70
1 ﺍﻟﻠﻴ ﺍﻟﻨﺺ ﻗﺮﺍﺀﺍﺕ ـ) ﺍﻟﺜﺎﱐ ﺍﳉﺰﺀ( ﺍﻟﻨﻮﻳﺼﺮﻱ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺭﺍﻣﺰ ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ ﳎﻠﺲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ2008

QeraatFiEnnasElibi_02

Embed Size (px)

Citation preview

1

يبـقراءات يف النص اللي

)اجلزء الثاين(

رامز رمضان النويصري الناشر

الثقافة العامجملس 2008

2

اإليداعرقم 833/2008

الدويلالترقيم

1-756-9959-978 الغالفتصميم العباينعلي

الغالفلوحة

ديهومحسني

3

األهداء

إليها جتاوزنا الدرس منذ البداية

أكثر قدرة على املناورةصرت قدرة على التجاوزأكثر

زوجيتإىل

4

ةـقدمـم

فـي خدمـة الثقافـة، ى الثقافة وعماال، هيئة ترعاسمحوا لي أن أبدأ بتحية مجلس الثقافة العامهذا الكتاب، وتفضلوا مشكورين بقبولهم الجزء الثـاني الذين تفضلوا بطباعة الجزء األول منو

. من هذه القراءاتقراءات في الـنص (وسأكتفي هنا باإلجابة على سؤال مجموعة من األصدقاء في سبب التسمية

.المقدمات ، دون)الليبي في النص الليبي؟ قراءات: لماذا -

وقصدتها فعال فهذه القراءات هي محاولة للوفاء ببعض . عد للكتاب واقرأ اإلهداء: أجبت مباشرةمما منحنيه أدباء وكتاب ليبيا من عوالم دخلتها دون إذن، أردت الباب لم أطرق دخلت مباشرة،

للكاتب ) الشارع الغربيحكايات (في المجموعة الكاملة، و" علي الفزاني"الشاعر وكانت الفاتحة ، ثـم ، وكنت وجدتها في مكتبة منزل أحد األصدقاء فاسـتعرتها لليلـة "خليفة حسين مصطفى"

لقد اكتشفت أن خلف البـاب عـوالم . واظبت على اقتناء أكبر قدر من إنتاج أدباء وكتاب ليبياقراءة ما أستطيعه حولتني عن النتاج العربي لفترة تفرغت فيها ل تحمل من الدهشة الكثير، عوالم

ولن أصف هذه المحاولة بالوفاء، بقدر مـا . من األدب الليـبي حتى تحولت غرفتي إلى ازدحامباختصار هي قراءات فـي . هي محاولة إلدارة ما قرأت، أو إعادة إنتاج القراءة في نص مواز

:ءات إلىوفي هذا الجزء رأيت أن أقسم هذه القرا. النص، تحاول الوقوف عن لحظاته الخاصة .ويهتم هذا الجزء بقراءة التجارب اإلبداعية: قراءات في التجربة - ويهتم هذا الجزء بقراءة مجموعة من المجموعات : قراءات في الشعر والقصة والرواية -

.الشعرية والقصصية والرواية .هذا الجزء يهتم بقراءة مجموعة من النصوص الشعرية: قراءة في النصوص -

أتركـكم للـقراءة

5

جربةـفي الت قراءات

التليسي واألسئلة المبكرة لماذا تبهرنا كتابات الكوني؟ الـنـقـد والـنـقاد

مدخـل لمـسألة الشـعرية الليـبية

6

*واألسئلة المبكرة .. التليسي

تميـزت في رحلة عطائـه التـي " خليفة التليسي"ال يخفى على إي كان، الجهد الذي اطلع به األستاذ للكثيرين، ومناطق زخـم فكـري وإبـداعي، بالكثير من اإلسهامات التي ظلت حتى هذا الوقت منهال

ومن خالل هذه الورقة نقدم لبعض األسئلة المبكرة التي طرحها .. تعكس جدية الطرح والسعي الدؤوبكـرة، كـان الـوعي ، وهي مجموعة من األفكار كان تناولها في مقاالته في فترة مب"التليسي"األستاذ

الثقافي العام فيها في بداية تشكله، وهذه الكتابات تعكس أراء أستاذنا الكبير، وتقدم رؤيته التي ناقش بها المواضيع التي تناولها، حيث نكتشف الجدية المقنعة، والحياد الكبير في تناوله للمنتج اإلبداعي، وهـذا

.طرح لنا الموضوع كما هو، أو كما ينبغي أن يكون بتجردبقدر ما يدخلنا في أحكامه القاسية أحيانا، ي

..سؤال الشعر؟، والذي بحث بجد في ماهية النص الشعري المطروح )هل لدينا شعراء؟(من منا ال يذكر هذا السؤال

في وقته آن ذاك، لقد فجر هذا السؤال أحد أهم قضايا اإلبداع في بالدنا وفي فترة مبكرة، سؤال الشعر ، إال إنهـا كانـت بحـق 1التي كتبت بها هذه المقالة وقتها) الحقيقية(ة هذا الشعر، ورغم القسوة وماهي

وهو وحتى إن اعتمد مقارنة النتاج المحلـي .. السؤال الباحث عن ماهية لهذا النتاج اإلبداعي المطروحشعري المحلي في تجربة بالنتاج العربي األكثر تجربة، ومطالبته بتمثله واقتفاءه، بمعنى قراءة النص ال

، لكننا نقف من خالل هذه المقالة على الوعي الحقيقي في التعامـل 2)وهي نقطة نختلف حولها(موازية مع النص الشعري، والبحث الحقيقي في ذات النص والتعويل عليه لخلق منـاخ ثقـافي قـادر علـى

لنسيج العام، هو ما يقرب رؤيته فـي ولعل انعطافه إلى الشعر الشعبي في مقالته وذوبانه في ا.. العطاءضرورة أن يمتلك الشعر للثقافة والتاريخ الكفيلين بتكوينه التكوين الصحيح، بحيث ال يكون الشعر شعر

.مناسبات ومجرد نظم للكلمات

..عن الذاتية وسؤال الذاتع باإلبداع، ومقالتـه ومن القضايا التي طرحها أستاذنا، موضوعة الذاتية في اإلبداع وعالقة ذات المبد

، هي من أولى الكتابات على الصعيد المحلي التي تناولت هذه القضية، وكان قد لمح 3)الذاتية واإلبداع(لهذه الموضوعة وعالقتها بالشعر، وها هو يعود لهذه الذاتيـة ) هل لينا شعراء؟(في أحد فقرات مقالته

ي نهضتنا الناشئة نحتاج إلى أن نمـارس جميـع ونحن ف: (... يقول في هذا المقال.. في مقالة مفصلةالتجارب، وأن نعبر عنها سواء كانت ذاتية خالصة أو كانت منطلقة من نطاق الذاتية إلى النطاق العام،

...).ومن المؤسف أن تساهم أسباب مختلفة في قتل هذه الذاتية، أي في خنق بذور اإلبداع في نفوسنا، تتكشف لنا من خالل أحد ارتكازاته، أحد أهم )الذي توقفت عنده كثيرا(وفي قراءة موازية لهذا المقال

قضايا اإلبداع في وقتنا الحالي وأعني عالقة المبدع والمتلقي، فبقدر الذاتية التي صار عليهـا اإلبـداع اعر صار المتلقي بعيدا عن هذا اإلبداع، فنحن بالمتابعة يمكننا الوقوف على المرحلة التي كان فيها الش

صوتا للجماهير، ومن ثم كيف خلصت الجماهير إلى كياناتها المستقلة فوجد الشاعر أو المبـدع نفسـه خارج الحسابات، فمارس هو أيضا بناء كيانه المستقل، الذي نأى به عن المتلقي ألنه لـم يحـاول أن

ا أننا لم نعود القارئ حتى وأوله": (... التليسي"يقول األستاذ .. يسمعه صوته عندما كان الصوت هناكاآلن بأن يصغي إلينا ونحن نتحدث إليه عن تجاربنا الخاصة، وكثيرا ما وأدنا أفكارنا وخنقنا مشـاعرنا وأحجمنا عن الكتابة عنها باألسلوب المباشر خوفا أن يتهم األديب منا بالتبجح والغـرور أو أن ينشـر

كثر من نقطة في عالقة الذاتية باإلبداع، ناحيـة مـنح ، وفي هذا المقال يلمح أل...)غسيله على الناسالنص أكثر رحابة، وأيضا المتلقي أكثر فرصة للتلقي، وهو أيضا يلمح إلى الطوق االجتمـاعي الـذي يحياه المبدع والذي يحد من انطالقته للتعبير أكثر عن ذاته، التي تتحول من مجرد أنا إلى جسر يعبـر

7

خر، وكأن العالقة هي بحث في اإليجاد، إيجاد الذات في النص، سواء كانت عليه المبدع إلى وجدان اآل .هذه الذات ذات متلقية أم مبدعة

..سؤال التجربة الجديدة

، )رحمـه اهللا (علي الرقيعـي /أولى مجموعات الشاعر 4)الحنين الظامئ(هنا يأخذنا السؤال إلى مقدمة لى احتفالية بهذا المولود البكر، متعدية إياه إلى بحث فـي وفي هذا التقديم ال تتحول الكلمات واألسطر إ

.النص الشعريمرجعية المشرق العربي في اإلنتاج الشعري الليبي، وأنه " خليفة التليسي"في هذا التقديم يتلمس األستاذ

ـ ل المصدر الثقافي األول، والمحرك األهم في العملية اإلبداعية، لكنه أيضا يلمح إلى ضـرورة التعوي، هو في حقيقته محـاوالت جبـارة (...على الشخصية المحلية حيث إنه يرى إن إبداع هؤالء الشباب

...).لخلق أدب ليبي،كما تعامل (وهو في هذا الديوان يتلمس الكثير من الجوانب التي استطاعت أن تقدمها المدرسة الحديثة

" الرقيعـي "اإلبداع من خاللها، واستطاع ، وقدرة الشعراء الشباب على)عةومعها من خالل تقديم المجمكأول الخطوات لمنهجية " التليسي"أن يقدم صورة واضحة لواقعه ولشخصيته، وهو ما يفترضه األستاذ

.مستقلة

..عن سؤال الحداثةالتـي نشـرت خـالل شـهري 5)كالم في الشـعر (في هذه المقالة .. إنه الصراع بين القديم والجديد

، نكتشف الوعي الحقيقي في التعامل مـع )أشد فصول الصيف حرارة(هانيبال /ناصر وأغسطس/يوليوبتلمس المنجزات الحديثة وأثرها في اآلخر، وتعلق " خليفة التليسي"مسالة الحداثة، حيث يبتدئها األستاذ

اآلخر بهذه المنجزات وانحيازه التام لكل ما حديث، وهو في ذات االتجاه يسبر غور تدخل العلوم فـي وال شك إن عصرنا هذا طغت فيه اآللة طغيانا : (... يقول.. مل العمليات الحياتية، واتجاهه للتفسيرمج

جائرا، وبسطت سلطتها على كل مناحي الحياة، واستغلت مواهب الناس استغالال يخشى أثـره علـى ، ومـن ...عندهم،، لقد أصبح الناس يقدرون األشياء تقديرا نفعيا، فكل نافع جميل ...صرح الحضارة،

، ومن ثم يخرج بهذا إلى الشعر، معـوال ...)هنا انصرف الناس عن الشعر الستحالة الفائدة المادية منهعليه كقيمة تمتلك مقوماتها التي تكفل لها البقاء، بحيث تتوازى مع الحياة وتتعاطى معها، لذا فإن الشعر

نه استقطاع من هذه الحياة، ومقدرة الشـاعر ليس مجرد أوزان واستعارات وتشبيهات وألفاظ منمقة، إ .على االنوجاد في نصه

..محاولة للخروج

وحتى ونحن نبحث في الكثير من هذه األسئلة، فإن الكثير من الموضوعات الموازية تتفتح أمامنا، ملقية ق كنـا كسـبنا قده، ألننا بحـوالذي نفت" خليفة التليسي"بالضوء على البعد النقدي الذي اطلع به األستاذ

.إرثا نقديا مميزا لمسيرتنا اإلبداعية في ليبيا :وفي بحثنا هذا سنكون واقفين ونحن نستقرئ هذه الدالئل، عند مجموعة من النقاط

كانت الرؤية النقدية محددة االتجاه، بحيث كانت تتجه للنص أو القضية الموضوع واالشتغال عليهـا - .مباشرة، دون فصلها عن توابعها

كان يتم بمستوى أدائي ثابت يتغير طبقا للتغير العام، ) التي عرضنا بعضها(التعامل في هذه األسئلة - .حيث التعامل بذات المصطلحات دون تعارض، وطرح األفكار دون تشويش

وضوح القصد في البحث عن هوية لألدب الليبي، أو مالمح تخدم اإلبداع، وتخرج به مـن دائـرة - .اذ الممثل في الشرقالتبعية لألست

8

التعويل على الشعر كقيمة تملك مقومات وقوفها دون الحاجة ألي عصا ارتكاز، فالشعر ينهض مـن - .داخله، ال من خارجه

الوعي الكبير بمعنى الحداثة، وأنها ليست الصراع بين القديم والحديث، وأنها منظومة يشتغل الجميع -وأن الحضـور .. يعتمد على قدر من التواطؤ بين المبـدع والمتلقـي بها، وأن التلقي تبعا لهذه العملية

.الحقيقي للمبدع هو حضوره في نصه

:الهوامش 22/12/2002-21.. بنغازي -، التي ينظمها مجلس تنمية اإلبداع الثقافي"التليسي"ورقة مقدمة في احتفالية * .20/10/1952-13-6:، بتاريخ)الليبي(بصحيفة ) هل لدينا شعراء؟(نشرت مقالة -1-22: بتـاريخ ..3850: : بصـحيفة الجماهيريـة، العـدد ) عاما على سـؤال الشـعر 50(راجع مقالي المعنون -2

).هل لدينا شعراء؟(خليفة التليسي /، حيث أعدت فيه قراءة مقالة األستاذ23/11/2002 .31/4/1960: ، بتاريخ)طرابلس الغرب(بصحيفة ) الذاتية واإلبداع(نشرت مقالة -3 .1957مجموعة شعرية، صدرت في العام ) الحنين الظامئ. (علي الرقيعي -4 .8/1951-7، بتاريخ )طرابلس الغرب(نشر هذا المقال في صحيفة -5

.2005شتاء –السنة الثانية – 5:العدد.. مجلة المجال

9

لماذا تبهرنا كتابات الكوني؟ )أرباب عبدناهم خارج قلوبنا أزالم كل بيت أقمناه خارج أنفسنا بهتان، وكل(

بيت في الدنيا، وبيت في الحنين: من رواية

.لماذا تبـهرنـا؟": إبراهيم الكوني"السؤال يطرح نفسه، وأنت تتابع كتابات . 1

لن تكون الصحراء جوابا شافـيا، كونها ميزت نصه، حتى سمي لها أدبا وكتابة، كما البحر والمدينـة .ا وأزقتها، وبيدين مجردتين لن نكتب شيئا عن السماءفي حوريه

، لكـن الصـورة التـي نعرفهـا "الكوني"سأجد الكثير ممن يؤيدون فكرة الصحراء تميزا في كتابات

للصحراء هي ذاتها ولم تتغير، وأن زادتها تقلبات الطقس قسوة وغبارا، فالرمال في حركـة دائمـة، ما الجميل في هـذا .. ستمتع بالشساعة فتتمطى كما طاب لها وتستعرمخادعة نظرنا الساكن، والشمس ت

السكون األصفر؟، والبعيد الخادع اليالعبك لعبة المالحقة، حتى يرميك في صدر بألف ألف نهد اسـمه وحتى وأنت تستجير بالجبال أو الصخور الناتئة فيهـا، فأنـت .. الرمل، صاديا مشقق الشفتين والقلب

.خر، وساكنيه البهم، وعازفي مزامير الليلتهرب إلى نار الص؟، األمان اليحـول الصـحراء معينـا ال "الكوني"في نصوص 1أين األمان القادر على التسرب روعة

تنضب حكاياته، فتدب الحياة في الصفرة الموحشة، وتسكن األلفة تالل الرمال، وتغدو األودية احتفـاال .رة المبهرة؟كيف تحولت الصحراء هذه الصو.. صاخبا

.. النصوص، حتى لحظة غفلة منها، أتسرب فيها تحت الثياب، متعلقـا بـالحزام مأحب الوقوف أما. 2

التي وقفت تتأملها، في حجم الثياب إلى الحشو 2من هكذا منطقة يكون الوقوف آكد على حقيقة التركيبةالتي ) إن كانت(ستنكشف الحشوات ، كما)كأحد وحدات اإلبهار(، وكذا نسبة رسم أبعاد الجسد )الجسم(

تظهر استقامة الكتفين، وارتفاع الصدر ودقة الخصر، فالجمال المتقصى في الصورة أمامك، في ستره .مجموعة من الحشوات، السهل تغييرها تبعا للحال

مـا أقترب أكثر، ألقول هي محاولة للتسرب تحت الثياب، لتتبع منبع اإلبهار، دون حاجة للتعويل على

في هذا المقام، اللغة هي الثوب الذي يظهر فيه النص كجسد قائم، أما السرد فهو آليـة (ترسمه الثياب هذا لـن يمنعنـا مـن .. ؟"الكوني"لماذا تبهرنا كتابات : ، معيدين في تسربنا)انحدار الثوب وتصميمه

في رواية " الكوني"ته، يقول التوقف عند الثياب، من باب قياس حدة اإلبهار في ستر الجسد، وتعمده آليقـرص الشـمس وراء الجبـل ء، اختبـا !!اختباء قرص الشمس وراء شجرة األثل منـاورة ): (الفم(

.3!!)منفى !!حالة واقعة، أم يؤسس؟" الكوني"هل يرصد . 3

ة ومبدأ السؤال هو فرضي.. آثرت أن أبدأ من هذا السؤال، طالما األسئلة مفاتيح العبور والظفر بالنتائج، كنص سردي مكتف، ومنغلق في حدوده فيما يقدمه مـن قيمـة إبداعيـة "الكوني"أناقش فيها رواية

، إذ أفترض أن النص يعول على قيمة موازية تحدد اتجاه النص ومسيرته في إنتـاج الكاتـب، )كأدب(كنني توصـيفا هذه القيمة الموازية، هي القيمة المفترض أنها سر التواصل واالتصال كحالة إبهار، ويم

أول يوغل فيه داخليا، وثـان : ، كبعد يتحقق فيه الكاتب، في هدفين اثنين)القيمة االجتماعية(تسميتها بـ .يتقصى فيه ما يكون

10

هكـذا .. ال فرق بين الثلج والصحراء، كالهما شاسع سقفه السماء، وكالهما يلتهب، لكن بطريقتـه . 4

معطف بدل الجلباب الواسع، والطاقية بدل العمامة، والشال بدل يتحول الصحراوي إلى ثلجي، يرتدي المتقابلة، لكنها في المرحلة الثلجية أكثر التصاقا وسكونا، وهي خارقة /رادفةتمفردات مالقد تكون .. اللثام

بصورة أخرى يكون الثلج صـورة .. في ثـقلها وإلحاحها، أما قدرتها فتـقف عند الجسد دون المحيط .يان يتأكد في ثباته والتصاقه بمكانهللسكون، كك، الفـالح )رأيت أن أجعله ابنا للصحراء، حتى ال يصير فالحا تستعبده األرض: (يقول) الفم(في رواية

الحقيقة تقـول أن ). تستغله لتسليتها(، والصحراوي تالعبه األرض )تستغله لخدمتها(تستعبده األرض عطاء، والصحراوي يسعى ألجل الحرية، والتحقق النسـبي للجـد كالهما مستعبد، فالفالح يجد ألجل اليمكن قراءة هذا التركيب بشكل مغاير، فالفالح يرى أمانه في .. والسعي كاف إلشباع الحاجة المتقصاة

، أمـا الصـحراوي فيـرى )التشتت/األمان من الضياع(التصاقه باألرض، كثابت يتحقق فيه الوجود مستوى آخر نعيد فيه ).. القيد/األمان من الثبات(وانطالقا، يحقق فيه وجوده سياحته في الصحراء ملكا

القراءة، على داللة المعرفة، في تعويل الفالح على النظر تحقيقا لمعرفته، دون الصـحراوي المعـول .4على اللمس

يـة ، في صورة عن صـورة الفـالح، صـورة اختيار )المكان(لوجود الحقيقي لالتصال باألرض لو، فإن الصحراوي ال يمكنه إال أن يرحل، قدماه من تتحسسـان األرض، ال )نفترضها في واقع حقيقتها(

خالف الناموس ومزق جسد األرض بالمحراث، اسـتبدل المهـري (اليد كما يضرب بها الفالح ويشقها .الفم: رواية)/بالحمار، والسرج بالبردعة، والسيف بفأس الحقل

سـلطته، فيوغـل فـي /صحراوي الرحيل، فيرحل وفقا لشروط المكان، الواقع تحت شرطهويختار الداخله، بعيدا، وأكثر مما يجب، الوقت أداة الساكن، وهي أيضا أداة الراحل في المضي أكثـر، حتـى

تمثل في تحققها الهـدف / شعورية(وكونها رحلة داخلية . تتعرف القدم طعم الدرب، وتآلفه حد التوحد، فإنه أكثر انفتاحا وحرية للمضي أكثر، والحشد، الذي يستدعي فيه الكاتب كل ما يعيـه، بنيـة )ألولا

وهو ملمح يتأكد في الـنص الروائـي للكاتـب، . إدراك الفعل حقيقة، في صورة الواقع بكل تفاصيلهئها واسـتثمار فالتفاصيل والوحدات الصغيرة ال تغيب، إنما قوية الحضور، بقدرة الكاتب على اسـتدعا

.المساحة المعرفية المتوفرة، وتفعيلها

حال في طبعه، المالزم أخطام اإلبل، ال يقنع للمكان، مستفيدا من الزمن في دورة الحياة الصحراوي الريؤكد هذا الفعل فـي " الكوني"للمضي أكثر، وإن أعاد الدرب، فهو يعرف أن الصحراء ال ثبات فيها، و

فـي الجـزء " ابن خلدون"كثر، وهو يؤكد هذا الطبع باستشهاده بجزء من مقدمة الذهاب في التوحش أ، فالترحال إضافة أنه استهالك للزمن، فهو يحقق اسـتهالكا موازيـا هـو )السحرة(األول من رواية

، يرى الزمن المستهلك فـي ثبـات 5وهو يجمع في الصحراوي الكاتب" الكوني. "المكان، فال ثبات لهة، رحلة يعود فيها إلى الداخل، أكثر من مجرد عودة للذكرى، تتحول إلى حالة من النشوى المكان رحل

والتصعد، يستدعي لها ما تحمله ذاكرته، وما يتوافر لها من معارف تعين على رسم معـالم الترحـال الترحال بدقة، والتأسيس لهذا الترحال، في التأسيس للمجتمع الذي يعمل فيه، فيكون هذا المجتمع رديف

في موروثه االجتماعي وطقسه الحياتي والعقائدي، والذي عليه اإلخالص للصحراء التي منحته الوقت .للمضي والحياة

كان اإليغال داخال هو الهدف األول، أو المتحقق األول فـي فقـد الترحـال، واالستعاضـة عـن . 5

كل المعا/ الحضور، في الحضور المعد ر، المحتـشدة لهرف وتمظهرات الصحراوي في بالده المحضالبعيدة، هو اإليغال الذي مكنه من اإلمساك بأطراف الحكاية، ومعرفة دروب سيرها وتصاعد أحداثها، حد أن أوجد حكاياته الخاصة، بعدما عرف أن أبطالها يجوبون الصحراء كل يـوم، وأن مـا يمنحـه

اليـوم ال يريـد الفـارس أن يعبـر . (راءلمفرداتهم من قداسة، حي حقيقة يعرفونها، وتعرفها الصح

11

الصحراء لحضور ميعاد تقيمه الحسان، اليوم ال ينوي آكا أن يبلغ أقاصـي األرض اسـتجابة لهـوى ، مهريه النبيل ال بد أن يقرأ النية، ويقدر جسـامة الخطـر ...السباق، اليوم يفر من الخطر، من القيد،

.1ج-السحرة: ةرواي)/ فاركض يا جملي، فر، طر، اخرق الفضاء

توازيا والرحلة داخليا، التي ترتسم فيها معالم الرحلة أكمل ما يكون، وتتكون في صورة يسفح رملهـا ـقيل، كان البد من فعل يتقصى الحدث، ويقيس أثره . الوجه، وشمس ت

غمتـه هذا الفعل يعمل فيه الكاتب على قياس درجات التواتر في نصه، بنية تلمس حدود التـواتر ومنا في ذائقة التلقي، وهي مسحة تستفيد من الواقع في تمظهراته، في إعادة إدارتـه لمصـلحة 5)توافـقيا(

الحكاية، هذه اإلدارة يفسرها الفيض اللغوي المحسوب في السرد القادر على إذابة الفـروق، وإعـادة النفعاالت، توازن إنتاج المعارف والموروث، فال إسراف في الوصف، وال قبض في رصد الحركات وا

اإلنسان ال يستطيع أن يدعي البطولة، وال يستطيع أن (كفيل بتحويل النص إلى صورة تجزم بحقيقيتها إذا أصابه الوهن إلى الحد الذي يشفق فيه على " اإلنسان"يعطي نفسه حق حمل الرسالة، أو الفوز بلقب

.بيت في الدنيا، وبيت في الحنين: رواية)/ نفسهللحكايات، وأيضا معالم محـدده ) تاريخيا(يعيد الكاتب إلى النقاط البعيدة، موجدا بعدا زمنيا هذا القياس

وواعية لمسيرته، فيعمل بالبحث في الحضارات وما أنتجته وما أوجدته من تراث، هذا ما يوجد حالـة بقة بشـخوص الحكايـة، أو ، فال يحس المتلقي بالغربة أو عدم المعرفة السا"الكوني"األلفة مع روايات

بالتراث الخاص أو المعتقد، إنه في هذا الكم الروائي يجد وحدة تاريخيـة، تحقـق األصـل الواحـد .، كما وتقدم صورة عن غنى التجربة)البعد التاريخي(، والعمق الذي تعود فيه كل الحكايات )تأصيلية( : قت في هـدفين اثنـين ـ، التي تحق)الجتماعيةالقيمة ا(ألمحت في البداية معلال، أن اإلبهار تحققه . 6

المجتمـع الـذي " الكوني"وبالتالي أوجد . اإليغال المحقق لفعل الترحال، والتقصي بتحقيق هذا الترحاليتقصاه، فرسم معالمه وحدد وجوهه، وطرائق ترحاله، أوجد مجتمعا متكامال تاريخا وحاضرا، ومـن

موجدا نوعا من التواطؤ المسبق بين المتلقي والروايـة، . أساطيرهبعد قعد ليرصد حكاياته، ويعيد نشر مت تهيأت الصورة أمامه، فلم يعد ترهبه الصحراء وال الرمال، إنما صار يسـتأنس حرارتهـا تالذي

.متسربة في رملها بين األصابع، كما وسينصت لعزيف الليل في ضوء القمرإلبداعية بالتأسيس بدل الدأب، ألن التأسيس ينبـع مـن أخالف البعض، وأختار أن أسمي هذه التجربة ا

