي و ان -

.وأين يعيش الجمل

ال ادري يـا صالح، أنت تريد إخباري أن إيمانك مازال منتظرا وأنك -

ولكن كل . تسـعى لـه مـن خالل التفكير بكل التفاصيل الصغيرة

التفاصـيل التي تريد تحليلها تتبعثر على خارطة واسعة من التنوع

.تماعي وحتى على مستوى العقول والقلوبالبيئي واالج

تفاصـيلي التـي اجمعهـا ابنـيها على ما يطابق خارطتي البسيطة -

التـي تمثلنـي بكـل مـا اكتسبته أو ورثته من صفات عقلية وجينية

وهـي أمامـك اآلن فـي بيئة جديدة تحتاج إلى قيم أخرى تقيمها

.وتعمر حياتها على هذه األرض

؟ متى تؤمن،صالح اخبرني -

ــاذا يتصــرف ا عــ - ــنهم ندما افهــم لم ــتوقع م ــا ن ــناس بعكــس م ل

.كمسلمين

دلــيل هـل تعنــي أنـك تــبحث عــن المفقـود لــدى اآلخـرين ألنــه -

إدانتهم وهو ما يجعلهم مذنبين؟

نعـم يـا تركـي، فهـناك رجــال يداومـون علـى الصـالة ولكــنها ال -

ن يصومون وال ينهاهم وتـنهاهم عـن الفحشـاء والمنكـر، وآخـر

ن وأي إسالم هذا الذي يمارسه المسلم . لزورذلـك عن الكذب وا

أال تنظـر إلـى الـناس كيف . وكأنـه هـواية تمـأل أوقـات فـراغهم

أصـبحوا يذكـرون اللـه بطـريقة رتيـبة تخلـو من أي معنى عميق

.في داخلهم عناصر الفضيلة والصالحيحرك

.ال تنسى الشيطان -

.والنفس األمارة بالسوء -

ا صالح رجل يريد تحقيق معجزة أنت ي . لهال حـول وال قوة إال بال -

. عن المستحيل كي ينشغل عن الممكنباحثاالعالم المثالي

ولكن يكفيني شرف المحاولة ألنني ربمـا هـذا صـحيح يا تركي، -

بأسهل اإن لـم أحقـق المسـتحيل سـأعود ألجـد الممكن متوفر

.الطرق

.لعلك تموت ونحسبك شهيدا -

؟ الله شهيدا في سبيل -

ومـا فـي قلبك لن ادخل في .تسـعى لـه شـهيدا فـي سـبيل مـا -

نقاشـه، لقـد ناقشـت عقلـك، وأمـا نـواياك فـال يطلـع عليها غير

. اذكره واستغفره.الخالق

.استغفره كثيرا واطلب رحمته وعفوه، ال اله اال الله -

تشاركني ، وانتظر منك يوما الرحمناتـركك يـا صـالح في رعاية -

.بعقلك الكبير الدعوة إلى سبيل الله

اتمنى لو انني لم اخلق بعقلي الله يا شيخ تركي اغبطك و انـي و -

يه اإليمان ، فاحمـد ربـك على قلبك الذي رزقك به وادخل إل هـذا

.وأسأل الله ان يثبتك عليه

اخبرنـي اآلن، مـا رأيـك لـو أديـنا العمرة سويا هذه . شـكرا لـك -

.السنة

؟مكة المكرمة -

ن العمرة ؟وال يا شيخ، وإين يؤدي المسلسم -

لـنقاش بابتسـامة رضـا وتفاهم وتسامح لم تحمل سوى هدف ينتهـي ا

صــبت كــل ثقافاتــنا وقــراءتنا فــي ســبيل ، فواحــد فــي نهايــة المطــاف

هكذا شعر . الوصـول بأنفسـنا ومجتمعـنا إلـى أعلـى مسـتويات الصالح

الشـيخ تركـي تجاهـي، لـذلك تمنـى مني اإلسراع في مشاركته رحالته

فيها الناس ويحمسهم لاللتزام المسـتمرة في القرى والهجر والتي يذكر

معلوماته الدينية تفوق ما لدي، لكنه يرى نفسه .بسـيرة السـلف الصالح

صرح لي في أكثر من مرة أنه لقد . أقـل منـي فـي القدرة على التفكير

ود لـو كـنت حاضـرا لـنقاش احـد اولـئك الخارجـين فـي مجتمعنا حديثا

تصوره عن المعنى بمسـميات ليبرالـي وعلماني وهم أبعد ما يمكن لنا

.الحقيقي لتلك المصطلحات

وكـم تمنـيت لـو قابلته ألخبره أن امنيته تلك تحققت في حضور شخص

.آخر لم يتوقع أيا منا أنه قد يهتم بهذه األمور

!ناصر

وما أن وصلت حتى .عـندما خطـر فـي ذهنـي كـنت قـد دخلت المسجد

اء داخل شـعرت باالحتو وقفـت بـين المصـلين و . للصـالة أقـام المـؤذن

انشراح .حلقـت في نفسي أمنيات التواصل مع الجميع هـذه األجـواء، ف

روحـي وانـدفاع يرسـم علـى شفاهي بسمة هادئة تصافح المجاورين

الفجر له . أرى فـي أعيـنهم مبادلتـي لنفس الشعور ، فـ لـي فـي الصـف

طابـع الصـفحات البيضـاء التـي تفـتح ألول مرة ليكتب فيها كل شخص

ص نظر إلي ألفة وسعادة فـي صـفحة كـل شخ كتـبت ، ف أحـداث يـومه

ما لم احتج للكثير من التركيز كي اشتت . هذا أهـديها له في بداية يومه

صـوت اإلمـام وقـراءته سـحبت قوابس .تـبادر فـي ذهنـي عـن ناصـر

طمأنينة سرت .العقـول، وربطتـنا جميعا في خشوع مباشر مع الرحمن

رت بين السماء بـين الصـفوف جعلـتها كأنهـا تطفـو علـى سـحابة استق

لذلك . أخذتـنا السـكينة لـبعد آخر ال يمت لهذه الدنيا بأي صلة فواألرض،

فترة الصالة كاملة، حتى أنني بعد أن أنهينا خالل لناصر وجود يكـن لـم

الصـالة بـادرت بالـتوجه لإلمـام للتعـرف عليه والدخول معه في حديث

عيني رأيت في. منـي فـي تقـديم أبسـط شكر وتقدير له ودي محاولـة

مالمح تركي تتجسد أمام .ذلـك الشـاب صورة حملتها حتى قيام الصالة

، تال منها يجيبني عن القراءة التي .عينـي فـي وجـه هـذا اإلمام الشاب

ويخبرنـي أنـه دأب علـى تداول القراءات السبع كنوع من تعريف الناس

شـكرته وعـزمته فـي بـادرة اجتماعـية عفـوية مارسـتها كنوع من .بهـا

شكرني ووعدني بتلبية دعوتي فلعـادات مجتمعـي في قريتي، الحنـين

وليس لديه وقت كاف شاب مازال يدرس في الجامعة إنه .مـرة أخرى

لقـد شـاءت الفرصـة أن يخـتاره أهل هذا .ويـريد اللحـاق بمحاضـراته

بهـم فـي غـياب إمام مسجدهم، فجعلوه إماما دائما بعـد أن أم الحـي

.لحكومية المسئولة عن تعيين األئمة لـه علـى الدائرة ا وتقدمـوا بطلـب

كما وفكـان مـن حظـه ان حصـل علـى راتـب إضافي يعينه في غربته،

فهمـت والحظـت هـو شـاب عـازب يقطن في عمارة مجاورة للعمارة

فرحت .تـركته وانا اتذكر في قسمات وجهه الشيخ تركي . التـي أسـكنها

عابرين في أولئك الواهذا الحي وجدسكان لهـذا الشـاب ولنفسـي ألن

بـأن الشباب مازال فيهم من الخير ما يجعلهم همر يذكـ ا مخـتلف اشخصـ

.لون ويغيرون نظرتهم الثابتة تجاهناءيتفا

مشـيت قلـيال فـي الحـي، وتـوقفت امـام حديقـة عامـة تقع في الجهة

رأيت فيها .االخـرى مـن الحـارة حـيث يفصـلني عـنها مسـافة شـارعين

يدا عن أعين مراقب البلدية عامـل نظافـة يسـرق لحظـات يغفو فيها بع

منهكا وأطرافه تتبعثر كان .المشـرف علـيه فـي هـذا الجزء من المدينة

علـى مقعـد خشـبي طـويل يختفـي نصفه ببعض األشجار، على وجهه

اقتربت .جـريدة ذكرتني بأني لم استمع ألحداث العالم منذ فترة طويلة

ليتأكد ا ونظر إليعاستيقظ مفجو ف، ورفعـت قدمـيه علـى المقعـد همـن

ابتسمت .ا تهديد واضح م فيه تين بعينين غاضب إلي نظـر .مـن شخصـيتي

.وأشـرت لـه أن ينـتقل إلـى مقعـد بعيد في الطرف اآلخر من الحديقة

قة الحـظ أن نصـيحتي جـيدة، فمكانه مكشوف للمارين أمام باب الحدي

ه متحفز االنتباه وله الذي جعل ؤ مس وقـد يصـدف أن يكـون أحد المارين

أطرافه ستجمع به، وينصحته إلـى المقعد الذي تجهيـ . هحتـى فـي نـوم

تأملته قليال . ثـم يـتكوم فـوق المقعـد كركام من العظام حـول جسـده

، لكن حظ هذا الرجل ال بحـثت فـي جيبـي عـن أي شـيء أقدمـه لـه و

فلم يكن لدي شيء ومحفظتي .يحـتاج لحـظ عاثـر كـي يعطـف علـيه

ستنفجر اخرين وكأنه بالـبطاقات والـرخص ممـا يجعلهـا تبدو لآل ئتمتلـ

دت لو استعرض فـي كثير من اللحظات ود . المـال المكتنـز داخلهـا مـن

سمعتي تشوه حتى ال ت هـذه المحفظـة للجمـيع في الجامعة محـتويا

، أولئك الذين في خانة واحدةأبـناء األغنـياء والمسـئولين بوضـعي مـع

مون من تـتجه إليهم دائما إشارات االتهام بأنهم يشترون الشهادات ويتعل

يبدأ انا حين نكتشف ذكاء أحدهم وحرصه ف نظلمهم أحي .أجـل المظاهر

باالنـدماج معـنا فـي المحاضـرات والتواصل معنا وربما خدمتنا بما لديه

أو نسخ مجموعة من ، كـتحمل مصـاريف األبحـاث كاملة مـن إمكانـيات

أبناء ذوي الدخل يتقـبله حيـنها فقـط ، األوراق لعـدد كبيـر مـن الطـالب

د وذوي الـدخل المعـدوم كرجل يستحق التقدير ألنه ساعدهم المحـدو

ون ببذخ بين وكـان رجـال بعكـس اآلخـرين مـن المـرفهين والـذين ينتقل

فوقية تجعل كل من حولهم يشعر ممـرات الجامعـة وفي أعينهم نظرة

. بدونيته

حملـت الجـريدة مـن على المقعد وقرأت فيها أخبارا معتادة عن قضايا

شاهدت إعالنات جديدة .العالقـة مـنذ نصـف قرن ب والمسـلمين العـر

اتف مميزة، بيع وعـن وظائف شاغرة وإعالنات مكررة عن بيع أرقام ه

تشعرني ..محـالت لعـدم التفـرغ ، التـنازل عـن خادمات ونقل كفالتهن

اأشخاصو، بـأن هـناك حـركة فـي المجتمع صـفحة اإلعالنـات المـبوبة

تـنا الشخصـية وبعـض من ممتلكا .لـديهم مـا يعرضـونه للبـيع والشـراء

بهـا بعض أفراد المجتمع تصبح متداولة بشكل ىالمميـزات التـي يحظـ

تجـاري بـين الـناس عـندما تقلـل الدولـة مـن خـدماتها فـي نفـس تلك

مللت القراءة لهم، يكررون أنفسهم حد مقاالت أخرى لكتاب . المجاالت

الساخر، مازالوا يمارسون االنتقاد الالذع أو .ال يقدمـون حلـوال السـأم و

يتركونهم يعيشون ف يثيـرون المواطنـين تجـاه مشـاكل الحـياة اليومـية و

على حلـول يمكـن لهـا أن تخـدمهم حـاالت القهـر والتفكيـر دون طـرح

فتحت . التوتـر حـدة مـن تخفـف التـي هـدئات دور الم عبـر تأديـة األقـل

الصـفحة األولـى مرة أخرى في إعادة سريعة لقراءتها قبل أن أعيدها

ث تـركها عامـل الـنظافة، أللـتقط فـي احـد األعمدة اسم للكرسـي حـي

هذا خبر .يحصل على ترقية إلى الدرجة الممتازة محمـد ناصـر العالـي

نها قديمة ومر عليها ما تـاريخ الجـريدة يشير إلى أ .أعـاد ناصـر للـواجهة

. مـثل هذا لن يمر على ناصر مرور الكرام اسـبوع، لكـن خبـر يقـارب األ

لم أفكر بأن هذا االمر ، فبوه في الدرجة الممتازة اآلن وقـد أصبح أ أراه

وصلت إلى أقصاها، أو إذ انها سـيزيد من مظاهر الرفاهية على العائلة

أن عقلـي وصـل أقصاه في تخيل ما يمكن لعائلة الناصر استحداثه من

.مظاهر

اسـتغربت شـيئا واحـدا خـالل استعراضـي لشريط من الذكريات يخص

لم ، بل حاضرة في هذا العرض السريع ناصـر ووالـده، لـم تكـن نوف

لقد شغلتني حتى أستقلت بذاتها .مـن تلك العائلة افكـر بهـا أبـدا كفـرد

لـم تكـن تـرتبط مـع أي إنسـان آخر بأي رابطة فداخـل عقلـي وقلبـي،

خاصـة هـي جدا لدرجة انني منعت . نسـب أو حتـى تصـنيف اجتماعـي

ها عندما زرتهم ها ووالدي صورة حضرتني ألخ إلىصـورتها من االنضمام

من حيث اسـتراحتهم وكانـت مـتواجدة على مقربة أنـا واألصـدقاء فـي

لـم تشـعر بـتواجدنا، ومـارس كـل شـاب مـنا طـريقته فـي لفت .اقـف

انتـباهها حتـى أن ناصـر الحـظ على سامي تحركاته الكثيرة وطلب منه

ردة فعل ناصر كانت باردة تجاه .الهـدوء وعـدم التفكيـر بأي أمر غريب

، وكأنها أول فتاة يراها في حياته لذي اضاءت عيناه لرؤية نوف سامي ا

وال يعلـم أنهـا أضـاءت في قلبي ايضا واشرقت بوجهها الدائري الصغير

والدقـيق فـي مالمحـه كشمس طفولية تمارس حضورها بغض النظر

.عن المتواجدين

عـندما تكـون هـناك فتاة على بعد ،بالعـادة فـي مـثل هـذه المواقـف

جذب لن تجمع عدد من الشباب يزداد التوتر وتبدأ األفكار من مكا قـريب

الفتيات يفهمن ذلك ويتابعن . بالـتوارد تـباعا فـي ذهن الشباب هاانتـباه

بحـذر وذكـاء انـثوي كـل تلـك التصـرفات، حتى أنهن يرسلن في بعض

األحـيان ابتسـامات تحـرج اولـئك الـذين بالغـوا فـي حماسهم وتصرفوا

. بشكل يكشف اهتمامهم

رر مـثل هـذا الموقـف أمامـي ولكـن لـيس فـي مثل هذه االوضاع تكـ

ــزله ــرمة من ــرام ح ــى احت ــر عل ــدقاء لناص ــرنا كأص ــي تجب ــة الت الخاص

