ISSUE N O (9) FEB 2013 وظبي أب ن بيت الشعرية تصدر ع شهررات مادي تراث ا نا2013 اير ف- شباط)9( د العدلهالكس..الطريد ا امرؤ القيلفارض ابن امطلق الجمال اللحاج أنسي ا فلكية قراءة حسن طلببقى شيء لن ي الثورة من شعرغنية القصيدة والحن هوى الت على تحوود المع خلثلجون ال بل تفاصيللشارقةن ا مهرجاشعر العربيل لة المغربيةة العمودي القصيد من التجديد قرن في الشعرعسم..حال أحمد الشعر النبطيل النظم الشفوي ل

bayt_alshier_9

Embed Size (px)

DESCRIPTION

bayt_alshier_9

Citation preview

Page 1: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 1

العدد )2( متوز - يوليو 2012

I S S U E N O ( 9 ) F E B 2 0 1 3

شهرية تصدر عن بيت الشعر يف أبوظبي

نادي تراث اإلمارات

امرؤ القيس..الطريد الهالك العدد )9( شباط - فرباير 2013

ابن الفارض الجمال المطلق

أنسي الحاجقراءة فلكية

حسن طلبلن يبقى شيء

من شعر الثورة

القصيدة واألغنيةتحوالت على هوى اللحن

خلود المعال تفاصيل بلون الثلج

مهرجان الشارقة للشعر العربي

القصيدة العمودية المغربية قرن من التجديد

أحمد العسم..حال في الشعر النظم الشفوي للشعر النبطي

Page 2: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 2

بيت الشعر العدد )9( شباط/فبراير/2013

جون

زان

جون

فناال

Page 3: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 3

املرشف العام رئيس التحرير

د.راشد أحمد المزروعي

مدير التحرير

بشير البكر

سكرتري التحرير

عبد اهلل أبو بكر

املدير الفني

فواز ناظم

االخراج والتنفيذ

سعاد حسنة

كثرية هي املهرجانات التي تحتفي بالشعر لتنقله من سكون الحرف إىل صدى

اإليقاع، ومن بني دفتي الكتاب إىل املنرب ليعيش حياة أخرى بني املتلقني والذواقة،

الذين يتعاطون مع القصيدة بحساسية مختلفة عنها يف حال قراء الشعر،وعىل

العموم فإن جامهري املهرجانات تتشكل من الذين يبحثون يف الشعر عن عنارص

االحتفال،ولهذا جرت العادة أن يتزامن الكثري من مهرجانات الشعر العاملية مع

مناسبات وطنية و دينية أو عىل صلة بالخصب، مثل حصاد القمح و قطاف

العنب، وحتى الرياضة لها نصيب مثلام حصل خالل »أوملبياد« لندن األخري،حيث

بادرت الحكومة الربيطانية إىل تنظيم »أوملبياد« شعري عاملي قبل انطالق

الفعاليات الرياضية بأسبوع،شارك فيه قرابة مائة شاعر ميثلون غالبية الدول

املتنافسة يف املسابقات الرياضية.ومنذ القدم كانت املهرجانات واحة لتالقي

الشعراء والجمهور وساحة ملبارزة الشعر، فكم من مهرجان رفع شاعرا أصيال

وأسقط آخر مزيفا، وكام لدى العرب فإنه كذلك لدى الشعوب األخرى، تعد

مهرجانات الشعر مناسبات تبدأ من الشعر لتذهب نحو فضاءات أخرى للمعرفة

والفن وللتالقي اإلنساين، وحتى العمل السيايس.

ومنذ سوق عكاظ يف فرتة ما قبل اإلسالم فإن املهرجانات شكلت مساحة مفتوحة

عىل املنافسة بني الشعراء قبل كل يشء، وأولت العرب املناظرات الشعرية أهمية

خاصة ،وكانت لها أحكامها النقدية القاسية التي ال تعرف املجاملة حني يتعلق

األمر بالشعر ،ولذلك فإن السوق شكل مبثابة محطة تحكيم، األمر الذي يفرس أن

القسط األكرب من الشعر العريب الذي وصلنا هو الذي حظي بالتكريم والحفظ يف

ذلك املهرجان السنوي،وخصوصا املعلقات.

غني عن القول أن هناك من الشعراء من أغراه التمرين املنربي فذهب إىل حد

الكتابة الشعرية التي تراعي خصوصيات لحظة اللقاء املبارش مع الجمهور،وكثريا

ما جرى األخذ بتفاعل املتلقني مع الشاعر كمقياس للشعبية والرواج، وهذا أمر

ينسحب عىل الشعر قدميه وحديثه،بل إن البعض صار يرى بأن تراجع املنربية

سبب من بني أسباب تدين إقبال الجامهري عىل الشعر يف العقود الثالثة األخرية.

ما نلحظه اليوم هو أن هذا النمط من املهرجانات يف طور االنقراض من حياتنا

كليا، وما بقي منها يفتقد تدريجيا للربيق واالحرتافية، ومل يعد ميثل واقع وآفاق

الحركة الشعرية، عدا عن أنه ال يقرتب من طرح همومها ومشاكلها، وهذا

أمر ينطبق عىل املهرجانات العربية أكرث مام هو عليه الحال يف بقية بلدان

العامل،سواء يف الغرب أو آسيا وأفريقيا، حيث تحاول املهرجانات اليوم تجسري

الهوة بني الجمهور والشعر،من خالل الحفاظ عىل الجانب االحتفايل يف الشعر.

وهناك العديد من املهرجانات العاملية السنوية يف اوروبا وآسيا وامريكا الالتينية

وافريقيا تنتظم يف صورة دورية، لتشكل ملتقيات مفتوحة لشعر العامل، يف حني

أننا كعرب، ونحن أمة شعر وبيان، مل نبادر حتى اآلن إىل إقامة مهرجان للشعر

مبقاييس دولية، ننافس به املهرجانات العاملية

بشري البكر

الشعر والمهرجانات

بيت الشعر العدد )9( شباط/فبراير/2013

تصدر كل أول شهر عن بيت الشعر يف أبوظبي

نادي تراث اإلمارات

Page 4: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 4

املواد املنشورة تعرب عن رأي اصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة حقوق نرش الصور واملوضوعات الخاصة محفوظة للمجلة

18 آمنة المعال.. قصيدة الواقع والتفاصيل 23 حدث الشهر..مهرجان الشارقة للشعر العريب

27 نصوص: مهدي منصور، راشد عيىس ، جامل الصليعي ، سعيد بن محمد املكتومي

36 نظريا .. صبحي حديدي33 تحقيق: القصيدة العمودية يف املغرب

59 موقف الشاعر..عبدالله أبوبكر60 شعر وتشكيل..أثر الفراشة

64 رحلة القصيدة إلى األغنية70 حوار..حسن طلب

الغالف:- الفنان المغربي محمد البندوري

- لوغو بيت الشعر للفنانة الرا قبطان

عناوين املجلة

االدارة والتحرير:

االمارات العربية املتحدة-ابوظبي

هاتف: 97124916333+

[email protected] :امييل

أبوظبي لإلعالم-توزيع

الرقم املجاين : 8002220

لالتصال من الخارج

+97124145000

فاكس : 24145050 [email protected]

مسؤول التوزيع: زياد النجار

2013

ير برا

/فط

شبا-

)9د )

عد ال

العدد )2( متوز - يوليو 2012

I S S U E N O ( 9 ) F E B 2 0 1 3

شهرية تصدر عن بيت الشعر يف أبوظبي

نادي تراث اإلمارات

امرؤ القيس..الطريد الهالك العدد )9( شباط - فرباير 2013

ابن الفارض الجمال المطلق

أنسي الحاجقراءة فلكية

حسن طلبلن يبقى شيء

من شعر الثورة

القصيدة واألغنيةتحوالت على هوى اللحن

خلود المعال تفاصيل بلون الثلج

مهرجان الشارقة للشعر العربي

من أعامل الفنان اإلمارايت عبدالقادر الريس

القصيدة العمودية المغربية قرن من التجديد

أحمد العسم..حال في الشعر النظم الشفوي للشعر النبطي

ww

w.p

oetry

hous

e-ad

.ae

86خلود المعال

تفاصيل بلون الثلج

26 - 23مهرجان الشارقة للشعر العربي

Page 5: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 5

1261368176

76 أحمد العسم ..ما يخفي الحال ويفضحه بالشعر81 تجارب إماراتية..أحمد املطرويش

91 الشعر والرواية..شاعرية الرسد96 في الشعر،.. دومينيك كومب، عالء الجابري ،

محمد عيل شمس الدين

104 تنظير..يوسف عبد العزيز107 مختارات: - غابريلال ميسرتال

- شعر النساء األفغانيات

114 المشهد الثقافي الفلسطيني

116 شعر وفلك..أنيس الحاج120 مهرجان لوديف..عبد الرحيم الخصار

125ديوان العرب..ابن الفارض،قريط بن أنيف العنربي،امرؤ القيس،أحمد شوقي، ابن املعتز الحرصي القرياوين.

148 ديوان النبط.. حمد الغداين السويدي، راشد بن مانع بن مرشد الحمريي

152 الشعر النبطي ..النظم الشفوي157 أدب البدو

162 كاميرا ..نور حميص

المحتويات

سعر النسخة 10 السعودية العربية اململكة - دراهم 10 املتحدة: العربية اإلمارات

رياالت - الكويت دينار واحد - سلطنة عامن 800 بيسة - قطر 10 رياالت

- جنيهات 5 - مرص ريال 200 اليمن - واحد دينار البحرين مملكة -

اململكة - لرية 100 سورية - لرية 5000 لبنان - جنيها 250 السودان

- ديناران فلسطني - دينار 2500 العراق - ديناران الهاشمية األردنية

اململكة املغربية 20 درهام - ليبيا 4 دنانري - الجمهورية التونسية ديناران

- بريطانيا 3 جنيهات - سويرسا 7 فرنكات - دول االتحاد األورويب 4 يورو

- الواليات املتحدة األمريكية وكندا 5 دوالرات.

االشتراكاتلألفراد داخل دولة اإلمارات: 100 درهم/ لألفراد من خارج الدولة: 150

درهام - للمؤسسات داخل الدولة: 150 درهام/ للمؤسسات خارج الدولة

200درهم.

70

حسن طلب

جيل السبعينات الشعري أصبح

ذكرى

Page 6: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 6

كتاب العدد

6

13161922

81012

تخي

رص ب نا

ب:كتا

الت

طاطي

تخ

1. سعيد جاب الخري: • كاتب وباحث جزائري ،صدر له

»التصوف واالبداع«

2.عبد الغني املقرمي:• شاعر وناقد ميني،صدر له »عىل

أطالل فكرة«.

3. عبد الحي ميفراين: ناقد مغريب

4.عبداللطيف الوراري:• شاعر وناقد مغريب ،من بني ما صدر

له » ما يشبه نايا عىل آثارها«.

5. محمد العامري: • فنان تشكييل وناقد اردين

6. رنا زيد: • شاعرة وصحافية فلسطينية،صدر

لها »مالك مرتدد«.

7.حمزة قناوي : شاعر وناقد مرصي،صدر له قصائد

إىل أمان«

8. سامح كعوش: • شاعر وناقد من فلسطني، يقيم

يف االمارات. أصدر ست مجموعات

شعرية من بينها »صباحات

النسكافيه«.

9. عامر األخرض: • ناقد عراقي.

10. مفيد نجم:• ناقد من سوريا يقيم يف

ابوظبي،اصدر العديد من الكتب

يف حقل النقد من بينها:

األفق والصدى-دراسات يف الشعر

السوري املعارص،الربيع االسود،

أرض ابدية،وطائر بأكرث من جناح.

ر أحمد الشقريي: 11.عاما• كاتب وقاص من االردن: صدر له

»القصاصون عىل سجيتهم«.

12. يوسف عبد العزيز:• شاعر من فلسطني من دواوينه:

حيفا تطري إىل الشقيف، نشيد الحجر،

وطن يف املخيم، دفاتر الغيم، وذئب

األربعني.

13.سمر دياب:• شاعرة لبنانية،صدر لها »هناك

عراك يف الخارج«.

14. محمد حلمي الريشة:• شاعر ومرتجم فلسطيني،من

بني صدر له » أرى خريفك

يف يدي«

15. مراد السوداين: • كاتب وشاعر، أمني عام االتحاد

العام للكتاب واألدباء الفلسطينيني

، رئيس بيت الشعر الفلسطيني من

إصداراته »الرساج عاليا«.

16.ياسني الزبيدي:• أستاذ جامعي من العراق يقيم يف

أبوظبي.

17.عبد الرحيم الخصار:• شاعر وكاتب من املغرب، صدرت

له عدة دواوين من بينها : أخريا

وصل الشتاء، أنظر وأكتفي بالنظر،

ونريان صديقة.

18.خالد بلقاسم:• ناقد من املغرب، من بني ما صدر

له يف حقل النقد: أدونيس والخطاب

الصويف، الكتابة والتصوف عند ابن

عريب، والكتابة وإعادة الكتابة يف

الشعر املغريب املعارص.

19.صالح بورسيف:• شاعر وناقد من املغرب، من أعامله

شجر النوم، نتوءات زرقاء، و الجزء

األول خبز العائلة.

20.يوسف ميك:•كاتب بحريني مقيم يف املنامة

21.ابراهيم أحمد ملحم:• كاتب وناقد اردين،استاذ يف جامعة

العني )االمارات(،صدر له العديد

من الكتب النقدية من بينها: بطولة

الشاعر العريب القديم،العاذلة

اطارا،وجامليات األنا يف الخطاب.

22.سعد العبدالله الصويان: • كاتب وباحث سعودي متخصص

يف الرتاث يقيم يف الرياض،من بني

اصداراته ذائقة الشعب وسلطة

النص، فهرست الشعر النبطي وحداء

الخيل.

وفي الشعر

23. مهدي منصور

24. راشد عيىس

25. جامل الصليعي

26. سعيد بن محمد املكتومي

27. مصطفى الشليح

28. عبد الجبار العلمي

29. الطاهر لكنيزي

30. أمينة املريني

Page 7: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 7

بدءااملستوى عىل هام ثقايف بحدث 2013 سنة تبدأ الشارقة ملهرجان عرشة الحادية الدورة هو املحيل للشعر العريب، الذي ثابر عىل تنظيمه »بيت الشعر« يف الشارقة التابع لدائرة الثقافة واالعالم. وكام يف كل سنة فإن هذا املهرجان يشكل مناسبة فعلية لالحتفاء خاصا، اهتامما اإلمارات توليه الذي العريب، بالشعر وتراثهم ألخبارهم الحافظ العرب ديوان بوصفه

واملؤرخ لتطلعاتهم وأحالمهم وآمالهم.حديث فوق يعلو حديث ال أسبوع مدى عىل أمسيات املهرجان أروقة شهدت وبينام القصيدة، شعرية وندوات نقدية ولقاءات وحوارات، فإن وسائل التظاهرة هذه ملواكبة وقتها جل كرست االعالم الفريدة، بوصفها عيدا للشعر وللشعراء. ونحن هنا يف »بيت الشعر« نفرد مساحة وافية لهذا الحدث الذي

يذهب بالقصيدة إىل الناس.ومن االيجابيات اإلضافية، التي تسجل لهذا املهرجان انه امللتقى الوحيد عىل مستوى الوطن العريب، الذي يتيح لقاء سنويا لكوكبة كبرية من شعراء العربية، ومن

كافة املدارس واالتجاهات واألجيال.باالضافة إىل هذا املهرجان الذي ميد الحركة الثقافية يف الثقايف الحراك فإن الحيوية، من بجرعات العام بداية امام نقف العدد هذا ويف النرش صعيد عىل متواصل ديوان والسيام والعربية، املحلية االصدارات من جملة الشاعرة اإلماراتية آمنة بنت عيل بن حمد املعال. ومن بني االصدارات الهامة ايضا كتاب الناقد واملرتجم العراقي العريب يف الشعر تأثري لؤلؤة حول الواحد الدكتور عبد يف جاد بحث عن كناية وهو األورويب، الشعر تطور املصادر األوروبية، يقود اىل جملة من الحقائق يجهلها

العرب وينكرها الغرب التحرير

شعر وشعراء

جائزة الشيخ زايد حضور قوي للشعر

بدا الفتا حضور الشعر بقوة للمنافسة عىل جائزة الشيخ زايد للكتاب التي

تعلن سنويا خالل معرض ابوظبي للكتاب يف آذار/مارس.وتضم القامئة

ديوان »ينام عىل الشجر األخرض الطري« للشاعر محمد عيل شمس الدين

)لبنان(، ديوان »التطريز بالكرز« للشاعر هاشم شفيق )العراق - بريطانيا(،

ديوان »الرحيل إىل منبع النهر« للشاعر فاروق شوشة )مرص(، ديوان »عىل

خيط نور.. هنا بني ليلني« للشاعر إبراهيم نرص الله )أردين/ فلسطيني(،

ديوان »ديوان الوهايبي« للشاعر منصف الوهايبي )تونس(، ديوان »غيم

عىل العالوك« للشاعر الراحل حبيب الزيودي )األردن(، وديوان »كم نحن

وحيدتان.. يا سوزان« للشاعرة سعدية مفرح )الكويت(. وتتنافس هذه

االعامل الشعرية مع مجموعة أعامل روائية ضمن فرع الجائزة لآلداب، التي

تبلغ قيمتها عن كل فرع 750 ألف درهم إمارايت، باستثناء شخصية العام

التي ترتفع ملليون درهم.

مهرجان الشارقة للشعر الشعبي في الرابع من فبراير الرابع من فرباير الحايل هو موعد الدورة التاسعة من مهرجان الشارقة للشعر الشعبي، الذي سيكون بحلة جديدة تستضيف شعراء من أنحاء الوطن

العريب كافة، فيام تتنوع الفعاليات بني إحياء أمسيات شعرية طوال أيام املهرجان الستة، وتقديم دراسات نقدية يف الشعر الشعبي، وسيكرم املهرجان

ثالثة من رواد الشعر الشعبي اإلمارايت هم: عيىس بن قطامي، وحميد بن ذيبان، وآمنة املعال )السلوان( ،وسيكون ضيف املهرجان هذا العام الشاعر

واإلعالمي األردين سامي الباسيل.

ما مييز الدورة الجديدة من املهرجان، استضافتها لعدد مميز من شعراء العامل العريب ،وستكون هناك مشاركات لشعراء من الخليج واملغرب العريب،

والصومال ومرص وسوريا.كام أن افتتاح املهرجان سيتم بطريقة مختلفة جديدة، ليست كسائر الدورات السابقة.

يشار إىل أن مهرجان الشارقة للشعر الشعبي مر بثالث مراحل، حيث انطلقت دورته األوىل مع بدايات تأسيس الدائرة الثقافية يف اإلمارة عام 1983

فيام كانت دورته الثانية عام 1984 وبدأت املرحلة الثانية مع افتتاح بيت الشعر يف الشارقة عام 1997.

Page 8: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 8

أمسية شعرية خليجيةتحتفي بكأس الخليج

احتفى مهرجان أهل القصيد الشعري الثامن بدورة كأس

الخليج يف دورتها التي اقيمت يف البحرين يف الشهر املايض، واحيا مجموعة من الشعراء امسيتني

تحت عنوان »ليلة خليجي 21«.وشارك يف االمسية الشاعر الكويتي

ذيب الشمري، الشاعر الكويتي مشعل دهيم، الشاعر السعودي

مانع بن شلحاط، الشاعر البحريني عبدالله الخالدي، وكانت االمسية عىل جولتني.

الجولة األوىل شارك فيها الشاعر ذيب الشمري ومشعل دهيم

اللذان تناوبا عىل القراءة، وقدم الشمري مجموعة من النصوص

العمودية التي حازت عىل تجاوب الجامهري، وباملقابل قرأ دهيم مجموعة نصوص من التفعيلة

وبعض قصائده العمودية. الجولة الثانية شارك فيها

الشاعران مانع بن شلحاط

وعبدالله الخالدي، وقد وتنوعت قصائدهم،كام اضفيا جوا

من املرح، وخصوصا دعابات بن شلحاط مع الجمهور بطريقة

إلقائه للقصيده وحكاياته املمتعة.

الشعر الفصيح والعاميفي ندوة مصرية

عدد كبري من شعراء الفصحى

و العامية وشعر النرث والزجل

املرصيني، شاركوا الشهر املايض

يف ندوة أدارها الشاعر إسامعيل

بخيت، دارت خاللها مناقشات

جانبية حول الفرق بني شعر

العامية والفصحى، وهموم رابطة

الزجالني وكتاب األغاين إال أن

الشاعر إسامعيل بخيت طأمنهم

أن الزجل ابن الشعر وأحد الفنون

املولدة منه أيضا املوشح واملوال،

لذا عىل الزجال أن يتباهى بأن

عميد الزجالني هو بريم التونيس.

وقال سيد الوكيل إنه إذا كان

الشعر هو املوزون املقفى لكانت

ألفية ابن مالك شعرا، وأن هناك

كالما عن شعرية السينام

و شعرية النص، و » ال أستطيع أن

أنفي عن نص نرثي شعريته « ،

وأشار الدكتور مصطفى الضبع إىل

أننا يف الثقافة العربية نعبد املايض

ونطبقه عىل النصوص الجديدة،

فالفن يختلف عن العلم الذي فيه

الجديد يلغي القديم، وليس لدينا

من يدرس الشعر ويرصد التطور

الحاصل فيه.

اتحاد الكتاب العرب2014 عام السياب

تبنى االتحاد العام لألدباء والكتاب العرب مبادرة اتحاد

كتاب وأدباء اإلمارات العتبار عام 2014 عام السياب،

وذلك مبناسبة مرور نصف قرن عىل رحيل الشاعر بدر

وأدبية ثقافية فعاليات تقام أن عىل السياب، شاكر

بهذه املناسبة يف كل االتحادات األعضاء.

وبالتعاون مع األمانة العامة. التي اقرتحت تعميم هذا

التقليد بحيث يصبح كل عام مخصصا لعلم من أعالم

األدب العريب.

بهذه تقدم قد اإلمارات وأدباء كتاب اتحاد وكان

املبادرة، ودعا الروابط واالتحادات واألرس األعضاء

يف االتحاد العام إىل االلتزام برتتيبات معينة تتناسب

مع مكانة هذا الشاعر وأهمية تجربته، كأن تعمل

عىل إعادة إصدار أعامله والدراسات التي كتبت حوله،

التعليم مناهج تجربته ضمن إدخال إىل وأن تسعى

ترصد فعاليات كربى تنظم بلدانها، وأن املعتمدة يف

عىل الشاعر صورة وضع اقرتح كام التجربة، هذه

منشورات املؤسسات الثقافية املعنية عىل مدار العام،

إضافة إىل إصدار طوابع بريدية وبطاقات تذكارية.

وذكر ان اتحاد كتاب االمارات حصل عىل حق استضافة

املؤمتر العام السادس والعرشين لالتحاد العام لألدباء

والكتاب العرب عام 2015، وذلك بإجامع االتحادات

الخامس العام املؤمتر يف املشاركة واألرس والروابط

والعرشين الذي أنهى أعامله مؤخرا يف البحرين.

كام حصل عىل رئاسة مكتب امللكية الفكرية، ومكتب

تنمية املوارد وهو مكتب مستحدث يف االتحاد

شعر وشعراءبدر شاكر السياب

إسامعيل بخيت

Page 9: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 9

جائزة الصباح في يوبيلها الفضي

تحتفل جائزة الشاعرة الكويتية

سعاد الصباح بيوبيلها الفيض، وقد

انتهت لجنة التحكيم يف دار سعاد

الصباح للنرش من اعاملها وذلك

بحسم نتائج مسابقة الدكتورة

سعاد الصباح لالبداع االديب للعام

2011 – 2012 يف مسابقات الشعر

وأفضل عرش قصائد عربية معارصة.

وشهدت لجان التحكيم لهذا

العام قفزة نوعية بانضامم اسامء

ادبية وأكادميية روعي فيها التنوع

اإلبداعي والنقدي حيث ضمت

كل من الدكتور عبدالله الغذامي،

األديب اسامعيل فهد اسامعيل،

الدكتورة نجمة ادريس، الدكتور

مرسل العجمي، والشاعرة روضة

الحاج من السودان، عىل أن تعلن

النتائج خالل الفرتة القليلة املقبلة.

وعربت الصباح عن سعادتها ملا

شهدتة الجائزة من رواج وتطور

عىل مستوى التحكيم واملشاركات،

مؤكدة ان املرحلة املقبلة سوف

تشهد تطورا عىل مستوى املسابقات

وسبل توصيلها اىل مستحقيها يف

الدول العربية، مؤكدة أن الهدف

األساس من ذلك هو تحفيز العقل

العريب وتشجيع املبدعني الشباب .

صالح ستيتيهفي معرض فرنسي

الشاعر اللبناين بالفرنسية صالح ستيتية يف معرض افتتح حديثا يف

متحف »بول فالريي« يف مدينة سيت الفرنسية. وهو عبارة عن نظرة شاملة عىل الروابط التي

نسجها ستيتيه طوال حياته مع نحو مئة رسام غريب ورشقي مهم،

منهم بيار أليشينسيك وجورج ماتيو والديسالس كينو وزا وو

يك وأنتوين تابييس... وأيضا عبد الغني الغني العاين وصليبا

الدويهي وفيليب عمروش وحسن مسعودي ومحمد سعيد الصكار

وفريد بلكاهية. ولهذه الغاية، تم جمع الكتب الـ150 التي أنجزها

الشاعر مع هؤالء الرسامني إىل جانب أعامل لكل منهم تعرف خري تعريف بأسلوبه وطبيعة

عمله.يحرتم املعرض الرتتيب الزمني لهذا التعاون، أي منذ انفتاح

ستيتيه عىل فن الرسم يف لبنان خالل شبابه، مرورا بالصداقات

الفنية التي أسس لها يف باريس، ثم يف بريوت مجددا، وصوال إىل

إنجازاته األخرية التي صدرت هذا

العام.

معرض الكتاب في المغربيكرم الشاعر غامونيدا

يكرم معرض الكتاب باملغرب الشاعر االسباىن أنطونيو

غامونيدا الحائز عىل جائزة األركانة العاملية للشعر، ىف

دورتها السابعة، والتى مينحها بيت الشعر ىف املغرب،

كل عام، برشاكة مع مؤسسة الرعاية لصندوق اإليداع

والتدبري، وبالتعاون مع وزارة الثقافة املغربية.

وسيتم منح الجائزة للفائز ىف اليوم الثاىن من فعاليات

املعرض الدوىل للكتاب املقرر إقامته 29 مارس إىل 6

أبريل 2013 مبدينة الدار البيضاء، فضال عن أن القيمة

املادية للجائزة سرتتفع إىل اثني عرش ألف دوالر، بدل

عرشة آالف. والجدير بالذكر أن الشاعر اإلسباىن أنطونيو

غامونيدا ولد ىف مدينة أوبييدو بإقليم أستورياس سنة

1931، وهو يعترب حاليا من الوجوه األدبية املؤثرة ىف

املشهد الشعرى األوروىب والناطقني باإلسبانية، وخالل

مساره الشعرى الطويل نال غامونيدا عدة جوائز أدبية

الجائزة .1985 لآلداب ليون قشتالة جائزة أهمها:

الوطنية للشعر 1988. الجائزة األوروبية لآلداب 1993.

جائزة الثقافة ملنطقة مدريد ىف اآلداب 2004. جائزة

جائزة .2006 أمرييك اإليبريو للشعر صوفيا امللكة

سريفانتس لآلداب 2006.

قامات من عدد األركانة جائزة حاز أن سبق وكان

درويش، محمود الشاعر رأسهم العرىب وعىل الشعر

هاكر مارلني واألمريكية يوسف سعدي والعراقي

والشاعر الصينى باي داو، كام آلت الجائزة إىل مغربيني

هام محمد الرسغيني والشاعر الرواىئ الطاهر

بن جلون

أنطونيو غامونيدا

صالح ستيتيهسعاد الصباح

Page 10: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 10

قاسم حدادجهة الشعر جادة

أوضح الشاعر قاسم حداد مؤسس موقع »جهة الشعر« أن

املوقع ينرش التجارب الجادة، وليس مقترصا عىل املتحققني أو

عىل اتجاه محدد، وقال :»من يعرف املوقع جيدا سيجد األفق أكرث رحابة واتساعا بكل

ما يتميز باملوهبة والجدية، نحن نحاول أن نحافظ عىل درجة الجامل والجدية ىف التجارب، دون أن نزعم أننا ال نخطئ«،

وأكد ان »جهة الشعر« منذ لحظتها األوىل مع مستقبل

الكتابة وشبابها وحريتها دون االعتبار باألسامء، بل أننا أحيانا مل ننرش نصوصا ألسامء متحققة

ومعروفة بسبب قلقنا من املستوى الشعري فيها، ولحسن

الحظ أن أصدقاء »جهة الشعر« يثقون ىف موقفنا وال ييأسون من مواصلة الكتابة لنا بحب

كبري مينحنا ثقة ىف موهبة الشاعر يوما بعد يوم ونصا بعد

اآلخر.ويذكر ان »جهة الشعر« اول

موقع عريب عىل االنرتنت متخصص بالشعر.

شاعر كوبي في تنصيب أوباما

اختار البيت األبيض الشاعر ريتشارد بالنكو )من أصول التينية( لكتابة

قصيدة يلقيها خالل االحتفال بتنصيب الرئيس أوباما رئيسا للواليات املتحدة

األمريكية للمرة الثانية، يف 21 يناير املايض.

الشاعر ريتشارد بالنكو )44 عاما( هو ابن مهاجر من كوبا، وهو أصغر الشعراء سنا من الذين أوكلت إليهم

هذه املهمة، ووصف نفسه قائال: »أنا من صناعة كوبية، وتجميع إسبانيا،

واسترياد الواليات املتحدة«، وأكد الشاعر أنه يكن احرتاما بالغا للرئيس

أوباما، وقال: »منذ البداية، وجدت نفيس متامهيا مع تاريخه الشخيص،

ومع جذوره الثقافية املتعددة األصول«.وللشاعر ريتشارد 4 دواوين يتحدث فيها عن جذوره وأرسته وعن

ناجني من جزيرة صغرية مل يتعرف إليها أبدا، وعن بلد أصبح وطنه،

وقد كتب قائال: »أنا أفكر بوالدي، وبأجدادي، وبكل الجهود التي بذلوها،

بالنسبة إيل، إنه لرشف عظيم أن أكون أمريكيا ــ كوبيا من أبناء الجيل األول ...أكتب عن أمريكا التي تشكل موضوعا يراودين دامئا بسبب عظمتها

الثقافية«.