لرصـد كـل التفاصـيل " الكـوني "إيمان مطلق بالقضية المعول على تحديد معالم قاعدتها، وهو جهد الصغيرة، والحاالت الخاصة، إنه المجتمع الذي يعيد تكوينه، في اعتبارنا ما تمثله الصحراء لـه مـن

.ذاكرة

هذا األلق واألمان، لوال القيمة التي يتلمسها القارئ في هذا المجتمـع، فـي ولم تكن الصحراء لتكتسب على منح شخوصها قدرات خارقة، إنمـا اسـتغل " الكوني"حكاياته الصغيرة، وأساطيره التي لم يعمل

قدرة اإلنسان في توجيهها للفعل في حدودها القصوى، في الحدود التي يستطيعها المتلقي ذاتـه، حتـى لطاقات الجن كان استثمارا منطقيا، فلم تحمل القصور ولم تحول التراب ذهبا، إنما تحركـت استثماره

في نطاق من المعقولية التي تجعلهم أكثر قربا، نازعا ما يحيط اختالطهم باإلنسان من رهبة وخـوف، .وإن كان فهو الموروث المتعلق بالمرجعية الثقافية لشخص النص

، الراصدة، تقدم صورة مغايرة للمفترض، المفترض الممكن من الحياة في ظـل هذا القيمة االجتماعيةالظروف الصحراوية القاسية، هذه القيمة تظهر مجتمعا أكثر تساميا وتصالحا مع ذاتـه، إنـه مجتمـع مؤمن بالقدر الذي يحياه، ويتعايش معه بطمأنينة، هذا اإليمان يظهر في المعتقد المتـوارث المتـداول،

ألن الناموس يقول فـي وصـية مـن (يمثله الناموس كمنهج يحدد ويقوم، وتعد مخالفته خروجا الذيوصاياه، إن الصحراء ال تستسلم إال لعشاق اآلفاق، الذين ال يرون للمتاهة وجودا، ألنهم ال يحيون فـي

12

يـت فـي بيت فـي الـدنيا، وب / رواية)/ األرض، ولكنهم يسكنون الفراغ المعلق بين األرض والسماء .الحنين

يبعد عن شخوصه صفات القسوة، ويحولهم إلى عشاق، على درجة من درجات الوجد، الخلوة " الكوني" .والتوحش مسحتهم بمسحة جعلت منهم متصوفة بالفطرة، يتأكد اإليمان فيهم بقوة

، من درس )القيمة االجتماعية(أن يحقق غايته، استطاع أن يحول هذه " إبراهيم الكوني"لقد استطاع . 7

اجتماعي عادي ممل، إلى حالة إبهار وانتشاء، قادها برفق وتمكن، موجدا لغتـه الخاصـة، المحـددة علـى " الكـوني "إنما عمل . المتزنة، البعيدة عن اإلسراف في الوصف، والتفصيل، والشح في الرصد

رسـم، التـي تحديد الحدث، ورسم صورته الخاصة بطريقة أقرب إلى أسلوب العصور الوسطى في التعتمد إظهار الواقع بصورة متوازنة، فتستفيد من طاقة الرسام والمنظر المعول عليـه، وهـو يضـفي مسحة من القداسة بما يسربه من إيحاءات عقائدية، وفلسفية، وهي تظهر بوضوح في تراكيـب مغلقـة

لتجربة، إذ يمكننـا يمكن استقطاعها من جسد النص ألجل اإلفادة من توجيهها، وهي غاية الحكمة أو اإن الكوني ال يعمل منطلقا من حماسـة مفرطـة، . الوقوع على الكثير من هذه الجمل واألنظمة المغلقة

.إنما حماسة عاقلة وخطط لهاإن الكوني وهو يقدم لنا الصحراء، ال يقدم لنا بقعة جافة، إنما بقعة غنية، بما يخلقه مجتمعها فيها مـن

قدر، واستمرار ساكنيها وصبرهم إلى صالة، وهي لـن تمحـي دروبهـم، حياه، فيتحول عسفها إلى .من جديد" الكوني"فآثارهم آكد لمعاودة الرحلة، ولنعيد قراءة

:هوامش .الروعة، ليست مقياسا فنيا، بقدر ما هو تعبير مجازي، يقصد منه توقع صدى التلقي -1صد منه تحقيق صورة المقابل كونه مجموعة من الوحدات، التي تؤلف منفرا، لكن الق) التركيبة(ربما يكون استخدام -2

.في اجتماعها جسدا قائما، هي في حقيقته تركيبة_ أي االستشهادات، والتضمينات_لن أكون مضطرا لذكر معلومات االستشهاد أو بيانات النص المضمن، فهي ترد -3

.تلبية لحاجة الكشف، ال االستشهاد بنية التدليل .قد يراها البعض بطريقة معاكسة -4الكاتب هنا، يعمل على إعادة تدوير الحدث أو الرحلة لصالحة، إنه يستأثر بالقص لمصلحته، مسيطرا على أحـداث -5

.حكايته/وشخوص الحكاية .موجتين أو اهتزازين/المناغمة، تعبير فيزيائي يقصد به التناغم الحداث بين رنينين/التوافق -6

16/2/2006: بتاريخ.. 5200:العدد.. قدس العربيصحيفة ال

13

النقـد والنـقـاد قراءة في واقع الكتابة النقدية في التجربة اإلبداعية الليبية

منذ البداية أعترف بالمأزق الذي أضع فيه نفسي بدخول هذه الدائرة، كونها غير محـددة المعـالم، ] 1[

الخمسينيات من القرن الماضي هـي بدايـة حالـة اسـتقرار وملبدة األجواء، فلو اعتبرنا أن منتصف ، كان نتاجها صـدور أول مجموعـة قصصـية 1المجتمع الليبي بعد رحلة طويلة من العذاب والشقاء

/ الحنين الظـامئ (، وأيضا أولى مجموعات الشعر الحديث )1957/عبدالقادر أبوهروس/ نفوس حائرة(يات أهم أسئلة النقد الليبي على صعيدي الشعر والقصـة، ، كما وشهدت الخمسين)1957/ علي الرقيعي) قصتنا بنت حرام(، وسؤال القصة "خليفة التليسي"للكاتب ) هل لدينا شعراء(سؤال الشعر : ونقصد بهما

قد أربك القارئ بسردي لهذه الحقائق، ولكني وجدت نفسي أسـتدعيها للتـدليل ". كامل المقهور"للكاتب ي لو اعتبرناه، فإنا نستطيع القول بأنه حتى اللحظة لم يتبلـور مشـروع نقـدي على أثر االستقرار الذ

ممارس حقيقي للعمـل (أو في مشروع خاص ) تنظيري/ طرح فكري(ليبي، ال في شكل مشروع عام لمــاذا؟، لنقف عند عالمة االستفهام دون حـراك، إذ : والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه). النقدي

اإلجابة الصـعبة المفقـودة . لى اإلجابة لتخطي انحناءة عالمة االستفهام الداخليةاألهم هو الحصول عحتى اللحظة، التي في وجودها تتغير الكثير من األشياء، وربما أمكننا إعادة قراءة المنـتج اإلبـداعي،

.واإلمساك بثيمات النص، وإنتاج هذه الحقائق في متن مستقل قادر على كشف النص ومرجعياته مون التجربـة فالكثيرين يس، ": (...أحمد الفيتوري"في إجابته عن سؤال النقد الليبي، يقول الكاتب ] 2[

اإلبداعية الليبية بعدم وجود شغل نقدي، وإن كنت أرى أن هناك عمل نقدي، إال أنـه مـن الضـمور، أي محاولة لتقديم فكر بسبب ما يخص التركيبة السياسية واالجتماعية التي تحاول تأكيد السائد، وإقصاء

يلخص .. إبراهيم الكوني: (وفي ختام اللقاء يجيب عن سؤال الواقع النقدي الليبي، يقول. 2)نقدي مغايروهو يشير إلى تراجع النقد عن تناول كتابـات الروائـي . 3)هذه العملية، بشكل مؤيد ومدهش ومكثف

التي شـهدتها السـنوات ) أكاديمية(لجامعية ، إال من بعض الدراسات والبحوث ا"إبراهيم الكوني"الليبي .4األخيرة

، إن اإلجابة تعني بحثـا )ألن(، فاألمر أكثر من إجابتنا )لماذا؟(لن يكون من السهل اإلجابة على سؤال

في العقلية والتركيبة االجتماعية الليبية، وهو بحث مضني لما يعتريه من مصـاعب تمثلهـا العقليـة أن المشكلة ذاتية قبل أن تكون مكتسبة، وسأحاول في البداية مناقشـة جملـة مـن والتركيبة ذاتها، إي

النقاط أراها مهمة في البحث عن جواب شاف، قبل أن أعرض لبعض التجارب النقدية في عمـوم مـا .قدمت ال خصوصية طرحها

:ستكون اإلجابة من خالل مناقشة بعض النقاط، التي يأتي في أولها] 3[

.كم المعرفي والثقافيفقد الترا -1كل ما يتعلق بالمعرفة والثقافة العربية من إنتاج وتـداول، إذ تثبـت ،ونعني بالتراكم المعرفي والثقافي

نه كان يخضع للواقع المفروض على أالحقائق أن العمق المعرفي والثقافي في ليبيا عمق ليس بالبعيد، ولنهضة الثقافية تعرضت البالد لمـا يعيـدها لمرحلـة ، فكلما تكونت في ليبيا مظاهر للعمران وا5ليبيا

.الصفر

14

من هذه الصـحف، (ففي اللحظة التي عرفت فيه البالد دخول المطابع وصدور الصحف بشكل دوري ، )1892/مصطفى بن زكري/ عظة النفس(، وصدور أول ديوان شعري ليبي 6)1966/طرابلس غرب

عي واالقتصادي، جاء الغزو اإليطالي ليقود كل ما كـان ق في البالد نوع من االستقرار االجتماـوتحقويعود بالبالد إلى النقطة الصفر، بالتالي حرم المجتمع من فرصة النهضة الثقافية، ليستمر هـذا حتـى

ومـا . خمسينيات القرن الماضي، وبالتالي كان لزاما على الثقافة الليبية أن تعيد جمع نفسها من جديـد :لعربي هوتبقى من هذا التراث ا

مجموعة الكتب المحفوظة في الخزانات، وهي في الغالب خاصة، وبالتالي تظل معرفـة خاصـة -1 .بفرد

.كتب التراث الديني، وكانت تتداول في الزوايا والمدارس الدينية -2وهو تراث غير قادر على إنتاج معرفة عامة، مما انعكس سلبا على المجتمع فتأكدت الثقافـة الشـعبية

، إذ حال الوضع البـائس للمـواطن )المرويات الشفهية(، والنقل الشفهي )شعر الشعبي بشكل خاصال(، )ليس بشـكل كبيـر (الليبي من نيل حقه في التعليم الذي اقتصر على أهل المدن الخاضعة لالحتالل

والمواطن ) يمالحائز على قسط من التعل(المتعلم / األمر الذي أوجد فيما بعد فجوة بين المواطن المثقفالعادي، ويمكننا القول أن المثقف انعزل في مرحلة قادمة وأنه مارس ثقافته بمعزل عن المجتمع، هـذا

إذ ألمـح ) هل لدينا شـعراء؟ (الكبير " التليسي"ولعلنا نلمح هنا لسؤال . نا هذهـاألثر استمر حتى لحظتفي الشعر الذي توقف عند أغراض المـدح لهذا الفـقر الثقافي وأثره" خليفة التليسي"األستاذ والكاتب

والرثاء والمناسبات، حتى إنه أشار لفقر الطبيعة لغلبة الصحراء على المشهد، وهـو يصـف المشـهد كونهم يتطفلون على ) التشاعر(الشعري في ليبيا بكل تجرد ووضح حتى يصف من يمارسون الشعر بـ

ـ الشعر دون مرجعية تؤهلهم امتالك أدواتهم القادرة ع ، وكـذا الى تجاوز اللحظة، والقبض على أثره .النمو الروحي والفلسفي إلعادة النظر في الحياة

.طبيعة التلميذ -2

وهي نتيجة طبيعية لفقد المرجعية أو التراكم المعرفي القادر على رفد التجربة الشخصية، لذا كان مـن ، )األسـتاذ العظـيم (ه، فكان المشـرق الطبيعي البحث خارج الدائرة المحلية عن مثال يمكن اإلفادة منونعترف إن هذا األستاذ قـدم الكثيـر . األستاذ القادر على إشباع رغبة المعرفة، وسد الثغرة المعرفية

.لتجربتنا اإلبداعية في ليبياولقد أثر هذا الشرق بشكل كبير في التجارب اإلبداعية، وكذا الحوار الثقافي الذي كان صدى لما يناقش

" كامل المقهـور "يا في المشرق، ولقد رصد هذا األثر أكثر من كاتب، فها هو القاص والكاتب من قضاالحنـين (كتابة مقدم ديـوان " التليسي"، وعندما يشارك )قصتنا بنت حرام(يختصر القضية في عنوانه

اينومع انعدام الماضي الثقـافي اللصـيق بالشـعب إذ اسـتثن : (يقول" علي الرقيعي"للشاعر ) الظامئاألجزال الشعبية وبعض األغاني، ومع افتقاد جماهيرنا الشعبية لمن يعبر عـن انتفاضـاتها ووعيهـا النفسي الجديد، اتجه المتعلمون إلى الثقافات الشرقية التي ابتدأ ترد إليها بعد االستقالل من مصر ولبنان

د خطوطهـا العريضـة مقلـدة وكان البد أن تتعثر الثقافة الجديدة وهي تستم: (، ويضيف7...)بالذاتنحرف أحيانا نتيجة استيراد مبادئ ـتعثر هذه الثقافة فتـقافات وحركات لها ماض، وكان البد أن تـث

كما ورصد هذا األثر بشكل مبكـر الكاتـب . 8...)خاطئة، أو مبادئ ومفاهيم ال تستقيم وواقعنا الحياتي، )نافذة على المطل الخلفي(يعلق على رواية في أكثر من موضوع، فهو مثال" سليمان كشالف"الراحل سيبرز لنا تأثير بدايات الرواية العربية فـي مصـر، : (بقوله_ رحمه اهللا_" محمد سالم عجينة"لكاتبها ، "طـه حسـين "السيرة الشخصية لألديب العظيم /الرواية) األيام(، متمثلة في "محمد سالم عجينة"على

.9)ع روائي جيد كان له أن يستمر ويتطور، لوال أن وافاه األجلوليتأكد لنا أكثر خسارتنا لمشرو .فردانية التجربة -3

15

) من الفـرد (، وأقصد بها طابع الفردانية )طابع الفردانية في التجربة الليبية(وربما كما قلتها ذات مرة الثقافية، ال فـي الذي صبغ التجربة، حيث لم تعرف التجربة الليبية أيا من أشكال الجماعات األدبية أو

هو نتاج طبيعي للتلمـذة، ) صنو التجربة الليبية(هذا الطابع . شكل مجموعات أو مدارس وال اتجاهاتفأنت لن تستطيع أن تفرض على التالميذ أن يكونوا نسخة عن أستاذهم، وال أن يكون مستوى تلقيهم أو

اتجـاه ، وال )وهذا طبيعي(ك معين ادرليس من الشرط أن يجمعهم مستوى إ: (انتباههم واحدا، وبالتاليفالتجاور ال يعني وحدة التالميذ تحت مسمى الفصل أو التالميذ لهذا الفصل، فهذا الفصل مقسم .. واحد

ولعلنا نالحظ بوضوح طبع العمل الفـردي .. إلى مقاعد يستقل بها التالميذ، باتجاههم إلى األستاذ ذاتهأن األمر ينسحب على كل مجاالت اإلبداع، كل مستقل بنفسه عـن في الثقافة واألدب في ليبيا، بمعنى

هذا الطبـع عطـل .. فنرى من يعمل كمؤسسة، ومن يعمل كموسوعة، ومن، ومن.. التوجه واالتحادالكثير من المشاريع التي نسمع عنها وال نراها، ونرى الجزء منها دون االكتمال، ونـرى المؤسسـات

ذاتهـا (وهذا جزء الشخصية الليبية، المتمثلة في الذات منفردة .. خاصالثقافية تـقـف وتتعطل في أش، الـذي )القبيلـة (، البعيدة عن قبول التوجه خارج نطاق وحدتها الصغيرة أو مجتمعها الكفيل )كشخص

. 10)يتحول بهذه الذوات المنفردة ذاتا منفردة .الوضع االجتماعي والسياسي -4

كمـا _، إذ بالقليل من المالحظة ندرك أن ليبيا لم تعرف االستقرار دطهانظرا لما عانته البالد من اضإال من بداية الخمسينيات، وهو استقرار عرفت فيه البالد الكثير من الحركات الجماعيـة _ أشرنا سابقا

قة االستقرار للبالد، وبحسـبة ـمحق 1969، لتأتي ثورة الفاتح في 11بحثا عن االستقرار والعيش الهانئ، هذه )بمعنى أن العمق التاريخي قريب(يعة ندرك أن تاريخ ليبيا الحديث يتعدى نصف القرن قليال سر

وهـو (الطبيعة التي تكونت بها المدن أو المجتمعات المدنية أوجدت نوعا من االنصراف عن اآلخـر المجتمـع مـا بالتالي لم تـنـشئ في. 12)لتوفير هذه المتطلبات، وتحقيقها) كفرد(االنصراف بالذات

يعرف بثقافة الحوار، والتي تعني التواطؤ الحادث بين طرفي الحوار بحيث يقبل كل طرف اآلخر دون تجيـير للمواقف أو التعصب أو نبذ لرأي، باختصار ما نعني به قبول اآلخر كشريك دون االسـتقالل

كل ما عداه، وهـي رنكـئد، وتستفالعقلية الليبية ال تحاور وتعمل على تأكيد السا. بالرأي والتعصب لهعقلية تحكم الحياة الليبية متسربة في كل مجاالته الحياتية والعملية، ويمكننـا قـراءة هـذا االنحيـاز

: ، والمعنى)ما تمس شي، ما يطرأ شي(األرضي في هذا التعبير المستخدم كثيرا في مجموعات العمل ).طارئ أو شيءأنك ما لم تتدخل في سير العمل بشيء، فلن يحدث ( وال يعني هذا انتـفاء النقد عن التجربة اإلبداعية في ليبيا، بل العكس، فثمة أكثر من جهـد نقـدي ] 4[

الفعلي للنقد في التجربة اإلبداعية، النقد بصـفته اشـتغال يرافـق ريشاد به، لكن ما نعنيه هو الحضود بالعمل اإلبداعي ويرصد مفاتيحه، ويقف ، إذ سيرقى النق)ال يخدمه كما يصف البعض(اإلبداع ويدعنه

.على مناطقه الحارة، سيكون النقد إبداعا موازيا

محمـد "ذات أمسية شتائية ماطرة، دار نقاش حول ما كتبته عن تجربة شعر المحكية، إذ علق الشاعر ـ " الدنقلي ر فـي أنه رغم الجهد الواضح والمميز لهذا البحث، إال أنه كان مـن الواجـب البحـث أكث

ال : (خصوصية التجربة الشعرية، أو الدخول لتجربة شعر المحكية من الخلف، وجدت نفسـي أعلـق ، أخذنا الحـدث عـن النقـد، ))قراءة(أنا لست بناقد، وعادة ما أعنون ما أكتبه بـ" محمد"تنسى أستاذ

نما كتبت من قبـل أال تالحظون معي أن تجاربنا النقدية في ليبيا لم يكتبها نقاد متخصصون، إ: (فأعلق ).ممارسين للنص اإلبداعي

، أن الممارسـة النقديـة كانـت لشـعراء )رغم قصـره (وهذه حقيقة، إذ يكشف تاريخ النقد في ليبيا : نـذكر (وقصاصين دخلوا هذا المجال، أو مارسوا العمل على النصوص بعد أن وقعت في نفوسـهم

16

/ قاص-سليمان كشالف/ قاص-لمصراتيعلي مصطفى ا/ قاص-كامل المقهور/ شاعر-خليفة التليسيأحمـد / شـاعر -سالم العوكلي/ شاعر-محمد الفقيه صالح/ شاعر-مفتاح العماري/ شاعر-خالد زغبية-حسين نصيب المالكي/ شاعر-إدريس المسماري/ مسرح-منصور بوشناف/ مسرح، رواية-الفيتوريسميرة / شاعرة-القمودي حواء/ قاصة-نادرة عويتي/ شاعر-منصور العجالي/ قاص-زياد علي/ قاص

:ونالحظ أن الغالبية من الشعراء، هذه القراءات تميزت بالتالي) وغيرهم/شاعرة-البوزيديتفاوت من متن إلى آخر، بالدرجة التي ـخضوع هذه القراءات للذائقة الشخصية، بمعنى أنها ت -1

هذا بالتالي يشير ،)ففي النهاية هي لحظة تلقي النص(المتلقي /قع فيها النص من نفس القارئي :إلى .االنطباعية التي تمارس بها الكتابة - أ الرصيد المعرفي للدخول للنص، وأيضا القادر على ترجمة االنطباع إلـى وحـدات - ب

.لغوية راصدة، )المتخصصة(للهروب من مأزق الكتابة النقدية ) قراءة(االتكاء على عناوين تجنيسية من قبيل -2

.ه ال يجيد العمل النقدي المحترففالممارس لهذا العمل يدرك أنخلو هذه الكتابات من منهج نقدي يحكمها، بمعنى أن هذه الكتابات تخضع لترتيب الممارس ال -3

ضرورات المنهج، لذا لم يكن من السهل أن يتم تبني منهج نقدي محدد، إنما تحدد العمل لمـا .تمكنه الحصيلة المعرفية للكاتب

فيه العمل النقدي على عمله اإلبداعي، فصار يعرف كناقد أكثـر منـه لكن نالحظ أنه ثمة من انتصر بعيدا عن القصة، وكـذا األسـتاذ " سليمان كشالف"ممارسا للعمل اإلبداعي، فأخذ العمل النقدي األستاذ

كما وكتبت في النقد بعـض . والشعر الذي تفرغ للنقد بعد تجربة مع الكتابة المسرحية" أحمد الفيتوري"ـ األسماء صـادق :التي لم تتميز أو لم تختص بكتابة جنس إبداعي معين، وإن أبدعت في جـنس، كـ .فوزي البشتي/ نورالدين الماقني/ الصيد أبوديب.د/ أمين مازن/ نجم الدين غالب الكيب/ النيهوم

ولقد شهدت أواخر التسعينيات عمال نقديا مميزا في مجموعة من األسماء النقديـة الممارسـة للعمـل النقدي بشكل محترف، وهم مجموعة رأت في النقد نصا موازيا للنص اإلبداعي، فقدمت هذه األسـماء

:مجموعة من الكتابات النقدية المهمة، والتي تميزتاعتماد هذه الكتابات على منهج نقدي محدد في تنظيره، ولقد اعتمدت هـذه الكتابـات - أ

.على التنظيرات الحديثة للنص .وهي غاية تخدم التنظير االنحياز للنص، - ب .العمل بشكل أكثر حرفية، ناحية تفكيك وحدات النص، والعمل على األجزاء - ج

وما يالحظ على الكتابات .. عبدالحكيم المالكي/ محمد الترهوني/ محمد المالكي: من هذه األسماء نذكرالنص فقط، إنما تناولت الكثير من ، أنها كتابات ال تتعلق ب)نعني األلفية الجديدة(النقدية الحديثة في ليبيا

الموضوعات الخارجة عن اإلبداع في محاولة منها لمناقشة الفكر، والطروحـات الفكريـة للمجتمـع ".عزالدين اللواج"، و الناقد الشاب "أحمد الفيتوري"والدولة، وهنا نذكر كتابات الناقد

، يمارسون كتابة النص؟لكن ما الذي دفع بهؤالء لكتابة النقد، وهو كما تقول: سائل

أولى هذه األسباب، هي محاولة سد الفراغ الحادث في العمل اإلبداعي، وكون البعض كـان علـى -اطالع بشكل أو بآخر على ما قدم من جهود نقدية عربية وعالمية، فإنهم في إعادة تمريرهم لقـراءاتهم

األسئلة، فلم يكن من سـبب يمنـع من خالل هذه المعارف، كان أن تكونت مجموعة من االلتقاطات و .طرحها وتقديمها من باب اإلجابة

فطابع المشافهة الذي يسود المناخ الثقافي فـي ليبيـا . ل الشفاهي إلى موجوديثانيها، هو رغبة تحو -المعتمد على التعليقات المصاحبة للمناشط الثقافية، أو القراءات الخاصة، كان يوجب أن تتحـول هـذه

.متن مكتوب المحاورات إلى

17

مـن % 30 همن شعراء ليبيا مارسوا العمل النقدي، بينما ما نسـبت % 70وأستطيع الزعم أن ما نسبته بل إن بعض الشعراء ممن مارس الكتابة النقديـة كتـب فـي القصـة . كتاب السرديات مارسوا النقد

.والروايةفة العربيـة، وهـو طبـع يعـود ، الطابع الشمولي في الثقا_زعما وآخرها_أما ثالث هذه األسباب -

للعصامية التي قامت عليها الثقافة العربية في رموزها اإلبداعية، وهو صنو التجربة في ليبيا، فالمثقف الليبي نشأ عصاميا منفصال، فكان من الطبيعي أن يحاول اإلحاطة بكل ما حوله، وأن يمارس ما يمكنه

تجربة اإلبداعية الليبية تعرف الكثير ممن يكتب الشـعر من أجناس إبداعية، وأنماط تعبيرية أخرى، فالوالقصة، أو الشعر والرواية، أو الشعر بشقيه الفصيح والعامي، وإن نظرة عجلى للصفحات الثقافية في

مقالة، ونقـد، : الصحف والمجالت الليبية تكشف نسبة مساهمة الكتاب في مادة هذه الملفات النثرية منمثال وصلت نسبة مساهمة الكتاب ) الجماهيرية(ا، في الملف الثقافي لصحيفة وتعليق، وترجمت، وغيره

.يشكل الشعراء النسبة األعلى ،من مادة العدد% 90إلى ) من كتاب شعر وقصة( هل استطاعت هذه الكتابات النقدية أن تقدم شيء؟: السؤال المفترض اآلن] 5[

.نعم: بكل راحة أقول إلى أي مدى؟: لوهنا أفترض أن يعلق السائ

%.100بنسبة : أجيب كيف؟: أرى االستغراب باديا في وجه السائل

، فإن ما قدم من نتاج قياسا لما )بالنسبة للزمن(قياسا لعمر التجربة والكم المنتج في هذه التجربة : أجيبـ %100قدمناه من ظروف يكون اعر ، العملية نسبية، فاألسئلة النقدية طرحت منذ فتـرة طويلـة، فش

) 1937/المتجبرنـون (مقالة بعنـوان 13)ليبيا المصورة(يكتب في مجلة " أحمد رفيق المهدوي"الوطن في تالميذه المحليين، هذا المقال في رأي حقـق نجاحـه فـي " جبران خليل جبران"ناقدا فيها أسلوب

مباشرة إلى نقـد ، وبالتالي توجه "جبران"كونه رصد تأثر مجموعة من الكتاب بأسلوب / أول: مستويينأنه قدم ما يمكن أن نسميه مقابال إبداعيا، بأن طرح / ثان). المكون المعرفي(هذه التجربة في مكوناتها

