View
312
Download
1
Category
Preview:
Citation preview
أحبِك فِعلا
قصة قصيرة
لـ محمد عمار ياسين
فِعلا أحبكِ
محمد عمار ياسين// بقلم
((1))
اشتقتلك ، وين هالغيبة؟: هو
.بس اشتقتلي؟ : هي
.اشتقتلك وبحبك كتير كمان -
؟بس -
لم يكن يدري هل يشبعها أكثر بالكلمات المعسولة ، وعبارات الحب ، أم يظل صامتا ليريها حبه
! ..بالفعل ال بالقول
حبيبتي ، هل تريدين مني كالما فقط؟ -
ليه انتا ما بتحبني؟ -
.بحبك وكتير ، بس بدي تشوفي حبي فعل ، ما بحب احكي كتير أنا -
كيف؟ -
ي ع باب داركم جاي اطلبك ، وقتها رح تعرفي اني بحبك ، وحتى كلمة بحبك يعني لما تشوفين -
..قليلة بحقك
صمتت سارحة تفكر ، لم يدر بماذا فكرت ، وال هي اجابته على ما قاله لها ، وهذا ما ازعجه ،
ي فهو ال يريد منها أن تشبعه كالما ، فهو ال يحي كثرة الكالم أصال ، ولكن توقع منها أن تقول أ
ان "شيء يزيده اصرارا على ما قال ، أو يشجعه على ذلك ، أو على األقل توقع منها عبارة
:قطعه عن تفكيره ذاك قولها له " شاء هللا ، هللا كريم
.كيف قضيت يومك اليوم؟ -
ترى هل يحدثها عن احوالها بعد حديثهم ذاك أم بعده ، أم هل يحدثها عن احواله قبل تغييرها
أم بعده ، ترى هل يقول لها ما ازعجه ، بأنها لم تلق اهتماما ألمر يحلم به أن يجتمع للموضوع
....هو وهي تحت سقف واحد ، أم هو مجرد موقف عابر ال يجب أن يتم الوقوف عليه
:اختصر على نفسه تلك الحيرة واكتفى باإلجابة
.....الحمدهلل كان تمام -
((2))
ة من مديره تفيده بأنه تم عزله من وظيفته ، في ذات اليوم ، في ذات صباح جاءته مكالمة هاتفي
:أتاه صديقه ليقول له
.ما تحزن يا صاحبي ، عندي خبر الزم أخبرك اياه -
.تراجع مديرنا عن قراره ؟ -
.ال ما تراجع ، شكلو فيه حدا متوصي فيك كتير بتقريره -
معناته شو الخبر؟ -
ا بدي اياك تزعل ، يعني لو مش انا اللي وافقت كان وافق حدا تاني انتا صاحبي من زمان وم -
.
!!اه -
.المدير قرر يعيني بدالك بالشغل -
.مبروك -
كانت هي تعرف بما حل به ، وتعرف بأنه فقد وظيفة أحالمه ، تعرف بأنه يأكل ويشرب ليعيش
الليل عن العشق والوله ، يمّجدها بأرق فقط ، ولكنها كانت تريده دائما كما العادة ، يحدثها طوال
." يحبها"الكلمات وأعظمها ، وكان يفعل ذلك لسبب واحد فقط أنه
بعد أسبوع اكتشف بأنه تمت خيانته على يد صديق عمره وعمله ، ذلك الصديق الذي خانه
عنه مرتين ، األولى عندما طعنه في ظهره عند مديره في العمل ، والثانية عندما أتاه يخفف
.حزنه بنفاق واضح خلفه فرح عارم فاضح
كان يومها في حالة من الموت البطيء وجعاً ، ليس فيه شيء طبيعي ، يقف بعيدا عن الضحك ،
وعلى هاوية البكاء ، ال هو قادُر على الضحك وال هو قادر على البكاء ، كان يريد أن يصرخ ،
، " نكد"كان يعرف بأنها ال تحب ما تسميه أن يكسر كل شيء حوله ، أن يتحدث عما بداخله ،
.لذلك كان يتجنب الحديث عن ألمه عند محادثته لها ، ولكنه قرر أخيراً الحديث معها في وجعه
كان يريد أن يحدثها عن كل ما يؤلمه كما يحدثها عن كل ما يفرحه ، فالفرح والوجع كالهما سواء