مشروع دوريش الشعري في مواجهة االتهام

محمود الراحل الشاعر بتجربة االحتفاء من بدال

درويش وتقفي أثرها وصداها يف بقاع الكون، تصاعدت

أصوات تشكك يف هذه التجربة، وترمي باتهاماتها هنا

وهناك. مستغلة رحيل درويش الذي مل يعفه موته من

الحقيقة تصيب أن القارصة عن واألقوال التهم هذه

منظم هو هجوم يحدث ما وكأن الصواب. تطال او

وممنهج يستهدف شخص درويش ومرشوعه الشعري

يف شعب بحق تصدح مقاومة لثقافة أسس الذي

العيش عىل أرضه بكرامة وعزة.

الغريب أن العديد من أصدقاء درويش والنقاد الذين

تناولوا تجربته الذوا بالصمت ومل يسمع سوى صوت

القليل منهم. الشاعر الفلسطيني يوسف عبد العزيز يف

تعليقه حول هذه القضية يف إحدى حواراته الصحفية

قال :«ال يوجد مربر للهجوم وما تم االستناد إليه هش

وال يستدعي كل هذا الرصاخ والغبار«. وأضاف : كان

من املفرتض عىل املثقفني الفلسطينيني والعرب القيام

بأعامل كثرية تجاه هذا الشاعر الكبري الذي يعد كنزا

وذخرية لألمة العربية عىل غرار لوركا إلسبانيا وشكسبري

ال أن أبوشايب زهري الشاعر أكد بدوره لالنجليز«.

عىل تنطوي ال صغرية اتهامات أمام ملرافعة حاجة

قيمة ثقافية، فالصغار لن يطالوا الكبار وأمثالهم يجب

رياض طاهر الشاعر أما أنفسهم«. عىل يشتغلوا ان

قول عىل أحدهم يجرؤ مل درويش بحضور أن فرأى

يشء مام يزعمون، ومن الواضح انهم يحاولون إظهار

وجودهم عربه

شعر وشعراء

ريتشارد بالنكو قاسم حداد

محمود درويش

Page 11: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 11

حامد البراقمهنة شاعر

أثار الشاعر الشعبي السعودي

حامد الرباق نقاشا يف مواقع

التواصل االجتامعي، بسبب

دعوته اىل تسجيل الشعر يف باب

املهن، وطالب مبساواة الشاعر

بالصحايف من منطلق انهام مهنيان،

وقال »أنا ممتهن الصحافة وهم

ممتهنون للشعر، وباملناسبة، ال

زلت أقول البد أن يكون بني املهن

املسجلة يف األحوال املدنية »مهنة

شاعر مجاورة« ويرى ان الشعر

لدى البعض اصبح موضه :»حتى

انني وقفت عىل شعراء يعرفون

رقم الصفحة التي سينرشون بها

ومن سيقابلهم بها من الشعراء،

ثم يتصور صورة تزيف كل مالمحه

بعدها ينظم القصيدة، وهذا

بالطبع ال يعني خلو الساحة من

شعراء حقيقني« .

واعترب ان شعر املحاورة )القلطة(

الشعبي خرج من رحم القصيدة،

وخصوصا القصيدة الرمزية،

وذلك ،كون املحاورة ذات طابع

يعتمد عىل الدالالت والرموز وتتم

بال قيود.

البياتي في مهب النسيانملاذا وقع عبد الوهاب البيايت يف النسيان؟

»أسس وكتب: شفيق، هاشم الشاعر طرحه سؤال

البيايت جائزة باسمه أطلقها أثناء حياته، ونالها بضعة

من الشعراء الشبان الذين كانوا يتحلقون حول مائدته

يف عامن ودمشق وبغداد، وطبع للفائزين مجموعات

التفاتة ال يقوم بها اال شاعر من عيار شعرية، وهي

البيايت.

لكن الالفت يف األمر بعد كل هذا الضجيج والحياة

معه، رحل يشء كل كأن رحل حني أنه الصاخبة،

مريدوه، شعره، مسامراته، املقاهي، يف مجلسه

ندماؤه الكرث ونقاده الدامئون... أين هؤالء اآلن؟ كل

كائنا كان البيايت وكأن الصمت، اىل وخلد هدأ يشء

الشاعر اللسان، طلق الشاعر ذاك يكن ومل عابرا،

النار، سارق بروميثيوس مهمة لنفسه أوكل الذي

الذي تلقى الشعلة من وادي عبقر أو جبال األوملب،

وبالذات من يد أبولو ليك يجرتح األساطري الجديدة«.

صمت يسود أن يتوقع أحد يكن مل العموم وعىل

حياته مأل الذي الشاعر البيايت، رحيل بعد غريب

صخبا وإعالما سخرهام لشعره وشخصه، وكان يطوف

بصفته ومتنقال، مقيام واألوروبية، العربية البلدان

روادها، من ورائدا الحديثة القصيدة اعمدة أحد

النمط من والتحول التجديد أقطاب من ومؤسسا

الكالسييك للقصيدة اىل الثورة التغيريية التي حدثت

يف صميم الحركة الشعرية العربية

شعراء اليمنيعلنون وفاة المؤسسةيف أول حادثه من نوعها عىل

مستوى اليمن والعامل العريب،

أعلن العرشات من الشعراء

واألدباء واملثقفني والفنانيني

اليمنيني وفاة املؤسسات الثقافية

يف البالد، وتوجه الشهر املايض

وفد من هؤالء إىل مقربة خزمية

بصنعاء ) اكرب مقابر اليمن(،

بهدف اقامة فعالية ثقافية

شعرية وأدبية، يعلنون من

خاللها موت املؤسسات الثقافية

الرسمية يف البالد. وأوضح الشاعر

زين العابدين الضبيبي، أن

الخطوة جاءت تعبريا من الشعراء

واملثقفني والكتاب، كإدانة للواقع

الثقايف امليت الذي تعيشه البالد

منذ فرتة، ومناسبة إلعالن وفاة

املؤسسات الثقافية الرسمية يف

اليمن. مشريا إىل أن هذه الفعالية

نظمت من دون أي رعاية من

أي جه ومن دون جمهور، حيث

حيث تم اإلكتفاء بجمهور املوىت

فقط الذين تكتظ بهم املقربة.

كام علق فنان الكاريكاتور محمد

غبيس، والتشكييل خالد الجنيد

لوحاتهم عىل جدران املقربة.

حامد الرباقزين العابدين الضبيبي

عبدالوهاب البيايت

Page 12: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 12

الديوان : الفراشة

الشاعرة : بروين حبيب )البحرين(

النارش : ديب الثقافية

عدد الصفحات : 135 من القطع املتوسط

شعر وشعراء

الفراشة ال تحترق

يبدو

الديوان : حتى لو

الشاعر : راشد عيىس )األردن(

النارش : فضاءات للنرش والتوزيع

عدد الصفحات : 158 من القطع املتوسط

الزمة اإليقاع والدهشة

يستعيد الشاعر راشد عيىس إيقاع الشعر، ويبنى عىل بحوره

كالم الدمعة، متوجا عبارته الشعرية باملوسيقى واللحن،

ويظل فيا لقصيدة الوزن كام يف مجمل أعامله الشعرية

وآخرها ديوان »حتى لو« الصادر مؤخرا عن دار فضاءات

للنرش والتوزيع.

»حتى لو« يختلف عن معظم ما يتم طرحه اليوم يف

األسواق من دواوين شعرية تخلت عن قواعد الشعر،

وتحررت من »أثقالها«، ويجمع يف مساحة واحدة بني الفكرة

واملعنى واإليقاع، ليرتك امام القارئ لوحة شعرية كاملة،

تضم يف إطارها عمال فنيا متقنا يربهن عىل أن الشعر ال

ميكن ان تحارصه تعريفات أو مصطلحات محددة .

التنوع يف الشكل واملضمون أبرز ما مييز قصائد هذه

املجموعة، التي تنقسم بني تفعيلة وعمود، وتتنوع يف

أفكارها لتندرج تحت عناوين متعددة تعكس واقع التنوع

فيها. تبدأ املجموعة بقصيدة »عندئذ« التي يكتبها الشاعر

بنفس حكايئ، ثم قصيدة »ماذا عليك« التي يحاور فيها

اآلخر عرب طرح األسئلة يف قالب شعري ال يخلو من املفارقة

واالدهاش :

ماذا عليك إذا غضبت بأن تحاور إصبعك

صوت األنثى شفافا ومرتفعا يف مجموعة

الشاعرة البحرينية بروين حبيب،

الصادرة مع مجلة ديب الثقافية، بدءا من عنوان املجموعة

»الفراشة« حتى آخر ما خطته حبيب يف هذه املجموعة.

فهي إذ تكتب تسعى لتأنيث األشياء من حولها بصور

شعرية شفافة تظل تدور حول الضوء دون أن تحرتق.

»ها أنا عىل ضباب املقصب يف الهواء / أعدو يف فحولة

الضوء عىل األرض / أرى البحر ينضج واملاء يتشقق /

أفيض إىل البحر يشذب املدى / إىل النار تاركة أصول

الليل / ويف النور أجتاز صخب الروح / هو النهار أخريا /

ليتني أندلع يف فوىض النهار«

بخفة فراشة تكتب الشاعرة آمالها، لتجتاز صخب روحها،

تتكئ عىل جمل شعرية رشيقة كظل، وشاسعة كبساتني،

لتعرب عن مكنوناتها، بدالالت ال تجتاز حدود الذات، ولكنها

Page 13: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 13

وتشم عطر قرنفلة

ماذا عليك إذا الصديق غدا العدو واوجعك

أن تلتقيه بسنبلة

هذا اإلدهاش يحققه الشاعر بذكاء عرب انتقاء مفردات

يضعها يف مقابل بعضها لتجسد معنى مفارقا ال يصعب عىل

القارئ اقتناصه، كأن يضع الشاعر الوردة يف مقابل القنبلة

كام يف قوله :

ماذا ستنفعك اإلجابات السعيدة عند موت األسئلة

هذي حياتك يا بني فراشة يف موقد

أو وردة يف قنبلة !

ووصوال إىل القصائد االخرى، ميسك راشد عيىس بيد الشعر

ليصل معه إىل ضفاف كثرية يحيطها شجر القول، ولغة خصبة

ال تبوح سوى بالجاميل واملعرب. واتكاء عىل عنوان املجموعة

»حتى لو« ميكننا القول بأنه حتى لو اتخذت القصيدة العربية

مسارا جديدا لها، وخضعت للمتغريات من حولها، يبقى هناك

من يستطيع اإلحاطة بكل تقنيات القصيدة العربية الكالسيكية

ويضعها يف قالب حدايث يتغذى من الفكرة واملوضوع، فحداثة

أيب متام عىل سبيل املثال ال الحرص كانت متعلقة مبوضوع

القصيدة وخروجها عن األفكار النمطية. ال بشكلها أو قالبها

فقط. كذلك هي قصيدة راشد عيىس تتمرد وتختلف دون أن

تتخىل عن القواعد واملحددات. متجاوزة النمطية واملألوف

من الكالم واملعاين. تبعث عىل األمل والتأمل من خالل دالالت

تتزاحم داخل النص وال تكاد ترتك القارئ دون أن متنحه لحظة

تفكر يف ما يكتبه الشاعر بني سطر وآخر ال بل بني مفردة

وأخرى. حتى لو، ديوان شعري يلخص أجواء شعرية تبتعد عن

التكلف، وتوغل بالبساطة املمتنعة التي تجسد قدرة الشاعر

عىل نقل الكالم من محيط إىل آخر لتطرزه بذهب الشعر

وفضة اللغة

تلملم ما حولها لتكون عاملها الخاص بها، املمتلئ بتداعياتها

وأفكارها وصعودها إىل هرم الكالم الذي تضفي عليه بروين

نفسا تعبرييا يختلف عن سواه .

»وئيدة كنت بينهام / طريدة مشتهاة / مأخوذة بإنهاكة

البحر / وصالفة الفراش حول الرغبة / املامت / مناديل

الحرير مكللة بالذنب«.

بهذه البساطة تكتب بروين عبارتها منحازة للشعرية ال

لغريها، ولعل من أبرز ما مييز هذه املجموعة ان الشاعرة

فيها ال ترسف يف التصوير وال تقرتب من أرض غري أرض

الشعرية البعيدة عن القول اإليحايئ الذي تعتمده بعض

الكاتبات لرتويج النص األنثوي، وهذا ما غلب عىل بعض

املجموعات الشعرية التي استندت عىل جدار اإلثارة

والغوص يف مناطق ال متت للشعرية بصلة .

بروين هنا تختار لها مسارا واضحا، يعكس رغبتها يف الولوج

إىل عامل شعري صاف، يذوب يف الكالم بسهولة ويرس، ليرتك

أثره فيه طعام ولونا وشكال، كل ذلك يف إناء طافح بصوت

األنثى النقي. يف قصيدة »الفراشة« تؤكد بروين أنها الكاتبة

صاحبة االختيارات الحرة والذكية ..

الفراشة تختار جيئتها وذهابها / تختار جناحها / وتختار

تخطفها / لكن الزهرة فتنة الفراشة والظل ريشتها /

ويف مساقط الضوء / يف املدى مخطوفا / والحركة

راعشة / أتولد كام يفعل يوم يتيم يف عامل يتيم / أأنا

الفراشة .. أم الشمس يف مصباح !

تلك اللقطة الذكية التي تضع الشاعرة من خاللها الشمس

يف مصباح، تدلل عىل اعتنائها وحرصها عىل التقاط

لحظتها الشعرية بتك الحرارة والذكاء، فام من أحد ميكن

أن مير مرور الكرام عىل جملة شعرية كهذه التي تحمل

الشمس يف مصباح صغري.

إن هذه القصائد التي توزعت يف العديد من األبواب

ومنها »يف فحولة الضوء، حرير الوصول، رسير يتيم،

رفيف، يف غبش رسي، شمس أيامي« وغريها من األبواب

التي متيزت أيضا بعناوينها تتجه لرتسم لوحة األنثى بألوان

فاتحة تجسد صورة صافية والفة استطاعت بروين حبيب

ان تتقن رسمها بأصابع الشاعرة

Page 14: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 14

شعر وشعراء

قصائد إلى حب مستحيلالديوان : قصائد لها

الشاعر : حمزة قناوي )مرص(

النارش : دار املحروسة للنرش والتوزيع

عدد الصفحات : 62 من القطع املتوسط

عنيفة عاشها الشاعر حمزة قناوي وحاول

تجسيدها من خالل مجموعته األخرية

»قصائد إليها« التي كتبها خالل عبوره املكويك بني الشارقة

والقاهرة والصعيد املرصي ودمشق والحدود السورية الرتكية،

حيث رصح يف آخر »املجموعة« : »اعتزل الشاعر الكتابة إثر

انتهائه من هذا الديوان وقرر إنهاء رحلته مع الشعر«.

عندما ندرس مفردات السرية الذاتية لهذا الشاعر الشاب

الذي ما يزال يف مقتبل العمر، قد نشاطر الشاعر تصوره بأن

األقدار وقفت دامئا ضده وخاصة حني يبتىل بتجربة حب

يكون عنيفا حد الجنون أو مجنونا حد العنف، مثلام هو

الحب الصويف الذي ال يكاد أحد يصدقه.

إن هذه املقدمة تلخص املالبسات التي أفرزت نصوص

مجموعة »قصائد إليها« التي تحاول أن تجسد ما تبقى أو ما

ترسب من عالقة عاطفية مل يكتب لها أن تصل إىل منتهاها أو

أن تنطلق يف مسارها الطبيعي.

يف املدخل الذي كتبه للمجموعة بعنوان »كلمة أوىل«، يرى

الشاعر نفسه واقفا وحده يف مهب الريح بل يف عني العاصفة

لكنه ال يعترب أن ما حدث هو نهاية العامل، بل إنه مجرد

مرحلة يف الحياة : »وللشاعر أن مييض إىل قدر آخر، قدر

حدوده سامء ومدى وانعتاق«.

الحياة ليست خريا كلها وليست رشا كلها. كام أن الخري ليس

خريا يف املطلق وال يكون خريا أو ال تثبت خرييته إال إذا رافقه

بعض الرش. والرش أيضا ليس رشا يف املطلق وال بد أن يختزن

شيئا من الخري ولو يف بعض مفرداته : »مسارات الحياة قد

تتقاطع فيلتقي النور والظلمة«.

الكلامت مباركة رجيمة

إنها الثنائية الصوفية التي تعرب عن ثنائية التضاد داخل كل

مفردة من مفردات الكون. فال وجود لخري ال رش فيه، وال

وجود لرش ال خري فيه، وال وجود لوجود ال عدم معه، وال

وجود لحق ال باطل معه. فالحق يأخذ معناه الوجودي من

وجود الباطل والعكس، والنور يأخذ معناه الوجودي من

وجود الظالم والعكس. كام أن الحياة تأخذ معناها الوجودي

من وجود املوت والعكس، والنظام يأخذ معناه الوجودي

من الفوىض الظاهرة، وهكذا.. إنها الثنائيات الوجودية

املتضادة، والتي تضادها رضوري لوجود الطرفني يف كل

ثنائية بحيث أن كليهام ميثل وجها من وجهي العملة، أو

بالتعبري الشعبي »امللك والكتابة«.

كلامت الشاعر »مباركة رجيمة« كام أن توجه إبليس يف

عدم السجود آلدم فيام يرى ابن عريب، كان يف الوجه اآلخر

للمسألة، نوع من املبالغة أو »األصولية« أو »التطرف«

يف التنزيه، فإبليس كان بشكل من األشكال ومبعنى من

املعاين، خارجيا )من الخوارج( ولكن عىل طريقته الخاصة.

وال يخفى أن الخوارج كانوا من أكرث الناس صالة وصياما،

لكن ذلك مل مينعهم من أن يستحلوا دماء الناس من

منطلق الفهم الحريف واألحادي واإلقصايئ للنصوص الدينية.

و«اإلميان« يف النهاية، عىل قاعدة الثنائيات املتضادة

يف الكون، يأخذ قيمته ومعناه الوجودي من وجود »الكفر«.

عىل افرتاض أن العالقة حقيقية، ومن املمكن أن تكون

كذلك أو ال تكون، يبدو أن الشاعر مل يدرس طبيعة هذه

العالقة غري العادية وغري املألوفة بشكل جيد. شاب عرشيني

يف عنفوان فحولته ويف قمة إقباله عىل شهوة الحياة،

ما الذي ميكن أن يجمع بينه وبني امرأة خمسينية بلغت

سن اليأس ومل يبق يف حدائقها سوى الرماد ودخان من تركوا

آثار نريانهم وذهبوا ؟

محاولة لقراءة نفسية الشاعر

تبدو شخصية الشاعر يف هذه املجموعة حدية وحادة إىل

درجة ملفتة لالنتباه. فعىل سبيل املثال نجده يقول وكأنه

خارج من حرب طويلة بينه وبني قلبه، من قصيدة بعنوان

تجربة

Page 15: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 15

»بعض عاصفة وريح« :

ولعنت بروحي/ إميانا وعصيت فاسرتيحي/ قلبي »هادنت

أرسي من وخرجت الجنوح/ إىل الجنون يسلمها عاطفة

أغالب/ بعض عاصفة وريح/ أخطو عىل أشالء عشق/مزقته

يد الجموح/ عاف الفؤاد هوى رآك/ ربيئة لدم وقيح/ ومىض

يغالب نفسه عنك/ ويوغل يف الجروح/ وألنت مفتتح الخطيئة

والغواية والفحيح/ والشهوة العمياء يف جسد تزين بالقروح«

يف النصوص التالية، بإمكاننا أن نستشف حالة الشاعر بعد

احرتاق ربيعه األخرض وتفحم حلمه الوردي وانكساره، وهو

يعرتف مبا جنت يداه من الحصاد املر.. حصاد الطفولة أو

املراهقة أو اإلغراء الحوايئ.. يقول من قصيدة »عاري« :

»أميض بدريب مثقال تعست خطاي/ وماد إرصاري/ أريث ألحالم

الفرح ولوجهي النار/ جذوة يف بها ألقت ومضت/ مضت

القديم نأت به/ عن برشه.. وكبته بالعار

اآلن انتبه الشاعر من غفلته بعد أن بطل مفعول »السحر

الحوايئ«

يف أدفن رحت قرب أي بخمسينك/ أحياه كنت موت »أي

بقاياه الشبابا«

وخرج الشاعر من هذه التجربة يف النهاية منترصا رغم

الجراح العميقة، لكن أليست الجراح أفضل معلم؟ خرج

الشاعر لريسل رسالة إىل قلبه املتعب يقول فيها تحت عنوان

»رسالة إىل قلب«:

ينسحب خانتك/ امرأة مضت/ ألمنا ليس األسيان قلبي »يا

اليقني إىل الظالل/ هي وحدها يف غيها/ والكون ماض ال يزال

إىل قوله:

حاشاك أن تبقى نهايتك الخطيئة والضالل/ هذا طريقك رس

به حتى تحلق النعتاقك../ وحدك الباقي عىل درب النجوم/

ووحدها نحو الزوال«.

إذا اعتزل الشاعر الكتابة، فمعنى ذلك أنه تخىل عن

)الكلمة( التي قام عليها »اإلنسان الصغري« الذي هو العامل،

وقام عليها »العامل الكبري« الذي هو اإلنسان، ويف هذه

الحالة يكون غرماؤه القدماء والجدد الذين تجسدوا يف هذه

املرأة هم الذين انترصوا ال هو

سعيد جاب الخير

»أينا الدخيل أيها الضوء« هي املجموعة الشعرية الثانية

للشاعر مهند السبتي، وتضم 55 قصيدة متباينة الحجم.

تشيع يف قصائد املجموعة أنوية خالصة، وتفيض بشغف يف

تحطيم الزمن األفقي لصالح الزمن الشعري، محاكية هزمية

الواقع أمام دفقات الحلم وإمالءات الرؤيا، بحيث تعقد

القصيدة عالقات تلميحية ومنفصلة بني الحيايت وتوأمه

الشعري داخلها، قبل أن تتحول إىل وداع لألمس الذي يتمنى

الشاعر لو كان مبقدوره أن يبتكره، والتحاق حاميس بإرشاقات

الغد. صمم غالف املجموعة الشاعر زهري أبو شايب، ولوحة

الغالف للفنانة التشكيلية وداد النارص، فيام جاء يف كلمة

الشاعر خلدون عبد اللطيف عىل الغالف األخري: »أكرث ما

يلفت اإلنتباه، يف نصوص هذه املجموعة الشعرية، انفتاحها

عىل اشتباكات راهنية وبالغة الحساسية، وإشاعتها لغري قليل

من األسئلة والدهشة التي تفور بها قصيدة النرث«. ويضيف

عبداللطيف : »هنا احتفاء وشغف متعاظامن بكتابة الذات

من دون تكلف، يف عدد غري قليل من قصائد املجموعة،

يشبه إىل حد كبري العثور عىل تلك الذات ملتبسة مبواقف

األمل العبثي، وإشباع رغبة صاحبها يف ارتكاب القصيدة بحثا

عن رؤى أخرى للعامل، أو رمبا التحاما يف نبوءات ما، لكنه

ال يدير ظهره لآلخر، ويفتح النص له وعليه انطالقا من

الشخيض، حيث ينترص كل ما هو راقص ومتأصل وهارب

بوحدته إىل األمام« . من أجواء املجموعة :

أتغافل ال أنىس

وأبني حيثام يقع الهدمأمل أقل ليدي كوين معوال

أمل أقل للقلب حدثني عن الحب

حني يعربين مخلب الغربة

الديوان : أينا الدخيل أيها الضوء

الشاعر : مهند السبتي )األردن(

النارش : األهلية للنرش والتوزيع

عدد الصفحات : 216 من القطع املتوسط

انفتاح شعري

Page 16: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 16

مختارات سعدية مفرحالديوان:قرب فنافذة واحدة

الشاعرة:سعدية مفرح )الكويت(

النارش: الهيئة العامة لقصور الثقافة- القاهرة

عدد الصفحات: 260 صفحة من القطع

املتوسط

تبدأ املختارات من نصوص ديوان الشاعرة األول » آخر الحاملني

كان «،الذي صدر يف العامل ،وما مييز املختارات انها اعتمدت عىل

النصوص القصرية ذات الكثافة الشعرية والخالية من الهوامش

واالحاالت : »من كل هذه الريح/ اخرتت عاصفة هزمت

ألسكنها/ من كل هذا الكون/ اخرتت عاطفة/ ما زلت أهزمها

لتسكنني« . وامليزة الثانية هي ان الشاعرة متزج يف نصوصها ما

بني النص النرثي والنص التفعييل مشرية بهذا إىل أنها تجعل من

النص سيدا ميلك زمام أمره ويصطفي الحالة اإلبداعية / الكتابية

التي يروق له أن يولد عليها »

أخونها يف كل ليلة/ أعارش الضياء/ لكنني أضبطها يف لحظة

الخيانة / راسبة يف قاعي/ مثل بقايا قهوة املساء / متد يل

لسانها/ تضحك من حضاريت العسكرية

املهانة«. ويف ديوانها الثاين » تغيب فأرسج خيل ظنوين « الصادر

يف العام 1994 تزداد الشاعرة نضوجا ورسوخا بقدميها فوق

أرض الشعر مثلام تزداد مهارتها يف استخدامها ألدواتها الفنية

وتطويعها بالشكل الذي يخدم النص الشعري مام يجعله يبدو

يف أبهي حلة متاحة له ، وكذلك يزداد اهتامم الشاعرة بالصورة

الشعرية :

»غابة من صديد/ تعارش قلبي كل مساء/ ولكنه .. مثل ديك

صبي/ ينفض أدرانه ويصيح/ يف كل فجر جديد«.

أما يف ديوانها الثالث » كتاب اآلثام « الصادر يف العام 1997

فتوجه فوهات عدساتها ناحية عامل القصيدة ذاتها وما يدور

يف عواملها وفضاءاتها الشعرية . إنها تري القصيدة أما تعود من

عملها متعبة آخر الليل لرتضع أطفالها الساهرين واحدا واحدا

من ثديها اليابس ثم تبيك وهي تصيل عشاءها األخري وتنام .

ويف ديوانها الخامس » تواضعت أحالمي كثريا « الصادر يف

العام 2006 فتكتب مفرح النصوص التي تتكون من عدة

مقاطع )تجاوزت مقاطع أحد نصوصها الخمسة وعرشين

مقطعا (،و هذه املقاطع قد ال تتعدى سطرين شعريني

شعر وشعراء

كسر حــاجز الصمت في علم العـروض العربي

علم العروض وال يزال منطقة مهجورة يف

ساحة الدراسات اللغوية العربية، ال يؤمها

إال نفر قليل من الباحثني واملتخصصني الذين شاءت

أقدارهم أن يتعرضوا لحرور هذا العلم إما دارسني، وإما

مدرسني، ويف كال الحالتني يصبح التعاطي مع هذا العلم

مهمة دونها خرط القتاد، نظرا لقضايا كثرية تحول دون

فهم هذا العلم وسرب أغواره، وإخراجه إىل دائرة النور

مثله مثل باقي علوم العربية.

ولعل أهم القضايا املتعلقة بهذا العلم، ذلك اإلغراق

العميق يف غرابة املصطلح العرويض الذي استقى مفرداته

من البادية العربية القدمية، وكذا جمود مباحثه، وبقاؤها

منطقة عصية عىل التجديد، وامتالء أواسط هذا العلم

وحوافيه مبباحث ترضه وال تنفعه، وخضوعه لتفسريات

تنزع إىل تقديس الصوت الشعري القديم مبا داخله

من مظاهر التحريف والتصحيف، واعتباره مثاال فوق

النقد، فاستصعبت بذلك مفاتيح هذا العلم عىل األفهام،

وأصبحت هذه املفردات وتلك املباحث مجرد إشارات

مبهمة تعج بها املؤلفات العروضية يف متوالية مملة

يستنسخ بعضها بعضا، حتى أصبح من االستحالة أن تجد

فرقا بني ما خطه إسامعيل بن حامد الجوهري )املتويف

سنة 393هـ( وبني ما خطه محمد بن عيل بن موىس

املحيل )املتويف سنة 673هـ(، يف كتابه »شفاء الغليل يف

علمي الخليل«، وبني ما جمعه أحمد الهاشمي املتويف

بداية القرن الفائت يف كتابه »ميزان الذهب يف صناعة

شعر العرب«، وبني ما نسخه الدكتور عبد العزيز عتيق

الذي ال يزال عىل قيد الحياة يف كتابه »علم العروض«.

عىل أن هناك أصواتا ارتفعت منادية بإعامل معول

التجديد يف مداميك هذا العلم، ورد الظاهرة العروضية

إىل معايري الشعرية، محاولة الستبعاد كل دخيل يف هذا

العلم عن ساحته، وسعيا صادقا نحو تجديد مصطلحه،

كان

Page 17: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 17

وإخراج مباحثه من تلك الرتابة القاتلة التي حولته إىل

مادة متحفية توضع ال يف طاولة الدرس، بل يف رفوف

التاريخ املنسية.

ولعل من أحدث هذه املحاوالت يف تجديد هذا العلم

كتاب »نقد اإليقاع: يف مفهوم اإليقاع وتعبرياته الجاملية

وآليات تلقيه عند العرب« للشاعر والناقد املغريب

عبد اللطيف الوراري الذي يحاول فيه تقيص مختلف

التعبريات الجاملية التي دل بها القدماء عليه، وذلك

ارتباطا بتلقيهم له يف سياقات فنية مختلفة. فكان من

هذه التعبريات ما هو أدخل يف حيز املسموع، أو كان يف

حيز املفهوم، استنادا عىل مبدإ التناسب الذي استفادوه

من لقائهم باآلخر، اإلغريقي تحديدا )فيثاغورس،

أفلوطني، أرسطو(، ومثروه يف عقيدتهم التوحيدية

ورؤيتهم لإلنسان والعامل.

ويعتمد الباحث عرب اسرتاتيجية الكتاب رهانا نقديا

متعددا يتمثل يف نقد أهم فرضيات العروض العريب،

بقدرما نقد تصورات الشعرية العربية عن مفهوم

اإليقاع وعمله وظواهره، كام يعمل عىل بحث القضايا

املعرفية ذات الصلة التي طرحتها األطر النظرية يف حقل

الدراسات القرآنية، وعلمي املوسيقى والتجويد، وتأمالت

الفلسفة.

