1448
(ﻣﺨﻄﻮﻁ) ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ: ﺍﻟﺘﺤﻔﺔ ﺍﻟﺴﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ: ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮﻱ ﺍﻟﺠﺰﺀ:١١٨٠ : ﺍﻟﻮﻓﺎﺓ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ: ﻓﻘﻪ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ: ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮﻱ ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ: ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﻄﺒﻊ: ﺍﻟﻤﻄﺒﻌﺔ: ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ: ﺭﺩﻣﻚ: ﺗﺨﻄﻴﻂ : ﻋﺒﺪ( ﻣﻴﻜﺮﻭ ﻓﻴﻠﻢ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺁﺳﺘﺎﻧﻪ ﻗﺪﺱ) ﻣﻼﺣﻈﺎﺕ: ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻧﻌﻤﺖ ﺍﻟﻠﻪ

(ﻁﻮﻄﺨﻣ) ﺔﻴﻨﺴﻟﺍ ﺔﻔﺤﺘﻟﺍ …lfile.ir/feqhi-library/book233.pdfﻙﺮﺘﺸﻣ ﻡﺎﻘﻤﻟﺎﺑ ﻚﻟﺫ ﻥﺃ ﻰﻠﻋ ﻩﺪﻛﺆﻳ ﻞﺑ

  • Upload
    others

  • View
    47

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

  • الكتاب: التحفة السنية (مخطوط)المؤلف: السيد عبد الله الجزائري

    الجزء:الوفاة: ١١٨٠

    المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامنتحقيق: شرح الجزائريالطبعة: نسخة مخطوطة

    سنة الطبع:المطبعة:الناشر:ردمك:

    مالحظات: نسخة مخطوطة ( ميكرو فيلم مكتبة آستانه قدس ) تخطيط : عبدالله نور الدين بن نعمت الله

  • اسم كتابتحفة السنية في شرح نخبة المحسنية - عربي

    مؤلف ماتن مال محسن فيض شارح سيد عبد الله بن نعمة الله جزائريخطى نسخ ٢٧ سطري

    سال تحرير ١١٧٠ عدد أوراق ٣٦٧جزء كتب فقه شماره ٥٩

    شماره عمومي ٢٢٦٩ شماره قبضواقف ابتياعي آستانة قدس تاريخ وقف ١٣٠٧

    طول ٣٠ و ٥ مو عرض ١٩ سانتمتر قفسةبخط نواسه شارح عبد الله بن نور الدين بن نعمت الله مى بأشد اصدراي

    كتابخانه آستان قدسويژه خطى

    بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتياللهم إنا نحمدك حمدا يكون لنا وسيلة إليك وذريعة للزلفى لديك وذخيرة ليوم العرض

    بين يديكونشكرك شكرا نستوجب به الفواضل من نعمك ونستوهب النوافل من كرمك ونسألك

    أن تصليوتسلم على رسلك وأنبيائك وأمنائك وأوليائك سيما حبيبك نبي الرحمة ومعلم الكتاب

    والحكمةالمبعوث باكمال الدين واتمام النعمة الصادع بشرايع األحكام العادلة الداعي إلى مكارم

    األخالق ومحاسن الخصال الفاضلة وعلى أهل بيته األخيار األطهار وخلفائه الراشدين األبرار

    وصحابته المرضييناألخيار ما تعاقب الليل والنهار وتعاورت الظلم واألنوار وأن تشرح صدورنا بحاق الحق

    وتهديناللتي هي أقوم وأحق وتثبتنا على الهدى وتثبطنا عن الردى وتوفقنا لتطهير السر عما

    سواك وتوقفنافي منشعبات األهواء على ما فيه رضاك وتعيذنا من كل ما نبوء بإثمه وننوء وتعصمنا

    من شرور أنفسنااألمارة بالسوء إنك سميع مجيب وبعد فيقول المعترف بذنبه المفتقر إلى رحمة ربه

    المفرط في الجهالةالمضيع عمره في البطالة عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الموسوي غفر الله بفضله

    ذنوبه وستر عوراته

  • وعيوبه هذا أيها األخ الوفي والصديق الصفي والحبر الملي والخليل الجليل العلي أعلىالله قدرك

    ورفع ذكرك وأصلح أعمالك وحقق آمالك وكثر في األولياء أمثالك ما توجهت إليههمتك وتوفرت

    عليه نهمك وتكثر له طلبك وانحصر فيه إربك وعكفت عليه قديما ووليت وجهكشطره مستديما

    من تعليقة خفيفة على كتاب النخبة للعالم العامل والمرشد الكامل المولى محمد محسنالكاشاني تغمده

    الله بغفرانه وأسكنه بحبوحة جنانه وجيزة النظم غير كبيرة الحجم تبين عن رموزهاوتدل على كنوزها و

    تفصل مجمالتها وتحل مشكالتها مقتصدة عن االخالل واالمالل ممتزجة بها امتزاجالماء الزالل

    بالخمر الحالل موسومة بالتحفة السنية في شرح النخبة المحسنية وقد كان تصدى لهذاالمرام والدي العالمة

    اإلمام أعلى الله مقامه في دار السالم فشرح منها بضعة في مجلد يسير وعاقه عن انهائهعوائق الدهر

    العسير وأرجو من الله أن يسعدني لتمامه التوفيق ببركات األنفاس األخ الشفيق المقصوداسعافه بهذا

    التعليق واعتمدت فيه غالبا في ايضاح العبارات وافصاح اإلشارات على ما وقع إلي منكالم المصنف

    في سائر كتبه وفوائده ألنه أعلم بمقاصده وكذا في نقل االجماعات واألقوال ونقداألخبار بحسب الرجال

    إال فيما بان لي نادرا رجحان خالفه بعد إجالة النظر في أطرافه فليشبع في مواطناالختالف البخت و

    التنفير لتحقيق الحال وتخليص البر من الشعير وبالله أستمد وأستعين إنه نعم المولىونعم المعين قال المصنف

    شرح الله صدره وأضاء في سماء الرضوان بدره بسم الله الرحمن الرحيم الباء لالستعانةأو للمالبسة

    وربما يرجح األول بأنه أقرب إلى تمام االنقطاع الشعاره بأن األمر ال يتأتى إال بمعونتهوالثاني بأنه أدخل

    في التعظيم فإن التلبس باسمه (تع) تيمنا وتبركا أجل من جعله آلة لتبعية اآللة وابتذالهاوفيه أن التلبس ال

    يدل على الوجه المذكور بوجه مع أنه كثيرا ما يكون على وجه التبعية واالستعانة في

  • ذلك بالمقام مشتركفإن ذكره (تع) مما يتبرك به كيف كان واالستعانة به ال ينافي ذلك بل يؤكده على أن

    االستعانة بشئ ملزومةبمالبسته وال عكس وفي الحديث بسم الله أي أستعين في أموري كلها بالله وكيف

    كان فلك اضمار المتعلقخاصا وعاما أي أصنف أو أبدأ ويرجح األول بأن ما يدل على االستعانة باالسم األقدس

    في مطلقالفعل أولى مما هو صريح في التقييد بابتدائه والثاني باقتضائه العمل بحديث االبتداء

    لفظا ومعنى وفوات االمتثال اللفظي في الخاص وهو كما ترى وفعال واسما ويرجح األول بزيادة

    التقدير على الثانيومقدما ومؤخرا ويرجح األول بأنه األصل والثاني بما فيه من تقديم ما هو إال حق به

    واقتضائه القصروأما الحديث فيمكن حمله على بيان حاصل المعنى ال المتعلق المقدر في نظم الكالم

    وقيل الباء لاللصاقوالمعنى أبدأ في الكتاب باسم الله وهو أوفق بحديث االبتداء مضافا إلى اشعاره بأن

    اسمه (تع) أهم أجزاء المقصودإال أنه غير مطرد واالسم ما دل على المسمى وورد أنه سئل الرضا (ع) عن االسم ما

    هو فقال صفة لموصوفوحذفت ألفه خطأ لكثرة االستعمال المناسبة للتخفيف واالستعانة إنما هي بالمسمى

    وأقحم االسم تأدبا وتعظيماله ولكونه أوفق بالرد على القائلين باسم الالت والعزى وعن الرضا (ع) معنى قول

    القائل بسم الله اسم نفسيبسمة من سمات العبادة قيل ما السمة قال العالمة والله اسم لهذا المعبود الحق الذي

    دعا إليه األنبياءوفي الحديث أنه أعظم اسم من أسمائه (تع) ال ينبغي أن يتسمى به غيره وفي حديث

    آخر أنه مشتق من إله والرحمنوالرحيم صفتان من رحم كعلم أو حسن منقوال مع زيادة مبالغة في األول مدلوال عليها

    بزيادة المبانيومن ثم خص به سبحانه حتى صار علما أو كالعلم ألنه المنعم الحقيقي البالغ في

    الرحمة غايتها ومن ثم حسنتوسطه بين االسم والصفة المحضين ونزل منزلة االسم في استعماله غير تابع نحو

    الرحمن علم القرآن وإذا

  • قيل لهم اسجدوا للرحمن وعودل به االسم مخيرا بينهما في الدعاء في قوله (تع) ادعواالله أو ادعوا الرحمن ويعرب

    (١)

  • في البسملة ونحوها بدال وما بعده نعت له ال السم الجاللة إذ ال يتقدم البدل علىالنعت وأما تسمية

    مسيلمة رحمن اليمامة وقول شاعرهم فيه وأنت غيث الورى ال زلت رحمانا فمن بابالتعنت في الكفر