اوخصوصـية اخـته التـي اتخـذت لنفسـها مكانـا بعـيدا عـنا تقرأ فيه كتاب

ماذا يمكن عرف فأ نحوها لتلتقط عنوان الكتاب أرمي بعيني تمنـيت لـو

لهـا يثيرنـي أكثـر مـن انوثـتها التـي تضج عق .لفـتاة مـثل نـوف أن تقـرأ

بالمكـان رغـم حشـمتها وحجابهـا الـذي يزيد من جمالها ويجعل وجهها

. ه السواد فزادت من توهجمكتمل احاطته ليلة حالكةكبدر

الـتقطت نظـرة سـريعة لهـا كشـفت بهـا تصرفات كل الحضور، وأدركت

في ذلك بعـدها انهـا سـببت حـرجا كبيـرا للشيخ تركي الذي كان حاضرا

لـم يكـن تركـي منزعجا من وجودها، ولكنه كان قلقا من .الـيوم معـنا

تـواجد سـامي معـنا وكأنه يخشى حدوث أمر محرج يعرف أنه سيضطر

لكن نوف انقذت الوضع بأن غادرت إلى داخل االستراحة . للـتدخل فـيه

ها ناصر بحصول والده على ا أخ نئعلى الطاولة نه وتـركتنا فـي الخارج

كان المشهد كمجموعة . مشاركتنا فرحته فأحبدة اسعدته وظـيفة جدي

مـن الشباب في بهو فندق يجلسون على طاولة وبجوراهم فتيات أثرن

فـيهم كـل األفكـار التـي يمكـن لهـم اسـتخدامها لجـذب اهـتمام أولئك

أحدهم يبالغ في ظرافته .بأسلوبه يزايد على اآلخر منهم وكل ،الفتـيات

ه ارتكاز هذه ريات الحديث ليوضح أن ويحـاول فـرض سـيطرته على مج

وآخـر يمـارس الـرزانة المفـتعلة بأن يضحك الشـلة ومحـط اهـتمامها،

فيما المسلسالت التاريخية، وبطـريقة اكثـر شبها بتلك التي يمارسها ممثل

ثالث انزعاجه من الوضع بأن يقلل من قيمة السخرية في ظرافة يظهر

تجاه الوضع وهو فقط صـديقة ونكاتـه التـي يطلقهـا ويمـارس الضيق

هيـريد أن يشـعر الفتـيات بأنـه غيـر مهـتم بهـن بعكس أصحابه حتى أن

يرمـي نظـرات حـادة وخاطفـة نحوهن ويعقد حاجبيه وهو يعيد النظر

واآلخر الرزين يظل مبتسما لكل . يشد انتباهه شيئابسـرعة كأنـه لـم ير

وكأنه ، وربمـا يزيد بفتل شواربه المجمـوعة فـتاة تـرفع نظـرها باتجـاه

ويظل األخير الذي يتابع .يخبـرها أنـه اكثـر رجولة من المتواجدين حوله

ــيات نظــرة تكشــف ــتقط مــن الفت ــتطورات وفــي كــل مــرة يل هــذه ال

يعـود لينظـر باتجاه الطاولة بعيدا عن أصحابه و مـن الوضـع نسـخريته

هذا الذي يرى في جمال اللحظة .وكأنـه يعبر عن فهمه لحقيقة الوضع

يشعر . حضور اإلناث في هذا المكان بسحره للتمـتع أن يمـارس ذكـاء

يتمنى لو أن الجميع تركهن .بـتواجدهن لكنه ال يسعى لجذب اهتمامهن

مارسن الحضور بكل عفوية تطلق كي يةدون تصـرفات جامحة ومتهور

أن تكون األنثى حاضرة .أنوثـتهن وتلـون المكـان بأجمـل صفات الكون

تلين .عنه مظاهر القسوة نا ويزيح يزيده رقة وحنا فذلك فـي مكان ما،

تمر الفتاة بأنوثة طبيعية غير مصطنعة، إن والطـرقات مـا كـل المبانـي

كل شارع لـيحمل أجلهـا حتـى أن األرض تتغنـى بخطـواتها وتلـين مـن

. تزيد من جمالهجديدة مالمح عبرته

، وتمنيت لو أن سامي شـعرت عـندما تذكرت نوف حاضرة هناك هكـذا

إن الحياة .صة إحياء مكاننا بوجودها ركي تركوا لها فر وسـالم والشيخ ت

. في كل مكان يحتويهاوتنساب من تكوين األنثى تنمو

، وكيف أنها هـي وكأنهـا تحدثنـي عـن كـل ما وصفته اتذكـر نظـرتها تجا

لقد تشاركت معها نفس الرؤية .ئيالحظـته وقـراته فـي أعـين أصـدقا

لــم افكــر بهــذه .فكــنت حاضــرا معهــا علــى نفــس الجانــب وبجــوارها

، واعـدت تــرتيب كـل الصــور الـنادرة والقلــيلة التــي الذكـريات قــبل اآلن

غارق .عمقا مما كانت تبدو عليه حينها ، ألجدها اكثر حضـرت فـيها نوف

امنيات مطاردة صورانـا جـدا فـي الحب، حتى أن الخيال بدأ يعجز عن

تزيد بطريقة ، وعقلـي مـنهك مـن إعادة ترتيب كل الذكريات لقائـي بهـا

.حبي لها

ضـحكت بصـوت مـرتفع خـرج من أعماقي التي اعتقدت انها جفت ولم

طـارت العصافير من .تعـد قـادرة علـى اطـالق مـثل هـذه الضـحكات

وأنا يحدق بي استيقظ غاضبا األشـجار وافـزعت عامـل الـنظافة الـذي

مبتسـم وضـائع فـي عـالم آخـر ليس فيه غيري وكائنان طيبان وبريئان

يتنازعان قلبي وعقلي ويجعالنهما يستمران ،"تركينـوف و "وطاهـران

امشي معهما خطوة بخطوة وهما يزرعان وأظل ، ال ينتهي فـي جـدال

كل هذه في داخلي زهور السعادة والسرور بتواجدهما الطاغي خالل

ال تنافس شريف بين الحب واإليمان ذهني ك الذكـريات المتسـارعة فـي

.خاسر فيه وأنا الرابح األكبر

:النجاحالرجل والمرأة الفاشلة

بـدأت فتـرة االمـتحانات لـنهاية هذا الفصل الدراسي ونهاية آخر سنوات

،وء وسكينة اخذت ارتب الشقة والكتب والدفاتر بهد .دراسـتي الجامعية

أتخيل .هما خلـيط مـن اآلمال واألحالم وقلبـي وعقلـي مطمئـنان يملـؤ

حة تنظف زفرة را صدىواسمع ،فخر على وجه أبي الرضـا و الابتسـامة

ل هذه السنوات ا القلق واالنتظار المتراكمة طو مـن شوائب صـدر امـي

ــي .الخمــس ــيع ســعيد فــي عقل ــرفض أن ، الجم ــي مشــرقة ت وذاكرت

يتملكنــي القلــق بخصــوص الــنجاح وخصوصــا أننــي لــم اعــتكف علــى

بل أخذت ،الدراسـة والمذاكـرة قـبل االمـتحانات كمـا يفعل بقية الطلبة

.طـويلة لمدة اسبوعين قضيتها مع محمد على الساحل الشرقي إجـازة

ا يهمنـي هـو الحصول على معدل ، فمـ الـنجاح بالنسـبة لـي أمـر سـهل

تعود الطلبة على أن ييأسوا مقدما من.مـرتفع يزيد من فرص توظيفي

لم تكن المشكلة في الطالب الذين .الدرجات المرتفعةالحصـول علـى

درات، ولم تكن أيضا في المناهج التي يمـثلون فـئات مـتفاوتة فـي القـ

سوى المحاضرين والطاقم لـم يبق إذن ،نودرسـها قبلـنا طلـبة مـتفوق

أصـبحوا مـزاجيين ويمارسون التحدي مع الطلبة ) الدكاتـرة ! (األكاديمـي

، على دكتور ممتاز ويحبه الطلبةاآلراء وعـندما تـتفق .بـدال مـن التعلـيم

دارته بأن داخل قسمه رغم ج نجـده فجـأة قد تم تحييده بشكل غريب

واصبح التفوق هو ، تأقلم الطلبة على الوضع .يكون رئيسا لذلك القسم

تكونت لدينا خبرة ف .المسـتحيل الـذي نطمـح لـه لنرفع مستوى اجتهادنا

نشأت العديد و، الوجه لـنا للمـرور بـنجاح متوسط يحفظ ماء كافـية تؤه

تعامل مع الجامعة مـن التصـرفات التـي يتـبادلها الطلـبة كخبـرات في ال

منها . يلتحق بالجامعة حديثا عندما للذي يليه وأنظمـتها، يـنقلها كـل جيل

ادعــاء وأيضــا. عــدم نقــاش المحاضــرين واعتــبارهم آلهــة ال يخطــئون

الغـباء المطلـق واعتماده قياسا عاما للنفس أمام كل المواد والمناهج

يقع ا أنه ذكي أول لحظة يعتقد فيه ه ما إن يمر الطالب ب المطـروحة، ألن

د تــرتيب المــواثــم هــناك . فــي الفــخ ويجــد نفســه راســبا بكــل جــدارة

نفسي الذي يتراكم مع مرور بشـكل يتناسـب مـع الوضع ال والمسـابقات

علـى الطالــب أن يـبدأ بالمــواد الصـعبة كلمــا وجـدها مــتاحة ف، السـنين

قد وصل إلى مرحلة ويؤخـر تلـك السـهلة للفصـول النهائـية حـيث يكون

قياس مدى صعوبة أمـا .اإلحـباطات والملـل مـن االنـتظار ن التشـبع مـ

،ال يـتم تحديده على أساس المادة العلمية فقط فـ المـناهج وسـهولتها

بـل تـدخل فـيه عناصـر أخـرى مـنها مـزاجية الدكـتور المتخصـص الذي

طبـيعة القسـم ومجموعة هيئته األكاديمية وكيفية تعاملهم مع ،يدرسـها

.لب من عالقات خاصة ببعض المحاضرين الطلـبة، مـدى ما يملكه الطا

وهكـذا تتـرتب الحـياة الدراسـية داخـل أروقة الجامعة على أسس من

الصـعب اعتبارها تعليمية بل يشوبها عناصر أخرى يتأرجح على أساسها

. مستوى الطالب الدراسي

تعبر بي نحو النجاح مع اتعلمـت مـن هـذا كلـه، ورسمت لنفسي خطط

الرسوب .تـزل فـيه أقل الخسائر واألضرار االحـتفاظ بهـامش صـغير اخ

فـي مـادة لـم يعد شيئا محبطا بل يعطي أمال بإعادتها والحصول على

رفــع ســقف الطمــوحات نحــو .فرصــة أكبــر لتحســين ادائــي فــيها

كـي أضمن الكاملـة اجـتهد للحصـول علـى الدرجـة فـبت المسـتحيالت،

تحقيق ، ألن من اجتهد من أجل وهـي درجـة الـنجاح الدرجـة الممكـنة

.قهالممكن فقط لم يحق

ال أسـتطيع انكـار الفائدة التي جنيتها من الجامعة فلقد اكتسبت مهارات

حدث ان . بشكل عام، ورب ضارة نافعة الحياةوصفات تساعدني على

تناقشت أنا وعدد من الطلبة بخصوص هذا األمر، وأخبرتهم ان الطموح

ــنا، بالمســتحيل لــيس ســوى حلــم تكــون بســبب الظــروف الم حــيطة ب

واألحـالم بطبيعـتها تمـأل فـراغا كبيـرا من الحياة، ربما ال نحققها ولكنها

ستشـفق عليـنا بأن تهبط إلى مستوى أقل مما رسمناه ونرضى وندعي

.القـناعة ونـزين ذلـك بحكمـة زائفـة اخترعت كمخدر ينسينا ألم الفشل

حكمـة كتـبها شـخص مـا لـم يـدرك ان القـناعة تأتـي مـن ذواتـنا حين

مـن الظـروف حين ولـيس معهـا ونـدرك قـدراتها وإمكانـياتها، الحنتصـ

تجبـرنا علـى القـبول بمـا يتسـلل فجـأة مـن أبواب موصدة في الوجوه

من قال إن القناعة كنز ال يفنى، .علـى كل طريق نحو تحقيق السعادة

خيالــية يــبحث عــنها أبطــال نســي أن الكــنوز كانــت ومازالــت أيقــونات

!ئبشكل خاطولكننا فهمنا قوله لك ربما قصد ذاألساطير، أو

خــرجت مــن الشــقة ألشــتري بعــض األغــراض التــي ســتكفيني مــدة

وحســرة ،األجــواء بــاردة وغائمــة. االعــتكاف لفتــرة االمــتحانات هــذه

من المفروض أن أكون . من خسارة هذه اإليام على الدراسةتتملكنـي

ي ادفن رجل،اآلن أمـام حطـب مشـتعل على مشارف الصحراء جالسـا

شتوية تغبطنا ك الجمـر واحظـى مـع األصدقاء بليال فـي الـرمل واحـر

تمنيت لو . ألفتنا بدوره يلف فينا أحاديثنا ف الذي تبثه الـرياح علـى الـدفء

ولية نتصرف بجنون ونتخلص من شعور المسؤأننـي اتصـل باصدقائي و

نخـرج فـي صخب إلى الصحراء في مخيمنا الشتوي ، ف تجـاه المسـتقبل

ذهني وأنا أخرج من المبنى هـذه الفكـرة إلى تـبادرت نإ مـا .المعـتاد

لشـارع يـتحدث مـع صاحب فـي ا حتـى شـاهدت سـامي يقـف أمامـي

اعــتقدت أنــه رآنــي واتجهــت نحــوه لكــنه أدار ظهــره باتجــاه .العمــارة

في مسيري أسرعلت ما ز فيما كنت لم يسمعني وغادر ف ناديته ،سيارته

كان سامي قد انطلق وصـلت إلـى صـاحب العمارة و .لعلـي ألحـق بـه

لدي شك بأنه تجاهلني، فعيناه التقت مع عيني وصوتي .بسـيارته بعيدا

. ال أصوات صاخبه تمنعه من سماعي ئكـان واضـحا فـي محـيط هـاد

: ساميمعهذا الشك جعلني اتجه لصاحب العمارة وأسأله عن حديثه

. محمداالسالم عليكم أب -

هنا ولقد دفع لي للتو كان سامي .وعلـيكم السـالم، هـال صالح -

إنكم يا أبنائي خيرة الشباب الذين سكنوا هذا . المستحق اإليجار

.المبنى ويحز في نفسي أنكم ستغادرونها بعد شهرين

هل أخبرك سامي بهذا ؟ -

ســتنهون دراســتكم وتســافرون ولــم تعــودوا منعــم، قــال أنكــ -

وقـد أوضـحت لـه بأني مستعد إلعطائكم . بحاجـة لهـذه الشـقة

.في حال احتجتم للبقاء مدة أطولا شهرا إضافي

. محمداشكرا لك يا أب -

ي إخبار اب إلى مـا الذي دفع سامي تـرى .الـبقالة تـركته، واتجهـت نحـو

في سـنحتاج لتمضـيتها التـي المـدة بعـد لـم نقـرر ؟محمـد بهـذا األمـر

لـم يتعود على فعل أمر مثل هذا قبل أن يستشيرني فيه ، وهـو الشـقة

. الدائم في الشقةوخصوصا أنني أنا المقيم

وعـدت أسـير مـع طريق أطول أتابع أضواء البيوت ،اشـتريت األغـراض

م كيف يدخل الناس إلى سبات يجعل بيوته .وسـكينتها فـي هـذا الشتاء

، فــال األطفــال يلعــبون وراء األســوار، وال الشــباب تــبدو شــبه مهجــورة

لم يكن هناك حركة أو .يـتجولون فـي الشارع ويجلسون على األرصفة

وشاهدت بيتا ،صـوت سـوى مـن منـزل مشرع األبواب مررت من أمامه

والــنار تشـتعل فـي وســطه حـولها رجــال ، داخلـه امـن الشـعر منصــوب

أثاروا في داخلي الحنين إلى القرية، وشعرت بألفة نحوهم .يتسامرون

من الواضح أنهم .تمنـيت لـو أدخل واقضي بعض الوقت في صحبتهم ف

القدماء، تلك أحاديث ممتعة اشتقت لها بعد يتحدثون عن الشعر وأخبار

. أن مللت الحديث عن مظاهر المدينة وأحداثها

خطر لي أن سامي ربما كان غاضبا و ،لـم يكـن لـدي المزيد من الوقت

لكنه لم يتصرف .)أمل(منـي ألنـي لـم انـه مسـألته العالقـة مـع حبيبته

عن غضبه؟ هل من المعقول أنه تجاهلني فعال ليعبر .هكـذا قبل اآلن

تحديـدها قـبل الـرجوع إلي بهذا و اإليجـار لمـاذا بـادر إلـى إنهـاء فتـرة

؟ الشأن

يتمـتع بوجود شخص أن لبـرد ، كمـا أتـرك ل اتـرك هـذه األسـئلة عالقـة

األكياس، حامال من الصوف ) فروة( اتلملـم في .يمـارس علـيه قسـوته

. للصـمت حولي منصـتا ) الشـماغ ( بــ اامشـي بخطـوات ثقـيلة متلـثم و

.تهمـس لـي الرياح بأسرار قديمة حملتها من كل مكان في هذا الوطن

أخواني وأبناء عمومتي في القرية، واستنشق رائحة ه يفعل عمأتساءل

اتذوق طعم . األراك والطلـح ودخان شجر السمر المشتعل حطبا بينهم

لهــا نكهــة ولــذة ،الشــاي والقهــوة والخبــز المطــبوخة علــى نــار الجمــر

. تنتجها لنا المواقد الغازيةوالتي تعودناها حديثا مختلفة عن تلك

. سـرت فـي كل الشوارع المحيطة بالمبنى متفاديا الوصول إليه بسرعة

بعـض األغراض حتى لشـراء اسـتغل حجـة الخـروج فمـن عادتـي أن

في نهاية المطاف، وصلت. ابـتعد قلـيال عـن هواجس االلتزام بالدراسة

، وشايا سريعاهزت لنفسي عشاءرتبت ما اشتريته وج. ودخلـت الشـقة

الدخان والطفاية والكتب .ت غرفتـي لتصـبح معسكرا للمذاكرة أهـي ثـم

كفيني يالشاي الذي س) ترمس ( و ،والدفاتـر ووجـبات خفـيفة وسـريعة

ه بالشاي صباحا يكفيني ، فملؤ المطبخ إلىمشـقة التردد بشكل مستمر

. ما قبل النوم بقليلإلى

االتصــال :ت عــادة جديــدة تكــونت لــدي ومارســ،اقتــربت مــن الهاتــف

الفندق في مـازال مقفـال مـنذ أول مرة اتصلت به من !بمحمـول نـوف

امسكت بالسماعة وتمنيت لو يحالفني الحظ فأسمع .المنطقة الشرقية

صـوتها يطـرب أذنــي ويسـاعدني علـى اســقاط هاجسـها لمـدة كافــية

نها سكنت يكفيها أ .ها بكتبي ؤتسـمح بتوفـر مسـاحة أكبر من عقلي أمل

سأحدثها، وماذا لـم افكر عم . دعـوت مـن اللـه أن تـرد .قلبـي وحـدها

رد . لت إذا مـا كـنت استطيع االعتراف لها بحبي أم ال ءسـأخبرها، وتسـا

) ال يمكن االتصال به اآلن (مأمور الخدمة مرة أخرى يكرر نفس الجملة

سئلة انهـت تلـك الكلمات كل هذه األ ...، اآلن ، اآلن ، ال يمكـن، ال يمكـن

.من حدة هاجس نوفالمتشابكة في ذهني وزادت

احرقت من الدخان . وأجلت جدول مذاكرتي ساعة اخرى ضـاق صدري

من أخرى سيجارة اشعل خالل نصف ساعة ما كان يكفيني لعدة أيام،

امي تطلب مني بلسان نزار أن واتذكـر أبـيات نـزار قبانـي وكأن نوف أم

وزادت حاجتي بالوحدة، اشـتد شـعوري . األخـرى مـن اشـعل الـواحدة

من؟. لمن أتحدث إليه

.سـالم انسـحب ليعـيش حـياته بشكل أفضل ويسعى لتحسين أوضاعه