، وهي اإلنسانة الوحيدة " فضفضة"و ما نسميه ، كالهما يجعالن من الشخص محتاجاً للكالم أ
.التي ستحتويه بفرحه وألمه ، ليس لشيء سوى أنه أعطاها قلبه قبل أن يعطيها ثقته
((3))
كانا يمشيان في إحدى شوارع مدينتهم الواسعة ، تحدثا بكل المواضيع التي تعشق الحديث فيها ،
:حتى تنهد عميقاً وقال لها
.انا تعبان كتير !! .. بتعرفي شغلة -
؟ليه حبيبي من شو -
......خالل أسبوع واحد ، خسرت وظيفتي ، وصديق طفولتي .. مخنوق -
جلسا على أحد المقاعد العامة ، وأسهب في حديثه ، تحدث كثيراً ، وكثيراً ، تحدث حتى شعر
ه وال حتى بأنه يكاد يموت ، يريد أن بأنه سيبكي ، يريد أن يبكي ليس بسبب أوجاعه وال هموم
يبكي ألنه يراها تعلق أنظارها بكل شيء على الطريق ، منشغلة عنه وعن حديثه وعن قلبه الذي
كان في أمّس الحاجة إليها ، كان هو يتكلم ، وهي تفحص السيارات التي تعبر الشارع ، وإشارة
:المرور ، حتى أنها قاطعته لتقول
..ع اشارة المرور وهي حمرا شوف شوف هاد قط -
أكمل حديثه ، ورآها تستكمل جولتها االستطالعية في المكان ، تفحصت بائع مث صمت برهة ،
العطور ، والشرطي الذي يقف عند مفرق الطرق ، وكل المشاة الذين يعبرون الطريق جيئة
:وذهاباً ، وأخيراً قالت بشيء من العجلة
.، كلو عادي وما بستحق تزعل حالك عشانو طيب حبيبي ، ما تزعل حالك -
عرف من كلماتها تلك بأنها تقول له أن الحوار انتهى وأن عليها الذهاب ، نهضا عن ذلك المقعد
، وأوصلها ألول منطقتهم ثم رحل عنها إلى منزله ، إلى غرفته ، ليجلس وحده ، وتمارس آالمه
..فأكثر ساديتها عليه ، وتجعل منه إنساناً يتحطم أكثر
كان يريدها أن تفهم بأن الحب ليس مجرد اثنين يهيمان طوال الليل في حبهما ، وكالمهما الرقيق
الذي ينساب لقلبيهما كما ينساب النسيم الربيعي إلى مسامنا ، ليعطينا مزيداً من الراحة
عن واالسترخاء ، الكالم في الحب رائع ، ولكنه ليس كل شيء ، في الحب قد نتحدث أيضاً
الهموم ، أي هموم تثقل كاهل أحد األطراف ، ويريد من قلب حبيبه مالذاً له يخفف عنه ألم تلك
.األوجاع
كان يريدها أن تعرف بأنها زادته ألماً بما تقوم به ، فقد كان يتوقع منها اإلحساس به ، ولكنها لم
، كان يريدها أن تعرف بأنه تشعر بوجعه ، وال حتى أعطته آذاناً صاغية لسماع استغاثات روحه
محصوراً في مدة وجودهما معاً أو حديثهما معاً ، بل يريد حبّاً يذهب بروحه -كلماتياً -ال يريد حبّاً
.بعيداً إلى فضاء الراحة ، وتظل جوارحه ثملةً بإحساسها معه ، حتى وإن غابت عنه كلماتها
((4))
حا ، تناول فطوره ، وذهب للشارع ، كي كان يوما عاديا يقتله بروتينه المعتاد ، استيقظ صبا
يتصيد عمال ، أي عمل بدال من عمله الذي سرق منه ، كان دائما ما يفعل ذلك قبل أن يعمل في
تلك الشركة ، وها هو بعد طرده منها يعود لذلك ، يسافر في الشوارع ، يقف في مركز المدينة
، يقف ساعات وربما يحالفه الحظ مع آخرين ، ينتظرون صاحب عمل يريد عماال للعمل لديه
..ربما ال في ذلك اليوم و
:لمحمود درويش ، يقول في نهايتها " في االنتظار"كان يحب قصيدة اسمها