    والخروج عن قانون اللغة كما قيل وفي الحديث الرحمن اسم خاص بصفة عامةوالرحيم اسم عام بصفة

    خاصة وفي حديث آخر الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم اآلخرة وفي الدعاء المأثوريا رحمن الدنيا

    ورحيم اآلخرة وفيهما إيماء إلى معنى العموم والخصوص فيهما فإن الرحمة في الدنياتعم الصالح والطالح

    بخالفها في اآلخرة وبما تلوناه ظهر لك في الجواب عن السؤال بأنه لم قدم الرحمن معأن تقديم غير األبلغ

    فيقال عالم نحر يرد جواد فياض وجهان وقيل إن الرحمن لما دل على جالئل النعموأصولها فتعقيبه بالرحيم

    من قبيل التتميم ليشمل ما خرج منها وفيه أنه غير مرتبط بالسؤال وإنما يصلح وجهاللجمع بينهما ومن

    ثم لو عكس الترتيب لكان الشمول المطلوب حاصال أيضا وربما يقرر بوجه آخر وهوأن الملحوظ أوال في

    باب التعظيم والثناء هو عظايم النعماء وجالئل اآلالء وما عداها يجري مجرى التتمةوالرديف وهو

    أقرب إلى السداد وأسلم من االيراد وأما ما في بعض األدعية يا رحمن الدنيا واآلخرةورحيمهما و

    يا رحمن الدنيا واآلخرة ورحيم الدنيا فمن باب التوسع أو الختالف االعتبارات الحمدلله انشاء

    للحمد وهو الثناء على ذي علم بكماله بالجملة االسمية الدالة على االستمرار والدوامألنه أبلغ في المرام و

    أليق بالمقام والالم األولى جنسية أو استغراقية والثانية اختصاصية تفيد القصر علىالمشهور

    والموصول في قوله الذي أوضح بأئمة الهدى بصلته ومتعلقاتها نعت أتى به للمدح معما فيه من بسط

    الكالم حيث االطناب مطلوب والتبرك بذكرهم (ع) والتنبيه من أول األمر على أنموضوع الكتاب

    إنما هو من علوم أهل البيت صلوات الله عليهم ففي الحديث كل علم لم يخرج من

  • هذا البيت فهوباطل والباء لآللة واإلضافة المية إما لمالبسة اآللية كما في ثوب الزينة أو السببية كما

    في سفينةالنجاة أو الفاعلية كما في ذباب العسل وطوى المضاف إليه للتعميم أو هو المذكور

    تجوزا ايذانا بأن الحقيدور معهم حيث داروا والجار في قوله من أهل بيت النبوة للنبيين أو للتبعيض متعلق

    بمحذوف وفيقوله عن دينه القويم بفعل اإليضاح لتضمنه رفع اإلبهام عن الموضح ودين الله المعتدل

    هو االسالمالذي ارتضاه الله دينا لهذه األمة المرحومة بتبليغ النبي المختار صلى الله عليه وآله

    والناس يومئذ خابطون فيالجهالة تائهون في العمة والضاللة فاليهود في نكدهم ومساويهم والنصارى في توسعهم

    ومخازيهم والمجوسفي سرفهم وتعظيمهم النيران والهنود في حيرتهم وعبادتهم الثيران والعرب في جالفة

    طباعهم ورداءة أوضاعهموالعجم في ترفهم واتباعهم الشهوات وعكوفهم على األباطيل واللهوات فندبهم جزاه

    الله خير ما جزى نبياعن أمته إلى الصواب والسداد ونظم لهم أمور المعاش والمعاد ودعاهم عن الميول

    الباطلة واألهواءالزائغة إلى العدل والصالح والرشاد بحيث إن كل عاقل لبيب رزق حظا من االنصاف

    إذا أمعن النظر فيكليات قواعد الملل والنواميس التي يتدين بها يضطر من نفسه إلى االذعان بأن أشرفها

    وأعدلهاوأقربها إلى النجاة وأكملها وأحقها بالقبول وأمثلها حتى أن المالحدة المنكرين للنبوات

    المعتقدينفي األنبياء أنهم حكماء راسخين معترفون بأن الصادع به كان أكمل الحكماء وأقومهم

    نفسا وأوسعهمنظرا وأدقهم فكرا وأصوبهم رأيا وأرسخهم حكمة وأحسنهم سياسة وأعلمهم بمصالح

    الخلق في دهره وفيالدهور المتطاولة الغابرة لما يرونه بالنظر الكلي من رزانة قوانين االسالم واتقان الشرع

    األقدسونظامه األكمل األتم وصالحه األوفى األعم وإحاطته بجميع ما ال بد منه مما له مدخل

    في سعادة الدين

  • والدنيا بحيث ال يكاد يفرض أمر من األمور الكلية والجزئية كائنا ما كان إال وشملتهأحكام الشريعة

    الواسعة البيضاء على الوجه الالئق وله فيها حد ال يسوغ التعدي عنه والتخطي إلى ماسواه بما فيها من السماحة

    والسهولة واليسر والخلوص عن الحرج واإلصر والعسر ومن ثم من الله على عباده فيغير موضع من كتابه بأن

    هداهم لالسالم وجعلهم أمة وسطا وحيث إن الشريعة المحمدية باقية مستمرة بامتدادزمان التكليف

    اقتضت الحكمة البالغة اإللهية والرحمة الواسعة السبحانية أن يقوم باألمر بعد انقضاءعهد النبوة

    من يتم به الحجة في كل عصر على أهله يبين لهم من أحكام الدين ما أبهم عليهمويفصل لهم من العلوم والمعارف

    التي ورثها عن النبي ما يحتاجون إليه مما لم يبلغهم عنه أو بلغهم اجماال ولم يحيطوابعلمه ولما يأتهم تأويله وهو

    الخليفة الحق واإلمام المطلق فصارت األئمة (ع) وسائط في ايضاح الدين وهدايةالمهتدين كما أن اآللة

    واسطة بها يعالج الفاعل فعله ومن ثم يسند الفعل إلى الفاعل تارة ويدخل الباء على اسماآللة إن

    ذكر فيقال رأيته بعيني وإلى اآللة أخرى فيقال رأته عيني ومساق الكالم على الوجهينعلى وجه وأبلج أي

    أوضح بأنوار آثارهم وهي األخبار المتضمنة لحكاية أقوالهم أو أفعالهم أو تقريراتهمواإلضافة األولى إما بيانية

    كما في لجين الماء أو من االستعارة المكنية المخيلة أو المية كالثانية فالثاني ال غيروهو من أحسن التشبيهات

    ففي الحديث النبوي أن على كل صواب ويقرب منه القول في قوله في ظلمات البدعواألهواء والبدع

    جمع بدعة بكسر الباء وهي في اللغة اسم من ابتدع األمر إذا ابتداه وأحدثه كالرفعةوالخلفة من

    االرتفاع واالختالف وفي الشرع قيل هي احداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلىالله عليه وآله وعن أمير المؤمنين (ع) في معاني األخبار

    أن السنة ما سن رسول الله والبدعة ما أحدث بعده وإليه نظر العالمة في نهاية األصولمن قسمها إلى األقسام الخمسة قال العالمة في نهاية األصول

    والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قول الشريعة فإن دخلت في قواعد االيجاب

  • فهي واجبةكاالشتغال بعلوم العربية التي بها يفهم كالم الله وكالم رسوله وتدوين الحديث والكالم

    في الجرح والتعديلألن حفظ الشريعة واجب وال يتأتى إال بذلك وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب أو

    في قواعد التحريمفمحرمة مثل مذاهب القدرية والمرجئة والمجسمة والرد على هؤالء من البدع الواجبة

    أو الندب فمندوبةكاحداث الربط والمدارس وكل احسان لم يعهد في العصر األول أو الكراهة فمكروهة

    كزخرفة المساجد

    (٢)

  • وتزويق المصاحف أو اإلباحة فمباحة كالتوسع في اللذيذ من المآكل والمالبسوالمساكن وتوسيع

    األكمام ونحوها وقيل إن اسم البدعة ال يطلق إال على ما هو محرم من هذه األقساموهو الموافق لألصل

    وفي الحديث المستفيض كل بدعة ضاللة وكل ضاللة سبيلها إلى النار وقد كثر فياألدعية المأثورة

    االستعاذة من البدع وسؤال التوفيق لمجانبتها واألهواء جمع هوى بالقصر وهي ميلالنفس إلى ما

    تشتهيه من حق أو باطل ثم غلب استعماله في الثاني ألنه الغالب بحيث ال ينصرفالذهن عند االطالق

    إال إليه وعليه قوله (تع) وال تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وقوله سبحانه أرأيت مناتخذ إلهه هواه

    وقول أمير المؤمنين (ع) إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان اتباع الهوى وطول األملوألجل هذا التشديد

    العظيم الواقع في أمر البدع واألهواء حسن تشبيهها بالظلمات أو ذواتها لجامع السببيةفي الضالل

    عن السبيل المقيم والجار في قوله عن صراطه المستقيم متعلق بفعل االبالج كما فيالفقرة األولى والصراط

    المستقيم هو حاق الحق والعدل المطلق وذلك أن النفس االنسانية واقعة في جميعأحوالها بين رذائل

    متخالفة متعاندة واقعة على طرفي الزيادة والنقصان وذمايم بينها كمال التنافي حاصلةعلى طرفي االفراط

    والتفريط كلما تباعد االنسان عن أحدهما تقارب إلى اآلخر وال مخلص منها إالباالقتصاد التام ومالزمة