).يقصد شعراء مصر(المدرسة الشرقية كبديل إن النتاج النقدي المقدم، سواء المطبوع في كتب، أو الموزع في الصحف والمجالت والدوريات، يقـدم

لمـاذا : أسأل نفسـي . وقادرا على تقديم صورة عامة وقريبة من التجربة اإلبداعية الليبية نا جيدا،ـمتالحقيقة التي تفرض نفسها أن . صورة التجربة اإلبداعية؟: قلت صورة عامة وقريبة؟، لماذا لم أقل مثال

:هذا النتاج يشكو من بعض اإلشكاالتالكتابات النقدية هي كتابـات معزولـة عـن فهذه/ أولى هذه اإلشكاالت االنعزال واالستقالل -1

بعضها ومستقلة بما قدمت، بمعنى أن هذه النصوص لم تخلق تراتبية فيما بينها ولم تستفد مـن .بعضها، أي أن مبدأ التواطؤ لم يجمع فيما بينها لخلق حوار منتج

ورصـده للتجربـة )فعل القراءة والتأويل(في كتابه " مفتاح العماري"فلو نظرنا مثال لما قدمه ، ومـا )حدود القراءة(في كتابه " إدريس المسماري"الشعرية في ليبيا، لوجدنا يتقاطع وما قدمه

تلتقي هذه الكتابات فـي رصـدها للبـدايات ). قصيدة الجنود(في كتابه " أحمد الفيتوري"قدمه كل منهم يسعى واللحظات الحرجة في مسيرة الشعرية الليبية، وكذا تخلص لذات النتائج، وكأن

لكتابة سيرة التجربة من وجهة نظره، وإن كنت أرى أن هذه التجربة ال تحتمل وجهات النظر .الكثيرة

فهذه الكتابات حتى وهي تتبع مسيرة التجربة اإلبداعية لم تعمل على / ثانيها، النظر من الخارج -2أن الـنص النصوص، بمعنى إنها أقصت النص كشاهد، مكتفية بحضوره كصـوره، بمعنـى واستخدمت . يطرح كصورة للمرحلة، ال كشاهد يمكن استجوابه والغوص فيما يملكه من شهادة

18

إنما يكتفي منه بما يقول فقط، فال دمفردة الصورة، كون النص النقدي ال يحاول استثارة الشاهـ ادة يقف عند دقائقه أو تفصيالت القول إال في مجرد التعليقات، عند استخدام المفردات أو إع

.إنتاج الصورحـول شـاعر " خليفة التليسي"ومن الدراسات الشعرية المهمة في هذا الصدد، دراسة الكاتب

، ويكاد يكون هذا العمل الوحيد الـذي تنـاول 1965الصادة في " أحمد رفيق المهدوي"الوطن النقدية عـن شاعرا ليبيا بهذا القدر من الجهد والعمل، فكأننا نلمس قلة صبر ومثابرة الكتابات

.لما قدمته من طرح ةتقديم نماذج تحليليوهي ثالث إشكاالت الكتابات النقدية، فهذه الكتابات تخضع لذائقة الناقد ال منهجه، / االنطباعية -3

باسـتثناء الدراسـات (وبالتالي فإن هذه الكتابات ال تخضع ألي مـنهج نقـدي أو تنظيـري تتعامل مع النصوص بذات القدر مـن االنحيـاز ، فهي ال)األكاديمية، وبعض الجهود الحالية

قائية التي يتعامل بها ـ، إنما يظهر االنحياز بكل وضوح، في االنت14الذي يتطلبه العمل النقديوهذا يعيدنا لم قلته سابقا من أن هؤالء النقاد هم كتاب نص غيـر . الكاتب مع النتاج المطروح

.قين في مطب اإلعجاب واالنبهار بالنصمتفرغون للعمل النقدي، بالتالي يقعون كمتل أن الجهـد النقـدي : أفضل التوقف هنا، خالصا .حتى ال يطول بنا حبل الكالم، فنضيع.. ماذا بعد] 5[

، استطاع رغم كـل )كمتن(المقدم والموازي للتجربة اإلبداعية في ليبيا، هو جهد نقدي مميز في مادته ع رصد لحظات التجربة اإلبداعية المهمة وكشـف منـاطق شيء من االقتراب من النص، وأنه استطا

السخونة فيها، وهو وإن عانى من قصور، إنما قصور المحاولة، التي تعقبها خطوات أكثـر وأكثـر، التي تتناول التجربة اإلبداعيـة فـي 15وسيكون للغد رأي آخر، خاصة وأن بعض الدراسات األكاديمية

. وهي تساهم بقوة في رفد التجربةليبيا صدرت في السنتين األخيرتين، ":عاشور الطويبي"وأجد نفسي أختم بهذا المقطع للشاعر الليبي

..فالسماء مكتنزة بالنجوم ..بعضها باهت.. بعضها مبهر

..وبعضها كما يـجب أن يكون أقف متكئا على حافة الشرفة

أرقب الـمشهد العظيم……..

..أحاول أن أفهمـ ى فـي اتكاءة واحدة لكن هذا ال يتأت

:هوامش، واستمروا بها حتى هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، إذ خضـعت 1911-دخل اإليطاليون إلى ليبيا في أكتوبر -1

.وال ننسى ما تعرضت له البالد من قبل تحت الحكم العثماني. البالد للبريطانيينصحيفة ) رامز النويصري: حاوره"/ أحمد الفيتوري"حوار مع الناقد / ليبياإبراهيم الكوني يلخص العملية النقدية في ( -2

.10/10/2003-9: التاريخ _4123:العدد _الجماهيرية .المصدر السابق -3نشير إلى أن بعض هذه الدراسات فاز بفرصة النشر، أما األكثر فيظل حبيس المكتبات الجامعية رغـم توصـيات -4

.ه البحوثالنشر التي تلحق إجازات هذ .نعني بليبيا الكيان واإلقليم المحدد جغرافيا بالحدود والمظاهر الطوبوغرافية -5 .1897سنة " محمد البوصيري"لصاحبها ) الترقي(أما أولى الصحف الخاصة فهي -6

19

.22: ص/ 1979/طرابلس-منشورات الشركة العامة للنشر والتوزيع واإلعالن) الحنين الظامئ(علي الرقيعي -7 .23: ص -المصدر السابق -8-الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع واإلعـالن ) مقاالت في األدب.. الشمس وحد السكين(سليمان سالم كشالف -5 -9

.1998-7/مصراتة -20/11/2004-19_ 4466:العـدد _صحيفة الجماهيرية) في مصطلح الجيل: مقال(رامز رمضان النويصري -10 .13: صلفترة انتقال الكثير من الغرب إلى الشرق، وبالعكس، وأيضا اتجاه الكثير للمـدن خاصـة طـرابلس عرفت هذه ا -11

وبنغازي بشكل خاص، لتأتي من بعد مرحلة النفط في ستينيات القرن الماضي ليترك الكثير قراهم ونجـوعهم باتجـاه .الذهب األسود

-26_4472:العـدد _ صـحيفة الجماهيريـة ) لـة في مصطلح الجيل والمجاي: مقال(رامز رمضان النويصري -12 .13: ص -27/11/2004 .لم أتمكن من االطالع على هذا المقال، وما أورده في هنا هو ما تناولته بعض الكتابات -13 .ال أستطيع أن أبرئ نفسي من الوقوع في هذه الدائرة، فيما قدمته من قراءات وكتابات نقدية -14راسات من طابع أكاديمي، إال إنها في منهجها تقدم نوعا من الحيـاد، والقـراءة العميقـة رغم ما تتمتع به هذا الد -15

.للنص والتجربة في عمومها

18.05.2006/ 5278: العدد - صحيفة القدس العربي

20

مدخـل لمـسألة الشـعرية الليـبية

نعتــناها بالمسـألة، (ية في ليبيـا ال يعني العنوان أنه ثمة ما يميز الشعرية الليبية أو التجربة الشعرفرد، وإن كنت أزعم أن لكل تجربة ما يميزهـا عـن األخـرى، ـ، بمعنى التميز والت)كتعبير رياضي

. خاصة ما يتعلق بالبدايات والمرجعيات المؤسسة لهذه التجربة، والتي تـتجلى فـي النتـاج الشـعري لمحلية أو ذات الصالت الوثـقى بالشـاعر، إذ والتي تظهر في بعض الرموز والمدلوالت البعيدة في ا

تمنح اللغة العربية النص بعدا قومـيا أكثر منه إقليميا، فالنص في المطلق مجموعة من الكلمـات، أو .لنعد لموضوعنا). وهو الشعر(لعبة لغوية ما ينسب تظل مجهولة الهوية إال من طبعها

ماذا نعـني بالمسألة الشعرية الليبية؟

، مجموعة الحدود أو النقاط المهمة، للدخول إلى متن التجربة الشعرية الليبية، وهي مجموعة مـن نعنيوبالتالي فنحن . الحدود أو الهوامش القادرة على رصد أهم اللحظات والتوترات، وكذا توصيف التجربة

.نحاول رصدها بالوقوف عندها وقياس تأثيرهال على رصد هذه التجربة ومحاولة قراءتها، وقيـاس درجـة ويجب علينا اإللماح أن أكثر من جهد عم

بمعنى إنها جهود حاول فيهـا ةفاعليتها في المشهد الشعري، لكن هذه الجهود هي جهود غير متخصص، ودون أن ننسـى الجهـد 1كتابها رصد تجاربهم بنية سد الفراغ الحادث في الممارسة النقدية في ليبيا

ث والدراسات المتخصصة، وأغلبها تعمل على رصد التجربـة الشـعرية األكاديمي المتمثل في البحو، ودون أن ننسـى )وفقا لمتطلبات معدة سـابقا (ضمن نطاق تاريخي محدد وقفا للدراسة والبحث المعد

ولقد حاولت هـذه . أيضا جهود مجموعة من الكتاب الذين اهتموا برصد التجارب اإلبداعية في ليبـياوكنت ناقشت هـذا _على أم قضايا التجربة الشعرية، ورصد اللحظات المهمة، ونلمح الكتابات الوقوف

أن الكثير من هذه الكتابات تناولت هذه المسألة بأكثر من وجهة نظر، ومحاولتنا هنا هي محاولة _ سابقا .للوقوف على أهمها، وأبعدها أثرا في التجربة الشعرية الليبية

:الـشـرق، األستاذ الكبير -

يمثل الشرق بالنسبة للثـقافة الليبية النبع والمنهل الثـقافي الكبـير، فلقد كان الشـرق الملجـأ األول لليبي خالل تاريخه الطويل، فلم يكن من المستغرب أن يكون المعلم األول وصاحب األثر الكبـير في

، المنشـورة "المهـدوي أحمد رفيق "الثـقافة، ونلمس هذا بشكل واضح في مقالة شاعر الوطن الشاعر ، والتي وجه فيها انتقادا مباشـرا )المتجـبرنون(والمعنونة بـ 1937في العام ) ليبيا المصورة(بمجلة

، داعيا إلى نبذ هذا األسلوب واألخـذ باألسـلوب "جبران خليل جبران"لمقلدي أسلوب الشاعر والكاتب .المصري أو المدرسة المصرية في التجديد

في سـؤاله " خليفة التليسي"يعلن بصورة واضحة انحيازه للمنبع، فإن الكاتب الكبير " قرفيـ"وإن كان ، يشير بشكل واضح لطبع التقليد في الشعر الليبي، وهو يؤكد 1952في العام " هل لدينا شعراء؟"الكبير

ولـى األ" علـي الرقيعـي "في مقدمتهما لمجموعة الشاعر " كامل المقهور"هذا أيضا بمشاركة القاص شـعر نـواقيس (وفي ستينيات القرن الماضي، يصف أحد النقاد الشعر الليبي بأنه . 2)الحنين الظامئ(

ولقد كانـت التجربـة . مشيرا إلى أثر المشارقة، وخاصة ما كان يصل من إصدارات لبنانية) وصلبانظاهرة االستالب (بـعندما قدم قراءته المعنونة " سعيد المحروق"خر، مع الشاعر آالشعرية على موعد ، والتي يعترف بها باألثر الكبير للشـرق، 3)األسبوع الثقافي(والتي نشرها بصحيفة ) في ثقافتنا المحلية

الزلنا نشعر جميعا بأن أقصي ما نطمـح إليـه هـو أن ،مازلنا مريدين أزليين للشرق الرائد: (فيقول )جيدا تقليدا هونقلد األستاذا في مشرقنا ننموذج ينحتذ

21

هـذا األثـر 4)الشعر الحديث في ليبيا(في دراسته المهمة " عوض محمد الصالح"ولقد رصد الدكتور بشكل واضح، مدلال بالعمل على مجموعة من نصوص الشعراء الليبـيـين، بقياس أثر مجموعة مـن

تجربة الشعراء العرب في تجاربهم، والتي وصلت حد التـناص، كما قدمت هذه الدراسة رؤية شاملة لل .الشعرية الحديثة في ليبيا، وهي دراسة مميزة بحق

:الوضع االجتماعي والسياسـي -

لم تنعم ليبيا بنوع من الثبات السياسي واالجتماعي إال بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، عا من الثبات وفرض القوات المنتصرة لسيطرتها على المناطق التي خرجت بها، ونستطيع القول أن نو

السياسي واالجتماعي بدأت معالمه تتأكد في عهد الحكومة البريطانية، ويمكننا القـول أن خمسـينيات القرن الماضي هي البداية الفعلية لهذا الثبات، بالتالي ندرك العمر القصير لليبيا الحديثة مقارنة بقريناته

م تنعم ليبيا بالهدوء، وفي الفترة التي بـدأت ل ،العربيات، خاصة وإنه منذ منتصف القرن التاسع عشرتشهد فيها نوعا من االزدهار االقتصادي والسياسي واالجتماعي كان اإليطاليون قبالة السواحل الليبية،

ونلمح إلى أنه رافق حالة االستقرار هذه، حركة نزوح كبـرى مـن . يعدون لقصف طرابلس وبنغازييسية، ولم تعرف هذه الحركات اتجاها موحدا لها، لتكون هذه العجينة البوادي والنجوع باتجاه المدن الرئ

، كما عرفت البالد حركـة واسـعة لعـودة )طرابلس، وبنغازي(النواة لسكان المدن الرئيسية في ليبيا .المهاجرين إبان فترات االحتالل الطويلة للبالد

التي توزعت على مجموعة مـن العـائالت ن نواته الثقافيةولم يكن من إمكانية لهذا المجتمع ألن يكو ،واألشخاص، وتركزت في المدن، ونشير إلى أن نصيب األسد كان للمعارف الدينية، ولنـا أن نالحـظ

: مـن أمثـال (رجال دين _ ونعني المرجعية الثقافية_الكثير من شعراء ليبيا األوائل كانوا في األصل بالتالي لم يكن من السـهل أن ...). بدالرزاق البشتي،إبراهيم باكير، سعيد بن صالح، أحمد الشارف، ع

تتكون في مثل هذه الظروف أي مظاهر لحياة ثقافية مزدهرة، فكان الشعراء يعملون بشـكل منفصـل ، ولن ننسى العمل الكبير الذي قامت )مدرسة/ اتجاه/ تيار(كأفراد بعيدا عن االلتقاء في مظهر ثـقافي

، )ومازالت الصحافة الليبيـة تــقوم بهـذا الـدور (ع بوسطه الثقافي به الصحافة من تعريف المجتم .وتعريف المثـقـفين بعضا ببعض، لتتحول إلى راصد وصوت للحياة الثقافية في ليبيا

:الفـردانيـة -

تعني الفردانية هنا العمل بشكل منفرد، بمعنى أن التجربة الشعرية في ليبيا لم تعرف أيا مـن مظـاهر ثـقافي الجماعي في شكل تيار أو مدرسة، أو اتجاه شعري تعمل ضـمن أفكـار أو أهـداف العمل ال .تحكمها

هذه الفردانية هي المحصلة الطبيعية للعاملين السابقين، بمعنى أن الشعراء لم تــتوفر لهـم القاعـدة رج الدولـة قافية التي تمكنهم من االنطالق من واقعهم، فكان من الطبيعي أن يكون امتـدادهم خـا ـالث

اإلقليم، باتجاه المنبع باتجاه األستاذ، ناحية صقل التجربة وتفـعيلها، بالتالي أوجد هذا العمل نوعا مـن :العمل الذاتي المنفصل عن الجماعة، التي تريد لتكون

.مناخا سياسيا واجتماعيا مستقرا -1 .تراكما معرفيا غزير العطاء -2رة على إنتاج حراك ثقافي خالق، وكذا إيجاد نوعا من المعرفة العامـة اجتماعية قاد-نهضة ثقافية -3 .لها

وكان مـن الطبيعـي، أن تكـون (بالتالي كان من الصعب على الجماعة أن توجد لنفسها قاعدة التقاء، الفردانية طبع التجربة، مجموعة من التالميذ في فصل واحد، يتجـاورون، يكونـون فريـق الفصـل

فالتجاور .. ، وال إتجاه واحد)وهذا طبيعي(من الشرط أن يجمعهم مستوى إدارك معين المنافس، وليسال يعني وحدة التالميذ تحت مسمى الفصل أو التالميذ لهذا الفصل، فهذا الفصل مقسم إلى مقاعد يستقل

22

قر بأنه ال مدرسة وكما إننا ن(، أو يمكننا إنتاج ذات المعنى في 5)بها التالميذ، باتجاههم إلى األستاذ ذاتهوال اتجاه قاد التجربة الشعرية في ليبيا، أقول أنه ثمة توحد في المصدر وفي المرحلـة قـاد التجربـة

حيث يمكن تشبيه األمر باليد الواحدة، لكل إصبع منها شكله ومكانه واسمه الخاص، .. الشعرية في ليبيا .6)وهم في مجموعهم يطلون في راحة اليد، ويجتمعون في قبضة

:الـتواصل المفـقـود -

بالتالي لم يوجد هذا المناخ أيـا من أشكال التواصل بين الشعراء، ونقصد بين أجيـال الشـعراء، وإن كانت مفردة الجيل مفردة غير حقيقية أو مفردة غير دقيقة لوصف الواقع الثـقافي أو التجربة الشعرية

.في ليبياعن الجماعة، أو االلتـقاء في المجموعة، أوجد هذه االنقطاعات إن طابع الفردانية والعمل باستـقالل

في التجربة الشعرية، فعملت الفراغات الحادثة على فصل التجارب الشعرية في فتراتها عن الفتـرات فمثال، ال نعثر على أثر لشعراء الستينيات والسبعينيات عند شعراء الثمانينيـات، وال . السابقة والالحقة

والشعراء الليبـيـين يعون هذه الحقيقية ويمارسونها بكل حرية، ويؤكدون انقطاعهم عـن . ما بعدهـمعتقـد بـأن أ": (فرج العربي"ليبيا كـتجربة إبداعية، فأكثر من شاعر أكد هذا االنقطاع، يقول الشاعر

األصواتة مع ف بنديـضافة هامة في تاريخ الشعر العربي الليبي، بل أنها تقإتجربتنا تمثل قطيعة، وصرارنا على البوح، والتفاتنـا إو ،استمدت شرعيتها من تجاربنا أوال ألنها ،الحقيقية في الشعر العربي

.7)صغيرة لم نقرأها في شعر من سبقونا هموم إليولو جمعنا ما يمثله هذا االنقطاع إلى طابع الفردانية، لوجدناه ينعكس في الشعراء كـكم، وكـذا فـي

في كم النصوص المنتج، والذي يجعل من الصعب حقيـقة قراءة التجربة الشـعرية اإلنتاج الشعري، .الليبية واإلحاطة بها

:الصـديـق الغـائب/النـقد -

بالرغم مما أنتج من كتابات نقدية، إال أن النقد لم يكن بالصديق المخلص للتجربة الشـعرية، الصـديق من نقد لم يكن بالنقد اإليجابي، بقـدر مـا هـو أقـرب الخليل، ونكاد نجزم بالقول إن ما أنتج /الرفيق

:كان في أحد األشكال اآلتية_ ومازال_للقراءة، فما أنتج من نقد :قراءة إلرهاصات التجربة الشعرية -1كتجربة في العام، وكتب العديد في هذا ودائما البداية هي ذاتها، الرصد هو ذاته، دون تعويل علـى / أ

.مراكمة النتاج النقدي إنتاج مرجعية يمكنها .في مجموعة من الشعراء األوائل، بدارسة الظروف واألثر والنص/ ب .رصد للمنتج الشعري بشكل عام، أو رصد ألثر ما في هذه التجربة -2 .القراءات المرافقة لصدور المجموعات الشعرية، وكذا بعض النصوص المميزة -3

فة هي المعين األول لها، ومقابل المطبوع منها في كتب، تظل ونشير إلى أن هذه الكتابات كانت الصحابالتالي ظل هذا النقـد . الحسبة لصالح الصحافة، والتي بحق تمثل الحاوي األكبر للثقافة واإلبداع الليبي

عاجزا عن البحث في النص الشعري بحيث يسهم في كشف بواطنه وإسـتظهار إمكاناتـه الجماليـة، .ناقشة قضاياهوالقبض على أسئلته وم

ــص الضـائع - :الن

قد ال يكون هذا التوصيف منصفا، لكني أراه توصيفا لما يعانيه النص أو النتاج الشعري الليبي، وهـو هذا الضياع هو النتيجة المباشرة لضعف آلة النشر عن استيعاب المنــتج . الضياع بمعنى التـشتـت

، أقل من حجـم )الكتب(الرياضيات فإن حجم المخرجات ، وبلغة_وكذا باقي أشكال اإلبداع_الشعري ، وأقل بكثير، بحيث يظل الشعر الليبي موزعا في الصحف والمجالت، فـي )المخطوطات(المدخالت

23

متن يصعب حصره أو اإللمام به لمن يريد البحث خاصة لذوي االهتمام، وال تظل إال مجموعـة مـن خاصـة وإن ...). الفصول األربعة، الثقافة العربيـة، : مثل(ا المجالت العتباريتها يمكن التعويل عليه

العمل الصحفي في ليبيا عمل بعيد عن االحترافية والخصخصة، فكم من صحيفة صدرت وتوقف، وكم فينتهي النص سريعا لتحتضنه علبة القمامة، وإن كان محظوظـا يـذوب . 8من مجلة صدرت وتوقفت

.يارات، أو يـبـيد كغطاءالبيوت، أو الس ذعلى زجاج أحد نواف

:هوامش ).قراءة في واقع الكتابة النقدية في التجربة اإلبداعية الليبية، النقـد والنـقـاد(يمكن مراجعة -1علي الرقيعي، أولى مجموعات الشعر الحديث في ليبيا، وصـدرت فـي / للشاعر) الحنين الظامئ(تعتبر مجموعة -2

علي صـدقي عبـد / للشاعر) أحالم وثورة(، وصدرت بعدها بأشهر صدرت مجموعة 1957طبعتها األولى في العام ._شاعر الشباب_القادر

.2/2/1973 -34: العدد -الثقافي األسبوعصحيفة /سعيد المحروق -)ظاهرة االستالب في ثقافتنا المحلية(مقال -3-منشأة المعارف باإلسكندرية -)خصائصهدراسة في اتجاهاته و -الشعر الحديث في ليبيا(عوض محمد الصالح .د -4

2002. .20/11/2004-19 -4466:العدد -صحيفة الجماهيرية -مقال) في مصطلح الجيل(رامز رمضان النويصري -5 -4294:العـدد -صحيفة الجماهيرية -مقال) من التشابه إلى المالحظ -قصيدة النـثر(رامز رمضان النويصري -6

30/4-1/05/2004. -طـرابلس / رابطـة األدبـاء والكتـاب الليبيـين -األربعةمجلة الفصول -"فرج العربي"بلة مع الشاعر مقا - -7

.1994نوفمبر -أكتوبر -73_72:العددبعد المجالت صدر منها عدد واحد فقط، وبعضها صدرت رسائل بأسماء أعضاء وهيئة التحريـر ولـم تصـدر، -8

.وأخرى صدرت ونفذت ولم تكن

27/10/2006_ 5416:العدد_ العربي صحيفة القدس

24

الرواية/ القصة / الشعر : قراءات في

لعبة الترتيب والكمال أنـثى ال تتـحدث كـثيرا.. أنـثى جديـدة

حديث عن الومضة والعصرنة في اإلخالص لها.. في معرفة الذات شبهة الشكل.. شبهة الشعر ثبات السارد.. ثبات السرد المـرايـا غرفـة

صناعة القصة إنزياح النص وقوانين السارد

25

لعبة الترتيب والكمال نجوى بن شتوان: ، للشاعرة)الماء في سنارتي(قراءة في

الشعر حالة إبداع خاصة، كونها ترى الشعر في كل شيء، من قول أن الشعر كمثال هو الجمال .. 1لة الشعرية أو الصورة الشعرية التي تراها عين الشاعر، والتناغم، وحالما تجتمع هذه فإنما تخلق الحا

.سواء كانت الحالة رؤية بصرية وتفعيلها، أو رؤية استبصاريةوالشعر الحديث في تجربته لم تعد تقنعه الموضوعات الجمالية االعتيادية الواصفة، أو االستبصارية

لنص إلى حالة ونظرية، والشاعر بما الحافة، بل غامر بالدخول إلى معترك الفكر والتنظير، يحول ايتمتع به من مهارة، يؤلف مفرداته لتقديم نصه بشكل مغاير، إنه يستعين باللغة لقص األطراف الحادة، هو يرسم الحالة في قوالب توصيفية وصورة محدد سلفا ومعارف تمثل الرصيد المعرفي للشاعر،

.رمنعكسا في الصور والتراكيب التي يستخدمها الشاع هذه اللعبة .. والشاعر من يحرك األحجار للظفر بخطة محكمة، يمكن الوثوق بها.. النص لعبة.. 2

تعتمد على الشاعر في استقصاء الحركات والطرق، ويقدم لنا األدب الحديث الكثير من األشكال شكل، بداية من اإلبداعية الحديثة في األجناس المعروفة، والشعر في تجربته العربية هو اسم ألكثر من

إلى قصيدة ) التفعيلة(في البيت من صدر وعجز، إلى قصيدة الشعر الحر ) األساسي(الشكل التقليدي النثر، وهذه األشكال الرئيسية تقدم مجموعة أشكال فرعية او تنويعات هي نتاج التجربة الشعرية

.وتجربة الشاعر بة الحداثة، متخذة من النص القصير نتمي لتجرـالبين يدينا، هي نصوص ت 59النصوص الـ.. 3

، هو من أكثر األشكال شيوعا، خاصة )هندسة/ شكال(وإنا لنجد أن النص القصير .. شكال لهذا النتاجوأهم ما يميز هذا الشكل هو القصر الذي يوفر مرونة .. في السنوات األخيرة، وبين النتاج النسوي

التكثيف واإللماح، وهو يفيد في الخروج عن النسخ في المشهد، دون اإلطالة بتحقيق/احتواء الحالةالتنويع على الموضوع الواحد، كما يوفر فرصة التكامل بين العنوان والنص، بحيث يكون العنوان

.جزء نص ال وسماهذه المجموعة تقدم هندسة مغايرة، وهي هندسة بدأت تظهر بشكل ملحوظ خاصة في النصوص