ما تجاهي ولن يكون ا أن لديه أمر وأشـك ،سـامي تحـيط بـه الشـبهات

اما ناصر فلم يكن .معتادة حتى اتأكدالطريقة المناسـبا أن اتحدث إليه ب

ة واحدة في ذاكرتي تؤهله لكي خـيارا أبـدا للتحدث إليه، ولم أجد صور

اخذت أقلب جسدي على الفراش في .يحظـى بفرصـة أن افضفض له

ازعجني .كلمـا واجهـت الدفاتـر والكـتب المتـراكمة صددت عنها ، و ملـل

الحظت ورقة في طرفه فوجـود الهاتف بجواري وهممت بإزالته بعيدا،

، هاتفها رقم،)أمـل ( إنهـا تفاصـيل خاصـة بــ .لـم انتـبه لهـا قـبل اآلن

وبعض النقاط عن تبريرات معينة يريد مني سامي استخدامها ،واسـمها

، بعضها كذبات مكررة لم يكن بحاجة لتذكيري بها .للـدفاع عـن مـوقفه

كأي فتاة أخرى شاركت في قطع يطلـب منـي معاملتها كـان يكفـي أن

البطل يـبدو فـي صـورة تجعلـه وفاخـرة عالقـته معهـا بطـريقة الئقـة

حرصـه فـي ذكر هذه النقاط يجعل هذه الفتاة . أمـره المغلـوب علـى

كنت في السابق . تجاهها ةمميـزة، لـذلك لن أمارس التالعب والمراوغ

.آالمها كي انهي آخر إليأسـتبيح لنفسـي كـل ضـحية يرمـي بها سامي

ــبقةكــنت احــاول بطــريقة باعطائهــا جــرعات مــن أهــدئ روعهــا أن ل

الهتمام بـ سامي واجعلها تشعر الالمـباالة تجـاه األحـداث، أو افقدها ا

ــركها، أو امــارس معهــا العــالج النفســي حتــىبأنهــا محظــوظة ألنــه ت

ــول ــا لعــالم مــن الحل ــتحدث عــن حــياتها ومشــاكلها وانقله ــا ت واجعله

ر سبقوها ها حالة مكررة ومشابهة لضحايا كث والتحلـيالت لكي تشعر بأن

تربما كان. أجـد صدا أو ردودا وقحة كـنت نـادرا مـا .فـي عـالم الغـزل

عاملننـي كأننـي آخـر آثـار الحبـيب، بعضـهن يجدن في مرجعا تالفتـيات

وقد . عـن الحبـيب عـندما تـثور فيهن مشاعر الشوق والحنين نيعوضـه

حادثـة واحـدة أجعـل الفتاة هي المسيطرة فيها أختصـر األمـر بم كـنت

، فهـي تجد في ذلك انتقاما ي القـادرة علـى إنهائهـا فـي أي وقـت وهـ

.سامي في شخصي أنابسيطا من

. على الفورالرقمبرفعت السماعة واتصلت

.الو -

.نعم -

.السالم عليكم -

وعليكم السالم، من ؟ -

!أنا صالح -

؟صالح من -

يبدو متوترا ا حديث كانتا تتبادالن . غير محدثتي سـمعت صـوت فتاة أخرى

لكن بينهما، يقع نزاعشير إلىت واألصـوات الصـادرة عـن الهاتـف ،قلـيال

:ت يعود نفس الصو

.أها أنت صوصو -

إنهـا التي تحدثت لها يوما عندما رمى لي . واتذكـر هـذه المـرأة ،ابتسـم

حاولــت اســترجاع احــداث . ه مــن الموقــفبهاتفــه كــي اخلصــســامي

في منها ولم يعد عالقا زمـنا طـويال مضى عليها مكالمتـي معهـا، لكـن

هكـذا اطلقت على نفسي كاسم دلع على .)صوصـو ( ذاكرتـي سـوى

. حبيبته على هاتفها المحمول هدلـع سـامي الـذي تسـجل ) سوسـو (وزن

هذه العادة تبقي القائمة على هواتف البنات مشفرة في حال وقع بيد

. أحد ما

.ال، أنا صالح -

ة تتحمل مني الدخول في سخري الالموضـوع جـدي ومالحظات سامي

.أو دعابة تقلل من مستوى الجدية

نعم يا صالح، ماذا تريد ؟ -

.، هناك بعض األمور أريد التحدث فيها مع أملأريد شيئاال -

.حتى أنت أصبحت تعرف أمل. اها -

انـا صـديق سـامي والوحيد الذي يعرف بقصته، لذلك طلب مني -

.توصيل ما لدي لـ أمل

أمـل لـن تتحدث إلى أحد آخر بعد اآلن، يكفيها من أنـا، اخبرنـي -

.العذاب ماهي واقعة فيه بسبب صديقك الخسيس

.اعي الستخدام هذه األلفاظال د -

؟هل تدافع عنه -

، وكما تدافعين عن اختك أفعل نـة أخـي يا سيدتي هـو فـي مكا -

.ذلككأنا

، أخبرني ماذا تريد يا صالح ؟حسنا -

. إال لـ أملثعفوا سيدتي، ولكنني لن أتحد -

ووو . قلت لك لن تتحدث إلى أي شخص -

، األختينك بين صراخا يدل على تشابليتناهـى إلى أذني انقطـع صـوتها

.ومن ثم هدأت األوضاع قليال

.هال صالحا -

محطما كأنه صوت إلمرأة يقلـيال مـن النحـيب يصـبغ صـوتها ويصـل إل

.تجاوزت السبعين عاما

؟كيف حالك يا أمل -

.تعرف كيف هي حالي، اخبرني ماذا ارسل معك سامي -

يخصـك ويجـب أن نجد نـوع . ارسـل معـي رسـائل مـن نوعـين -

.، ونوع آخر اخبرك به على الهاتف اآلن لكإليصاله ةطريق

.ماهو النوع الذي تريد تسليمه لي -

.اتركيه لألخير ودعيني أوصل لك النوع الثاني -

.تحدث -

لـديها سـأم كبيـر يمنعني من إيجاد أي ثغرة سهلة يمكنني الدخول منها

الجديـة كبيرة في هذه المحادثة، والتوتر الذي .بأريحـية للحـديث معهـا

. حول أمل انتقل لي واربكني قليالءيشوب األجوا

، ولن اتحدث وكأنني اصدقه سـنا، لـن اتحـدث نيابة عن سامي ح -

.أو ادافع عنه

.هذا أفضل -

مـا حـدث لكمـا أمـر سـئمنا الحـديث عـنه واالستماع له، وأصبح -

شـائعا لدرجة أن الجميع قد ملكوا من الخبرة ما يكفي لتجاوزه

.واالستمرار في حياتهم

.، لماذا حملت نفسك عناء مكالمتياألمرذا ومادمت تعرف ه -

لــي، والعــناء والشــقاء كــان خــيارا مــتاحا بالنســبة ليســت عــناء -

ا الوقـوع فـيه بكل سهولة وأنتم ااختـرتم أنـت وسـامي .لكلـيكما

.ن مقدما أن مثل هذه العالقة لن يكتب لها نهاية سعيدةاتعلم

ــرا وعــن فلســفتك - ــا صــالح، أخبرنــي ســامي عــنك كثي اســمع ي

التحدث إليك في مناسبة غير اتمنى اشـاتك ، وصـدقني كـنت ونق

ارجوك . ولكننـي اآلن أريـد أن اسمع ما لديك عن سامي ،هـذه

اختصـر علـي األلـم مـازال لـدي أمـل يحتضر معي، إما أن تقتله

.وتريحه أو تبعثه للحياة من جديد

.سالمتك يا أمل، والله يحفظك من كل مكروه -

لمـاذا تظل بهذا البرود وأنا اكاد .شـكرا لـك، تحـدث باللـه علـيك -

.انفجر واختي تهدد بسحب الهاتف مني

تــف علــى خاصــية الســماعة اتعلمــين مــا رأيــك أن تجعلــي الها -

على هذا ربما يساعد كـي تستمع هي أيضا ) سـبيكر (الخارجـية

.تهدئتها

.حسنا لحظة -

.، ومن ثم أسمعها تقفل البابتتحدث إلى اختها

.ليكإ نستمع كالنا، تحدث اآلن -

لـم أكـن يوما شخصا يدافع عن أحد أو يهاجم آخر، لكن . حسـنا -

حتى استطيع افـي حـاالت كثيـرة يجـب أن آخـذ لنفسـي مـوقف

. التردد في قول ما لديودونالتعبير بكل صراحة

فهمـنا ذلـك، اختـر أي موقـف تريد وتحدث بأي طريقة المهم أن -

لدي تـتحدث لكـي ننهـي المكالمة، فال اعلم كم من الوقت بقي

.قبل أن يدخل أحد ما إلى الغرفة

ن باقتراف الجرم نفسه يهـو أن اجعلك أنت وسامي متهم دوري -

.تجاه بعضكما البعض

ماذا؟ -

.ليس لديك وقت كاف وأنا كذلك، فرجاء ال تقاطعيني -

اتـى صـوتي آمرا، ووجدت لنفسي منبرا استطيع الوقوف عليه والتحدث

حث عنها كي التـي اب كانـت هـذه هـي احـدى اللحظـات .بكـل سـهولة

. اسيطر على سير الحديث

.حسنا اكمل -

نبرتي اآلمرة مع ، وتجاوبها يظهـر أننـي اختـرت اللحظة المناسبة قـبولها

اعطتنـي مـزيدا مـن الثقة بنفسي مما سيجعلني اكثر منطقية واتجه بها

.نحو نهاية محايده قد تساعدها ايضا إذا ما عرفت كيف تفهمها

كانت ، وكالكما كان لديه أهداف ال يهمني إن انـتما بدأتما باللعب -

لـن اتحـدث كيف تغيرت بشكل .بـريئة أو بذيـئة، ولكـنها اهـداف

ا ثقــتكم.وتأســركما داخلهــا هــذه اللعــبة لتصــبح جــادة ئمفاجــ

في أي وقت كانت غلطة منها كنتما قادرين على التخلص ابانكم

ن من الذكـي الـذي يـتالعب بقلبه وال يعلم أن القلوب بين أصبعي

ن ا تستطيعا أنكما اعتقدتماانتم. أصـابع اللـه يقلـبهما كـيف يشاء

، ولكـن الحــب فقـط " عجـاب اإل"ما تحـت خانـة تحديـد مشـاعرك

بنفس الشيء الذي سامي يشعر . لـتكونا من ضحاياه ااخـتاركم

، ولكـن ألنه الرجل تعودنا تحميله القدرة على تشـعرين بـه اآلن

ولكن الخطأ . ء النساءوال عن أخطا تصـحيح األمـور وجعله مسؤ

ان تضــحكا علــى اأتــى بطــريقة المشــاركة والــتفاهم واختــرتم

حقيقة أن كنتما تعرفان .نفسـيكما وتحـاوالن تغييـر كـل الواقـع

.الـزواج بهـذه الطـريقة مسـتحيل ال يستطيع كل شخص تحقيقه

ربمـا غـذيت نفسك بقصص أخرى وآمال كثيرة التقطتها من تلك

لك، لكن الحقيقة أن الواقع الذي القصـص التـي تشـبه ما حدث

. بدأتما به كان حاضرا حتى النهاية

.صالح -

؟نعم -

. اكرهك واكره نفسي واكره سامييحملني على أنحديثك -

ــنه اآلن، - ــا تحتاجي ــذا م ــا ه ــرهربم ــن ال . الك ــه ولك ــمحي ل تس

التسامح مع . علـيك فيمنعك من االستمرار في حياتك بالسـيطرة

سيط ويحتاج فقط جلسة مصارحة الـنفس وتقـبل الحقـيقة أمر ب

.ألن هذا ما يفعله اآلن حاسبي نفسك قبل سامي، .مع الذات

؟وكيف عرفت أنه يحاسب نفسه -

، الذي اعرفه يخرج من عالقة ألخرى لقـد تغيـر ولـم يعد سامي -

أن يفكر بشكل ناضج .يظـل سـعيدا مهما كانت المشاكل حوله و

لبهم كي يتغير ويستسـلم للمجـتمع مـن حـوله وينفذ لعائلته مطا

ه لم ويسـتقر ويتـزوج، أمـور كثيـرة مـا كان سامي ليفعلها لوال أن

، إنمـا يعاقـبها بـأن يحـرم نفسه من متعة يحاسـب نفسـه فقـط

.الحرية التي كانت تمأل حياته

. كأنك تطلب مني أن انصاع لما يريده أهلي مني -

.بة به الما أنت مط وال ادري شـيئا، ولـم اطلـب شـيئا، لـم أقصـد -

لماذا ال ، اختـرت وتصـرفت كمـا يحلـو لـك ورأيت النتيجة ككـن ول

، عـية تستمع لما يفرضه اهلها عليها تجربـي أن تكونـي فـتاة طبي

ربما تكمن السعادة في أشياء كنا نرفضها ونعتقدها تقيد حريتنا

أنك ستخسرين شيئا ال اعتقد ،جربي. وتمنعـنا مـن التمتع بشبابنا

. ساميه بعد تجربتك معيأكثر مما خسرت

.تقول عنها تجربة -

نفس تمنح العالقة بأكملها ونتيجتها النهائية ال .ما بهـا بـدأت هكـذا -

ة بتصنيفها ، لذلك تظل محتفظ وصـلت إليه الشـكل الجـدي الـذي

.حسب أول نية بدأت بها

.إن رأسي يؤلمني، اشعر بالنعاس -

هـذه األعـراض تـدل أحـيانا على الراحة، فعندما يتسرب القلق والتوتر

فــراغا يــتمدد فـيه العقــل ويرتخــي وراءهـا المهــتاجة المشــاعرلـق تخ

.دليل نجاحي في الحديث حتى اآلن إذا فهذا . ليشعر اإلنسان بالنعاس

.الو -

.هال -

.مر الثاني الذي تريد تسلميه لها، أخبرني باألأمل ستنام اآلن -

كـنت افضـل ان اخبـرها هـي، ولكن بما أنك شاركت باالستماع -

. ساعدين في إنهاء هذا األمرللحديث ربما ت

.حاولت أن أساعد منذ البداية، ولكنها لم تستمع لي -

لعل ما سمعته . حدة صوتها الهجومي اختفت وقد هادئـة، األخـت تـبدو

جديد، بأمر ا لم اخبرهم.نـه بالفعل حديث عام عن العالقات اعجـبها، أل

جاهباتبطـريقة تسير األمـور رأيـه ولكننـي كـنت عنصـرا محايـدا يـرجح

االسـتماع إلـى عوائلهم، عـادة ن والـرجال والفتـيات يرفضـ ف .المـنطق

لذلك يتجهون نحو المجالت التي تعرض المشاكل التسلط،يـرون فـيهم

، أو يتجهون إلى صونيجيبها أشخاص مختالتي أسئلة القراء مـن خـالل

ون أحيانا أنها تشابه ما قاله ؤأصـدقائهم كـي ياخـذوا مـنهم أراءا يـتفاج

األمر أيضا، وحديـثا اصـبحت القـنوات الفضـائية تمـارس هـذا . أهالـيهم

مارس دور المربـي والمعلم تإلـى البـيوت لـ البـرامج الحـوارية فـدخلت

. من سمة التسلط واألوامر لألبناء ألنها تصل بخيار خال

ورغم ذلك تظل .افهـم مـا تقصدينه، ما حدث امر شائع الحدوث -

.هة تعتبر نفسها محصنة ضدكل عائل

هي فللـه يـا صـالح لـم اتصور يوما أن يحدث هذا ألختي أمل، وا -

تربت بطريقة لقد . التـي كانت تعترض على مثل هذه التصرفات

ثقتي بها لدرجة أنني اهتزت. ملتـزمة تـرفض كل هذه المظاهر

كافــة واســتمع لبــت أرافقهــا فــي كــل خــروج لهــا مــن المنــزل

.محادثاتها الهاتفية

رقابة ذاتية عليك فعله هو خلق كل ما . ال تحتاجـين لفعـل ذلـك -

قنعها بأن ما كانت دليال ي التجربة من هذه اجعلي .تجـاه نفسـها

انفلـت زمامه ليصبح فوضويا ا، مثالـي بقـدرتها علـى جعلـه تعـتقد

. عن كل تجربة مماثلة دوماتتراجعاأللم سيجعلها . وموذيا

وءا بعد س اعرف ان هناك حاالت تزداد .كالمـي هـذا لـم يكـن حقيقـيا

ألنها بعدها تدخل في تجارب اكثر حتى أن الفتاة قد . تجـربة مـثل هذه

سبق وتجاوزت الحواجز والخطوط الحمراء في أول تجربة ووجدت أن

.ووجعه إال أنه لم يكن قاتال بالنسبة لهاعنفه سقوطها رغم

، كم عمرك؟صالح -

كيف . يـدل علـى اهـتمام جـاء فـي وقـت غيـر مناسب ئسـؤال مفاجـ

جاوب مـع هذا االهتمام وأنا اتحدث واحلل تجربة كانت بدايتها مثل سـأت

.شرارة تنشتر نيرانها فيما بعدلتتجسد ا االهتمام الصغيرهذ

افضل أن اخبرك عن األشياء ي ولكنتي، يا سيد بمـا يكفـي كبيـر -

.التي يجب علي تسليمها لكم

ماهي ؟ -

دين مـبلغ مـن المـال، كانت أمل قد ساعدت فيه سامي واعتبره -

لتسديد جزء مهم منه، واعـتقد أنـه جمـع ما يكفي .علـى نفسـه

. البقية في وقت الحقبإكمالمع وعد

.ال اعتقد أن المال سيهون ما حدث ألختي -

.هو دين في األخير ويجب سداده -

ال اعتقد أن قيمة مجموعة " ! .. سـامحك اللـه "أخبـره نـيابة عـنا -

.يحمل سامي همهن كبير ن الهدايا والفواتير ستكون ذات شأم

ابتسـمت وعـرفت أن هـذه االخـت ال تعرف حجم المبلغ الذي انوي

وربمـا ينـتج عنها مشاكل جديدة، ، جمـيلة هـذه اللحظـة .قـوله اآلن

، قليالأصمت. تحدثوف ة التي س أ بالمفاجـ سأسـتمتع حـتما لكننـي

. مسافة كافية لي تبعدني عن انفجارهاوأوفر

. الف ريال150 -

ماذا ؟ ماذا ؟ -

. اطريقة ايصاله لكمبني ان تخبر اتصاالامبلغ لدي وانتظر منكمال -

اسمع مـا إن أنهـيت قولي حتى سمعت صراخها يعلو على أمل التي لم

أشفق بأقذع الشتائم، وانفجرت بشكل جعلني أخذت تشتمها .لها صوتا

لـم تعـد تسـمعني وأنـا أحـاول تهدئـتها، لـذلك اقفلـت السماعة . علـيها

متأكد من أن حجم المبلغ . تصـال بـي متـى هدأت كت لهـا حـرية اال وتـر

ابتسامة .سـيجعلها تتصـل مـرة أخـرى قـريبا لتخبرنـي كـيف اسـلمه لها

الستغالله احتلني فاندفعت شاط ذهني ، ون تعجـب ترتسـم على وجهي

.والبدء بالمذاكرة

ثقة للمحافظة على سبيل ال فنجاحـي هو أكـون أكثـر تركيـزا، يجـب ان

صبح مثاال للخيبة انطبع بها فأ المغامرة رؤ على التـي ال أجـ و اهلـي بـي

فشل تلك األسرة وقع وتجسد في أسوأ صوره .فـي صـراخ تلك األخت

ألنـه صدر من فتاة، وبنفس القيمة الكمية ولكن بكيفية مختلفة سيكون

حتى سامي يكفيه .نجاحـي فـي أحسـن صـوره ألنـه صـدر مـن رجـل

ل كل اخفاقاته تجاه كي يغس )معدل شعبي ( نجاحـه فـي الجامعة بـ

ولكـن أمل لو حصلت على جائزة نوبل ستظل .ثقـة اسـرته باخالقـياته

يقـال أن األخـالق مقدمة على العلم .فاشـلة اخالقـيا فـي نظـر اخـتها

علـى االخالق ا أصـبح العلـم مقـدم مجتمعـنا بشـكل عـام، ولكـن فـي

لفشلوبين ا .ليبقى المفهوم العام خاصا بالمرأة فقط بالنسـبة للرجل،

.لتملك المرأة النصيب األكبر منهالنجاح تتأرجح خيبات المجتمع وا

:مفاتيح البشوت

"النهايات حزن يخلق فرح البدايات "