    الوسط الحقيقي الذي هو غاية البعد عن الطرفين ونهاية االنفكاك الممكن عنهما ففياعمال القوة الشهوية

    يكون مالزما للعفة التي هي التوسط بين افراط الفجور وتفريط الخمود وفي القوةالغضبية للشجاعة المتوسطة

    بين التهور والجبن وفي القوة الفكرية للحكمة المتوسطة بين الجربزة والبالهة والمرادبها هنا ما يقارب

    الفطنة وحسن االنتقال منا المبادي إلى الغايات وهذه هي أصول الفضائل المحصلةللعدالة الظاهرة

    فالعفيف ال فاجر وال خامد والشجاع ال متهور وال جبان والحكيم ال جربز وال إبله

  • وهكذا يختار التوسطواألمر بين األمرين في سائر األخالق واألعمال المنشعبة عن األصول المذكورة ففي

    المعاشرة التواضع المتوسطبين التكبر والتخاسس والبشاشة بين التزمت والدعابة والحلم بين الطيش والمهانة

    والمروة بين اآلنفةوالدنائة وفي االكتساب السعي الجميل بين الحرص والكسل وفي المعيشة التقدير بين

    التبذير والتقتيروفي البذل السخاوة بين االسراف والبخل وفي األكل والشرب والنوم والكالم وغير

    ذلك ال يخرج عن االعتدالواالقتصاد حتى في العبادة يكون مالزما للرفق خارجا عن مرتبة اإلضاعة غير بالغ حد

    االيغال الذيهو االكثار منها بحيث يعقب المالل وانتهاك البدن ومن ثم كره صوم الدهر بل وفي

    مودة ذيالقربى يكون مقتصدا ومتقصرا على مرتبة الوالية متجاوزا عن تفريط النصب متقاصرا

    عن افراط الغلقوالتفويض فهذه هي الطريقة المثلى الموصلة إلى الرفيق األعلى وفي الحديث الصراط

    المستقيم في الدنياما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير واستقام وفي اآلخرة طريق المؤمنين إلى الجنة وفي

    حديث آخرالصراط أدق من الشعر واحد من السيف وذلك أن الوسط الحقيقي بين األمور المتنافية

    كمال التنافييكون في غاية الغموض والبعد عن االدراك ألنه أشبه شئ بالخط الهندسي الفاصل بين

    الظلوالشمس الذي ال عرض له أصال وألجل ذلك ال تؤمن غائلته وال يبعد أن يكون هذا

    الصراط في الدنياهو الجسر المدود على متن جهنم الذي يمر عليه المؤمنون إلى الجنة في النشأة اآلخرة

    وما ورد من أنمنهم من يمر كالبرق الخاطف ومنهم مثل عدو الفرس ومنهم من يمشي حبوا ومنهم

    من يمر عليه متعلقافتأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا إلى غير ذلك من األحوال المختلفة مسببا عن اختالفهم

    الشديدفي مراتب القرب من العدل الحقيقي والبعد عنه وتفاوتهم في قلة االلتفات إلى الميول

    الطبيعية و

  • كثرته وهذا كله مبين في كالم الله وكالم رسوله وكالم أهل البيت صلى الله عليه وآلهومن ثم ورد في تفسير البطون

    تفسير البطون الصراط المستقيم بالقرآن وباإلمام وعقب الحمد بانشاء الصالة والسالمعلى محمد

    وآله قضى لحقوقهم وتبركا بذكرهم (ع) المعصومين من الذنوب باالجماع والسهووالنسيان على المشهور

    ما دامت الصالة والتسليم وهي أبد األبدين كما في بعض األدعية المأثورة صالة يصعدأولها وال ينفد

    أخرها وفعل الدوام تام ال يحتاج إلى الخبر كما في قوله (تع) خالدين فيها ما دامتالسماوات واألرض و

    بعد الحمد والصالة السالم فيقول خادم العلوم الدينية وهي العلوم الثالثة األخروية التييأتي بيانها

    وهي المسماة بالفقه في الصدر السالف وخدمتها عبارة عن االشتغال بها ونشرهاوترويجها وكثيرا

    ما يصف المصنف وهو محمد بن مرتضى الملقب بمحسن أحسن الله إليه نفسه بهذاالوصف يتمدح به و

    يتبجح ومن ثم قدمه على االسم مع أنه بحسب المعنى نعت حقه التأخير اهتماما بهوشوقا إليه وحق له ذلك

    فإنه لم يجتهد أحد من علماء المائة الحادية عشر اجتهاده في ذا الباب وقد بلغ في كثرةالتصانيف

    المختصرة والمطولة وتلخيص المعاني وتقريبها إلى األفهام والتوفيق بين العقل والشرعوتسهيل األمر

    على الناظرين مبلغا لم يسبقه إليه سابق وال يشق غباره الحق وفي التسمية على الوجهالمذكور

    إشارة إلى أن االسم في هذه المركبات التي شاعت التسمية بها في هذه األعصارالمتأخرة إنما

    هو الجزء األول ال غير فالتركيب تقييدي خالفا لمن جعله مجموع الجزئين واعتبرالتركيب مزجيا

    وبيان مقالته إن الله (تع) خلق االنسان في أحسن تقويم وجعله في األرض خليفة وخصهبالتكريم

    وآتاه الحكمة وفصل الخطاب ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إالأولو األلباب وقد

    ورد عن الصادقين صلى الله عليه وآله تفسير الحكمة بوجوه متقاربة يعمها جميعا ما

  • قيل إنها خروج النفس إلى كمالهاالممكن في قوتيها العلمية والعملية معا فهي مركبة من جزئين علم هو تصور حقايق

    الموجودات والتصديقبأحكامها وما يتبع ذلك وعمل هو ممارسة الحركات اإلرادية ومزاولة الصناعات

    االختيارية الخراجما في القوة إلى الفعل على وجه يؤدي إلى صالح المعاش والمعاد وينقسم الجزء العلمي

    بحسب المعلوماتإلى قسمين ألنها إما أن يتوقف وجودها على الحركات اإلرادية االنسانية أو ال ويسمى

    األول حكمة

    (٣)

  • عملية لتعلقها بالعمل والثاني حكمة نظرية تسمية للنوع بوصف جنسه وتنقسم الحكمةالنظرية في

    معلوماتها أيضا بحسب مفارقتها للمادة مطلقا ومالبستها لها في الوجود فقط أو فيهوفي

    التعقل جميعا أقساما ثالثة فالعلم بما يفارق المادة فيهما هو اإللهي وبما يالبسها فيالوجود دون

    التعقل هو الرياضي وبما يالبسها فيهما هو الطبيعي ويبحث في األول عن المجرداتكالواجب وصفاته

    والعقول والنفوس ويتبعه الكالم في النبوة واإلمامة والمعاد وعن األمور العامة كالوجودوالعدم

    والحدوث والقدم والوحدة والكثرة ونحوها وربما يخص العلم بالمجردات باسم اإللهيويسمى العلم

    باألمور العامة بالفلسفة األولى ويطلق على المجموع علم ما بعد الطبيعة وفي الثاني عنالمقادير وهو

    الهندسة وعن األعداد وهو الحساب وعن أوضاع األجرام العلوية وهو الهيئة عن النسبالتأليفية

    وهو الموسيقى وفي الثالث عن مبادي المتغيرات كالزمان والمكان والحركة والسكونوعن

    األجسام البسيطة والمركبة وتبذل الصور على المواد وعلل حدوث الحوادث ونحوهاوربما ينوع أنواعا

    ويخص كل منها باسم تقليال لالنتشار وتسهيال للضبط كما يسمى البحث عن البسائطالعلوية والسفلية

    بعلم السماء والعالم وعن األركان والعناصر وتوارد الصور على المادة المشتركة بالكونوالفساد

    وعن كائنات الجو كالرعد والبرق والمطر وثواني النجوم كالشهب والنيازك وبعضاألرضيات كالزلزلة

    والخسف باآلثار العلوية وعن المركبات التامة وكيفية تركيبها وما يتعلق بذلك بعلمالمعادن والنبات

    والحيوان والنفس ومن فروع القسم الرياضي المناظر والجبر والمقابلة وجر األثقالونحوها ومن فروع

    الطبيعي الطب وأحكام النجوم والفالحة وأما الحكمة العملية فتنقسم بحسب المأخذإلى قسمين ما يؤخذ

    من العقل من دون توقف على غيره وما يؤخذ من الشرع واألول إما أن تكون مصلحته

  • المقصودة بالذاتمقصورة على العامل بخصوصه وهو علم األخالق أو عليه وعلى من يختص به أتم

    اختصاص كالمشارك لهفي المنزل مثل الزوجة والولد والخادم وهو تدبير المنزل أو يعم غيرهم ممن يساكنهم

    في المدينة أويجاورهم فيها وهو السياسات المدنية فهذه األقسام مما يستقل به العقول الكاملة وقد

    ورد في جميع ذلكعن الشارع الحكيم مما يصدق حكم العقل وينبه عليه ويؤكده ويزيده وضوحا ما يقطع

    العذر والحاجةإلى األقسام الثالثة ماسة جدا أما األول فألن القوى النفسانية التي هي مبادي األفعال

    االختيارية والحركات اإلرادية متخالفة متدافعة جدا كما سبق وعائقة عن الوصول إلى مرتبة الكمال

    االنساني بل ناكبةبذويها إلى أسفل سافلين فإن االفراط في الشهوة مثال ملحق لصاحبها بمرتبة البهائم التي

    همها شهواتهاوفي الغضب بمرتبة السباع التي همها الغلبة واالفتراس والتفريط فيهما بمرتبة الجمادات