يرتكب الكتاب من سبعة فصول ومقدمة وخامتة،

ويشتمل عىل ثبت بأهم مصطلحات اإليقاع )العرويض،

البالغي، املوسيقي، التجويدي(. يدرس الفصل األول

علم العروض وقضايا النظرية يف الوزن والقافية،

ويرتبط الفصل الثاين ببحث أوجه العالقة املفرتضة بني

العروض واإليقاع يف ارتباطهام بهوية القصيدة العربية،

وبالتايل جهود علامء البالغة والنقد القدامى يف تلقي

اإليقاع وبلورة املعرفة به، من خالل آرائهم يف عنارص

القصيدة ودوالها. وهو ما تواصل البحث فيه الفصول

الثالثة املوالية، من منظور متطور يرشط حدوث اإليقاع

بالتناسب الصويت والداليل، بتعبرياته البالغية واملوسيقية

والفلسفية واإلعجازية. أما الفصل السادس فيناقش

ثنائية الشعر والنرث، وتاريخيتها، ويكشف كيف أن

املفاضلة بينهام حجبت اإليقاع لحساب أولوية الوزن،

فيام يتطرق الفصل السابع إىل أشكال اإليقاع التوشيحي

وتبلور بنائه املعامري يف املوشحات واألزجال، يف املغرب

واملرشق. وتنتهي الدراسة بخامتة تركب الحصيلة النقدية،

بقدر ما تنفتح عىل اإلمكانات التي فتحتها اليوم دراسة

اإليقاع، هذا املجهول والالنهايئ.

ومام جاء يف كلمة ظهر الغالف الكتاب، نقرأ: »ال ننكر

االهتامم املتصل، يف الثقافة العربية، منذ فجرها حتى

اليوم، بعنرص اإليقاع يف الشعر. وعرب تلك العصور كلها،

، إشكاليا أكرث من أي يبدو لنا اإليقاع، كمفهوم ودال نيص

وقت مىض )...( إننا نرى أن إعادة بناء املوضوع املتعلق

بسؤال اإليقاع تدخل، بالرضورة، يف سياق إعادة قراءة

نظرية الشعر العريب مبرجعياتها املتنوعة وهوامشها

املختلفة، النقدية والبالغية والفلسفية؛ وذلك بعد نقده

يف إطار علم العروض العريب من مكان يجعل بحثنا

متجاوبا مع هاجس بعض الدراسات الجديدة التي متت

يف املوضوع نفسه، بقدرما ينفتح عىل أوفاق األنواع

األدبية وتحليل الخطاب ونقد اإليقاع، ويعمل عىل

إدماجها يف سريورة القراءة والتأويل«

عبد الغني المقرمي

الكتاب :نقد اإليقاع

الكاتب : عبد اللطيف الوراري )املغرب(

النارش: دار أيب رقراق .الرباط

عدد الصفحات: 192 صفحة من القطع الكبري

Page 18: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 18

شعر وشعراء

قصيدة الواقع والتفاصيل

من يؤمن أن الشعر موهبة، ال تنتقل

وال تورث، وال يستطيع أحد أن

يقرأ ويكتب معانيه لوال تلك املوهبة التي هي املنبع

الحقيقي والوحيد الذي ميكن من خالله أن ننهل ماء

الشعر من أعامقه .

لكن، هناك أيضا، من ورث الشعر عن أب أو أم، وظهرت

موهبته وبرزت من خالل بيئته املحيطة به. هذا ما ميكن

أن نتلمسه يف تجربة الشاعرة خلود املعال، الشاعرة التي

تصدر مجموعة شعرية ألمها الشاعرة آمنة بنت عيل بن

حمد املعال، جمعتها لها وكتبت يف صفحاتها سرية الشعر،

هذا الذي رسم أمامها خارطة طريق مطرزة مبوهبة مل

تكن لتظهر لوال أنها تربت يف بيت تقول األم فيه شعرا

ميتد إىل اآلخر، وينجح يف ان يقيم فيه أبدا .

»إنها أمي، التي كانت ومازالت تبسط ساموات الشعر

وتفتح بواباته يل بكل ما أوتيت من محبة وذاكرة. أمي

التي ما ان وعيت عىل الحياة أدركت أنها الحياة ذاتها،

أدركت أنها الشعر. إنها الشاعرة التي ما ان تقرتب منها

وتدخل مدارها، ترفرف اجنحة الزمن الجميل يف لغتها

وأصالتها، تلمح يف دفئها أطياف الذين غيبتهم الحياة

عنها، تسمع حكاياتهم وتعيش ذاكرة ال تعرف إال ما هو

نقي وأصيل«.

هذه هي األنفاس التي منحت الشاعرة خلود املعال

تلك الفراسة يف اقتناص الفكرة، فكرة النرش، والتوثيق

ألمها الشاعرة آمنة بنت عيل بن حمد املعال، عرب إصدار

مجموعة شعرية لها عن أكادميية الشعر التابعة لهيئة

السياحة والثقافة يف أبوظبي بعنوان »سوايب«. لتحفط

للكالم مساحة من فضائها الذي يحارصها بالشعر،

ويستوعب كل ما هو الفت ومعرب وبراق.

الشاعرة األم، يف قصائدها، تعرف كيف تبني من مفردات

بسيطة وسهلة، عبارة ذات معنى صعب، صعب عىل من

يريد أن يحمل جملته معنى ذا فرادة ومقدرة عىل أن

يذهب يف ذهنية القارئ إىل مناطق بعيدة، ولكنها أيضا

سهلة الوصول. هكذا عرب أحد النقاد العرب فأشار إىل ان

الشاعر الحقيقي، هو الذي يكتب الجملة بلغة ومفردات

ناعمة ولكن مبعنى خشن. وهذا تحديدا ما مييز الشعر

الشعبي »النبطي« عن سواه، ومينحة الحضور األبرز يف

املجتمع، فهو قائم عىل مفردات سهلة، ولغة ال تكلف

فيها وال ثقل، تصل عىل طبق الكالم الخفيف لتخطف

دهشة املتلقي او القارئ، الذي يلحق بهذا النوع من

الشعر، وال يحتاج لبطاقة عبور أو إذن مسبق لسرب

اغواره والدخول إليها بسالم .

تقول خلود املعال يف مقدمة عن أمها الشاعرة :«هي ال

تتغنى إال مبباهج زمنها الذي مر، ببدائيته وبساطته،

باهله وامكنته، بصيفه وصباحاته، بأحداثه واحواله،

فالشاعرة ما زالت تعيش تفاصيله بكل حواسها، مازالت

تدور يف مداره وتطوف حوله، وكأنها تحاول أن تحفظ

مشاهده، وتعيشها، لتبقى أطيافه حية وراسخة رغم

رشاسة الغياب«.

هذا بالفعل، ما يغلب عىل طابع القصيدة عند الشاعرة،

يف معظم قصائد الديوان »سوايب«، فهي تنقل ما

تعايشه، من فرح وحزن، تبتسم للوطن، وتحيي قادته

وشعبه، وترسم لوحته يف مساحة شعرية متقنة ال تبتعد

كثريا عن واقعها، ومحيطها االجتامعي القريب منها

كصوتها. فالشاعر عموما، ال ميكن ان ينفصل عن جمهوره

أو أن ال يحدد لنفسه مسارا موازيا ملسار من هم حوله.

تقول يف قصيدة :

هناك

آمنة بنت علي بن حمد المعال

Page 19: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 19

الشاعرة :آمنة بنت عيل

بنت حمد املعال )االمارات(

الديوان : سوايب

النارش : اكادميية الشعر

عدد الصفحات : 125 من القطع

املتوسط

»اشتقت لك يا دار لو كنت يف دار

فيها النهر والشـجر تاــــيه ظليلــة«.

كام قولها بعبارة أخرى تحمل ذات الهوية :

»يا شعبنا بدعي عساكم تعيشون

طول العمر تحظون باسعد األوقات«.

هنا، ميكن أن يكون التعليق عىل هذه املجموعة، غري

واف، دون أن نشد يد الواقع، وننتقل معه بعفوية ميزت

هذه املجموعة، فالشاعرة يف قصيدتها، ال تريد سوى ان

تصف ما تلتقطه عينها من حولها، وتنجح يف ان تجعل

من الحدث قصيدة شعرية وافية تصف وتحيك وتقرب

األشياء من بعضها لتظهر مع بعضها يف مساحة واحدة،

وقالب إيقاعي عذب .

هذه املجموعة الشعرية، تربهن عىل ان الشعر الشعبي،

ليس بعيدا عن الشعر الفصيح، من حيث املوضوع،

ودافع الشاعر للكتابة، فالوجع والحنني عىل سبيل املثال

ال الحرص، ثيمتان حارضتان بكرثة يف قصائد الشاعرة

آمنة، وهي تتقن تحويل الحنني أو الوجع، إىل جمل

شعرية مؤثرة. ميكنها ان تعكس حجمهام او تقيسهام

عرب الكلمة. شأنها شأن الكثري من شعراء الفصيح

والشعبي، الذين عربوا ان اوجاعهم وحنينهم بوقوفهم

عىل األطالل وشكوى الحال وغري ذلك. وهو ما تؤكده

خلود املعال من جديد يف تقدميها للمجموعة »الوجع

والحنني ثيمتان بارزتان يف قصائدها، وجع من الوقت

الراهن الذي يحاول ان يعزز مخالبه بكرثة لتغيري كل ما

هو أصيل، الحارض الذي يحاول ان يغري مالمح املايض..

ويبعرث تفاصيله الجميلة.. وجع من الحياة التي تحاول ان

متج يدها لترسق من حول الشاعرة ارث املايض الثمني،

وكنوزه التي تحاول جاهدة أن تحميها بكل ما اوتيت من

محبة«.

لعل خلود استطاعت ان تخترص الكثري من أجواء الديوان

يف هذه العبارة، ألن الوجع حقا هو دليل الشاعرة إىل

بيت القصيد، والجزالة، ونسج العبارة بتمكن واقتدار.

تقول آمنة املعال يف قصيدة »النوح يف املجفيات«:

»يا عني بسك ال تهلني عربات

صربي عليه يا عني ال باس يايت

ياقلب بسك ال تليع بونات

شقيتني يا قلب طيلة حيايت«

من املدهش حقا ان نقف بني الشاعرة األم، وابنتها، وأن

نتعرف عىل شعر ال يبذل الكثري يف سبيل دخوله إىل

القلب، ولو عرب باب البساطة والتعبري الشفاف. ومن

املدهش أيضا أن نرى موهبة شعرية تعزز حضورها ببيئة

حملت الشعر عاليا، وتوجته، وعرفت كيف تجعل منه

طريقة معبدة لكتابة التفاصيل بجاملية اإليقاع واللهجة

املحكية القريبة

عبدهللا...

Page 20: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 20

شعر وشعراء

الكتاب: دور العرب يف تطور الشعر األورويب

الكاتب: الدكتور عبد الواحد لؤلؤة )العراق(

النارش: املؤسسة العربية للدراسات والنرش

عدد الصفحات: 256 صفحة من القطع الكبري

حديثا للناقد واألستاذ األكادميي عبد الواحد صدر

لؤلؤة كتاب بعنوان »دور العرب يف تطور

الشعر األورويب«، وكتب لؤلؤة يف مقدمة كتابه : »إذا

كان الشعر اإلنجليزي قد تأثر يف مراحل شتى بشعر

لغات أخرى، فهل يا ترى كان للشعر العريب من أثر يف

تطور الشعر االنجليزي، وشعر تلك اللغات االخرى التي

أثرت فيه؟ لقد تيرس يل قضاء سنة من التفرغ العلمي

يف جامعة كمربدج، وجدت يف مكتباتها قدرا كبريا من

الكتب والدوريات العلمية التي تعنى بالشعر األندليس

وبشعر الرتوبادور وبالعالقة بني شعر الرتوبادور باللغة

االوكسيتانية وبني الشعر األندليس، يف منط املوشح

والزجل«. ويضيف »كان عيل أن أدرس املوشح والزجل

يف جذوره املرشقية التي تطور عنها، ومقارنة ذلك بشعر

الرتوبادور الجديد عىل اوروبا القروسطية، ثم تابعت

انتشار شعر الرتوبادور وفنونه يف عدد من اللغات

االوروبية الوليدة. وقد انتهى يب املطاف اىل الشعر

االنجليزي يف ما كتب شكسبري من غنائيات الحب التي

تردد أصداء غري بعيدة من غزليات الحب العربية.

وبعد شكسبري، ال يشكل الشعر الغنايئ يف موضوعات

الحب قضية يسهر الخلق جراها ويختصم«

ويف حديث صحايف يعود إىل سنة 2009 يرشح لؤلؤة

ظروف والدة هذا املنجز الهام، ويقول : » لقد درست

أغلب ما كتب عن أثر الشعر األندليس يف ظهور أول

شعر غنايئ بأول لغة انقطعت عن التينية العصور

الوسطى يف أوروبا، مل يكن له جذر يف الشعر اإلغريقي

أو الالتيني. كان ذلك شعر الرتوبادور )الجوالني(، أشباه

الوشاحني والزجالني يف األندلس، ولغة »بروفنس« أي

اإلقليم يف جنوب غرب فرنسا وشامل غرب إسبانيا يف

الخريطة املعارصة«.

استدعى األمر أن يتفرغ لؤلؤة للعلم بجامعة كمربدج,

وبحث باللغات اإلنجليزية والفرنسية واإلسبانية :

»وهالني ما لقيت من حجج عىل كون املوشح هو

األساس الذي قام عليه شعر الرتوبادور. كان الباحثون

من اإليطاليني والفرنسيني واإلسبان قد نرشوا دراسات

يعود بعضها إىل العام 1571. ليس بني من قرأت عريب

واحد, بل إن معظمهم من رجال الكنيسة الكاثوليكية

أو الكنائس األخرى يف فرنسا وكندا، بل إن من بينهم

»ليفي بروفنسال« الفرنيس اليهودي الذي قىض سنة

1950 محارضا يف جامعة اإلسكندرية. كان هؤالء جميعا

يقدمون الرباهني والنصوص التي تثبت أن املوشح والزجل

هام أساس أول شعر غري كنيس وغري التيني«, ظهر يف

الجنوب الفرنيس »الوثني« حسب وصف مطران باريس

»إنوسنت الثالث«، قاد حملة ضد الجنوب الفرنيس

وقىض عىل حضارة ذلك اإلقليم املزدهر، ألسباب اقتصادية

)غري بريئة( فتفرق الرتوبادور رشقا إىل إيطاليا وأملانيا و

شامال إىل إقليم بريتاين شامل غرب فرنسا وزرعوا األغراس

الجديدة لشعر دنيوي غنايئ غري كنيس، بينه وبني املوشح

والزجل وشائج كثرية«.

ويسوق لؤلؤة مربرا آخر الصدار كتابه يتمثل »يف العقود

األخرية من القرن العرشين ظهرت تيارات معادية من

جهات ال تخفى عىل القارئ اللبيب تنعق مبا ال تسمع،

وتحاول إنكار األثر العريب وال تقدم من األدلة ما قدمه

اإلسبان الكاثوليك - وال أحسبهم يف قرارة أنفسهم

متعاطفني مع العرب واإلسالم«

عبد الواحد لؤلؤة

أثر الشعر العربي

Page 21: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 21

نبيلة زباري

شعرية االنتماء

الديوان:لغة السفر

الشاعرة: نبيلة زباري )البحرين(

النارش:املؤسسة العربية للدراسات والنرش

عدد الصفحات: 144 صفحة من القطع املتوسط

السفر..صوت بلبل يف دفاتر األسفار« الديوان

الخامس للشاعرة البحرينية نبيلة زباري بعد »حواجز

رمادية«/1994، »عىس أن يرجع البحر«/1998، »همس

أزرق«/2006، »نبض عىل أوراقي«/2006.ويضم أربعة عناوين

كربى: أسفار يف دفرت الغربة، أسفار يف دفرت النزف، أسفار يف

دفرت هناك، من دفرت السفر األخري، باالضافة إىل 32 نص شعريا.

تتوزع الديوان وحدات داللية مرتبة بعناية، مبا يعني أن األسفار

األربعة خطط لها أن تكون عناوين كربى ال عتبات اعتباطية

مرصوصة ومتسلسلة. وقد تحكمت الوحدات الداللية يف النسق

الداليل العام مبا يجعل النصوص الشعرية تجيب عىل أفق

األسفار. فسواء الغربة، النزيف، األمكنة، الغياب..جميعها متثل

وحدات داللية تؤطر رؤى القصائد والتي وإن جاءت مسكونة

بوجع االنكسار إال أنها اختارت أن تشكل صوره من خالل

أقانيم محددة. فالسفر يتحول لذريعة يك تعلن الذات وجعها،

ولتعيد تشكيل الغربة عن الوطن يف دفرت اختارت أن يضم

قصائد من ولع البعاد. وطن ترسمه وتشكله من وجع املنفى

ورغبة محمومة الستعادة صورته املقدسة، تلك الصورة التي

ال ترى إال يف البعد عنه. وتهمنا هذه الرؤية يف تلمس سامت

هوية تحاول مللمة انكسارها من خالل اإلعالن عن »وحدة

الوطن« الذي يتحول بدوره اىل صعود »نحو العطش«. ينتهي

سفر الغربة بقصيدة مهداة من الشاعرة اىل ابنها املغرتب،

واالغرتاب هنا مزدوج بني وطن ينادي أبناءه، وأم تفقد ابنها.

وهي استعارة مقصودة لالنتقال اىل السفر الثاين النزيف.

يف السفر الثاين املوسوم ب »النزيف«، تحرض قصائد بحس

األوطان )العراق، فلسطني، لبنان، البحرين( ويف اإلشارة ملذابح

الهجمة الصهيونية تأكيد عىل الحس القومي لرؤى القصائد

وربط مبارش بوحدة داللية كربى هي »حب الوطن« وهو

الحب الذي يتوجهه هذا السفر باإلشارة اىل البحرين كوطن

يحتاج ملحبة الجميع. هذا التدرج من السفر األول اىل الثاين

يحول الذات الشاعرة من انكسارها الداخيل وغربتها الفردية

اىل غربة أوسع وأكرث تعددا »غربة األوطان« بكل حموالتها

االيديولوجية والنفسية. ناهيك عن انخراط هذه الذات،

الواعي يف معانقة هموم وقضايا شعوب تعرضت للظلم

والطغيان.

يف السفر الثالث جميع قصائده كتبت يف أمكنة محددة

، ولهذا االعتبار يظهر انخراط هذه القصائد يف تشكيل

بورتريهات أمكنة، أبعد عن املسح السياحي، بل يف عالقة

وطيدة وحميمية بذات أبعد ما تكون عن عني السائحة العابرة

والتي تكتفي بقشور الفضاء. ذات شاعرة تعيد تشكيل املكان

مبيسم خاص إذ ال ننىس انها أمكنة ارتبطت لدى الشاعرة

مبشاركات إبداعية، وهو ما يعني أن النص الشعري ظل

مفتوحا من لحظة القراءة اىل لحظة الكتابة. إذ ال ننىس أن

القصيدة سفر يف األمكنة القصية وهو ما جعل من قصائد هذا

السفر الثالث ذات خصوصية يف مستويات تركيبها ودالالتها،

بل متلك هذه القصائد خصوصية أعمق للنص الشعري إذ

تتجرد الذات يف النص ومتيس األمكنة ذرائع لتلمس مجازات

أمكنة قصية.

يف السفر الرابع واألخري، تستدعي القصائد ولع الغياب

وانجراحاته، شخوص افتقدتها الشاعرة وأعادت تشكيل

حضورها لكن من بوابة »الوطن« إذ ال معنى له دون العائلة..

هي من تعطي لألوطان حضورها وفعلها الوجودي وداللتها

العميقة . فسواء »األم« أو »األب« يعمق هذا الحضور من

كنه االرتباط باألرض والهوية ويرسم فسيفساء جديدة للوجود

ذاته

عبد الحي ميفراني

»لغة

Page 22: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 22

شعر وشعراء

أن صدريف طبعته األوىل سنة 2005 ، يعود

الشاعر والناقد املغريب محمد بنيس ليصدر

طبعة ثانية من كتابه »الحداثة املعطوبة » وقد أضاف

له مقالة واحدة مل تنرش يف الطبعة األوىل وهي »املكتبة

املفتقدة«.

تنطلق اطروحة الكتاب االساسية من أن الحداثة العربية

مل تستطع ألسباب كثرية أن تنجز أو تحقق ما خالج قلوب

وعقول الحداثيني الذين ال يشك أحد يف صدق نواياهم

تجاه منطقتهم وشعوبهم، لكن الحداثة مل تكن أمرا أدبيا

فحسب، ولو كانت كذلك لقلنا ان الحداثة العربية نجحت

كل النجاح حيث فشلت قطاعات أخرى كثرية يف مجال

التحديث. إن األمر أبعد من ذلك، وهذا ما يجعل االستفاقة

عىل فجيعة الحلم الحدايث كارثية، ومخيفة، وعربت عن

تراجيدياه بالنص الكئيب، نص الحداثة املنطوي عىل نفسه،

والغريب عن اآلخر، النص الذي يعرب عن هذا السقوط

املؤمل، والواقع املثري.

ويرى بنيس انه، وألول مرة ستجد الحداثة العربية نفسها

خاصة عىل مستوى األدب يف حالة نفي واغرتاب، فهي ال

تريد أن تكون ال مع السلطة العربية املستبدة، وال مع

الواقع املحتجز من طرف االسالميني، سيغرتب أغلب شعراء

الحداثة العرب املهمني ومن الجيلني، بل سيحصد الجيل

الثاين ارث الخيبة ذاك، وهم يكتشفون أن كل طموح لن

يكون من اآلن فصاعدا ممكنا اال يف تحقق النص األديب

الحديث.

وتوصل الشاعر اىل استنتاج هام مفاده ان الحداثة انترصت

يف بعض املواقع الهامشية، وفشلت يف مواقع أخري كثرية،

ولكن تسارع وترية األحداث العاملية وبداية تفكك النظام

العاملي القائم عيل القطبية ونهاية املعسكر االشرتايك، وغزو

الكويت من طرف العراق، وحرب الخليج األوىل، والثانية..

الخ كانت عوامل كلها تثري تساؤالت حول الحداثة نفسها،

ومل يكن من السهل فصل الحداثة عن الغرب، وها هو

الغرب يعتدي علينا، ويساعد عدو العرب األول ارسائيل

عىل التحكم يف املنطقة. ان ازدواجية الغرب هي التي

ستعيد التفكري يف الحداثة اىل نقطة البدء، وستطرح عىل

وعينا أسئلة متعددة، حول عالقتنا به، وعالقتنا بذاتنا، وما

الذي يجب فعله يف وضع حرج كهذا.

ويشري بنيس يف املقالة الجديدة التي اضافها للكتاب إىل

اختفاء املكتبة من املنزل العريب كديكور جاميل ومعني

فكري. اختفاء صداقة وتاريخ، مبا يعني محدودية وضيق

مساحة العامل الروحي والبرصي لإلنسان. »تبني يل أن تصور

املكتبة ال يدخل يف اهتامم الناس، أكان البيت لفئة ميسورة

أو فئة بسيطة الدخل. بني الجميع مشرتك متداول دون

اتفاق مكتوب، هو املكتبة املفتقدة«.

ال تدخل املكتبة يف البناء املعامري للمنزل مثل الشبابيك

والغرف، إنها غري مفكر بها ال جامليا وال ثقافيا.

فال ينشغل املصممون العرب، بذلك التصور املعامري

الرضوري، وال حتى الجاميل لوجود املكتبة يف املنزل.

مجاورة املكتبة، تعلم فيام بعد عادة القراءة باالحتكاك

اليومي، هذا اإلهامل يتساوى مع اهتامم املثقف بالكتاب،

عىل أنه مقدس يجب أن يسود يف كل يشء، وهو بالتايل،

أي الكتاب حكم ودليل معرفة ومفاضلة، لكن املثقف

يهمل اعتبار الكتاب موجها إىل الحياة سلوكا وتربية

محمد بنيس الحداثة المعطوبة ..

بعد

الكتاب:الحداثة املعطوبة

الكاتب: محمد بنيس )املغرب(

النارش: دار طوبقال للنرش

عدد الصفحات: 187 صفحة من القطع املتوسط

Page 23: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 23

غاب الشعر عن مرسح املشهد يف الوطن العريب يف السنوات

األخرية، وتوقفت عدة مهرجانات شعرية، وبات كل ما يحيط

بالشعر قليل الحيلة وخجول الحضور .

يغيب الشعر يف املجتمعات العربية املغلوبة عىل أمرها،

والهامئة يف واد ال يسكنه الشعر. ويغيب يف ظل حضور

الجهل مبكانته، وسيادته الثقافية والجاملية، ولكن عزاءنا

اليوم، هو هذا اإلرصار الذي يظهر يف كل تفاصيل الشارقة

قوال وفعال، عىل أن يكون الشعر هو الحارض األبقى.

غاب الشعر عربيا، وحرض يف الشارقة، واإلمارات، عرب

مهرجان الشارقة للشعر العريب، يف دورته الحادية عرشة،

التي أقيمت بني الفرتة 20_24 يناير 2013، وجمعت كوكبة

من شعراء العربية من مختلف الدول، إىل جانب عدد من

األسامء النقدية املعروفة. كام كرمت شاعرين هام اإلمارايت

عبدالعزيز اسامعيل و الكويتي الدكتور خليفة الوقيان .

وشهد حفل االفتتاح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان

بن محمد القاسمي، عضو املجلس األعىل وحاكم الشارقة.

وبدأ الحفل الذي أقيم يف قرص الثقافة يف الشارقة وسط

حضور عدد كبري من الشخصيات واملسؤولني، واهتامم الفت

من قبل وسائل اإلعالم املرئية واملسموعة واملكتوبة. بكلمة

لسعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة

واإلعالم بالشارقة. أكد خاللها عىل الدور الذي تؤديه إماراة

الشارقة يف دعم الثقافة مشريا إىل رعاية صاحب السمو حاكم

الشارقة لكل حدث ثقايف يف اإلماراة من شأنه أن يقدم إضافة

للمشهد الشعري العريب. وكرم صاحب السمو حاكم الشارقة

خالل الحفل الشاعر اإلمارايت عبدالعزيز اسامعيل والشاعر

الكويتي الدكتور خليفة الوقيان. وقرأ املكرمان قصائد لهام،

وتبعهام الشاعر اإلمارايت كريم معتوق الذي قدم قراءة

شعرية إىل جانب الشاعر السعودي محمد زايد األملعي .

وتوزعت الفعاليات بني النقد والشعر، وتضمن برنامج الشعر

خمس أمسيات شعرية أقيمت مساء كل يوم الساعة الثامنة

يف قرص الثقافة بالشارقة. قرأ يف األمسية الشعرية األوىل

للمهرجان الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم )اإلمارات(، وعمر

الشعراء والنقاد السنوي ليجمع بين عدد كبير من العربي في موعده للشعر الشارقة جاء مهرجان ويحظى باهتمام رسمي. ويتفاعل معه عدد كبير من الحضور والجمهور المقيم في الدولة.

الشارقة- عبدهللا ابوبكر

مهرجان الشارقة للشعر العربي

لقاء بين جيلين

صاحب السمو حاكم الشارقة وحضور افتتاح املهرجان

issue (9)- February - 2013 23

Page 24: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 24

عناز )العراق(، ود. راشد عيىس )األردن(، وأحمد سويلم

)مرص(، وقدم األمسية وسام شيا. وشارك يف األمسية

الثانية يوم الثالثاء كل من مظفر الحامدي )اإلمارات(،

وعبدالعزيز الزراعي )اليمن(، ولينا أبوبكر )فلسطني(،

وعزالدين ميهويب )الجزائر(، وأدار األمسية عبدالله الهدية.

أما األمسية الثالثة يوم األربعاء فضمت الشعراء: ومهدي

منصور )لبنان(، وصالح الدين الغزال )ليبيا(، وسعيد

املكتومي )سلطنة عامن(، قدمهم عاطف الفراية. ويف

األمسية الختامية مساء يوم الخميس شارك د. طالل

الجنيبي )اإلمارات(، وجامل الصليعي )تونس(، وإبراهيم

حامد الخالدي )الكويت(، ومنى حسن محمد )السودان(،

وقدمتهم الشاعرة اإلماراتية شيخة املطريي.

أما الندوات النقدية املصاحبة للمهرجان، فتمحورت حول

موضوع »القراءة الثقافية للنص الشعري«، وانطقت

الندوة األوىل صباح يوم االثنني املوافق 2013-1-21،

وشارك فيها كل من د . حامدي صمود )تونس( بورقة

عمل بعنوان »الشاعر واأليديولوجيا« ود. الرشيد بن

حدو )املغرب( بورقة بعنوان »الشعر وعوامل االعتقاد«،

وأدارها الكاتب نواف يونس. ويف ندوة صباح الثالثاء التي

خصصت إلعداد »قراءات يف املشهد الشعري العريب«

شارك د. محسن الكندي )سلطنة عامن(، ود .أرشف عطية

)مرص(

ود. ضياء خضري )العراق(، وقدم الندوة د. هيثم الخواجة.

وعكست األمسيات الشعرية يف مهرجان الشارقة للشعر

العريب لقاء شعريا نادرا بني جيلني، فقد شهدت جميع

األمسيات تواجد تجارب شعرية معروفة وأخرى صاعدة

وغري مألوفة لجمهور الشعر، ما من شأنه أن يقدم لهؤالء

مساحة للظهور مع أسامء شعرية استطاعت قصائدها ان

تنحت أسامء أصحابها يف أعىل صفحات الشعر عرب عقود

من التجربة. وهو ما يسقط بالرضورة عادة غري سليمة كثريا

ما نتابعها يف مهرجات شعرية عربية حيث يكون االحتفاء

بالشاعر الواحد، عىل حساب الشعراء اآلخرين املشاركني.

الشارقة يف هذا املهرجان، تقف مع الجميع عىل مسافة

واحدة، حيث يكون الضيف األبرز هو الشعر.. الشعر بكل

اتجاهاته وأسامئه، لتضع نقاط القصيدة عىل حروف القول.

مل ينعكس هذا التوجه يف اختيار اسامء الشعراء املشاركني،

بل انعكس أيضا يف عناوين الجلسات النقدية التي خصصت

يف الفرتة الصباحية من املهرجان، وقد دار الحوار يف الجلسة

النقدية الثانية يف برنامج املهرجان، حول موضوع »قراءات

املشهد الشعري العريب«، وبحثت الندوة يف قضية تواصل

األجيال، والتمييز بني الشعراء. وأضاءت ورقة الدكتور ضياء

خضري حول موضوع الشاعر الواحد، حني قال يف ورقته:

»إنها جناية النقد يف زمن أيب متام واملتنبي يف املايض،

مثلام هي جناية عىل الشعراء اآلخرين لدى ظهور السياب

وأدونيس ومحمود درويش يف الحارض.. ترك الشعراء دون

عناية نقدية كافية تناسب إمكاناتهم«.

