7

Click here to load reader

مهارات و مواصفات المفكر الناقد التي أشار إليها ابن خلدون في المقدمة

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: مهارات و مواصفات المفكر الناقد التي أشار إليها ابن خلدون في المقدمة

ت و مواصفات المفكر الناقد التي أشار إليهامهارا ابن خلدون في المقدمة

أن ابن خلدون المفكر الناق��د المش��هور في الع��الم كتب كتاب��ه في التاريخ المسمى ب��� "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرف��ة أي��ام الع��رب والعجم وال��بربر ومن عاص��رهم من ذوي السلطان األكبر". وهذا الكت��اب ليس كت��اب في الت��اريخ فق��ط، بل نظر إلى التاريخ نظرة مفكر ال نظرة ناقل مخبر. فوجد كما بين ه��و في المقدم��ة أن وق��ائع الت��اريخ يح��دث في المجتم��ع )العمران( ولها أسباب فال بد علين��ا أن نع��رف أح��وال المجتم��ع والعمران من خالل التاريخ وكذلك ال بد علين��ا أن ننتق��د الت��اريخ من خالل أحوال العمران. فبين في��ه أن الت��اريخ في��ه مغالط��ات وأخطاء فال بد علينا أن نظر إليها نظر الناقد، وبين في��ه أس��باب وقوغ الغلط، وخط�أ النق�ل. وبين ك�ذلك معي�ار لتفحص األخب�ار

المنقولة في التاريخ.

ال شك أن من المهمات الرئيسية للمؤرخ بعد االطالع على المروي��ات التاريخي��ة ، تمحيص الخ��بر وبي��ان ص��حته أو زيف��ه ، وذلك بعد عرضه على منهج واضح مح��دد المع��الم يرتض��يه ه��و لنفسه ، ذلك أن الخبر بطبيعته يتط��رق إلي��ه ال��وهم والغل��ط أو الكذب أحيانا̀ ، وقد تكلم ابن خلدون في مقدمت��ه عن األس��باب

التي تقتضي الكذب في األخبار فذكر منها :

التشيعات لآلراء والمذاهب.1

ألن النفس إذا ك��انت على ح��ال االعت��دال في قب��ول الخ��برأعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه .

الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح.2الجهل بالقوانين التي تخضع لها الظواهر الطبيعية ..3

Page 2: مهارات و مواصفات المفكر الناقد التي أشار إليها ابن خلدون في المقدمة

والمقص���ود ب���الظواهر: ظ���واهر علم الفل���ك والكيمي���اء والطبيع��ة والحي��وان والنب��ات .. وق��د انتق��د ابن خل��دون المؤرخين الذين ليس عندهم إلمام بهذه العلوم ، فيقبلون األخب��ار ال��تي تتن��اقض تناقض��ا̀ تام��ا̀ م��ع الق��وانين العلمي��ة كالخبر ال��ذي ذك��ره المس��عودي عن بن��اء اإلس��كندرية. أن اإلس��كندر لم��ا ص��دته دواب البح��ر عن بن��اء اإلس��كندرية، فاتخذ تابوت الخشب، وفي باطنه صندوق الزج��اج وغ��اص في���ه إلى قع���ر البح���ر، ح���تى كتب ص���ور تل���ك ال���دواب الشيطانية التي رآها، وعمل تماثيله��ا من أجس��اد معدني��ة، ونس��بها ح��ذاء البني��ان، فف��رت تل��ك ال��دواب حين خ��رجت

وعاينتها. وتم له بناؤها. فعل��ق علي��ه ابن خل��دون وق��ال ه��ذا مس��تحيل ألن��ه يخ��الف ظ��واهر الطبيع��ة. مثال اإلنس��ان يم��وت إذا غ��اص البحر في الزجاج بسبب حرارة اله��واء في��ه وع��دم دخ��ول اله��واء الجدي��دة إلي��ه، وك��ذلك الجن ال يس��تطيع أن يأخ��ذ

صورته وغيرها من األسباب التي ذكرها.[ .1الجهل بطباع العمران ].4

والمقصود بطبائع العمران الظواهر االجتماعية ، كالعادات ، والتقاليد ، والغ�نى ، والفق��ر ، والعلم ، والجه��ل ، وك�ثرة السكان ، أو قلتهم ، وطبيعة الدول...إلخ ، ضمن كل ه��ذه العوامل هل من الممكن وق��وع الحادث��ة أم ال ؟ طب��ق ابن خلدون هذا المنهج في نقده لبعض األخب��ار ، وكي��ف يعت��بر أن العلم بطبيع��ة العم��ران ه��و أهم س��الح يوج��ه للخ��بر التاريخي : وهو أحسن الوجوه وأوثقها في تمحيص األخبار وتمييز صدقها من كذبها ، وال يرجع إلى تعديل الرواة حتى يعلم أن ذلك الخ��بر في نفس��ه ممكن أو ممتن��ع ، وأم��ا إذا

[ 3كان مستحيال̀ فال فائدة للنظر في التعديل والتجريح( ] واس��تثنى منه��ا العل��وم الش��رعية، ألن معظمه��ا تكاللي��ف إنشائية، أوجب الشارع العمل بها. فالمطلوب فيه حص��ول

Page 3: مهارات و مواصفات المفكر الناقد التي أشار إليها ابن خلدون في المقدمة

الظن بصدقها، وسبيل صحة الظن الثق��ة ب��الرواة بالعدال��ةوالضبط.