    الفاقدة لقوةالتوليد واالنتصار بل البهيمة والسبع والجماد خير منه في هذه الحيثية ألنها لم تفوت

    على أنفسها كماالفترتيب هذه الدواعي المتعاضدة على وجه يتحقق بينها المسالمة وتصدر أفعالها منتظمة

    من أهم المهماتوالعلم بكيفية هذا الترتيب وتضعيف القوى منها وتقوية الضعيف بحيث تتعادل

    وتتساوىمن أشرف العلوم وأما األخيرين فألن االنسان ال بد له من زوجة بها يدافع سلطان

    الشهوةويستعمل القوة المولدة ويستعين بها على بعض أموره وحينئذ يحصل الولد وتشتد

    الحاجة إلى الخادموال بد من النظر في مصالحهم ومصالح المسكن الذي يأوون إليه ويدخر فيه اقواتهم

    فتتكثر الحوائجبحيث يتعسر على الواحد القيام بها إن أمكن فال بد له من االجتماع بعدة من أبناء نوعه

    يتعاونونجميعا على مصالح المعيشة ونعني بالمدنية محل هذا االجتماع وحيث إنه مظنة الهرج

    والفساد لغلبة

  • النفوس الشريرة الخارجة عن االعتدال فال بد من سياسات عدلية يتفق عليها الجميعطوعا أو كرها

    بها يستقيم أمر االجتماع ويحصل الغرض المطلوب منه وهو الصالح النوع االنسانيوتوجهه إلى

    ما خلق ألجله من السعادة الباقية والعيشة الراضية وأما ما يؤخذ من الشرع فينقسم أيضابالتقسيم

    المذكور إلى العبادات والمناكحات والمعامالت والسياسات الشرعية والعلم بها هوالمختص باسم

    الفقه في عرف األخيرين فصار علم األحكام الشرعية التي هي خطابات الشارع أومدلوالتها

    المتعلقة بأفعال المكلفين من أقسام الحكمة العملية وعطفها عليها فيما سيأتي من قبيلعطف

    جبرئيل وميكائيل على المالئكة والعقل وإن كان مما يستقل بادراك بعض كلياتهاومجمالتها

    مثل حسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار ووجوب رد األمانة وحرمة الغصب إال أنتفاصيلها

    وحدودها ال تكاد تعرف إال من جهة الشرع وال مدخل لعقولنا وآرائنا فيها بوجه منالوجوه فهذا

    بيان الحكمة وشرح ماهيتها بجزئيها العلم والعمل والحكيم الكامل هو المستجمع لهماالراسخ علمه بالعمل

    وهو العالم الصغير المنطوي فيه ما في العالم األكبر والكتاب المبين الذي بآياته يظهرالمضمر واآلدم

    الذي خمر الله طينته بيده أربعين صباحا أو عاما وخلقه على صورته وأسجد له مالئكتهتعظيما

    له واكراما وهو االنسان المطلق موجود بما هو انسان دون أن يكون موجودا بما هوحيوان

    لتحققه ظاهرا وباطنا بخاصيته االنسانية التي بها يمتاز عن سائر الممكنات ومن عداهانسان في

    الظاهر حيوان في الباطن بحسب الخلق الغالب عليه وفي كالم أهل البيت صلى اللهعليه وآله إشارات جلية إلى ذلك

    والمقتصر على أحدهما ناقص مطعون على قدر نقصه وقد ورد في االنكار والتشديدعليه ما ورد

    ففي الحديث ال علم إال بعمل وال عمل إال بمعرفة وأن العلم بال عمل وبال والعمل بال

  • علم ضالل وفيه أنالعالم التارك لعلمه أشد الناس حسرة يوم القيامة وأن أهل النار ليتأذون من ريحه وأن

    العاملعلى غير بصيرة كالساير على غير الطريق ال يزيده كثرة السير إال بعدا وتبين مما تقدم

    أن الحكمةالعملية من أشد العلوم حاجة إليها ومن ثم يقال بوجوب تحصيلها عينا في الجملة

    وأوثقها حجة فإناألدلة الشرعية والوجدانيات التي ال ريب فيها من أقوى البينات وأشرفها موضوعا وهي

    النفس

    (٤)

  • االنسانية من حيث صدور األعمال عنها جميلة أو قبيحة وغاية ألنها ترقية النفس الناقصةالتي هي

    أخس الموجودات إلى مرتبة الخالفة التي هي أشرف المراتب الممكنة ومن ثم سميتاإلكسير األعظم وربما

    يعبر عنها في كتب األقدمين بالطب الروحاني ألنها تحفظ الكمال على النفوس الكاملةكما تحفظ الصحة

    على األمزجة الصحيحة في الطب الطبيعي وتأخذ بالنفوس الناقصة إلى االعتدال بإزالةالذمايم التي

    هي أمراض األرواح كما قال (تع) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا وقال صم بكمعمي فهم ال يعقلون و

    وللمصنف قدس الله روحه كتب جيدة مبسوطة ومتوسطة في أقسام الحكمتين ثم رجعإلى مطوالته

    في الحكمة النظرية فانتخب مهماته في متون وجيزة وهذه أيضا نخبة وجيزة فيالحكمة العملية واألحكام الشرعية على ما ورد به الكتاب والسنة وهي ما سنه رسول

    الله صلى الله عليه وآله كما سبق وآثار األئمة االثني عشرا والمقتدى بهم من أهل بيت العصمة ومن اقتبس من أنوارهم (ع) من المشايخ الموثقين

    فإن االقتداء بهمفيما يتسامح فيه من اآلداب والسنن وفضايل األعمال مما لم يثبت عن أهل العصمة

    صلى الله عليه وآله خالفه مما ال ضيرفيه وكلها راجعة إلى السنة وفيه إشارة إلى حصر األدلة الشرعية في الكتاب والسنة وأما

    االجماع ودليلالعقل واالستصحاب فما يصلح منها للحجية وهو من األول ما بلغ مبلغا يعلم دخول

    المعصوم فيهالمرادف لضرورة الدين أو المذهب أو المتاخم لها ومن األخيرين ما ينطبق على قواعد

    الكتاب أوالسنة فهي غير خارجة عنهما وما عدا ذلك ال تعويل عليه كما صرح به في غير موضع

    وهذه النخبةتفصل بين ما وضح دليله منهما وهو ما يتوصل بصحيح النظر فيه إليه بوضوح داللته من

    غير ابهام سواءكانت مطابقية أو تضمنية أو التزامية على تشكيك في األخيرتين ال يصغى إليه وبأن

    سبيله بخلوصهعن المعارض ابتداء أو بعد الترجيح بالوجوه المأثورة اآلتية مما ال ريب فيه لحصول

    العلم الشرعي به

  • الموجب للعمل وال ينافي ذلك ظنية الداللة أو الطريق ألن المعلوم إنما هو وجوبالعمل فهو غير المظنون

    وهذه هي األحكام الموردة فيها على وجه الفتوى والجزم وبين ما أبهم مأخذه وأظلممسلكه بصيغة

    المعلوم في الفعلين واقحام البين للفصل الكثير بين المتعاطفين مما يتشابه األمر فيه لفقدالدليل

    أو وجود المعارض حيث ال ترجيح وهذه هي المشفوعة باإلشارة إلى نوع من الترددمع بيان ما يحصل به

    يقين البراءة والخروج عن العهدة ليكون العامل على بصيرة من األخذ باليقين واالحتياطفي أمور

    الدين إذ ورد في األمر بذلك ما ورد فعن أمير المؤمنين (ع) أخوك دينك فاحتط لدينكبما شئت و

    في الصحيح عن عبد الرحمن الحجاج قال سألت أبا الحسن (ع) عن رجلين أصاباصيدا وهما محرمان الجزاء

    بينهما أو على كل واحد منهما جزاء فقال ال بل عليهما أن يجزي كل واحد منهماالصيد قلت إن بعض أصحابنا

    سئلني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم باالحتياطحتى تسئلوا

    عنه فتعلموا وفي مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) في الرجلين المتنازعينقلت فإن كان كل واحد

    اختار رجال من أصحابنا فرضيا أن يكونا ناظرين في حقهما واختلفا فيما حكماوكالهما اختلف في حديثكم

    قال الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما وال يلتفتإلى ما يحكم به اآلخر قال قلت

    فإنهما عدالن مرضيان عند أصحابنا ال يفضل واحد منهما على صاحبه قال فقال ينظرإلى ما كان من روايتهم

    عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويتركالشاذ الذي ليس بمشهور عند

    أصحابك فإن المجمع عليه ال ريب فيه وإنما األمور ثالثة أمر بين رشده فيتبع وأمر بينغيه فيتجنب وأمر

    مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله حالل بينوحرام بين وشبهات بين ذلك فمن

    ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من

  • حيث ال يعلم قلت فإن كانالخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر فما وافق حكمه حكم

    الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذبه ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة قلت جعلت فداك أرأيت

    إن كان الفقيهانعرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة واآلخر مخالفا لهم

    بأي الخبرين يؤخذقال ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فإن وافقهم الخبران جميعا قال

    ينظر إلى ما هم إليهأميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ باآلخر قلت فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا

    قال إذا كان ذلكفارجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من االقتحام في الهلكات وفي

    بعض خطب أمير المؤمنين (ع)إن الله حد حدودا فال تعتدوها وفرض فرائض فال تنقضوها وسكت عن أشياء لم

    يسكت عنها نسيانا لهافال تكلفوها رحمة من الله لكم فال تكلفوها فاقبلوها ثم قال (ع) حالل بين وحرام بين