هذا ما يعكس رضورة البحث يف موضوع لطاملا أرق

الكثريين، ومل ينصف الشعراء، حني أخذ بيد البعض منهم،

ومل يلتفت أبدا للبعض اآلخر.

مهرجان الشارقة، يف دورته الحادية عرشة، تجاوز الشعارات

التي تنادي بالتمييز بني الشعراء، وتفضيل شاعر عىل حساب

آخر، فهو يف دورته هذه، يقدم صورة بانورامية للمشهد

الشعري، ويواكب التجارب الجديدة التي سيخرج منها

مشاريع شعرية عربية واعدة يف السنوات القادمة.

حدث الشهر

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 24

Page 25: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 25

الرابع من نوفمرب سنة 1997، تاريخ ال يغيب عن صفحات

املشهد الثقايف واألديب العريب، حيث شهد هذا اليوم مبباركة

وحضور صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد

القاسمي، عضو املجلس األعىل حاكم الشارقة، إيقاد شمعة

ميالد بيت الشعر يف الشارقة، الذي ما لبث بدوره أن تحول إىل

منرب مشع باإلبداع والعطاء الشعري والثقايف من خالل أبوابه

املرشعة وصدره املفتوح لكل شاعر عريب من مرشق أرض العرب

إىل مغربها.

وعىل خالف بعض املباين التي تعتليها الفتة كتب عليها )بيت

الشعر(، مل يكن بيت الشعر يف الشارقة مجرد بناء حجري أو

إسمنتي مجوف فارغ، بل تخلص من احتاملية أن يكون منزال

أو قاعة تقليدية تحتضن نشاطا معينا ثم تنزوي أليام وأسابيع

أو رمبا شهور دون أن يأيت أحد عىل ذكر اسمها، وحمل معنى

وداللة كلمة )بيت( بأبعادها الروحية والحميمية التي تتنفس

ألفة ومحبة. ليكون ملتقى للشعراء واملبدعني من كل مكان،

ومنهال يسقي الظامئني ملتابعة وقراءة أجيال مختلفة من كنوز

الشعر العريب، حيث يضم يف أروقته مكتبة تتكاتف عىل رفوفها

آالف الدواوين الشعرية منذ بدء تأريخه وتوثيقه حتى يومنا

الذي نعيش.

ومن منطلق إميانه بأهمية الشعر كرافد أسايس للثقافة

املجتمعية وفن له جامليته وجذوره، فقد تفاعل بيت الشعر يف

الشارقة مع الحركة الشعرية العربية يف كل البلدان موفرا كل

أسباب الدعم املادي واملعنوي، وباذال كل ما يستطيع إلذكاء

روح املبادرة لدى املهتمني بالدراسات األدبية يك ينشطوا يف

مجال التوثيق والتأليف عرب قيامه بإصدار العديد من الكتب

اإلبداعية والبحثية والنقدية.

ولكونه مؤسسة تحظى بدعم وتشجيع مبارش من صاحب

السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي حرص

دامئا عىل ابراز الدور الثقايف إلمارة الشارقة فكانت عىل مر

السنني منربا ثقافيا عربيا بامتياز. فقد دأب بيت الشعر منذ

تأسيسه وال يزال، عىل إقامة الفعاليات املميزة محليا وعربيا،

وإتاحة املجال لجميع األصوات الشعرية ومن أجيال وجنسيات

مختلفة لتكون حارضة عرب أمسياته وملتقياته ومهرجاناته التي

طاملا استضافت أبرز القامات الشعرية العربية، ولعل أبرز

حدث يجمع األسامء الشعرية الكبرية هو مهرجان الشعر العريب

الذي طرز فيه الشعراء العرب عىل مدار عرش دورات أجمل

اللوحات اإلبداعية التي ال يزال ينبض بها بيت الشعر، ويرص

عىل العطاء أكرث فأكرث.

منذ دورته األوىل، حرص مهرجان الشعر العريب يف الشارقة عىل

حضور شعراء كبار نشأت عىل كلامتهم أجيال من الدارسني

واملبدعني، فكان من أبرز الوجوه التي حرضت وشاركت إميانا

بأهمية الشارقة ثقافيا وفكريا:

الشاعر شوقي بغدادي تحدث أيضا عىل منرب املهرجان عن

تاريخ القصيدة العربية وصمودها أمام كل موجات التغري

والتبدل يف البنية، ملخصا نقاشا عميقا بنتيجة مفادها أن

القصيدة العربية تعيش حالة من النمو الرسيع وغري املنظم.

وزير الثقافة التونيس األسبق الناقد الدكتور عبدالسالم املسدي،

كان له رأي يف ما يقدمه بيت الشعر يف الشارقة قال فيه: إن

بيت الشعر يف إمارة الشارقة لنئ تكاثر هنا وهناك يف أرجاء

الوطن العريب أشقاء له يف االسم واملبتغى، فإنه يظل بينها الرائد

بيت الشعر في الشارقة

منبر القصيدة العربية

issue (9)- February - 2013 25

Page 26: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 26

يف اإلنجاز، واألقدر عىل غرس قضايا

الشعر يف فضاء االنتامء.

أما الشاعر كريم العراقي، فقد قال يف

حديثه عن هذا الرصح: بيت الشعر يف

الشارقة.. هو املبنى واملعنى، بشكله

الرتايث الذي نستنشق فيه عبق تاريخنا

العريب، ومضمونه وما يقدمه فيه

شعراء األمة من إبداعات، تفرقت بيوتنا

وتباعدت، لكننا التقينا يف بيت الشعر.

وقبل أعوام أيضا كتب األديب نواف

يونس مقالة ورد فيها: استطاع »بيت

الشعر« خالل السنوات الفائتة التي

مرت عىل تأسيسه، وعرب فعالياته املستمرة أن يجسد أهدافه

املتمثلة يف تأصيل دور الشعر ودعم وتشجيع الشعراء لتفعيل

دورهم يف الحراك االجتامعي .

وتحت عنوان مرحبا مهرجان الشعر، كتب وكيل وزارة الثقافة

والشباب وتنمية املجتمع املساعد لشؤون الثقافة والفنون،

الباحث بالل البدور مقاال يف عام 1998 قال فيه: كل يوم

تؤكد الشارقة دورها الريادي، وصدق اختيارها عاصمة للثقافة

العربية لعام 98، هذا اللقب الذي أحرزته الشارقة عن جدارة

واستحقاق، نظرا للجهود املبذولة يف هذا الشأن. وختم البدور

ما كتبه قائال: أنا عىل يقني من أن هذا املهرجان سيضع قدمه

بثبات عىل خريطة املهرجانات الشعرية العربية،.

ولن يكون الشاعر عيل العامري آخر من كتب عن املهرجان

وقدم شهادة فيه، حيث نرش مؤخرا مقاال يف صحيفة »اإلمارات

اليوم«، يف األجواء التحضريية للدورة الحالية من املهرجان جاء

فيه: منذ تسلم الشاعر محمد الربييك مسؤولية إدارة »بيت

الشعر«، قبل نحو ستة أشهر، أكد أنه سيكون بيت الشعراء

جميعا، من مختلف االتجاهات الشعرية ومن مختلف األجيال،

وسيعنى باكتشاف املواهب الجديدة ورعايتها وتقدميها إىل

الساحة الثقافية.

وكثرية هي األسامء التي شهدت بتألق هذا البيت وأهمية ما

ينجزه ويقدمه من فعاليات وأفكار أسهمت يف نهوض املشهد

اإلبداعي والثقايف ليس اإلمارايت منه وحسب، وإمنا العريب

بأرسه، بل ويسعى لتخطي كل األطر الجغرافية يك يتسنى له

أن يربط االسم باملسمى ربطا وثيقا، فيبلغ العاملية ويكون بيتا

للشعر دون أي إطار يقيده، ألن الشعر فن

وإبداع، واإلبداع يتناىف مع القولبة والتأطري.

وكان من بني هذا األسامء شعراء كبار

وقامات إبداعية هامة من

ومن بني من شهدوا بأهمية بيت الشعر

أيضا كان الشاعر د.محمد نجيب املراد

الذي قال يف معرض شهادة دونها بخط يده:

بيت الشعر يف الشارقة أنبت الحنطة عىل

شفاه الحروف، وجعل أبجدية النعناع تثقب

احتكار أبجدية اإلسمنت، فإذا بأحجار األبراج

الشاهقة تتكلم بلهجة خرضاء.

ويف عام 2011 كان الشاعر محمد التهامي

أول املكرمني بجائزة بيت الشعر يف الشارقة التي استحدثها

يف السنة ذاتها لتكون تقديرا للعطاء األديب واإلبداعي لقامات

أسهمت يف نهوض املشهد الثقايف والشعري العريب.

ومل يكن نشاط بيت الشعر يف الشارقة مقترصا عىل الندوات

واألمسيات والدورات التي تعنى باملوهوبني الناشئة والجلسات

النقدية والنقاشية التي تناولت عرب سنوات الشعر واإلبداع

والبحث والتأليف والطباعة، بل كان أيضا للموروث الشعبي

من تراث وأدب وشعر نبطي، حصة وقعت عىل عاتق بيت

الشعر وإدارته قبل تأسيس مركز الشارقة للشعر الشعبي يف عام

2008 وافتتاحه رسميا مطلع عام 2009، حيث ظل بيت الشعر

ألكرث من خمس سنوات ينظم مهرجان الشارقة للشعر الشعبي

محققا خاللها نجاحات جعلت منه قبلة ألهم شعراء الساحة

الشعبية يف منطقة الخليج والوطن العريب عموما، ليحمل بعدها

هذا الرصيد العايل من النجاحات ويسلم الراية ملركز الشعر

الشعبي بقواعد راسخة ومتينة تضمن له االستمرار عىل الوترية

ذاتها التي تليق باسم الشارقة تلك املنارة التي تخطف أبصار

املبدعني وتستقطبهم من مختلف األصقاع.

قد ال تفي السطور والصفحات إلحصاء ما قام بإنجازه بيت

الشعر - وال يزال - وال يقدم جديدا من يقول إن هذه املؤسسة

منذ تأسيسها وإطالق مهرجانها الشعري أصبحت من األهمية

مبكان ، إال أن الرجوع إىل سرية مهرجان الشارقة للشعر العريب

لعرش سنوات خلت، يفيدنا أن نقرص القول - وإن ال ميكن - ان

هذا املهرجان بذرة ومثرة وخميلة يستظل بفيئها املشهد الثقايف

العريب بأرسه

لم يكن نشاط بيت الشعر

في الشارقة مقتصرا على الندوات واألمسيات

والدورات التي تعنى بالموهوبين، بل كان

أيضا للموروث الشعبي من تراث وأدب وشعر

نبطي

حدث الشهر

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 26

Page 27: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 27

نصوص

ارعط

الاد

سعة

نانلف

ا

مهدي منصور

سعيد بن محمد المكتومي

جمال الصليعيراشد عيسى

Page 28: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 28

ــاء يف ــرب ــغ ــل ـــول الــنــخــل ل ـــق ـــا ي أنــــا م

ـــــداد صـــداحـــي ـــــت ـــــه ام ـــــت ـــــغـــــداد..أن ب

ـــضـــه ـــب ـــالء..ون ـــرب ـــك ــي يـــقـــيـــم ب ــب ــل ق

ـــاح ـــف ـــس وال ــــســــاح ال بــــني ــــدس ــــق ال يف

***

والــطــيــور ــد ــرق ي الــبــحــر حتى »ســـلـــواي«

ـــاح ـــن ـــــرى بـــــــــدفء ج ـــــذك ـــــر ال ـــــدث ت

لشمس ـــادا ـــب ع أتـــــوه ــــــداك- -ف ــــا وأن

ــــي وأســــــــــري بـــــــني رمــــاحــــي ــــع ــــواج م

ودهشتي خــطــاي ــا..يف ــاي ــط ــخ ال ــرعــى ت

ــي واســـتـــوطـــنـــت أقـــداحـــي ــم ـــرت ف ـــج ه

ــن غــدي ــن تـــــراءت قــــاب شــــوق م ــا م ي

جـــراحـــي ــــزف ــــن ل أدىن ـــــار..أو ـــــه ـــــن امل

يومي دميي.همس غيمي..«دال« »ميم« يا

ـــــون وشــــاحــــي ـــــل ـــــايف ب ـــــغ لــــلــــغــــد ال

شفاهك ــن م للحقيقة أقــــرب ـــأس ك ال

ــــــواح ــــــف ــــــــــوج شـــــعـــــرك ال مـــــن مت

ـــي ـــئ ـــهـــي عـــيـــنـــاك مـــنـــفـــاي األخـــري...ف

ــــن إصـــــبـــــاح... ــــم..وم ــــل ظــــلــــني مــــن ح

تسافر شــطــآين ـــعـــض ـــرشاع..وب ال أعــمــى

الـــــــــــراح... يف وبـــعـــضـــهـــا ــــك ــــدي ي يف

واألىس ـــك ـــاه ـــف ش إال يل ـــق ـــب ي مل

ــــي ــــض راح ــــب وعـــلـــيـــكـــام »ســـــلـــــوي« أق

صـــاح... ــنــة املــدي ــب ــت ع عــىل عتبي

ــي.. ــاح ــرم تــحــت وش ــك ــامر ال ـــم اخــت رغ

للـ ـــاد ـــي األع أجـــمـــع يك غـــادرتـــهـــا

ــــــراح أف بـــــال ـــــــدن م يف ـــــال ـــــف أط

قصيدة ألف بعد -«سلوى«- ورجعت

ـــــاح... ـــرش أق عــنــهــم وعـــنـــك..وبـــعـــد ع

»من أنت؟!« تسألني املدينة »من!؟« كأن

صباحي... غـــــدي..وأن اقــتــبــاس وجــهــي

ـــ ــي مـــع ال ــتــي عــن ــك ف ــال ــن ــــاو ه ث

ــــســــاح. ال ـــــــاء إب مــــن إال فــــقــــراء

ــوجــه الــحــزيــن ــال ــــام ب مل تــعــبــث األي

أتـــــراحـــــي... تــــذكــــري أن فــــحــــاويل

***

ــي ــح ــالم ــان..م ــوأم ـــا واملـــديـــنـــة ت أن

ــــواح ــــــؤس ض ــــــن..وب ـــال وط ـــــن ب وط

عزلتي نـــواحـــي يف نـــواحـــي ـــرسي ي

ــــي ــــواح ن إيل ـــــي ـــــاق آف ـــــــــرد وت

ــدور ــاور يف ص ــس ــشــك امل ــا ذلـــك ال أن

األرواح ـــة ـــن ـــي ســـك ـــــــيـــــــاء األول

ــه يف ــل ــاع ال ــع ــن ش ــا تــبــقــى م ـــا م أن

.. غـــفـــران الـــســـامء املــاحــي.. الـــوثـــنـــي

ســالالت من املصفى الــدمــع ــر آخ ــا أن

ـــــــــــراح األت وعـــــــرائـــــــس األىس

مهدي منصور

الظل فجر داكن

نصوص

Page 29: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 29

راشد عيىس

ماذا عليك؟

ماذا عليك إذا غضبت بأن تحاور إصبعك،

وتشم عطر قرنفلة ؟

ماذا عليك إذا افتقرت ومل تجد قرشا معك ،

أن تكتفي بالخردلة ؟

عك ، ماذا عليك إذا عشقت وبيت قلبك لو

أن تستكن بدمعة متبتلة ؟

ماذا عليك إذا الصديق غدا العدو وأوجعك ،

أن تلتقيه بسنبلة ؟

ماذا عليك إذا رصخت بأمة فقدت هويتها

ومل تنظر إليك لتسمعك ،

أن تستيضء بنجمة مرت بليل املرحلة ؟

ماذا عليك إذا الطريق لوى خطاك وضيعك ،

أن تحتفي بالبوصلة ؟

ماذا عليك إذا نبا بك طائر الحلم الجميل

ليخدعك ،

له ؟ أن تنتي وتدلل

ماذا عليك إذا رضبت جذور حبك يف الحياة ،

وجاءك املوت الويف ليقلعك ،

أن تتقيه بضحكة متمهلة ؟

ماذا عليك ! اصرب عليك ! اضحك عليك !

عيدة عند موت ماذا ستنفعك اإلجابات الس

األسئلة ؟!

هذي حياتك يا بني فراشة يف موقد

أو وردة يف قنبلة !!

ـــــن داك ــــــوت ص ـــل ـــظ ـــال ف ـــأيس ـــي ت ال

ـــد املـــصـــبـــاح.. ـــائ ـــص ـــع ق ـــر..رج ـــج ـــف ـــل ل

ين ـــد ـــه ـــــــال الـــــريـــــاح ت ـــــم أرت ــــا رغ أن

ـــي.. ـــاح ـــري ـــا ل ـــه ـــون ــــص عـــــــزم جـــن ــــت أم

ــد اإلبــا ــم ــر مــن غ ــج ــف ــس ال ــم ـــــل ش وأس

ــي ــالح ــــــأس س ـــر ب ـــم ـــع ـــل ال ـــي ـــــــق ل ألذي

ــض هــامــه ــف ــخ ــد حــــني ي ــص ــق واملــــــوج ي

ـــــي... ـــــامح ج ــــــــام أم تـــعـــلـــو دىن أال

ــنــا ــة حــب ــظ ــح خـــطـــي بـــغـــري الــــوقــــت ل

ــــي ــــاح ــــدى..وارت ــــن ال ورد ـــــدي ـــــوس وت

ــه ــوم ــج ن كـــــل الــــتــــاريــــخ يـــنـــحـــر مل

صــــاح ــــــض وم ـــود ـــق ـــن ـــع ال يف زال ــــا م

ـــن مل ــــــاح ــــــام..أت ــــــل ح أىت ســـجـــنـــي

ـــــراح ـــــم ــــــب امل ــــــواك يــــتــــوســــلــــون ك

ذواتـــهـــم بــــــأرض ـــا ـــن وط يـــوقـــظـــوا أن

رساح.. دون الـــــــــورد ـــــري أس ــــا ــــن وط

ريام

لعد ا

ها ج

انفن

ال

Page 30: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 30

أوائـــله الحـــــــــــــــاين ليله من ومر

غــفوتها الطـــــــني صحوات وألبست

لشاعـرها أنثى جـيـــــــــدها وأسلمت

نسمـته الــفــجــر قــبــل الــفــجــر وأرســــل

ــع كــاتـــــمــه ــل ــب ض ــي ــــل حــب وضـــــم ك

مـواجدهم ـــي روح يف أســمــع وكــنــت

قـدم يف ــو ــط الخ إذ لــــألرض أرض ال

لريفـعـني طيني ــن ع ــطــني ال ــل ــرج ت

ــىل جـبـل ع نــهــوى ــن م نــار وأرسجـــت

ينفحـني الــطــور ـــذا ه ــب ــان ج لــعــل

جبـل إىل يلقى أن أطــمــع كــنــت ــا م

رحلـت ــا م حــيــث رحـــيل ـــة مث ــخــت أن

به تـنوء مــا روحـــي ظهر عــن وضــعــت

أفـق ـــــى إل ـــودي ن أن الــعــقــل وأربــــك

حــسـب مــن األرض يف مبــا نقيس كنا

صــدقـــت ــا ــه إن ــل ب ــت، صــدق ــا ــرمب ل

مـعارفـها قــالــت دحــيــت مــذ ـــاألرض ف

هــدف إىل ـــاض م أجــمــعــه والـــكـــون

يشــاركـني دريب هل الخطو كاتب يا

فراحـلــتي يب تــرفــق ــايب ــي غ اعــــذر

لها الـــــدلــيــل كــنــت ــي ــن إن تــقــل ال ال،

مـوردها كنت هــل قــائــدهــا، كنت لــو

مغـمضة الــجــهــل ــأمــر ب تــســاق كــانــت

علـمت ــا م فـــوق أين أعــلــم كــنــت ــل ب

ــد مــنــتــصــف ــع ـــ ـــ ـــــال مــنــتــصــفــا أوب وم

كــــلف حشا الــنــجــوى طلعة وأشــعــلــت

ــزف ـــ ـــــزاف عـــىل خ ــحــت كــــف خ ــس وم

شـغـف عــىل مــــدت كــبــد عــىل تــحــنــو

ملعـتـرف يصغي أن لــلــصــمــت وطـــاب

ــل مــن ســـــدف ــي ــل ـــلء ال ـــرص م ــت أب ــن وك

عكـف دجـــى يف يـــرسي ــت ــوق ال ومــطــلــق

كـتـف عـــىل ــوال ــم ــح م شـــكـــواي ــــراق ب

فانكشفي نـــار يـــا ــال، ــب ج ــــت أرسج أو

ـــار والــــــــكـــــنــف ـــن ـــالم ال بــنــفــحــة مـــن س

مـلتحفي ـــار ـــن ال ــن ــأم ب نــســجــت ــد ــق ف

الـــــوجـــــف ــف ــائ ــخ ال ــا مــطــاي إال ــاك ــن ه

ــف عــىل ســـــرف ــأس ــول فــلــم ت ــحــم مــن ال

يـقـف ومل يــــدرك مل املــــوازيــــن مـــن

بـمنحرف قسنا ــل ب األرض تخطئ مل

ــصــف ــن ــهــا ال ــزان نــحــن اخــتــلــفــنــا عــىل مــي

ــف ــل ك ــى ـــ ــل ع إال قــوانــيــنــهــا ومـــــا

ــدف ـــ ـــــاروا بـــال ه والـــنـــاس أكـــرثهـــم س

صــديف حــمــلــتــنــي أم ــخــطــو ال مـــزالـــق

عــصف مــســتــوحــش إىل ــاق ــس ت ــت ــل ظ

نــشف إىل سيقت ــم ك تشهد ــســت أل

ومــنتصفي عـــذري ـــل ـــورد،ق ال مــهــالــك

وكــنــت أحــســب متــــرا كــيــلــة الــحــشـــــف

خــريف ـــا وي جــهــيل يــا ــم، ــل ــع ال مــصــاعــد

عند مدين

ارعط

الاد

سعة

نانلف

ا

نصوص

Page 31: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 31

النضــر الصبــا فـــي غرامــا وجـاذبته

الحـــذر الغد ارتعاشات تجوب حــريى

والسمــــــر العشق ــدوي ب وشاطئـــا

القــــدر إطاللة فــــي الرتقب مــــن

العمــر ســاديــة فـي البدايــــات كــل

واملطـــر ــح ــري ال ــني ب الــظــل ــورة ــط أس

البصــر روحانية الجـــرح مخــــاوف

بالسفـــر اململـــوء الوجع عصــــارة

الخبـــر رعشة خيوطا فراودتـــــها

الحفر يف البيض ــومــضــات ال حــرية

بالظفــر ــود ــوع امل أمسها مـــن تــنئ

والجــزر الــشــطــآن ــىل ع ــــدروب ال ــه ب

ضجـــر وال ــزن ح ــال ب يطل فجــــرا

العطــــر الحريــــة بـــــدم ممــــلوءة

سعيد بن محمد املكتومي

صرخات الصمتالعطــــر الهــوى يف شوقــــا أغنته سلهــا

وأزمنـــــــة مســـافــــــــات وأسكنـــــته

وأرشعـــــة مــوجــــا طيفـــه وسامــرت

صــــورا املــــدى انبعـــــاثــــات وألهمته

علـــى نهــــــايــــاته املمتـــدة انصهــــرت

وانتحــــــــرت األيــام أوجه واستبدلت

وامتشقت السمـــر الــرحــالت وامــتــدت

نبوءة الرمل تغـــيل يف محـــاجـــرهــــــــا

عبـــــــاءتها اآليت الزمــــــن عن أخفت

وامتعضت البكر األمــنــيــات واغتيلت

أرصفـــــــة الصمت نزعات وأمــطــرت

عـــــبثت الذي الحــــــلم رائحــــة هناك

ناظــــرة الثــــورات تخــــتمر هنـــــاك

بــأوردة عزمـــــا صباحاته تســــري

سـبب ويب مـــعـــذورا ــت ــن ك ــي ــن ــل ــع ل

نــسـجت أن الــقــول عنكبوت تتهم ال

مــنســجه ــاس ــن ال بخيط النسيج ــان ك

غــدا كتبت مــا كفي اآلن،ي تكتب ال

فطنت ــا م كيف ـــيل، أم كنت ـــذي ال أنــا

مرتـبـكا ــاس ــن ال دون كنت ــا أن وحـــدي

حلـمي مــن أدمــيــت لقد دريب ــوك ش ــا ي

بـها الــطــغــاة يستعيل ــن( ــدي )م ـــادرت غ

صـلـف ــى ــن امل مـــاء عـــىل ــقــابــضــني ــال ب

غـفـلوا ــن وم والــعــطــى مــديــن ضــعــاف

غــدهــم يف مــاء ال ــدهــم، ي يف نــار ال

ــن ـــ زم إىل أعـــــى زمـــــن ـــودهـــم ـــق ي

ــف فـــــارغــة ــص غـــادرتـــهـــم، وجــــــراري ن

علـمـني ـــب ـــري ال ومـــحـــك ــم ــه ــادرت غ

بــعـثت مــا ميــنــاك يف اآلن مــن فاقبض

يــــوسفكم أمـــر ــن م أنـــا ـــريء ب وقـــل

للـجـنف الــخــطــو ســــوي عــن ــي ــن ــال أم

ـــار والـــــســجـــــف ـــت مـــن املــعــاذيــر واألس

ضــعـــــف ـــن م ــه ــوي ــحـــ ي ـــا م ــــني ب اآلن

صحـفي ــاحــوت م أخــى كــتــابــك، أخــى

تلـفي ــه ــت ــي ــل ـــ أم ـــا م أن جــــوارحــــي

ــال هـــــدف ــل حــــــــطــابــا ب ــي ــل كــحــاطــب ال

نــزف ــىل ع أمـــي ــصــربهــا ال ــئ ــواط م

ــرتف ـــ ــغ مل ــل ــض ف ــم ــه ــائ ـــ م يف ـــيـــس ول

ــزف ــع ــارى ارتـــبـــاك الـــــعــاجــز ال ــي ــح ــال وب

أســـف ــن م ــني ــال ح ــىل ع والــقــاعــدون

كــلـــــف وال ــهــد جـــ ـــال ب مــســتــضــعــفــون

ــرف ـــ ج إىل أغـــبـــى ــــن زم إىل أعـــمـــى

ــلـــــف ت عـــىل أوىف ــه ــف ــص ن ــا ــه ــف ــص ون

صلـف ــى دج مرمى عــىل اليقـــــني أن

الــنــــــــزف ــك ــاع أوج ــن م ــور ــن ال مـطالع

ــا ملــخــتــطــف ــب ــه ــي ن ــف ــوس ـــاريك ي ــــ ـــا ت ي

Page 32: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 32

تقديم كتابه األحدث، الذي حمل هذا العنوان املفاجئ: »يف البحث عن ال يشء: مقاالت مختارة، 1998 ـ 2008«، يقول الناقد

املرصي ـ األمرييك إيهاب حسن: »هذه مقاالت مختارة، حني يطمح العمر، وقد أعيته السنون، إىل براءة ثانية، فال يبحث عن يشء،

ومع ذلك فإنه يظل مدفوعا بشباب ملحاح«. وهذا إقرار جديد، من ذهن فائق التأمل وفريد االستخالص، بأن تعقب املفاهيم الشائكة ال

يفيض بالرضورة إىل انكشاف »براءة« أصولها، بل قد ينتهي باملتأمل إىل النقيض: فقدان الرباءة!

إيهاب حبيب حسن، ملن ال يعرفه بعد، ولد يف القاهرة عام 1925، وهاجر إىل الواليات املتحدة عام 1946، حيث يقيم ويعمل يف تدريس

األدب بعد أن تخىل عن الهندسة، اختصاصه الدرايس األصيل. وهو يحتل موقعا متميزا، سواء عىل الصعيد األكادميي األمرييك والعاملي

)إذ حارض ودرس يف قارات العامل الخمس(، أو عىل صعيد النظرية والدراسات النقدية. ومنذ عام 1961، تاريخ صدور كتابه األول »الرباءة

الراديكالية: دراسات يف الرواية األمريكية املعارصة«، وحسن يجري سلسلة تنويعات عىل مبدأ نقدي متامثل، يساجل بأن السمة املركزية

يف األدب الحديث و»ما بعد الحديث«، خاصة هي العدمية الراديكالية، يف مسائل الفن والشكل واللغة.

هذا، يف عبارة حسن الشائعة، هو »أدب الصمت« الذي »يدور حول نفسه، وينقلب عىل نفسه، ليك يعلن الرفض التام للتاريخ الغريب،

ولصورة اإلنسان كمقياس لألشياء جمعاء«. وبغية التعمق أكرث، أصدر حسن كتابه الثاين »أدب الصمت: هرني ميللر وصموئيل بيكيت«،

ثم أعقبه بكتابه األشهر، واألهم رمبا: »تقطيع أوصال أورفيوس: نحو أدب ما بعد حدايث« )1971(. وإجامال كانت النتائج تنتهي بهذا

األدب إىل االغرتاب عن العقل واملجتمع والتاريخ؛ واختزال جميع االلتزامات الطبيعية أو املختلقة املفروضة يف عامل البرش؛ واستثامر

حاالت الذهن القصوى، مبا يف ذلك االنفصال عن الطبيعة، أو اللجوء إىل األمناط املنحرفة من امليول الحيوية واإليروسية؛ وسلخ اللغة

عن الكالم اليومي، مبا يف ذلك تحريف األفكار التقليدية حول الشكل؛ مناهضة كل ما يتصل مببادىء مثل »السيطرة«، و«الحكمة«،

و«الثبات«، و«النسق التاريخي«.

ويف دراسة رائدة بعنوان »نحو مفهوم ملا بعد الحداثة«، اشتهرت ألنها منحته سلطة التنظري للمفهوم بأرسه، حاول حسن تقديم تخطيط

مدريس توجيهي وتجريبي لظاهرة ما بعد الحداثة، وجهد يف توسيع نطاق هذا التخطيط املقارن مع الحداثة، فرسم موشورا عريضا من

األسامء والتيارات واألساليب... ليك يتجنب، أغلب الظن، تلك املهمة العسرية، املتمثلة يف اعتصار تعريف ما، لحركة عجيبة غامئة املالمح.