طبق ابن خلدون منهجه في نقد الخبر وهو : هل يثبت هذا الخبر أوال̀ إذا عرض على قواعد علم االجتماع ، أو أن��ه يتن��اقض مع طبيعة العص��ر وطبيع��ة العالق��ات االجتماعي��ة يومه��ا ؛ وذك��ر أمثلة على منافاة األخبار لطبيعة قواعد علم االجتماع نذكر منها : أ- قصة العباسة أخت الرشيد قال : )ومن الحكايات المدخولة للمؤرخين ما ينقلونه كافة عن سبب نكبة الرشيد للبرامك��ة من قصة العباسة أخته مع جعف��ر بن يح��يى بن خال��د م��واله ، وأن��ه

~ف��ه ] ~ل �ك [ بمكانهم��ا أذن لهم��ا في عق��د النك��اح دون الخل��وة6ل حرصا̀ على اجتماعهما في مجلس��ه ، وأن العباس��ة تحيلت على

التماس الخلوة ، فحملت من جعفر .

ويتابع ابن خل��دون نق��ده له��ذا الخ��بر : )وهيه��ات ذل��ك من منصب العباسة في دينه��ا ، وأبويه��ا ، وجالله��ا ، وأنه��ا بنت عب��د الله بن عباس ليس بينها وبينه إال أربع رجال هم أشراف ال��دين وعظماء الملة من بعده ، والعباسة بنت محمد المه��دي بن أبي جعف��ر المنص��ور بن محم��د بن علي بن عب��د الل��ه بن عب��اس ترجمان القرآن ، ابن�ة خليف�ة ، أخت خليف�ة ، محفوف�ة بالمل�ك

[ الدين البعي��دة7العزيز ، قريبة عهد ببداوة العروبية وسذاجة ] عن عوائد الترف ومراتع الفواحش ، وكيف يس��وغ من الرش��يد أن يصهر إلى م��والي األع��اجم على همت��ه وعظم آبائ��ه ؛ وإنم��ا نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدول��ة ، واس��تنكاف

[ .8الرشيد عن الح~ج�ر واألنفة .. ( ]

كثيرا̀ ما يقع المؤرخ��ون في ال��وهم والغل��ط عن��دما يك��ون الخ��بر متعلق��ا̀ باألرق��ام واإلحص��ائيات ، كإحص��اء الجي��وش ، أو أموال الخ��راج ، وبعض الن��اس عن��دهم ول��ع بتض��خيم األرق��ام ، فيذكرون أشياء تصادم العقل والبديهيات ، وتصادم قانون النمو

Page 4: مهارات و مواصفات المفكر الناقد التي أشار إليها ابن خلدون في المقدمة

السكاني ، وقد انتقد ابن خلدون المؤرخين قبل��ه لوق��وعهم في هذه األغالط ، واعتم��د في نق��ده ، على علم اإلحص��اء ، وتك��اثر

السكان ضمن البيئة الجغرافية التي يعيشون فيها .

يقول : ) وهذا كما نق��ل المس��عودي وكث��ير من الم��ؤرخين في جيوش بني إسرائيل ، وأن موسى -عليه السالم- أحص��اهم في التيه بعد أن أجاز من يطي��ق حم��ل الس��الح خاص��ة من ابن عشرين فما فوقها ، فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون( . يعلق ابن خلدون على هذه الرواي��ة : )وي��ذهل في ذل�ك عن تق��دير مص��ر والشام واتساعهما لمثل ه��ذا الع��دد من الجي��وش ، ولق��د ك��ان ملك الفرس ودولتهم أعظم من ملك بني إسرائيل ، وم��ع ذل��ك لم تبل��غ جي��وش الف��رس ق��ط مث��ل ه��ذا الع��دد وال قريب��ا̀ من��ه. وأيضا̀ ، فالذي بين موسى وإسرائيل )يعقوب عليه السالم( إنما هو أربعة آباء على ما ذكره المحقق�ون ، وك�ان مق�امهم بمص�ر إلى أن خرج��وا م��ع موس��ى -علي��ه الس��الم- إلى التي��ه م��ائتين وعشرين سنة ، ويبعد أن يتشعب النسل في أربع��ة أجي��ال إلى

[ .9مثل هذا العدد » ]

ال ش��ك أنه��ا نظ��رة متقدم��ة ج��دا̀ من ابن خل��دون وهي اكتش��افه لق��انون التك��اثر والنم��و الس��كاني .لق��د ك��ان اله��دف الرئيس��ي عن��د ابن خل��دون من كتاب��ة المقدم��ة ه��و تخليص الروايات التاريخية من الخطأ والك��ذب ، ووض��ع الق��وانين ال��تي تساعد الم��ؤرخ على ع��دم الوق��وع في األخط��اء ، ول��ذلك تكلم عن العمران البشري والق��وانين ال��تي تحكم س��كونه وحركت��ه .

ولكنه فوجئ بأنه أتى بعلم جديد هو بحد ذاته هدف ثمين .