رنت، وأفترض إنها نية مبيتة من الشاعر، وهي محاولة للخروج عن نمطية المنشورة على شبكة اإلنت، فهي ال تنحاز ألي من جوانب الصفحة، بحيث )الهندسة المحايدة(العادة، وهذه الهندسة الجديد أسميها

تتخذ من وسطها قائما النتظام النص، بإيجاد محور النص اإلنشائي في وسط الصفحة، هذا الشكل هو ثورة التي أحدثها الحاسوب بدخوله حياة الفرد، والشاعر استفاد منه للحفظ والسرعة في نتيجة ال

هذا الشكل الهندسي للنص يعمل في اتجاهين متضادين، .. استخراج النص وتنضيده بالشكل الذي يريد، منتجا حالة تمدد، أو خلق إيحاء باالستئثار بالسطر، واستهالك )جانب للصفحة(ناحية كل محور

ن هذه الهندسة تحول النظر للبياض، بحيث يحيط بالنص دون الزج به في أحد إبياض الصفحة، كما ملمح آخر هو هيئة الكتلة المتزنة الناتجة عن هذه .. الجوانب، وكأن النص لوحة مرسومة على البياض

ا للبعيد، للعالقة على عالقة بالنص، وهي عالقة تقودن) أبعاد(الهندسة، والتي قد تشكل كتال ذات أشكال .الصورة والمعنى، كما استثمرته اللغات القديمة/األولى بين الرسم

26

عادة ما أحب التقديم للنص، باإلعداد قبل الدخول له، بتناول الخطوط العامة أو بعضا من القضايا .. 4ذا التقديم هو ه.. الفنية التي يتناولها النص ويشترك فيها كتجربة شعرية مع التجارب الشعرية األخرى

.المفتاح العام للنص حتى يتم من بعد الدخول للمفاتيح الفرعية، التي تتعلق بالنصمنذ البداية، من النص األول تطالعنا تراتبية خاصة بالنص، وهي تراتبية اإلعداد المسبق للفكرة

ن خالله ومعالجة الصورة المقترح إخراج الموضوع فيها، فيعمل الشاعر على فرض ترتيب يكون م .النص في هذه األدوات ال كما يفترضها التخييل

فبأي حاسة يشمها / البذرة ال تغوي أحدا/ ليأتي مدفنها في السر/ أنتم من تحرضونه: (الذكر/ نص .1)المطرولم تملنا / إياها/ من القنينة/ ترى كيف شربنا/ لم يتطور مع الموضة/ حمرأالدم : (دوائر/ نص

.2)الفوضى

راتبية أو الترتيب هو من يقوم على تشكيل النص في الصورة، الذي يبدأ بتقديم الشكل العام أو هذه التوالخلوص إلى الخاتمة التي يراها الشاعر ) الدم أحمر// أنتم من تحرضونه (الطرح األولي للفكرة

وبين التقديم ، )ولم تملنا الفوضى// فبأي حاسة يشمها المطر (خالصة طالما هو المحرك لدفة الفكرة والخاتمة يتحرك النص عادة في حركتين انتقاليتين، لترتيب الخط العام للنص، وهي حركة تغير في

بمنطق (هذه الحركة تأتي من مبدأ الطبيعة، بمعنى إنها تأتي بشكل طبيعي .. تكثيف النص والخلوص بهصل التقديم عن االنتقال فال ينف) منتجة(، عملت الشاعرة على موالفة الحركات )تسلسل األحداث

هذا نطالعه بوضوح في توزيع أسطر النص، التي وزعت بطريقة .. للخاتمة، في نص ملتحم متصلمنضبطة ال تحاول أيا من إجراءات القطع أو توزيع الجملة التامة على السطر، وهو إجراء يؤكد غاية

هي فكرة الشعر العربي القديم أو المتن دون الشكل، وهي خدمة المعنى في اكتمال الشكل وتناظره، ونظامه الضبطي في العمل على االنتهاء من المعنى في البيت، بمعنى أن يكون المحتوى من ذات درجة

.الشكل، وهو نوع من التوازن تطلبه الشاعرة لتحقيق غايته في نص متكامل ابك القلوي يتذوقني لع/ ستجعل/ فالنهشة منه/ احذرك من لحمي/ أيتها المكواة(تقاطع / نص.. 5

.3)ويعوي، الشعر العربي يعتمد على تكرار وحدة إيقاعية تسمى )||0|/ || 0|) (يعوي/ لحمي(ما الذي يتوافق في

بالقافية، وهي الضابط اإليقاعي في القصيدة، بحيث تعمل من خالل الضبط على وحدة الشكل العام عز وجل قرآنه الكريم بيانا وسحرا، موجدا في بيانه للنص، أما في النثر فكان السجع قبل أن ينزل اهللا

هذه النصوص تكشف نمطا إيقاعيا أقرب للقافية دون السجع، فالنثر هنا ال .. ما عرف بالسجع القرآنييندرج في الكتابة الخالصة للنثر مذهبا، وبمعاودة قراءة هذه النصوص، نقف بوضوح على هذا النظام

.عتمد على وحدة إيقاعية، عادة ما تكون مفردة مستقلة، كضابط إليقاع النصاإليقاعي، الذي يكاد يلدية بعد سنوات من / لقد برع في هوايته دون عنف/ هوايته قتل البعوض بالكف: (ال شيء/ نص

.4)لألسف/ بنك كبير من الدماء الفاسدة/ الممارسة

لذي يحققه توالي هذه المفردات في لقراءة النظام اإليقاعي ا) لألسف/ عنف/ بالكف(لنقرأ ونركز أغلب نصوص المجموعة على هذا النمط إن لم نقل كلها، وربما معرفتنا بتاريخ الشاعرة في .. وزنها

كتابتها ألجناس أدبية تختلف عن الشعر، وإن كانت اللغة قاسمهما المشترك، إال أن البنية والمركبات الحرص قائد الحالة متمثال في أكثر من إجراء عمل أن تختلف وتحت الحاجة لكتابة تجربة إبداعية كان

.تكون النصوص صورة الكمال الممكن

27

التأثير الواضح للقصة في العمل على التفاصيل، وأيضا أفي ذكرنا لتاريخ الشاعرة اإلبداعي، نقر.. 6يد نتخطى ونحاور بعض جوانب النص األخرى، خاصة االعتماد على الرص.. التراتبية المقنعة

المعرفي الظاهر بوضوح، في مجموعة من التضمينات التي كونت وشيجة النص، وهو رصيد معرفي التي تقف عليه الشاعرة، وهي تعمل من خالل هذه ) كمعلومات وبيانات(يعبر عن المدى المعرفي

.الحالة بها/ المعرفيات باتجاه تمثلها ال تفكيكها وإعادة إنتاجها في النص، هي تشكل الصورة/ كالهما مصاص دماء/ التصق القلفاطي بجسد السمكة/ التصق القراد بفرو الكلب: (دراكوال/ نص

.5)فعفا اهللا السماء/ لألرض كلب/ للبحر كلب

هي خلو السماء من مظاهر أشكال مصاصي الدماء، وهي ) كقراءة غير نهائية(غاية النص المضمرة ي الخالص والرحلة الخاتمة، هنا تقابل الشاعرة الحياة تشير إلى ما تمثله السماء من قيمة قدسية، فه

العليا بالحياة الدنيا، التي يتمتع بحرها وأرضها بمصاصي الدماء، متمثلة حالة تتطفل طبيعية في مثال السمكة، وربما غاب عن الشاعرة أن القلفاطي ال يمتص دماء السمكة بل /الكلب، والقلفاطي/القراد

في أعلى جسده، ويقوم بالتغذي على الفطريات التي تغطي جسد السمكة يتعلق بها من خالل قرص .، وما المبدأ المعروف في علم األحياء بتبادل المنفعةوفضالتها

:6الماء في سنارتي/ نص

ا الماء في سنارتي ل والخيط بيدي تماما م والماء في سنارتي

ا والخيط في يدي وأنا صاحية ء الماء في سنارتي

ط في يدي وأنا نصف صاحيةف الخي ي الماء في سنارتي

س والخيط في يدي وأنا على يابسة الندم ن الماء في سنارتي

ا والخيط ليس في يدي ر الماء فوق سنارتي ت والخيط في يد الماء ي الماء فوقي تماما

.وأنا في سنارته

ن التكرار يعمل لصالح النص صورة متكاملة لبناء نص حديث، نص يتقصد دربه، وكل الحركات، عا، إنه يرصد كحالة أو مجموعة صورة ثابتة الزمن المرافق، دالنص وهو تمكرار منتج ال يعمل وحي

، وهو = ...)أعلى على يابسة الندم= نصف صاحية= أنا صاحية= الخيط في يدي(ويفسر الفعل ، ومن بعد تتشكل )رتيالماء فوق سنا> -الماء في سنارتي (التحول الذي يؤكد أنه ال شيء ثابت

).وأنا في سنارته> - الماء فوقي(الصورة من جديد، صورة التحول تجربة إبداعية تضاف " نجوى بن شتوان"، تقدم من خاللها )الماء في سنارتي(هذه النصوص .. 7

/ األفكار/ تقدم عمال ذهنيا في مجموعة من الطروحات 59لعملها في المقالة والسرد، فالنصوص الـا هأن تكتبها في شكل نصوص لعلم" نجوى"التمظهرات المعاد تحليليها بشكل خاص، رأت / مالحظاتال

،بإمكانات النص الحديث، لكن قد ال يستطيع النص الحديث إقامة عالقاته المباشرة مع هذه المفارقات

28

تتخلى عن المجاني، خاصة وإن الشاعرة هنا/ ن لم يعمل النص بعمق أكثر فيها، دون الطرح العاديإ .اللغة لصالح ما أعدته

الماء في (المجموعة، نصوص تترصد الصور والمفارقات، تعكس في جدلها بداية من عنوانها .إمكانية استغالل الوضوح والمباشرة من أجل إنتاج نص خاص، نص يعمل بهدوء وعقالنية) سنارتي

:هوامش .12: ص/ 2004طرابلس -تمرمنشورات المؤ -)الماء في سنارتي(نجوى بن شتوان -1 .32:ص -المصدر السابق -2 .35:ص -المصدر السابق -3 .48:ص -المصدر السابق -4 .41:ص -المصدر السابق -5 .21:ص -المصدر السابق -6

2005/أغسطس- يوليو.. 42- 41: العدد.. مجلة المؤتمر

29

أنـثى ال تتـحدث كـثيرا.. أنـثى جديـدة "*خلود الفالح"لـ.. بهجات مارقة: جموعة الشعريةقراءة في الم

]1[ بالحكي، آخذة إياه في ممالـك " شهريار"ها التي تغلب ند" شهرزاد"ربما لم يعد من الالئق بالمرأة دور

ظلت المرأة أسيرة هذه و.. السرد، تعقد القصص والحكايات، وتفرع عنها الحوادث، حتى هربت/القص .ة في لسانهاالصورة، صورة الساحر

طردت مبكرا هذا الـدور، متخليـة عـن دور _ خاصة_شف أن المرأة المبدعة، في الشعر ـإننا نكتالحكائة التي يتحرك فعلها ليال فقط، دون النهار، وكأن عليها أن تظل حبيسة الكلمات، تحول الكالم إلى

.ءشخوص، وتصنع الممالك والبالد، وتصوغ الحدث من أجل كل هذا وهؤال

وبإيمان تام، أقول أن تجربة النص الحديث، مكنت المرأة من مرآة أقدر على إراءتها المشهد حقيقيـا، الموكول إليهـا التسـرية " شهرزاد"وكأنه الطلسم الذي فك قوى المرآة السحرية التي ال تظهر إال وجه

لقد رأت الشاعرة في خروج .. لقد استطاع النص الحديث، تفعيل الدور إلى الفعل والمشاركة.. والتسليةوهي حتى .. هذا النص خروجها عن أنماط التقليد واالتباعية والقوالب المعدة سلفا لما تشغله من أدوار

إن استثمرت هذا المنجز لنسج سرد مغاير، تكون فيه الذات صارخة التفاصيل، فهي تعود إلنتاج نصها .من جديد، الصارخ بكل ما فيها، بداية من جسدها

]2[

فأقول أن شاعرات الجيل الثاني استطعن تقديم .. نا الشعرية الليبيةـلو قبلنا بمصطلح األجيال في تجربتكصوت شعري ال _نماذج شعرية مميزة في مسيرة التجربة الشعرية الليبية، ورغم أن الصوت األنثوي

وقـدرتها علـى كسـر يظل خافتا، إال أن نماذجه تقدم صورة عن نضوج التجربة الشعرية،_ كنص .القاعدة، والجرأة في الطرح والخروج عن االعتيادي

مجموعة شعرية صغيرة، يدلنا حجمها الصغير الذي تحدده العين بحجمه في اليـدين، .. بهجات مارقة

أما المتن الشعري، فهو أيضا ينتمي لـذات التفاصـيل الصـغيرة، أو لنقـل .. الغالف مشغول بعنايةعنوانا شعريا، فـبعض 16، وجاءت في "خلود الفالح"ة، المجموعة بإمضاء الشاعرة التفاصيل القصير

العناوين انقسمت إلى عناوين فرعية، وقد شغل هذا المتن الشعري جل صفحات المجموعة، فلم يتـرك .البياض المطلق إال نادرا، أما النصوص فلقد استأثر كل منها بصفحته الخاصة

]3[

كما ظهر لي (لهذا النص مع اقتراح الومضة، فالشاعرة ال تحاول أن تبلور مشهدها أختلف في قراءتي بين الفترة واألخرى، بذا تكون هـذا الزفـرات ) نفيسـالت(نفس ـ، بقدر ما تحاول الت)على أقل تقدير

جعلـه فـي (نصوص، ال أستطيع أن إال أن أراه نصا واحدا، وإجراءات القطع المجراة لتفقير للنص هذا ال يفرض أي شكل من أشكال التنـاقض، فـالنص .. حالةاإل، هي دوائر متسلسلة، متتالية )تفقرا

بنائيا هو هيكل عمودي قائم، والوحدات اإلنشائية لهذا الهيكل، هو عمل الشاعرة في إنتاج هذه الوحدات ]:وحيدا يغفو الليل[تقول .. وتركيبها من بعد طفولة

حالمها الصغيرةحين كانت ترسم على الجدران أ

30

تلعثم الفراغ بهدوء ارتدي ارتباكه و مضى

محرك بحث يثقب الغياب أردية العمر

و مازلنا نبحث عنا تساؤل

تلك السماء البعيدة أتراها تبكي موتنا األخير

زيارة ذات لقاء استأنف الرماد حضوره

رحيل لملموا أمانيهم و مضوا

لكن إطارات الصور تبتسم في انتظارهم ، أو )زيـارة / رحيـل / طفولة/ تساؤل/ محرك بحث(ذا لو قمنا بإعادة ترتيب هذه المقاطع؟، كالتالي ما

وهناك أكثر من ترتيب آخر، ثم ماذا لو عمـدنا ) محرك بحث/ طفولة/ زيارة/ رحيل/ تساؤل: (رتبت .لعناوين؟إلى إجراء آخر، بأن قمنا بحجب العناوين والعمد إلى إدراج المقاطع متتالية، أي وظيفة ل

إن الهيكل البنائي القائم للنص يمكنه من أن يظل هيكال في إي من أشكال الترتيب، وهذا يجعلنا نمارس لعبة البعثرة والترتيب، بيقين أننا سنحصل على الشكل ذاته في كل مرة، وإنا حتى لـو قمنـا بإزالـة

خذ أماكنها لتكـون ذات الشـكل ، فالوحدات تظل قادرة على أ)وأقصد العناوين(عالمات هذه الوحدات إن القراءة المتكررة لهذا النص تؤكد هذا، حتى إنها تبيح لنا مغامرة أن نعمـد إلـى ) .. الهيكل القائم(

العناوين الرئيسية وحجبها، وإعادة قراءة النص من جديد، سيكون النص مغلقا على نفسه، هـو ذاتـه لمجموعة هي عملية تصنيف تخص الشاعرة وحدها، ن العناوين في هذه اإالنص الذي كان قبل لحظة،

، إن الـنص يقبـل )مادام تعاملنا معه، ال مع الشـاعرة (ال تخصنا نحن، وتظل عملية خاصة بالنص إن التشكيل السهل للنص في ).. مغلق(محاولتنا لسبره، ويتعاطانا طبقا لهذه المعطيات، أنه كائن مستقل

امر ليتجاوز إجراءات البعثرة والترتيب، وإزالة عالماتهـا، ليظـل بنائه العمودي القائم، هو تشكيل مغيمكن تطبيق هذه اإلجراءات بكل سهول، في حال الحصـول علـى نسـخة (محافظا على شكله قائما ).حاسوبية لهذه المجموعة

فـي الجملة .. من ذات المنطقة السهلة، ال مكان للمنتجات المركبة في هذا النص، النص مبدأه السهولةالنص جملة مخلصة للحالة، لصورة المعنى المراد، نسميها جملة تصويرية أو موازيـة، إنهـا حالـة

لملموا أمـانيهم (اقتناص وفي ال يعبئ بالقواعد، فتخرج عن تعريفها في المعنى، فتكون جزأ من حكاية ء بمـيالد أيزهـر النـدى احتفـا (، وتارة سؤال )لكن إطارات الصور تبتسم في انتظارهم/ و مضواأما مـا ).. البعيد.. هدوءها الجميل / لمساءاتي المرتبكة/ وما من مسرة تعيد(، وأخرى عبور )الغياب؟

يجب االعتراف به فهو جرأة العمل على تقطيع الجمل دون إطالقها، وهذه مالحظة عامة أراها محاولة بر، أو إيجـاد حالـة مـن نالنص على الخروج في تواتر هو أقرب الصور لالنتظام بقصد ال في جبر

نه إجـراء إ، وبالمراجعة أكتشف أن هذا اإلجراء هو إجراء أدائي، بمعنى )من اإليقاع(التواتر الموقع .مرافق لحالة قول النص، وهو عمل يعتمده الشاعر حال اإللقاء، وهي إجراءات مقصودة

]4[

تاريخها الطويل من الحكاية والغوايـة، فألنها تخلت عن تاريخها الطويل، .. أما لماذا هي أنثى جديدة؟إنها تخرج عـن سـيطرة المـوروث ) هذه األنثى(مقابل أن تحقق ذاتها في هذه المقاطع، فلقد أدركت

، من خالل االستغناء عن وفرة الحكي والسـرد إلـى االكتفـاء بالخصـيص، )سلطة الذكر(الذكوري

31

كل المشهد الحادث من حولها ثمـة لحظـات إنها تكتشف أن في .. الخاص الذاتي في كل هذه الحكايةقصيرة، هي ما يخصها، هو ما تعيشه، لذا فهي تارة تقف سائلة، وتقف على لحظتها في قصة عبـرت

عندما اختارت الشعر لم تختره فعـل " خلود.. "الطريق أمامها، وتقف على جزء مهم من لحظة عبرتهاالتي تعترف الشاعرة بحضورها القليـل، ) البهجات(غواية، بقدر ما كان الشعر حالة رؤيا، فكانت هذه

السريعة، التي قد ال تكـون ) مارقة(في هذه المقاطع المختطة بعيدا عن البوح، فكانت في صورتها الـنه نص اللحظة، اللحظة التي تمرق، التي يبدأ بعـدها إ ..أكثر من لحظتها، حتى تعيشها الشاعرة تتوقف

جز الشاعرة في تجربة الشعر الحديث، قدرة على تجاوز ما كان في وجود فعل االنتباه والرؤيا، إنه من .إنها أنثى جديدة، أنثى قادرة.. اإلمكان القادر على صوغ المسألة بعيدا عن تداخالت الغير

:هوامش .2003/القاهرة-مركز الحضارة العربية_ )بهجات مارقة(خلود الفالح *

2006اير ين - 124:العدد - مجلة جيل ورسالة

32

حديث عن الومضة والعصرنة

بتجربة الحداثة، دخلت الشعرية العربية أكثر من تجربة أثبتت فيها نفسها نصا تجاوز نفسه، وألن نصه، وهي تحقق بما تتيحه من أدوات /لغوية، فإن اللغة من يتجاوز بها الشاعر نفسه/النص لعبة لغة

وعندما بدأت قصيدة النثر تنتـشر نصا وتنظيرا، .. لمغامرةومواد خام، الفرصة للتشكيل واإلبداع واكان من أساسياتها التكثيف واإليجاز، لكن النماذج األولى كانت غير هذا، فلم تكن نصوصا موجزة بل

، حتى التبس األمر على البعض، فعاب في )سواء في التجربتين، العالمية والعربية(نصوصا طويلة ، بينما الغاية قصدت المعنى في )وأهمها التكثيف واإليجاز(خروجه عن الوصايا النص النثري الطويل،

ومع تقدم التجربة، صار من الجائز أن تعمل على تغيير ).. أو وحدات النص/ الفقرات(المقاطع طرائقها وأشكالها، حتى أمكننا مطالعة النصوص القصيرة، التي يراوغ فيها الشاعر رؤيا بحجم الكرة

هذا النسق البنائي للنص في قصيدة النثر، حول التجربة إلى هذا المشهد، ومن بعد صار األرضية،الشكل (النص قابال لالنوجاد في نسق بنائي خاص، يعتمد على ما يحمله ال على شكله الهندسي

ن م" قصيدة الومضة"وكانت .. ، وبتعبير فيزيائي االعتماد على الطاقة الكامنة في هذا الجزء)الخارجيالومضة الشعرية، الومضة، النص : نذكر منها(هذه األسماء الكثيرة التي أطلقت على هذا النسق

).البرقي

ومن ناحية أخرى يمكننا قراءة هذا النص بطريقة أخرى، فمتطلبات العصر الحديث تفرض على الوقوف على اإلنسان إيقاع حياة أسرع، ووقت أقل لمتابعة ما يريد، حتى أمكننا في الوقت الحالي

، بحيث يختصر المعنى في مجموعة من الحروف والتراكيب الخاصة )قصيدة الموبايل األولى(مسابقة من هذه الوجهة يمكننا القبول بالقصيدة البرقية، أو .. التي اصطلح عليها متعاملي الهواتف النقالةلمجموعته " جمعة الفاخري"ص بهذا يقدم الشاعر والقا.. الومضة، نصا موازيا لمتطلبات عصر السرعة

)*.حدث في مثل هذا القلب(الشعرية يطرح الشاعر رؤيته لهذا النص، وكيف أن إيقاع التسارع الحياتي، ضغط األشياء وقلصها، فهو عصر

أسرع وقت، وهذا التقديم ال يطرح فيه الشاعرة تعليال /أخذ في أقلالحجوم الصغير، واألشياء التي تيجاد دوافع ودفاعات وجوازات، بل هو القصد إلى الكتابة، والوعي بما يحف لنصه، يحاول في إ

مازال يكتب نصه الشعري الخاص، سواء ومضةباإلضافة لل" الفاخري"بالنص من تنظيرات، فـبرغم تورطي الحميم في نسيج القصيدة المطولة، إال أني أظل : (، يقول)التفعيلي(التقليدي أو الحر البرقية، هي إلماعة مدهشة، إيماضة مثيرة، بسترة موفقة آلالف الكلمات المتزاحمة، مفتونا بالقصيدة

ولن نتـتبع األسماء الكثيرة التي منحها لهذا النص، .. 1...)وتكثيف لرؤى ومشاعر وأحاسيس متعددةفلقد كان يحاول أن ينوع على هذا النص من خالل صفاته التي يتخطى بها مستويات التعاطي الشعري االعتيادية، ثم يقترب بهذا التعاطي من متطلبات العصرنة أو الحياة العصرية، وهو بهذا ال يعلق األمر على مقولة الحداثة وما بعد الحداثة، إنه يربط األمر باإلنسان، بما يحتاجه، ليكون جاهزا، وهكذا فإن

ح القصيدة المكبوسة بإحكام، العصرنة تقتر: (هذا النص البرقي يلبي حاجة الشعر واإلدهاش فيه، يقولللكبسلة المتوقعة، والبسترة المنتظرة، الشعر متداع نحو التكثيف - حتما–فرحابة الشعر هذه آيلة

، ]الساندوتش[متهافت على االختصار الشديد الملح، هذا زمن االختصار المتسارع، عصر .. الجميلة فيمكن تعاطيها من هم التفكير، أو جميل أن يوصف النص بالكبسول.. 2])الميني[عهد القصيدة

بالساندوتش الذي من السهل أكله سريعا في أي وقت وفي أي مكان، أما الميني فلن يتكلف معه األمر .أكثر من نطق اسمه

33

، والحياة ومضة، هكذا حدثني هذا .. (...ثمة بعد فلسفي تأملي، يعول الشاعر عليه في هذه المقدمةمهما طالت الحياة فإنها تظل .. 3)ارا في هذا القلب، وفي مثل هذا القلبالقلب، أعني كما يحدث مر

.لحظة، لمجموعة اللحظات السعيدة والحزينةفإن كل نص ) اعترافات(و) مشاكسات(نصا، باستثناء 46أما نصوص هذه المجموعة، فتكونت من

في المساحة التي تأخذها استقل بصفحته الخاصة، مرخيا البياض من حوله، حتى لتوحي هذه الهندسةالحروف السوداء للنص، بأنها المساحة الصغرى الظاهرة في البياض، وهذا يقابل اللحظة

ــر/نقتطف من هذه المجموعة، نص.. المتشابهة/الملتقطة في سلسلة الوقت المنتظمة/الظاهرة :4سك على بلور خديك

تبخترت القصائد حافية تراقصت كعروسفغفت ألف أغنية

على شفاهك الظمأى وسكرت القافية

على مبدأ التقابل، أو ما يمكننا تعريفه باالتزان، فالنص يعتمد ) في معظمها(تقوم نصوص المجموعة

تقابل طرفين اثنين، هذان الطرفان يلعبان لعبة الموازنة، فالطرف األول يقابل الطرف الثاني على خط فين، هذا التقابل ظهر في أكثر من شكل، وأكثر من مستوى تواصل، يظهر العالقة المترددة بين الطر

طرف - القصائد(و) طرف أول- الخد(في النص الذي أوردناه يمكننا قراءة هذا التقابل بين .. دالليسكرت / غفت ألف أغنية/ كعروستراقصت / تبخترت القصائد(، وعلى الخط الواصل بينهما )الثاني/ مثل ريح/ تتسكعين بنبضي/ فارغ منك دربي/ أهول بك عمريم: (وفي نص آخر نقرأ).. القافية

).. تشغلين/ تتسكعين(وعلى الخط الواصل يتردد ) دربي/عمري(الطرفان هنا .. 5)تشغلين كالحزن قلبيأكثر من ) العمر والدرب(، فإن العالقة بين )الخد والقصائد(وإن كانت النضارة واإلشراق ما تجمع بين

والشاعر .. تباطي للزمن المستهلك في السير، فكالهما له عثراته وانحنائاته ومطباتهمجرد التشابه االعهنا يمارس لعبة المراوغة واالختباء، فهو ينوع في أشكال العالقات، ويبحث في الجدوى من إجراء

حيث والتقابل، هو أحد األشكال التي تصف هذا النص البرقي،).. لعبة الموازنة(مثل هذه اللعبة بينهما قابل ال يشترط أكثر من خط واصل، إلنتاج صورة يكتمل بها النص، وعلى المتلقي من ـبين طرفي الت