نضـحي بالماضي الذي عرفناه وعاشرناه من أجل مستقبل غريب علينا

يعتقد جميع الطلبة أن الحياة ستفتح .ه سيستقبلنا وال نـدري بـأي الوجو

أبـوابها بمجـرد إنهـائهم المــرحلة الجامعـية، لـتكون الصـدمة أنهــم لهـم

رى غير قدمـوا كـل مـا لـديهم مـن أجـل شـهادة تعتمد على عوامل أخ

ــنجاح ــتهاد وال ــوح واالج ــواغر .الطم ــر الش ــي توف ــروف ف ــظ والظ الح

إذ تعتمد ،ا بالمثابرة واالجتهاد النجاح فيه حدال يمكـن أل أمـور الوظيفـية

ستماع اال فهمت ذلك مبكرا بعد .تاحة للجميع غير م وسـائل أخرى علـى

لم . الحياة، لذلك لم أقع في هذا الفخ معتركفي ألخـبار مـن سـبقونا

ني ؤ تمل فكرة متفائلةبل جعلته األحـالم واألمنـيات علـى تخرجـي، أبـن

ت العودة للعيش التي كان من النهاية فيها كل خطوة اقترب عندسعادة

لكن هذا الشعور تقلص فجأة حين .الرئيسيفـي كنف أسرتي عنوانها

ــبارات أســبوعينانهــيت آخــر امــتحان بعــد ــين أن خضــعت لإلخت .كامل

برود ينتاب روحي، وفراغ .أجدنـي مخـنوقا بأكـوام من األفكار المتنوعة

أسـير دون اتجاه، . بـه قلبـي تجـاه كـل أروقـة الجامعـة يمتلـئ شاسـع

افكر بالسفر . لعود إلى الشقة ال أريد ا .ابتسـم لـنهاية التعب واإلرهاق و

مختلفا عن كل ، المكان عن اصـبحت غـريبا .مباشـرة اآلن إلـى القـرية

أجد نفسي في ف، ة مع الجموع دون وجه أنسـاق .الطـالب مـن حولـي

هــذا المكــان ملتقــى جمــيع طــالب .ملــيء بالضــجيج البهــو الجامعــة

فيما لـديهم مـراجعات فـي عمـادة شـؤون الطلبة، معظمهـم الكلـيات،

هرون بإمكانيات الجامعة يعجـبهم الـبهو ألنهـم مسـتجدون ومنب عضـهم ب

يعيد لي مكشـوف فـي العـراء، ي بأنـ ني لكـنه مكـان يشـعر .ومبانـيها

ــتحاق لهــذه الجامعــة ــب االل ــتقدم بطل ــزحام.ذكــريات ال ــات ، ال والملف

الحمـاس واالبتسـامات والوجـوه المشرقة باألمل والتفاؤل، ،الخضـراء

تختلط فيه كل الصفات عالم . فة من الوطنرائح مخـتل كـيان يجمـع شـ

وعاء يحتوي كمية كبيرة من .اإلنسـانية بتنوعها الجيني والبيئي والثقافي

شابا تنتج وطناتـندمج بشـكل ايجابـي ل اإلمكانـيات التـي يمكـن لهـا ان

ربون من قت مازلت اتذكر كيف أن الطلبة ي . كـل دفعة تتخرج جديـدا مـع و

مرور ، ومع ار من هو األقرب انتماءا استشعبعضهم البعض عن طريق

تصنيف أنفسنا ورسم حدود إقليمية واجتماعية الـوقت نكتشف أننا أعدنا

. كما هو واقع الوطن خارج الجامعةتماما

. من البوفيه واطلب العصير اقتربف ،صـوت مـياه النوافيـر يثيـر عطشي

ط تعودت التقا .هر مألوف، وخطوات سبق لي رؤيتها أمامـي رجل له ظ

ائص البسـيطة عن أجسام من أعرفهم، وكثيرا ما أوقعتني صـ هـذه الخ

لم أحب المجازفة في . فـي اإلحراج مع أشخاص اعتقدت أنني اعرفهم

تى تأتي اللحظة التي يدير فيها وجهه بقيت منتظرا ح ، لذلك هـذه المـرة

ر مع كان ناص . لـم يمـر وقت طويل حتى فعل ذلك .أراه وأتأكـد مـنه فـ

الحظت أنه ارتبك ولم أعينـنا، ف الـتقت . فـي الجامعـة مـن زمالئـه عـدد

. الـتقطت يـده مصافحا له وأحسست بها تتعرق .يعـرف كـيف يتصـرف

تبادلنا كلمات .يكن يتوقع رؤيتي ولم ، خاص هنا افهمـت أن لديـه موقف

الســالم والســؤال عــن األحــوال بطــريقة بــاردة ال تــنم عــن أي عالقــة

أنني شخص يـرافقونه شـعروا ب الـذين ه حتـى أن زمـالء ،وطـيدة بينـنا

فهو في األخير رجل يهم؛ ف لعـل ناصـر أراد خلق هذا االنطباع .مـتطفل

أنــا .يحــب أن يحــافظ علــى مظهــره أمــام مجــتمعه الصــغير والخــاص

. فـي كل مكان من حياته يسـمح لـي بالـتواجد صـديق يعـرفه لكـنه ال

.غنياءاعـرف عـنه الكثيـر وأظل مختبئا في حياته كعالقة سرية ألحد األ

كلـنا فهمـنا ذلـك عـن ناصـر مـنذ بداية عالقتنا معه، لكن الجامعة كانت

ــذي يمــارس فــيه مــثل هــذه التصــرفات ــذلك .خــارج هــذا اإلطــار ال ل

ر كما اسـتغربت مـنه األمر، ربما أيضا لم يعد يطيب لي أن يعاملني ناص

المقابل لمشاعر اآلخرين وهم في أكون في كل مرة متفهما لن . يـريد

أكــون أن م تعــودوا منـي مـن إحــراج ألنهـ ون لمــا يسـببونه لــي ال يهـتم

الـذين يرمون له بتعقيدات شخصياتهم ويتعامل معها بطريقة الشـخص

اليوم أنا رجل مختلف على . باألطمئـنان في حضوره تشـعرهم حـيادية

أفكاري ألكون واضحا وشـك تـرك هـذا العـالم وفي قلبي لهيب يشعل

بق تـركت هـذا األمر يحدث عفويا فـي السـا .ومـرئيا مـن قـبل الجمـيع

وأعطـيت الناس الحق في محاكمتي بكل ما يرونه مني دون أن أحاول

هـذه المـرة سأنطلق مجددا نحو رؤية نفسي في أعين يتغييـره، لكنـ

أريد أن ابدأ بخلق مكانتي ال أن . كـل أولـئك الـذين شغلوا عقلي وقلبي

ناصر اآلن .ادع لآلخـرين فرصـة فعـل هـذا بكـل حرية ودون مراعاتي

، في كل تفاصيل الحياة سـتهدف مـن عقـل وقلـب مقدم على اإلبحار م

تعمدت سؤاله . قب واالنـتظار لمـا تنـتجه لي الظروف التـر لـن أمـارس

ي دسست السم أمـام زميلـيه عـن سـبب انقطاعـه عـن الشقة حتى أنن

:داخل مزحة وجهتها له

.في الشقة تريد رفع قضية خلع عليكإن المخدة -

، عـدم االسـتمرار في هذا الحديث جاهـي كمـن يتوسـل لـي ابتسـم بات

:ونظر إلى زميليه وعرفني عليهما

.صالح.... ، فيصل الطبيل القليديعبدالعزيز -

لكـن احساسـه بالـتهديد وانصياعه إلرادتي لـم يعرفنـي بشـكل كامـل،

ني اتنازل عن هذه الجزئية، كما أنني ما زلت احمل المعزة لناصر جعال

جعلني فقد. عنصر إيجابي يخدمنياعتبـرت مـا فعلـه . هيـد إيـذاء وال أر

بمجرد سماع اسم عائلته عنه شخصـا محايـدا ال يـتم اخذ انطباع معين

اوقـات عديـدة فضـلت فـيها ان اكـون فـي هذا الموقف كي .أو قبيلـته

ولية ؤ االنتماء يحملنا مس.اتحـرر مـن أي قـيود تـنعكس على من أمثلهم

رفنا ال تخصـنا وحـدنا بل يشاركنا فيها وتلـك األسـماء التـي تعـ ،تجاهـه

. سلسلة طويلة ممن نحبهم

.اهال وسهال ، تشرفت بالشباب -

انتظرنا لمدة خمس دقائق .لنا في البهو إليجاد طاولة شاغرة وتلفتـنا ح

جلسنا في جو شبه . وقـوفا قـبل أن نجـد واحـدة تكفيـنا نحـن األربعـة

التهديد الذي شاهده بادر بتهدئة فمـربك لناصر أكثر من أي شخص آخر،

:في عيني

لـو كـنت اعلـم متى وصلت التصلت بك، انت تختفي وتعود فجأة -

.تريد من الجميع استقبالك بالترحيب

لـم اطلـب من أحد الترحيب بي يا ناصر، اعتقدت ان خبر عودتي -

.وصل إليك عن طريق سامي

بصـراحة أخبرنـي سـامي، لكننـي لـم أجـد فرصة حتى اآلن كي -

.ةازورك في الشق

، سعيد وال بأس. أنـت مـن أصـحاب الشقة ،ال داعـي للرسـميات -

سوى أمامي لقـد انهـيت للـتو آخر امتحان، ولم يبق .بـرؤيتك أنـا

.انتظار النتائج

.مبروك مقدما على التخرج -

توجه بالحديث لزميليهثم

. تحتاجونه مستقبال في قضاياكمقد، صالح محامي _

.الله يحفظهم ويبعدهم عن كل مكروه -

هـم أشـخاص يشـبهونك فـي أشياء كثيرة، واتوقع منهم احداث -

.مشاكل سياسية

.وهل كنت يوما أهتم بالسياسة -

.انت ليبرالي وعلماني وهذه وحدها تجعلك محل شبهة -

السياسة؟ثانيا ما دخل التوجه الفكري ب. اوال أنا مسلم -

لديه . للمشاركةالتلهفيقاطـع عبدالعزيـز حـواري مـع ناصـر، يبدو عليه

مفاجئةكمـية كبيـرة مـن النظـريات واألفكـار التي انهمرت كلها بطريقة

. عـن أهم األحداث في ذهنه ا موجـز ا إخـباري اكمـن يسـتعرض شـريط

انصـت جـيدا لشـخص يـداه تـتحدث أكثـر مـن لسانه وحركات عينيه لها

تركته يسترسل دون أن .طابـع يوحـي بـأن هـناك عقـال يضـج بالثقافة

جـد فـي صـحبة ناصر شخصا عميق التفكير مـن الـنادر أن ن ، ف اقاطعـه

أطال في طرح ما لديه ه وما أن الحظ أن . يـتحدث عـم يعـرف بالضـبط

:تراجع قليال وسألني سؤاال مباشرا

؟إن لم تكن التوجهات الفكرية تخدم السياسة فلماذا نهتم فيها -

الفكـر يحـرك كل مجاالت الحياة ويبدأ من الفرد تصاعديا ليكون -

.مجتمعالشكل النهائي لل

أفهـم ذلـك، ولكن الفرد لن يستوعب حقيقة الليبرالية والعلمانية -

.إن لم تتكفل السياسة بطرحها كإسلوب اجتماعي

لم افهم ما تقصد ؟ -

والحجــاب اقصــد مشــكلة قــيادة المــرأة مــثال، ومشــاكل الهيــئة، -

يجب أن يتم اتخاذ مواقف سياسة مهمة تساعد . وحـريات المرأة

.األفكارعلى تحريك وتفعيل هذه

؟هل تختزل كل الفكر الليبرالي والعلماني في هذه األفكار -

.هي األهم اآلن والتي تشغل الشارع العام -

هل يمكن لك .يـبدو أننـي لـم افهـم ما هي ليبراليتك وعلمانيتك -

ان تشرحها لي مرة أخرى؟

ال شــيء ســوى أن يتحــرر اإلنســان مــن القــيود الــرجعية التــي -

.فرضت عليه عبر التاريخ

وما هي تلك القيود ؟ -

.العادات والتقاليد -

وهـل تعـتقد أن مـا يشـغل الشـارع العام هو العادات والتقاليد -

. في مواجهة المسائل التي طرحتها

. هي عادات وتقاليد ال أساس لها،بالطبع -

لدرجة خلق للتو مـن يسمعك يعتقد أن هذا المجتمع بدائي جدا -

.أن تاريخه القديم لم يؤثر فيه

. بدائيين جدا إذا ما قارنا أنفسنا بالغربنعم نحن -

. إذا، الغرباها -

هــنا وصــلت لفهــم حقــيقة هــذا الظاهــر التحــرري الــذي يطــبع حــديث

وجدت أنه ال يختلف كثيرا عن أي شاب ، وبقلـيل من األسئلة .عبدالعزيـز

مـنفعل ومـتحمس تجـاه قضـايا اجتماعـية جديـدة ويخلـط بـين األمور

لق مـنها نقاشـا قد يوهم المستمع له أن يلـتقط العـناوين مشـتتة لـيخ ف

لـم أشـأ المواصـلة، لكن فيصل تدخل في النقاش بطريقة .شـيئا لديـه

ة ق مكانة وهميل ولكنها وسيلة لخ ا لم يكن هناك نزاع .من يفض النزاع

وبدا يعلق على ،ابـتدأ بإسـلوب مقـدم تلفزوني شهير . لهـا نكهـة الحـياد

المرة في و مرة ح كفتـي يـرج . مقـتطعات مـن نقاشـي مـع عبدالعزيـز

ناصـر بيننا يشاهد النقاش ويترقب تلك .األخـرى يـرجح كفـة عبدالعزيـز

اللحظـة التــي انهـي فــيها الحــديث بطـريقة ســاخرة أو أرمـي بمــا يثيــر

ــديقي ــين تص ــف ب ــي المنتص ــين ف ــين عالق ــرك المتحدث ــة ويت الدهش

وشعرت أن االستمرار في هذا ،لكننـي فضـلت فعل أمر آخر . وتكذيبـي

ديث لـن ينـتج عـن شـيء سـوى أن يسـتعرض كـل من عبدالعزيز الحـ

استأذنت اعتذرت من اكمال النقاش و . وفيصـل ظاهرة مللت مشاهدتها

يقـف مودعا، . مـن ناصـر وتمنـيت مـنه االتصـال بـي فـي وقـت الحـق

:ويمسك بيدي وهو يحدث زميليه

.من حسن حظكم أن صالح ليس في مزاج للنقاش -

. تشرفت بالتعرف على الشبابيربما من سوء حظي أنا، ولكن -

.سأحاول زيارتك معهم في نهاية هذا اإلسبوع -

.، ولكن اتصل بي قبلها بصراحةسأكون مشغوال -

.حسنا، مبروك مرة أخرى وبالتوفيق -

.إلى اللقاء -

صـافحني واقتـرب مني معانقا وفي تلك المسافة التي يعبر فيها نحوي

لم ي شعور مخيف، انتفضت أوصالي وانبعث في داخل .تفحصـت عينـيه

تكـن ذاكـرة مكرره أو ما يحدث أحيانا من مشاهدة مواقف وكأنها تعاد

ناصـر تفتقد إلى ذلك ا عيـن .عليـنا للمـرة الثانـية، بـل كـان أمـرا مخـتلفا

مرت بي مع هذه النظرة .البـريق الـذي يشـع دلـيال علـى تـوهج الروح

ها حسـين واحسسـت بـأن القـدر يعيدني لنفس اللحظة التي ودعني في

بعدها ليذهب. كي اصاحبهإيقاظـي تحـاول تان الباهتـ مسـافرا وعيـناه

فــي وداع منســحبااشــتت هــذه الوســاوس وابتســم . وحــيدا وال يعــود

ة تشير واقع مليء بأدل إلى يخاف من النظر سـتتر خلـف قلـب ضـمني ي

. على أنه يوشك على التكرار

ب منها تـركت مجمـوعة مـن الشـباب لهـا مظهر مغر يشجع على االقترا

وكـم مـن مرة تمنيت لو اكتفيت بما رأيت دائمـا محـبطة ولكـن النتـيجة

ورغـم مـا يتهمني به . دون أن اسـتمع لشـيء يخـرج مـن تلـك األفـواه

الـبعض مـن ليبـرالية أو علمانـية إال أننـي مـتأكد أن ما افهمه عن هذه

.قصده ناصر أو ما يعبر عنه زمياله يعماات يختلف تماما المصطلح

ني للخارج انا تقود مي كأنه اتحملنـي قدم ، وابة الرئيسـية امشـي نحـو الـب

وجــدت نفســي قــريبا مــن المــدخل إلــى عمــادة شــؤون .دون إرادتــي

عد ، فـرأيت أن اختصر الوقت واتجه إلى هناك كي أسأل عن مو الطلـبة

ن يضيقون و المكاتب مزدحمة والموظف .اسـتالم النـتائج ووثائق التخرج

ن هـذه الفتـرة من كل فصل دراسي، يكـرهو .ذرعـا مـن أداء عملهـم

يحاولون صـد الجميع بطريقة وقحه ويتهربون إلى خارج المكاتب كي فـ

اقتربت .النتائج الطلبة المستفسرين عن مواعيد ال يكونـوا فـي استقبال

مــن أحــدهم وأنــا أهــيء نفســي لكــل رد وقــح أو إســلوب امــتعاض

خالل تعاملي ات عديدة ومتتالية لـدي مـناعة وفـرتها جرع . يبادرنـي بـه

:عهم في السنوات الماضيةم

.لو سمحت -

.االستفسارات في االستقبال -

.ال يوجد احد هناك -

.انتظرهم -

.م الوثائقد فقط عن موعد تسليسؤال واح -

اذهب .بالكـاد انهيـتم االمتحانات ولم يأتنا أي خبر عن هذا األمر -

.وارجع بعد شهر أو تابع الجرائد

.شكرا -

رنة بالخمس سنين، لكنني شعرت بها دهرا شـهر ليست مدة طويلة مقا

تجاهلت . ة التـي غمرتني بعد آخر امتحان لي انتـزع منـي بعـض الـراح

التفكيـر في الموضوع وشهر آخر لن يكون سيئا لعلي أيضا انهي بعض

تذكـرت أن هـناك أبناء عمومة لي .األمـور العالقـة فـي هـذه المديـنة

بعد ،ة عند وصولي م أزرهم سوى مرة واحد يقـيمون فـي العاصمة ول

ذلـك غـبت عـنهم ولـم اكن اسمع اخبارهم إال عند االتصال بوالدي في

ألنها كانت االحـتكاك باألقارب خالل فترة الدراسة فكرة مؤرقة .القـرية

أتــيت لخــوض تجــربة كمــا أننــي ،ضــعني تحــت مجهــرهم ورقابــتهمست

مخـتلفة ولـم يكـن لـدي رغـبة فـي العـيش مجـددا داخـل مجتمع من

في . يمـثل نمـوذجا مصـغرا للقـرية بجمـيع عاداتهـا وتقاليدها األقـارب

العاصـمة الكثيـر من المجتمعات الصغيرة التي انتقلت بكامل عناصرها

فكرت بقائمة . وظلـت دون تغييـر ولـم تسـمح للمدنـية بأن تتسرب إليها

شهر حتى آخر وأوقاتها خالللـزيارات لطـويلة مـن األسـماء وخططـت

خططـي بالعديـد من األشخاص الذين أحتاج تعثـرت .يـوم أغـادر فـيه

، خرى من أنني لن أعود للمدينة مرة أأكـيدا لسـت .لـزيارتهم وتـوديعهم

بلكـن التخـرج بحـد ذاته عنوان شاع بين الناس على أنه وداع كل طال

هي تصرفات .وعـودته إلـى مسـقط رأسه أو غيابه بحثا عن المستقبل

ا بوداع يمنعنا من حمل أجيلهنمارسـها كإنهـاء عالقات طويلة وممتدة وت

حين تجاوزت البوابة الرئيسية تذكرت .ها بالتواصل مرة أخرى عـناء إحيائ

هـذا الـرجل يسـتحق مني زيارة كما أنني ال أريد تأجيله . الدكـتور علـي

عــدت .كـي ال اضـطر للعـودة للجامعـة فـي غيـر يـوم اسـتالم الوثـيقة

خطاي .لـوم اإلدارية ادراجـي سـريعا عابـرا الـبهو مـتجها إلـى كلـية الع

السـريعة لم تمنع عيني من التجول حولي لعلي أصادف شخصا أعرفه

فـتكون فرصـة لـوداعه واسـقاطه مـن القائمـة التـي بدأت تزدحم في

عبـرت مـن الوسـط بعـيدا عن البوفيه والطاوالت المحيطة به، . ذهنـي

عليها مع ناصر وزميليه ألرى أجلس كنت التي على الطاولة نظرة رمـيت

وللمرة ، يجلس معهم لمحت سامي . أم ال ل مازالوا متواجدين هناك هـ

لم أشأ العودة إليهم ومواجهة . الثانـية ينظـر إلـي ثـم يشيح وجهه عني

تجاوزت . يكفـي مـا سببته لناصر من إحراج سـامي والـتأكد مـن أمـره،

سامي . رغبتـي واسرعت في الخطى كي تبعدني عن احتماالت العودة

األفكار وكل تحاصـرني . مسـافة نحـو هدفـي غل تفكيـري طـوال ال شـ

فكـرة مـؤلمة أضـع أمامهـا عالمـة اسـتفهام حتى ال تتأكد وتظل اسئلة

. شكوكيئتنتظر اإلجابة لعلها تجد ما ينهيها ويطف

ل ، ولكن قدمي لم تض ضـعت فـي سـراديب عقلـي أفكـر فـي سـامي

الممـرات فـي قسم الحقوق كئيبة .الطـريق إلـى مكـتب الدكـتور علـي

خالل بحثهم عن على الصمت والهمس الطالب تـرغم درانها هيـبة ولجـ

طـيف محمد . وقفـت أمـام مكتـبه أحـدق فـي الـباب . مكاتـب الدكاتـرة

أال يكون اسـمع ضحكاته وأشاهد وجهه واتمنى .يمنعنـي مـن الدخـول

وفجر ما تحت طبقات الوعي ،مودياا صديق حفر في عقلي ع .موجـودا

تالشـى طـيفه وفـتحت الباب ألجد .المتـراكمة فـوق طبيعتـي البسـيطة

فيها أشاهده إنها المرة األولى التي .الدكـتور أمامـي وراء مكتبه يصلي

طابت نفسي فبـدون الشـماغ والعقـال، بـدا لـي كأحـد أفـراد أسرتي،

إنه يشبهنا . انكشف سبب راحتي وانسجامي معه .وانشـرحت أسـاريري

أقرب اإلنسان ما .هـناك، بسـيط تتساقط قطرات الماء من فوق جبينه

لإلنسـان فـي حاالت الخشوع، ذلك الرابط األلهي يجعلنا متساوين نخلو

حتى دكتورنا يخاف ويخشى، إنه يبتهل في .مـن كـل الفروقات الدنيوية

انهى صالته .هـدوء وينشـر فـي كياني سكينة غسلت عني كل التوترات

ينهض .وسـلم عـن يميـنه ويسـاره لينظـر إلى بابتسامة وشفاهه تسبح

يلبس شماغه وعقاله ، ثم يطـوي سـجادته ويضـعها فوق مكتبه ،بـبطء

:ويهم بالجلوس على كرسيه

.سالم عليكم، حرما يا دكتورال -

اهـال وسـهال بالمحامـي . وعلـيكم السـالم، جمعـا إن شـاء اللـه -

.صالح

.مازلنا على بعد شهر من هذا اللقب -

. لم تكن يوما بحاجة لورقة تثبت لي ذلك -

دائمـا تشـجعني ولـم أشـأ مغادرة الجامعة شـكرا لثقـتك، كـنت -

.اليوم إال بعد السالم عليك وتوديعك

إلى أين ؟؟تودعني -

لوثيقة ومن رغبة بالعودة إلى الجامعة سوى الستالم ا لي لـيس -

.ثم أحلق عائدا لوالدي

تجلس بجانبه دون أن تسعى من أن ال اعـتقد أن والـدك يريدك -

.أجل مستقبلك

عـند هـذا الحـد، وحتـى أجـد أحالما اشـعر أن مسـتقبلي انتهـى -

.رى أريد اإلقامة بين أفراد أسرتيأخ