والنزاهة التاريخية تقتيض التذكري بأن الفرنيس جان ـ فرانسوا ليوتار، الذي يتفق الكثريون عىل اعتباره فيلسوف ما بعد الحداثة األول،

كان قد اعتمد عىل أعامل حسن يف إقامة معظم دليله الثقايف. والكثريون، قبل حسن وبعده، بذلوا محاوالت مامثلة ال تقل نزاهة ومشقة

وحرية، ولكنها مل تخرج يف الجوهر عن املعيار الذي طرحه حسن يف صدر مقالته، عىل هيئة تساؤل أقرب إىل عالمة تعجب: »هل يف

وسعنا حقا أن نتصور ظاهرة، تعم املجتمعات الغربية إجامال وآدابها خصوصا، فتحتاج إىل ما مييزها عن الحداثة، وتحتاج إىل تسمية؟«.

ويف عمل صدر سنة 1995 بعنوان »إشاعات التغيري: مقاالت خمسة عقود«، كان أقرب إىل السرية الفكرية ـ الذاتية، عالج حسن إشكالية

التنظري النقدي، متكئا عىل الروايئ األمرييك هرني جيمس، الذي اعترب أن النظرية األدبية تجابه أوال بتهمة السخف، ثم تقبل بعدئذ

إما ألنها صحيحة أو ألنها باتت واضحة، وأخريا تصبح شديدة األهمية إىل حد أن خصومها القدماء ينسبون إىل أنفسهم فضل اكتشافها

أوال. ويعلق حسن: »ما البدائل عن النظرية املعارصة، واإليديولوجيا، وخطاب ما بعد الحداثة، بكل استفزازاتها وموارباتها؟ ال يشء، كام

أعتقد، وليس يف املدى األعرض عىل األقل«.

اعرتاف بالغ الداللة، يتجدد اليوم أيضا مع كتاب حسن األخري، ويبقى جوهر داللته أنه يأيت من أحد اآلباء املؤسسني ملصطلح شاق عسري،

يواصل حضوره يف املشهد اإلبداعي كام يف النقد التنظريي والتطبيقي؛ ليس دون بحث، ال يقل مشقة وعرسا، عن تلك الرباءة املفقودة

صبحي حديدي

براءة إيهاب حسن

يف

..............................................................................................................

نظريا

Page 33: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 33

.............................................................................................................

القصيدة العمودية في المغربالتاريخ ووشائج الحب بين ضفتي الماء

عبداللاطيف الوراري

ملف

واجهت القصيدة العمودية الكثير من التحوالت، وفي الوقت الذي أخلص لكتابتها جمع من الشعراء نجد منتميا البعض ظل حيث لذلك واضحا انعكاسا نرى المغرب وفي كتابتها. مرحلة تجاوز من هناك أن بعد ظهور العديد من أشكال وقوالب الكتابة الشعرية، »العمود« لقصيدة العمود العربية التي سميت ب

التي فرضت هذه التسميات ،فيما انخرط البعض اآلخر بالكتابة الحديثة.المغرب العربي غني بأسماء وأعمال شعرية كثيرة ومهمة، ولقد كانت قصيدة العمود المغربية محل اهتمام ومتابعة لما حققته من حضور وتطور، لذلك ظلت هذه القصيدة في دائرة الضوء، وإلى اآلن نقرأ قصائد

كتابها بالرغم من تحديات عديدة أحاطت بها وتعلقت بمتغيرات العصر الحديث.

Page 34: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 34

من الشعر العربي إلى ثقافات أخرى كان يصدح

في ليل القصيدة لسان حقيقتها، ومن شرط إلى آخر كانت ال تكف عن سياساتها داخل خطابها

المفرد والنوعي. الخطاب باعتباره فعالية لغة الذات في المجتمع والتاريخ. إن الكتابة، وبخاصة كتابة

القصيدة، ال تكون ممارسة نوعية إال في الرؤية النوعية للذات عبر التقعيدات االجتماعية والثقافية،

وهذا ال يتم إال عندما يمثل الشعر الوجه الكاشف للمجتمع الذي يرتهن به الشاعر كفرد، وللغة التي

تأوي وجوده كإنسان. إن القصيدة، كخطاب وتعبير، هي، في نهاية التحليل، تاريخية، ليس ألنها تحمل

تاريخها، بل أيضا مكانها وعبورها في األزمنة والثقافات. داخل أوضاع الكتابة ومعايير الجنس

األدبي، أوخارجها. يف مطلع الشعر العريب القديم، كان الشاعر لسان القبيلة يف

الحرب والسلم، وراعي أيامها وذاكرتها، وكانت القبيلة مهام

بلغت من بأس تقف عاجزة أمام القبائل املنافسة لها إن مل

يظهر فيها نابغة من شعراء وقتها يأمن لها صيتها ووجودها.

ويحىك أنه »كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت

القبائل فهنأتها، وصنعت األطعمة، واجتمعت النساء ليلعب

باملزاهر«. هذا الدور كان يجسد تجانسا لغويا وسيكولوجيا،

وتعاقدا ثقافيا واجتامعيا بني الشاعر وأفراد القبيلة، وهو

ما جعل العالقة بينهام أكرث قربا وفهام مام ترتب عنه أن

يتبوأ الشاعر منزلة رفيعة يف السلم االجتامعي، ويجعله

مصدر تفاخر وتناحر بني القبائل، ويجعل لشعره بالغ

التأثري يف النفوس، ومع التحوالت التي طرأت عىل التشكيلة

االجتامعية، تراجع دور الشاعر قبليا لكن دوره مل ينته

اجتامعيا. صار دوره ميثل املجتمع، ويعرب عن أعرافه وقيمه

التي كانت تتململ بالنظر إىل البنى املتحولة، باعتبارها

عامال محركا ملنظومة املشاعر واألحاسيس التي تعتمل يف

وجدان املجتمع وكيانه الناشئ، عالوة عىل أنه صار يطمح

أكرث إىل نيل رضا اآلخرين وإعجابهم بعدما بدأت تظهر إىل

الوجود فئات جديدة من املثقفني تنافسه.

ويف تلك األوقات من زمن الشعر، كانت القصيدة العربية

تتلون بلون الثقافة التي تحياها، وترتهن للقيمة املهيمنة

التي ترشط العرص نفسه، مع ما يصري من ذلك من تأثري

وتأثر يفعل، سلبا أو إيجابا، يف البنية الجاملية للقصيدة.

وعليه، مل يكن هناك منوذج واحد يقدمه الشاعر عن نفسه،

بل رافقته مناذج كثرية بداية من عرص صدر اإلسالم تحت

تأثري»الدعوة«، وعرص بني أمية يف غمرة الرصاعات السياسية

بني األحزاب واملذاهب، وهلم شعرا. ومل مير التاريخ دون أن

يرسم لنا خروجات القصيدة عن املجمع عليه ثقافيا، فيام

هي تجدد آليات عملها ورؤيتها إىل األشياء والعامل داخل

ما عرف يف املدونة النقدية بـ »رصاع القدماء واملحدثني«.

نذكر، هنا، مغامرة أيب نواس وأيب متام أساسا. ولكن الشعراء

يف مجملهم ظلت قصائدهم تشبع استجابات املتلقي، وال

تخلخل فيهم روح الكشف والسؤال، إال إذا استثنينا املتنبي

بخطابه الحكمي، وأبا العالء املعري برؤيته املتفلسفة،

وفية الذين ظل واستثنينا لفيفا من شعراء الصعاليك والص

تأثريهم معدما، بحكم عزلهم أو اعتزالهم. من اإليقاع إىل

جهل القيمة.

يف عرص النهضة، فتح الشعر العريب عينيه عىل عامل

متحول. وبالرغم من وظيفته اإلحيائية، أو بسببها، ال

يستطيع أحد أن ينكر ما كان يستقبل به شعر البارودي،

وشوقي، وحافظ، والرصايف، وبدوي الجبل، والجواهري،

والشايب، وبشارة الخوري، والربدوين، ومفدي زكريا، ومحمد

يبدو لي أن مصطلح )القصيدة العمودية( خادع

وفضفاض، لكننا عندما نستعمله اليوم فإننا لن نهجر

لــط الذي ترتب ميدان السعليه السجال النقدي، إذ حل

العرف الذي جرى به محلعري. األصل في العلم الش

ملف

Page 35: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 35

بن ابراهيم وغريهم من حظوة القوم واحتفائهم، وما كان

يشعله من الحامسة، ويلهبه من األحاسيس، ويستنهضه

من الهمم. ومل مينع ذلك من نشوب الخصومات الكثرية

بني املحافظني واملجددين، إال أن الجميع ـ شعراء ونقادا ـ

كان يقر يف أذهانهم وأسامعهم ما ثبت للشعر من طبيعته

ووظيفته؛ ومن مثة يحظون باحرتام املتلقي وقناعته. وكانت

قصيدة شوقي تتصدر الصفحة األوىل من جريدة األهرام،

وقصيدة لحافظ إبراهيم تشعل حامس املتظاهرين ضد

سياسة االستعامر الربيطاين، كام كان أهل مراكش يذكرون

يف مجالسهم كل قصيدة جديدة ملحمد بن ابراهيم، وذلك

أيام كان الشعر يتصدر كل أنواع الفنون، ويحتفظ بسلطته

وكربيائه التاريخي.

من عمود الشعر إىل الشعر العموديانطالقا من جهود الجاحظ وقدامة وابن طباطبا تحديدا،

سوف تلوح يف األفق نظرية أولية للشكل الشعري، ميكن

لنا أن نتمثلها يف ما اصطلح عىل تسميته بـ)عمود الشعر(،

كام أرىس قواعده القايض الجرجاين وأبو عيل املرزوقي. ولقد

كشفت تلك القواعد الواضحة إواليات الشكل الشعري من

خالل وضع جملة من العنارص والعيارات التي يجب عىل

ر، د تصو عر. وهكذا حد الشاعر االلتزام بها: صناعة الش

سوف يرتسخ مع الوقت، ينظر إىل القصيدة كمبنى غري

قابل للفصل عن املعنى، أو العكس، ووفق هذه الكيفية أو

تلك. بالنتيجة، نظر إىل املبنى بوصفه قالبا لفظيا ـ وزنيا،

به يتم حسن النظم واتساقه الذي توافقه جملة رشوط

عروضية وبالغية تحكم عليه بالتناسب أو التنافر. هكذا، مل

يعد يقصـد بالشكل املبنى، بل عنارص القصيدة كلها، مبا يف

ذلك العنرص الداليل الناظم لألغراض والثيامت والتأثريات

النفسية. وليس اإليقاع، وإن بتسميات مختلفة مخصوصة،

إال نتاج تفاعل بني الصوت والداللة، وهو غري الوزن الذي

يتمتع بوجود سابق للقصيدة. سوف نكتشف ذلك يف

التامعات علامء البالغة والنقد وحدوساتهم وآرائهم، ابتداء

من هذه الفرتة التي أرخت لبدايات نشوء علم حقيقي

بالشعر، وضع نصب عينيه معرفة القوانني العامة التي

تنظم األعامل الشعرية وتتحكم بصناعتها ورؤيتها الخاصة

إىل الذات والعامل واألشياء. وميكن القول إن هذا العلم،

أو الشعرية كام تواضعنا عىل تسميتها حديثا، مل يتوقف

عند الجانب الوزين ـ الشكيل واللغوي للنص الشعري،

وإمنا تجاوزه فيام بعد إىل كشف القواعد الرتكيبية، وإبراز

آليات إنتاج الداللة وقيمها وبحث الكليات الناظمة لها، يف

تساوق مع حركة البديع التي أطلقها املحدثون. إنه مجموع

عري، مستفيدا من تلك الخالصات التي انتهى إليها نقدنا الش

املسائل التي يتعرض لها علامء البيان يف القرآن، ويف الشعر

واألدب عامة، فقر يف االعتقاد أن األصول التي بني عمود

عر عليها بدت توحي بأن منهجا عربيا يف النقد بدأ الش

يتشكل، ال يخضع للبديع فحسب، وإمنا ينفتح عىل أصول

ومصادر أخرى، قرآنية وبالغية وفلسفية ورياضية. ومل يعد

هم النقد والتحليل البالغي يف الشعر إبراز وجوه البديع

ومحسناته الصوتية، بل أيضا كشف ما يرتبط به من سهولة

العبارة وترابط األجزاء، وحسن التخلص والخروج، واتفاق

األلفاظ واختالفها بني الجودة والرداءة، ثم ما يراعي ذلك

من تناسب مع املعاين والصور البيانية. ومل يكن ذلك ليتم

لوال ما ملسه العلامء بالشعر والبالغة يف الشكل الشعري

القصيدة العمودية في المغرب

Page 36: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 36

ر يف عنارص ماديته التي تشكل املستوى املحسوس من تطو

للنص، وال يستمد وجوده إال بها: كلامته، صوره، وصياغته

اللغوية، وإيقاعه بالتايل.

عمود الشعر، ال الشعر العمودي أو القصيدة العمودية.

ال نجد أيا من املصطلحني يرد يف كتب النقد القديم، وال

قال بذلك علامء الشعرية العربية، إال أنهام ترددا، بقوة، يف

السجال النقدي الذي صاحب أو أعقب ظهور حركة الشعر،

ثم قصيدة النرث تاليا. حصل خلط لدى كثريين يف استخدام

مصطلح العمود، واستغل البعض منهم ذلك لحرق املصطلح

وشحنه بداللة قدحية ومضمون إيديولوجي مغرض. فلم

يكن املقصود بالقصيدة العمودية، وال الشعر العمودي،

ما توافر فيها من عمود الشعر بخصائصه التي تقر بقدرة

الشاعر وامتالكه ناصية القول الشعري، بل هي باألحرى

كل قصيدة تنهج منط الشكل القديم والبناء التناظري ذي

الشطرين املتقابلني: أسبقية النظم وخطاطاته املعدة سلفا

من حيث الوزن والقافية. كل قصيدة موزونة ومقفاة

ومتناظرة الشطرين هي قصيدة عمودية، بغض النظر عن

ه شعريتها من عدمها. وعىل هذا النحو بدأ السجال ووج

مبقدماته ونتائجه املعروفة. وبناء عىل ذلك، تم تصنيف

كل الشعر العريب الذي كتب قبل ظهور تلك الحركة تحت

يافطة الشعر العمودي عىل نحو تجميعي ال تاريخاين،

واعتباره نوعا من الشعر يف مقابل الشعر الحر، والشعر

املنثور الذي أخذ صفة قصيدة النرث وتلبس بها.

يبدو يل أن مصطلح »القصيدة العمودية« خادع

وفضفاض، لكننا عندما نستعمله اليوم فإننا لن نهجر ميدان

السلط الذي ترتب عليه السجال النقدي، إذ حل العرف

الذي جرى به محل األصل يف العلم الشعري. ومع ذلك،

بإمكاننا أن نراجع النظر فيه ونوجهه بداللته االصطالحية

التي تأخذ باعتبار تاريخيته ونجاعته يف التمييز والتقويم،

دون أن نعمى عن مدى مرونته وانفتاحه عىل العرص،

وتالقحه مع بقية أشكال الشعر استجدت إىل أيامنا، إذ ال

زال الشعراء من كل األعامر والحساسيات يتعاطونه ومل

يعدموا اإلبداع من خالله.

نعني مبصطلح القصيدة العمودية تلك القصيدة التي توافر

لها ما يأيت من خصائص الشكل ما ال يقعد عن تحديثها

والتامس شعريتها وتحقيقها بدرجة وأخرى، ومن ضمنها:

ـ أن تعتمد يف بنائها الشكيل نظام الشطرين املتناظرين؛

ـ أن تنظم يف أحد البحور أو األوزان الشعرية املعروفة؛

دين، وقد يحصل أن ـ أن تنتهي أبياتها بقافية وروي موح

يجري تنويع فيهام بنسبة ما،

ـ أن تنتظم يف مقاطع ألفبائية أو مرقمة، أو تكون معلومة

بأيقونات وإشارات ورموز هندسية؛

ـ أن تطول أبياتها أو تقرص بحسب املناخ النفيس والتدفقات

الشعورية لذات الكتابة،

ـ أن تتصل األبيات فيام بينها اتصاال عضويا ال اختالل فيه؛

ـ أن تتحرك داخل موشور من املوضوعات والتيامت

واألغراض التي تؤديها بطريقة جديدة لغة ورؤية وتصويرا،

ومن األساليب الحديثة التي تقف بها عند غنائيتها )أسلوب

رسدي، ملحمي، درامي..(، مع ما يستتبع ذلك من استخدام

طرائق الرمز واالنزياح والتكثيف إسوة بباقي أشكال الشعر

األخرى.

القصيدة العمودية باملغرب »من لعنة الصاحب بن عباد إىل ظلم ذوي القرىب«

فرضت كتب تاريخ األدب العريب، مبا فيها الحديثة،

»لقد بات الكثير من نقادنا اليوم ينأون بأنفسهم عن

القصيدة العمودية، أو شعرائها المتميزين، وكأن

التعامل مع هذا النمط الشعري سلوك محرج، أو تهمة يتوجب أدواتهم المستخدمة

عادة في تحليل الشعر، أو تأويله.«

علي جعفر العالق )هاهي الغابة، فأين

األشجار؟، ص42(

ملف

Page 37: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 37

مركزا وهوامش؛ ففي الوقت الذي سلط فيه الضوء عىل

حركة اآلداب يف العراق وبالد الشام ومرص باعتبارها متثل

املركز واألثر، مل تلق هذه الكتب باال بواقع اآلداب يف دول

الخليج العريب واليمن والسودان والبالد املغاربية باعتبار

أنها متثل الهامش والصدى. وإذا كان لدينا اليوم تراث من

عرص النهضة يتحدث عن جالئل األعامل التي اضطلع بها

الرعيل األول من روادها يف سبيل نهضة األمة والعودة بها

إىل روح العرص، إال أن أكرثنا ال يعرف ـ متثيال ال حرصا ـ ما

أسداه أهل املغرب من فضل أيامئذ. وبسبب هذه الهامشية

الجغرافية، وقبل ذلك لعنة الصاحب بن عباد التي ظلت

ترتدد عرب العصور وتقدم نتاج املغاربة األديب كـ»بضاعتنا

ردت إلينا«، ثم حجاب العبقرية األندلسية بآثارها الباذخة،

فقد تكرست لدى كثري من املشارقة صورة أدب مغريب

هامي ومجهول وغري متضح الهوية يف أذهانهم.

لقد كانت كتب التاريخ األديب ال تدخل، عن جهل

ونرجسية، يف حسابها ما كان يكتبه املغاربة من شعر،

معتقدة بأنه نسخة ألثر مرشقي أو صدى بعيد عنه، وهو ما

مل يقيض لها أن تتعرف عىل شخصيتهم الشعرية الخالصة،

وأشواقهم الخاصة، ممهورة بسؤال املغرب ومكانه الحضاري

ع. وبالتايل، مل يتح للدرس النقدي الحديث والثقايف املتنو

أن يتداول إنتاج املغاربة الشعري، إال بداية من املرافعة

التاريخية للعالمة عبد الله كنون التي أثارها يف الثالثينيات

من القرن الفائت، وهو يصدع ب»النبوغ املغريب« يف كتاب

يحمل العنوان نفسه. لقرون طويلة ال تعدم روح الكد

ومحاولة إثبات الذات، مل يتوان شعراء املغرب عن اإلبداع

يف سبل الفكر واألدب، حتى أمكن للشعر املغريب الحديث

أن يسمع صوته، ويفرض حضوره مبا وسعه اإلمكان، فلم

يعد النبوغ مقيام يف تفاصيل التاريخ وشوارده، بل الفتا

وجالبا لإلعجاب واملكرمة، منذ بدايات القرن العرشين عىل

األقل.

قرن من الحضور يف التاريخ وإثبات الذاتانتهى الشعر يف الربع األخري من القرن التاسع عرش إىل

حالة جمود، إذ صار موضوعه مرتبطا يف األغلب مبوضوعات

العلوم واملعارف األخرى، حتى تحول إىل مجرد نطم به

تؤذى العلوم الفقهية واللغوية، ووسيلة لحفظ الشواهد

يف معرض علم النحو والبالغة ورواية املثل السائر، بعد أن

صارت »معظم علوم األدب آلة لفقه«. بل إنه تحول إىل

مجرد مطية يركبها الناس للوصول إىل تولية بعض املناصب

القضائية واإلدارية. وكان شعر املناسبات الدينية والرسمية

هو السائد مع ما يغلب عليه من تقليد وإسفاف. إال أنه

بداية من القرن العرشين، وتحت تأثري الحركة السلفية،

عبدالله كنون

محمد بن ابراهيم املراكي

القصيدة العمودية في المغرب

Page 38: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 38

أقبل الشعراء املغاربة عىل النظم يف موضوعات تهم

الدعوة إىل اإلصالح وتحرير الفكر؛ ثم رسعان ما ظهر ثلة

من الشعراء أطلق عليهم »شعراء الشباب« الذين تأثروا

باملدرسة اإلحيائية يف الشعر عرب ما كان يصلهم، من املرشق

العريب، من أعامل شعرائها، ومن كتابات نقدية مصاحبة

لطه حسني والرافعي والزيات والعقاد.

لقد خلق شعراء من أمثال القري، وعالل الفايس، ومحمد

املختار السويس، ومحمد بن إبراهيم امللقب بشاعر الحمراء،

وعبد املالك البلغيثي وسواهم، واقعا جديدا كان إيذانا

مبيالد شعر النهضة يف املغرب، وهو شعر يلتقي يف صيغته

بصيغة املدرسة اإلحيائية. ومل يكن هذا الواقع يخلو من

رصاع بني املجددين واملقلدين، كان يرجح إىل كفة أنصار

التجديد بحكم نشاطهم النقدي ونجاعة تصوراتهم يف

ضوء املفاهيم الجديدة التي آمنوا بها ورشعوا يف نرشها

وترسيخها، مؤكدين عىل أهمية رسالة الشعر ورفضهم

التقاليد الشعرية املتكلسة، وذلك ما يظهر جليا من نقود

محمد بن العباس القباج، وعبد الله كنون، وعبد الله

إبراهيم، وعبدالسالم العلوي، وأحمد زياد وعبد العيل

الوزاين. وبعد أن تم التعرف عىل التيارات الذاتية املجددة

من قبيل أبولو والديوان والرابطة القلمية، ولد جيل جديد

من الشعراء رسعان ما عمل عىل خلق حركة شعرية

جديدة يف موضوعاتها وأساليبها الفنية، وكان من أهم

أفراده عبدالقادر حسن، وعبد الكريم بن ثابت، ومصطفى

املعداوي، وعبد املجيد بنجلون، وعالل بن الهاشمي

الفياليل، واملدين الحمراوي، ومحمد الحلوي، عىل اختالف

مستويات حضورهم ودرجة اقرتابهم من املذهب الرومانيس

أو الواقعي، وإن أجمعوا عىل التخلص من تقاليد القدماء

ومحاكاتهم، ورضورة التزام الصدق يف التجربة والتصوير

الفني، من الذات إىل الواقع. لكن الرصاع عىل ميدان الفكر

الشعري كان دامئا يتجدد بتأثري من تقلبات املجتمع وأحوال

السياسة، مثلام الرصاع هذه املرة بني تيار التجربة الذاتية

وتيار االلتزام. وإن كان املرشق العريب ال يزال يشكل رافدا

ال غنى عنه، إال أننا وجدنا بعضهم من شعراء ونقاد متأثرا

بالرافد األورويب، والفرنيس تحديدا، فيذكر مناذجه، ويعقد

املقارنات واملوازنات بني األدب العريب واألدب األجنبي، وهو

ما أغنى النقاش النقدي وساعد الشعراء عىل تلمس سبل

جديدة يف اإلبداع الشعري.

بعد استقالل املغرب، وابتداء من ستينيات القرن العرشين،

توجهت القصيدة املغربية بضفافها خارج التيارين املحافظ

والرومانيس الذين يتلقفهام جمهور الشعر، متأثرة بحركة

الشعر الحر التي انطلقت من أرض العراق مع الثالوث

الريادي : السياب، نازك املالئكة والبيايت، وذاعت يف أكرث

البالد العربية بفضل املجالت األدبية واملجاميع الشعرية

التي كانت تنتظم يف الصدور. كان معظم ممثيل هذه

القصيدة من الشباب املغريب الذي نال حظا من الثقافة

والتعليم الجامعي، مبا فيه الذي تلقنه حتى من جامعات

بغداد ودمشق والقاهرة، وهو ما كان يعني صلتهم املبارشة

مبناخ تلك الحركة وزخمها العاطفي والفكري، من أمثال

أحمد املعداوي »املجاطي«، ومحمد الرسغيني، ومحمد

ملف

Page 39: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 39

الخامر الكنوين، ومحمد امليموين، وعبد الكريم الطبال،

وأحمد الجوماري. وإذا كان أكرث هؤالء قد كتب يف أول

عهده القصيدة العمودية مرتسام خطى سالفيهم، أو زاوج

بينها وبني قصيدة التفعيلة، إال أنه رسعان ما اختار أسلوب

القصيدة الحرة، لعقود تالية. وبناء عليه، ال نذهب مع

آخرين يف رأيهم بأنه كانت هناك قطيعة بني فرتيت تحديث

الشعر املغريب، أي ما قبل االستقالل وما بعده، بل هي

باألحرى تجسد موجات من زخم التجديد والرغبة يف

مسايرته تبعا لرؤى الشعراء وحساسيات ذواتهم وعرصهم

الذي كانوا يعربونه.

يف الوقت الذي كانت تحصد فيه قصيدة الشعر الحر

النجاح وتتطور بشكل متنام عىل يد شعراء ملكوا املوهبة

والخربة بأدوات الشعر وعاركوا مضايقه، بقدر ما كانت

توسع دائرة تلقيها تباعا، كانت قصيدة الشعر العمودي

تفقد تدريجيا حلبة القول الشعري األوىل، وتنحدر إىل

طريق مسدود بعدما غلبت عليها النزعة »املناسباتية«،

فبدت خلوا من التجويد الفني وصدق التعبري وحرارته.

وابتداء من سنوات السبعني، ظهر جيل من الشعراء

قدموا تجارب جديدة تولدت عن وعي فكري وأيديولوجي

أكرث منه آين وعابر. من أولئك من بقي منترصا لنهجه

التحرري يف االلتزام بقضايا املجتمع املغريب الذي كان مير

بفرتة عصيبة بعد اشتداد سنوات الرصاص، مبن فيهم محمد

الوديع األسفي ومحمد الحبيب الفرقاين وسواهام. ومنهم

من أخلص يف وعيه الشعري، تحت الدعوة إىل أدب إسالمي،

لتيار بدا نابعا بطبيعته من نزوعات الفكر اإلمياين والصويف،

إذ يهتم بهموم األمة ويستسلهم تراثها اإلسالمي امليضء.

وكان أغلب شعراء هذه التجربة ينحدرون من مدينة

وجدة رشق املغرب، وأهمهم: حسن األمراين، ومحمد عيل

الرباوي، ومحمد بنعامرة، ومحمد املنترص الريسوين وفريد

األنصاري. ولعل من أهم خصائص قصائدهم، عدا التزامها

ر قيمي وأخالقي شامل نظام الشطرين، أنها تستند عىل تصو

ينبع من ثقافة إسالمية، واعية ومتسامحة ومعتدلة ومتوازنة

بني ما هو ذايت وجامعي، وما هو دنيوي وأخروي. كام تتميز

بسامت فنية وجاملية تعتمد املشابهة والرتميز واإليحاء

بدون أن تسف إىل التهويم والضبابية والغموض.

منذ سنوات الثامنني إىل بدايات األلفية الجديدة، عرفت

القصيدة العمودية باملغرب فرتات انتعاش وركود تبعا

لحضورها يف املشهد الشعري، واهتامم املؤسسة األدبية

وإعالمها بها، ومدى فاعلية ممثليها يف السجال النقدي،

وتأثرهم بشعراء العمود املشارقة الكبار الذين طبقت

شهرتهم األفاق وأعادوا االعتبار للقصيدة، مبن فيهم

محمد مهدي الجواهري، ونزار قباين، وسعيد عقل وعبد

الله الربدوين. وأهم من مثلوها خالل هذه الفرتة، نذكر:

محمد الطويب، ومحمد بلحاج آية وارهام، وأمينة املريني،

ومصطفى الشليح، ومحمد لقاح، وإسمعاعيل زويريق،

وعبد الجبار العلمي، وحبيبة الصويف، وعبد السالم بوحجر،

والطاهر لكنيزي، وأحمد البقيدي، وبوعالم دخييس، عبد

الرحيم كنوان، متثيال ال حرصا. ومن جيل الشباب الذي به

تسرتذ عافيتها اليوم، نذكر: الطيب هلو، وحليمة اإلسامعييل،

ومصطفى ملح، وموالي رشيد العلوي، وصباح الديب، وموالي

الحسن الحسيني، ومحمد العيايش، وعبد العايل كويش،

وميلود لقاح، وأحمو الحسن األحمدي، وخالد بودريف،

ومحمد عريج، متثيال ال حرصا.

واملتتبع ملنجز القصيدة العمودية راهنا، يجد أنها تواصل

استثامر معطيات الرتاث الشعري بناء وبالغة وتصويرا،

بدون أن تقعد بها العادة عن انفتاح عىل العرص والتجديد

يف لغتها وموضوعاتها وطريقة نظرها للذات والعامل، ورمبا

استفادت ذلك من تقلب شعرائها بينها وبني قصيدة

فريد األنصاريحسن األمراينمحمد بن عامرة

القصيدة العمودية في المغرب

Page 40: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 40

التفعيلة يف الغالب، أو بينهام وبني قصيدة النرث لدى

بعضهم.