.مس هذه النص/بعد العمل على حس

كان أثره واضحا في هذه النصوص، في _ كما يقول_لكن يبدو أن تورط الشاعر في القصيدة العربية اعتماد النص بنائيا على وحدات إيقاعية متجاورة، وثانيا توقيع هذه الوحدات بتوقيع نهايتها على ذات

ل هذه جمل النص، وإن كان يظهر من خال/الوقع، وسنالحظ أن ثمة قافية انتهت بها وحداتالنصوص، نزوع الشاعر إلى قطع هذه الوحدات اإليقاعية المتجاورة، لكن وحدة توقيع النهايات يوجد

.الجمل/نوعا من التناغم بين هذه الوحداتوقد تتابعا، هذان النصان ) اعترافات(و) مشاكسات(نصان فقط خرج بهما عن انتظام هذه المجموعة،

قائم من مجموعة مقاطع منفصلة كوحدات، يجمعها خط واحد، ولقد نص ءاعتمد فيهما الشاعر على بنا، أما الثاني )مشاكسات(على عنونة كل مقطع بحرف من حروف ) مشاكسات(عمد الشاعر في

لم يؤثر توزيع الحروف ) مشاكسات(ففي .. فالفصل كان اعتياديا دون تسمية هذه المقاطع) اعترافات(بة في ممارسة مشاكسة الشاعر على النص، فيقسم الحكاية على على النص، غير ما يوحيه من رغ

تلك / ياللكسولة(، ومن ثم يشركنا حدثه اآلن ..)كانت، وكانت، وكانت(مقاطع النص في سرده عن شكال (ير أي من مواقع هذه المقاطع دون أهتزاز البناء العام للنص ـ، وهذا البناء يمكن من تغي)البهيةفلم يعمد الشاعر فيه إال ) اعترافات(أما .. اه المعنى او الخط العام للنص لم ينقطع، طلما أن اتج)ومعنى

للنجوم الطباعية للتحديد المقاطع عن بعضها، لكن بخالف النص السابق، فإن هذه المقاطع وإن جاءت

34

السابقة مفصلة ظاهرا، إال انها تشكل لحمة واحدة، حيث عمل الشاعر على تعليق بداية المقطع بالنهاية ، موحيا لنا بأن الظاهر أمامنا هو )واو(له، حتى في مقطع البداية، فالشاعر يبدأ المقطع بحرف العطف

جزء من آخر غير ظاهر، فيعمل هذا الحرف على ربط الحالي بالماضي، حتى يتكون األمر سلسلة، ال .يمكن إعادة ترتيبها إال بفصل أحد الحلقات

هذه النصوص، أنها ابتعدت عن تكوين المشاهد والصور، فلم يفعل الشاعر أما ما يمكننا مالحظته في التخييل فينا، محددا العمل الشعري، عمال لغويا، تقوم اللغة فيه على نقل اإلحاالت وما يعمد إليه الشاعر من معنى، وهذا من ناحية قـد يجعل النصوص مجرد رسائل أو تسجيالت للحظات أو

.من ناحية يغيرنا بالمتابعة للسالسة التي يطالعنا بها نصا بعد نصالومضات البارقة، و

، فما أوحى به العنوان خالف ما )حدث في مثل هذا القلب(وأريد أن أقف عند عنوان هذه المجموعة خمنته قبل القراءة، فهذا العنوان اإلخباري، كنت خمنت أنه ال يمكنه إال أن يكون نصا تقليديا أو حرا،

التي صنفت هذا ) قصائد(عرفتي السابقة بالشاعر، والطابع الرومانسي لهذا العنوان، ومفردة من ملكن ما حدث بعد فتح الكتاب أني وجدته مجموعة من .. الكتاب، فاجتمعت كل الظواهر في ذات االتجاه

ربما ف) قصائد(أما .. ن الشاعر يسجل لحظات مرت في هذا القلبأ، وك)الومضة(النصوص البريقية أرد الشاعر إثبات أن جوهر الشعر واحد، وأن الشكل الجديد ال يخرج بالنص عن جوهره الشعري، وطالما كانت القصائد ما قصد فيها الشاعر معناه، فإن هذا النص وهو يستجيب لذات الشروط، لن

).قصائد(يكون من الخطا أن تكون هذه النصوص

:هوامش .2004-1ط/ اإلسكندرية-دار اإلندلس/ شعر) هذا القلب حدث في مثل. (جمعة الفاخري* .6:ص -المصدر السابق -1 .9:ص -المصدر السابق -2 .10:ص -المصدر السابق -3 .21:ص -المصدر السابق -4 .28:ص -المصدر السابق -5

29/1/2005- 28_ 4524: العدد_ صحيفة الجماهيرية

35

في اإلخالص لها.. في معرفة الذات سعاد سالم: ، للشاعرة)الصدفة، كل ما أنا(ي مجموعة قراءة ف

، كنتاج طبيعي )من السر(بعيدا عن التجنيس، فالنص األنثوي نص ينطلق من قصد البوح، أو اإلسرار فالذات هي المحور، ورغم هذا فالنص ال يعيد نفسه، ال يعيد إنتاج مفرداته، إنه ينتج .. لميراث الذكورة

ه األساسية التي يتحرك في فلكها، هذا االشتغال هو ما منح النص هدوءه، في البعـد بالحفاظ على ثيماتطالبة والصراخ، فالنص يكتفي بذاته، وصفا وبوحا وسردا، فإنه لين يكون مشاكسا إال في الغور معن ال

.باكتشاف نفسهناتها وتاريخها، وهو خلص لكل مكوأنص هادئ، لم يخرج عن دائرة الذات، ) الذي بين أيدينا(والنص

هـذه ،ما مكنه الخروج عن دائرة التكرار، فهذا اإلخالص هو قدرة إدراك ومعرفة حدود وإمكانـات المكونات وما يمكن لتاريخها من أفق لالنطالق بكل حرية، وإن لم يشتغل كثيرا على السرد في إنتـاج

.لها النصية، في اتجاه السماع أكثر ناحية الكشف والتمظهر تهمنظوم

عن العنوان والنص] 1[، وثـان متعلـق )الرئيسـي (أول يعني بالعنوان العام للـنص .. في النص تعمل العناوين في مستويين

في ) المجموعة الشعرية(بالنصوص المكونة، بحيث تعمل هذه العناوين النصوص المكونة لجسم النص ، أما مجموع هـذه النصـوص قسمهاوتشكله العام، وهي تعمل على تحديد هذه الوحدات أو النصوص

، وهو علـى غيـر 1)الصدفة كل ما أنا(الذي خرجت به هذه المجموعة ) الرئيسي(فهو العنوان العام أحـد عنـاوين النصـوص ، في أن يكون)الشكل األكثر اتباعا في تسمية الموجوعات الشعرية(العادة

قة لهذا العنوان بأي من نصوص المجموعـة، حد الجمل أو المقاطع، لكننا ال نجد أي عالالمدرجة، أو أ . وال أحد مركباتها، واضعا إيانا أمام احتماالته

نه حالة من بوح، بنية توصيف الذات أو وضع وصف لهـذه الـذات ألو أعدنا قراءة العنوان، لوجدنا ما يتعلق ، وكل )الصدفة أنا/ الصدفة (، وهذا التوصيف لم يختص بالذات في مفردة التوصيف )حالها(

.في الكل الذي يمثله النص) الصدفة(، هذا ما يقودنا لمحاولة اكتشاف )كل ما أنا(بها مر سلسلة فإنه يتحول إلى عتبة لدخول النص، فيعود األ) كمنظومة مغلقة(ولو علقنا هذا العنوان بالنص

موسـعا دائـرة ،)كل ما أنا(يعمل النص من رصده لها، حاصرا الرؤية في نطاق ) مصادفات(صدف ).الصدفة(في حدود إمكان ) رؤيويا(احتماالتنا

كـل (تساوي ) الصدفة(مبدأ الجملة في المعنى الذي تقدمه، يحول هذا العنوان حالة تساوي طرفين، فـهي معامل ) كل ما(، ونستنتج أن )الصدفة= أنا (أو ) أنا=الصدفة(، وبشطب الزوائد يكون الناتج )ما أنا

.بغرض استحقاق هذه المساواة وإشباعها) الصدفة(مقابل ) أنا(الطرف العنوان جـزء مـن منظومـة الـنص (ونحن نقطع سلسلة االحتماالت في إمكان ما يمكن لهذا النص

.قها وطالقتهـفأمن إثبات تعلقه بالذات واالستفادة من شساعة ) الكبرى

عن إعادة إنتاج الحكايات] 2[ : رواية/ نص

قرب الجابية بتهراق

التقطته قبلته

36

.2فـغدت ضفدعة

لية، وجسر عبور، وهذا أو كون النص ينطلق عن قـصد، فهو يعمل على إثارة الرصيد المعرفي مادةالنص ال يعيلمادته منهجا خاصا، فهو نص منفتح على هذا الرصيد المعرفي، دون ترتيب، فالغايـة ن

ـ يتمد حكاية غربنص يع) رواية(هي إنتاج نص مكتف بمادته، ونص نتمي للتـراث ـة، حكايـة ال تالعربي، وهي حصيلة تجربة قدمت خاللها هذه الحكاية، لكن النص ال يعمل على إعـادة سـرد هـذه

، فبعد أن مكثت الحكاية وقتها، وتحت الحاجة عملت الشـاعرة علـى )عادة النص غير أمين(الحكاية ي حددتها، فاختارت اللحظة الحاسمة، لحظـة التحـول، إعادة إنتاج هذه الحكاية ضمن حدود الدائرة الت

فالنص األصلي يحكي هذه اللحظة، أن األميرة لحظة قبلت الضفدع عاد لصورته األول أميرا متوجـا أخذ ما يمكنه االستفادة (لكن النص أعاد إنتاج الحكاية بصورته التي أراد ).. اللعنة/القبلة ترفع السحر(

، )يمكننا اعتبار هذا تـدخال جـائرا (فتمت إعادة إنتاج مفردات النص كاملة . ).منه، بعد عملية الهضمالقضاء علـى رومانسـية القصـة (فالبحيرة تحولت إلى جابية، بحيث نسفت معطيات الحكاية األصل

/التقطته/راقبته: تدلنا تاء التأنيث عليها في(، لتحويل الوجهة باتجاه آخر، إنه يرصد هذه الفتاة )بالكاملقط ضفدعا لرفع السـحر فتقـع ـالجالسة قرب الجابية، تراقب الضفدع، وتحت تأثير الحكاية تلت) قبلته .فيه

، إن رصيده المعرفي، )والتي تمثل جزء من رصيد الذات وتاريخها(إن النص ال يكتفي بإنتاج الحكاية ) يـا دارا (، أغنيـة "فيروز"دة فحتى أغنية السي.. كل الرصيد المعرفي قابل إلعادة اإلنتاج، بال استثناء

وال يغيـب التـراث العربـي .. 3/...)على الحلوى المكشوفة/ تتجمهرون/ وبقيتم صغارا/ كبرنا(تعاد كل من عليها / نعم(وأيضا .. 4)وناب ذئب/ عن عواء الغريزة/ مهجورة/ في ألف ليلة/ نمت بغير نار(

.5)ظن الناس/ سوى/ فان

عن دائرة النص] 3[ : ةهوي/ نص أدعى

امرأة الفواكه ال أعمر

وتحار بي .6المواسم الحازمة

لم يحاول النص أن يشدنا إليه في مساربه، لقد اقترح أن ينقلنا في خطوات سريعة وقصيرة متتابعـة،

.. فحاسة الرصد أو تقنية الرصد مكنت من إمكان أن يتم العمل على النصوص القصيرة، على الجمـل ويغامر، عن تقنية النصوص القصيرة، تـفيد كآلية لكسر حاجز الرغبة فـي إنه يسأل ويبحث، يقترح

السرد، وأيضا تجعل من الممكن العمل على إنتاج هكذا نصوص دون الحاجة إال إلى اإللماحة، الحالـة إن هـذا .. المنتجة للنص، وهو ما يتوافق مع الطبيعة األنثوية، خاصة في ما يتراكم حولها من مشاغل

رج بالنص عن دائرة التداعي إلى دائرة الطرح، بالعمل على تركيز الرؤية باتجاه محدد سلفا العمل يخهـي نصـوص اعتمـدت ) التي جاءت في نهاية المجموعـة (حتى النصوص الطويلة .. أو مفترض

قرات، ولعبت الجملة دورها في تكوين وحدات النص، وانتقاالته، وبإحالة مرجعنـا إلـى الـنص ـالفوهي تمارس كتابتها الصحفية، إنما تعمل علـى إنتـاج " سعاد سالم"، ألدركنا أن الشاعرة خارج الشعر

، هـذا )بناءا(النص ومن خالل هذه الجمل وتعالقها، وهي آلية تنتج دوائر متتابعة مكونة هيكل النص فـي / أتعزى من الخوض(العمل يظهر في هذه المجموعة في الجمل التي اكتفت بمنظومتها الصغيرة

، هذا يقف بنا أمام أن تتحقق هذه النصوص في هذه الجمل، كما فـي مثالنـا 7)نجوم القايلة/ بعد/ قلقي

37

فالجملـة تجفـل ).. أتعزى من الخوض في قلقي بعد نجوم القايلة(السابق، فالنص جملة واحدة مستقلة .رغبة احتواء، وهي إرادة النص إرادة اإلمكان، )تتحقق فيه(أحيانا، تجد نفسها في الشاعر

فالنص حالة من تماس، وانتشار في الجسد الداخلي، البعيد، العميـق أكثـر فـي مجمـوع الحـروف

.وتشكيالتها، إنه الذات في إعادة انتشارها وحالة رصدنا لـهـا

:هوامش .2004-طرابلس/مكتبة طرابلس العلمية العالمية -شعر) الصدفة كل ما أنا(سعاد سالم -1 .29: ص/ لسابقالمصدر ا -2 .89: ص/ المصدر السابق -3 .87: ص/ المصدر السابق -4 .73: ص/ المصدر السابق -5 .7: ص/ المصدر السابق -6 .15: ص/ المصدر السابق -7

12/2005-11: التاريخ.. 12:العدد.. مجلة غزالة

38

شبهة الشكل.. شبهة الشعر )البحث عن السيدة ج(في

|]1[| ؟ما هو الشعر -

حتى لحظتنا هذه فإنه من الصعب إيجاد تعريف محدد للشعر، فالشعر منظومة إبداعية تعمـل ضـمن مـا (ما تكون عن التحديد، بالتالي فشكلت كل التعريفات التي حاولت تقديم صورة للشـعر بعدأحدود .، فمن الصعب تحديد رسم للهيولي)هو؟

أين يكمن الشعر؟ -

لسؤال، التفاف لتعريف الشعر عن طريق اكتشاف قوة الشعر الناطقة فـي في محاولة اإلجابة عن هذا ابالتـالي تـم نفـي . حبيبة، في سماء صيفية، في الربيع، في لوحة، في نص/ وجه امرأة: األشياء، في

القديمة المحاولة تحديد الشعر في أنساق إيقاعية أو تعبيرية غايته المحاكاة / الكثير من التعريفات السابقة، لقد سار األمر بالشعر بعيدا عن الكلمات والجمل، والمقاطع، إنه حالة مـن التنـاغم 1ير الخيالوتصو

والتواشج، تعتمد على التفاصيل وانعطاف أجزائها بشكل يكون لحمة النص في انغالقه علـى نفسـه، كبعـد (فاق داللية ، وما تفتحه من أ)كبعد في الماضي(وما تمثله من مرجعية ) كبعد آني(مكتفيا بمادته ).في المستقبل

ألجل االنفتاح بنية الولوج إلى عوالم أكثـر 2تخلى عن الكثير_ ونعني الشعر الحديث_والنص الحديث وهو يتحول مـن _قدرة على التجاوز بالشعر أنماط الجاهزية الرتابة، ولن ننكر إن هذا اإلرث الحداثي

يرين بأكثر من شكل، مما زاد من قوة حجة الرفض لهذا انعكس في الكث_ لحظة أولى إلى حقيقة واقعة .المنجز كنص منهك، ال يمكنه الوقوف كمثال للتنظير الحاف بالتجربة

|]2[| تعريفـا لجنسـها، معنونـة نفسـها ) شـعر ال(في هذه السطور نحاول التوقف عن تجربة اتخذت من

إنمـا لغايـة الكشـف ) النقض(غاية الهدم ، بنية تحديدنا للشعر فيها، ليس ل)*البحث عن السيدة ج(بـ ).النقد(

إلـى 3مقطعا تفاوتت في الحجم، من المقطع المكون من سطر واحـد 179في نص: العمل في مجمله .صفحة، تمثل متن النص 118األكثر من عشرة سطور، موزعة في

راجيا اتخذ النص إخ. صفحات منفصلة/أرسلت هذه المقاطع متتالية دون أن تفصل كل منها في صفحةالقـارئ /من وسط الصفحة مكانا له، بالتالي توزعت فيه كتلة النص، منتجة شكال هندسيا يجبر المتلقي

على االتجاه بنظره للمنتصف عن األطراف الفارغة، وهو يقدم شكال تماثليا حول محوره القائم يشـي .طربةبالحياد، حياد النص عن االنتصار لتواتراته، ولحظاته المض

|]3[| .ندخل النص اآلن، لمحاولة مقاربته، وجسه

يستفيد النص من الشكل، بمعنى إنه يتخذ من شكل النص الحديث هيكال له، وفي وعينـا أن الشـكل -العمودي، أو االنحياز / أحد مظاهر النص الحديث، في خروجه عن االنتظام الحادث في النص التقليدي

39

بالتوازي، علينـا إدراك إن . يلة أو النثر، عن شكل الكتلة الواحدة في البحرللشكل الال منتظم في التفعالتفعيلـة ) الشـعر الحـر (الشكل كان نتيجة ولم يكن غاية في تجربة النص الحديث، إذ فرضته فـي

فرضته الجملـة الشـعرية ) قصيدة النثر(المشهد في الجملة الشعرية، وفي /الموزعة والمحققة للمعنىوهذا ما لم تستطيعه المجموعـة، إذ ).. الوصل-الفصل(مل على آليتي التشظي والتجاور وتجليات الع

.الشكل يعمل منفصال عن المعنى)101(

باألمس كنت تأخذين بيدي كطفل يغمره االرتباك ويجره حضورك بجانبه

.فتسيل منه دماء االنتساب إليك

في جملة متعلقة بما بعدها، محققة ضـرورة هذا المقطع مثال يعمل في ثالثة أسطر، وكل سطر ممثلفتسيل منه دماء ، ويجره حضورك بجانبه، باألمس كنت تأخذين بيدي كطفل يغمره االرتباك(تجاورها

-و: تشظيه، طالما ثمة ما يصـل أجزائـه / ، بحيث ال يستفيد النص من تطبيق القطع)االنتساب إليك .السببية-العطف، وف

انفصال أجزاء النص عن بعضها، فالمقاطع المكونة للنص تعمل في الكثيـر يضاف لهذا االنفصال، -

بمعزل عن بعضها، إذ المفترض أنها مرتبة في ترقيم متسلسل، ومتتالية، هذا يفرض إن تعمـل هـذا المقاطع بشكل تتابعي، إذ يستقبل المقطع التالي اإلحالة القادمة، وإدارتها للمقطع التالي، بالنسبة للـنمط

أما القول بأن ثمة خط عام يحكم بناء النص، فهو غير حقيقي، . 4المستقيم أو توزيع اإلحاالت/ موديالعـ فز إلـى أخـرى، ـألنا النص في الكثير من المواقع يعمل في تفاصيل بعيدة عنه، ويعود لنقاط، ويق

بشكل (بنائيا حالة من المفترض أن يربطها سياق النص ) السيدة ج(فاإلحساس بحالة التوحد مع األخر نه لو عملت المقاطع بشكل منفصل عن بعضها، كأن أوأعتقد . ، ال بشكل منفصل في أجزاء النص)عام

توزعت مرقمة أو غير مرقمة مستقلة، كان أوعى لتعدد أنماط وحاالت التوحد والتجلـي فـي فضـاء ).السيدة ج( اطع لنا، إذ العمل المبيت في النص، هـو وبمعاودتنا قراءة المجموعة بشكل مركز، تتكشف لعبة المق -

يستدعي حالة عاشق قـديم، محاولة رصد لحظات من التوحد التي وجد فيها الكتب نفسه، فهو في مقاموفي أخرى يعمل على إعادة إنتاج رصيد معرفي، عاكسا بالتالي تمكنا مـن لعبـة إدارة الـنص فـي

. ا الكاتب كونه يكتب القصة القصيرةالرصد، والقبض على خيوط الحكي، وهي لعبة يجيدهولنا أن نعترف أن النص يعمل على النثر، ال على الشعر، بمعنى إن الكاتب ال يبحث عن تفعيل النثـر

فانشغل بالرصد عن الداللة، وبالحكي عن السرد، بحيث انحاز . باتجاه الشعر، مستفيدا مما يتيحه النثروهذا النمط الخطي ال يمكنه االنغالق علـى نفسـه، وسأسـمح الكاتب للعمل بشكل منطقي أو تتابعي،

:لنفسي إجراء مقارنة بقصد البيان)71(

بعيدة عني اآلن بدونك

ال معجزات تلوي عنق المنطق وال أنبياء يشكلون العالم بالصبر

":فرج أبوشينة"للشاعر ) العالم يستبدل ثيابه(في الطرف المقابل، أقتطع من

:أوتار شاحبة/ نص8

40

دعي النخلة تستريح قليال أيتها الريح هي اآلن ال ترغب

في الرقص و ليس بعراجينها

.بلح عاق

، أو ما )ال معجزات، ال أنبياء> / =بدونك/بعيدة عني (في المقطع األول يتجه النص في اتجاه واحد، والنتيجة ) بدونك/بعيدة(، وهو منطق يعتمد الرصد في المؤثر )إلى> =من (يمكنني تسميته نصا مفتوحا

).أنبياء/ال معجزات(أما المقطع الثاني فيعمل كمنظومة مغلقة، مستفيدة من طاقة الشعر في إغناء المشـهد، بشـكل أكثـر

:مرونة، راقبوا معيولـيس / فـي الـرقص / ال ترغـب / هـي اآلن / أيتها الريح/ تستريح قليال/ دعي النخلة>>

.بلح عاق/ بعراجينهاوليس بعراجينهـا / هي اآلن ال ترغب في الرقص/ دعي النخلة تستريح قليال/ لريحأيتها ا>>

.بلح عاقوليس بعراجينهـا / هي اآلن ال ترغب في الرقص/ أيتها الريح/ دعي النخلة تستريح قليال>>

.بلح عاقدعـي النخلـة / أيتها الـريح / وليس بعراجينها بلح عاق/ هي اآلن ال ترغب في الرقص>> .ح قليالتستري

، )النخلـة = الريح(يتحقق في هذا المقطع ما يمكننا تسميته بالمعادلة الموسيقية، وهي معادلة في طرفين

مقدار التغيير في طرف، يناظره تغيير بذات المقدار، هذه المعادلة الموسيقية تعكس أيضا االستفادة من :آليات الفصل والوصل لموازنة الدفق الشعري، لننظر

وليس بعراجينها بلح / في الرقص// ال ترغب// هي اآلن/ أيتها الريح/ تستريح قليال// النخلة دعي>> .عاق

إن المزيد من إجراءات الفصل تعمل على تحديد نمط البعد الداللي الموازية للدفق الشـعري وامتـداد الذي يعمل على )القطع أو الفصل الجائر(س في السطر، وإن كنت أسمي بعض هذه الحركات بـفـالن

:توترات النص في الدفق/ضغط تموجات/// ولـيس / فـي الـرقص /// ال ترغـب /// هي اآلن/ أيتها الريح/ تستريح قليال/// دعي النخلة>>

.بلح عاق/// بعراجينها

|]4[| صديق عزيز، وثمـة قصـة جميلـة " الصديق بودوارة"أنا ال أحاول التقليل من قيمة النص، فالقاص

. وال أعتقد أنه عندما قدم نصه اختار الشعر جنسا، وأقول إنها شبهة الشكل، انحرفت بالسياقتربطنا، وما قلته، محاول لرفع شبهة الشعر، دون أن تكون ثمة نية لرفض النص كعمل إبداعي يملك الكثير من

داخله، توقعنـا فـي المقومات، فلغته السهلة وأنساقه المحددة المعالم، والطاقة الشعرية التي يحملها فيشبهة الشعر، خاصة ما يتكشف لنا من تجليات حد االنتشاء، تعكس شكال صوفيا جديدا في لمس الغاية

كمصـطلح ) خاطرة(تفق فيه كل أشكال اإلبداع، أو ـكمصطلح ت) نص(وليكن ما بين أيدينا . المتقصاة

41

أن لماذا اختـرت ": كوليت خوري"ة يحدد حالة من التجلي واإلسرار، أذكر أني ذات مرة سألت الكاتب: فردت ببساطة شديدة. ؟، خاصة وإنها على درجة علية من الشاعريةا بدل شعراتسمي تجلياتك خواطر

غـادة "ورسـائله، خـواطر " نزار قبـاني "، وأذكر في هذه المقام خواطر الشاعر !!أنا لست بشاعرة .السيدة ج ومعاودة البحث عن" الصديق"وأدعوكم لمساعدة ". السمان

:هوامش .2005/طرابلس. منشورات مجلة المؤتمر -)البحث عن السيدة ج(الصديق بودوارة * .محاولة الختصار التعريف العربي والغربي القديم للشعر -1، ال يعني هذا نكران األشكال القديمة للشعر، فالنص الشعري يعبر عن مرحلته، ويعكس الذائقة الجمالية لتلك الفترة -2

.محددا أبعاد وآفاق هذه التجربة فيه كجنس إبداعي .ال يعني السطر بالضرورة أن يكون جملة -3الحالة حتى النهاية، أو أن /بمعنى أن النص يعمل على خط مستقيم لربط أجزاءه، وهنا العمل يرصد تفعاالت المشهد -4

).هرميا( يعمل على توزيع الحالة في تفاصيل صغيرة مشكال نمطا تشاعبيا

2006إبريل _ 50:العدد_ مجلة المؤتمر

42

عندما يعيد الشاعر ترتيب بيته بداية.. 1

يظل عالمة في الشـعرية " علي صدقي عبدالقادر"رغم االختالف الكبير، حول تجربته، إال أن الشاعر لتجربـة الشـعرية الليبية، عالمة تجاوز الخمسين عاما، صوتا حاضرا في كل المحافل، ونصا يؤكد ا

، 1957الصادرة في العام ) أحالم وثورة(والذي يدخل لتجربة هذا الشاعر بداية من .. الحديثة في ليبيابداية للتجربة الشعرية الحديثة في " علي الرقيعي"مجموعة الشاعر ) الحنين الظامئ(التي مثلت صحبة

عبر إلى النص الحديث، وكثيرا ما أسـأل ومتع اهللا شاعر الشباب بالصحة، حتى " الرقيعي"ليبيا، رحل هل كتب النص الحديث أو قصيدة النثر؟، ال يوجد من يملك " الرقيعي"ترى لو أمد اهللا في عمر : نفسي

.ونعود لشاعرنا. .اإلجابة إال صاحبها الذي غيبه القدرلة مغريـة الذي يدخل لتجربة شاعرنا يدرك أنه أمام تجربة شعرية خاصة، تبدأ خصوصيتها من سهو