، وتترك فرصا متاحة اآلن ربما فسـك بهـذه الطريقة أنـت تظلـم ن -

.لن تجدها حين تريدها

، اآلن لــم يعــد لــدي أي كمــية كافــية مــن اللــه كــريم يــا دكــتور -

.الحماس تساعدني على التفكير والتخطيط

ألنك واعتبرني صديقا وزميال لك . مـا رأيـك أن أخطـط من أجلك -

.لم تعد طالبا

.سأظل طالبا وتمليذا لك -

.اشكر لك هذا االحترام، ولكن يجب أن تستمع لي جيدا اآلن -

أخـذ يحدثنـي عـن الفـرص المـتاحة للمحامـين فـي الدولـة، وكيف أن

المحـاكم بـدأت تـرتب أنظمـتها لتسـمح بالمرافعات وممارسة المحاماة

م يترك أيضا لي فرصة اتذمر فيها من أنني ال احب ل.بشـكل أكثر فعالية

ممارسـة المحامـاة بالطـريقة التقلـيدية، واضـاف أن الشركات الخاصة

فـتحت أقسـام قانونـية وتـريد أشـخاص مؤهلين وأن األنظمة التجارية

مخلص .والقوانـين تتكاثـر وتتشـعب وبحاجة لعقليات تستطيع مجاراتها

:سأفتقده كثيرا وهو يشعر بهذا أيضا .ئه كأحد أبنابيفي حديثه يفكر

اسـمع يـا صالح، أنت تستطيع اكتساب مراكز اجتماعية مهمة هنا -

.في العاصمة

كمـا قلـت لك يا دكتور أنا منهك جدا وال . ال ابحـث عـن هـذا اآلن -

.ادري أي الطرق سأسلك

المجــتمع يــتطور .اذهــب وخــذ فتــرة راحــة جــدد فــيها نشــاطك -

اضــح معالمهــا وتحــتاح أشخاصــل بــدأت تتوالكثيــر مــن المشــاك

لديه اإلمكانيات في أن يحدث إنسان أنت . بفعالية فيها يشاركون

.تغييرا حال توفر كل الظروف المناسبة

؟هل سأنتظر الظروف -

، الحوار المفتوح اآلن. تسـتطيع خلقهـا، أو اسـتخدام المتوفر منها -

كل تلك .والوسـائل اإلعالمـية أخـذت مسـاحة أكبـر مـن الحـرية

.ت تفتح لك أبوابا تعبر من خاللها نحو أفضل المراكزمؤهال

بات الكل .رغبة في المشاركة في هذه الظاهرة ال أجـد لـدي ال -

الـتحدث والنقاش، االنترنت والفضائيات لقنت الناس قـادرا علـى

بأنهم قادرين على فهم كل أشعرتهم بسـيطة االعـناوين ونقاطـ

.شيء ومناقشة كل شيء

لقد الحظت الشيء ذاته الذي الحظته أنا، .هذا ما أعنيه بالضبط -

وألنـي أثـق بأنـك مخـتلف فـي ثقافـتك وأنهـا ليست سطحية أو

مجـرد هـوامش مجـزأه، لذلك أجدك األقدر على اكتساب مكانة

.أكبر من أولئك

يا ؟ ماهو هدفي ما هو توجهي ؟ سأناقش وعم ؟ سـأدافع عـم -

دكـتور أنـا مـا زلـت فـي نقـاش مـع نفسي حول نفسي، وحتى

.قتأفهم ما أريد احتاج لمزيد من الو

المشتركة يمكنك البدء بالرفض او الموافقة على أبسط القضايا -

. بين جميع شرائح المجتمع

مثل ماذا ؟ -

مـثل قضـية تحـرر المـرأة وقيادتها، وظائفها، الليبرالية العلمانية، -

.االنفتاح على الغرب، العولمة

نقاش مع مجموعة ال هاي ف قادما من جلسة احتدم لقـد اتيت إليك -

مـن الليبـراليين العلمانيين الذين ال يفهمون من معنى ذلك إال ما

كم .مايخـص المـرأة، وأما الفكر والعلم فلم يكونوا مهتمين فيه

وددت يــا دكــتور أن اخبــرهم بحادثــة حســين مــع عائلــته عــندما

لقد قال .اعـتقد انه متحرر ومنفتح فوقع في أسوأ مواقف حياته

، الكشف عن وجهها لكبيـرة عندما زارته هنا أنها تستطيع الخـته ا

ا فاقـد افمـا كـان مـنها إال أن نظـرت إلـيه شـزرا واعتبـرته حقيـر

. إنهـم يـا دكـتور لـم يكلفوا أنفسهم ترك األمر للمعنيات . للغيـرة

تـركوا همـومهم ومشـاكلهم من بطالة وعدم توفر فرص للعمل

لكثير من ا حلواللـو حلـوها ألوجـدو بمـا ال يخصـهم، ف وانشـغلوا

.النساء اللواتي يتمنين االستقرار والزواج من رجال أكفاء

:يهز الدكتور رأسه مبتسما متجاوزا كل ما قلته ليكمل حديثه بهدوء

ال تستخف .هـناك عـناوين نـبدأ بهـا كي نتجه نحو عمق القضايا -

كفي أنه أشعل االهتمام بما يسمى ي يا صالح، بمـثل هذا الطرح

.ة والليبراليةالعلماني

ان هـذه المصـطلحات تعني في المفهوم العامي .دكـتور علـي -

وهــم يــتحدون عــن). كافــر ( أو ) ديــوث ( أن يكــون الشــخص

نفـس المفهـوم فـي عـناد للشـائع من باب أنهم األفضل والبقية

. كاملينصين، وأذا أتتهم مذمة من ناقص اعتبروا انفسهمناق

صـراع بـين العامة على افهـم مـا تقصـد، ولكـن مـا تقـوله هـو -

مفاهـيم سطحية يتنازعون عليها بعيدا عن العمق الذي يجب أن

.تطلع عليه يوما

؟وأين يقع هذا العمق -

. في داخلك مثال -

.هل تريد مني أن انظر في داخلي؟ هذا ما بدأت به معك -

.داخلك يا صالح خرج مع محمد -

ن األخير قد مازال على اتصال بـ محمد، ويبدو أ .صـدمني بهـذه الجملـة

ع ابتسامة ممتعضة لـم اسـتطع مـن .أخبـره بكـل مـا حـدث بينـي وبيـنه

. تشكلت على شفتي

ماذا قال لك محمد ؟ -

.بي ه ما فعلبكلم يقل شيئا، لكنني اعتقد أنه فعل -

. حققت شيئا وأنا مازالت في خطواتي األولىلكنك، اتذكر -

قد ، سـوف تجـدها وكـل خطـوة تستصـغرها . كـنت مـثلك يـوما -

ألم تسمع كلمات ارمسترونغ حين نزل .ت لـك بعدا لألمام أضـاف

خطـوة صـغيرة لإلنسـان وخطـوة عظيمة (علـى سـطح القمـر

. خطواتنا الصغيرة مجتمعة تبني مسيرات كبيرة.)للبشرية

.اشك انهم نزلوا على سطح القمر -

فكـر بـأن أحدهم قد داس وجه يـبدو أنـك شـاعر وتخشـى أن ت -

.حبيبتك

ا ممزوج ا فينا سرور بثتلطالما السـاخرة التي بكلماتـه انتهـى الـنقاش

ــرارة ــت .بالم ــررت وخطط ــد ق ــيه وق ــود إل ــي أن اع ــوعد من ــركته ب ت

سيبقى ودعته وهو يلح علي باالستمرار وعدم اإلطالة وأنه .لمسـتقبلي

أمـال كبيـرا بأن الحياة مازالت تخفي فـي كانـت كلماتـه تـبث . بانـتظاري

ية قلمه من جيبه وقدمه لي كهد أخرج . السـعيدة المفاجـآت الكثيـر مـن

هذا الدكتور . اعتبـرتها شهادة تكفيني ألغادر بها نحو عائلتي احرجتنـي ف

تخـرج مـن تحـت يديـه شخصـيات شغلت المجتمع بعقلياتها وكونه يرى

طالب في ستينفيني شيئا من هذا فهو أمر يجعلني محظوظا من بين

. نفس الشعبة التي درسها

أمـل جميل سيساعدني على االستقرار قليال ل وؤغـادرت الجامعـة بـتفا

ا بسيارة فارهة اتطلع للمدينة متصورا نفسي أجوبه .للعودة بنشاط أكبر

فتح لي الباب ويناولني يينزل ل عند أحد الفنادق ويقـود بي سائق يتوقف

مركـز اجتماعـي تظاهرت بأنه ال يهمني، لكن كلمات الدكتور ).البشـت (

عنها حتى سرا مع منية خشيت التعبير أثارتـه فـي داخلـي وكشفت عن أ

ابحـرت في حلم يقظة أنا فيه البطل وكل أرجاء المدينة خشبة .نفسـي

. اخـتار أجمل الفلل واسكنها واوزع الهدايا واسدد ديون عائلتي .مسـرح

صاعدا ) البشت(كسي دون اأنزل من الت ينقطع الحلم و ، وقفـت السيارة

الدفء الذي احتواني حافظ على نحـو الشـقة اسـتعجل الوصـول كي ا

شأ للجو وأشارك به فراشي بعد أن اشتعلت روحي بمستقبل واعد لم أ

يشرع لي كل ا دكـتوري جعل من نهاية الخمس سنين مفتاح .أن يبـرده

.أبواب المستقبل

: رايح كثر الفضايحوإنت

كـيف يمكـن للمقـيم فـي مكان أن يسهو عن تطوره ويكتشف أنه كان

كم أود لو أوقف الناس في الشوارع .ن العـالم لفتـرة طـويلة غائـبا عـ

.واسـألهم أن يـنفكوا مـن مشـاغلهم للحظات ويتأملوا نمو هذه المدينة

الشوارع تبرعمت في كل اتجاه، .لعلـي أنـا الوحـيد الـذي يالحـظ هـذا

خمس . مـن بعضهم البعض أكثـر فأكثـر السـكان تقـرب طـرق جديـدة

ل كل شيء من حولي في ون وظ سـنين فتـرة كافـية، غـبت فـي سـك

ارجاء المدينة اطارد مـر أسـبوع كامـل وأنا أجول في .حـركة مسـتمرة

ــزائ ــاع لع ــارب وانص ــهم . همماألق ــي مجالس ــر ف ــنجم الحاض ــنت ال ، ك

لـم يلمنـي احـد مـنهم على انقطاعي .اسـتقبلوني بكـل حفـاوة وكـرم

طـوال الخمـس سـنين الماضية، جميعهم اتفقوا على أن الطالب عذره

اجلــس فــي صــدر كــل .كرمونــي علــى تخرجــي قــبل عائلتــي، فمعــه

كم من مرة اتصلوا على . في سرور وفرحة مـن حولـي ، وكـل مجلـس

قبيلتنا لست أول شخص في .والـدي في حضوري يهنئونه على تخرجي

ادقة ونابعـة من القلب يحصـل علـى شـهادة جامعـية، لكـنها عـادة صـ

بمــا ا بـي وســعيد رأيــت أبـي يفتخــر .نــي فـرحا بإنجــازي تحفنـي وتملؤ

احـد أبـناء عمومتـي ناولني الهاتف .اإلنجـاز حققـته، يكفـيه منـي هـذا

:المحمول بعد أن هنأ والدي

هـذا مـا كنت انتظره، أن افخر بك . بـيض اللـه وجهـك يـا صـالح -

.وارفع رأسي

لم افعل شيئا حتى اآلن، اعدك إن شاء الله أن اكون عند حسن -

. ظنك دائما

. نفرح بك ونزوجكعجل بالعودة إلينا حتى -

. مازال الوقت مبكرا -

إنهـم حـولك اآلن ينظـرون إليك كخاطب، وينتظرون منك التقدم -

.إلى إحدى بناتهم

. بعدال اعتقد ذلك، لم اتوظف حتى اآلن ولم أكون نفسي -

.كون نفسك على مهلك وزوجتك بجوارك تساندك وتساعدك -

.حسنا، عندما أعود سنتحدث في الموضوع -

.كون قد جهزنا كل شيءندما تعود سنع -

.ابشر بما تريد وكيفما تريد -

.في أمان الله وسلم على الجميع -

.سيصل سالمك، حفظك الله وأطال في عمرك -

انهـيت المكالمـة وقـد وصـلت للـباب الخارجـي مـن هـذا المنـزل الـذي

عـدت إلى الداخل اتابع . يقـيمون فـيه ولـيمة عشـاء بمناسـبة تخرجـي

قاط مـا قالـه والدي لي من أنهم يرون أعيـنهم مـرة أخـرى، احـاول الـت

تجــاوزت الفكــرة وانــدمجت فــي . فينــي زوجــا محــتمال إلحــدى بــناتهم

يرون بأن .أحاديـثهم التـي بـدأت تتـراكم مـن جديـد لتعـيد فكرة الزواج

يصفون الحاضر . الشـاب تحصـين نفسـه فـي أسـرع وقت ممكن علـى

حاديث حول رت األ شانت. بفـخ يقـع فـيه أوالدهم لكثرة المفاسد والفتن

، الفضـائح واإلشاعات هي ما يزايد عليه كل حاضر ويحاول كـل شـيء

وجدت حتى كبار السن يشاركون .قـول ما يلفت االنتباه إليه بشكل أكبر

أحدهم .ون أحاديث سمعوها من هنا وهناك فـي هذه المواضيع وينقل

بـرر ذلـك بأن الشباب والفتيات ينساقون مع األمور من مبدأ عامي وهو

المقصـود بـه الجـري مع التيار لمجرد التقليد و، )ع الخـيل يـا شـقرا مـ (

فكل فتاة أو شاب في عمر .بـدون تفكيـر وهـذا ما يجعل األمر خطيرا

.ســتجري مــع بقــية الخــيول بســذاجة) شــقراء ( ةالمـراهقة هــو مهــر

اسـتمر تـبادل األحاديـث وتحلـيل الظواهـر، االبـتعاد عـن الـدين وعـدم

ب الرئيسي الذي يتفقون عليه وبه ينتهي النقاش االلتـزام بـه هـو السـب

انتهت األمسية بالسالم الحار .مـع اسـتغفار ودعـاء بالستر وعدم البالء

تركتهم فرحين . ووعـود بالعـودة إلـيهم متـى حانـت لـي فرصـة أخـرى

ان سهرهم سيتسمر حتى وقت متأخر، لكن وجودي ومسـرورين مدركا

هم، لذلك وجب علي الرحيل مبكرا يظـل غريبا مهما كانت صلة قرابتي ب

ال اشـعر أننـي سأكون في .إلعطـائهم مـزيدا مـن الحـرية فـي غيابـي

مرمـى غيبـتهم، لكـن مـن يعلـم ؟ فالغيـبة عفـوية جـدا فـي كثيـر من

شيء كطريقة جلوسي أو األحـيان وقـد تصـدر كمالحظـة علـى أبسط

، مجرد ممارسـها بالذنب رتشـع مالمـح وجهـي؛ هـي ظاهـرة لـم تعـد

انتقاد وتبادل للمعلومات عن هوث عـن شـخص غائـب بالسـوء الـتحد

تمـأل الـوقت وتسـرع من هـي ظاهـرة ، أخـرى ظـروف فـي .اآلخـرين

لم . تـركتهم يمارسـون ذلـك معـي غافـرا لهـم أكل لحمي حيا .عـبوره

ال بـأس مـن إعطـائهم شيئا من هذا اللحم ، إذا أقـدم لهـم شـيئا مفـيدا

. بهالذي ضاقت روحي

لكنني يقسـم ويحلـف بالله أن يوصلني، ب الحقـا بـي قفـز أحـد الشـبا

لـدي رغـبة بالـتجول فـي أرجـاء المدينة في هذا .رفضـت ذلـك بشـدة

حتى بداية الشارع ومن علـى األقدام صـاحبني مشـيا . الـوقت المتأخـر

الهــدوء . وانطلقــت باتجــاه شــمال المديــنةســيارة أجــرةهــناك ركــبت

سواق الكبيرة والشوارع يتالشـى تدريجـيا كلمـا اقتـربت مـن مـنطقة األ

الليل ينتهي مبكرا على حدود المدينة في األحياء التي يسمى .الرئيسـية

الدخل المرتفع بقدر ما لديهم و ذو بينما ،قاطنـيها بذوي الدخل المحدود

سارت بي . حلول النوم في أعينهم ويؤخرونمـن مـال يشـترون السهر

عديـدة مظاهـر دتشـاه ف يميـنا ويسـارا، السـائق السـيارة وأنـا أوجـه

سيارات تتسابق بالفخامة والسرعة، عوائل تتمشى .سمعت عنها سابقا

، وريات األمنية تكاد تفقد السيطرة بـدون محـرم ويطاردهـا الشباب، الد

قليل من الخوف الذي يتسلل للنفوس . لكـن العـرف العـام هو اآلمان

في شعرت بالحياة تدب .يمـنع المغامـرين من المبادرة بأي شيء مثير

في ت يوما قـديم يـنهض مـن داخلـي ويتمنى لو شارك ابأوصـالي، شـ

يبدو . العمـر دون قصـص أحكـيها لمراهقي القرية سـرقني . مـثل هـذا

. أننـي سـاكتفي بسـرد قصـص اآلخـرين واجعـل مـن نفسـي بطال لها

خـرجت مـن مركز الحياة حيث شمال المدينة الباذخ وتوجهت نحو حدود

تــراكم األحــالم هــناك ت. الجامعــةأخــرى يقــيم علــى أطــرافها طــالب

.، لتموت في ظاهرة انتحار جماعيالقادمة من كل صوب

االغراض واختصر من عبء الترتيب أنظمدخلـت الشـقة نشـيطا أخذت

كيف سأدخل على .رتـب األفكـار أيضـا وأ .الـذي ينتظرنـي عـند الـرحيل

..!؟ ال أملـك الكثيـر مـن المال كي اشتري هدايا ، هـل أفاجـئهم عائلتـي

هل أنا قادم من خارج الوطن، .سـخرت من نفسي حين فكرت بالهدايا

هـل أنا قادم من دولة أوربية كي احضر معي أشياء لها قيمة مختلفة ؟

من لمـاذا يعـتقد الطـالب القادمـون مـن القـرى أن مـا يحملونه معهم

بات كل شيء . يخـتلف عمـا يجدونه في قراهم المديـنة لـدى عـودتهم

.التجار مكانا إال ونثروا فيه بضائعهمم يترك لف، أيضامتوفـرا فـي القرى

اسـتقرت فكرتـي علـى أن تخرجـي هو افضل هدية أقدمها لوالدي مع

القديمة التي لن احتاجها فيما اطوي ثيابي . قـبلة علـى يـديهما وجبينهما

فراش وأتأمل ، ، اجمع كتبي ودفاتري تبقـى لـي مـن وقـت حتى أسافر

افكـر فـي تـرك هذا الدفتر .الة سـالم اعـيد قـراءة رسـ . الشـيخ تركـي

انشغل عقلي .كذكـريات ال أريـدها أن تداهمني يوما وتشعرني بالحزن

أين :واسـتمر يفكر في كل صوب، هاجس واحد كنت احمله معي دائما

ي كل النساء في شـاهدتها فـي كـل الشـوارع، كانـت ه ..؟هـي نـوف

لم تغب لحظة في أحاديث الرجال عن الزواج والفتيات، .هـذه المديـنة

ارفع .واحـدة ألنهـا حاضـرة فـي كـل رمز انثوي تلتقطه إحدى حواسي

إن الرقم الذي : (الهاتـف واتصـل بها لينهي المأمور آخر اآلمال سـماعة

لقد غيرت الرقم أو فصلته، لعلها تخبرني بذلك أن ).طلبـته غيـر صحيح

ب كرهت نفسي وتمالكني غض.الفرصـة التـي اتيحت لي يوما قد انتهت

.ن اراها أو اتحدث إليها مرة أخرى شـديد منعني من االقتناع من أنني ل

:ما أن أقفلت سماعة الهاتف حتى قفز قلبي معه

.الو -

.مساء الخير -

.مساء النور -

كيف حالك صالح ؟ -

الحمدلله ، من معي؟ -

!أنا أخت أمل -

؟ اسم خاص بهاوأخت أمل ليس لها -

.رةتقدر تناديني نو -

قديم، لم تكن هناك فتاة يحبها شخص إال الجيل الهـذا اسم شائع في

جعلنـي اخمن أن هذه المرأة ممـا وتـبدأ معـه بهـذا االسـم المسـتعار،

.شاركت ذلك الجيل بعض مظاهره

.حياك الله يا نورة -

كي يودع ك رقم حساب البنك لـن اطـيل عليك، كنت اريد اعطاء -

. فيه سامي المبلغ

.ولم أشأ ازعاجكجميل، كنت افكر بهذا األمر منذ قليل -

انا من كنت انتظر اتصالك ان لم يكن من . لـن تزعجني لو فعلت -

.تتطمئن علينااجل هذا الموضوع على األقل كي

. أطمئن عليك. اها -

.اقصد أمل -

.ادام لها اخت مثلك فال خوف عليهام -

. لكن سجل الرقمليتها تسمع هذا، -

.التقطت دفتري وقلما وكتبت الرقم

. أنهيت مهمتي قد، وبهذا أكونامي واخبرهحسنا سأتصل بـ س -

هـي مهمـة، اتمنـى أنهـا لـم تكـن ثقـيلة للدرجـة التي تتمنى إذا -

.التخلص منها

ويدعنــيهـا يــريح الـبال ، وانهاؤولية علــى كـل حــال هـي مسـؤ -

.انشغل في أمور اهم

ماهي األمور المهم؟ -

.التجهيز للرحيل -

هل ستسافر، إلى أين ؟ -

.لمسقط رأسيلقد انهيت دراستي وسأعود -

؟وأين يقع هذا المسقط -

.في مكان ما من الوطن -

ك يـبدو أنـك ال تـريد الـتحدث إلي كثيرا، لكنني بصراحة ارتحت إلي -

.وتمنيت لو انني عرفتك منذ فترة

. حتى أسافر، تستطيعين االتصال متى اردت امامـك ثالثة أسابيع -

يسـعدني ذلـك، ال احـد يكـره صـوتا جمـيال يكسـر عليه الوحدة

.سأم ويشعره باأللفةوال

هل تتغزل بي؟ -

ألنك ستكونين صامتة ، ولـو فعلت ما تركت لك فرصة التحدث ال -

.في ذهول

يملكنــي بكلمــات ال اعــتقد أننــي فــي عمــر يســمح ألي أحــد أن -

.أنا أكبر من ذلك. الغزل

.لكل عمر غزله -

؟وما المناسب لعمري -

وكم عمرك ؟ -

عن شعور عام لم سـعادتي وابتسـاماتي صادرة .صـمت دام للحظـات

الـوقت المتبقـي لي في حياتي هذه يشجعني ويزيد .تكـن هـي سـببه

رأيــت أن شــبابي انســرق منــي فــي تفكيــر يبعدنــي عــن .مــن جرأتــي

، لعل غيري ممن الـذي مـأل الشـوارع وأحاديـث الناس مالمسـة الواقـع

المعرفة ليست كتاب .شـاركوا فـي هـذه المظاهر كانوا اكثر خبرة مني

بـل تجـارب نجنـي نـتائجها مـن ممارسـاتنا حتى لو كانت ه فقـط، ؤنقـر

. خاطئة

. وال تقطعنا يا صالح،اخبر سامي -

حسنا لكنك لم تخبريني كم عمرك؟ -

كبيـرة بما يكفي النهاء هذه المكالمة وترك فضولك معلقا دون -

.إجابة

ال تحسـبي عمـرك بحجـم فضـولي تجاهك، سيجعلك هذا بعمر -

.حواء لو عاشت حتى هذه اللحظة

.ها لتكمل الحديثاسمع منها ضحكة خافتة تحاول اخفاء

.حواء تكمل مسيرتهاهي حواء لم تمت أبدا، فكل إمرأة -

.وأنا آدم الذي ينتظر منك التفاحة -

ية ، هذه المرة اترك لك حرلـن اتحمـل ذنـبك مـرة أخـرى يا آدم -

.اقتطاف التفاحة دون إشارة مني

ومن يدري لعلها نها أتأملهـا، صـ افضـل أن اتـركها زاهـية علـى غ -