    وشبهات بين ذلك فمنترك ما اشتبه عليه من اإلثم فهو لما استبان له ترك والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها

    يوشك أن يدخلهاوفي معناها روايات أخر وقد دخلت الشبهة على عصبته من اآلخرين في تحقيق الشبهة

    وذلك أنهم اتفقوافي مفهومها وأنه كل ما فيه اشتباه وخفاء وزعموا أن ذلك حقيقتها الشرعية والعرفية

    واللغوية وهو مقتضىمقابلته بالبين في أحاديث التثليث وعلى صدقها على ما تعارضت فيه األدلة واختلفوا في

    شمولها لما النص فيه فمن قائل إنه ليس بالحالل البين وال بالحرام البين ألن البيان إنما هو بالنص

    والفرض انتفاؤه فيندرجتحت الشبهات وإال الختل التقسيم وأيضا قد ورد األمر باالحتياط في الصحيحة فيما ال

    نص فيه وفي المقبولةوما في معناها في الشبهات على وجه يفيد القصر بالقرائن واالجماع على أنه لالحتياط

    في غير الشبهات وزعموا أنه المراد بالمسكوت عنه في كالم أمير المؤمنين (ع) وهو ظاهر المصنف هنا

    وصريحه في غيره ومن قائل

  • إن حديثي التثليث اللذين فيهما ذكر الشبهات إنما يدالن على ثبوت شبهات بينالحالل البين والحرام

    البين وال داللة فيهما على أن كل ما بينهما شبهة لفقد ما يدل على العموم والمهملة فيقوة الجزئية فيكفي تحققها

    في ضمن المتفق عليه وهو ما تعارضت فيه األدلة أو يخص التثليث بغير المسكوت عنهوأما المسكوت عنه

    فهو مباح رحمة من الله على عباده للعمومات الدالة على إباحة ما ال نص فيه وخارجعن مجرى هذا التقسيم

    (٥)

  • ألنه (ع) وسع في المسكوت عنه وضيق في الشبهات فدخوله فيها يوجب التناقض فيالكالم والصحيحة إنما تضمنت

    األمر باالحتياط عن الفتوى في المسائل الشرعية للجاهل بأحكامها وال داللة فيها علىأكثر من ذلك و

    هذا معنى متفق عليه ال ارتباط له بموضع البحث هذه خالصة كلماتهم مع تتميم وفصلالخطاب في هذا

    الباب يتوقف على تحرير محل النزاع أوال فاعلم أنه إن أريد بالنص المنفي فيما ال نصفيه النص الخاص باألمر

    المبحوث عنه فاطالق الحكم باندراجه في الشبهات ممنوع كما أن اطالق الحكمبخروجه عنها كذلك وذلك

    النقسامه إلى قسمين أحدهما ما ال يمكن ادراجه تحت شئ من عمومات الكتابوالسنة وهذا من الشبهات

    والمشكالت الذي التي يرد علمها إلى الله ورسوله ويحتاط فيها في العمل واآلخر مايمكن ادراجه تحت شئ

    منها وهذا يشمله حكم ذلك العموم ويلتحق بأحد األمرين البينين ما لم يتعارض فيهعمومان وحينئذ يندرج

    في الشبهات ويحتاط فيها علما وعمال وانحصار البيان في النص الخاص ممنوع كمايشهد بذلك مراجعة طريقة

    السلف الصالح رضوان الله عليهم وتبين من هذا البيان حال ما لو أريد بالنص ما يعمالعمومات وحمل الكالم

    على المهملة مما يخل بفائدته على أن حديث تقسيم األمور مشتمل على صريح الحصرونقله (ع) بعد ذلك حديث

    التثليث في مقام االستدالل كما هو الظاهر كالصريح في إرادة التقسيم الحاصر وإالالختل االستدالل

    فظهر أن اخراج ما ال نص فيه عن مجرى التقسيم وتخصيصه بغير المسكوت عنه غيرجيد واطالق الحكم بأن المسكوت

    عنه وهو ما ال نص فيه مباح للعمومات الدالة على إباحة ما ال نص فيه غير مقبول بلالوجه التفصيل بأنه إن شملته

    عمومات اإلباحة فهو مباح بين الحكم غير مسكوت عنه كما قدمنا وإن لم تشمله كمافي مسألة عبد الرحمن فال

    معنى للحكم باإلباحة والقول بأنها خارجة عن المبحث فكالم خال عن التحصيل ألنالمسألة المجهولة الحكم ال شبهة

    أنها عند الجاهل بها مما ال نص فيه ألن المراد به ما لم يبلغنا فيه عن الشارع حكم

  • معين ال ما ليس له حكم في الواقعألنه ال وجود له في نفس األمر إذ ما من شئ إال ورد فيه كتاب أو سنة وإن لم يبلغنا

    كله كما تظافرت به الرواياتوهذا من األمر بين األمرين فليكن منك على ذكر وأما المسكوت عنه في حديث أمير

    المؤمنين (ع) فيشبه أن يكون المراد به ما ليس له ذكر صريح في ظاهر القرآن مثلالكالم في حقيقة الروح والبحث عن ماهية كالم الله

    وحدوثه وقدمه وغير ذلك من الصفات مما يخوض فيه الفضوليون من القاصرين وقدوضعه الله عنهم رحمة لهم و

    يسرا بهم فإن تكلف ذلك منهي عنه وال سيما للنفوس الناقصة بل األصلح لهم االكتفاءبااليمان المرسل والتصديق

    المجمل وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بأصحابه وهم يخوضونفغضب حتى احمرت وجنتاه ثم قال أفبهذا أمرتم

    تضربون كتاب الله بعضه ببعض انظروا إلى ما أمركم الله به فافعلوا وما نهيكم عنهفانتهوا وعن أبي عبد الله (ع)

    في جواب من سأله أن يكتب إليه بالمذهب الصحيح في التوحيد اعلم رحمك الله أنالمذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به

    القرآن من صفات فانف عن الله البطالن والتشبيه هو الله الثابت الموجود تعالى الله عمايصفه الواصفون وال

    تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان وفيهما داللة واضحة على ما قلناه وإذ ال سبيل لنا إلىالقطع في الشبهات

    البهام المأخذ واظالم المسلك فاألمور بحسب القسمة الحاصرة األولى بالنسبة إليناقسمان محكم ومتشابه

    وبحسب الثانية ثالثة أقسام هذا في الحالل والحرام وكذلك في الفرض والنفل ففرضبين ونفل بين وشبهات

    يتردد أمرها بينهما من أتى بها نجا يقينا من ترك الفرايض احتماال ومن تركها وقع فيهفهلك من حيث ال يعلم

    ومن هنا يعلم أنه كلما وقع االشتباه بين فعلين وجوديين يعلم وقوع التكليف بأحدهمايقينا وال يعلم

    يقينا فاألخذ باليقين يأتي بهما جميعا تحريا للنجاة وحذر من الوقوع في ترك الفرائضيقينا وما يقال

    في المنع من أن االتيان بفرد من األفراد المشكوكة ينفي اليقين ببقاء التكليف وينفياحتماله باألصل فتشكيك شارح الدروس

    ال يلتفت إليه الحازم الورع وإذ قد بينا األمر في األحكام الشرعية على أساس التثليث

  • واقتصرنا في مداركهاعلى القرآن والحديث فارتفع الخالف أو قل ونجونا عما نهينا عنه من القول بالرأي

    والجزاف إال من زل فإنأكثر االختالفات الواقعة في الفروع إنما نشأت من الخوض في المتشابهات التي يضطر

    الناظر فيهاإلى االستمداد بالرأي المتلون السيال الذي ال يقف على حد وال على حال ومن ثم ترى

    اختالف الفتوى عنعصابتنا األخباريين أقل منه عن األصوليين البهامنا ما أبهم الله وسكوتنا عما سكت الله

    واقتصارنا على البين المحكم وردنا ما سواه إلى الله والرسول وأولي األمر فإنهم أعلم

    وفي الحديث من عملبما علم كفى ما ال يعلم قال المصنف طاب ثراه في سفينة النجاة ولعلك تقول إن

    الحكم في كل مسألة واحدةفي نفس األمر كما هو مذهب أهل الحق واألحكام الشرعية إنما تراد معرفتها للعمل

    وحاجة المكلفين إليهاجميعا سواء فما الوجه في اخفاء بعض المسائل وابهامه فتقول إن الحكمة في أكثر

    األمور الشرعية غير معلومةلنا إال أنه يمكننا أن نشير ههنا إلى ما يمكننا يكسر سورة استبعادك بأن نقول يحتمل

    أن يكون منالحكم في المتشابه المحتاط فيه أنه يتميز المتقي المتدين باحتياطه في الدين وعدم

    رتاعه حول الحمى خوفا عنالوقوع فيه ممن ال تقوى له ويجترئ في الرتاع حوله وال يبالي بالوقوع فيه فتتفاضل

    بذلك درجاتالناس ومراتبهم في الدين فكما أن تارك الشبهات في الحالل والحرام وفاعلها في

    الفرض والنفل ليسكالهالك من حيث ال يعلم فكذا الهالك من حيث ال يعلم ليس كالهالك من حيث يعلم

    فالناس ثالث فرقمترتبين وأن يكون من الحكم في المتشابه المخير فيه أن يتوسع التكليف لجمهور الناس

    باثبات التخييرفي كثير من األحكام وهذه رحمة من الله عز وجل وبه تختلف مراتب التكليف