فمن جهة، بدت اللغة الشعرية بسيطة ومتخففة من

صور املعجم والبالغة القدميني لدى كثريين، كام خفت

الداعي املناسبايت إال إذا كان ذريعة ليك يربز الشاعر مواقفه

وهمومه من الواقع السيايس الوطني والقومي الضاغط،

وخفتت معه النربة الخطابية التي كانت دامئا ما تصاحبه

يف مثل هذه املوضوعات كام لدى مصطفى الشليح، وعبد

السالم بوحجر، وحسن األمراين الذي يقول يف قصيدة عن

»حامة«، مدينة )النواعري( التي تفجرت منها الثورة السورية:

بنت النواعري البهية أمطري من نرجس منه الجنان تفتق

بنت النواعري املنيفة أبرشي

ما بعد ليلك من ظالم يخنق

من خبأ التاريخ بني جوانحي حتى تغشانا الصباح املفلق

ومن الذي أنباك أين عاشق

ه اليمنى تألأل بريق؟ وبكف

قالت حامة وقد ملست جراحها: مر الزمان وأنت عان موثق

أو مل ينئ لك أن تصاحب فتية أقدامهم من سريها تتشقق؟

بنت النواعري ارشيب، واستوثقي

إين بذلت دمي، وعهدي موثق

إين أحبك، لست أكتم أمرها والحب أرشفه الرصيح املعرق

وكرس شعراء آخرون جزءا مهام من شعرهم للمديح النبوي

الذي عرف به املغاربة منذ أيام القايض عياض؛ ومنهم

الشاعر اسامعيل زويريق الذي عرب يف ديوانه »عىل النهج«،

بنفسه الشعري الطويل، عن هذا املنحى، منتهجا فيه

أسلوب املعارضة ومرتسام خطى الشعراء القدامى من أمثال

كعب بن زهري، واإلمام البوصريي، والبحرتي، واملعري، وابن

النحوي. فقد عارض«بنات سعاد« لكعب بن زهري بقصيدة

مطلعها:

بانت سعاد، فام للحزن متهيل الدمع منسجل والجسم مهزول

وعارض ميمية البوصريي بقصيدة مطلعها:

يا شايك البان كم يف البني من سقم ؟

شكواك تنساب لحنا دافق األلم

وعارض سينية البحرتي بقصيدة مطلعها:

يجهر البني ما تخفف نفيس

جا بعد كأس فسقاين كأس الش

وعارض »املنفرجة« املنسوبة أليب الفضل يوسف بن محمد

املعروف بابن النحوي بقصيدته »املرتجية« التي مطلعها :

إن ضاق األمر فال تهج فغدا قد يأيت بالفرج

كام ارتقى املوضوع الشعري لدى بعضهم ليأخذ تجليات

اسامعيل زويريقأمينة املرينيمحمد لقاح

ملف

لم يتوان شعراء المغرب عن اإلبداع في سبل الفكر واألدب،

حتى أمكن للشعر المغربي الحديث أن يسمع صوته،

ويفرض حضوره بما وسعه اإلمكان

Page 41: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 41

روحية وأبعادا إرشاقية وصوفية مثلام الحال عند محمد عيل

الرباوي، إذ ترتقي الذات الشاعرة إىل مصاف الرمز، وهي

تبتهل يف محراب الحب بقدرما تتشوف لالنطالق واالنعتاق

من مهوى الجسد. ففي أول قصيدته »يا جارة الوادي« التي

تتوزع أبياتها بني النمطني العمودي والتفعييل، يقول بلغة

تتقطر حبا وإرشاقا:

يا جارة الوادي..فتنت بلحظك الفتاك

وسلــــوت كل مليحـــــة فتــــانة إالك

بعدي أتاك ضحى ومن دمه الزيك سقاك

فنسيت كل تعاتب.. ونسيت كل تشايك

حتى طـــــوى جرح عميق مهجتي وطواك

ما يل أكتم يف الفؤاد هوى سام بسامك

ونوافذي اشتعلت عنادل غــــردت لفتاك

هذا الفتى عرف الهدى مذ صار من قتالك

ومع الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام والشاعرة أمينة املريني

تبلغ اللغة درجة من الشفافية إذ تعرب عن كنه الذات

وتجوهرها يف عامل يبنينه الخيال الصويف ومكاشفاته، بقدرما

ترتفع يف معاناتها مع الوجود وعامء أسامئه إىل الرغبة يف

من مفارقة الجسد واالنغامر مباء املطلق وتشهياته.

وتحت تأثري الواقع الشعري الجديد، مال كثري من شعراء

العمود، وال سيام من الشباب، إىل االهتامم بالذات يف

مستوياتها الوجدانية، إن بأسلوب يقرتب من الغنائية أو

يرتفي إىل التعبريية الرمزية. فمثال، يتخذ الشاعر موالي

رشيد العلوي من غرض الغزل سانحة ليعرب عن تجربة

وجدانية بأسلوب غنايئ يستلهم الطبيعة، فيام هو يجعل

الحب الذي يتحسسه بني دخائله امتدادا نقيا للوجود

وأرساره، ثم ال يتخذ املرأة التي يشغف قلبه بها امرأة

فحسب، بل أنثى املثال التي تيمته. يقول يف قصيدة

»احتفال« من ديوانه »عرائس«:

أرشق املاء يف عيون الغوانـي

يف جامل، ورقة، وافتتــان

وتهادى كأنــه يف احتفـال

مورق العرس ساحر اإلرنان

ينفث الهمس من جفون تدلت

ناعسات عىل نعيـم الجنان

عن بهاء يفيض بلــون بهيج

وتدان، وليتهـا مل تــدان

هي شمـس ودوحـة وظـالل

ومعني ينسـاب بني املعانـي

وهي أشهى من وشوشات خميل

يف هيام مع انسياب األغانـي

تيمتـني وكنت أهــال لوجد

فتدانت وقلت: روحي تـراين

مثل هذا األسلوب نجده يتكرر عند غري واحد ممن

تأثروا باالتجاه الرومانيس، فوقفوا بالشكل الشعري عند

جانبه الغنايئ، ومل يوفقوا بعد يف استثامر الجانب الدرامي

إال فيام ندر. وقد وجدنا نزوعا يف هذا االتجاه لدى شعراء

قد استفادوا من تقنيات الكتابة الجديدة التي تعاطوها

بإيجابية، وال سيام يف أبعادها التعبريية والرمزية التي تعيد

بناء تصورها للغة ودالالتها وتستثمر التناص التاريخي

والديني، مبن فيهم عبد السالم بوحجر ومصطفى ملح

والطيب هلو. يقول األخري يف قصيدته »الحب يل خرب..« من

ديوانه )هبيني وردا للنسيان(:

عر منتظر بلقيس أنت ورصح الش مرور عطر سها عن ورده الظمــأ

حليمة االسامعييلخالد بودريفمصطفى ملح

القصيدة العمودية في المغرب

Page 42: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 42

ما نكس القلب عرشا.. ما طوى زمنا عيناك أرض قصيدي.. إنها سبأ

أنا سليامن؟ ال.. ال الريح أملكها

قصائدي سندي والجن قد خسئوا

.. ما ارتد من وله الطرف منكرس

والعمر يركض، واملنساة تهرتئ

وإذا بدا املشهد الشعري املغريب اليوم تهيمن عليه

قصيدتا النرث والتفعيلة عىل التوايل، وقد حظيتا بحظوة

اإلعالم واملصاحبات النقدية واصطفاف املريدين وإقبالهم

عليهام بحق وغري حق، فإن قصيدة العمودية عرفت تراجعا

وانحسارا ألسباب متنوعة نجملها بعضها يف رحيل روادها

تباعا، وتهميشها إعالميا، وتجني النظامني الذين أفقروها من

روح اإلبداع ومنعوها من أن تحيى حياة جديدة. مع ذلك،

وإىل أيامنا هذه، ال يزال شعراء القصيدة العمودية، مبن

فيهم من الجيل الجديد، مخلصني لها، ومنصتني لحضورهم

يف التاريخ، وإن جرت بالفعل مياه كثرية تحت نهر الشعر،

ا تأثري. فتأثروا بذلك أمي

محمد الحلوي آخر شعراء العمود الكباريجمع دارسو الشعر املغريب عىل اعتبار محمد الحلوي

)1922-2004م( آخر الشعراء النيوـكالسيكيني الكبار،

إذ ظل، لعقود طويلة، وفيا لالتجاه العمودي يف كتابته

الشعرية، ومل يتأثر بدعوات تجديد الشكل الشعري التي

عارصها، وإن كان مجددا يف موضوعاته، ومواكبا لقضايا

وطنه وأمته يتغنى بها، ويقبل عليها بال هوادة. وكان يرى

أن القصيدة العمودية هي مبثابة الشكل الشعري األكرث

أصالة، ويرفض القول بأنها تعادي التطور والتجديد. وبهذا

املعنى، وجد محمد بنيس

يف ما كان يكتبه محمد

الحلوي »جرسا بني القديم

والحديث بصوره الشعرية

الحديثة التي أبدع فيها«.

من داخل التزامه

بالقصيدة العمودية،

مل يكن الشاعر محمد

الحلوي يكف عن أن ميهر قصيدته بأسلوب خاص عرب

تنويع األوزان وعالقاتها اإليقاعية التي تأتت من تذويت

ملفوظاته خطابه إن مفردا أو جمعيا، ومن تطوير آليات

االشتغال اللغوي والبالغي يف فضاء النص، والتنقل بني

األساليب الشعرية بعذوبة وسالسة. وأما مضامني شعره فقد

تأرجحت بني أغراض معروفة من مدح ووصف ورثاء وغزل،

وموضوعات حديثة، كان يستلهمها من حياته وتجربته

وأحداث عرصه. يقول يف إحدى قصائده واصفا الطبيعة يف

فصل الربيع:

رشـــــف الربيع مباسم األزهار

فتفتحت عن طيبها املعطار

وتفتقت أكاممها عن جــــــنة

خرضاء بني نــضارة ونـــــضار

واألرض نشوى يف مطارف وشيها

تختال بني شقائق وعـــــرار

مسحت يداها الثلج عن ربواتها

وتعممت بـــعامئم األزهـــار

روى الغامم سهولها ومروجها

وسقى الرىب بصبيبه املدرار

ويف حنينه إىل مسقط رأسه فاس وذكرياته بها وعهده بوادي

الجواهر، يقول:

ذكرت به أيام أنيس وصبويت

وغصن شبايب ناعم جد نارض

وقلبي بأطياف الجامل موله

وكل جامل يف الطبيعة آرسي

كام عرف عن شعره انرصافه إىل »العرشيات«، وهي مجموع

القصائد التي قيلت ملناسبة االحتفال بجلوس امللك، محمد

الخامس ثم الحسن الثاين من بعده، عىل عرش املغرب؛ وقد

كان يضمنها حبه لوطنه، وافتخاره مبآثره وحضارته العريقة،

ومنارصته ضد أعدائه، ودعوته أبناءه لالتحاد عربا وأمازيغ.

وال أعرف شاعرا مغربيا تعلق قلبه باملرشق، وتفاعل مع

قضايا أمته من الجزائر وفلسطني إىل لبنان والعراق، مثلام

صنع محمد الحلوي. يقول يف قصيدته »رصخة الجزائر«:

أطلق النار أو فسل الحسامــا هم أرادوا أن ال يقروا السالما

ملف

محمد الحلوي

Page 43: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 43

وامتط األدهم املطهم أو فاســـ

ـــــر بليل وعــــــــــــانق اآلكامــــا

وامأل الغاب من زئريك كالليث

يهـــــــــــــز الهضاب واآلجـامـا

وكان خطابه الشعري املسكون بآالم أمته العربية يتخلله

شعور بالسخط والتذمر إزاء ما آل إليه الوضع العريب

املزري، ولكنه مل يكن يعدم روح التفاؤل:

فتأهبي يا أمتي ملسيــرة

أخرى مباركة الجهود وأقلعي

إين آلمل بعد عهد مظلم

يف فــــجر يوم للــــعروبة ممتـع

عت فمتى يعم األمن دنيا رو

ويغيب عن سمعي هدير املدفع؟

ويرى بنو الدنيا سالما عادال

من بعد عهد باملـــــآيس مرتع

ويف قصيدة إليه حينام زار املغرب يف يونيو 1958م، قال

محمد الحلوي يحيي عميد األدب العريب طه حسني ويرحب

به أخا كرميا بني إخوانه عىل أرض فاس:

حق عىل الشعر أن يهدي عرائسه

تـــــــحية لعميد الشعر واألدب

حق عىل الشعر أن يهدي قالئده

ر واإلبداع والعجب لصانع الد

مرحى بأكرم ضيف زار إخوته

فوثق الرحم القدسية السبب

إنا بني العرب يف اآلالم يجمعنا

ماض مجيد وقرآن ودين نبي

أبناء رابــــــطة ال يشء يفصلها

فمن بفاس كمن يف مرص أو حلب

نوائب جعلت أهدافنا هدفا

وعلمتـــــنا انتزاع النرص بالغلب

وقد أعجب طه حسني بالقصيدة أميا إعجاب حتى قال:

»إنني مل أسمع مثل هذا الشعر يف الرشق العريب، وال بعد

أن وطئت قدماي أرض املغرب«. إىل جانب ما يزخر به

شعره من بعد وطني وقومي، كانت الوظيفة اإلصالحية ال

تغيب عنه، بحكم تشبعه بالفكر الديني اإلصالحي، فكان

يف كثري من قصائده ينتقد علل املجتمع البرشي وسلوكياته

من انحالل وتخل عن واجب األخوة والشعور باملسؤولية،

مثلام يدافع عن املحرومني الذين رمت بهم الفاقة إىل

الجادات، بقدر دفاعه عن املرأة وحقها يف التعليم واملساواة

مع الرجل:

ال تغمطوا بنت حواء مواهبها

فإنها كالفتى روحـــا ووجدانا

لو خليت ترد العلم الذي حرمت

ألغدقت غيثها يف النشء هتانا

والستنار بها شعـــــب يناوئها

وضاق عنها فضاء العلم ميدانا

وإن تركت رشور الجهل تركبها

أعددت منها لهذا الشعب شيطانا

ويف اعتقادي، لقد حقق الشاعر محمد الحلوي، باقتدار

شاعريته وامتالكه ناصية اللغة والعروض وباعه فيهام، ما

مل يحقق غريه من شعراء القصيدة العمودية باملغرب عرب

عصورها الطويلة.

ولد محمد الحلوي بفاس يف العام 1922م، ونشأ يف أرسة

محافظة كان لها أكرب األثر يف توجيهه وتكوينه. تلقى تعليمه

االبتدايئ باملدارس الحرة التي أنشأتها الحركة الوطنية، وتابع

دراسته بجامعتها »القرويني« حتى حصل منها عىل شهادة

العالمية، ليلج بعد ذلك سلك التدريس، حيث عمل أستاذا

للغة العربية لسنوات عدة إىل حني تقاعده وتفرغه للتأليف

وقرض الشعر. وارتبط جزء مهم من نشاط الشاعر األديب

والفكري والسيايس، إبان األربعينيات والخمسينيات من

القرن الفائت، بالحركة السلفية التي تحولت، بوازع وطني

القصيدة العمودية في المغرب

Page 44: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 44

وديني، إىل حركة مقاومة لالستعامر الفرنيس، وقد تعرض

للسجن بسبب هذا النشاط. ومام تركه من شعر يكشف

لنا عن قيمته وأصالته، ونجده مبثوثا يف دواوينه »أنغام

وأصداء« )1965(، و«شموع« )1988(، و«أوراق الخريف«

)1996(. عدا كتابه مرشحيته »أنوال«، و«معجم الفصحى يف

العامية املغربية« )1988(، ومقاالت كثرية تهم املجال األديب

مل تكن تخلو من سجال، نرش معظمها يف جريدة »العلم«

املغربية. ونال جوائز شعرية كثرية كان آخرها جائزة اإلبداع

الشعري من مؤسسة عبد العزيز سعود البابطني لإلبداع

الشعري عام 1990م. انتقل الشاعر إىل جوار ربه صباح يوم

الجمعة 24 دجنرب 2004م بـ«مرتيل« أحد ضواحي تطوان

)شامل املغرب(، وذلك عن عمر يناهز الثانية والثامنني، بعد

ما ينيف عن خمسة عقود من اإلقامة يف محراب الشعر

صادحا وشاهدا، أي من أواخر عقد األربعينيات حتى آخر

قصيدة بعنوان »الفاجعة«، كان ألقاها يف رثاء املغفور له

الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بالعاصمة الرباط يوم

األربعاء 22 دجنرب 2004م، وذلك قبل يومني من رحيله.

ومام قال يف رثاء الشيخ زايد عىل نحو يوحي بصدق

العاطفة وشبوب املوقف النفيس وتلقائيته:

ع العربا دهى اإلمارات رزء رو

ورجة ماد منها الرشق واضطـربا

طوى الردى عربيا يف شامئله

نبل ويف خلقه املحمود روح صبا

وقائدا ملهام كانت مالحمه

مجدا بناه عىل التوحيد فانتصبا

دها واىف اإلمارات أشتاتا فوح

من بعدما غرقت يف خلقها حقبا

وواصل الجهد يف عزم ويف ثقة

يبني ويرفع يف أرجائها النصبا

حتى غدت يف بالد العرب شامتها

هبا وكوكبا يتحدى نوره الش

صاح النعاة فهد الحزن من سمعوا

صوت النعاة وظنوا نعيهم كذبا

أيفقد البدر يف ليالء مظلمة

وأمة العرب يف بحر قد اصطخبا

من يبك زايد بىك يف شخصه رجال

ال كالرجال صفا قلبا وروح إبا

يا حامل النعش ال ترسع فإن به

قلوب شعب إذا حركتها انتحبا

قصيدة الزاجل.. من امللحون إىل الكتايب .1

ح، ظهر الزجل الذي صنف، إىل جانب عىل إثر املوش

وه علامؤنا املواليا والقوما والكان وكان، ضمن ماسم

القدماء الفنون الشعرية امللحونة أو غري املعربة، وهي

أشكال من النظم الشعري مل يلتزم أصحابه فيه بنظم

اللغة الفصحى املعيارية وقواعدها الرتكيبية، وإن كانوا

أدمجوها يف قوالب متنوعة من البناء من حيث كرثة عدد

األقسام وأشطار وحداتها املنظومة، ومن حيث التنوع يف

التقسيم املوسيقي لعنارصها املتوازية. ومل يكن النظم

يف الزجل دليل عجز من شعراء العامية، بل نظموه عن

موهبة واقتدار عىل القول فيه، حتى أن منهم من كان

ينظم القريض واملوشح نفسه. وكان أبو بكر بن قزمان

)ت 554هـ( إمام الزجالني باألندلس، وهو الذي اخرتع

الزجل، وجعل إعرابه لحنه، فامتدت إليه األيدي، وعقدت

الخنارص عليه. وقد سبق البن خلدون أن ذكر أن املغاربة

استحدثوا نوعا جديدا مزدوجا سموه »عروض البلد«

ثم جعلوا منه أنواعا أخرى سموها املزدوج، والكازي،

وامللعبة، والغزل. إال أن املشهور عند املغاربة من هذه

األنواع هو شعر امللحون الذي طبقت شهرته اآلفاق بأرض

ملف

Page 45: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 45

املغارب، ومل يجد ما يوازيه يف عمل الرعيل األول من

الدارسني.

.2امللحون هو نوع شعري غري معرب، بعضهم يرى أنه

مشتق من اللحن الذي يفيد الخطأ اللغوي بوصفه من

النظم غري املعرب، فكان املغاربة يستعملون امللحون يف

مقابل املعرب، وبعضهم رأى يف اللحن إىل ما يفيد التلحني

والتنغيم بوصفه ينظم ليك يتغذى به قبل كل يشء كام

أشار إليه محمد الفايس يف مقاالته الرائدة عن امللحون،

ويحتمل املعنى عند البعض اآلخر الوجهني معا، فهو إما

سمي بذلك الرتكاب الشعراء الشعبيني أخطاء نحوية، أي

أنهم ابتعدوا عن الفصيح للغة العربية وأصولها، وإما أنه

سمي بذلك لتغني الشعراء الشعبيني به. وتشري املصادر إىل

أن أول بواكريه قد ظهرت يف عرص املوحدين، أي يف القرن

السابع للهجرة، وتطور عن فن الزجل يف إطار التحرر من

أعاريض النظام الخلييل ورصامة الفصحى وأصولها، موجدا

لنفسه مقاييس إيقاعية تكون قادرة عىل تحقيق املالءمة

بني الشعر واللحن.

لقد كانت للمغاربة تفعيالت خاصة يزنون بها أشعارهم

أساسها النغم واإليقاع يطلقون عليها »الرصوف« وهي

نوعان »الدندنة« و«مايل مايل«. ونظروا إىل العروض

كمجموعة من القياسات )=امليازين( داخل كل بحر من

البحور )= ملرمات(، وأشهرها عندهم: املبيت، ومكسور

الجناح، واملشتب، والسويس أو املزلوك، فيام اكتشف محمد

الفايس منطا خامسا هو الذكر. وتربز هذه األمناط من شعر

امللحون، الذي كان أغلبه شعرا شفويا عىل أفواه الحفاظ،

عن ثراء إيقاعي ميتزج فيه ما هو جاميل ـ تصويري مبا هو

موسيقي عىل نحو خالق، بعد أن اكتملت الصورة الفنية

لقصيدة امللحون، وهو ما مل يتم الكشف عنه إال حديثا عند

بعض الدارسني الجدد لهذا الفن الشعري بالغ الرثاء وذائع

الشبق، مبن فيهم الباحث والزجال محمد الراشق الذي

قال إن القصيدة قد سلكت »نفس النهج الذي ابتدأت

به قصيدة الشعر املعرب القدمية، خصوصا يف الجانب

الشكيل املتعلق بهندسة الفضاء وتشكيله«. مل تعدم قصيدة

امللحون، عدا موسيقاها الغامرة بحب منشديها، آليات

الحيك والحوار والتشخيص الرمزي والكنايئ الذي يكرس

رتابة النظم وهو يرفد من خيال سمح ورقراق يزوج رؤية

القلب لصفاء التجربة الروحية، يف مثل نصوص املديح

ل والغزل والتصوف لدى كل من عبد القادر النبوي والتوس

العلمي، وعبد العزيز املغراوي، ومحمد الحراق، وأحمد

بن عبد القادر التستاويت، والشيخ الجياليل امثريد، والتهامي

املدغري، والحاج أحمد الغرابيل، ومحمد بن سليامن،

والفلوس، وابن عيل صاحب »الشمعة« ذائعة الصيت.

كام احتفظت لنا كنانيش امللحون عرب قصائده ورساباته

اظ« من جيل ورباعياته، ومن خالل ما نقلته ذاكرة »الحف

إىل جيل، بذلك الرصيد الهائل من موروثنا الشعبي الغني

والجدير باملكرمة واإلعجاب، إىل حد أن صارت قصيدة

امللحون مصدرا أو رافدا فريدا للكتابة التاريخية، ييضء

نزرا ال يستهان به من الوثائق واملراسالت املخزنية وآداب

املناقب والنوازل والرحالت واملسكوكات والنقيشات

لم يكن النظم في الزجل دليل عجز من شعراء العامية،

بل نظموه عن موهبة واقتدار على القول فيه، حتى

أن منهم من كان ينظم القريض والموشح نفسه

القصيدة العمودية في المغرب

Page 46: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 46

واللقى األثرية؛ ويكفي أن يطلع املرء ـ متثيال ال حرصا ـ

عىل »معلمة امللحون« لصاحبها محمد الفايس، أو عىل

»القصيدة« لعباس الجراري، أو »امللحون املغريب« ألحمد

سهوم، أو »الزجل املغريب امللحون بني اإلنشاد والتدوين«

لعبد الرحامن امللحوين، ليكتشف قوة انتشار فن امللحون،

وقيمة الفوائد املبثوثة فيه قلبا وقالبا، واتساعه يف الزمان

واملكان، إذ لوال ذلك جميعا ملا خرج من تافياللت لتعم

روحه اآلرسة، فيام بعد، حوارض املغرب الكربى التي

استمزجته بخواص طابعها الثقايف والروحي، مبا يف ذلك

حوارض تارودانت، ومراكش، والجديدة، وأسفي، وتطوان،

ووجدة، وسال، ومكناس، وزرهون وفاس. أي يف الحوارض

التي تنشط فيها الصناعة التقليدية، حيث معظم شعراء

امللحون ومشايخه هم من أهل الحرف والصناعات.

ولكم كان مؤثرا ومتطلبا يف آن، أن تستلهم الفنون

الحديثة، مثل املرسح والتشكيل والرسد والغناء، فن

امللحون وجاملياته، وأن يتواصل االحتفاء الشعائري به

يف أشكال حميمة تتشح بأصوات املحبة التي تقدم إلينا

من بعيد. لقد كان امللحون، بتعبري محمد الفايس، »ديوان

املغرب وسجل حضارته« بحق؛ فلم يرتاجع، يف أي وقت،

عن إرضاء ذوق املغاربة العام وروحهم السمحة.

.3 مل يكن جاريا أن يدون شعراء امللحون قصائدهم، أو

يوصوا بتدوينها، وذلك يف ظل ثقافة كانت تطبعها القيم

الشفاهية؛ بل إنهم كانوا يستهجنون كتابة »القصايد«،

ويحبذون تداولها الشفوي واملغنى عىل اعتبار أن التدوين

يشوهها ويفقدها حالوتها وصدقها وغنائيتها، ألنه باختالف

الرسم الذي قد يقع فيها النساخ ما يحرف املعاين عن

أصولها ودالالتها املقصودة، وبالتايل يعرض القصيدة لعدة

تغيريات يف مضمونها أو بنيتها العامة. إال أنه مع الوقت،

وبداعي ضبط اإليقاع وأقيسته، تولد لدى املهتمني الحرص

عىل تدوين القصائد مام قد يلزم املنشد بعدم الخروج عن

ن إما يف األوزان التي وضعها شاعر امللحون لها. وكانت تدو

الكنانيش والكراسات أو عىل جلود مدبوغة أو أوراق من

نوع خاص قريب إىل ورق الربدي. ولقرون طويلة، ظلت

قصائد امللحون تنشد ويتغنى بها يف مناسبات مخصوصة،

عائلية ووطنية ودينية. كام ظل شعراء امللحون يقرضون

الزجل ويلحون عىل بعده الغنايئ الذي يستنطقون به ذاكرة

الثقافة الشفوية يف مختلف مصادرها ونزوعاتها. ومل يصدر

أول ديوان من شعر الزجل، إسوة بنظريه الفصيح، إال يف

أواسط السبعينيات من القرن الفائت، بعنوان »رياح.. التي

ستأيت« للشاعر الزجال أحمد ملسيح، ثم تلته دواوين أخرى

لزجالني من أمثال حسني الوزاين، ومصطفى أرزوزي، وأحمد

جاوي، والعريب باطام، وحسن املفتي، وفاطمة شبشوب،

ومراد القادري، وإدريس املسناوي، محمد الراشق ونهاد

بنعكيدا، ومحمد اجنياح وسواهم، إىل أن زاد عدد املجاميع

الشعرية الزجلية عن الثالمثئة. كان ذلك الطور إيذانا

بتدشني عهد جديد من تاريخ الزجل املغريب، إذ سيقطع

مع شفاهيته وغنائيته، وينحو إىل استثامر تقنيات الكتابة

الشعرية الحديثة بناء وتصويرا ورؤية، وهو ما قد أكسبه

الغنى والتعدد يف املفاهيم والحساسيات والرؤى، عامال عىل

تفجري الطاقة التعبريية للعامية املغربية٬ ومنخرطا ـ بقوة

مبدعيه وخيارهم الجاميل ـ يف األفق الشعري املشرتك الذي

تصدح به ألسن الشعر املغريب املختلفة )الفصيح، األمازيغي

والحساين(. ولقد بدا للجميع أن الزجل فن شعري أصيل، وال

يقل قيمة عن غريه يف اإلفصاح عن هويته، وتسمية حداثته،

ووسم زمنيته الخاصة، هنا واآلن.

ملف

Page 47: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 47

القصيدة العمودية في المغربسؤال القديم والجديد

تختلف اآلراء حول حضور القصيدة العمودية وفرص بقائها في عصر طغت فيه عوامل كثيرة، أدت إلى طرح مشاريع بعيدة عن التراث ومتخففة منه. وفي المغرب العربي ظل السؤال عن النتاج الشعري الجديد

وهويته، بعد أن بقيت فئة منه تخلص لتراثها وأخرى تواكب الحداثة.

Page 48: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 48

أحمد بلحاج آية وارهام

تقنيات جديدة يف السنوات األخرية أعاد الشعراء القصيدة العمودية

إىل املشهد الشعري بتقنيات جديدة يف اللغة واألسلوب

والتخييل، ويف جامليات الصور وطرق اإلبداالت الوريفة

ضفافها باملدهش الكثيف الذي يقرب عواملها من عوامل

قصيدة النرث السباقة إىل هذه الفتوحات.

عبـد القادر وساط

النظامون أفسدوا القصيدة إن القصيدة العمودية يف املغرب قد ارتبطت لألسف

بـ«الرسميات«، ومبا كان ينظمه النظامون خالل العقود

املاضية من كالم موزون ومقفى ولكنه عديم الوزن من

املنظور الشعري و الجاميل... ال تزال هناك »مخلفات«

لهذا الوضع، نجدها يف املقررات الدراسية التي متتلئ بهذه

ها الذوق. وكم أشعر بالرثاء البنتي وهي »القصائد« التي ميج

تحفظ اضطرارا مثل هذه القصائد... إنه أمر يبعث عىل

الحزن يا صديقي، حني ترى طفلتك تحفظ كالما يبلد الحس

ويقيض عىل الذوق الفني... ال أقول إن القصيدة العمودية

مل تعد تتالءم مع العرص،كال. أقول فقط إن النظامني الذين

ينتهكون حرمتها ال ميتلكون األداة الفنية الرضورية لذلك..

هناك غياب شبه مطلق للقصيدة العمودية إال لماما، وهذا شأنها ليس في المغرب وحده فحسب، ففي فالقصيدة العمودية منذ الخليج العربي الذي يعد المعين لها تاريخيا، تعاني القصيدة ما تعانيه عندنا. لغة إذ ظلت المدينة، تاريخ المناخ حتى في بهذا القبيلة، واستمرت مرتبطة بمناخ ارتبطت نشأتها السيف والخيل، ولغة المدح، ولغة الفخر في نسيجها ومخيالها إلى اآلن. أعتقد أننا في تاريخنا الراهن قد ابتعدنا كثيرا عن تاريخ القبيلة، والقصيدة العمودية بدورها ابتعدت عن متطلباته كثيرا؛ وبالتالي فحضورها اآلن هو فقط حضور التاريخ، وليس حضور اللحظة، وتاليا بعض اآلراء حول هذا الموضوع.