،فان الموت يعشق فجأة، مثلي
روإن الموت، مثلي، ال يحب االنتظا
رونه على فهو هكذا بطبيعته شخص ال يحب االنتظار ، وها هي الظروف ومن ملكت قلبه يجب
....ذلك مستغلين حاجته لهم
كانت هي األخرى بارعة في جعله ينتظر ، ينتظرها لتأتي ، ينتظرها لتذهب ، ينتظرها لتتكلم ،
ينتظرها لتصمت ، ينتظرها بالساعات واأليام ، وربما هي األخرى كما عمله ، قد تأتي ، وقد ال
.تأتي
يابها ، وحينما تأتي بعد يوم ، يتوقع منها أن تثبت له كان دائماً يضع كل المبررات ليبرر لها غ
.(( غباءه))تلك المبررات ، فتثبت له شيئاً واحداً فقط
:تأتي لتقول له
.مبارح نمت وما قدرت آجي .. آسفة -
وأ
.لقيت برنامج روعة ع التلفزيون ، وتابعته ، وما قدرت آجي .. آسفة -
وأ
.مناسب ، وما قدرت آجي ما كنت بمزاج.. آسفة -
....أو ... أو ... أو
كان ال يحب األعذار أبدا ، فاألعذار في نظره مجرد مفتاح لتكرار سبب العذر بعد االعتذار ،
.وأكثر .. ليتكرر نفس االعتذار على نفس السبب مرة ، واثنتين ، وثالث
رامج التلفزيونية ، وأصبح رهناً في أعذارها تلك كان يرى نفسه قد وضع على هامش النوم والب
.ألمزجتها المتقلبة ، أو أصبح أمراً ثانوياً يتم اللجوء إليه في وقت الفراغ ال أكثر
ترى هل يقول لها بأنه ليس ساعة يد تنظر إليها فقط لكي تعرف الوقت ، هل يقول لها بأنه ليس
الدفء ، وتتركه على األريكة معطفاً تلبسه عند إحساسها بالبرد وتخلعه عنها فور شعورها ب
.ليموت برداً بعيداً عن أي مصدر للحرارة
:يتبادر إلى عقله دائما كلمات صاغها قلبه ، ويرغب لو يعاتبها بها ، يود لو يقول لها
يالحب يا عزيزت
لليس مجرد كالم ُيقا
ةالحب إحساس ولهف
لالحب عهود وأفعا
هل يعاتبها أم يظل صامتاً ، ويعود للوقوف على قارعة قلبها ، ينتظر حاجتها له ، ليكون إلى
." وقت الطلب"جانبها
كان دائماً ما يعقد العزم على أن يرحل ، ويذيقها طعم االنتظار األبدي ، وما به من مرارة
.علقمية ، ولكنه يتردد وسرعان ما يتراجع عن قراره ذاك
:ويثمر انتظاره عند مجيئها بكلمات يلفظها بأسف ، ويتمنى لو أن تشعر بها
......بسيطة مش مشكلة ، المهم انك بخير -
((5))
يالي ، أتته هو ورفاقه األوامر ، بأن كونوا على استعداد ألي شيء في أي لحظة ، في ليلة من الل
لم يكن يدري ال هو وال رفاقه سبب تلك األوامر ، كون الوضع هادئ وليس هناك ما ينذر
.لهجوم محتمل للصهاينة ، ومع ذلك فقد تجهز ورفاقه لهجوم محتمل على مدينتهم
وماً ألي شيء ، توشح كوفيته ، وحمل رشاشه الذي لم يستخدمه وككل الفلسطينيين المستعدين د
القضية حالة من سبات المفاوضات المشتتة المبهمة ، منذ أن أصبح منذ سنوات ، منذ أن دخلت
، ذهب وودع أمه وأبيه واخوته ، وتلثم بكوفيته " خاليا نائمة"يطلق عليه هو وأقرانه تنظيمياً
.الصابرة وخرج من المنزل وسط دموع أمه
كان يرغب بالمرور على غاليته يودعها ، فهو ال يعرف ماذا ينتظره ، ولكنه ظل متوجها إلى
ثغور المدينة ليرابط فيها بقية الليل ، فسواء ودعها أو لم يودعها ، فهي لن تلحظ غيابه ، كما ال