    باختالف مراتب الناسفي العقل والمعرفة ولعل أمير المؤمنين (ع) إلى هذا أشار بقوله فال تكلفوها رحمة من

    الله لكم فاقبلوها

  • وما ال نعلم من الحكم أكثر مما نعلم هذا كالمه زيد اكرامه وال تعبؤ فيما ال يتسامحفيه بقول من ال نقف على برهان

    له به من الكتاب والسنة وإن كان ذلك القول في األخيرين مشهورا ألن أكثر األقوالالمشهورة بين اآلخرين

    إنما حدثت شهرتها من الشيخ الطوسي (ره) كما حققه العالمة والشهيد الثاني (رض)وذلك ألن الفقهاء الذين

    نشؤوا بعده كانوا يتبعونه وال يجترؤون على مخالفته لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهمبه فكانوا يفتون ويعملون

    (٦)

  • على وفق مذاهبه وتحقيقاته فلما جاء المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بهاالشيخ ومن بعده

    فحسبوا ذلك شهرة بين العلماء وما فطنوا أن مرجعها إلى الشيخ وأن الشهرة إنماحصلت بمتابعته وتخطى

    ذلك قوم وسموها اجماعا وفي الكالم إيماء إلى أن الشهرة بين األولين من أصحاباألئمة صلى الله عليه وآله وأرباب النصوص

    ليست حالها على هذا المنوال وهو كذلك ألن المفهوم من سيرهم وأحوالهم بالتتبعأنهم كانوا يتثبتون كثيرا

    ويراجعون المعصوم في جالئل األمور ودقائقها وال يتسارعون إلى الحكم والفتوى فيالمسائل إال بثبت مركون

    إليه ودليل مقبول يسوغ التعويل عليه فاشتهار الحكم بينهم مما يستبعد جدا أن يقعجزافا بل الذي يقوى في

    النفس أنهم أخذوه عن الحجة بإحدى الطرق المعتبرة ومع ذلك كله فال تنهض حجةفيما ال يتسامح فيه و

    المستيقن ال يفارق االحتياط في العمل ما أمكن على أن البحث عنها قليل الجدوى إذمعرفة المشهور بينهم في

    آحاد المسائل التي يختلف فيها اآلن مما كاد يلحق بالمحاالت ألن كتبهم في الفتاوىالمجردة قليلة جدا وإنما يوجد

    نبذ منها متفرقة في أسفار الناقلين كما في كتاب الكافي وغيره كالفقيه والتهذيب واليبعد أن تكون اإلشارة إلى هذا فإن

    روى صاحب العوالي مرفوعا عن زرارة بن أعين قال سألت أبا جعفر (ع) فقلت جعلتفداك يأتي عنكم الخبران

    أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ فقال (ع) يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابكودع الشاذ النادر

    فقلت يا سيدي أنهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم فقال (ع) خذ بقول أعدلهماعندك وأوثقهما في

    نفسك فقلت إنهما معا عدالن مرضيان موثقان فقال انظر ما وافق منهما مذهب العامةفاتركه وخذ

    بما خالفهم قلت ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع فقال إذن فخذبما فيه الحائطة لدينك

    واترك ما خالف االحتياط فقلت إنهما معا موافقان لالحتياط أو مخالفان له فكيف أصنعفقال (ع) إذن

    فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع اآلخر قال وفي رواية أنه (ع) قال إذن فارجه حتى تلقي

  • إمامك وتسئله وهي صريحةفي التعويل على الشهرة فكيف ينفى االعتداد بها بقسميها قلت المعول عليه في

    الحديث إنما هو اشتهار الروايةبين أصحابه دون اشتهار القول المجرد عن البرهان بين القائلين به وكذا ال نعتد باجماع

    يدعى في محل الخالفكما كثر من ابن إدريس والمحقق الثاني وبعض من تقدمهما فإنه ليس إال زورا إذ

    المجمع عليه ال ريب فيه كما تقدم فيالمقبولة وفي معناها مرسلة اإلحتجاج فكيف يشتبه بالمتنازع فيه وقد يوجه للذب عن

    هؤالء األجلةقدس الله أرواحهم بوجوه مثل أن مرادهم الشهرة كما سبق سواء ألحقناها به في

    الحجية أم ال أو تأويل الخالفعلى وجه يمكن مجامعته لدعوى االجماع وإن بعد كجعل الحكم من باب التخيير أو

    عدم اعتداد مدعيه بخالفمعلوم النسب أو اطالعه في عصره على الخالف وهو الذي ارتضاه المصنف (ره) في

    المفاتيح وغيره ويردعليها

    جميعا عدم االطراد لما اتفق منهم كثيرا من ادعائه على ما لم يبلغ حد الشهرة وفيمواضع ال تكاد تنالها

    أيدي التأويل وقدحهم في االجماع تارة بخالف معلوم النسب وعدم اعتدادهم بمخالفةمجهوله أخرى

    على أنه ال فرق بين معلومه ومجهوله إذ المقدمة التي بنوا عليها أمر االجماع وهو قبحاالجتماع على الخطأ

    على تقدير تسليمها تهدم في الصورتين كما بيناه في شرح المفاتيح وربما يكونالمدعي هو الناقل للخالف

    أو هو المخالف وربما تتعارض الدعويان مع اتحاد المدعي والحق أنه وإن تقاصر كلمنها عن شمول هذه

    االجماعات إال أنها غير خارجة عن مجموعها كما ال يخفى على المتتبع وأكثراالجماعات المنقولة في المسائل النظرية

    من هذا القبيل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل مقدمة في تقسيم العلم بوجه آخرغير ما تقدم في ضمن

    تقسيم الحكمة وبيان مرتبة كل قسم وآداب العالم والمتعلم فهي يسيرة األلفاظ كثيرةالفوائد والتنوين

    للتحقير أو التعظيم العلم هو حصول الصورة في الذهن أو الصورة الحاصلة فيه أو

  • انتقاشها بها وهذا الحدينطبق طردا وعكسا على جميع أنواعه بتصوراتها وتصديقاتها وهي وإن كانت كثيرة إال

    أن مجامعهاعلمان علم الدنيا وعلم اآلخرة وعلم الدنيا ما يرتبط به مصالح الدنيا كالطب والحساب

    وعلم اآلخرةعلمان أحدهما علم يقصد لذاته وهو العلم بالله ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر

    وهو إما تحقيقيأو تقليدي فالتحقيقي نور يظهر في القلب عند تطهيره وتذكيته من ذمائمه فينشرح

    للحق فيشاهد بذلك النور وواالنشراح الغيب ففي الحديث النبوي ليس العلم بكثرة التعلم وإنما هو نور يقذفه الله

    في قلب من يريد أن يهديه وفيه ما من عبد إال ولقلبه عينان وهما غيب يدرك بهماالغيب فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عيني

    قلبه فيرى ما هو غايب عن بصره فعند ذلك ينكشف عليه أمور كان يسمع من قبلأسماءها ويتوهم

    لها معاني مجملة غير متضحة فيتضح له جميع ذلك حتى تحصل له المعرفة التامة بذاتالله وبصفاته وأفعاله و

    حكمته ومعنى النبوة واإلمامة والوحي وكيفية وصوله إلى النبي وحديث الملك معاإلمام ومعنى اآلخرة والجنة و

    النار وما يتعلق بهما إلى غير ذلك فإن للناس في تصور حقايق هذه األمور بعد التصديقبأصولها مقامات

    متفاوتة ودرجات متفاضلة فنعني بالعلم المقصود لذاته أن يرتفع الغطاء حتى يتضح جليةالحق في هذه

    األمور اتضاحا يجري مجرى العيان الذي ال شك فيه كما في حديث أمير المؤمنين(ع) لو كشف الغطاء لما ازددت

    يقينا ولم أعبد ربا لم أره ال تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايقااليمان وذلك

    بتفريغ القلب عن الشواغل وتخليته عن الهموم المختلفة المتنوعة وجعلها كلها هماواحدا كما يأتي فيتسع

    بذلك وينفسح فيحتمل البالء لسعته وفي الحديث أن أشد الناس بالء في الدنيا األنبياءثم الذين يلونهم

    ثم األمثل فاألمثل ويحفظ السر وهو ما ظفر به من مكنون العلم الصعب المستصعبالذي ال يحتمله إال نبي

    مرسل أو ملك مقرب أو عبد امتحن الله قلبه لاليمان ولقد بولغ في الحث على كتمان

  • األسرار والمنع عناالفشاء واإلذاعة والهتك بما ال مزيد عليه أما لغموض األمر وقصور األفهام العامية عن

    ادراكه وافشاء مثل هذا وضع للحكمة في غير موضعها كتعليق الدر في أعناق الخنازير وفي

    الحديث ال تحدثوا الجهالبالحكمة فتظلموها وال تمنعوها أهلها فتظلموهم ومشغلة ألذهانهم بما ال يرجع إلى

    طائل وذلك مثلحقيقة الروح التي هي من عالم الملكوت والنفوس الناقصة التي لم يتجاوز عالم الملك

    بمعزل عن ادراكها

    (٧)

  • وأما لكون الكشف مفسدة للمستمعين وإن كان ال يتعسر عليهم ادراكه وسببا الفتتانهمأو لتفويت مصلحة

    راعاها الشارع الحكيم في التعبير عن بعض المسميات بغير أسمائها وتصوير بعضالمعاني في غير قوالبها المعروفة

    تمثيال ورمزا لكون ذلك أوقع في النفوس وأدخل في حصول الغرض المطلوب منالترغيب والترهيب والوعد