حضور التاريخ فحسب

ملف

أحمد بلحاج آية وارهام

عبدالقادر وساط

Page 49: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 49

أحمد بنميمون

اعرف القاعدة ثم حطمهاتراجعت القصيدة العمودية بالفعل، لكن ليس بسبب

التجاوز والتخطي اإلبداعيني، وإمنا بسبب جهل كثريين

بالعروض العريب، وانقطاع صلتهم بالرتاث، إذ بدأوا الكتابة

مقتدين بنامذج ظهرت يف الخمسني سنة األخرية عىل األكرث،

ومل يكن تجاوز هؤالء كتجاوز السياب وكل الشعراء الرواد

منذ األربعينات لنظام البيت الشعري ذي الشطرين، والذين

كان قد اجتمع يف شعرهم شكالن كانا بتعبري أدونيس:

أحدهام ينتهي واآلخر يبدأ وينهض، والحقيقية أنه مل يكن يف

ذلك خري للقصيدة املغربية، التي عرفت تزاحم كثري من غري

املوهوبني شعريا، وإن كانوا موهوبني يف ميادين أخرى.أنا مع

مبدأ »اعرف القاعدة ثم حطمها«، والذين يعلنون الحرب

عىل الشكل التقليدي ال يعرفونه ومل يخربوه، وللشاعر

اللبناين املجيد محمد عيل شمس الدين رأي وجيه يف مسألة

طغيان قصيدة النرث يف لبنان، حيث ربط انتشار كتابة الشعر

بالنرث ـ آنذاك ـ بإغالق املدارس يف لبنان يف فرتة الحرب

األهلية بني )1975 ـ1989(. ويف املغرب ال يخفى ما يعانيه

األساتذة يف تدريس مادة العروض، إذ أن معظمهم يعتربونها

جداول غامضة، فمن ثم هم يهجرونها وال يدرسونها كام

يجب، فال بأس إن رأينا يف سيادة الكتابة النرثية تجليا من

تجليات هذه األزمة، يف انعكاسها عىل كتاباتنا الشعرية.

إن يف نعي العروض العريب الكثري مام يثري األسف، إذ أن

هناك حربا حقيقية عليه، تجلت يف ظهور جبهات تحارب

من طرف واحد، وكأنها عندي تنعي الرتاث العريب، وتقرتح

أعالما جددا وظواهر مستحدثة، وعالمات ينبغي عىل

الشعراء االهتداء بها، بعد أن قطعوا مع تاريخنا العريب.

وإال فكيف ميكن أن نفرس دعوات يف املرشق واملغرب

إىل مؤمترات لقصيدة النرث!؟ كنت من األوائل الذين كتبوا

قصيدة النرث يف املغرب، وجزء كبري من شعري يقع فيها،

ومع ذلك فإن مثل هذه الدعوات تثري اشمئزازي، خاصة

وأنني أعرف أن وراء األكمة ما وراءها، من محاوالت تصفية

حساب مع الثقافة العربية، بحجة الحداثة وما بعد الحداثة

وما يشبه ذلك من دعوات إن كان لها معنى يف الغرب ألنها

تعرب عن حارض ثقافته، فهي بالنسبة لنا غري ذات موضوع،

إال أن يكون مؤامرة عىل الذات، تحاول هدما بدون أن

تقرتح بنى جديدة.أنت تعرف يا صديقي أن كثريين ممن

يكتبون شعرا هذه األيام تنقصهم املعرفة الالزمة باللغة

وعلومها، فكيف ميكن لرجل ال يعرف اللغة إال معرفة

خفيفة سطحية أن يجدد فيها،

أحرى أن يصل إىل مستوى

إدراك عبقريتها، أو اقرتاح

جديد يف أساليبها. وكيف تفهم

أن شعراء »النثرية« عندنا إمنا

ينطلقون من املاغوط وأنيس

الحاج وما خلفته مجلة شعر

اللبنانية من تراث يف هذا

الباب، يف أحسن األحوال، وإال

فإن نصوصهم املؤسسة هي ما

وضعه كتاب قصيدة النرث يف

ربع القرن األخري. وإين ألذكر

مع هذا عنوان إحدى الروايات

»حادثة ربع مرت« فأضحك ضحكا مرا شديد السواد. ممن

ضاقت ثقافته، فضاقت لذلك عطنه وآفاقه.

ليكن مبدؤنا معرفة كل يشء، و«قتل القديم... فهام«، وأال

نقول بأن هناك شكال عنده تنتهي كل األشكال. وأحب

أن انتهي مبقولة لصديقي الشاعر محمد بنيس جاءت

يف جواب له عىل سؤالني وجهتهام إليه مع مجموعة

من الشعراء مجلة »املعرفة السورية«، عدد نوفمرب سنة

1979م، يف استجواب من إعداد عبد الله ألبو هيف: »إنني

ال أبدأ القصيدة ألنتهي، ولكنني دامئا أنتهي ألبدأ«.

إن في نعي العروض العربي الكثير مما

يثير األسف، إذ أن هناك حربا حقيقية

عليه، تجلت في ظهور جبهات تحارب

من طرف واحد

أحمد بنميمون

القصيدة العمودية في المغرب

Page 50: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 50

مصطفى الشليح

وهم انتهاء القصيدة الكالسيكية أعتقد، بدءا، أن ال شكل محددا للشعر. هي الكتابة، يف

عنفوان هيئتها، تأيت القتناص لحظة كونية. لحظة الكتابة

تأيت من خارج الضابط النوعي لتخري شكل معني سلفا.

تقدم آليات استثامر شكل شعري ما من الكالم املستقل عن

التقعيد إبان االنغامر الشعري.

لكل شعر كالمه، ولكل كتابة شعرية نفس كالمي خاص.

ال يتشابه شاعران، وال تتامثل قصيدتان لشاعر واحد.

تلك اللحظة، لحظة نداء الشعر للشعر، تدفع عنها تخري

االنخراط يف إجراء بالغي دون آخر.

بالغة اللحظة، أو حدس اللحظة بلغة باشالر، ترصف عن

الشاعر تدبر التخطيطات النقدية للفعل الشعري، فال تذكرة

إال بها، وبانوجاد الذات واملعنى يف الذهاب إىل العامل.

بذلك هل يتأىت السؤال عن شكل للكتابة الشعرية؟ سبق

يل قول، منذ عقدين يف كتايب »يف بالغة القصيدة املغربية«

: واهم من ميتلكه سعي إىل انتهاء القصيدة الكالسيكية،

وقلت إن لها عنقاءها ورمادها الخاصني، وأن تاريخ الشعر

العريب سلسلة من التحوالت الكتابية املتدافعة املتصارعة

دومنا إلغاء بعض منها بعضا آخر.

يتعذر زعم بكون شكل كتايب خالصا إىل االنقراض، ألن

للتاريخ دورته، وألن الثقايف من ذلك التاريخ، وألن الشعري

منتسب إىل الثقايف إفرادا بصيغة الجمع.

تنفض القصيدة الكالسيكية عنها البىل التصوري للعبة

الكتابة، فالشعراء الذين يقرتفونها قادمون من جغرافيات

ثقافية تصل الرتايث بالحدايث، ولعلها أن تقرأ الحدايث يف ضوء

الرتايث، والشعراء املاشون إليها، عىل ماء املطلق الثقايف الذي

ال يكتفي باآلداب وحدها بل يسافر إىل لهب معريف ال متناه

ليقبس منه جذواته، يصدرون عن سعة املقرتحات اإلبداعية

األخرى، فيكون الورود إىل التشكيل البنايئ للقصيدة عىل

غري مـا سبق. ومن هنا شذرة من رسها الراهن ويشء من

أسباب نزولها إىل املشهد الشعري املغريب/ العريب بانفالت

إىل املدهش.

يتعذر زعم بكون شكل كتابي خالصا إلى االنقراض، ألن

للتاريخ دورته، وألن الثقافي من ذلك التاريخ، وألن الشعري

منتسب إلى الثقافي إفرادا بصيغة الجمع.

ملف

Page 51: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 51

الطيب هلو

الوضع الملتبسإن الحديث عن القصيدة العمودية اآلن يفرض حديثا عن

وضع الشعر عموما. فالشعر املغريب عىل مستوى اإلنتاج

تهيمن عليه قصيدة النرث كام يتصورها مرتكبوها، وليس

باملفهوم النقدي الحقيقي لها؛ ألن التصور السائد هو

التصور العامي بأن كل ما خال من الوزن فهو قصيدة نرث،

تليها القصيدة التفعيلية التي ال يزال الشعراء يقرتفونها

بجدية ورؤية، ثم القصيدة العمودية التي يبدعها إما

شعراء متخصصون فيها ال يحيدون عنها إىل النمطني

اآلخرين، أو يرشكون معها قصيدة التفعيلة أحيانا، وهم

إما شعراء متمرسون بها من جيل السبعينيات كإسامعيل

زويريق وأحمد بلحاج آيت وارهام ومحمد لقاح ومحمد

عيل الرباوي... أو بعض من جاء بعدهم كمحمد العيايش

وميلود لقاح وخالد بودريف .... أو جيل الشباب الذي

يف الغالب »ينتجها« من باب التقليد وقصد إثبات

جدارته الشعرية، وتأيت غالبا عىل شكل معارضات. لكن

ذلك ال مينع من وجود شعراء جدد يكتبونها ويجددون

فيها ومينحونها جامال خاصا يدفع عنها تهمة التقليدية

والعقم. وقد ترشفت هذه األيام بوضع تقديم لديوان

»هديل السحر« للشاعر بوعالم دخييس وجله من الشعر

العمودي الجميل.

هذا التشخيص يجعلني أقول إن القصيدة العمودية

تعيش وضعا ملتبسا، فأحيانا تتوارى وتنحرس حتى ننتظر

إعالن وفاتها، وأحيانا نراها تنتعش عند شعراء جدد فنقول

إنها تنتعش مجددا وتنهض من رمادها خاصة يف األحداث

القومية. ولعل أكرب عوامل انحسارها النظرة النقدية التي

تتهمها بالعقم وتسخر من شعرائها والنظرة التبشريية

املرافقة لقصيدة النرث باعتبارها قصيدة املستقبل والشكل

األوحد للكتابة املعارصة.

إن القصيدة العمودية تعيش وضعا ملتبسا،

فأحيانا تتوارى وتنحسر حتى ننتظر إعالن وفاتها، وأحيانا نراها تنتعش

عند شعراء جدد

الطيب هلومصطفى الشليح

القصيدة العمودية في المغرب

Page 52: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 52

محمد عيل الرباوي

القصيدة العمودية تسترد مكانتهاأرى أن الحديث عن هذه املسألة هو حديث مرتبط

بالرصاع املفتعل بني أنصار هذا الشكل وذاك. مل يحدث

مثل هذا يف تراثنا، حيث تعايشت كل األشكال من قصيدة

إىل مسمط إىل مزدوج إىل موشح يف مرحلة الحقة. ومثل

هذا التعايش كان يف الثقافة الشعرية الفرنسية، حيث

عاشت Les Formes Fixes جنبا إىل جنب. حني ظهرت

القصيدة الحرة يف عاملنا العريب أراد أصحابها أن يعطوها

املرشوعية عن طريق وصف القصيدة »ما يسمى بالشعر

العمودي« بالتخلف معتمدين عىل ضعيف ما أنجز فيها.

والحق أن الشعر يف كل أشكاله فيه الجيد وفيه الرديء.

والجودة والرداءة ليستا مرتبطتني بالشكل بل بالشاعر.

يف املغرب األقىص نهضة شعرية كبرية يحرض فيها ثالثة

أشكال:

قصيدة النرث وهي منط شعري مستحدث يكاد يحرض

بقوة يف منجز الشباب، أغلب ما أنجز بهذا النمط ضعيف

ألن هذا النمط أصعب األشكال الشعرية لكن هذا مل مينع

من أن نقرأ نصوص منه جيدة لكنها قليلة.

القصيدة الحرة، التي خرجت من رحم القصيدة حيث إنها

تعتمد العروض يف بنائها املوسيقي. أعطت نفسا جديدا

للتجربة الشعرية املغربية، فيها أيضا الجيد وفيها الرديء .

أما القصيدة فوصلت إىل طريق مسدود نظرا لكون

من كان ميارسها كانوا متورطني يف صناعة قصائد

»مناسباتية«.

لكن منذ سنوات الثامنني إىل يومنا هذا عرفت القصيدة

)أي الشعر العمودي ( ميالدها الثاين مستفيدة من لغة

العرص الجديدة، أستحرض بهذه املناسبة املرحوم محمد

الطويب. وأضيف إىل الطويب حسن األمراين وآية وارهام

وأمينة املريني ومصطفى الشليح..

عندي أن لنزار قباين ولسعيد عقل وأرضابهام دورا يف هذا.

وبعد برنامج »أمري الشعراء« ظهر شعراء مغاربة شباب

يكتبون هذه القصيدة بجاملية تنافس جاملية النامذج

الجيدة املنجزة يف إطار القصيدة الحرة خاصة. لكن هؤالء

الشعراء وقفوا بهذا الشكل عند جانبه الغنايئ، ومل يوفقوا

بعد يف استثامر الجانب الدرامي املستثمر بنجاح يف النامذج

الجيدة من القصيدة الحرة. ومع ذلك أحس من خالل

ما أقرأ لبعض الشباب أن القصيدة ستسرتد مكانتها

بعد برنامج »أمير الشعراء« ظهر شعراء مغاربة شباب

يكتبون هذه القصيدة بجمالية تنافس جمالية

النماذج الجيدة المنجزة في إطار القصيدة الحرة خاصة.

ملف

محمد عيل الرباوي

Page 53: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 53

الواقفون أعلى .. كم وثبوا !! مصطفى الشليح

يقتـرب . . ك معنـا إىل وقتا كأن

ي .. محتقب الليل معطفك الرس

والليل كهفك .. تنساه .. وتسلبه

بهـا . تهش . ء ك بيضا لليل كف وا

الليل يقطف من رؤيـاك أنجمـه

رؤياي يل، وتآوييل .. سأحملهـا

. ألعرفنـي . أنا املسافر يف ذاتـي

أنا املقامر يب .. حرفا ألكشفنـي

ال يشء يف لغتي إال أتـى زمنـي

أنا العمود وهذي خيمتي وقفـت

ـت بناظرهـا كم خيمة يل إذا هم

. وخطوتهـا . أشب قافية جذلـى

ئـي األولـى تحدثنـي . أشيا أخب

للغمـام رأى ن كالم . كا . ك هنا

كبهـا منا هتـزت فا لقصيدة ا ا م أ

حتـه را مـد ظـا عكا فيها ت قرأ

يجنحـه ملعنـى ا وتـر ما ت قرأ

أتيـت رؤى ى أكن قارئا حتـ ومل

فيـة بقا مجروحـا كنـت وال نا أ

لغتـي نـا أ ديـه بوا حتى خلعت

مكنتـي بأ تخلـو زمنتـي أ قيس أ

فذتـي بنا طفـال لبـة سا يح لر وا

بيـة بخا هـا يرقا لقصيـدة ا لوال

صيـة بنا م ملـا إ ة لقصيـد ا لـوال

خبيـة بأ مـا يها إ ينهـل ء ملـا ا ال

يدب من خشعة ترسي به الحقب

دى يعرى وال يثب يديك لوال الص

. فيغرتب . . حينا . كره أنت ذا ما

. حتى يختفي األرب . لنهايئ ا عىل

لعـرب ا . . ريخها تا إىل . . لتستدل

تهـب . . يب حيثام جسدي أسامؤه

ينتسـب . . ئـي ملا ا لوتر ا عرف وأ

. خبب . قها أورا يهب عىل روحا

ينسحب . ال يشء . نا أ كون أ حتى

ال ترتخي طنب .. إال استوت طنب

إيل كــنــت .. كــأين لــلــمــدى .. ســبــب

وتلتهـب . . ء ما عىل . . سريا تغذ

ء تنحجب لرمل واألشيا ا عن سرية

ينكتـب . . د كا . . يرف حامم هنا

. ما قالت العرب . ة ء مزهو خرضا

ومرتقـب ء را . . ليقطفه . . سحرا

لعجـب ا حه لوا أ ىل إ سفرا وء لض با

لغـب وبـي أستسقي لبديهة ا ء ما

حوراء حتى وردت الشعر ينتقب

فقال يل: لغتي شوساء. ما الطلب ؟

تثـب . . بـة مسلو ية ود أ يح لر كا

يجـب مثلمـا ها يرا ال . . فة مسا

لعنـب ا نـه تبيا فـي . . تعتق ملا

ومحتجـب م بهـا إ ك خطـو لضم

غـب لر ا حيثمـا ر يا د ر يا لد ا وال

نصوص مغربية

Page 54: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 54

كأجنحـة هـا يا مرا ن فـإ ث حد

يـة لو بأ ت يـا نها وشـق ث حـد

شفـة لـى إ قـوال مختلفا كنت أ

منفلتـا ينسـل قبضـه أ لشعر كا

بفتـى يخهـا ر تا بهـا ذ أجا رض أ

مفكـرة . . ه يـا زوا عند تركت

ئـرة سا ء عليـا مـة قا جزتهـا و أ

ئـرة ء حا بدت األشيـا حتى إذا

مرتقبـا . . لحـالج ا يب مر ا من كأ

هـة ينضو عن الثوب أخبارا ممو

يقض شوبا ويلقي بالقذى غيـرا

زلـه منا منـه ما شمسـت يروض

يفيض حتى إذا جن الزمـان مبـا

أال عـرب قـوم: ألقى حديثا إىل

ت القلب مني شاخصا .. بيـد إتلف

امي .. عىل كمـد تناثر الكمد الد

. إلـى رمـد . القدس ناظرة قوما

علـى جسـد بنا شيئا دهر متطى

. ملفتقـد وغزة وحدها .. درع .

هلهـا لـوال صوا أدخله ب با ال

ئلهـا ال د برجـا قيـة را كل من

األولـى. معلقـة أتيت أسامئـي

الواقفون هنا أهلـي قصيدتهـم

القاطفون يدي حتى أهـش بهـا

شعـب ربـع وال فال ئلون: لقا ا

: د عنـد نافـذة . رما ر ر دا لدا ا ال

لروح حكمتهـم: ا بآي لواصلون ا

عـي ختمتـه لس ين عصمته وا لد ا

تـه أم . . ريـخ فللتا . يعنو. هر لد ا

القضـب تلوح مهتاجة إن سلت

بهـا العطـب ية .. ال ينتا إىل البدا

لوال القصيدة أستار .. والحجب

يقتضـب د كـا رة ومض لعبا ا من

كان التفايت إىل التاريخ ينجـذب

لذات تنكتـب ا ا ما ألبستها جسد

مو ذراها املجـد يحتقـب إىل الس

ألقيت يب شاعرا فالحي منشعـب

نـو ويغتـرب يد . . بقاصية شيئا

يقص منها ذؤابات .. وينتخـب

. بكل األين تنتقـب . عىل جهات

تثـب لنزول بأرض روحها ا حني

كان الزمان .. وما يف جبـة أرب

نيا .. وال عرب؟ آم أم الد إىل الش

كأنها يل إذا ما قمت .. أختلـب

األرب بهـا لعروبة منـآد ا أرض

. وإن ركبـوا . ال يأبهون مبأتاهـا

يسعى عىل حذر ما انفك يستلب

سيف العروبة مهتاجا إذا الغضب

لتكبري تنتصـب با . . لربية ا تغى

تهب بالصولة العلياء .. تحتسـب

تأيت وتذهب. أشياء. مـدى ذرب

يل. أمحي لغة .. فالواقفـون أب

ا إذا ما جئت أنتسـب عيل ضوء

رها ذهبـوا ال موقد بالحمى. سام

كانوا هنا السادة األقيال. منقلب

د ال تأيت بـه الخطـب لتوح إن ا

ا اللسان، مبينا، ليس يغتـرب أم

إذا ارشأب فخارا قامت العـرب

ملف

Page 55: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 55

الفخــــــــــارا ـــــزت ح فــلــقــد

ــتــصــــــــــــــــــــــــــارا ـــا ان ـــي ن ـــد ال ـــــأل مت

نهـــــــــارا ـــل ـــه ـــج ال ـــمـــة ـــل ظ

ــارى ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ــب ــت ن منـــــي ــــن ــــح ن

ــــري غـــــــــــــــــــــــــــــــــــزارا ــــخ ـــم ال ـــي ق

صغــــــــــارا ـــا ـــن ك أن ـــذ ـــن م

بــــــــــــــــــــه نـــــــزداد انــبــهـــــــــــــــــــــــارا

ــارا ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ــه ج ـــــل ب رسا ــــس ــــي ل

كبـــــــــــارا نبقـــــــــى أن ــداد

ــــــــــــــــــــــــــــــــارا دي األرض منـــــــأل

ــكــســــــــــــــــــــــــــارا ل ان ــــــذ ــــــرى ال ون

دمـــــــــــــــــــــــــــــــــــارا ـــــرش ــــــرى ال ون

ــمــنـــــــــــــــــــــــارا ـــر ال ـــك ـــف وا ال نــــــرش

ـــــــــــــــــــــــارا ــــا الــمــســـ ــــرتن ــــــد اخ وق

دارا ــد ــل ـــ ـــ ــخ ال نــلـــــــــــت ـــــــار،

ــارا ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ــزداد ازده ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ــت وس

ومنــــــــــــــارا ـــــاطــا ربـــ ــــــر

تحيـــــة/ إلى العالمة المختار السوسيعبد الجبار العلمي

ـــــرش ـــول« أب ـــســــ ـــع ـــم ـــب »ال ـــاح ص

صــــــــارت الــعــلــم ــوش ـــ ــي ــج ف

ــت ــح أض ــــــــم ــعــل ال وبنــــــــــور

خطــــــــــــــاكم ــج ــه ن ــــىل وع

منكم ــس ــب ــق ن علنـــــــــــــــــا

عشقنا ـــــــــــــــاد الض ــة ــغ ل

بـــزهـــو الـــــــــــحرف ـــم ـــرس ن

عـــــــــــــــــــاد ـــل ك ى ــد ــح ــت ي

األجــــ عــــزة علمتنـــــــــــا

ونحيــــــــا ــــأس الــــي ــزم ـــ ـــ ـــ ــه ن

كــــــــــراما الــعــيــش ــق ــش ــع ن

طـــرا النـــــــــــــاس ـــب ـــح ون

رجـــــــــــــال ـــــدي ه ـــــىل وع

ــــي من ـ ـــــوم الـــــي جـــيـــل ـ نـــحـــن

المختـــــــ ـــها أيـ عينــــــا قـــر

ـــــى ــحــي ســت ــــــــــاد الض ـــة ـــغ ل

هـــــ الد أبــــد وستبقـــــــــى

نصوص مغربية

Page 56: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 56

ملف

واألحـــــزان األوجـاع مـنـيم يا

األشـجـان صخـرة من قهقهـات

بـاأللـــوان األحــالم لتـصـوغ

األردان مثـقــل الـطيـف بـاذخ

األضغان ذرى يف الحـب تـنبت

الشيطان نزغة النفس تستحث

الـخرسان مـــرارة تـنــىس فيـك

بالــنسيـان الـخــذالن تسجي إذ

الـقـضبان خـارج بـجـنـاحـيـك

يـتمطـــــــى فـي رقـصـة الفتـيان

وعــنـــــــاق بــنكـهـة األقــــران

الــرنــان صمـتك فـي همسات

لألوطـان النـفوس تـهفـو حيـن

النــدمـان وحـسـرة واليــتامـى

الفــرقـان مـن آيـا يـتـلـو بـات

اإليـمـان لـحـقـنة مـستـكـينـا

الوجدان باحة فـي شـوق ضـج

والـريـحان اليـاسمني شـذا يف

والـعـقـيـان الـخـز فـي رافـالت

الشبان خـاطـر فـي وعـدا سـح

الحـرمـان عـبـاءة نـنـضـو فـيك

لإلنـســان اإلنـســان تـسـتـبيح

للـسـرحـان الـحمالن وتحـوش

الـغزالن بـجـانـب ـواري والـض

باألفــنـان الــرياح تـلهـو حـني

ألــقـانـي فـال الــهـوى ودغــال

الخلجـان عـىل نــورس لـغـا أو

حاشية من سفر الليل

الطاهر لكنيزي

األمـانـي وصيـف يـا اللـيل، أيـها

كنت فـنـانا حـني تـقـصب فـيـنـا

لـك إزمـيــل نـاحـت و ســفـني

بـتهـاويـل األوهــام تـرسم فـجـرا

ورفـــش فـأس دون غـيض غـب

يا مـريـدا فـي جـبـة الشــيخ لـمـا

فيـك صـحـو و للــمصائـب مـحـو

كنت لـلـمهـزوميـن خيـر مــسـل

الــديـاجــي عـبـر األسـري فيـطيـر

كــهــل يــد العـكـاز فـي وتدير

للـغريـب الـمـنبوذ فـيــك لــقــاء

الــمراعي بصـهب الراعي ولناي

املـسافات طـيا تـطـوي بالتـناجي

كـنـت رجـع اســتنـاحة لـلثـكالـى

خــشـوع فــي لــضارع ودعــاء

فيــك يـلـقى العــليل بالـصـرب داء

أنت مـن هـدهـد الـعـوانـس حـتى

فــتـسللـن مــن ظـــالل الـــمرايا

وتـهــادين فــي دالل السـواقــي

بــوحا يـعــرصن الــوجد بأنـابيق

كـنـت يـا لـيـل خـيمـة لــيـس إال

كـيف أمـسـيـت لـلنـخـاسـة سـوقا

نـرس وكر يف الفـراخ تـرمي كيـف

أســـد بــآجـام الـمهـا وتـبـيت

و أنـا ســادر كــأنــفـاس دفـــلـى

فـي بحور الخــلـيل أبــحث عــني

ربـمـا كـنــت قــطـرة مــن رذاذ

Page 57: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 57

نصوص مغربية

أدماين الذي الـحرف أتـعـاطـى

الــكـتـمـان ســتـائـر جــللتـها

اإلدمــان مـفـازة فــي طـاعــن

الـعـمـيان جـوقة يف بصريأ أو

الــعـرفـان فـائق فــذا ال و ال،

اإلذعــان و الـخـنوع ربـيب يـا

األذهـان يـقـظـة تـذيك قـهـوة

أعــامين.. الـذي الحـب لـتـذوق

أتــهجــى الـغـرام فـي لـوح لييل

كــلام ألـقمـت الـقــصيـدة شـطـرا

وحـرون راعـف جـرحي مـزمـن

لست يـنـبوعا فـي ضـمري الصحارى

أو صـدى جـدجـد بـخـدر الـدوالـي

إنـمـا نـجـم رغــم روقـك أسـنـو

أرقـأ الـدمـع لـو يـريـق يـراعـي

فاتـخـذ أحــالم الـصغـار وســادا

Page 58: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 58

ملف

تــرانيم عند مقام »الهو«أمينة املريني

توقده ــريض ي ــم والــنــار هو وك

تنهده نفيس ،ومن هو والنسم

أشهده األعــضــاء ويف هو ألــقــاه

يهدهده ــواال م القلب لينبت

أشهده الليل ــذا وه هو أهـــواه

ممرده وهــاجــا ح ــرص ال فأدخل

ويبعده ـــريف ط إىل هــو يدنيه

أسامره وجه عن الحجب لريفع

فرقده ســال إذ ــق أل عىل عطر

ــيض يـــردده ــب ــو يف ن ــد ه مــخــل

يقيده يألو ال العشق ــدرة س يف

مــفــرده بالحسن آرس ــوج ــت م

يضمده للجرح نأمة يف مشهود

ــورده ي خــد يف الــرس والكاشف

مــرشده يفنى إذ الكل ليخلد

سريقده مفتونا ب املحج كيف

رسمده الخمس جهايت من شوقني

وق توصده؟ هول وكف الش باب الذ

موعده يحان والر الفلك ليستوي

مقعده عيني ويف حلم نثري

عسجده األنفاس ويف هو، النور

مــورده ب الص وروح هو ــاء وامل

واألنس هو، إذا ما استوحشت سجف

أورديت يجتاح الــذي هو وهــو

مرتهن ــروح ال وفيه هو ومنه

يشيد هو عروش الوصل ملء دمي

هل يكشف الكنه إال عن رساب سنا

ــده أجــس ال لكن الفيض كأنه

رمق بــرد عىل ومــق عىل جمر

ممتلك للقلب مــالــك مملك

يقلبه ـــي روح بــهــوى مكلف

ــده ي وضـــــاءة ــاســط ب مهيمن

ال هو إال هو املعلوم يف خلدي ال

حور ويف ــال خ يف ــرس ال املضمر

زمن من حبيه يف بعيض رشدت

زلزال طيني يف منفاي يعصف يب

يب د املوح وهو أنا البعيد أنا

وكيف غابة هذى الروح تطلع من

أوقفه الوجد هذا طوفان وأي

رفرفها املحو يف يرى الخيام لدى

الرسومات: فريد بلكاهية

Page 59: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 59

عبدهللا أبو بكر

موقف الشاعر ..............................................................................................................

الحديــث اليوم عن مواقف وترصيحات لشــعراء عرب حول ما يدور من نزاعات وثورات شــعبية

عارمة استطاعت أن تغري وجه الخارطة السياسية واالجتامعية هنا وهناك، حيث بات من الصعب

كــام يعتقد البعض أن يقف الشــاعر عىل خيط الحياد الذي ال ميكن أن يحمــل الواقف عليه لوقت طويل، ألنه

رسعان ما سيوقعه يف حفرة الشك من قبل اآلخر، ويرميه بحجارة االتهام والصمت .

ولكن، ما هو الحق هنا، وكيف ميكن أن ننحاز له إذا ما انقسم أصحاب الرأي إىل فريقني، كل واحد يجر الحقيقة

يف اتجاهــه نحــو ما ميكنه أن يوافق أفق تفكــريه ورؤيته الذاتية ملجريات األمور. هــل ال«نعم« هي الحق، أم

ال«ال«؟

بعض الشعراء مل يصمت كثريا، فقال كلمته واصطف خلف موقف واحد ال يقبل القسمة عىل معنيني. هنا ميكن

التوقف، كثريا، عند رأي الشــاعر، برصف النظر عن اسمه وحجم منجزه. ثم السؤال عن موقف الشاعر الذي هو

ليس محلال سياسيا، وليس عليه أن يرتك قصيدته لكتابة مقالة اقتصادية أو سياسية أو غري ذلك.

الشاعر مثله مثل أي فرد يعيش يف مجتمع ما، له رأيه، ولديه ما ميكن قوله يف هذه القضية أو تلك، وهو هنا ال

يعرب عن فكرته أو رأيه من منطلق انه الشــاعر، بل من منطلق إنســانيته وكونه الرشيك يف املجتمع وأحد أبنائه،

حاله حال ســائر الناس واألفراد. لذلك ال ميكن أن يحاكم الشاعر عىل موقفه كشاعر، وال ميكن أن نقحم قصيدته

أو نحارصها يف هذه املســاحة، فقد يكون الشــاعر متفوقا ككاتب شــعر، وموقفه يف حدث ما ليس كذلك، وقد

يكون العكس متاما.