.تلحظ حضوره
المضيء ، وكأنها تقيم حفال من كانت ليلة صافية متوسطة البرودة ، نجومها تتألأل حول قمرها
.نوع ما ، ألجل شيء ما
وكعادتها لم تفارق مخيلته للحظة ، رآها في تلك النجوم ، في القمر ، في سواد الليل ، في
.الصخور التي يرابط خلفها ، حتى في بندقيته
انت سترجوه وتخيل لو أنه ذهب ليقول لها بأن وطنه ناداه وهو ذاهب ليلبي النداء ، ترى هل ك
.أال يذهب؟ ، أم ستسلّم من البداية بأنه سيذهب سواء قبلت أو رفضت؟
هل سيأخذ برأيها إذا قالت له أال يذهب خوفاً عليه ، هل كان سيضعف أمام دموعها .. وهو
.ويعدل عن الذهاب للمجهول؟
اعة تامة بأن لقد كان دائما يحمل فلسطين في قلبه ، ويضعها فوق كل من فيه ، كان على قن
فلسطين التي ُولد على أرضها ، تربى في أحضانها ، لعب في حاراتها ، هي التي تستحق كل
الحب والوفاء ، واذا تعارض حبه ووالئه لوطنه ، مع حبه او حتى عشقه العظيم إلحداهن ، فهو
أقرب سيقدم عشقه الوحشي لوطنه ، وُيسقط غيره من انواع الحب وان كان حبه لوالديه ، وهم
.الناس إليه
.معقول اليوم نستشهد؟ -
لم يفاجئه رفيقه . سؤال تبادر إلى ذهنه فجأة ، ثم إلى لسانه مباشرة ، وطرحه على مسامع رفاقه
:، عندما قال له " مجد"
.ليش يعني خايف؟ -
.أل ، بس مجرد سؤال -
.بيحبونا ويا سيدي ، نستشهد ، فدا هالوطن ، فدا امي وامك وكل اللي -
هكذا هو الفلسطيني ، على استعداد أن يبذل روحه فداءاً لوطنه ، والتي ستكون أيضا فداءاً لكل
شعبه البطل ، فدائما ما يكون الفدائيين هم الحاجز بين حياة شعبهم ومماتهم ، لذلك نراهم يقاتلون
باقون ما بقي هذا الوطن بشراسة ، مستعدين لتفجير أنفسهم دفاعا عن الوطن ، فأهلهم وأحبائهم
.
كانوا في تلك الليلة مرابطين في جهة من جهات المدينة ، كانوا خمسة عشر مقاتل ، خمسة عشر
شخص قد عقدوا اتفاقا مع القدر وقعوه بعزيمتهم وشهدت عليه إرادتهم ، مضمونه موافقتهم على
...........أن يكونوا مشاريع شهداء ، في اشتباك أو توغل أو غارة مفاجئة
((6))
كانت ليلة يحتفل فيها الصمت مع الظالم بتناغم كئيب ، يجعل من مهمة المرابطين أخطر ،
فالصمت يصّم آذانهم ، ليعطيهم حالة من اليقظة الدائمة اإلجبارية ، في انتظار ما سيخرق هذا
..الهدوء ، والظالم يعمي أبصارهم فيجعل من مهتمهم أصعب
آبة طريقاً لتالمس قلبه ورفاقه أو تحّط قيد أنملة من عزيمتهم ، فقد ومع كل هذا ، لم تجد الك
.ية أهلهم وأحبتهم ، وليس لمجرد تنفيذ أوامر أصبحوا على قناعة تامة بأنهم هناك لحما
..وانتصف الليل
..ذهب لمكان ليس ببعيد عنهم ، وسرح بتفكيره
حوله ، وفي أوقات األزمات هو ال الفلسطيني محكوم بالظروف ، في أوقات الهدوء هو لمن
يملك نفسه ، فهاهم من حوله قد تركوا كل من لهم وأتوا ، تركوا آبائهم ، أمهاتهم ، زوجاتهم ،
.أوالدهم ، كما هو ترك حبيبته وأتى
على ذكرها تذكر بأنه كان أحياناً يتحدث معها عن وضع القضية المستفز ، الذي يمر بمرحلة
كان يرى . لب هذا الشعب الصامد ، بل واستهتار في أرواح شبابه وأطفاله من االستهزاء بمطا