بالخوض عميقا، إلى صعوبة في الخروج، وأيضا الحضور الملفت للتفاصيل الصغيرة الخاصة، التـي تعقد عالقة خاصة مع الشاعر، وحفاظه على مجمع ثيماته التي تجاوزت الدال على تفعيلهـا داال فـي

وتطورهـا فـي والذي يطالع تجربة الشاعر في نصوصها الحديثة يكتشف تحولها،.. أكثر من صورةالصادرة ] اشتهاء مع وقف التنفيذ[ولألسف أنه لم تطبع للشاعر أية مجموعة بعد (الشكل الذي اختارته

هذه التجربة تكشف الكثيـر مـن . ، بمعنى أنه ال متنا يضم تجربته إال الصحف والمجالت1979في النص التقليـدي، ونـوع محاوالت الشاعر للخروج عن وحدة القالب البنائي للنص الشعري، فهو كتب

على هذا الشكل فكتب المثلثات والمربعات، ونوع على النص بالمقطوعات الصغيرة، وكتب النص في كتب الشاعر وأبـدع، ولحاجـة ) التفعيلة(ومع تجربة الشعر الحر .. شطر واحد، ونوع على المقاطع

جمعاته الشعرية، ولقد اسـتفاد ظل يكتب المقطوعات والمقطعات، كما نقرأ هذا في م) ال حاجته(النص يعتمد الجمل القصيرة كان الشـعر الحـر /الشاعر من تجربة الشعر الحر أيما استفادة، فألنه يستخدم

قا لرغبة االنطالق دون مقتضيات البيت الشعري، وهذا النظام حقق له في أكثر من مكان أفـق ـمحقلي، فهي وإن امتدت له، إال أن نظام الجمـل إلرسال الصورة دون أن تصاب بخلل االلتفاف للسطر التا

.القصيرة كان كفيال بإيجاد توزيع متزن لها :1ضفائر أمي/ نص -

ضفائر أمي، وجدت بها اهللا، قال سالما، وأهال بها يستريح النهار، يفكر في كيف يأتي؟؟؟

ويرجع من بعد طفال. يشيخ الزمان حييه بها يغزل الليل أحالمنا، واألساطير، وهي تدور

وتدخل أعيننا في خفر .وأهواءنا في صور. لترسم ما نشتهيه

لى كتابة قصيدة النثر أو النص إاستمر بكتابة الشعر الحر، منتقال منه " علي صدقي عبدالقادر"والشاعر

، ولقد حاولت أن أقـف )وإن كان الشاعر نفسه ال يعترف بالتسميات، إنه يعترف بالشعر فقط(ث يالحدكتابته أو نشره النص الحديث لكني لم أوفق، فال توجد إال لصـحف والمجـالت تحتـف على بدايات

بأشعاره، لكن مما توفر لدي من مراجع في أعداد لبعض المجالت والصحف وخاصة مجلة الفصـول األربعة، أقول أن منتصف الثمانينيات عرف نشر الكاتب لنصوصه الحديثة، فحتى بدايات الثمانينيـات

).التفعيلة(ه في مجلة الفصول األربعة، نصا شعريا خاضعا لمقاييس الشعر الحر كان ما نشر :2ويقظة الملح والزيت.. أمي / نص -

43

رسمت وجوها، دوائر، فوق الرياح بأرض براح فكانت خيول

وسيول بأعرافها مطر، عبر المحيط وأحمل نافدة الضوء للج، ألول مرة فتشهد نبتة قاع ضياء،

كم ترى الوقت في ساعتك؟؟؟ : رتهاوتسأل جا الساعة اآلن،خيط ضياء، وحبة ماء على هامتك: تقول لها

وينهض قاع المحيط من النوم مستمعا للحوار الرقيق

.ويصحو الزمان،ليضبط ساعته من جديد

فالشاعر وهو يدخل تجربة النص الحديث، يقف على رصيد يمكنه من االستمرار بذات النسق، والكثير الشعراء من حافظ على شكل النص واستمر به، ومحاولة قبضي على هذه النقلـة غايـة لمراقبـة من

وهي محاولة أنشد فيها مقاربة كتابة الشاعر النثرية الصرفة لتجربته الحديثة، .. النص في شكله األولفأنا أفتـرض وباستثناء ثيماته التي حافظ عليها، فالشاعر غير من أدواته، وحافظ على جملته القصيرة،

، ومن بعد يتفرع )عاما للنص(شكل النص في شكله الحالي الذي يتخذ عنوانا أساسيا تنه ثمة نقلة قبل أحيث يعمل الشاعر في هذا الشكل على الكتابة بشكل متوازي، وأعنـي أن .. إلى ثالث أو أربع عناوينزال يعول على أجـزاء الصـورة توازيات يقارب فيها المشهد، وهو ما أرع/ الشاعر ينطلق في ثالث

.التي يريدها األجزاء الصغيرة التي يراها هو

:هوامش .1979لبنان -)ضفائر أمي(علي صدقي عبد القادر -1 .1981-سبتمبر/ 15:العدد".. الفصول األربعة"مجلة -2

13/8/2005- 12_ 4692:العدد_ صحيفة الجماهيرية

44

عندما يعيد الشاعر ترتيب بيته الدخول للنص.. 2

من اإلخالص للنثر بشكل مطلق، والتعويل عليه، وهـو " علي صدقي عبدالقادر"تنطلق تجربة الشاعر إخالص غريب لشاعر له تاريخه الشعري في الشعر التقليدي والحر، وأيضا انقطـاع تـام عـن إرث

عنـي إيقـاع الوصـل الغناء واإليقاع في الشعر، وفي محاولتي للبحث عن إيقاع ما لنص الشاعر، وأ، كانت النتيجة أنه ال نظام ثابت أو آلية لكتابة "كمال أبوديب"والقطع أو النبر الذي تحدث عنه الدكتور

ال تفيدني في تتبع إيقاع لهذا النص، وكأن هذا النص ال اهذه النصوص، فحتى ما أعرفه باألدائية أجده، إن الشاعر ينقطع )اإليقاع الداخلي(تتعلق به بالشعر يحاول إيجاد منظومة إيقاعية تحاور إيقاعا داخليا

.عن أي صورة للغنائية أو اإليقاع في نصه، إنه يخلص بإطالق للنثر :1البحر يغسل يديه/ نص

]غـربال[ الليل يغربل الطرق قبيل الفجر

فيحتفظ بحفار القبور، والخنجر واألفعى ويهرب، يهرب، يهرب حتى سقط في البحر

البحر يغسل يديه، مدى الدهرلذلك صار يغسل، فذهبت الظلمة،

..وبقيت الزرقة

هذا اإلخالص يطرح أمامنا المكان الحتمال أكثر من حضور، فالشاعر الذي يعترف بالشعر فـي كـل أو هكذا ترى القاعدة (شيء، في االبتسامة في اللفتة، في السالم، في القبلة، يصنع الشعر في االختالف

غنـى الجاهزيـة بغنـى (، يتخلى بحثا عن غنى أكثر في تجربتـه الحديثـة )النثر×شعرال= التقليدية :وهو يدخل هذه التجربة باالعتماد على ثالث مرتكزات.. ، وهو بحث شرعي للشاعر)المفترض

.االحتفاظ بثيماته الخاصة - .الجمل القصيرة - .اإلخالص للنثر -

، التي عنونـت نصوصـه وصـارت ...)ة، الوردة، أمي،فاطم(ثيماته الخاصة عن فالشاعر لم يتخلىعالمتها المسجلة، هذا يعمل على ربط التجربة ومنحها إطارا موحدا وشكال عاما يوافق بين أطوارها،

، تجربة اللحظة، وهذا الثبـات )اآلنية(هذه الثيمات التي عكستها التجربة السابقة تعيدها التجربة الحالية تحمل ذات الطاقة لتستمر في النص، وتمضي، كأنها صورة لهـذا الـنص، ) يماتأي الث(يفترض أنها

ونالحظ .. فبالقدر الذي تنطلق فيه وتمارس حياتها كاملة في النص، تؤكد فاعلية النص وبالتالي التجربةأن هذه الثيمات تطرح بطريقة واضحة، ومستقلة في مفردتها دون حاجة لدمجها في النظـام الـوزني

.جملة التفعيلة، هذا منحها استقاللية وحرية للفعل للبيت أو

الجمل القصيرة، التي في تواترها تجعل الجملة الشعرية تتسع أكثـر، فـي مـوازاة نفـس الشـاعر ، في تجربة الشاعر الحديثة تكون مرتكزا في تكوين السطر، وبناء النسـق الشـعري )المشهد/الحالة(

.بهندسة النص للنص، الهيكل البنائي أو ما يعرف

45

هذه الجمل القصيرة، تعمل لتكوين الوحدات الالزمة إلنتاج الصورة، مكونة الشكل العام للفقرة، التـي يعمل الشاعر عليها بنية مبيتة، أو قصد مسبق، فهو يعمل على شكل معد سلفا، فالنص ينتج في ثـالث

نوعا من االسـتقالل، إنمـا هـو أو أربع فقرات معنونة، تحت عنوان رئيسي لها، وهي وإن أظهرتفالشـاعر يعمـل علـى شـكل ثابـت .. االستقالل الذي يحدثه التوازي لمستوى معلوم هو الشـاعر

العنـوان (، وطالمـا إن النـاتج دائمـا ثابـت )3عنـوان +2عنوان+1عنوان= عنوان رئيسي/النص(كونة لن يحدث أي تغيير في ، فهذا يعني إن إجراء إي عملية تبديلية على العناصر الم)النص=الرئيسي

، والقصد إنه لـو عمـدنا )1+2=3/ 2+1=3: ن الجمع عملية تبادليةإ(الناتج، القاعدة الرياضية تقول هـي لعبـة أشـبه بلعبـة (إلعادة ترتيب هذه الفقرات الثالث أو األربع فإن النص لن يعاني إرباكـا

مستقلة تتوازى والشاعر، فـالنص /منفصلة ، وهذا يفيد فرضنا كون الفقرات المكونة فقرات)المكعباترات الـذي ـقيقوم على تعدادها ال على ترتيبها أو نظام تتابعها، بالعكس من التركيب الداخلي لهذه الف

.يعتمد تواتر الجمل القصيرة، والعمل على المفردة، مكونا ثانويا للصورة، بمنحها مسحة إضافية :2اسمها طرابلس الحب.. مدينتي/ نص

]ميالت العالمج[ أكلت خبز جميالت العالم، لم يكن كخبز أمي

ني أصغر حلم في بلديـنمت بأكبر المدن، ما أعطت )ساعة سوق المشير(وأعود من سفري، مملوءا بدقة

وبوشم بنت، تجمع فل شارع الظل، وتغني مملوءا بنافورة الخيل المجنحة، بميدان الشهداء

!!من أنت؟؟: لماء، وفي الخارج أسمعفي بلدي يعرفني ظلي، الشجر، وا

.. نعترف أن الدخول لهذه التجربة كان بوعي، وعي أدرك متطلبات التجربة وحاجتها الملحـة للتفـرد ، مـن هـذه النقطـة نقطـة )الخصوصية في قصيدة النثـر /مبدأ الصعوبة(فقصيدة النثر نص خاص

يخصه هو، الذي يرسـم بـه نصـه الخصوصية عمل الشاعر على إيجاد شكله المستقل، شكله الذيفخلص بالنثر إليجاد لغة سهلة، سلسلة، قريبة، ال تحاول الغوص في البعيد، الجمل محـددة، .. ويكونه

يبحث عن إيصال الصـورة التـي " علي صدقي عبدالقادر"الشاعر .. والمفردات تقف لدالها ال تغادرهفي اإليفاء بما تريد في بعض الجزئيات التـي نا ـيراها هو، الصورة بكل تفاصيلها، معوال على ذائقت

، فـنحن أمـام )خبز جمـيالت العـالم أكلت(يراوغنا فيها، ويفتحها أمامنا، فعندما نحاول البحث في أول يقول بأكله خبز جميلة جميالت العالم، ولم يعول على الجميلة، فهو قصدها مباشرة وأكل : احتمالينمن جميلة موزعة على العالم، بأن قصـدهن جمـيعهن وتـذوق وثان يقول بأكله خبز أكثر.. خبزها .خبزهن

نة الشاعر باألشياء البعيدة عن أعيننا، األشياء التي نمرها وال نراها، األشـياء ـهي فت.. إلماحة أخيرة

: يقول.. التي نسيناها بفعل الرتابة، والتي يؤكد فيها الشاعر ميالده كل يوم، فيعيد فيها دهشة االكتشاف، فـنحن )مملوءا بنافورة الخيل المجنحة، بميدان الشهداء/ بوشم بنت، تجمع فل شارع الظل، وتغنيو(

نكاد ننسى في حضور ساحة الشهداء نافورة الخيول في طرفها، ونسينا تماما الفل الذي كان يطرحـه لها إلى نصه، هي أشياؤه الخاصة التي يكتشفها في كل يوم، بدهشة االكتشاف األول، ينق.. شارع الظل

.ونصاب بالدهشة لغفلنا عنها، وبقدر السواد الذي حجب عنا المشهد، وظلله، وأخفاه كثيرا

فهو يرتب بيته، دون الحاجة ألثاث جديد، .. تجربة قائمة، صامدة" علي صدقي عبدالقادر"يظل الشاعر س الجديد المأمول من إزاحـة فالرؤية والمعرفة بجوانب البيت كفيلة بأن تخلق الحداثة المرجوة، والطق

هو إدراك هذه األشياء واإليمان بهـا، .. الكرسي لألمام قليال، أو جر الطاولة عن الوسط باتجاه النافذة

46

إنه يريد فقط الرؤية التي يتجاوز بها المشهد إلى رؤيا يجاوز بها .. اإليمان بقدرتها على إدهاش المتلقي .مساحة الغرفة التي يشغلها

:هوامش .1991يناير / 45:العدد".. الفصول األربعة"مجلة -1 .03/08/1999 /484:العدد.. صحيفة الشط -2

20/8/2005- 469819_ :العدد_ صحيفة الجماهيري

47

ثبات السارد.. ثبات السرد تقودني نجمة: قراءة في رواية

.. اإلبداعي، وال تنفك حتى تنهيه يكفي هذا لجعلك تبدأ من فورك في مطالعة هذا العمل.. رواية ليبيةشخصيا ال أسعى من خالل القراءة لتحقيق كثير األشياء، فالقراءة في حد ذاتها متعة، ومن بعد أبعاد العمل ذاته، وكونه ليبيا فهذا يحفز في المزيد من أجل الغوص فيه أكثر، واكتشاف ما يمثله هذا العمل

ا الثقافي، أمام أنماط وأشكال اإلبداع األخرى نت أثرا غائبا في واقعفي متن الرواية الليبية، التي مازالقرار يكفل للعمل فترة من التاريخ كافية لتغطية ـخاصة الشعر، ولعلي أعيد ذلك في حاجة الرواية الست

اآلني والمستقبل، وأمام ما يصلنا من أعمال رواية عربية وعالمية، فإن الرواية الليبية في نماذجها .قدمة، هي رواية في مرحلة تتراجع لخطويتين عن مناظرتها العربيةالم

تقودني (أما الرواية فهي .. نا، ومحاولة قراءتها من خالل هذه السطورـوسنحاول الدخول لروايتيدخل هذا العمل الروائي بعد تجربة مع كتابة " األصفر"و".. محمد األصفر"، والكاتب هو )*نجمة

، )حجر الرشيد(اسع في الصحف والمجالت، ومن خالل مجموعته القصصية القصة القصيرة بشكل و، ومن هذه الخلفية سنحاول أيضا التزود في )المداسة(قدم نفسه نصا متميزا، ومن بعد روايته

).تقودني نجمة(قراءتنا لهذه الرواية /دخولنا

ن العمل سيكون منطلقه خطة مسبقة تمنح الرواية كاتبها مساحة أكبر وأرحب للعمل خاللها، وبالتالي فإحديثه عن " نجيب محفوظ"، وأذكر هنا للكاتب )التي يصنعها(حتى ال يضيع الكاتب في المتاهة الناتجة

والتخطيط .. الثالثية، أنه أنشأ في مكتبه دائرة للنفوس فتح فيها ألبطال العمل شهائد ميالد ودفاتر عائليةاختار أن يكون " األصفر"و.. يار الشكل العام لألداء وإدارة األحداثيمكن الكاتب من إدارة اللعبة، واخت

، حيث )المداسة(معه األحداث، وهذا يذكرنا بروايته األولى /راوية هذا العمل، وشخصه الذي تتفاعل بهاألحداث تدور في فلكه، وهو يذكرنا بما يصادفنا في اليومي من شخصيات يكون همها الحكي والحكي،

.متخليا عن خيوله ومدافعه) دون كيخوت(يد يعطينا صورة ومن طرف بع

العمل نص في اتجاه واحد، بمعنى االنطلق من نقطة إلى نقطة ثانية إلى خطوة أخيرة، دون التعويل على ارتداد الرسائل منه، فهو شخص اختار أن يقدم لنا حكايته، حكايته ال يهم، فما يهمنا أنه مارس

باستعادة أيا من أحداث روايته، حتى إنه ال ) قصدا(جهه باتجاهنا دون رغبة منه فعال لغويا سرديا وهذا جعل العمل مجموعة .. الظاهرة/البعيدة، الخفية/يغادر النص أبدا، حاضرا في كل األجزاء القريبة

يكون من الدوائر المستوية المتوازية عموديا، والراوي المحور الجامع لهذه الدوائر، وعمله راوياباالنتقال بين هذه المستويات، إذ لكل مستوى حكياته ومعالمه الخاصة، مما جعل هذه المستويات مستويات غير متساوية، الختالف درجات التواتر والقص، وإن كانت تتساوى في مستوى السرد

ال تتخذ قال هذه، أو الصعود والهبوط طالما األسطح متوازية بشكل عمودي،ـوعملية االنت.. وثباتهترتيبا معينا، بل بطريقة غير مرتبة، تخضع لمزاج الراوي، الذي وحده يختار وقت االنتقال، وأيضا

ات القص مع نقطتة التي يزمع االنتقال منها، فهو يألقرب مستوى تتوافق فيه درجات التواتر وومستوورغم ما يوحيه هذا .. سرد واتجاههيختار اللحظة والمنطقة التي ينتقل منها، وهذا يعتمد على إيقاع ال

، إال أن تراتبية هذا الفعل، في هذه المستويات، وثبات مستوى )حركية(االنتقال بوجود ديناميكية ما فكما أن الطرائق واحدة، سيكون .. يطبع هذا العمل بطبعه) االستاتيكية(السرد جعل شكال من الثبات

48

الروتين يفرض طابعه الرتيب، محوال األمر إلى شكل في تفاعل هذه الحركات واالنتقاالت نوع من .وظيفي يؤدى طبقا للوائح

العمل لم يتم من خالل تفعيل األحداث أو تدويرها، فإضافة التجاه النص للقارئ مباشرة دون حاجة فإن النمو .. ، وهذه المستويات الدائرية المتـشابهة، وثبات السرد)دوره في تفسير النص(لرده ضوي لشخصيات الرواية لم يكن نموا طبيعيا يواكب الطبيعة، أو مسار األحداث التي اعتمدتها الع

الرواية، لقد جاء النمو طبقا لحاجة الرواي، فكانت هذه الشخصيات أنماطا مجسمة، لخدمة الراوي لزوائد التي ورغم التفاصيل الكثيرة التي يعايشها النص، والشخصيات الحافة، وا.. يستدعيها متى شاء

احتـشد بها الرصد، فإن النص في قراءته، بدى نصا مختلفا عن األشكال السائدة، كونه محاولة لكتابة رواية ليبية بأسلوب يختلف، من هذا المدخل يبرز واضحا استقالل الراوية بروايته، وإمكانية السرد

كل جعل السواد طاغيا، رسما مربعا لديه، حتى تكون الرواية نسقا مفردا على صفحات الكتاب، بشآلية تناسل، تتناسل بها الجمل معتمدا " األصفر"ولقد أوجد .. يؤطر الصفحات صفحة بعد صفحة

وإن ظهر في بعض .. التراكيب الجملية البسيطة والقصيرة، فيسهل منها خاللها إجراء الوصل والتتابعؤكد فطنته بالخط العام للرواية، فيعمل على كسر حدة المواقع أن ثمة ضياع أو ارتباك فإن الراوي ي

الرتابة بالشعر، وهذا جاء في وجهين، أول من خالل إجراءات القطع المجراة على الجمل، بحيث وثاني ).. وهو عمل خارجي(يتكون من خالل هذا القطع تراتب الجمل بشكل عمودي كاسرا حدة الكتل

انت المقاطع تتفاعل في داخلها، كاسرة حدة السواد فتبدو أكثر برفع درجة الشاعرية في المقاطع، فك ).وهو عمل داخلي(إشعاعا /بريقا

روايته األولى، فالتـقـنيات ) المداسة(وعلينا أن نعترف، أن هذه الرواية لم تختلف كثيرا عن

ها الكاتب كما أكثر تطرفا ناحية اللغة، التي يتصرف في) المداسة(المستخدمة هي ذاتها، وإن كانت لم يستفد من تجربته " محمد األصفر"و.. يريد، محوال إياها لمغامرة يكشف فيها عن إمكانيات التصريف

القصصية المميزة في إدارة القصص الصغيرة في نصه الروائي، كما استفاد من تكوين المشاهد وسعيه ليكون نصا متميزا، والصور، ولكن هذا العمل في مجمله، نص يغري بالقراءة بحدته وهدوئه،

.يغاير األشكال الروائية في ليبيا .1/2004ط - منشورات األصفر - )رواية/ تقودني نجمة(محمد األصفر *

22/1/2005- 21_ 4518: العدد_ صحيفة الجماهيرية

49

رفة المرايـــاـغ

.. نهاية كان الصدام على أشـده منذ البداية لن أعلن تصالحي مع هذا النص، فمنذ لحظة البداية وحتى العلى إي من عالمات ترقيم الجمل، فغابت الفاصلة أبدا صفحة لم يحتو 112فمتن الرواية الذي جاء في

وهو رأي بعـض مـن قـرأ (وحتى وإن ذهبت مع الرأي القائل .. في الختام فقط" النقطة"وحضرت ، فإن هذا لم يكن ليمنع وجود هذه العالمات، الرواية اعتمد على المونولوج الداخلي/، بأن النص)الرواية

نية تمكنه من ربط الجمل فـي سالسـل ـخاصة وإن الجمل كانت تحتاجها، إذ لم يعمد الكاتب إلى تقالداخلي، لقد جاءت الجمل قصيرة، يكتفي المبتدأ بخبر واحد، /تمكنها من إرسالها موافقة للشعور النفسي

.والفعل بفاعله

قراءة من الداخل لسيرة، واستنطاق لما يتقاطع معها، من معالم وشـخوص، .. كرةالنص بحث في الذا، الذي يستظهر )مادامت تحفيز(ز ، أو ما يمكن تسميته بالباعث أو المحف"التحفيز"لذا فهو يبتدأ من نقطة

النص من داخل الكاتب، وإن ابتدأ النص بمونولوج داخلي، فإنه في داخل المتن تحـول إلـى السـرد والحكي، إنه يستطيع بكل سهولة الخروج من داخله إلى الخارج، والعودة بكل سهولة، وبذات السـهولة

شف ـوهنا وفي هذا، نكت.. يتحول المتن ويتخلى عن شخصه المختار للحكاية ليتحول إلى آخر، وآخرفشـحنة .. أن الكاتب ربما كان هو، أو ربما كان اآلخر الجالس والذي لم يشر السمه في هـذا المـتن

قل بين الشخوص، تشتمل على الكثير من الثبات في قراءتها لهم، إن ثمة حالة مـن ـنتـالنص التي تالموازاة في كل هذه الشخوص، وما يتقاطع معها من آخرين، وما يتمحور من أحـداث حولهـا، هـذا

.تالتوازي هو ذاته الذي يقابلنا في المرآة، فهو قادر على موازاة كل شيء، وهو ثابا نلمحه فـي كـل إن الكاتب ال يخرج عن هذه الدائرة، إنه موجود في مكان ما، وفي زاوية ما، لذا فإن

خرا، والذي إليـه آهو األقرب ليكون الهامش الذي، ال يأتي ذكره إال " دردانين"الشخوص، وربما كان ـ (وربما لهذا ال يحتفي النص كثيرا بالقريـة .. ترجع اإلشارات واإلحاالت د أبـادل التعبيـر بـين ق

، وال يذكرها إال من خالل ذاكرة الطفولـة السـاذجة، والتـي تبـدو )النص، إذ ال فرق بينهما/الكاتبواضحة في تعاملها المجرد واالعتباطي مع األشياء، حتى الكوامن واللذات في هـذه الفتـرة ال تأخـذ

أولى،، لذا فالمدينة تمثل صـنو هـذا شكلها الطبيعي، إال في معنى المنافسة والسباق، أو مجرد تجربة .المتن

إن ما تحمله المدينة شيء ال نستطيع رسمه، وال يمكن توقع قوى سحرها على البدوي، الذي يظل يحلم

في هـذه ) الحذاء(يكتشف فيها جنة األخطاء والغواية، إن ..بها، إنه البحث عن الجنة، عن جنة خاصةالواجب توفرها من رائحة الجنة، الخارجي يرسم الكثير أحيانـا الحكاية مفصل مهم العتبارات اللزوم

الذي حلـم ) بالشرطي(ويفرض على اإلنسان شكله الخاص وغاياته، إن المدينة تستأثر بكل شيء حتى وبالشاعر الذي يسكن فندقا رخيصا جـدا، ..بقريته، فتحول إلى غول غريب في سجن المدينة السياسي

ـ ) جمعة(الذي يجعل من شخص ) العرج(هي .. ته الساخنةيداري في زحمته كلما تبع ـبوليسا سريا، يت .اآلخرين بدون عرج، ويؤكد رغبة المدينة في قتل الشجر مقاعد وكراسي ودواليب

شخوص المدينة لديهم معادلتهم الخاصة في المعايشة، إنهم السعي الدائم، وانصرافهم النهاري لذواتهم، نساء المدينة أيضا مختلفات، فهـن .. ن ال يفرق بينهم إال احتمالهم لنشوة الخمريوواجتماعهم ليال متسا

قادرات على الغواية بأكثر روعة، هناك الرخيصات وهناك الغاليات، وهناك المغلقات، المعادلة معهـن .أيضا ترسم خطوطها الخاصة وتسقط كما تشاء) مريومة( ..ال تعدو ابتسامة حظ أو سقوط

دينة، وتظل دائمة القادرة على منح الكثير، الكثير من الحرية للنوم في الشـوارع، والعربـدة لكنها الم .، ومؤانسة البحر، ومغازلته، وتظل المخزن الكبير للنساء والمتعةاليال فيه

50

األلم، وربما كانت الحاجة، والشعور بنقصها هو األلم الحقيقي، وفي لحظة الوقوع تحت سيطرته، تبدو

يدفع ألمه بطريقته الخاصة، يدخل إلـى ) التاريخ علمم(اء كلها واحدة ومتوازية في ذات الصف، األشيفصله مبتسما يحكي عن التاريخ كما يراه هو، المدينة تمنحك حقا جدوى التعامل بأفكـارك وإتيانهـا،

تسـتطيع القريـة فالمدينة أقرب لنبض البالد، وتحسسا لشواغلها، وأقدر على رصد معاناتها التـي ال تخيلها إال في سيارة النقل والدرب المترب، فالشارع ينتفض بكله، ويخرج صـائحا، ويمـنح الجميـع