.تسقط على رأسي واكتشف سر جاذبيتك

سأتصل بك .الحديث معك مستحيل، ال املك وقتا كافيا لمجاراتك -

.في وقت الحق

.كل األوقات تشتاق إليك، وما أنا أال رسالة منك لها -

.مع السالمة يا صالح -

.في أمان الله نورة -

ا اعرفه فرق شاسع بين م.اقفلـت السـماعة منسجما مع شخص جديد

عنـي وما أمارسه اآلن، لكن الناس تجري في تيار التغيير الذي تجاهلته

.أريد المزيد . ، لكنها لم تكن كافية أتـت نورة في الوقت المناسب .دومـا

جهاز .فضـول شـديد لـن يكـون لـه حـل سـوى أن أدخـل إلى االنترنت

خليط من .الحاسـب اآللـي مغطـى بالغـبار، انفضه قليال واجلس أمامه

كائن جائع .مشـاعر الغاضبة والمتوترة والمتحمسة تريد مني اشباعها ال

ت ما إن اتصل.يكـاد يثب ممزقا جلدي ليمارس الحياة كرجل كهف بدائي

ســأقرأ كــل شــيء عــن .االنتــرنت حتــى غامــرت باتجــاه هــذا العــالمب

اصدقائي .المجـتمع، سأكتب، سأنقاش واجادل واتحدث إلى كل الناس

.وحدة القاتلــة تتــربص بــي فــي زوايــا الشــقةتفــرقوا مــن حولــي والــ

ليس لدي . الشـوارع مـزدحمة والمطـاعم والمقاهـي تحـتاج إلى المال

سجلت الدخول . استثمار لن تكون خسائره كبيرة ،سـوى الوقت وعقلي

اريد .إلـى ماسـنجر سـامي، انـتقام يتجسد لي في مشاهدته يتجاهلني

طويلة جدا، ال أدري القائمة .العـبث فـي عالمـه الـذي تـركه كما يدعي

لكـن اسـما جمـيال يشـد انتباهي حاولت التحدث إليه لكنه ال . بمـن أبـدأ

احاول مرة بعد آخرى مع أسماء كثيرة، يبدو أن الجميع على .يسـتجيب

ــون ضــغينه تجاهــه ــركتهم، ألتصــفح . قائمــة ســامي يحمل ــتديات ت المن

الناس وجدت . انسجمت كثيرا و شاركت في مواقع المحادثه ، ف والمواقع

مـا حاجتـنا للجامعات والحدائق .والعـالم علـى بعـد نقـرة أصـبع منـي

ــوين ــى األصــدقاء وتك ــنا للخــروج والتعــرف عل ــا حاجت والمــدارس، م

يا ويعرفني الجلـوس أمام هذا الجهاز يجوب بي أرجاء الدن !..العالقـات

الشاشة تتألأل أمامي وأصابعي غدت مجنونة، .علـى مخـتلف الجنسـيات

، ما اسهل هذا اإلنسان .واناقش، اضحك واحزن واغضباكـتب واحـاور

.، وتصيب قلبه وتشوش عقلهكيف للكلمات أن تحرك كل مشاعره

جدين على أحد المتوا.عيناي تغالب النعاس و الفجـر يلـوح مـع الـنافذة

:قائمة سامي انقذ الموقف

.منذ فترة لم أرك -

.مشاغل الحياة -

دنـيا تضحك في وجهك ازالـت ال م .بالتأكـيد، تخـرج وزواج وسـفر -

.دائما

ســامي يتــزوج دون أن يخبرنــي بــذلك، مــا الــذي .شــعرت بالخــيانة

لقد تأكد لي . مـاذا فعلـت له حتى يجعلني آخر من يعلم !..؟يحـدث

بإمكاني استدراج هذا الذي .لقائياآلن أنـه كـان يتجاهلني ويتجنب

يتحدث معي اآلن على الماسنجر، لكنني فضلت إنهاء الحديث بقطع

قـتل هـذا الخبـر شـوقا وحنيـنا لصـداقات انفـرط عقــدها .االتصـال

، لكن عزة النفس جزء تمنيت لو أعاود االتصال بهم . بطـريقة غريبة

مـن المـوروث الـذي يمنعـنا مـن التواصـل بشـكل مباشر مع بعضنا

به صدورنا من مشاعر تجاه اآلخرين تمتلئ نكاد نختنق بما .البعض

على منظر أزهى المظاهر محافظينننا نفضل البقاء في حولـنا، لك

، نحـب أن نرسـم القسـوة في مالمحنا . الالمـباالة وعـدم االهـتمام

الـرجل فـي مجتمعنا .علـى أن نجعلهـا تعبـر عـن حـزنها وتعاسـتها

، ل شاع كفكرة أنثوية اللين في التعام .امخلـوق حجـري وليس طيني

ذلك عالقات كثيرة انشرخت في فترة ما وأخفينا .نـرفض التمثل بها

ــاوية ــريقة مأس ــأة بط ــنهار فج ــين لت ــن األع ــرة .ع ــو والمغف العف

التراضي يتطلب مواقف .حـتاج أيضا مظاهر خالبة أمـور ت والتسـامح

وسطاء يحاولون رأب يتوفريجـب ان ، إذ تتـزين بالعـادات والتقالـيد

يتطور األمر إلى عزائم نجامل بها أولئك ثـم الصـدع وحـل الخـالف،

صـف وندعـي انتهاء المشكلة، نخفيها بعيدا الـذين تدخلـوا فـي المنت

هكــذا تنتهــي .عــن األعــين كــي ال نثيــر األحاديــث حــول مــا حــدث

مشــكلة بســيطة تلــتهم أواصــر .العالقــات بــين األصــدقاء واألقــارب

الظروف إلى العالقـة أو القـرابة بـبطء، تقـتل العاطفـة وتحول كل

امات بعـد هـذا بـرود يطبع الوجوه وابتس .مفاهـيم عقلـيه متحجـرة

. زائفـة نرضـي بهـا الصـدف التـي تجمعـنا مرة أخرى بعد المشكلة

سوى في ، لم أر شيئا من هذايقولـون نحـن مجتمع عربي عاطفي

، وال أستطيع المجازفة بأن اكون الشاذ في حـاالت الكـره والغضـب

ي القلـق والتوتـر، صـور األصـدقاء فـي مخيلتي تثير ن تلبسـ .وسـطه

النور في . لم يعد بإمكاني النوم .هاأفكـارا تتزاحم لتجد متسعا يخص

زدت من ف، شـعرت بالبـرد يقـتات أطرافي . الخـارج اسـتحال سـوادا

.عميقاألغطية وغرقت في نوم

علـى حافـة سـور يحـتفل فـيه األصـدقاء، اراهـم يضحكون أجـري

اصرخ . جالس هو على كرسي مزخرف .ويقدمون التهاني لـ سامي

ليهم، لكن المسافة تزداد بعدا احاول النزول إ.لـه، لكـنه ال يسمعني

سالم و ناصـر ينظر إلي مبتسما، .كلمـا مـددت قدمـي نحـو األسـفل

اجري بخطوات مستقيمة . لي بالعودة مشـيرا يرمـي علـي الحصـى

أرى مكانـا يمكننـي اسـتخدامه للنزول ومشاركة ، و أخـاف السـقوط

فـتاة فـي لـباس زفافهـا تمشي تزفها الطبول، .أصـدقائي فـرحتهم

ها الطـويلة يشـتعل، اصـرخ مجـددا أريـد مـن أحدهم طـرف طـرحت

. تنـزلق قدمي واسقط دون توقف بصرخات تستغيث .االنتـباه لـذلك

فـي هاويـة بـين الحضـور، اشاهد األضواء اقـع .مخـنوقة انفاسـي

ــتتتالشــى ــاع اق.، واالصــوات تخف ــرب مــن الق نهــض صــارخا أل، ت

. والعرق يتصبب من جسدي ويغرق فراشي

، انظر إلى النافذة . سوى ما تراكم ليلة البارحة كابـوس ال تفسـير له

اجلـس قلــيال امسـح وجهــي . الشـمس مـتقدة فــي وسـط الســماء

ركز لفترة أ. ، مـنهك ال اسـتطيع الـنهوض مـن مكانـي بطـرف كمـي

يتسـارع ذهنـي فـي سرد .سـترجاع تفاصـيل الحلـم قـبل نسـيانه ال

؟ لماذا يبتسم سامي . أسـئلة تنتظـر األجابة طـرح تفاصـيل مهمـة وي

لم يعد . اتركها معلقة دون إجابات ..لمـاذا يرميني سالم بالحصى ؟

ــي غــياب أصــحابها ــي ف ــبحث عــن المعان ــا ال هــم وحــدهم .مهم

إلى ينتابني الضيق، اعيد رأسي .ن علـى شـرحها وتفسيرها والقـادر

ن موعدا جديدا مع الـنوم مجـددا، لكن الهاتف يعل محـاوال الوسـادة

:قدر كنت انتظره

.الو -

.م عليكمالسال -

.، لم اتوقع أن تتصل بي أبدا، أهال ساميوعليكم السالم -

ولماذا تتوقع هذا ؟ -

.، ولم أشأ ازعاجككنت تتجاهلني في المرات الماضية -

. جدالم اكن اتجاهلك، كنت فقط مشغوال -

؟في الزواج -

.نعم وهذا ما جعلني اتصل بك -

ر الفتيات الغبيات اللواتي تبر إحـدى ال تكـذب يـا سـامي، فلسـت -

أنت اتصلت ألن احد اصدقائك قابلني على .لهـن بطـرق ساذجة

.االنترنت وكشف أمرا لم تكن تريد اخباري به

.، لكن األمر ليس كما يبدو لكصحيح -

.، لكل شخص اسبابها أو اعتذاراال انتظر منك شرح -

لـن افعـل ذلـك يـا صـالح، أنـت تعرف مدى محبتي لك، اعطني -

.فرصة كافية حتى نتقابل

تتجاهلنـي فـي كـل مـرة اصـادفك فيها، كيف يمكن لنا إن كـنت -

.اللقاء

هـذا ما اتصلت لتحديده، اتمنى منك الحضور للعشاء بعد اسبوع -

، ، ارجوك ال تعتذر حفلة صغيرة بمناسبة تخرجنا .مـن هـذا اليوم

.وكن كما عهدناك طيبا تقدم حسن الظن

.ال بأس لدي أخبار أيضا أريد قولها لك، أمور تهمك -

خصوص أمل ؟هل هي ب -

.حين نلتقيسأخبرك بكل شيء -

.، مع السالمةحسنا -

.مع السالمة -

أو شيء ،)قوى الجذب الكونية ( يسمى عماقـرأت فـي إحدى المرات

مـن هـذا القبـيل يعـرفه العلمـاء بأنـه تواصـل بـين الـناس عن طريق

أن مفهوم .رهم فـي نـداء خفـي ينـبعث عبـر الكون التركيـز واستحضـا

دهم مركـزا علـيه، يغمـر عقله بكل الذكريات التي يفكـر الشـخص بأحـ

تخصـه، ويغـرق روحـه فـي استشـعار تفاصـيل حضـوره، ليجده فجأة

لعل األحالم وتفسيرها هي الجانب .يتصـل بـه أو يسـمع عـنه خبـرا ما

كـنت محظوظا باتصال سامي، لكنني تمنيت لو أن .الدينـي لهـذا العلـم

، ارى وجهها يختبئ عليها أحـاول التركيـز .نـوف احـتلت ذلـك الحلـم كلـه

تان الالمع عيناها .الشفافوراء حجـاب فضـفاض يكشـف عـن نحرها

مع انا ترقصمـ مقلتـي تحـت أجفانـي وكأنه ب وتـدور نظـري انتسـتعمر

مغمض العينين احتضن وسادتي، افرغ الكون من كل .نظـراتها نحـوي

،افكر فيها .ه بهاالتهـا التـي المسـت شـغاف قلبـي وأدعهـا تملـؤ شـيء

اشعر به ينظر .نـداء ابـثه بصـمت يضـج بـه السكون . عي روحهـا اسـتد

، يــبحث عــن نــوف ليبــثها رســائل ، يتســلل مــن الــنوافذخلــف األبــواب

حياتـي تشـرف علـى االنـتهاء، ال ادري لمـاذا ابقـيها هنا في .أشـواقي

لـم اسـتطع تصـورها في أي جزء من القرية أو أي مكان في .المديـنة

يانـي يـرفض أن أغـادره حتى يأخذ من عالمهـا احـتوى ك .بـيت عائلتـي

تعـذيب لذيـذ يحاسـبني علـى ذنـب جميل منعت .قلبـي قطعـا للذكـرى

تنهال األسقف على رأسي، وتقترب الجدران نحوي . نفسـي من اقترافه

ال أحالم وال قوى جذب . إنهم يكذبون لم تحضر، . لتضـيق علـي الخـناق

األحداث اإلنسـان يجمـع مـن . كونـية، وال شـيء قـادر علـى احضـارها

يلتقط . مشتركة يلهي بها نفسه حين يستنفذ حظوظه االمتكـررة أنماطـ

جعله أجمل علىمـن التاريخ مشاهد تساعده على توقع المستقبل، أو

ال جديـد تحـت الشـمس، كلمات نرددها وننسى أن .مـن هـذا الحاضـر

لو أن لكل فجر شمسه، ولكل فكرة .الشـمس قديمـة بـذاتها ال تـتجدد

ب قلب، لما احتجنا للتنافس على وصف األقدار وتصنيفها عقل، ولكل ح

لم يعلم الفالسفة ،األساطير قصص تحقق المستحيالت . حسب األسوأ

الـذين كتـبوها أن الممكـن هـو الشـيء المهـم الـذي لـم نعد نستطيع

لكل زمان مستحيله الذي غدا ممكنا، لكن في .تحقـيقه في هذا العصر

ر هــي المســتحيالت التــي كانــت هــذا الــزمان اصــبحت أبســط المشــاع

.ممكنة

لـم يطـل انتظاري في حضور االنترنت، اشغلت نفسي فيه ألمرر الوقت

بهموم اآلخرين ومشاكلهم، اتمادى في التبلد، واستبدل أملـؤه . المبتقـي

ابادر لالنتقام في شخص سامي، بأن .الحـب الصـعب بالكـره األسـهل

القلـوب الساذجة، ابثها اتصـيد .أكـون للمـرة األولـى شـيئا كـنت أكـرهه

اجعل من .احالمـي المستحيلة كي أشاهدها تحاول تحقيقها نيابة عني

. اصارحها وال افوت فرصة البوح لها بمكنون قلبي،"نوف"كل فتاة

جمعـت مـا يكفـي مـن العالقـات واستحضـرت من اريد بتجسيد من ال

تي محاولة سريعة للحفاظ على صفا في مارست الكذب والخداع .اريـد

من حق كل شخص أن يكون حقيرا .االنسـانية التي حرمت نفسي منها

، ومن حقه أن يكذب، ومن حقه أن يترك غرائزه تنتثر علنا رة ما فـي فتـ

افترض أن كل .امامـه خلـف شاشـة تبقينا بعيدين عن الشعور بالذنب

، كذلك الهاتف . هـو وهـم قابـل لالستخدام مـن أمامـي علـى االنتـرنت

ظالل أشخاص ال أراهم، اجعل لظلي منفذا للهرب اكـون عالقـات مـع

. بمجرد حلول الظالم

، اتصلت بها وتركتها تسرد حياتها معي نـويت العـزم على أن اجرب نورة

:مستغال شعورها بالراحة تجاهي

لماذا ال تخبرني شيئا عن حياتك أنت؟ -

.اعتقد أن أمل تعرف عني ما يكفي من خالل سامي -

أن سامي نفسه ال يعرف عنك أال حياتك ، لكـنها اخبرتني سـألتها -

.في المدينة

؟وماذا تريدين ان تعرفين غير هذا -

.، قبيلتكاهلك، حياتك في القرية -

؟وما حاجتك لها -

. ال شيء سوى التعرف إليك أكثر -

؟وما الفائدة -

اك فائدة وهدفا من أي سؤال اطرحه؟هل يجب أن يكون هن -

.ي كوسيلة للترفيه، وإال ستكونين إنسانة تستخدمنبالتأكيد -

وكيف تستخدمني انت؟ -

.وسيلة لتمرير الوقت -

.ريد أن أكون كذلكشكرا لك على صراحتك، لكنني ال أ -

ــين فــيه خواطــرك يمكــ - ــرا تبث ــرفيه، أو دفت ــباري وســيلة ت نك اعت

.وأسرارك

وما الذي يضمن لي أنك لن تفضحني؟ -

.يضمن لك نفس الشعور الذي جعلك تثقين بي -

؟ك اثق بيهل تعتقد أن -

.نعم -

؟وانت -

.ال -

.صالح، إلى اللقاء -

.إلى اللقاء -

لن اتقديمه، وخسارة نورة أمر محتوم .همني مشاعر اآلخرين تعـد تلـم

ربمـا أغـذي شـعوري باالخالص تجاه نوف التي لن ترضى .يغيـر شـيئا

.ا اكتشـفت أننـي وقـح اكثر من كوني صريح .بـي بهـذه الهيـئة الجديـدة

من األخالقيات التي مارستها ا جديد يحـتاج مستوى منـي التقـرب أصـبح

فخر أبي بي كحققت غاية مهمة بعد أن .ذه الفترة من حياتي هخـالل

، بقــي علــي أن أعــود إلــيهم وتقــد وفــرحة عائلتــي وأقاربــي بتخرجــي

الناس هنا لديهم خاصية . ومساوئهاتخلصـت مـن آخـر مظاهـر المدينة

كل شوائب مي تسمح لي بر هذه فرصة . سريعو النسيان إنهم ،جمـيلة

اتخلـص منها من خاللهم، ألعود انقى كصفحة .روحـي وقلبـي وعقلـي

اك ايقونة على جهاز الحاسب اآللي هن . بيضـاء تـبحث عـن حياة جديدة

كل زاوية من .، وفي غرفتي أيضا سلة أخرى )سلة المهمالت ( تسـمى

نحن في عالقاتنا الوهمية نجعل حتى . العالم تحتوي على سلة مماثلة

نفسـنا سـالل للمهمـالت نرمـي فـيها بفـائض غيـر مقـبول به في مـن أ

نـنظف بعضـنا الـبعض مـن العواطف والمشاعر، لنصبح أكثر .المجـتمع

فعالـية فـي تعاملـنا مـع معطيات المجتمع وطريقة نموه التقليديه التي

لم يدع القدماء لنا إذ يلخص ما أقوم به متداولهـناك مثل . دأب علـيها

واقتباسات تركوا لنا جمال .ديـدة مـن الحـياة رصـة الكتشـاف حكـم ج ف

وها هم يصفون حالتي . تعبـر عـن كـل أفعالـنا وتصـرفاتنا فـي الحياة

الفضيحة !..لـن اجعلها فضائح . )وإنـت رايـح كثـر الفضـايح : ( بقـولهم

في عزلتي .تحـتاج إلـى منابـر اعلى، وجماهير غفيرة، وأضواء ساطعة

من منبر صغير .ا عن أعين الناس هـذه أنـا افضح ذاتي أمام ذاتي بعيد

كظــل بالكــاد يرســم حــدوده ضــوء جهــاز أختبــئيطــل علــى العــالم،

.الحاسب اآللي

: حان رحيل الغرباء

، قيمتها مرتفع جدا . صـباح الـيوم أكـدت تـاريخ حجزي واشتريت التذكرة

فكــرت فــي أن .كـان بإمكانــي توفيـر المــبلغ والســفر بـرا فــي الـباص

شياء التي تشعرنا يجـب أن تحظـى بمظهر فخم، قليلة هي األ عودتـي

كمــا أن . الســرعة فــي الوصــول نحــو األهــدافأبــرزهان، بأنـنا مميــزو

السـماء فـي الشـتاء لهـا لون يغري باختراقها، اردت مشاهدة السحاب

.دون مقاومةتيارات الهواء متكهرب فوق رؤوسنا كيف يتهادى مع ال

، ارسلت وداعا شامال نافذة الغرفة تأملـت كـل شـيء أطـل علـيه مـن

اعتقد أنني . من المسجد أعماقياعتذرت في والحارة، لكل زوايا هذه

فمـنعت قلبي من ، عـن اإليمـان الصـادق أجلـت الـدين بحجـة الـبحث

ألصل الثابت دون مـنازعة مع ا علـه ينسـاب بطمأنيـنة وجتعـويم عقلـي

الجديدة تتحمل بـأن هـذه البيـئة ا الحقـيقة أننـي لـم أكـن مقتـنع .فـيه

وخطوط الشاب يحتاج إلى حرية أكبر. االلتـزام فـي غضون العيش فيها

حمـراء ذات سـقف مـرتفع كـي ينطلق في كل االتجاهات دون التفكير

الدين يحتاج إلى إرادة وعزيمة التمسك ب كمـا أن .بالذنـوب والـتجاوزات

حاولة قـوية، تلـك ال تتوفر لطالب تتبعثر عزائمه وإرادته بين طموحه وم

عبر لي زمالء كثر أن االستقرار بين أسرهم .العيش في ظروف التقتير

يغادرون فأخذواصـاحبه التـزام وتمسك بالدين انعكس على أرواحهم،

.إلـى قـراهم فـي نقاهة روحانية يعودون بعدها أكثر حماسا ونشاطا

مع الـم افكـر بهـذا األمـر ولـم أحـاول تجـربته، لكـنه كاف ليجعلني ميت

. عة وفي ذلك رحمةالجما

لحظات التأمل تفرد له مساحة .تقن عمله العقـل فـي حـاالت انعزاله ي

تنتج تظل مرهونة األخطاء الذاتية التي وشاسعة من امكانيات التجربة،

انغدو كنظريات تحتاج ظروفف أحالمنا تبتعد عن الواقع، .بمـا نطبقه منها

ب موعد الرحيل، كـل هـذه األفكـار تراودنـي مع اقترا .أفضـل للتطبـيق

خاف من اكتشاف وأابحـث فـي طـياتها عـن سـبب مقـنع يبقينـي هـنا،

كثيـرة هـي تلك . لكننـي اتمـناه فـي نفـس الـوقت شـيء يبـرر بقائـي

أمنيات وأحالم سرية .األشـياء التـي تـدفن رأسـها خجـال داخل صدورنا

.نبقيها طي الكتمان كي ال نؤذي بها من نحب

مجموعة من األوراق تتحمل عناء ما مي أما الدفتر .لـدي رغـبة بالكتابة

ــاريخ كــتابة يخســر العــالم أشــجاره مــن أجــل أن نعــيد .نكتــبه فــيها ت

سكت أم. نفنـي مـا حولـنا لـنظل خالـدين فـي ذاكـرة الزمن .اإلنسـانية

عن سيرة عقل مارس جنونه في حضور ا سريع ابـالقلم وكتـبت ملخصـ

سطحية مع اختزلت تجاربي ال.جمـوعة مـن الظـالل التـي أحاطـت به م

األصـدقاء وقـرأتها على االنترنت؛ اعتراف قصـص كثيـرة سـمعتها مـن

:انتقم به من كل فتاة لم تكن لي، ومن كل شاب لم أكن مثله

.كتـبت دعابة فلسفية كان أحدهم قد ارسلها لي على البريد االلكتروني

لكنها تعكس جانبا يشرح بسخرية العالقة بين الذكر ،فـيها تجـاوز دينـي

، ووضع فيها من عطفه وجماله واء قبل آدم أن األلـه خلق ح :" ىواألنثـ

ال ا رقيقا، وعندما تجسدت له كائنأجمـل صـفات الدنيا وورقـته ورحمـته

:يقوى على تحمل مشقة العيش في الدنيا خاطبها قائال

، سـأخلق كائـنا يقـوم بـرعايتك، يصـطاد لك، ويبني منزال، حـواء -

لد يلين قلبه ص. عنك ويحمـيك ويحـبك ويمـوت مـن أجلك ويدافع

، لكـنه كـي يكـون شجاعا وقويا كان ال بد أن اجعله مغرورا لـك

بيني وبينك الـذلك سـأخبره بأنـه خلـق قـبلك، وهـذا سيظل سر

"لألبد

: على نفس الوتيرة بسرد أفكارحة أخرى أبدأ وعلى صف

مـن الصـعب جدا أن ارفض حب إحداهن وهي تدفعه لي بكل عنف، "