    والوعيد ومن ذلك بيان حقيقة الكسوف والخسوف على النهج المقرر في الهيئة وتأويلالمالئكة الجاذبة الدافعة

    بروحانيات الشمس والبحر المظلم بظل األرض ونحو ذلك وهذا النوع عريض جداويندرج تحته كثير من

    متشابهات الكتاب والسنة إال أن الخوض فيه مما يختص بأهله وكان أكابر الصحابة معما هم فيه من تقارب

    المنازل والتشارك في بركة الصحبة يستخفى بعضهم من بعض بسره وفي الحديث لوعلم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله

    ولقد آخى رسول الله بينهما فما ظنك بساير الناس وعن أمير المؤمنين (ع) اندمجتعلى مكنون علم لو بحت به

    الضطربتم اضطراب األرشية في الطوى البعيدة وعنه (ع) حملت عن النبي صلى اللهعليه وآله دعامين من العلم أما واحد فبثثته

    فيكم وأما اآلخر فلو بثثته قطع مني هذا البلعوم وسئله كميل بن زياد النخعي وقد بلغكجاللة قدره عن

    الحقيقة فقال (ع) مالك والحقيقة قال أولست صاحب سرك قال بلى ولكن يرشحعليك ما يطفح مني الحديث

    ومما نسبه المصنف في كثير من مسفوراته إلى علي بن الحسين صلوات الله عليهماوغيره إلى غيره. إني ألكتم

    من علمي جواهره كيال يرى الحق ذو جهل فيفتتنا. وقد تقدم في هذا أبو حسن إلىالحسين ووصى قبله

    الحسنايا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا -

    والستحل رجال مسلمون دمي * يرونأقبح ما يأتونه حسنا -

    وهذا العلم هو المسمى باللدني وعالمته ما ورد في الحديث النبوي وقد سئل صلواتالله عليه عن قوله (تع) فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره لالسالم ما هذا الشرح فقال

    النور إذا دخل

  • القلب انشرح له الصدر وانفسح قيل يا رسول الله وهل لذلك عالمة قال نعم التجافيعن دار الغرور

    واإلنابة إلى دار الخلود والتهيؤ للموت قبل نزوله وهو العلم األفضل بقول مطلق ألنهالمقصد األقصى

    من االيجاد أو غاية مقاصد السالكين أو هو الغاية للقسم اآلخر المقصود للعمل المتوسلبه إليه والتقليدي

    هو تلقي بعض مسائل هذا العلم من صاحب الشرع على قدر الفهم والحوصلة كماوكيفا ثم التدين به و

    اآلخر علم يقصد المعمل ظاهرا وباطنا ليتوسل به إلى ذلك النور وهو العلم بما يقربإليه (تع) وما يبعد عنه

    من طاعات الجوارح ومعاصيها ومكارم األخالق ومساويها فهو قسمان علم الشرايعوعلم األخالق

    وكله تقليد لصاحب الشرع إما عن بصيرة أو استبصار إال ما ال يختلف فيه العقول منهوربما يسمى

    الفقه ومن عالماته ما في حديث الرضا (ع) أن من عالمات الفقه الحلم والصمت وليسالمراد بالفقه

    فيه مجرد معرفة الفتاوى في المسائل الفرعية وحفظا ألقوال المختلفة فيها واإلحاطةبمتعلقاتها

    لما يشاهد في ذويها غالبا من العالمة بنقيض ما هو مذكور في الحديث فإنهم أكثرالناس طيشا وهذرا

    وتصديق الفعل القول إذ به يعرف موافقة الباطن للظاهر والخروج عن ذميمة النفاق وعنأبي عبد الله (ع)

    في قول الله عز وجل إنما يخشى الله من عباده العلماء قال يعني بالعلماء من صدق فعلهقوله ومن لم يصدق

    فعله قوله فليس بعالم وهذا العلم المقصود للعمل هو األقدم في الوجود الخارجي بالنسبةإلى تحقيقي األول

    ألنه الشرط فيه وفي الحديث من علم وعمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم وفيه إذاعلمتم فاعملوا بما علمتم

    لعلكم تهتدون وبيان ذلك أن االنسان إذا عمل بمقتضى علمه يؤدي عمله إلى صفاء فيقلبه فيستعد

    لعلم آخر فوق ما علمه أوال ثم إذا عمل بمقتضى هذا العلم يحصل له استعداد آخروبسببه يحصل علم و

    انكشاف آخر وهكذا يتزايد العلم قوة وضياء بحسب تتابع األعمال حتى ينتهى إلى

  • االهتداء بهدىالله وهو نور اليقين المقصود لذاته قالوا ومثال ذلك من يمشي بمصباح في ظلمة فكلما

    أضاء لهمن الطريق قطعة مشى فيها فيصير ذلك المشي سببا إلضاءة قطعة أخرى وهكذا تترادف

    األضواءبتعاقب الحركات وتترادف الحركات بتعاقب األضواء إلى أن يتأدى الماشي إلى الغاية

    وتنتهي الحركةوبحسب هذه الشرطية والتوسل تعد هذا العلم من علم اآلخرة فإن أريد به الدنيا التحق

    بالدنيا وقدوقد وقع حصر العلم في هذه العلوم الثالثة األخروية في الحديث النبوي إنما العلم ثالثة

    آية محكمةأو فريضة عادلة أو سنة قائمة وما خالهن فهو فضل قيل األول إشارة إلى أصول العقايد

    وأركانهاالمستفادة من اآليات المحكمات القرآنية والثاني إلى علم آفات النفس وتعديل قواها

    وتهذيب األخالقوالثالث إلى علم الشرايع والحالل والحرام ويسمى كل منها علم الدين وعلم الفقه كما

    مر وأما مجادلة علمالكالم في أصول العقايد والتعمق في الفروع في فتاوي غير منصوصة تستنبط بالرأي

    فليسا في عرف األولينمن العلم والفقه في شئ بل لم يكن عندهم منهما عين وال أثر وإنما هما من محدثات

    األمور وقد ذكر أبو حامدوغيره في مبدأ نشوءهما وبسبب تدوينها كالما ملخصه أنه لما انتهت الخالفة إلى أقوام

    تولوا بغير استحقاق واستيهالواستقالل بعلم الفتاوى واألحكام اضطروا إلى االستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في

    جميع أحوالهم الستفتائهمفي جميع مجاري أحكامهم وكان العلماء قد تفرعوا العلم اآلخرة وتجردوا له وكانوا

    يتدافعون الفتاويوما يتعلق بأحكام الخلق وأقبلوا على الله بكنه اجتهادهم فكانوا إذا طلبوهم هربوا

    وأعرضوا واضطرواالخلفاء إلى االلحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات فرأى أهل تلك األعصار عز

    العلماء واقبالالوالة إليهم مع اعراضهم عنهم ما شربوا لطلب العلم توصال إلى نيل العز ودرك الجاه

    من قبل الوالة

  • فأكبوا على علم الفتاوي وعرضوا أنفسهم على الوالة وتعرفوا إليهم وطلبوا الوالياتوالصالة منهم فمنهم

    من حرم ومنهم من أنجح ومن أنجح لم يخل عن ذل الطلب ومهانة االبتذال فأصبحالفقهاء بعد أن كانوا مظلومين

    طالبين وبعد أن كانوا أعزة باالعراض عن السالطين أذلة باالقبال عليهم إال من وفقه اللهفي

    كل عصر من علماء دينه ثم لما اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري وقررعقايده في العدل و

    الصفات وغيرهما ونشأ بعده الشيخ أبو الحسن األشعري واشتغل بالرد عليه وابطالمقاالته وتبع

    (٨)

  • كال منهما من تبعه وخرجوا من الطريقة الساذجة التي مشى عليها الصحابة والتابعونوأعانهم على ذلك أن

    نقلت الفلسفة اليونانية إلى العربية فخاض فيها الفريقان وطفقوا في االبرام والنقضوابطال

    بعضهم مذهب بعض فأخذوا ذلك فتاوسموه الكالم إما ألن مسألة الكالم كانت أشهرمباحثه أو أكثرها

    نزاعا وجدال ويحكي أنه قتل فيها خلق كثيرا وأولها كما يحكي عن بعض الصحابة قالحضرت ذات يوم مجلس

    عمر فسأله رجل يا أمير المؤمنين أخبرني عن كالم الله مخلوق أم ال فتعجب عمروأخذ بيد السائل حتى جاء به

    إلى أمير المؤمنين (ع) وقال يا أبا الحسن أما تسمع مقالة هذا الرجل فلما سمعها تغيروجهه ثم أقبل إلى عمر

    وقال إنها فتنة يكون لها شأن تثور في مستقبل الزمان أما أني لو كنت مكانك لقطعتوريديه أو ألنه

    يورث قدرة على الكالم والزام الخصوم كالمنطق أو ألنه إنما يتحقق بالمباحثة وإدارةالكالم من الجانبين

    وغيره قد يحصل بالتأمل والمطالعة أو ألنه أكثر العلوم خالفا فيشتد افتقاره إلى الكالممع المخالفين و

    الرد عليهم أو ألنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكالم دون ما عداه من العلوم كما يقاللألقوى من

    الكالمين هذا هو الكالم أو ألنه أشد العلوم تأثيرا في القلب وتغلغال فيه فسمي الكالممن الكلم وهو الجرح

    أو ألنهم كانوا يعنونون مباحثه في المدونات بقولهم الكالم في كذا والكالم في كذاوظهر بعد ذلك من

    الصدور واألمراء من سمع هذه المقاالت وقواعد العقايد ومالت نفسه إلى سماعالحجج فيها فعلمت