.التساوي في النداء، ويجيز له، له هو فقط إن يقضي حاجته في الركن، ويرتاح

لشعر، فرغم أن النص في مجمله ينطلق من المنطقة الجوانية، األكثر التصاقا بالكاتب، بهذا يتقاطع مع اعن النص، وإن كان الشعر يفشل في كتابـة شاعر، إال أن اللغة الشعرية تغيب كلية) عاشور الطويبي(

أن العملية وإن .. الرواية، إال أنه ال يفشل لغة، مانحا النص بعدا آخر من الشفافية، فالجفاف بدا واضحاوالغاية .. اس عادي والصفات مجردة إال لما هي لهأتت من الداخل إال أنها تفقد إحساسها باألشياء، التم

إن قصد الكاتب إبعاد الشاعر عن العملية، فإنه أيضا لم يمنح الكاتب الفرصة األكثر للتقرب من النص، والتعلق به أكثر، فحتى المقاطع التي غزاها التضمين اللغوي، والمقاطع التي ترددت في بحثها الفلسفي،

الذي سـكن الفنـدق ) الشاعر(إننا حقيقة فقدنا الشاعر في هذا النص، وحتى .. نأسميها من حاشية المت ..بحث وسرد من الداخل.. الرخيص لم يخرج عن محيط الفندق والرواق، إنها وكأنها عملية حجز

الشاعر، م، إن األحداث في تقاطعها الكثير وازدحامها أما)قصة طويلة(ربما كنت أجيز لنفسي تسميتها

تقاطع كثيرا في محاور دورانها، فتلتقي كثيرا، إنها جملة مـن األحـداث ـهذه الشخوص ت جعلت من ..والمشاغل، التي تسجلها كتابة داخلية

يضعنا حقيقية أمام الكثير من األسـئلة، فـالنص محمـل بـالكثير مـن .. الشاعر "عاشور الطويبي"

اية كالذي يدخل غرفة المرايا، كل المرايـا التقاطعات، وهي ليست تقاطعات متقاطعة، إننا في هذه الروعرف كيف يماهي "عاشور الطويبي"لكن .. قاطع جميعا في ذات الواقف وسطهاـمتوازية، والصور تت

.وإن ابتدأت كل الشواغل منه.. هذه التقاطعات، ومنح كل مرآة صفة خاصة

13/08/2003 _26:العدد_ صحيفة المشهد

51

ردنزياح النص وقوانين السإ

غازي القبالوي، الدخول بنا مباشرة إلى الحدث، إنه ال يحب المفاجأة والمخاتلة، إنه / ال يحاول القاصولعلنا نعيد هذا إلى تخصصه األكاديمي، الذي يتطلـب منـه األخـذ بكـل .. يحب اإلعداد على مهل

مانحا إياه كل أشـكال الظواهر، ولوجا للبواطن، فهي المفتاح الوحيد للكشف، إنه يؤثث بعناية للنص، .الرفاه

وعلى هذا التأسيس، يغيب اإلبهار، وتبد واضحة لغة الرصد والتداعي، والوقوف عند الحدث تفصيال،

، وإن أخذنا هذا على حداثة التجربـة، *)إلى متى؟(مما يمكن النص من التمتع بأكبر قدر من االهتمام نص قربا أكثر من داخله والتواصل معه، وحـال القـبض فإننا نقف على جدية حقيقة في التعامل مع ال

يبدأ القاص من النقطة التي يريد، إنه هنا يستخدم سلطته في التعامل مـع .. على موضوعته التي يريد.. وهو بذا يستلم أمور النص كاملة، يديرها كما يشاء، على إيقاع الرصد، حتى وإن كان راويا.. النص

من اليومي وبمالمسة مباشرة، فبمثل هكذا تأثيث وهكذا سلطة، يتغير شكل وهو حتى وإن التقط نماذجهال يعول حقيقة على الواقع ) غازي(فـ.. الواقع إلى حلم أو ما يشبه الحكاية العظيمة أو لنقل األسطورة

، إنه يختـار الصـياغة التـي يألفهـا، )موازاة(أو لنقل أنه ال يحاول أن ينسج نصه على نمط الواقع غة التي تمكنه من حرية تفصيل أكثر، وإلغاء أكثر للشخوص وتحديدهم، لذا فإنه يضـفي علـى الصيا

النص الكثير من الضبابية، وهي ليست الضبابية الحاجبة إنها الضبابية التشكيلية التي تنزع إلى مواراة فائقـة لفـواتح أو لذا فإنا نراه يؤثث بعناية *).. بدون جدوى(الواقع إلمكان ظهور األشياء التي يريد

مداخل قصصه، فمن البناء على األفعال الماضية إلى االستهالل القصصي الرصـين بجمـل المبتـدأ ثـالث رسـائل إلـى (والخبر، حتى إنه في نصه األقرب جدا للبوح العاطفي كان تأثيثه هو السـائد

*).. أسطورة

؟..؟ أم هو الطموح لكتابة نص إنساني..فهل تراها حقا األسطورةولو جمعنا كل هذا لعادت بنا القصة إلى الحكـاء .. قلنا ضبابية، وتأثيث، ونمط خاص، وسلطة خاصة

يجيد الحكاية فينصت له الجميع دون مقاطعة، فهو الوحيد القادر على اإلتيان الذي كان األول في قومهإنه الوحيد القادر على .. بالغول، والعروس األرجوانية، والفارس الفضي، والسحب التي تظلل السيارة

".الخير والشر"صوغ الخوارق، في حكاية واحدة هي أهـل (يحاول أن يصوغ حكايته هو، فيستعين لها بكل ما يريد هـو ال هـي، فيأخـذ قصـة " غازي"

، ويشكلها كما يريد، فيبدأ بصوغ الحدث وبتحديد عدد الفتية وكلبهم، وإسقاط صفة النبوءة أو *)الكهفيختار لكل منهم وقت وحالة نهوضه، ويخفي عن قصد كلبهم حتى يقدمه لنا في النهاية، الرسالة عنهم،

وإمعانا في مسيرته، يجتهد في لغته، واقترابهـا .. إنه يعاود صياغة القصة برمتها.. خائنا وعبدا للقمتها بعناية، عازفـا قيا الكلمات التي يحكي بهـمن لغة الحكاء الذي يعجبه اإلنصات فيستمر في سرده، منت

، مانحا إياها كل ما تريد، شادا آذانهم بكل مـا )من األلفة(على وقع الجمل وغناها بالحيوية واإليالف أوتي من قدره على تضمين حكايته المفردات الواصفة، والواقفة للحالة، الراصدة لها، وإن كانت ثقيلة

..الوقع، عازفا على وقعها داللة إلثارة ذهن المتلقيوالمتلقي هنا، ليس كل الجمع الذي ينصت اآلن، إنه الفرد المستقل في كل المجموع، إنه يوجه حكايتـه لكل فرد، فالغلبة العقلية، هنا تبدو واضحة في توجيه النص، عن كل ما حواليه باتجاه المتلقي، إنه بهذا

ب الحقيقي النفصال الكاتب عـن يصنع جسرا خاصة بينه وبين المتلقي، ولعلنا نفهم اآلن أو ندرك السبفهو مشغول بترتيب العالقـات .. نصه، أو انفصال ذاته عن متن قصته، حتى وإن كان هو المتن ذاته

52

في صـورة تنـزاح .. المضطربة وصياغتها، إليجاد حالة من التوافق أو االتفاق، تتفق فيها األطراف .تنوعاوهذا يعدنا بنص أكثر جدية و.. ناحية المثال أو االكتمال

فينزاح ناحيتها معلال، ومؤيدا لها، ويظل يبحث فيها عن إجابـة تكـون .. يعترف باألسباب" غازي"إن الئقة، لذا فإن التوازن أو المعادلة ثنائية الحد هي الدالل الرياضي األقرب من نصه، وهو الذي تطمـح

خالـد / تفق ورأي الصديق الشـاعر أله المعاناة قصد اتزان تظفر فيه بالسكينة، وأقول معاناة ألني ال ، الذي عنون المجموعة باأللم والمرارة، ألن هذا إقرار بوضـع ال يقبلـه الـنص، فيفـرض 1درويش

الذي وكما قلنـا يصـنع .. صورته المقابلة للواقع في موازاة تخلق فيها ما تريد، وهنا ما يريده القاصاءا، أو بالزمان تاريخا وعمقا، إنه يهـتم أكثـر الحدث كما يريد هو، فال يحتفي بالمكان حضورا أو بن

بموجوداته التي تخدمه، فيحتفي بالباب، والشباك، الغرفة، والحاالت من جلوس ومشي وهروب،، وكأن يبحث عن مدينة حقيقية، أكثر حضورا وتفـاعال فتسـتطيع أن تفـرض طقسـها 3)نييالنثر المد(هذا

لذا فإن القاص هنا يركب .. أو أن تفرض تاريخها هي.. في النصومعاملتها واسمها وشوارعها الغائبة ..أدواته ويشغلها لوحده، في مواجهة األزمة التي توجد المعاناة

، هو نص تواصل مـع الواقـع فـي )إلى متى؟(إن النص الذي نقرأه أمامنا من خالل هذه المجموعة

، 90عادت لمزاولة نشاطها منذ مطلع الـ عمومه، وهو أيضا اتصال بالتجربة القصصية في ليبيا، التيلكنها ظلت تنشد مكانا آخر ربما كان هذا بتأثيث أقل، وهذا ما يقدمه النص القصصي في ليبيا حقيقـة

.من وقوعه تحت سلطة القاص وحده

:هوامش )إلى متى؟(عناوين قصص من مجموعة القاص * .1/2002، 17:، السنة الثانية العدد)أفـق(لة مج.. األلم في قصص غازي القبالوي.. خالد درويش -1، 23:، السـنة )الفصـول األربعـة (مجلـة .. منصور أبوشـناف .. نثر المدينة، قراءات في القصة الليبية القصيرة -2

.4/2001، 25:العدد

2/3/2002- 1_ 3623:العدد_ صحيفة الجماهيرية

53

صـوصنقراءة في الـ

قراءة في بعض من كلماتها األنساقبناء

طرابلسية عاشقة طفالمفصل االستدعاء، وحكاية الجندي واأل

مقامة الوقت

54

قراءة في بعض من كلماتها أجمل بثالث ومضات شعرية جميلة لشاعرة) 41( تهافي عددها األول طالعتنا في صفح) شباب شباب(

حدى األماسي الشعرية، أقل ما بهذا لقبها أحد األصدقاء في إ) شامة طرابلس(، )أم الخير الباروني(هي ، في شعرها نفحة نسيم صيفي ودفء ليلة شـتائية، وعبـق "أم الخير"ـيقال عنها إنها قصيدة معنونة ب

أم الخيـر "هذا باختصار شديد شـاعرتنا .زهرة ربيعية غناء، إنك أمام نص مفهم بالحيوية واإلنطالق، التـي ارتـأت أن )شباب شـباب (من مجلة ) 41(، وما هذه السطور إال قراءة في الصفحة "الباروني

-انتظـار -تمهيد بدايات الرحيل :، متضمنة ثالث ومضات شعريةهاتكون صفحة الشعر ممهورة باسم .خوف

المبـتـدأ -

النص الحديث، الذي استفاد من كـل أشـكال / الومضة الشعرية شكل جديد من أشكال القصيدة الحديثةوالعمق، ورغم أن الكالسـيكيين 1ر يمتلك أكبر قدر من مباهج الرؤيةالتعبير والفنون، لخلق نص مغاي

بعيدا عن القصيدة، إال أنها من صميم القصيد العربـي، فالومضـة لحظـة خاصـة، يرون فيها شكالوخاصة جدا، البد أن تكون حتى تخرج الومضة ذات الجدوى، فهي مكثفة، واعية، قادرة علـى خلـق

ا ذات جدوى، كان قصدنا إنها نص حقيقي بعيد عن مجرد رصـف لكلمـات الدهشة، وعندما قلنا إنهوجمل وتعميه، اللحظة الشعرية مكثفة، داعية لما تريد قوله، وال نستطيع أن نفصـل الومضـة عـن

األصـل فـي الشـعر : (، حيث يقول2خليفة التليسي/ القصيد العربي كما قلنا، وهذا ما يؤكده األستاذد، وعندما كان الشاعر العربي القديم، يرسل البيت الواحد ليعبر عـن لحظتـه العربي هو البيت الواح

الشعرية، لم يكن يواجه أية مشكلة تعبيرية، فقد كان البيت يعبر عن حاجته ويستوعب اللحظة الشعرية ويتسع الشعر العربي الحديث أيضا لتقديم نمـاذج كثيـرة : (3، ويضيف أيضا)التي يعانيها بكل أبعادها

ونشير هنا إلى نماذج من قصيدة .. طبق عليها معنى قصيدة البيت، رغم البناء الجديد للقصيدة الحديثةين : البيت الواحد يقدمها إلينا الشاعر أدونيس في قصيدة بعنوان المئذنة

بكت المئذنة حين جاء الغريب

اشتراها .وبنى فوقها مدخنة

جريدية، في هذه اللوحة يمكننا أن نرى القصيدة في أبسط وفنيا يمكن أن نفهم الومضة الشعرية، لوحة ت .أشكالها، شكل عام يؤكد الجوهر الدائم الحقيقي للقصيدة

عالية الحساسية، الخطـأ -أم الخير الباروني، تدرك تمام اإلدراك أنها تتعامل مع تقنية عالية/ شاعرتنا

.نصوصا عالية اإلحساس، قويةفيها مفضوح حتى البدء، وألنها أدركت هذه األشياء، أنتجت الخـبـر -

ليست هذه المرة األولى التي أقرأ فيها هذه النصوص، فهي ضمن ما أملكه من نصوص ودتنـي بهـا أي -الشاعرة، وكنت قد سجلت بعض المالحظات عنها وعن باقي القصائد، لكنـي عنـدما وجـدتها

، رأيـت أن أنظـم وأنسـق هـذه )ابشباب شـب (منشورة ضمن مادة العدد األول لمجلة -النصوص .المالحظات والتعليقات في شكل قراءة، متمنيا أن تضيف الجديد

55

للقاء طعمة السكر في الحلق، وللقاء أيضا نشوة وقوى تسري في خاليا الجسم كلهـا، تكـون أقـرب مما؟ .. للفراشة، للعصفور من اإلنسان الملتصق باألرض، والشاعرة بعد اللقاء خافت

فخو/ نص البارحة

بعدما غادرتني على غير عادتي، لم أقرب الماء

ولم أشرب خفت،

خفت أن أنطفئ

تلـك / تشرب الماء مخافة أن تنطفئ فيها نشوى اللقاء/ قربـاليوم تخبره أنها لم ت .اللقاء كان البارحة .الجذوة التي أشعلها اللقاء

:حركة أولى

، أي ما حدث لم يكـن )على غير عادتي(ادرته كسرت عادتها هذا اللقاء كان غير عادي، فهي بعد مغ .بالشيء العادي الذي يجعلها تستمر على عادتها

:حركة ثانية

.خفت، خفت أن أنطفئ/ ولم أشرب/ لم أقرب الماءكل منهما اآلخر، واآلن، يمكننا أن نفهم لما لـم تقـرب -والبد -لنتخيل معا أنهما عندما افترقا صافح

افة أن تنطفئ الجذوة بيدها، ولم تشربب الماء مخافة أن تنطفئ جذوة اللقاء بـداخلها، هنـا، الماء؟ مخ/ تعاملت الشاعرة مع الماء بشكل تجريدي، وفي وعيها تدرك أن التقاء المـاء والنـار هـو اإلنطفـاء

عـل من كونـه، إال مـن ف ) الماء(الموت، لذا خافت على الجذوة بداخلها، فهي بهذا تكون قد جردت .اإلطفاء

: حركة ثالثة

خفـت، خفـت أن / ولم أشـرب / بعدما غادرتني، لم أقرب الماء/ على غير عادتي/ البارحة .1 .أنطفئ

خفـت، خفـت أن / ولم أشـرب / على غير عادتي، لم أقرب الماء/ بعدما غادرتني، البارحة .2 .أنطفئ

فت، خفت أن أنطفئخ/ لم أشرب/ على غير عادتي، البارحة/ بعدما غادرتني، لم أقرب الماء .3

ماذا أريد من هذا؟ يها كما نشاء، مادام ذلك ضـمن ير في حديتغالاإلرادة الوصول للمعادلة الموسيقية، وألنها معادلة يمكن

، والمعادلة الموسيقية في القصـيدة تصـوير للمعادلـة النفسـية، )علم الرياضيات(القواعد الرياضية ص والرؤى المتموجة حس موسيقي، وفي هـذه الومضـة كانـت قات النفسية المتالحقة في النـفالدف

-زمن اللقـاء (، وكانت المعادلة النفسية، دفق أول )عادتي -غادرتني(المعادلة الموسيقية، تناغم كلمتي الخـوف مـن (، دفـق ثالـث ..)على غير عادتي/ بعدما غادرتني -كسر العادة(دفق ثاني ) البارحة ، ماذا أريد من هذه التشكيالت؟)، خفت أن أنطفئلم أقرب، أشرب الماء -اإلنطفاء

.النفسية/ بإظهار المعادلة الموسيقية .تحريك ترتيب الجمل، والكلمات، إلظهار الدالئل الجمالية والنفسية

56

/ تشاهدها بأكثر من شكل/ هذه اللوحة إضافة ألنها تجريدية، هي أيضا سريالية، لوحة يمكن أن تقرأها .وكم لقراءة هذه الومضة مرة أخرىأدع. بأكثر من وضعية

إذا كان النص عند أم الخير الباروني متنفسا للبوح والشدو، فإن العمل ال يتم ليكون هذا البوح أو الشدو إال من تشكيالت الصور التي يتركب منها النص، وألننا نقرأ الومضة الشعرية، فإن الصور هنا تكون

: أعمق، ونقرأ انتظار/ نص

الليل على مدائن الحلم، أشرع نافذة وأنتظر

يشيخ انتظاري وفي الصباح الهرم

تسقط مالمحك من ذاكرتي .وينفرط الحلم في راحتي

تمهيد بدايات الرحيل/ نص

صفير الريح .حداء حزين لقافلة الليلة السارية

عيون غائمة ورائحة السفر دوار للذاكرة

تنتحب الريح هشيم الزجاج، المخبوء صدى الزجاج

جلى من النصين السابقين، اعتماد الشاعرة، التدفق الشعوري، في تتالي الجمل والتي جنحت بعضـها

لتسـتوعب الدفقـه ) وفي الصباح الهرم تسقط مالمحك من ذاكرتي، وينفرط الحلم من راحتي(للطول وهو الشكل البنائي الغالب النفسية، فأتى البناء عموديا، بمعنى أن تأتي مقاطع النص متتالية،/ الشعورية

على قصائد الشاعرة، أم الخير الباروني، وهي أيضا ذكية في اختيار الكلمات، مما يبعث فينا نشـوتي .الحلم والتلذذ بالنص/ التخيل

أعتمد تشكيل الصور وتفعيلها كنوع من التحريك، كسرا لثباتها، فهي -)تمهيد بدايات الرحيل(في نص تجرده : العنصر األول .رة على عنصرين، وللموازنة يكون العنصر المشترك الثالثتعتمد تركيز الصو

، )البـادرة (، السـفر بالرائحـة )صوتال(الريح بالصفير : الشاعرة إال مما تريده منه، فهي تكتفي منالعنصر الثاني مستقل، العنصر الثالث المشترك بينهما، وبشـكل أدق يـربط . )البقايا(الزجاج بالهشيم

.العنصر الثاني باألول .لقافلة الليل السارية -حداء -الصفير -الريح .للذاكرة -دوار -رائحة -السفر .لنور مصباح يخبؤ -صدى -هشيم -الزجاج

وقافلة الليـل السـارية، ) صوت(كان الحداء هو ما يشترك فيه صفير الريح : فكما في الصورة األولىي السير، والليل موعد مع الريح التـي فـي هبوبهـا عبـر ليجدها ف هافمن طبع سائق اإلبل أن يحدوإصدار (صوت الريح، يشتركان في فعل التصويت أو اإلصاته / الحادي/ المسافات صفير، فكان صوت

: تسلك الشاعرة طريقا آخر لرسم الصورة) انتظار(، وفي نص )الصوت ة الليل على مدائن الحلم، وأنتظرأشرع نافذ

.سقط مالمحك من ذاكرتي، وينفرط الحلم في راحتي ت/ وفي الصباح الهرم

57

، وجاءت األفعـال )الزمن(إنها تستخدم اإليحاء، إنه الفعل ودالالته اإليجابية، مكسبة الصورة بعدا ثالثا ، وهي -وهذه الحقيقة -، في الصورة األولى ما يفصل الحلم عن الليل إال نافذة)ينفرط -تسقط -أشرع(

وهـي بهـذا ضـربت ) أشـرع (، وقالت -العكس غير وارد بتاتا -الليل ندخل الحلمنافذة الليل ألننا ب : عصفورين بحجر واحد

-أشرع(اإلبحار في عالم الحلم ): إيحائي(فتح نافذة الليل على الحلم، العصفور الثاني :العصفور األولإلنفـراط التشـتت الحلم والقصـد هنـا ا ) ينفرط(، وعندما تريد أن تركز المعنى تقول )أرفع شراعي

.والضياع

هذه هي نصوص أم الخير الباروني، اإلنسانة، روحها في كل كلمة وكل جملة، إنها ترسم نفسها بهـذه النصوص، وألنها قراءة لم أتبع تقنية معينة في كتابتها أو منهجا خاصا، وحاولت قدر اإلمكان أن أوجه

راسة خاصة للومضة الشعرية، فإن الشاعرة د -بعد -قصدي فقط للومضة الشعرية، وإن كان لم توضع .دخلت هذا العالم باقتدار "أم الخير الباروني"

الخاتمة :هذا بعض الفيض، أو هذه قراءة في فيض الفيض

أنا إمرأة الجليد والنار تغتالني اللحظات الرتيبة

.أم الخير الباروني/ لغة الصمت

هوامش .1992الماء / 61لة الفصول األربعة، العدد مج.. عنوان مقال) مباهج الرؤية( -1 .9ص. 1983/ 1، المنشأة العامة للنشر والتوزيع واإلعالن، ط)قصيدة البيت الواحد(خليفة محمد التليسي -2 .74ص. المصدر السابق -3

.ولقد فقدت بيانات النشر) شباب شباب(من مجلة 3نشرت هذه القراءة في العدد

58

بناء األنساق وأنساق العودة.. ل عذاب اللي

وإن اعتبرنا أن بناء النص الشعري ظل محتفظا بذات البناء القائم أو العمودي، إال أن تركيبه الـداخلي يختلف في حديثه عما سبقه، فالنص الحديث لم يعد يعتمد على على البناء التراتبي المقسم سلفا خاصـة

طالل، وذكر للرحلة وغيرها، وحتـى فـي عصـور في القصائد الشعرية القديمة من وقوف على األمتأخرة عن ذلك، ظهرت القصيدة بذات التراتبية لكنها اعتمدت ثالث تراتب يكون فيها النص مقسـما

وهذا الحال ما صار ينسحب على القصائد، حتى في الشكل الحديث للقصيد .. مقدمة، متن، خاتمة: إلىجاءت النصوص على ذات الشاكلة، لكنها فيما بعد تطورت فلقد ، )الشعر الحر(العربي المعتمد التفعيلة

فـي .. أخذت نصوص السياب أبعادا بنائية جديدة، وإن ظلت قائمية أو عمودية النص الشعري قائمـة النص الحديث يختلف األمر، فحتى وإن كانت ثمة عمودية تعتمد تراتبية ما، إال أن أنساقا مـن دوران

ة، والومضة، أوجدت أنساقا وتشكيالت تشكيلية للنص الحـديث، مكنتـه مـن النص، والمقاطع اإلحالي .دخول عوالم جديدة، معتمدا على وحدة فعل الحداثة في كل الفنون

، نجد أنفسنا أمام تراتبية إيحالية دائرة، بمعنى أنهـا "خالد درويش"في هذا النص للشاعر .. الليل عذاب

في البداية، وهذا يعود إلى خصوصية النص فـي تعاملـة مـع تكرر وحدة بنائية بالرجوع إلى نقطة، فالنص اتكاء على إقتطاعات زمنية متالحقة، بالرجوع بها إلى لحظة مبتدأ 1اللحظة، أو الزمن المقتطع

، )معادلة النص في الـنص التسـعيني (، وهي لحظة استظهار، وبالعودة إلى موضوع )مقتطعة أيضا( : ، مفتتحا"خالد درويش"يقول .. ذات النصنرى تعلق المقتطع الزمني ب

هل أنت صديقي؟ أحتاج ألن تثبت ذلك هل أنت غريمي؟ أحتاج ألن أثبت ذلك ؟هل أنت حبيبي .يكفيني ذلك

وبهذا المفتتح المستظهر، تم القبض على العودة، فهذا طلب استظهار يتطلب العـودة إليـه السـتجالء

الزمنية كانت دائمة العودة، سامحة في كل عودة وابتداء بتغطية أكبـر، تطعات ـالموقف، بذا فإن المق :خروجا من ذات النص طالبة البعد عن الركون في هذه النقطة

أكاد أجن؟، فهل أسمع صوتا وأحن ..أيتها الذئبة أن كنت تنتظرين بقاياي فإني محموم بقايا .أعذر كل األشالء ،أن تحتاج إلى موت رفيق خنق صديق أو فذاك بالء يا نهر األشياء ما عدت ألسبح فيك

59

ما عدت ألرقد بين يديك في كل مساء

حتى وإن كان هناك تماس مباشر مع الموجودات في المنظومة الحياتية، في هذا االنعكـاس لغوغائيـة قا بعدا عموديا، العالقة، وعدم جدواها، إال أن النص يخرج عن أفقيه في هذا التماس بارتقاء الذات محق

وهذا نجده واضحا في تالحق الدفق الشعوري .. و الشاعر، واألصح كليهماأيكون محور تقاطع النص، أو النفسي في الجمل التي جاءت قصيرة متالحقة، في تتابع سريع يشي بصعود أو ارتقاء اللحظة ذات

:لتقاءوفي لحظة أخرى نقبض فيها على نقطة وتشعب ومن ثم عود ال.. النص هذه أجنحة اهللا على صمتي

تكتم أنفاسي وجنازير الحاضر في أعماقي

تقتل إحساسي سأطير قريبا ولم أشبع من صمتي ولم أتذوق رحلة موتي لم أعلم أن الوقت قريب جدا لم ألحق أجمع أعضائي فتناثر كل العمر ،وتبعثرت الرقعة

وانتصبت أكفاني تدق.. تدق.. تدق ني من جيب الوقتتلملم تلفعني باألرض .تدثرني بسماء بيضاء العين

وإن كنا عولنا منذ البداية على البناء استقراء للنص، فإننا نكتشف عمق الدفق الشعوري أو النفسي فـي

:طول جملتي المقطع عند البداية وكأن هذه السعة مهيأة للتتشعب إلى، لتعـود )لم أعلم أن الوقت قريـب (، غفلة )رحلة موتي لم أتذوق(، اشتهاء )لم أشبع من صمتي(جوع