تلك العاطفة وإن صح لن يستطيع كبح همـا بلغ فالكثيـر مـن المـنطق م

الله في أي أنثى يجعل والجمـال الذي وضعه .)غريـزة : ( التعبيـر قلـنا

أثناء االحتكاك مـن اإلسـتحالة على الرجل أن يكون حياديا في تفكيره

مالم أستطع إدراكه حتى اآلن هو كيف. ةالـرق ذلـك الحـنان و مـع كـل

تحمــل نفـس المعنـى ونفــس وهـي " أحـبك : " أسـتطعت قـول كلمــة

وذلك !..أعتبـر نفسي مخلصا لهن جميعا ل واظـ ،القـيمة فـي كـل مـرة

ختفــي عــندما ، يميريبــه ضــيؤنبنــي الــذيالشــعور بالــذنب والحقــارة

ذلك ).رالغرو(: ذنب الشيطان األول. أمـارس ذنـبا أعظـم مـن هذا كله

عي إال فخر وزهو مهما كان مخالفا لواق بما يحمل من االعتداد بالنفس

. تفاصيله يجعله حقيقة ال أستطيع تجاهلها أن الخيال المتقن في

بالطـبع عندما يشير إلى .. ذلك؟ن كـ ومتـى يكـو .اإلعتـراف سـيد األدلـة

وبالطبع ك، دليال على إدانت فهـذا لـيس ،ن تعتـرف بأنـك بـريء أ. الجـرم

تنتظر االعتراف، الشبهة قائمةبـل سـتبقى . عـين االعتـبار بفلـن يـؤخذ

فكيف يمكنني أن .تعذيب هـنا لـن يمارسـه غير نفسي على نفسي والـ

ظنا بالسوء من أجل أن اتخلص للحظات من % 90مـنطق الــ أرفـض

% 10متبعثـرة مـا تكاد تصل إلى الـ كـل هـذا العـذاب ببضـعة مـئويات

الضمير ينطلق منخافت حتـى يعصـف بها دليل جديد مصدره اعتراف

الشيطان لك وذ. الزاهي واآلخاذ المدفـون تحـت كـل ركام هذا الظاهر

الـذي لم أعد أؤمن بوجوده، افترضته للتو لكي أقلب المعادلة لصالحي

بالحرية واالنطالق في عالم يتشابه فيه جميع وأحـافظ علـى شـعوري

قـدم حال سهال يستنتجه العقل من ت فالفرضـية وسـيلة جدلـية .الـرجال

( ختالفات بالـاال أجـل ممارسـة عملـه المشروع والمسمى نسبيا حسب

ا مـن ذلـك تلك الفئة القليلة التي تمارس أنواع سـوف أسـتثني . )ذكـاء

، أو حتى ، أو األخـوة فـي الله ن الحـب باسـم تعـدد الـزوجات مـ أخـرى

الصـداقة والزمالة والعمل؛ مع إبقاء أغلفة الـتلذذ بصـمت تحـت ظـالل

عن روائح للنشوة ثارت رغما ي ديـر واالحتـرام لكـي تمـنع انبعاث أ التق

. لرجل والمرأة اأنف الرافض لعناصر التفاعل الطبيعية في العالقة بين

ماما ما تمـا فاجأنـي به الشيطان المفترض حتى اآلن، هو أنهن يعلمن

أقصـد، ويسـتمتعن بالكـذب أيضـا مـن أجل االحساس بشيء ملح في

ال ينمو قلب المرأة إال بهذه العاطفة، وال !..إنـه الحـب : أصـولهن كالـدم

سأكون .ممارسته بأي طريقة ممكنة ب فق الـدماء فـي عـروقهن إال تـتد

ويشـعرهن الـبلوغ فـي النسـاء يجعلهـن أكثـر حيـرة أنوقحـا وأقـول

. بالـنقص والحاجـة إلـى مصـدر دمـوي يعوض كل ذلك النزيف الدوري

أجـده منطقيا ويناسب تلك النظرة نحو المرأة هو ثقة الرجل ولعـل مـا

ا يكفي كل نساء العالم ويدفعه إلى مـ بـأن لديـه فـي قلـبه مـن الـدم

ــزوجات، ــن ال ــن م ــدر ممك ــر ق ــبات، والعشــيقات، احتضــان أكب والمح

ى الفوض وفي هذه . وبـين فترة وأخرى بعض المومسات .والمعجـبات

ة مثل اها في عالقاتنا الدسيسة والخجول سـقط كلمـات ضـخمة نتعاط ت

وية مـثل هـذه التصـنيفات مـن زا يمكننـي رؤيـة يف كـ . الخـيانة والغـدر

ال آخر خفية عن أعين كل من رضنا أن فتاة ما أحبت رج افت إذا. منطقـية

تحس . بقوة أكبر إليها مندفعما هو تجذبه نحوها بقدر وأخـذت ، حـولها

لجهة األخرى ابالعـار وهـي تمـارس كـل ألفـاظ الحـب والعشق، وفي

لدرجــة يشــعر الــرجل باالنتصــار والفحــولة، وبقــيادة قطيعــية منفــردة

!.. له الحب ومن أمامه مخلوقة تؤدي له طقوس العبادة ه إ أنإحساسـه ب

حيط م لو طبقنا قيمة الخيانة ونثرناها على ، الذاتبفـي هـذه اللحظات

هـي تعشق و نظـرنا أوال إلـى تلـك الفـتاة ف ،الطـرفين اكبـر مـن عـالم

كل تلك الفترة التي قضتها ا ب هشخصـا عـرفته مـنذ فترة ال يمكن مقارنت

الـذي دأب علـى عمـل المسـتحيل مـن أجــل والـدها .فـي كـنف اهلهـا

، يشـتري عباءة، يبني منزال أسواره يعمـل، يجمـع مـاال .الحفـاظ علـيها

ها الذي يقف على باب المنزل و وأخـ . بالسـتائر ويغطـي الـنوافذ ، عالـية

أجل هذا العرض الذي يمارس يقـارع كـل مـتطفل يمـر من أمامه من

الخيانة هنا قياس هل. بالخائن حـبه فـي عالمـه الخاص ويصف حبيبه

وعـندما يذهب نصيب العائلة من .. لـى عـالم العشـاق فقـط ؟ إينتمـي

ــي ســب ا ــيب بلمــال ف ــن أجــل الحب ــة م ــيمة هدي ــورة او ق ل ســداد فات

عياد قد مرت بهذه األسرة ولم يشاهد األ والعاشـق، فـي حـين أن كـل

يف يمكن لنا كتلك الفتاة أحد افرادها هدية بمثل هذه القيمة تاتي من

هنا؟) الغدر ( فهم

مـازال الواقـع يخـتلف حتـى علـى نفسه، وتعم ورغـم هـذا االعتـراف،

رغم .بد منه كالماء ولكن ال بال طعم الفوضـى حتـى يصـبح كل شيء

كل تتأملت يقولها شخص صادق، مـا كـان يمكـن فهمـه مـن أي كلمـا

.ي تصبح مختلفة جداب لكذالك فتاة

ــن الســهل ــفافة تحاصــرها أورا م ــب أرواح ش ــى لســلوفان، ق ا ثق حت

بسيطة قد تفرغ كل محتوى انثوي طاهر وتجعله اجروحاللمـس يحدث

مـا يجلعني أعتبر نفسي . مـنه كـل كـالب الطـريق ينسـاب لكـي تلعـق

قلي ليمرح مرسال من قبل ع هو أن قلبي عندما يغامر يكون ،محظوظا

المنزلية ه في المنزل يؤدي واجباتهؤ كـذلك الطفل الذي طال بقا .قلـيال

ورغــم انـه سـيعود محمـال باألتـربة مــثقال . لـه افـيكون الشـارع متنـزه

جاراته وتجاربـه هـناك فـي الخارج، إال أن الندم هنا شـ بالكـدمات مـن

.أن نعيشـها لنشعر بالنبض في جنباتنا فديـدن الحـياة .لـيس لـه مكـان

والحقد والسعادة والحزن، ال بد منها مشـاعر الغضـب والكـره والحـب

ندما كذبت أول مرة كان ع. واجدنا على هذه األرض كـي نحقـق قيمة ت

لم تكن . سهولة وعـندما كـذبت ثانـي مـرة كان األمر أكثر ال، األمـر سـه

ن ، ولكـن كانت الصعوبة في أن يقتنع الصـعوبة فـي أن أقـول الصـدق

األسـئلة هـنا ليسـت مـاذا أريد بالضبط ألنني أعلم !.. بأننـي كـنت أكـذب

ولكن ماذا يردن هن بعذ . اكتفيت منها وقـد ، أريـد التجـربة . كا ذلـ تمامـ

االسـتمرار فـي مـنظومة خيالـية مليـئة بالمشـاعر شيء صعب .. ؟ذلـك

ات ولكن كلم والمحافظة على رتابته وتكراره رغم أنه يصبح ملال ، ،جـدا

وألن .حتى تصبح حقيقية كل مرة الحـب ال تحـتاج لصـوت يـنطقها فـي

تعة م، ليست سوىاألصـوات األخـرى المـرافقة لكـل لحظات االنسجام

الــبذخ العقلــي عــندما ينتشــي وهــو يخامــر كــل تلــك المناظــر الخيالــية

. المرسومة واألحالم الوردية

في اذا تستمر فلمبقية الإن لـم تكـن ذئـبا ك : ذات مـرة ت نفسـي لأسـ

لى أي محظور او إإذا لـم أكـن أسـعى . سـؤال منطقـي .. فعـل ذلـك؟

! شيء آخر سوى العادةال .. دفعني لالستمرار؟ يلذي امحرم، فما

زفرت د و نفضت الرما . إلى أقصاها وهـنا تذكـرت سيجارتي وقد وصلت

.بضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيق

. بواحدة أخرى عما قري ومع ذلك اعلم جيدا أنني ساشعل

: مع تأمالتي الهاتف انسجامييقطع علي

.الو -

.هال صالح -

.هال سامي -

.ما رأيك لو أتيت اآلن حتى نحظى بفرصة اكبر للتحدث -

الـوقت مبكـرا، نحن في الظهر وال اعتقد أنك بحاجة لكل مـازال -

.هذا الوقت حتى العشاء

.ربما احتاج اكثر منه، لدي الكثير مما أقوله لك -

.لقد قطعت علي حالة كتابة كنت انتظرها منذ فترة -

. سأقرأ معك، لقد اشتقت لدفترك.جميل، تعال واكمل هنا -

مة؟ أمور مهسامي، هل تريد بالفعل التحدث لي في -

.، بل اريدك في أكثر من هذانعم -

ماذا ؟ -

.عندما تأتي سأخبرك -

ــي اآلنحســنا - ــغلت .، انتظرن ــد انش ــد الحضــور وأجــدك ق ال أري

.لتتركني وحيدا

هناك .، لـيس لـدي أي عمـل غيـرك الـيوم، فقط احضر ال علـيك -

.أشياء كثيرة ستفرحك

.، نصف ساعة وأصل إليكعلى بركة الله -

.ةانا في انتظارك مع السالم -

.مع السالمة -

. لقد عاد صديقي الذي اعهده.الحظـت نبـرة سـعادة في صوت سامي

.ني على االستعجال ت قلبـي وشجع تكلماتـه السـريعة لهـا نكهـة انعشـ

وإذا بـي أمام منزله وهو في ،الشـقة بعـدها دقائـق معـدودة غـادرت

وكأنـه ظـل واقفـا أمـام الـباب ينتظرنـي منذ أن أقفل يـبدو . اسـتقبالي

رحب بي كثيرا وادخلني إلى الملحق الخارجي حيث ال . لهاتـف سـماعة ا

.ته فــي الســالم غســلت كــل ضــيقي تجاهــه حــرار.أحــد ســوانا هــناك

إنه متهيء .ابتسـامته القديمة تشرق تحت شارب تركه ينمو ليصبح ثقيال

أقرأ سامي .ت جديدةآشع من عينيه دالئل مفاج تجـدا لهـذه المناسـبة،

:ئا ومفاجا مهماه أمربشكل جيد عندما يكون لدي

عما بدر مني في األيام حـياك اللـه يـا صـالح، وبدايـة اعـتذر لك -

لـدي ظروف منعتني من مواجهتك ت صـدقني كانـ .التـي مضـت

اطلـب منك ي،وكـي ال تغضـب منـ . بطـريقة الئقـة بـك كصـديق

.العفو والسماح

.، ومنعته من ذلكثم قفز ليبقل رأسي

.مظاهر الصلح بيني وبينكال تقل لي أن هذا العشاء هو أحد -

.، كثير عليك فنجال من القهوةلم يصل األمر لهذه الدرجة -

يضــحك ســاخرا وكأنــه يثيــر غضــبي الــذي بــدا لــه واضــحا فــي بعــض

حالــة اسـتعداد وتوتــر أحــب ها لــم يكـن غضــبا باألصــح لكـن .تصـرفاتي

. يقيم فيها دائمااستغاللها إلحراجي ووضعي في خانة كنت اجعله

تـزمتا ورجعـيا لدرجـة أن ال أقـبل بأقـل مـن وليمة ليتنـي كـنت م -

.كاملة على شرفي وإلرضائي

يوم يكفـي ليجعل بيتنا ، وحضـورك الـ مـن ولـيمة تسـتاهل أكثـر -

.يزداد شرفا

.ي ماذا لديك من أخبار وأمور مهمة، هيا أخبرنما عليكم زود -

.، أريد أن أقرأ ما بدأت به قبل حضوركقبل ذلك أرني دفترك -

م عقد بين حاجبيه ابتسـم فـي بدايـة األسـطر األولـى، ث .رناولـته الدفتـ

يبدو ان عالمه .لمح في نظراته الشجب واالستنكار أ .منـزعجا وممتعضا

الســابق اصــبح مكشــوفا أمامــه ويهــدده بالعــودة للحــياة مــرة أخــرى

لقد عبرت نيابة عن .لـيطارده كـروح مظلـومة هائمـة تتـربص بظالمهـا

أثـرت شكوكه نحو النساء .فـي ضـميره أوزاره وجعلـت الذنـوب تـتوالد

القلق أخذ .بعـد أن اعـتقد ان نعمـة النسيان ستتكفل بها وتخفيها لألبد

ومهما قال نيتشه ، يقرأ في الفوضى التي خلقتها كلماتي.يضـج بعينـيه

:الفوضىهذه من أي نظام فلن يخرج

صالح هل تتحدث عن نفسك؟ -

يتجنب النظر إلى .يقـولها وهـو يطـوي الصـفحات ليـرى هـل مـن مزيد

نا بدأت ترتبك وتجعل صوته أجـواء االسـتقرار التـي كانـت تحتوي .عينـي

.متوترا

وهل كنت اتحدث عن غيرها؟ -

.نعم -

ــتحدث عــن أنفســنا و ؛ حتــى نعــم ــنانعتــرف بعــندما ن يكتشــف ،أخطائ

في كثير من . اآلخـرون مـدى التشـابه بينـنا وبيـنهم، ويجدون ذلك مؤلما

س المالمح وال تعك ة ال مرآة فاضح إلى ري يـتحول العقل البش األحـيان

إلنساني تخلع عنها كل قيم هزيلة بناها التطور بل األرواح التي ،الظالل

مـنذ تلـك اللحظـة التـي أكـل مـنها آدم مـن شـجرة الحقيقة وانكشفت

.عورته

؟ن كنت أتحدث إذعمن -

.، وعن ناصر، وآخرين مثلنا باحوا لك بأسرارهمعني -

. التحديني في و ربما هم من أوقع.لحظةاصر في هذه ال تذكـرت ن

وعندما .يضـعه فـي مواجهة نفسه ول والـتحدي مفهـوم يهـيج العقـ

المواجهة ، تكون يصـبح محمـال بضـغائن التهميش والنظرات الدونية

كانــوا يســردون .فــي معــركة أحــاول أن انتصــر فــيها علــي نفســي

يبدأ بإخراج الفتيات ه و يضـع قبعت ، كـل مـنهم قصصـهم ومغامـراتهم

جميعاوها أهدم كـنت انتظـر األرانـب ولكنه . تلـو األخـرى الـواحدة

الحقـيقة أن أيـا مـنهم لـم يكن . فأصـبحن فـي القـبعة ملعشـيقاته

بل ؛ رائـزي ، ولـم تكـن أيضـا غ ذلك العـالم السـبب فـي اقتحامـي لـ

ك التي أجلتها حتى ينقرض الـتحدي لقيمتـي اإلنسـانية البسـيطة، تلـ

جربت أن أكون . آدم الجديـد لـى وجـه األرض فأكـون ن ع البشـر مـ

. الذي لم استسغ االنصياع له في وقت مضى مخلصا للطين

.بل كنت اتحدث عن نفسي -

أنت كاذب، أو أنك كنت تدعي الفضيلة ؟ -

....!ربما -

تكــن قــادرا علــى تـريد أن يكــف الجمــيع عــن الحــب، ألنــك لــم -

.تجربته

...!ربما -

لماذا تكره الدنيا؟ -

الدنيا أم النساء ؟ -

لفرق؟وما ا -

لـم يصـدق سـامي اننـي في فترة قصيرة خضت من التجارب عددا

الشـك في عينيه يلتهب نحوي، .يقـارب مـا خاضـه هـو خـالل حـياته

سؤاله يأتي في .يشـعر بأننـي تعمـدت كتابة هذا قبل المجيء إليه

أنظر إليه . اكنه له من احتقار قديم عماسـياق اسـتدراجي للحـديث

ــدوء ــيف ، به ــاول التخف ــن ارأح ــباكه م ــبا .ت ــوقت مناس ــن ال ــم يك ل

رغبة ملحة تجبرني على . احتاج لقول كل ما لدي يالسـتفزازه، لكنـ

كيف وانـتهاز هـذه الفرصة الحدثه كيف عاث في هذه الدنيا فسادا،

ل هناك أنـه لـيس هـناك حلقـة مفقـودة بـين الحـيوان واإلنسان، ب

ائما والرجل جعلته دحكمـة مفقـودة بين الدنيا ـ المرأة في نظره ـ

تمأل المرأةلـم تكن اذكـره بـرجل . اق إلـيها ويسـعى المـتالكها تيشـ

أخذته معي أحاديـثه وأفكـاره فـي كـل وقـت كمـا هو الحال اليوم،