صور األطفال والنساء يستشهدون تحت أنظار كاميرات التلفزة المحلية والعالمية ، لتثير هذه
الصور مشاعر الماليين حول العالم ، أعرابه وأعاجمه ، وال تثير مشاعر حاكم لدولة واحدة ،
ترى هل حكام الدول مخلوقات تختلف عن أفراد الشعب الذي تحكمه؟ ، أم كان دائما يتسائل ،
أن الحاكم يعطي ضميره إبرة مخدرة ، لتخدره طيلة فترة حكمه ، والتي غالباً ما تكون عند
.العرب طيلة فترة حياته؟
ما الذي كان ال يعرف سبب الحديث معها في مثل هذه المواضيع ، ربما لكي يجعلها تعرف
يحدث حولها كونها فلسطينية مثله ، وفلسطين وطنها كما هو وطنه ، أو ربما لكي يهّدئ من
كان يتحدث إليها في تلك األمور مع .. ضجيج روحه التي تضج بكل األحاسيس بعد كل مجزرة
:معرفته المسبقة بما ستقوله ، سواء عندما ينتهي من حديثه ، أو مقاطعة له
؟شو جاييك من هالحكي غير وجع الراس.. ش مقلق حالك انتا؟ لي.. حبيبي -
كما تقول دائماً ، " هواياتها"بالتأكيد كان هذا الحديث عديم األهمية بالنسبة لها ، كونه ليس من
ولكنها ربما كانت على حق بأنه مؤلم له ، ولكنه ال يسبب له ألماً في الرأس ، إنما ألماً في القلب
وبة التي داسها الصهاينة ، العروبة التي عجزت عن تحرير شبر واحد من أرض ، ألماً في العر
.يتم اغتصابها كل يوم منذ ستون عاماً
كم كان يتمنى أن تفهم بأن الذي استشهد باألمس هو بشر ، من لحم ودم ومشاعر ، له أهل
ربما يكون أخاها أو وأحباب وأصدقاء ، كان يتمنى لو أنها تفهم بأن الذي سيستشهد اليوم أو غداً
...أو حتى هي .. أخاه ، أو يمكن أن يكون هو
::تبادرت إلى لسانه كلمات ربما صاغها له الموقف ، أو ألمه على ما وصل إليه شعبه
ادون جريمة يرتكبه
هتصدر في حقه اإلدان
ممذنب هو دون اهتما
ةلعمره ، لجنسه ، أو الديان
"فلسطيني"يكفي االسم
ةليكون ضحية قذيفة غادر
ةجبان
((7))
كان الجميع ال يدري ما ينتظره في نهاية هذه الليلة التي ال تريد أن تأتي ، فقد كانت ليلتهم
..طويلة ، قلوبهم معلقة بمن تركوا خلفهم ، وأبصارهم مركزة على حدود المدينة
ان يطرح تساؤل دائماً على كان حائراً وتائهاً في ذلك المكان ، مبعثر المشاعر واألحاسيس ، ك
نفسه ، هل تفكيره فيها طبيعي في هذه األثناء ؟ ، أم أن في تفكيره فيها في مثل ظروفه الحالية
.لجنون؟ ، ولكن ما الفرق بين جنون موقفه وجنونها هي أصال ؟ ضرباً من ا
بعدها تطورت كان جنونها الطفولي في البداية يروق له ، يحبه مع أنه يؤلمه أحياناً ، ولكن
طفولتها تلك إلى شيء من عدم االكتراث ألي أحد ، وهو أولهم ، كانت ترميه بأفعال تخترق
قلبه ، خاصة تلك األفعال التي ال تقتصر فيها على استفزازه فحسب ، بل استفزازه ، وضربه
.في مقتل
ويدخل مرحلة كان جنونها ذاك يتمادى أكثر وأكثر ، ليخرج من مستوى العفوية الطفولية ،
..، حتى وإن كان إصرارها ذلك على حسابه هو -ربما-اإلصرار على الخطأ غير المقصود
تذكر وعودها غير النافذة دائما ، في كل الظروف واالحوال وأحياناً على نفس األمور ، تنقض
نها أخطأت وعده ، يناقشها ، فيتبين له أنها تعرف بأنها نقضت وعدا ، وتعرف ومقتنعة تماماً بأ