    رغبته إلى المناظرة والمجادلة في الكالم فانكب الناس إلى علم الكالم وأكثروا فيهاالتصانيف ورتبوا فيها

    فيها طرق المجادالت واستخرجوا فنون المناقضات والمقاالت وزعموا أن غرضهمالذب عن دين الله والنضال عن

    الستة وقمع البدعة ثم ظهر بعد ذلك من الصدور من يستصوب الخوض في الكالموفتح باب المناظرة فيه

    لما تولد من فتح بابه من التنعضات والخصومات الناشئة من اللداد المفضية إلى تخريب

  • البالد ومالت نفسهإلى المناظرة في الفقه وبيان األولى من مذاهب المجتهدين فترك الناس الكالم وفنون

    العلم وأقبلوا علىالمسائل الخالفية وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع وتقرير علل المذاهب

    وتمهيد أصول الفتاويوأكثروا فيها الفتاوى واالستنباطات ورتبوا فيها أنواع المجادالت ولو مالت نفوس

    أرباب الدنياإلى علم آخر من العلوم لمالوا أيضا إليه ولم يسكتوا عن التعلل واالعتذار بأن ما اشتغلوا

    به علمالدين وأن ال مطلب لهم سوى القيام بفرض الكفاية تقربا إلى رب العالمين والفطن يعلم

    أنه لو كانغرضهم ذلك لقدموا عليه فرض العين ترى الواحد منهم إذا سألته عن شئ من فقه

    الظهار أو اللعانأو السبق ليرد عليك من التفريعات الدقيقة أشياء كثيرة تنقضي الدهور وال يتفق

    االحتياج إلى شئمنها وإذا سألته عن معنى من معاني االخالص والتوكل والرضا ونحوهما مما يجب على

    كل مكلف في كل حاليتوقف في الجواب ويتلجلج في الكالم بل كثيرا من فروض الكفايات فكم من بلد ليس

    فيه طبيب إال من أهل الذمة واالحتياج إليه فيما يتعلق باألطباء من أحكام الفقه أكثروقوعا منه إلى هذه التعمقات والفروض

    التي يتعبون ليال ونهارا في حفظها ودرسها والبحث عنها ثم ال ترى أحدا يشتغل بالطبو

    يتهافتون على الفقه الذي شأنه ما عرفت والبلد مشحون من الفقهاء وليس الباعث إالأن الطب ال يتيسر الوصول به إلى ما يتوصل إليه بالفقه والله المستعان انتهى وليس

    الغرض اخراجعلم الشرايع والفتاوي من الفقه وسلب صدق هذا االسم المحمود عليه في الشرع عليه

    بل الفرقبين ما سبيله الكتاب والسنة على الوجه المتقدم وما سبيله اآلراء والظنون التي يستمد

    بهاالمتعمقون واالجماعات التي حالها ما عرفت واألول معدود من الفقه وإن كان أحط

    أقسامه وتخصيص هذا االسم به في عرف اآلخرين من قبيل تخصيص اسم الحكمة بالطب الذي

    هو من فروع

  • أدنى أقسامها أعني الطبيعي كما مر بخالف الثاني وهذا التفصيل بعينه يجري فيالمجادلة فإن كانت

    بالتي هي أحسن دخلت تحت االستثناء في قوله عز وجل وال تجادلوا أهل الكتاب إالبالتي هي أحسن

    واألمر في قوله (تع) وجادلهم بالتي هي أحسن وإال فهي المجادلة المذمومة نظير القسمالمذموم من فقه

    الفتاوي وهما مما يقسي القلب ويبعد عن الله عز وجل فإن المتمرن فيهما يعتاداالستعانة بقوة

    الشيطنة والخروج عن حد الحكمة واالعتدال في القوة الفكرية إلى افراط الجربزةوجحود ما تستيقن

    به نفسه وخلط الباطل بالحق إلى غير ذلك من الذمايم تقويا بذلك على ما هو بصددهمن الفوز بالغلبة وادراك لذة الظفرة فيقسو قلبه عن قبول الحق إلى أن يعود كالسباع

    التي همها في االعتداء ولذتهافي الضراوة على من اعترضها وذلك من أقوى األسباب في البعد عن الله سبحانه

    والحرمان عن نور الهدايةألنه من أشد أمراض القلوب وفي الحديث ال تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة

    ممرضة للقلب على أنه ال بد أن يعترض المتكلم في فنه الشكوك والشبه وربما يتشبثبدهنه شئ منها إذ الشبهة قد تكون

    جلية والجواب عنها دقيقا يقصر عن ادراكه فيخرج إلى الشك من اليقين وينسل منالدين انسالل

    الشعرة من العجين وعن أمير المؤمنين عليه السالم من طلب الدين بالجدل تزندق وفيحديث آخر

    الخصومة تمحق الدين وتحبط العمل وتورث الشك وإنما رخص في التكلم لضرورةدفع شبه المعاندين

    كما في حديث الشامي الذي جاء إلى أبي عبد الله (ع) وقال إني رجل صاحب كالموفقه وفرايض وقد

    جئت لمناظرة أصحابك فكلمه أبو عبد الله (ع) ثم التفت إلى يونس بن يعقوب فقال يايونس لو كنت تحسن

    الكالم كلمته فقال يونس فيا لها من حسرة فقلت جعلت فداك إني سمعتك تنهي عنالكالم وتقول

    ويل ألصحاب الكالم يقولون هذا ينقاد وهذا ال ينقاد وهذا ينساق وهذا ال ينساق وهذانعقله

    وهذا ال نعقله فقال أبو عبد الله (ع) إنما قلت ويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما

  • يريدون ثم قالأخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله قال فأدخلت حمران بن أعين

    واألحول وهشامبن سالم وقيس الماصر وكان عندي أحسنهم كالما وكان قد تعلم الكالم من علي بن

    الحسين (ع) فلما

    (٩)

  • استقر بنا المجلس ورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته فوسع له أبو عبدالله (ع) وقال

    ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ثم قال يا حمران كلم الرجل فكلمه فظهر عليه حمران ثم قاليا طاقي كلمه فكلمه

    فظهر عليه األحول ثم قال يا هشام بن سالم كلمه فتعاوقا ثم قال لقيس الماصر كلمهفكلمه فأقبل أبو

    عبد الله (ع) يضحك من كالمهما مما قد أصاب الشامي فقال للشامي كلم هذا الغالميعني هشام

    بن الحكم فكلمه وقطعه واستبصر الشامي ثم التفت أبو عبد الله (ع) إلى حمران فقالتجري الكالم

    على األثر فتصيب والتفت إلى هشام بن سالم فقال تريد األثر وال تعرفه ثم التفت إلىاألحول فقال

    قياس رواع تكسر باطال بباطل إال أن باطلك أظهر ثم التفت إلى قيس الماصر فقالتتكلم وأقرب

    ما تكون من الخير عن رسول الله أبعد ما تكون منه تمزج الحق مع الباطل وقليل الحقيكفي عن كثير

    الباطل أنت واألحول قفازان حاذقان ثم قال يا هشام ال تكاد تقع تلوي رجليك إذاهممت

    باألرض طرت مثلك فليكلم الناس فاتق الزلة والشفاعة من ورائها انشاء الله والحديثمختصر وحيث يرخص فيه للضرورة فليقتصر منه على قدر الحاجة كما في سائر

    االضطراريات وربما وجب حينئذ نصرة للدين وحراسة للمذهب وحماية عن الحق كفاية أو عينا على

    الماهر بالصنعةالحاذق فيها مثل هشام بن الحكم واالطالقات السابقة محمولة على الغالب من األحوال

    وأفرادالمتكلمين فهو كما قيل نظير منع الصبيان عن شاطئ الدجلة شفقة عليهم من الغرق

    ورخصة الماهرالقوي تضاهي رخصة الكاملين في صنعة السباحة إال أن ههنا موضع غرور ومزلة قدم

    وهو أنكل ضعيف في عقله يظن بنفسه أنه يقدر على ادراك الحقايق كلها وأنه من جملة

    األقوياء فربما يخوضونويغرقون في بحر الجهات ال من حيث ال يشعرون وهذا الوجه فيما قد ورد من

    التصريح بالتعميم فيما

  • رواه محمد بن عيسى قال قرأت في كتاب علي بن هالل أنه سئل عن الرجل يعني أباالحسن (ع) أنهم نهوا عن

    الكالم في الدين فتأول مواليك المتكلمون بأنه إنما نهى من ال يحسن أن يتكلم فلمينهه فهل ذلك كما تأولوا

    أو ال فكتب (ع) المحسن وغير المحسن ال يتكلم فيه فإن إثمه أكبر من نفعه وربماأوردناه يتضح لك أمر المجادلة

    والتفصيل الذي أشرنا إليه ويتسهل عليك اإلحاطة بقسميها ويزيد ذلك بيانا ما ورد أنهذكر عند

    أبي عبد الله (ع) الجدال في الدين وأن رسول الله واألئمة صلى الله عليه وآله قد نهواعنه فقال (ع) لم ينه عنه مطلقا وإنما

    لكنه نهي عن الجدال بغير التي هي أحسن قيل يا بن رسول الله فما الجدال بالتي هيأحسن والتي ليست

    بأحسن فقال أما الجدال بغير التي هي أحسن فإن تجادل مبطال فيورد عليك باطال فالترده بحجة

    قد نصبه الله (تع) ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطلهفتجحد ذلك الحق

    مخافة أن يكون له عليك حجة ألنك ال تدري كيف المخلص م