حـيث مجـالس الكبار حيث انوار البساطة تطرد الظالم الذي يسكننا

بأسدال الوقار بين تتشح ةكئكالمال كنا .فال يتلبسنا الفجور والفسق

بالعـودة إلـى أحاديـث الماضي كيف كانوا يحصدون ه ألهـي ، الشـيوخ

كيف يطرأ ذكر المرأة كحادثة تؤرخ و. يف كانـوا يأكلـون ويلبسون وكـ

لمـاذا لـم نسـأل أيـن كانـت هذه .لمـرحلة كاملـة فـي حـياة رجـل

؟المـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأة

لم تكن حاضرة في كل تلك األحاديث.. تلبس؟ وألـم تحصـد وتأكـل

العالم من حول ب تمسكأنهـا تفاجئـنا دومـا وتثـبت لـنا كـيف لكـنها و

جد ا ن ال نراها وال نعلم بوجودها ولكنن . وتدير رأسه حيث تريد الرجل

كالجن ،ه كـل شـيخ طـاعن في السن قـربها فـي تجاعـيد وجـ آثـار

. واضحات اآلثركيانهن أثيري لكنهن

حدثـته عن بساطة مفهوم القسمة والنصيب، كيف انه لم يكن هناك

سوى الدعاء بأن يرزق الله بالمرأة رتـباط إلام الـة ظاهـرة تحكـ عد

يجري وسيرضـى وترضـى ويسـتمر العالم . أحـدهم زوجـة صـالحة

، بسبب حضور الحب أو غيابه تتوقف الخطوات ن ولـ .ويجـرون معـه

والقسمة انقطعت والنصيب اكتفى بما كان .كان غالبا بـل ألن القدر

.حتى تلك اللحظة األخيرة

جزم أن ال حياة دونه وال ن اعلن عن الحب ما يجنا فلقد سمع نحنأمـا

فعــل إن كــان نومــاذا . دونـه، وحتــى األبــناء لــن يــولدوا دونــه زواج

.الحب الوقوع في يحتمالن ال اللـذين توارثناهما النصـيب والقسـمة

الرجال يعرضون أنفسهم بابتذال في أسواق أخذفـي هـذا العصـر

فا، لزواج هد لم يكن ا و .ولى ثم الثانية ثم الثالثة األلتأخذهم الحـب،

في .وهكذا أصبحت األحاديث مليئة بالنساء !.. وال حتـى الحب نفسه

اولكنن !..وما أدراك لعلها هي: األمارة بالخير النفسل كـل مـرة تقو

نسرف في ،االحب فهو يبتعد عن بحث عـن نـ حـين اعلـم تمامـا أنـن ن

ولو كانت . ال تنكشف تبعا لما نريد غامضة األقدار تبذير قلوبنا وتظل

. األمنيات سبيال إلنزال كل ما في كتاب القدر كذلك لكانت

رأيـت سـامي يتـنفس بـبطء، ينظـر إلـي وينصـت، لكنه يغرق داخل

يناديه . أمر يود النطق به ، يفكـر بشـيء ينـبض علـى شفتيه .نفسـه

ينهض ، فأخـوه الصـغير ويخبـره أن هـناك زوارا آخـرين علـى الباب

.قوي بشخص يعز عليه اسـمعه يفتح الباب ويرحب بصوت . سـريعا

اسمع خطواتهم تقترب، لكنهم .يـتوجهان نحـو الملحـق حيث اجلس

تتقدم إحدى األقدام إنما و. أذنـي تمـتمة بيـنهما تلـتقط .ونؤيتـباط

ال .دا فرحا، وسعي، أقف مذهوال.إلـى الـداخل، حتـى أفاجـأ بـ سالم

.اعـرف أي المشاعر رفعتني من فوق األرض، لكنها رمت بي نحوه

لم يمر بعقلي منذ أن قرأت رسالته، الصـديق هـذا . بقـوة تهاحتضـن

رؤيـته اآلن أمنية لم اكتبها في جدول اعمالي خالل الفترة المتبقية و

:لي في المدينة

، بالله عليك لماذا فعلت هذا ؟مأين أنت يا سال -

. تاركا الدنيا تلعب بناأنا موجود، أنت الذي اختفيت وعدت فجأة -

.شيء لم يكتبه الله حدوث سأمنعهل كنت -

. وجودك كان سيغير بعض األشياء، لكنبالطبع ال -

.بحياتكاتركنا من الماضي، واخبرني ماذا فعلت -

لقـد تـوظفت فـي شركة خاصة بأجر معقول، وانتقلنا من منزلنا -

ة بدال من فـي جـنوب المديـنة إلى منزل جديد قدمته لنا الحكوم

.القرض الذي تأخر موعده

.سعيد من أجلك أنا. ك، وعمل مبارك منزل مبار.مبروك -

.وأنا أسعد برؤيتك أيها المحامي -

الحمدللـه أنـك تـوظفت واسـتقر حالـك كـي ال اجبر على الدفاع -

.عنك بالمجان

ابشـرك أن القلـوب اســتراحت، والحظـوظ الجمــيلة غسـلت كــل -

.صفاتي السيئة

.ابتسمت لك الدنيا أخيراإذن -

ام أمام نكتة ثقيلة ، هـي فقـط تجامـل باالبتسـ قـل ماشـاء اللـه -

.مثلي

سامي اختفى قليال وعاد .وجعلـت ركبتي فوق ركبته ته بجـواري اجلسـ

جمعتـنا أيام لها ذاكرة تبتعد .بالمـزيد مـن الشـاي والقهـوة والحلـويات

لم انتبه . تالشت الوحشة من قلبي و شعرت بالعودة .مائـة سـنة للوراء

ر بأن منزل سامي في كنا قد اقتربنا من المغرب وبدأت اشع إذ للـوقت،

لكنه دخل علينا وأخبرنا أننا .الـداخل يضـج بالحـركة واالستعداد للوليمة

سمعته في الخارج يطلب . سـنغادر إلـى مكـان آخر حيث يكون العشاء

. ه أن يسبقه، وأنه سيحضرنا أنا وسالممن أبي

ركبـنا السـيارة، يقـود بـنا سـامي وهـو صـامت وعيناه تنظر إلى المرآة

.ة يتابع سالم في الخلف الذي كان يشاركني األحاديث والضحك األمامي

مظهره العام .تحسنتقد تغيـر سالم كثيرا، اسلوبه يدل على أن احواله

لم . فيهاالتي غبتبسيطة الفترة الخالل يشـير إلـى نقلـة نوعـية حدثت

انتـبه للطـريق حتـى اقتـربنا من المنعطف الذي اطل في طرفه القصر

.ك انتابني الذعر قليال، استغربت ذهابنا إلى هنا . العالـي المنـيف لعائلـة

كما اعتدنا في حالة الوالئم والحفالت كـنت اتوقـع التوجه إلى استراحة

.ةلرئيسي لكن سامي استمر باالقتراب حتى توقف امام البوابة ا ،الكبيـرة

ــرة .مزخــرفة بمشــغوالت نحاســية رائعــة هــي وضــخمة ســيارات كثي

هناك أمر .ناصـر فـي الخـارج يـرحب بالحضور . تصـطف بجـوار القصـر

:غريب يحدث، سالم يمد يديه من الخلف ويضعها على كتفي

.، لقد حللنا مشاكلنا أنا وناصر، والفضل يعود لـ ساميال عليك -

.، لماذا لم تخبروني مسبقاما أسرع تغير األحوال -

.تركنا األمر للفرصة المناسبة -

لماذا نحتفل في منزل ناصر ؟ -

. وعزمناذي اعد الوليمةهو ال -

.لكنه لم يتصل بي -

.يؤديان نفس الغرض ، كالهاما سامي أو ناصر -

مازلت غائبا عن الواقع، بعيدا .هـناك غمـوض يحـيط بتسـارع األحداث

نزلنا من .عـن الـتقاط أي دالئـل تسـاعدني علـى تحلـيل وتوقـع األمـر

ل كثيرا ، وانه انشغ الـذي باشـر باعـتذاره مني السـيارة واسـتقبلنا ناصـر

ثم رأيته يحتضن سالم في أخوة جميلة .واوكـل مهمة احضاري لسامي

انسقت مع الجميع، لكن نفسي غدرت بي .اراحتنـي، لكـنها تثير حيرتي

إنني اخطو على نفس الممرات التي مرت بها .وحملتنـي إلى عالم آخر

تملكني . أننـي ابعـد عـنها مسـافة عدة جدران قليلة عنها .أقـدام نـوف

وبـدأت استنشـق عبيرالـزهور فـي حديقـة القصر، اكتنزها في الشـوق

ارفـع عينـي باتجـاه النوافذ احسد نور .صـدري قلـيال كانهـا عطـر نـوف

اترقب لمحة أو ظال .الشمس على حظه في مصافحة وجهها كل صباح

. ال بد أن يكون لديها خبر بحضورييطل من هناك،

منازل شعبية اعرفها دةوصلنا للمجلس الكبير الذي يوازي في حجمه ع

الرخام يردد . سقفه مرتفع جدا ومليء بالزخارف الجبسية.فـي القـرية

اصـوات األحذيـة ليصـبح عـدد الحضـور القلـيل كأنـه جمهـور في ملعب

، لكــن والــد ناصــر طلــب منــي جلســت فــي طــرف المجلــس. رياضــي

:االقتراب منه حيث يجلس كبار السن

الرجل الذي يتحدث عنه اهـال وسـهال بــ صـالح، أخيـرا رأينا هذا -

.الجميع

، لكنك ناصر، سبق وتقابلت معك في مكان ما اشـكرا لـك يـا ابـ -

.كما يبدو ال تذكرني

ي سعيد برؤيتك عن قرب لكنن .، ذاكرتي ضعيفة العـذر يـا ولـدي -

.على كل حال

.وانا سعيد بتواجدي بينكم -

بة تجهز بكلمات مهذ ، وي )البشت(يلـتفت إلى والد سامي الذي كان يلبس

:ليبدأ حديثه

.تشرفنا بحضوركم اليوم -

. ناصر، وسامي ابنك كما هو ابنياالشرف لنا يا اب -

اعـتقد أننا متفقين على كل األمور، لماذا ال نختصر الوقت ونعقد -

.على بركة الله

لكن . ال اكثر وال أقل ا ملتح ، اعتقدته شخص للـتو الحظـت وجود المأذون

نظرت باتجاه .ض فـي مكانـي دفتـره الـذي ظهـر فجـأة جعلنـي انـتف

ناصـر واقـف فوق رأس . عنـي أعيـنهما سـامي وسـالم، لكـنهما ابعـدا

دخلــت فــي غيــبوبة .المــأذون الشــرعي ويبتســم لــي بطــريقة شــامتة

المكـان اصـبح فارغـا واالصـوات مـتداخله كأننـي اسـتمع إلى .قصـيرة

. يداي تبردان وقدماي تيبستا.صـدفه تخـتلط فيها أصوات البحر والسماء

تجاوزني باتجاه ف. سـامي، وطلـب منه احضار بطاقته اسـتدعى الشـيخ

سمعت . ركع ليكتب في الدفتر الكبيرثم القلم ي ناصر، وأخذ والـده وابـ

دون وعــي تتــرنح ابتســاماتي .اطــالل احاديــث عــن المهــر والشــروط

، ناصر يأخذ الدفتر ، يتحدث لي سالم وال اسمعه المذهـولة بين الحضور

لدقائـق ويعـود بتوقيع نوف توافق على الزواج من غـيب ، ي ويـدخل بـه

.سامي

األرض . مازالت األضواء تتراقص في عيني!..كـيف لهذا األمر أن يحدث

احـاول الـنهوض كـي اغادر، لكن سالم يقترب مني ويمسك .تـدور بـي

: الحظ مظهري المرتبك .بكتفي ويثبتني

بت لكن القسمة والنصيب كت،الجمـيع يعـرف بأمـرك وأمـر نـوف -

.بينها وبين سامي

.اتركني اآلن، أريد أن اغادر -

الوضـع متوتر، لقد حاولنا جميعا .ال تفـتعل حـدثا يثيـر المشـاكل -

نا ة من هذه، لكننا اتفقأايصـال الخبـر إلـيك بطـريقة أقـل مفاجـ

، وستفرح في نهاية المطاف علـى انـك قادر على تحمل الصدمة

.لكليهما

.بالفعل لقد فرحت -

ليشد انتباهي نحو كصدى خفيف، يتصاعد تدريجيا اسـمع اسـمي يتـردد

بتلقائية . يريد مني أن اكون شاهدا ابـي ناصر وهو يطلب مني بطاقتي،

، تجمــدت كــل مشــاعري واخــرجت الــبطاقة وآلــية تخلــو مــن أي تــردد

سالم ألخذها ويوصلها نحو يبادر . لـه، لكـن يدي لم تصل إليه وأعطيـتها

بجسد خاو انهض . وقيع على العقد يقترب ويطلب مني الت ثـم ،المـأذون

انزل .، كجـذع شـجرة احـرقته صـاعقة مـن السماء ةتنخـره ريـاح بـارد

. اسمهاأكاد أقبل. )نـوف العالي (رأسـي باتجـاه الدفتـر، ال أقـرأ سـوى

اسقط أقـوم بالتوقـيع، ومـا إن أهـم بالوقـوف حتى أشعر بدوار وأكاد

عتذر منهم بأنني يالحظ الحضور منظري، ا . لكن سالم يمسك بي ،أرضا

يبادر ، فلسـت علـى مـا يـرام مـنذ الصباح وأن سامي لم يتركني استريح

ويدعون ، ناصر ي يبارك الحضور لسامي واب .سـامي للتأكـيد على قولي

اطلـب مـن سـالم أن يأخذنـي للخارج كي .للعروسـين بالـرفاه والبنـين

.ةة لكننـي اتجـاوزه نحـو البوابة الرئيسي قـ إلـى الحدي فيرافقنـي ادخـن،

. سالم يناديني ويحاول اللحاق بي.اخـرج إلى الشارع بخطوات مسرعة

، وراء إحدى النوافذئ ظال خفيفا يختب ألمـح انظـر للخلـف نحـو القصـر،

. )نوف(لعلي أهذي وأمني نفسي بآخر حلم لي مع

شاعرا هناك دخلت .بهـا باتجاه الشقة وانطلقـت سـيارة أجـرة اوقفـت

لقد عدت .ءها وألفت بينهم واستثنت الغرباء بـأن المدينة قد جمعت ابنا

.غريبا كما حضرت أول مرة

اصمم على .ي في حقيبتي سالـتقط تذكرتـي وارمـي بما بقي من مالب

.لرحيل قبل أن تركلني حتى الشوارعا

اترك المفتاح على .كسـي االنتظار امام المبنى اكـنت قـد طلـبت مـن الت

تري مازال عالقا في يدي دف .بـاب الشـقة لعـل أحـدهم يحتاجها بعدي

ركـبت مـتجها للمطار، امزق األوراق وارمي بها من .بـه دون أن اشـعر

، أصدقائي، حسين. لقـد تـركت آخـر قطعـة مـن قلبي .نافـذة السـيارة

عود أل الكـل أخـذ نصـيبه مـن هذا القلب . ونـوف علـي الدكـتور ، محمـد

قلبي في اخذت ارتب االفكار، تمنيت لو انني تركت .خاويا إال من عقلي

اشـاهد سـيارات اجرة تعاكسنا على الطريق قادمة من .عهـدة عائلتـي

يا أيها القادمون إلى المدينة اتركوا : اتمنـى لـو اصـرخ نحـوهم .المطـار

ــع ورا ــوبكم ودائ ــان ءقل ــذا المك ــكان ه ــى س ــريبة عل ــي غ ــم، فه ،ك

!، ويبصقون بها في وجوهكم متى حان الرحيل مضغهايستسيغون

فتــري وارمــي بهــا مــن نافــذة الســيارة وكأنــي اخــذت امــزق اوراق د

ال أريد لها أن تبقى عالقة في جوفي .اتخلـص مـن آخـر شـظايا قلبـي

ى ورقـة ملصـقة على تابلوه إلـ مشـيرا يلـتفت لـي السـائق . كاألشـواك

: كتب عليها السيارة وقد

).حافظ على نظافة مدينتك، مع تحيات أمانة العاصمة(

.ت اقصى ما لدي من مشاعرن استنفدعد أ ابتسـم بحـزن قلـيل تبقـى ب

: تحت هذه الجملة وأكتبمسك بقلمي ، فأهدوء نسبي يجتاحني

).حافظ على نظافة قلبك، مع تحيات غرباء العاصمة(

تــمـــت

الصفحة الخارجيةفي نفسي فرحا بما أنهـيت هذه الرواية ـ أو ما يسمى كذلك ـ ولم أجد

تي انتظرت فيها الحياة لتمنحني مزيدا من حققته، فقد طالت المرحلة ال

ولكـن هون علي أنني لن أكون األسوأ . الحكمـة أخاطـب بهـا اآلخـرين

بعـد أن اختـرق فتـرة انـتظاري حكمـاء آخـرون لـم يستغرق وصولهم

نفـس مسـافة الـثقافة التـي كـان يحتاجها مثقفو السبعينات والثمانينات

. يرفي غياب االنفتاح اإلعالمي والثقافي الكب

لعلـي أفـرغت بعـض الهوامش التي تآكلت في عقلي وغدت كنوع من

الوسـاوس المضـرة، لـذلك ال أجدنـي مـؤهال إلهـداء هـذا العمل ألي

فكل من أحبهم أو . شـخص ألنـه مضـر بالصحة وأنصح بعدم استعماله

. أقـدرهم أعظـم وأكبر من عمل بدأت فيه بعفوية وانتهيت منه بالمباالة

يعـتقدها اآلخـرون مهمـة وأراها أقل من أن إننـي أقـدم علـى خطـوة

. أحتــرم نفســي كثيــرا ولكنــي أحتــرم مــن حولــي أكثــر . تكــون خطــوة

اإلعجـاب والتشـجيع والشـهرة أمـور ذات طبـيعة ماديـة مغـرية، ولكنها

سريعة الذوبان في مظاهر الثقافة النخبوية، ولن يجد قارئي أي شيء

هو ولكن أتى كما مـن ذلـك فـيما كتـبت، وسـيجد شـيئا لم أقصده كما

".برزخ " يريد، فكانت