، وأنه إذا قام بنفس الفعل سيؤلمها ذلك ، حتى أنها لم تترك له مبرر نسيانها للوعد على االقل ،
:فتقول له
." ...عادي"اه بتذكر مزبوط حكيتلك هيك ووعدتك ، بس مش عارفة خلص -
، ولكن تلك دائما ، في كل مرة تنقض وعداً في اليوم التالي من عمره " عادي"تقول له كلمة
، تعده مرة أخرى على عدم " عادي"عند قيامه بنفس الفعل تنقلب األمور ليصبح األمر غير
المفرغة رجالً أصبح يرى " عادي"، وهكذا ابتلعت دائرة الـ" عادي"تكراره ، وتعود لكلمة الـ
." .عادي"نفسه هو اآلخر أقل من الـ
بة ، صوت على بعده اخترق كل الهدوء قطعه عن تلك الدوامة المتناقضة ، والمشاعر المتضار
من حوله ، صوت يعرفه جيداً ، صوت لشيء كان يمر منذ سنوات ليست ببعيدة ، بجانبه وهو
على الحواجز العسكرية الصهيونية ، كان صوت دبابة ، وليس دبابة واحدة ، بل قطيع من
............ئعة للموت الدبابات التي يبدو من سرعة دنو صوتها بأنها متخمة بالذخيرة ، وجا
((8))
كانت تجلس وحيدة تلك الليلة ، تفتقده فيها أو تفتقد فيها كالمه الذي تعشقه من كالم حب وهيام ،
وكان قد رحل وهي تعرف بأنه غير راٍض أبداً عن أساليبها في التعامل معه ، فهي تعرف جيداً
ا عاملها هو بها لن تكون سعيدة أبداً بأنه يموت وجعاً منها ، وتعرف جيداً بأن أساليبها هذه إذا م
تعرفه جيداً ، ولكنها بها ، تعرف جيداً بأنه ال يعاملها بها ألنه ال يريد أن يجرح قلبها ، كل ذلك
ال تدري لماذا تفعل كل هذا ، كانت تسمع من الجميع بأن الحب اهتمام ، وأن االهتمام ال يطلب
ا غير قادرة عليه ، في كل مرة ال تستطيع قول ذلك ، بل يكون بفطرة العاشق والعاشقة ، ولكنه
له ، ولكنها بالفعل غير قادرة على ذلك ، ألسباب ال تعرفها ، ربما هو دالل زائد تحّول إلى
هل يعقل بأنها ال تحبه؟ ، أو أن كل ما تشعره تجاهه هو ربما نوع من ... أنانية جنونية ، أو
.قها؟ حب األخت ألخيها ، أو حب الصديقة لصدي
كانت واعية لكل شيء تفعله ، ولكنها ال تستطيع إيقاف نفسها عن فعله ، حتى عندما تراه في
قمة اختناقه وألمه ، فإنها ال تحيد عن أساليبها التي تراها هي نفسها بأنه من غير المنطق أن
ا حواسه تصدر من حبيبة بحق حبيبها ، وخصوصا بأن ذلك الحبيب أشعل لها قلبه حباً ، وملّكه
.عشقاً
كانت تعرف تماماً بأنه ال يستطيع االستغناء عنها ، وأنه يحبها ربما أكثر من مقدار حبها له ،
بل من المؤكد ذلك ، فكل شيء فيه يفضح ذلك ، كالمه ، اهتمامه ، خوفه وغيرته عليها ، لذلك
اقتراح ذلك االقتراح الذي وكونها تعرف بأنه ال يستطيع فراقها ، فقد كانت دائماً تمنع نفسها من
سينهي ألمه ، وهو أن ينفصال ، وأن يسلك كل واحد منهم السبيل الذي يجعله مرتاحاً ، لك تكن
تدري ما الذي يمنعها من ذلك ، خوفها من خسارة إنسان لن يحبها أي شخص آخر بمقدار حبه
أكبر من جرحه في عليه ، وال تريد برحيلها أن تجرحه جرحاً " تشفق"لها ، أو ربما كانت
.وجودها
رحيلها هو الحل الوحيد لوضع حدا أللمه ، سيتألم بعدها ربما أياماً وربما .. ولكنه الحل الوحيد