.. تـدق / وانتصبت أكفـان (، متكونة من جديد ومنعقدة )او هذه السيرة الذاتية المنقسمة(الشعب الثالثة ).تدق.. تدق

:متشبثا بزمنه، وال يرضى حتى بضياع خيباته "خالد درويش" ويظل الشاعر ويدخل رجل الميعاد أبوس يديك تريث مازلت أراجع دفتر أيامي أبوس يديك تريث دنياك بقية أحالمي لت في جعبةاماز

في هذا النص ال نحاول اكتشاف الجديد، بقدر ما نعمل على تقديم تجربة تحمل في داخلها الكثير مـن

لـنص تطعات الزمنية زادا للتجربة، يعد ملمحا مهما فـي ا ـالتميز، فهذا اإلصرار على االكتفاء بالمتقالتسعيني، هذا باالتكاء على عشرية سابقة، الغياب والجدب ملمحاها األساسيان، وهذا التميز ال ينسحب على النص التسعيني في بالدنا، بل على التجربة في كل الوطن العربي، إذا إن النص التسعيني نـص

ذا الجيل عن نسيج المجتمع تعامل بالواقعية، أو تعامل بواقعية المجتمع مع األشياء لذا ال يمكن فصل هبكل انعكاساته، وإن كانت معادلة الزمن تمثل اقتطاعا، فهي في تجـارب أخـرى تمثـل االغتـراب

60

وهـذه .. والغربة، والغياب والضياع، وفي تجارب تمثل طغيان المؤسسة فال نلمس إال زهوا بـالنفس .دعوة للقراءة من جديد

:هوامش .3/10/2001: ، األربعاء3498:صحيفة الجماهيرية، العدد/ سعينيمعادلة الزمن في النص الت -1

2001- 10- 24_ 3515: العدد_ صحيفة الجماهيرية

61

طـرابـلـسية عـاشـقة

عندما تكتب المرأة تتحول الكتابة وسيلة للبوح، وشكال درامتيكيا يمشهد واقعها المعاش، ومرآة عاكسـة فهي عندما تمسك القلـم، تكتـب ... ماس ومحيطها الخاص والعامللمناخ االجتماعي المعاش، ونقاط الت

، فنقـرأ -والنفسي بشكل خاص-ذاتها من مداد مواقعها الساخنة والباردة، والتباين في اإليقاع الحياتي .حالة وتصويرا

، كانت أشعارهن حاالت ومشاهد خاصة، تتماس - حتى على مر التاريخ–والشاعرات رغم قلتهن

، )وتجربتها في وفاة أخيها صخر(الخنساء : الحالة العامة، ولنا أن نرى في شاعرات مثل أحيانا معوتجربتها (نازك المالئكة : ، المثال الجيد للحالة، أو كشاعرات حديثات مثل)وحبها توبة(ليلى األخيلية لألشكال غير والنزوع (، فوزية شالبي )في تجربتها الخاصة المختلطة(، غادة السمان )في التجديد .الخ)...التقليدية

فترة التجريب هذه أوجدت شاعرات تنافسن في البحث عن : وفي مقال نشرته بصحيفة الشط أوردت

صيغ مختلفة للبوح، وهنا أسجل حضور شاعرة بذاتها، إنها : وأقول اآلن... 1صيغ مختلفة للكالمأنا مغتبط جدا : مجلة الفصول األربعةمن 1981لسنة 16، والتي سجل لها العدد )أسماء الطرابلسي(

بميالد هذه الكاتبة، إنها تبشرني بأن الثورة خلقت جيلها الخالي من العقد ومن التشويه االجتماعي ولعل القصد من إيراد هذه الجملة وصل، من أن للحالة العامة ..2والتعثر في السلوك اإلنساني النظيف

على النتاج الشعري، ومن هذا كان التجربة الشعرية الحديثة، الشاعرة ينعكس/وتماسها مع ذات الشاعر .القالب األقدر على احتواء هذه الحالة الداخلية من الثورة

في العدد " (الفصول األربعة"عندما التقيتها المرة األولى، عادت لذهني قصائد قرأتها متفرقة في ورة شاعرة أتقنت كتابة الهوى بطريقتها ، وتركبت في ذهني ص"ال"، ومجلة )الخاص بالتجربة الشعرية

:ولنقرأ معا.. الخاصة فوق ملعب الورق األبيض

تركت قلمي يركض وعنانه على عنقه وعندما توقف

.كان وجهك يبتسم لي

وإن كانت الثورة تجربة أولى، فالتجربة الشعرية الجديدة كانت الوعاء األقدر، من ذاته المتمردة على ، تكتب ما "أسماء الطرابلسي"وإن كانت الشاعرة .من القلب/على احتواء الثورة فيالتقليد والرتابة،

، فإنها -باعتبار اعتماده تفعيالت البحور الخليلية–اصطلح على تسميته بقصيدة النثر، ال الشعر الحر اطفة وتكون الع .تكتب نصها متكئة على رصيد معرفي أهلها بأن تكون صوتا شعريا مميزا في بالدنا

. التجربة الثانية، التي قدمت لنا شاعرة يتأكد من يقرأ قصائدها، رقة وعذوبة وغنى الروح التي تسكنها .ولندخل معا عالما شعريا خاصا وغنيا

رغم خصوصية التجربة الشعرية للشاعرة، واقتصارها على ذاتها وهو، إال أن النص الشعري يشي .اتساع رؤيتها داخليا على ذاتينة، وبغنى وتدفق يعكس غنى هذه التجرب

.3نقترب... ابتعد/ نص دعني أصيغ تسمية جديدة

شدتني إليك.. لقوة غامضة

62

في أول مرة رأيتك دعتني كي ال أرتاب في أنني عرفتك، ! من قبل أن أعرفك

على التدفق الشعوري، أو الحالة الشعرية، والتي تتضح "أسماء الطرابلسي"يعتمد نص الشاعرة

واضحة في أن جزءا كبيرا من نصوصها الشعرية جاء قصيرا أقرب للومضة الشعرية، وإن كان قائم البناء وذلك كما سلف البيان لتدفق /البعض ينتمي للومضة الشعرية، بنائـيـا يأتي النص عمودي

قي على بناء النص الحالة الشعرية تواترا، ال تنويعا على الحالة الشعرية، والتي تأخذ بعدها األفـوالنص المستشهد به أعاله، جاء في …مانحة إياه بعدا ثانيا، وهذه الميزة تحسب عالمة كاملة للشاعرة

خمس فقرات يجمعها خط واحد، وعلى هذا الخط الواحد تعامدت خمسة خطوط تعبر عن الحالة :وأوضح قصدي في الشكل التالي. الشعرية الخاصة بكل مقطع

.والحالة الشعرية للنص) قائم البناء/حال كونه عمودي(العالقة بين بناء النص - )1(شكل

والحالة الشعرية تأخذ ذات الشكل، في كونها تبدأ من نقطة، وتنتهي عند نقطة، وبينهما تتصاعد الحالة

لتعطي في النهاية الشكل وتتوتر، وفي هذا المنحنىـ تتمازج الكلمات لغة، وتناسق والتناغم موسيقة، .العام للنص

بداية؟.. أم.. نهاية/ نصليس لي ها أنا أتحرر من جسد

يشبهني وال أكونه

يلتف حوله أحبابي.. أراه مسجى يبكوني بحرقة تعذبني أخاطبهم فال يسمعونني أقترب منهم فال يرونني

أدي يدي فتخترقهم ..ما الذي يحدث لي؟

طع، وفي هذا المقطع األول تبدأ الحالة من استعداد وتنتهي بسؤال، والشاعرة يمتد هذا النص لستة مقا

بهذا األسلوب من البداية والنهاية، تضع فلسفتها الخاصة، أو أن صح التعبير عنه رؤيا، فال نهاية بدون

63

وبهذا تأتي لغة …)ها أنا أتحرر من جسد ليس لي(نهاية، حتى وإن كانت البداية من نقطة مجهولة .لشاعرة سهلة سلسة، تكتفي بما حملت فال تسعى وراء اإلبهار اللفظي، وصيغ الصدمة السمعيةا

ماما خديجة/ نص ،"حذاء سندريال"وكأن الفقد

الذي ال يليق بسواي ...أفتقدك

وأحبابي القالئل ممن سرقهم الموت

وكل الكثرة، .ممن سرقتهم الحياة

عي وراء اللفظ والصيغة للتعبير، إنها لغة تؤكد مخزونا معرفيا هنا تكتفي اللغة بذاتها، بعيدا عن الس

.واثـقا من ذاته، فأتى تعبيره صدمة في بساطته، وقوة في وصوله السريع، وصعوبة في مجاراته .4نص

ال تقترب أجلس بعيدا وال تقترب

.كي أكون قادرة على التنفس بصوت عادي

قدرة على خلق صورة ولمس عناصرها، فنحن بكل سهولة بعدا بصريا يضاف لنص الشاعرة، في ال :نستطيع تقدير المسافة الالزمة للتنفس بصوت عادي، أو أن نقدر حجم هذا االعتراف

.5نص كان في حياتي صوتا يغرد صار غيابه سوطا يجلد

.. حاترسم اللغة بسالستها، صورة االنتظار الذي كان فر) التي اكتفت بجملتيها(في هذه الومضة

:والحظوا كيف صنعت الصورة نفسها من هذه المقابالت صار - كان : مقابلة زمنية بين -1 سوط –صوت : مقبلة فعلية بين -2 يجلد –يغرد : مقابلة حالية بين -3

.كنت لي/ نص لم أسرق، أو أطلب الكثير

أال يحق لي امتالك حلم صغير صغير إلى األبد،

ال لوقت قصير قصير أمتلك: نعم أستعير: ال

في صنع شكال موسيقيا ) أستعير - قصير - صغير -كثير(وراقبوا هنا أيضا االعتماد على وقع األلفاظ

ويعاود ) ال لوقت قصير قصير(يرتفع في صرخة الطلب ) لم أسرق(هرميا، يبدأ من نقطة منخفضة ).ال أستعير.. نعم أمتلك(النزول من

64

، إال إنها عكست من خاللها تماسها مع العام "طرابلسيأسماء ال"رغم خصوصية وذاتية تجربة .واتصالها بالحياة وهمومها

وأسجل هنا أن تجربة الشاعرات في بالدنا تشهد تميزا في كون كل تجربة تصنع ذاتها، من تميزها، تجربة تفرد التجارب وتستقل كل بذاتها، ولعلي أعيد هذا لقلة الشاعرات في بالدنا، هذه الـفت.. وبحثها

التي تحتاج الكثير من العناية والمتابعة، حتى ال نفقدهن، كما حدث وأن فقدنا شاعرة فيلسوفة هي ."سميرة المبروك"، وأخرى شابة متطلعة هي "فوزية شالبي"

:وأختم بهذا مشاهد من ذاكرة طفولته/ نص

)..الذي أحب... إلى الطفل الهرم( من بعيد

تبدو أمواج الرؤوس المتالطمة، يتأرجح في مقدمتها ذلك المختنق كنعش

المنحني كظهر حمار.. الدافئ كصدر أم تشيعه النبرات الحزينة.. تـتـلقـفه األكتاف

ويسبقه أحيانا.. وهو يالحق الركب حينا***

بعد آذان العصر بالوجوه الحزينة،) جبل السكر(يحفل

والصناديق المغطاة بالجرود واألردية الملونة يشبهه يهيل تراب الوداع،ثمة صغير

ويخبئ جمرة الحزن في قلبه ..قبل المغرب

تعود الصناديق الفارغة، .عصر الغد.. مهيأة لشحن آخر

*** ..من بعي يبدو

الكـفـيف بثيابه المهترئة، مالصقا للجدار مرددا عرضه اليومي لقراءاته الخاطئة

رافعا رأسه، مغمضا عينيه بقوة عصا تقودهباحثا عن الطريق ب

وعندما تفرغ المقبرة من الناس ووحشة.. لتمتلئ صمتا

.ويعد نقوده.. يفتح عينيه على اتساعهما***

بعد المغرب .تطمس األشواك آثار قدميها المشققتين.. إمرأة مسرعة

نست صرة صغيرة قرب قبر منسي بفضول طفولي يفتحها

)تعويذة لشيطان آدمي، خصلة شعر، أشياء غامضة:( .ال يدري فضوله، بأنه أبطل تحقيق األمنية البغيضة

*** في الصباح تحت التوتة الكبيرة

65

ينصب الصغير فخاخه للعصافير المحلقة في السماء الالقطة لدود األرض

ـار يغني ويحفر، والعجوز الحف حفر المساءات اآلتية

.يزرع فيها ما ينتج دودا طازجا في المواسم القادمة

:هامش .1999-10-12الثالثاء الموافق -494العدد -صحيفة الشط). ؟..كيف تكلمت( -1 .1981الكانون /ديسمبر -السنة الرابعة -16العدد .. الفصول األربعة).. من مفكرة عاشقة( -2 .1999-12-25األربعاء الموافق -2950العدد - صحيفة الجماهيرية). نقترب... ابتعد( -3 .عةالفصول األرب).. من مفكرة عاشقة( -4 .المرجع السابق -5

12.01.2000_ 2963:العدد_ صحيفة الجماهيرية

66

حكاية الجندي واألطفال.. مفصل االستدعاء يع شريربر/ للصديق

أو العكس، ناحية الكشف عن إمكانيات النص، وقدرته على التآلف أكثر مع / تتعامل الحداثة مع الشعرشي بها موازاة النص للواقع أو للحيـاة المعـاش، فالنمطيـة الحقيقة التي ت يالواقع الذي يحيا فيه، وه

الشعري العربي يةوالوضوح، ومجاز القول، وإيقاعية هزج الناقة، وخبب الفرس، أنتجت ذاته في نمطوعندما تغلبت اآللة، وصار اإليقاع أسرع مـن .وهكذا للقفز بالمعنى أكثر فيما تلى من عصور ،القديم

، كان البد للنص أن يقدم كل هـذا )القراءة(لكة من الحفظ إلى التداول البصري اللحاق به، وتحولت المالمنجز، أن يوازي كل األحداث، وحال أن الواقع ال يشي بمكنوناته، وأحيانا يخاتل الصدق في بياناته،

.كان على الشعر أن يراوغ، وأن يغوص للداخل، وأن يكتب التوازي بمعنى الدال

دة، وحتى الموضوع لم يعد مهما، فاالستدراكات واالستدعاءات حهم أن يكون النص ولذا لم يكن من المألساسي تستطيع أن تغطي مساحة النص، لنكتشف أن الزمن الذي كـان ا هالتي يقدمها النص في نسيج

رب، يشغل الحيز األكبر في النص القديم أو التقليدي، لم يعد معوال عليه في النص الحديث، فالزمن يتسيغدو النص مجموعة، أقرب إلى التشتت منها إلى الوحدة، أو الحتمال أن يحمل النص ،وينداح، وينحاز

، مـن بـاب االسـتدراك أو )أو داخله(األكثر، وأن يعود في لحظته التي يريد إلى نقطة خارج النص ليـة اإلنتاجيـة االستدعاء، هو نقطة مفصل في عملية إنتاج النص، وهي تطرح الجانب المهم في العم

.ا الحالة المسيطرة عند الكتابةللنص، كونه

االستدعاء، إنما هي حالة انفصال وقتي، عن زمـن الكتابـة، أو /إن هذا المفصل، أو حالة االستدراكالزمن اإلنتاجي، للرجوع واالستحضار، هذا الفصل ال يأتي عن الحالة، بقدر ما يكـون شـطحا فـي

للدفق الذي تدخل به، فيتطلب هذا الخضم التعلق بما يمكنه من التنفس، في أطوارها، وتجاوزا ومقاومة، فال يعود من الضروري إحكام الرابط الزمني، فهو معدوم، وال يحتـاج الـنظم ،هذه الفورة الطاغية

هي حالة من فقدان المركزية، ومن التشعب، : (، أما ما بعد الحداثة)الحداثة زمن يتفتت": (بودلير"يقول ساق فيها من مكان إلى مكان، عبر سلسلة متصلة من السطوح العاكسة كالمرايـا المتقابلـة تجـذبنا ن

".هيبدايج"كما يقول ) ل المجنونصرخة الدا

أو في النص تكون االستجابة الطبيعية لهـذا الـدفق، )اإلنشاء كتابة( ولمزيد التشتت فإن رغبة اإلنشاءلمزيد من التشتت والتشظي، حتى ليغدو الزمن فـي هـذه ضاءاتها، ، التي تشد الشاعر لف1لهذه الغواية

تعدد الفضاءات في النص، ويتباين اإليقـاع، ـ، أزمانا أو فترات زمنية مستقطعة، فت)اإلنشائية(العملية وتختلف األصوات وتتعارض، فال نكاد نقبض على وحدة في هذا كله، إال الذات، وألن الحداثة صـنو

.ون الصوت األقوى، صورة النصتكالذات، فإنها س

ن واالخـتالف، يمفتاح العماري، نستطيع قراءة كل مستويات التقاطع والتبـا /للشاعر" لزغ"وفي نص :يقول ،ونستطيع أن نكتشف مفصل االستدعاء

مغرورتان ألن الحرية بيتي، الذي فيه كل شيء

..والمدفأة عدا السقف، :ة مر

حين عاد الجندي

67

في المدفأة ولم يجد حطبا أحرق حذاءه الثقيل،

..ونام

إذا أردنـا أن : (جميـل حمـادة /يقول األستاذ" أسئلة القصيدة العربية الحديثة في ليبيا"في دراسته عن مفقودة، " غزل"نتحدث عن وحدة موضوعية في النص، وجدنا أن هذه الوحدة الموضوعية في مقطوعة

وإن كنت ال أرى داع للبحث في نص حديث ،طع السابقويورد المق 2.)…:خاصة عندما يقول الشاعروباسـتيعابنا لمقولـة ) نحن نتكلم ال لكي نكون مفهومين، بل لذواتنا الداخليـة ( ..عن وحدة موضوعية

هذه، فإننا لن نحتاج لمناهج موضوعية لقراءة النص الحديث بقدر ما نحتاج ذاتا قـادرة علـى " آرتو"أكثر من أفق تصنعه الدفقة الشعورية، تتدافع " العماري"ففي نص ،رذات الشاع/الغوص في ذات النص

ليكـون ،)عيناك مشية قمر سكران(فيها المستويات الداللية وتتقاطع، وتتداعى تواليا، من باب الوجد ، "سـير "تح الداللة المشية، وعملية المشي، والتي تتكرر في النص ثماني مرات بحساب واحـدة ـمفت

إننـا .. وهي الواجهة التي البد للجندي حال مسـيره " قامة"، كذلك "الحذاء"دوات المسير كذلك تتردد أ، فكما تكشف المشية عن حالة، تكشف القامة عـن "القامة"و" المشية"نتعلق في هذا النص في مقاربتي

:تضاريس

قامتان لمشية الفاكهة أينما يذهب صدرك ينسحب المعنى بعيدا

ريتهتاركا إمبراطو رتعا للشعراء وحدهمم

، عملية االستدعاء التي يقوم بها النص، 3ن الحديث يتركز في هذا النص حول المفصل االستدعائيوإل

قصـة :عاكسا بها أمد هذه الذات وتاريخها الشخصي، في مفصلين يتجه النص الستدعاء حالتين همـا .النظيفوقصة األطفال الثالثة، نسل الحبر ،الجندي الذي يتدفأ بحذائه

هـي المنـتج ) أو غوايتهـا (وفي سياق النص يمكننا أن نقرأ داللة هذا االستدعاء، إذ اعتباطية الكتابة

، تمكن من مجاورة أكثر من )والسرد في مقاربة ممكنة(الفعلي لمثل هذه العملية، كذلك إمكانية اإلنشاء إن هذه المفاصـل ال تقـدم ،وتشظىنه تبدد فيها أمستوى في النص، كذلك مد الزمن في إبعاد يكتشف

واقعا كما هو، بقدر ما توازي حالة بكامل انعكاساتها، وتخرج بها خارج حالتها، بإمكـان قراءتهـا أو تلقيها، وهذا المفصل هو نوع من االكتظاظ الذي يقدمه النص الحديث ويطلع به على المتلقي، فهو من

.ناحية زخم، ومن ناحية أخرى قذف في وجه

قد ناقشنا الغواية المتبادلة بين النص والشاعر، كونها عملية تفاعـل ) المتن وغواية النص( في انوإن كتجعل من النص قابال للتشكل، حيث المتن قادرا على استيعاب كل ما صعد إليه الشاعر حال الغوايات،

هـذه المسـاعد للعـودة حيث يمنح المتن ) مفصل االستدعاء(وهنا نركن إلى أحد آليات الغواية وهي وتكون محصلة العملية التفاعلية هذه نصا موازيا، وعمال ال يحتاج إلـى ،للخلف، والعودة لذات المسير

.أكثر من قراءة، ألن كل موازاة له، هي عملية قراءة والعكس

ر، للحديث عن تجـاوزات "ربيع شري"وإن كان حديث الليل حول هذا النص جرني والصديق الشاعرترب أكثـر مـن محاولـة ـنص الحديث، والقبض على حاجات الشاعر، فإن ذات الحديث كان قد أقال

ترجمة شكل الحداثة، في محاولة استقصائية وإحصائية لمعاني الحداثة ذاتها، حيث كان الشعر في هذه

68

للوقوع البحث في العلوم) الشاعرة خاصة(العملية موازاة وتجاور، ال تقاطع، ألنه ليس من عمل الذات واستجالء مناطق السخونة في الواقع، لتكون " التجربة"على تفسيرات منطقية، بل إن هم هذه الذات هو

..هناك أيضا حياة بكل إبعادها موازية للحياة المطروحة

:هوامش 16/03/2002- 15/ 3634: صحيفة الجماهيرية، العدد.. مقال) المتن وغواية النص(راجع -1 ..1993/، ديسمبر74:العدد.. ل األربعةمجلة الفصو -2 .خصوصيتهبمصطلح أدعي وربما يكون هذا هو الشكل األكثر مقاربة للعملية االستدعائية التي يقوم بها النص، وه -3

28/09/2002- 27_ 3802:العدد _صحيفة الجماهيرية

69

مقامة الوقت

سـميرة " ي في البداية أود تسجيل اعتذار للشاعرةلكن.. ثالث مقامات للوقت، هل اعتبره ردا، أم تأكيداقبلـت األسـف مشـكورة، أبـدأ ا، وألنه)الومضة الشعرية(، لخطأي في اسمها في مقالة "البوزيدي .الموضوع

، وتقدم في كل يوم جديـدها )التسعيني(وحيث أن التجربة الشابة مازلت ال تريد المغادرة تحت مسماها ففي هذه المقامة ترصد الشاعرة الوقت فـي ). ثالث مقامات للوقت(تأتي مؤكدة تجربتها وقوة صوتها،

.ثالث حاالت، حقيقية، مستعينة في ذلك بكل رصيدها، بكل التجربة في تقديم هذا النصعلينا أن نثبت هنا أن الحد بين الشعر والنثر يقع، بالنسبة لنـا، : ("شاكر لعيبي.د" يقول الصديق الشاعراالستعارة إذن هي لب الشعر كنص أدبـي . الطرية الجديدة، وشحنها بالمعنى الفريدفي خلق االستعارة

، وحتـى وإن )التي قد تحضر مثال في األنواع الروائية والبصـرية ) الشعرية(مكتوب، وال نتكلم عن ـ ) خاصة عربيا(قرأنا هذا المقطع حداثويا، نخلص إلى نفس النتيجة، فالتجربة الحديثة ن وهي تتخلى ع

المقومات الشكالنية كالوزن شطري البيت، أو التفعيلة فيما بعد، كان البد لها من تقديم ما ترتكز عليه، فعمدت إلى صنع مشهديتها الخاصة، أو داللتها الخاصة، والتي قدمتها البالغـة العربيـة قـبال باسـم

:سة رؤيتها القديمة، والتي لم تعاود دراستها من منظور حديث، وظلت حبي)االستعارة والمجاز( متسارعا في بطئه ال نرجوه وكاذبا يعدنا بالغد الذي يباغت حناننا ، وبأسمال رثة فال يجد إال النهر بوابنا الموصدة سلفا أمن على وقت ردئ يقايض أعمارنا بالفراغ ..فنتلقفه باللهفات الفارغة ايضا

ادية أو مجرد االستعارة أو المجاز العادي، إذ يأتي المجـاز هنـا هنا نخرج عن مجرد الصورة االعتي

إرساال على الوقت، هذا أوال، ثم غايتنا أال وهي صورة اليومي الموشاة، أو صورة اليومي المزخرفة، :دا عن خدش الحقيقةيهذا يعني أن تأثيثا أنثويا تدخل في إعادة مشهدة الملتقط برؤية أكثر عناية وبع

ال بتفاهات شتى مشغو يمضى مرتبكا ببعضه محشورا في الزوايا الضيقة من الغفالت

يتلبس اآلنسنة صورة، ويتحول الوقت المهدر في الوقوف على النواصي، والمناوشات والتحرش، إلـى كيان، إذ يتم تجريده عن حلوله في اآلخرين إلى حلول خاص مستقل في كيانه، يمارس ذات األفعـال،

كؤوس المشـاريب : كنه يضيق بهذا الحلول المحدد في األنسنة، فيهرب إلى الحلول في األشياء فيكونلفي المقاهي، الخوض في الشوارع، الفقيد الذي لم ينعى، المنتهي في الساعات المفروضة، وفي شاشات

:البث، والمهدور في المواعيد، في الطقوس االجتماعية :المقامة ثانية نترعه بالملل بالفراغ الذيكأس يضيق ثم نصرخ من الضجر

70

هو التلهي نركله على أرصفة الخواء بمرح بليد ونحن نصفر للحياة : المقامة ثالثة الوقت الموقوت على ساعات انتحرت عقاربها غيظا الغائب عن مدار اهتمامنا والحاضر بكسل دائم نهم والمحدق في شاشات التفاهة ب للمواعيد المتأخرة ، المرصود عبثا والالهث خلف بطء مواقيتنا الشاحبة

تأثيث أنثوي بهيج، وخروج عن قبح الحقيقة إلى مشهدة أكثر تهذيبا، وهذا التأثيث نلمسه في نصـوص

ة ، خاصة فيما يختص بالمالمسة المباشرة مع الموجودات والمحيط، في إعاد"سميرة البوزيدي" الشاعرةوبجمع كل المتغيرات ونتائجها، نكتشف ،، متمكنة في ذلك من كتابة نص خاص)عملية مونتاج(مشهدة

تعداها إلى الدخول بالتجربة إلـى عـوالم ـأن إمكانات النص الحديث ال تقف عن الحدود الشكالنية، لتالقبض على الوقـت ، مكنت الصورة الثالثية من )ثالث مقامات للوقت(اللغة، والرؤية، والداللة، وفي

بل (وأعتقد . في التعامل اليومي الخاص والعام، وتطوره من الخروج من الفردية إلى الجماعة ورصدهالتي ال تريد الغياب، تؤكد قوة صوتها، وإمكانيات تجربتها وتنوع ) التسعينية(أن التجربة الشابة ) أجزم

متميز استطاع االستفادة المباشرة مـن صوتها، ونضوج تجربتها، وأن هذه المجموعة التسعينية صوت .وهذه دعوة جديدة للقراءة والتأكد.. محيطة المحدود داخليا، والمفتوح عربيا، والمنفتح عالميا

2001- 11- 14_ 3534:العدد _صحيفة الجماهيرية