أشهر ، ولكن من المؤكد أن يجد اإلنسانة التي تستحق منه كل ذلك الحب ، فهي على يقين بأنها
ك أخذت قرارها بإنهاء العالقة بينهما ، ال تستحقه ، وال تستحق منه كل ذلك الحب والوفاء ، لذل
غداً صباحاً سنتهي كل شيء ، ليرتاح هو ، وترتاح هي ، لعل إحساسها بالذنب تجاهه سيزول
.ولو بعد فترة
وبدأ صوت الرصاص البعيد يشق مسامعها ، ترى هل هو من هذا االتجاه أم من ذاك؟ ، أطرقت
....تجاهات ، ومن ضمنها االتجاه الذي يرابط فيه هو السمع قليال فعرفت بأنه قادم من جميع اال
كانت المعركة تشتد أكثر وأكثر ، وأهل المدينة ينتظرون مع علمهم المسبق بنتيجة تلك المعركة
، عندما انقطعت االتصاالت بين المجموعات الموزعة حول المدينة ، وسماع صوت رصاص
ك وسط تكبيرات شيوخ المدينة ، واستعداد باقي الحرية ، تقابله قذائف الظلم والقهر ، كل ذل
.شبان المدينة للمواجهة التي ستمدد إلى شوارع مدينتهم
.بدأ صوت رصاص االسلحة الرشاشة الخفيفة يقل ، ويطغى عليه صوت قذائف بني صهيون
نفس وصل أحد المقاتلين إلى المدينة سيراً على األقدام ، وقد اخترقت ذراعه شظيه ، كان على
، جاء إلى أهل المدينة بأنباء تفيدهم ولكنها ستؤلمهم في نفس " هو"الجبهة التي يرابط فيها
دبابات ، وأن آخر اتصال بينهم وبين 3الوقت ، قال لهم بأن االقتحام من جهته يتم بواسطة
ر رفاقهم على المحاور األخرى يفيد بنفس المعلومة ، ونقل لهم معلومات عن الطرق التي ستسي
بها تلك الدبابات ، واألماكن التي يجب أن يتم وضع األلغام فيها ، وكذلك نقل لهم بأن كل من
على جبهته قد استشهدوا عدا اثنان ، اقترحوا عليه أن يرجع للمدينة كونه مصاباً ناقالً ألهل
ن المدينة المدينة المعلومات ، وهم سيقوموا ما بوسعهم لتأخير الدبابات القادمة حتى يتسنى لشبا
." هو"و " مجد"كان من بقي هم .... تجهيز االستقبال المزين باأللغام
توقف صوت الرصاص والقذائف ، وبدأ صوت الدبابات بالدنو أكثر فأكثر ، والجميع متأهب
.داعمة لقضيتهم " دولة"ليرى نتيجة تلك األلغام التي وصلت للمقاتلين حديثاً ممن حولهم من
في صباح اليوم التالي كانت المدينة قد فازت في أولى جوالتها ، واأللغام أجبرت الدبابات التي
تبقت على االنسحاب ، كان بنظر أهل المدينة انتصار بطعم مر ، فقد أجبروا الدبابات على
االنسحاب ولكنهم خسروا أرواحاً لخيرة شباب المدينة ، الذين واروهم ثرى وطنهم في ظهيرة
.، وكذلك كانوا يترقبون الجولة القادمة وما يخبئه لهم محتل غادر " االنتصار"م يو
في مساء ذلك اليوم ، حمل الشاب الذي رجع إلى المدينة ورقة إليها ، كانت قصاصة ورق
:معطرة بعبير البارود ، مكتوبة فيها رسالة على عجل ، كانت منه إليها ، مكتوب فيها
، لم -على األقل حتى اآلن-الة فمن المؤكد أن استشهادي كان ذو نتيجة إذا قرأِت هذه الرس"
تغيبي عن بالي للحظة واحدة ، فقد كنت حاضرة حولي ، سامحيني إن فهمتِك يوماً على خطأ ،
"،أحبِك فِعالً ،،،،،،.... وال تبكيني فأنا اآلن ربما أراكي ، وإن بكيِت لن أكون مرتاحاً لذلك أبداً
** تمت**
Recommended