ال بد من الفصل بني الشــاعر واإلنســان العادي يف داخل كل كاتب شــعر أو مبدع يف أي حقل كان، ألن الشــعر

كقيمــة فنيــة جاملية ال ميكن أن يكون موضع اتهام بناء عىل موقف صاحبه حول ما يدور يف محيطه، وما يقوله

الشاعر داخل منت القصيدة ال عالقة له مبا يقوله خارج هذا املنت، وإن كان ال بد من محاكمة، فلتكن عادلة، عرب

الفصل بني النص ومواقف كاتبه.

هذا الحمل الثقيل الذي يلقي به اآلخر عىل كاهل الشاعر، مجربا إياه ان يصطف خلف رأي أو حزب أو أن يكون

تابعا لفكر مجموعة من امليليشــيات أو املنظامت املشــبوهة، أنتج ما يشبه بأحزاب شــعرية تؤدي دورا بعيدا

عن اإلبداع والعمل األديب والثقايف، وهو ما شــهدناه كثريا يف اآلونــة األخرية، عندما تابعنا بعض األدباء واملثقفني

يتهافتون عىل شاشات التلفزة ويتحدثون كمحللني سياسيني أو عسكريني.

يف بعض البلدان التي شهدت التغيري، تم فيها مالحقة الشعراء، ورضبهم أحيانا، والشواهد هنا كثرية، حدث ذلك

نتيجة وصول التطرف إىل السلطة، وهنا فقط، ميكن للشاعر أن يقول كلمته يف مواجهة هذا الخراب

يكرث

Page 60: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 60

شعر وتشكيل

»أثر الفراشة«قراءة تشكيلية

القصيدة تقرأ أن أيضا يمكن شعرا، اللوحة قراءة يمكن فكما والتشكيل، الشعر بين مختلف لقاء هنا لمحمود درويش الفراشة« »أثر الذي رسم ديوان العامري الفنان والشاعر محمد تشكيليا، كما قام بذلك

بألوان التشكيل والمخيلة الفنية

محمد العامري

Page 61: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 61

كنت يف تلك اللحظة مشغوال برسم من فضاءات

كتاب »أثر الفراشة« للشاعر محمود درويش. فعىل

مدار أكرث من خمسة أشهر وأنا أحاور هذا الكتاب

الذي شغلني بجامليات اللغة املقطرة وما وصلت إليه

من تصوير شفيف لدى الصديق درويش. فهاتفته

يف لحظة انغامري بعمل فني ساد فيه اللون األبيض

وتجلياته الشفافة، فرد عىل هاتفي درويش وتبادلنا

حديثا ناعام وحنونا فيه من الحزن العميق والحرشجة

املخنوقة، وأخربته لكرس ذلك املزاج عن مرشوعي يف

رسم أثر الفراشة. وقال »عظيم يا محمد« وأردف قائال:

متى ستعرض تلك األعامل؟ قلت: يف العام 2009 يف

شهر فرباير/ شباط يف غالريي املرشق. فرد قائال: بعيد!

وانتهت املكاملة بعد ذلك بقليل وأخربت أخي الفنان

جهاد بأن درويش راحل واندهش أخي من سوداويتي

يف هذا الحدس .

وواصلت بحزن إكامل العمل كام لو أنني لن أرى

درويش مرة أخرى، فكان األبيض الشفاف ينترش عىل

سطح الورقة كام لو أنه شاشة طاهرة أقرب إىل الرحيل،

بل أقرب إىل موت ما، ولكنه ذلك اللون، كان فرحا كأن

رحيل األبيض ال يحتمل سوى الخفة والرشاقة.

ذلك األثر الذي انترش عىل جسد الورقة مل يغادرين

بعد كام حليب فائر يرضع من ريشة رسيعة تارة، وتارة

أخرى متوقفة يف نقطة ما، تلك النقطة التي تكاثرت يف

لحظات كانت تشبه رشقة ماء عىل تراب ناشف، نقاط

متتالية تتبادل مواقعها يف اللوحة وتأخذ ألوانا تشبه

بقعا عىل أجنحة فراشة برية.

ملعان تشكل من طريانها املرتبك يف حقل مهجور،

فالفراشة جنة صغرية تذهب وتؤوب للحظات ثم تغادر

وتؤوب كام لذة يف حني انتهائها نريدها مرات ومرات.

هكذا كان كتاب أثر الفراشة ..

فوتوغراف من هواء األصفر نص يف أثر الفراشة، كان ليمونيا ليسطو عىل

باليتة األلوان ويذهب يب إىل ذهب نادر بجوار األخرض

الجنزاري وخجل األحمر الوردي الذي بدا كنقطة

أثر الفراشة

مضيئة يف غابة من األصفر الليموين. ذلك األصفر يف

الكتابة الذي يقودك إىل دالالت أبعد من فكرة اللغة

يضعك يف حلم من الصور الطيفيـة؛ صور ال ميكن

القبض عليها لكنك تستطيع أن تراها واضحة. متاما كام

فوتوغراف من هواء وماء ينرسب من بني أصابع الذاكرة

ليواجهك يف جهة القلب.

وكام قال درويش عن عباد شمسه فام بني الليموين

وعباد الشمس مسافة من الحرية والعبودية، مسافة بني

اليد املمسكة بالريشة وبني بياض الورقة، البياض الصفر،

الواضح يف غموضه واملتمكن منك يف قامط الطفولة

وبياض الكفن.

كأن املسافة بني القامط والكفن تشبه املسافة بني

انحناءة عباد الشمس حني يغادرها الضوء وبني نهوضه

يف تسلل الضوء إليه، يعني أننا يف قرص العمر الذي

تطول به آنية اإلقامة بني ليل ونهار.

Page 62: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 62

طحني الفضة.. رشاقة املاء يف هذه التجربة متسكت بشكل غري اعتيادي باملاء

ودفقه عىل الورقة وسطح القامشة، حيث رحت

أراقب انتشارات املاء ومعادالتها الغريبة بني كثافة

اللون ورشاقة املاء. ذكرين ذلك بزمن كنا نصب

الحليب يف كأس الشاي.. تلك اإليقاعات عادت ثانية.

بني األزرق الساموي وبني صفاء املاء عىل بياض

الورقة أترك كل ذلك ملتعة املراقبة وتحريك املاء

عىل سطح الورقة. كان املاء قاربا وأنا النهر، نهر واسع

وأحالم تقودين نحو عبثية العمر ووهم الخلود. إنها

حقيقة ما تتمثل أمامك يف لحظة العشق ثم تغادرك

وترتكك كحجر مهجور يف برية مل يطأها أحد، فمن

شدة الوحشة تغيم عليك األشياء وكنت أشعر بارتباك

الراحل إىل عوامل ال أدركها؛ هي مسافة بني التذكر

والنسيان، مسافة بني حبل الغسيل واملالقط، مسافة

بني الشهقة والبكاء، مسافة بني ضياع الشكل وحضوره

بني الفوز واإلحباط، مسافة بني لوين الدم والحليب،

مسافة بني الظل والضوء.

كيف لي أن أقرأ شعر درويش دون قراءة لونه

ولون دالالت الجمل التي تنطلق بين السطور

كحصان جامح؟

شعر وتشكيل

مسافات ال ميكن القبض عليها بعبقرية السؤال الكبري.

اللون.. لغة.. لغة كيف يل أن أقرأ شعر درويش دون قراءة لونه ولون

دالالت الجمل التي تنطلق بني السطور كحصان جامح،

حيوية ال ميكن اللحاق بها إال يف الحلم إن أمكن.

كنت أذهب إىل املواربة بني بكائني؛ أحاول أن أجد

Page 63: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 63

أثر الفراشة

ريام

لعد ا

حم م

ت:حا

لوال

مخرجا لتحبري هذه اللحظة يف لغة الشكل واللون

والفراغ واالكتظاظ واملبادلة بني لون وآخر بني نقطة

ونقطة، بني خط متعرج ومستقيم، أعتقد أن الشعر

يكره الخط املستقيم وكذلك الرسم لذلك سموه بالخط

اليابس، فالرسم يحب الرائحة الطيبة.

ل بني خزامى وجاردينيا، كنت يف رائحة اللغة أتنق

بني لهاث متعب واستكانة مطمئنة، بني نهر مخرض

وبني استطالة ظل قريب، بني جذل الليمون وتساقط

الظل عن الورقة، بني فراشة سوداء وأخرى مبقعة

بالضوء، بني لون رشيق وآخر يرسو يف القاع، كام لو

أنني بني تناقضني؛ املمكن الحارض واملستحيل الغائب

بأثر املسافة، واملتنقل بخفة الذعر من معلوم قليل

وغيب كرثته قاسية، كاملار بني شعائر ال يعرفها، أمتتم

وأنأى عن اإلصغاء ألدخل يف صحوة الشكل ولغات

متفرعة تصطادين بني لون اللغة ولغة اللون، كقمرة ال

مير بها الحجل وفراغ أدرد ال زغب فيه، إنها املحاولة

اليائسة الصطياد القصيدة يف اللوحة واصطياد اللوحة

يف القصيدة.

خطان متوازيان يلتقيان يف لحظة ليفرتقا متاما كام فكرة

العاشق واملوت. أو كفكرة تنكرس وال تؤوب.

أغبط البلور يف الفراغ شفيف وأكرث منه املوت الرشيق، كانت األلوان كزجاج

مقرش يشف عن نورانية تحتشد بالنور، طريان من

نوع آخر ينوء ويخف باتجاه الطريان إىل سقف اللوحة

املقلوبة، فالسامء يف األسفل واألرض أعىل وأعىل كمن

يريد للثقل أن يخف عن هواء القصيدة ويرق إىل

مصاف الرتاب املقدس، ذلك الرتاب الذي تكتحل به

طراوة طفل جديد، كنت مقيام بني حرضتني؛ القصيدة

واللوحة، أجول يف عوامل لذاذات غموضها وجالل بهائها؛

إنها ناقصة كمساحة الهواء يف كأس املاء، هكذا كنت يف

اللوحة ناقصا وممتلئا بالهواجس وسؤال الفكرة.

دون تراجع كنت أروم البهجة وأقبض عىل انفالت املاء

يف الورقة كحرب طائش أود اللحاق به قبل أن ينأى،

إنه الحلم بني سامءين، سامء من اللون وسامء من

اللغة

Page 64: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 64

رحلة القصيدة إلى األغنية

سيرة مغناة للشعرلكي لعمليات جراحية أغاني، وتخضع إلى أن تتحول إلى تعديالت مختلفة قبل القصائد تتعرض الفنية تتم بموافقة الشاعر وتحت المعالجات الفنان والملحن، وبعض تستقيم مع مقاييس ومزاج

اشرافه، والبعض اآلخر يتولى أمره الملحن والفنان واحيانا الرقابة. لكل قصيدة مغناة حكاية تروى

رنا زيد

شعر وموسيقى

Page 65: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 65

أعاد الشاعر السوداين الهادي آدم )-1927 2006( صياغة

قصيدته »الغد«، املنشورة يف ديوان »كوخ األشواق«، من

أجل مطربة، هي أم كلثوم؛ وحدث ذلك، بعدما تواجدت

كوكب الرشق يف الخرطوم يف ديسمرب )كانون األول( يف عام

1968، حيث اختارت القصيدة لغنائها، من بني دواويني

شعراء سودانيني آخرين، وقد غري الشاعر موقع أبيات عدة،

من قصيدته املنشورة، عندما أصبحت أغنية ملحنة، وأهمل

أبياتا أخرى، كاألبيات التي تيل البيتني األول والثاين، وفيها

يقول آدم:» وأحييك ولكن بفؤادي أم يدي/ أم بطرف

خاشع اللمح كليل مجهد/ لست أدري كيف ألقاك ولكني

صدي/ ظامئ أرهقه البني وطول األمد«.

التعديل املذكور سابقا هو واحد من تعديالت أخرى، طالت

القصائد املكتوبة باللغة العربية الفصحى، والتي مل تكتب

من أجل الغناء، وإمنا اختارها مطربون وملحنون، يك تكون

أغنيات ملحنة، وقد أفرد الكاتب واملرتجم اللبناين فارس

يواكيم يف كتابه »حكايات األغاين: رحلة القصيدة من الديوان

إىل األغنية« )دار رياض الريس(، وقتا وجهدا إلعادة نقد

وجمع هذه الحاالت، التي تطرح تساؤال عن مدى أحقية

اللحن يف انتزاع القصيدة من مجدها النهايئ، وشكلها األخري،

املكتمل مبعناه وشكل حروفه. ويهمل يواكيم، )كتب نصوصا

مرسحية للكوميدي الراحل حسن عالء الدين »شوشو«، منها

مرسحية »آخ يا بلدنا«(، األغاين التي كتبت كلامتها باللغة

العامية، من طرحه النقدي يف »حكايات األغاين«، معلال ذلك

بأن تلك القصائد، يف معظمها، قصائد كتبت خصيصا من

أجل الغناء، حتى وإن خضعت لبعض التعديالت، وألم كلثوم

يف هذا ملسات، كام يوضح، ويستطرد فيذكر بعض األحاديث

املنقولة عن تدخلها يف سياق القصائد، كالحادثة التي أعلم

املؤلف بها، املنتج السيناميئ روفائيل جبور، أو التي سمعها

منقولة، عىل لسان أحدهم، يقول :»كام علمت أن أحمد

شفيق كامل، كان كتب مطلع أغنية »إنت عمري«، يقول

:»شوقوين عينيك أليامي اليل راحو«، فقالت كوكب الرشق :

»رجعوين عينيك«، واستعذب الشاعر التغيري«.

ويبني يواكيم كتابه بناء عىل مسريته الشخصية، ومعرفته

بقصص األغنيات، وبحثه، ومراجعته أصول القصائد، يف كتبها

األصلية، ويجمع يف الكتاب مقاالت مفصلة ومستفيضة، عن

أغان عربية مشهورة، كتبها شعراء مرموقون، واستهوت أهل

النغم، فلحنوها، وتجاهل املؤلف هنا األغنيات التي كتبها

الشعراء بناء عىل طلب من ملحن أو مغن، ومنها عىل سبيل

املثال كام يذكر، أغنية »يا رشاعا وراء دجلة«، التي لحنها

وأنشدها محمد عبد الوهاب، أمام ملك العراق فيصل األول،

مبناسبة زيارته، إىل بغداد سنة 1931، والسبب هو أن الشاعر

أحمد شوقي نظمها من أجل تلك املناسبة، أو قصيدة »سوف

أحيا« التي كتبها مريس جميل عزيز، يك تغنيها املطربة فريوز،

بشكل خاص، وقد سجلتها املطربة اللبنانية مع أغان أخرى،

وأنتجتها وقتذاك، إذاعة »صوت العرب« أثناء زيارة فريوز

األوىل إىل القاهرة، يف سنة 1955. ويضاف إىل ذلك االستثناء

القصائد التي كتبها األخوان رحباين، ولحنها وغنتها فريوز،

ألنها كتبت من أجل الغناء، كام يربر يواكيم، وبالفعل، فإن

الكتاب يأخذ شكال ناضجا وموسعا يف نظرته إىل القصائد،

وحكاياتها بعدما صارت أغان، وهنا، يرى واكيم أن القصائد

التي مل تعدل أو تحور، ومل يصبها أي تغيري، ال حكاية لها

فيعدل عن وضعها يف الكتاب، ومن األمثلة عىل ذلك، قصيدة

»أيظن« املنشورة يف ديوان »حبيبتي« للشاعر السوري نزار

قباين، والتي لحنها محمد عبد الوهاب، كاملة من دون تغيري

فارس يواكيم

حكايات األغاني

Page 66: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 66

كلمة، وغنتها نجاة الصغرية.

وهناك أيضا أغنيات مل يعرث املؤلف عىل كلامتها منشورة،

فلم يتمكن من املقارنة بني القصيدة األصلية، وقصيدة

األغنية، ومنها أغنية »لقاء« التي غناها عبد الحليم حافظ،

من ألحان كامل الطويل، عن قصيدة للشاعر صالح عبد

الصبور، يقول يف مطلعها :«بعد عامني التقيا ها هنا/

والدجى يغمر وجه املغرب«.

إعادة بناء شعريوال يزعم يواكيم، كام يقول يف مقدمة كتابه أنه يحيط،

بكل القصائد العربية املغناة، بل يتناول أبرزها، ويعرضها،

حسب أسامء الشعراء، من األقدم إىل األحدث؛ وقد استعان

املؤلف يف رحلته النقدية، هذه، مبا متت أرشفته يف الكتب،

والتسجيالت الصوتية، ومن اكتشافاته يف الكتاب، عثوره عىل

أبيات ألحمد شوقي، غري مثبتة يف دواوينه، ومنها أغنيات

عن قصائد لشعراء، من أمثال : عباس محمود العقاد، وخليل

مطران، وعالل الفايس، ومن االكتشافات أيضا، أن خمسة

مطربني عرب غنوا قصيدة واحدة، للشاعر اللبناين إلياس

فرحات، بألحان مختلفة، فيام مل يغنها أحد من مطريب بلده.

إضافة إىل ندرة، ما لحن من قصائد الشاعر عمر أبو ريشة،

رغم صعوبة تلحني شعره.

ويف القرن التاسع عرش غنى يوسف املنيالوي )1911-1850(،

قصيدة أيب نواس، »حامل الهوى تعب .. يستخفه الطرب«،

ثم غنت فريوز القصيدة ذاتها، بلحن األخوين الرحباين يف

القرن العرشين، ومثة قصائد غناها أكرث من صوت، إذ غنى

ناظم الغزايل وصباح فخري، قصيدة الشاعر مسيكن الدرامي

»قل للمليحة يف الخامر األسود .. ماذا فعلت بناسك متعبد«،

كام غنت فريوز وعبد الهادي بلخياط، موشح »ياليل الصب«

للحرصي القريواين، أيضا غنت فريوز، بيتني من شعر أيب

العتاهية، ومن ألحان محمد محسن، هام : »ويل فؤاد إذا

طال العذاب به .. هام اشتياقا إىل لقيا معذبه/ يفديك

من نفس صب لو يكون له .. أعز من نفسه يشء فداك

به«.

طبعا هناك أمثلة عدة، يف »حكايات األغاين« عىل التلحني،

من الرتاث )له باب يف الكتاب( أيضا. ولحن األخوين

الرحباين، ثم غنت فريوز، مقطعة للشاعر العبايس أيب نواس،

من أربعة أبيات:»يا غزاال يف كثيب .. رق يف الحسن

وطيب/ يا قريب الدار، ما وصلك مني بقريب/ يا حبيبي،

بأيب، أنسيتني كل حبيب/ لشقايئ صاغك الله حبيبا

للقلوب«، والبيت األول، الذي غنته فريوز مل يكن كذلك

يف ديوان أيب نواس وقد اضطر األخوان الرحباين، إىل إعادة

صياغته. كام غنت فريوز، من شعر أيب نواس، القصيدة التي

مطلعها :«يا خلييل ساعة ال ترميا .. وعىل ذي صبابة فأقيام«.

وقد اقترصت األغنية عىل البيتني األولني، والقصيدة مؤلفة

من ستة أبيات، ومن األبيات التي مل تلحن، نذكر :»ذكرتني

الهوى وهن رميم .. كيف لو مل يكن رصن رميام«.

يربط املؤلف األغاين بأسامء الشعراء، أي أنه يفتح أبوابا يف

الكتاب، للشعراء، وما أخذ من قصائدهم ولحن، ليتم تناول

كل شاعر من الشعراء، والحكايات عن قصائده، وما جرى لها

جربان خليل جربان

كتب أحمد شفيق كامل، مطلع أغنية »إنت عمري«،

يقول :»شوقوني عينيك أليامي اللي راحو«، فقالت كوكب الشرق : »رجعوني عينيك«،

واستعذب الشاعر التغيير

شعر وموسيقى

Page 67: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 67

من تعديل أو قص، وأحيانا إعادة بناء شعري من قبل شعراء

آخرين، كام حصل مع قصائد جربان خليل جربان، املأخوذة

من كتاب »النبي«)نرش ألول مرة يف عام 1923(، حيث اختار

األخوان الرحباين بعض املقاطع من كتاب النبي، ولحناها

يف لوحة غنائية أنشدتها فريوز، وحملت األسطوانة عنوان

»املحبة«، وهو عنوان أحد فصول الكتاب، والرتجمة عن

اإلنكليزية »love«، تحتمل املحبة كام تحتمل الحب، كام

ترجمها يوسف الخال، وكام يوضح كتاب »حكايات األغاين«،

اعتمد األخوان الرحباين، عىل ترجمة الخوري أنطونيوس

بشري، وأعادا صياغة بعض العبارات، مبا يتوافق مع التلحني،

من دون أي مساس باملعنى األصيل. وبسبب الرتجمة النرثية

لكتاب »النبي«، املعزولة عن أي لحن أو وزن، كان من

الرضوري ابتكار ما يعوض النقص، وهذا ما فعله األخوان

رحباين، كام يشري املؤلف، حيث أعادا أيضا صياغة بعض

التعابري، وأيضا فعل الخوري أنطونيوس بشري، ويضع يواكيم

خطوطا عىل التعديالت الطارئة، ثم أقواسا من أجل اإلشارة

إىل اختصارات الرحابنة، بحكم مقتضيات اللحن؛ فمثال وضع

املقطع:»إذا املحبة أومت إليكم، فاتبعوها«، بدال من:»إذا

أشارت املحبة إليكم، فاتبعوها«، طبعا هذا تعديل طفيف،

إذا ما قورن مع حذف جمل بأكملها، كام يف :«صعد إىل

إحدى التالل«، وكانت يف األصل، معادة الصياغة من بشري،

عىل الشكل التايل :»صعد إىل قنة، إحدى التالل، القامئة وراء

جدران املدينة«.

»حكايات األغاين« يحوي سرية القصائد الفصيحة املغناة

لـ 37 شاعرا، منهم :«أبو فراس الحمداين، عمر الخيام، أبو

القاسم الشايب، خليل مطران، إيليا أبو مايض، عباس محمود

العقاد، بدر شاكر السياب، عمر أبو ريشة، رياض املعلوف،

فدوى طوقانن محمود درويش، منصور الرحباين، سميح

القاسم، عز الدين املنارصة.. وغريهم. ويف إحدى الحكايات

نقع عىل قصيدة »الحرية« التي كتبها الشاعر املرصي املقل

كامل الشناوي )1908-1965(، إبان عمليات املقاومة التي

نشط فيها الفدائيون املرصيون ضد قوات االحتالل الربيطاين،

قبل 23 متوز )يوليو( 1952، وقد لحن القصيدة وغناها

، اإلذاعة املرصية منعت بث األغنية محمد عبد الوهاب، لكن

بسبب اعرتاض الرقابة، ومل يسمح ببثها إال بعد رحيل امللك

فاروق، فأصبحت النشيد الوطني املرصي من عام 1952، إىل

عام 1960، واقتبست مقدمتها املوسيقية، شارة نرشة األخبار،

يف اإلذاعة املرصية، وما زالت حتى اليوم تقتبس، وغناها

بسبب الترجمة النثرية لكتاب »النبي«، المعزولة عن أي لحن

أو وزن، كان من الضروري ابتكار ما يعوض النقص،

وهذا ما فعله األخوان رحباني، حيث أعادا أيضا صياغة بعض التعابير وحذف جمل بأكملها

األخوين الرحباينأحمد شفيق كامل

حكايات األغاني

Page 68: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 68

عبد الوهاب كاملة مع تعديل لفظة واحدة، يف البيت األول،

وهي :) حبك أصبحت صربك(، يقول البيت :»كنت يف صمتك

مرغم .. كنت يف صربك مكره«.

سيطرة اللحنويف حكاية أخرىى، يورد يواكيم، أن الشاعر السوري عمر

أبو ريشة )1910-1990( ألقى قصيدته »عرس املجد« يف

عام 1947، يف الحفلة التذكارية التي أقيمت ابتهاجا بجالء

الفرنسيني، والقصيدة طويلة نسبيا، يف نحو ستني بيتا، غنت

سلوى مدحت، تسعة أبيات، منها، من ألحان فيلمون وهبي،

الذي مل يكن معتادا عىل تلحني القصائد الكالسيكية، إذ

كان موهوبا يف التلحني املوسيقي الشعبي، الخمسة أبيات

األوىل يف األغنية، هي ذاتها يف قصيدة الديوان، ومطلعها:«

يا عروس املجد تيهي واسحبي .. يف مغانينا ذيول الشهب«،

وبعد سبعة عرش بيتا غري ملحن، تأيت يف األغنية أربعة أبيات

متتالية، جاءت بعد ما حذف، ويتم تغيري لفظة واحدة يف

إحدى البيوت الشعرية هي »أفراسنا«، لتصري »أجيادنا«،

والتعديل أجراه الشاعر، كام يوضح املؤلف، والكلمتان

تحمالن املعنى ذاته، ويبدي يواكيم رأيه قائال: »لعل

أجيادنا أرق يف الغناء، وإذا انتهت األغنية عند ذاك الحد،

فلقد اسرتسل عمر أبو ريشة يف نبضه الحار«، يقصد شعريا

وعروبيا، حيث كتبت القصيدة قبل نكبة فلسطني، يف عام

1948، وفيها يقول أبو ريشة :»أين يف القدس ضلوع غضة

.. مل تالمسها ذنايب عقرب؟/ يا روايب القدس يا مجىل السنا

.. يارؤى عيىس عىل جفن النبي«.

يعرف الكتاب بأبيات ومقاطع شعرية غائبة عن الذهن،

بسبب سيطرة اللحن عىل شكل القصيدة األصيل، بحيث

يصعب استذكار األصل، أو تحديد الطول الحقيقي، وترتيب

األبيات، فغالبا ما يعمد املطربون وامللحنون إىل اختيار

األشطر واألبيات، التي يظنون أنها األكرث تأثريا، واألسهل يف

توصيل املعنى، ويف حكاية قصيدة الشاعر الكويتي محمد

الفايز )1938-1991(، نرى الجانب امللحمي كيف طوع،

وبعرث ترتيب األبيات يف امللحمة الشعرية التي كتبها الشاعر،

من مثاين عرشة لوحة، تحت عنوان »مذكرات بحار«وقد

لحن غنام الديكان، بعضا من أبيات هذه امللحمة، وغناها

شادي الخليج، وتقول امللحمة يف مطلعها، وتحيك عن رصاع

بحار مع البحر، بعيدا عن الصحراء الجافة:»سأعيد للدنيا

حديث السندباد/ ماذا يكون السندباد؟/ شتان ما بني

خيال مجنون وعمالق تراه/ يطوي البحار عىل هواه/

بحباله .. برشاعه .. بإرادة فوق النجوم/ بيد تكاد عروقها

الزرقاء ترتجل النجوم«. ومن األبيات التي مل تغن، نورد

:»مازلت أذكر كل يشء عن مدينتنا القدمية/ عن حاريت

الرملية الصفراء واملقل الحزينة/ ملا نحدق يف السامء عىل

السطوح/ نضبت جرار املاء والغدران مثل يد البخيل«.

أما عن أغنيات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش

)1941-2008(، فقد كان أول لقاء بني الشاعر واملوسيقى

عرب قصيدة »بطاقة هوية« التي حولها مغناة درامية

املوسيقي، املقديس املولد، والبريويت النشأة سلفادور عرنيطة،

وقدم املغناة للمرة األوىل يف قاعة سيد درويش يف القاهرة،

يف صيف 1970، وقد شارك يف أدائها أوركسرت القاهرة

السيمفوين، وكورال أوبرا القاهرة، ويف وقت الحق لحنها،

غازي مكدايش، وغنتها فرقة الكورس الشعبي يف بريوت، وقد

اشتهرت القصيدة مبطلعها، »سجل أنا عريب«.

ولحن شعر محمود درويش، ثم غني، من قبل أصوات عدة،

من أمثال : »بول مطر، وعابد عازارية، وأحمد قعبور، وخالد

الهرب، وأسامة حالق، وصوال بشار زرقان إىل كاميليا جربان.

لكن، املوسيقي اللبناين مرسيل خليفة، لحن قصائد درويش

من دون تغيري كلمة أو اختصار ملقطع شعري، سوى أغنية

الكمنجات، التي أداها مع فرقة امليادين، )وهي عن قصيدة،

باالسم نفسه، من ديوان »أحد عرش كوكبا«(، فالتغيري اقترص

كامل الشناوي

شعر وموسيقى

Page 69: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 69

عىل اختصار بعض األبيات، ومنها: »الكمنجات شكوى

الحرير املجعد يف ليلة العاشقة/ الكمنجات صوت

النبيذ البعيد عىل رغبة سابقة/ الكمنجات تتبعني ههنا

وهناك لتثأر مني/ الكمنجات تبحث عني لتقتلني، أينام

وجدتني«، وهنا يكمن رس موسيقى خليفة، التي طوعت

أغلب القصائد، دومنا حاجة للخروج باكلامت القصيدة

إىل سياق اللحن الجاف، لقد جعل خليفة، اللحن ملحقا

بالقصيدة، ومتناميا معها، من دون تشويه يف تكوينها

الروحي واملعنوي، كام اختار خليفة مقاطعا من قصيدة

»بريوت«)ديوان »حصار ملدائح البحر«(، وسميت األغنية

»بريوت نجمتنا«.

إن الكتاب يستدرك، هذه املعلومات الحكائية، بطريقة

أرشيفية، تشكل فيام بعد مرجعا ألي بحث، عن القصائد

الفصيحة املغناة، ومع البحث والنقد، تربز يف الكتاب أغنيات

وصلت مع ألحان معارصة رسيعة وشعبية يف الوقت ذاته،

ومنها قصيدة »مع جريدة« التي غنتها ماجدة الرومي،

من قصيدة الشاعر السوري نزار قباين )-1923 1998(،

والقصيدة من ديوان »قصائد«، وهي يف األساس كانت قد

أثارت، مع نرشها مقارنة مع قصيدة مامثلة للشاعر الفرنيس

جاك بريفري، عنوانها »فطور الصباح«، وميكن القول )حسب

يواكيم( إن قباين ترجم، قصيدة بريفري بترصف، أو أعاد

صياغتها بلغته، والسياق العام للقصيدة يوحي، بأن أحداثها

جرت يف مقهى بارييس، وقت فطور الصباح، وهي بلسان

امرأة انفعلت من تجاهل الرجل لها، ويبني قباين قصيدته،

عىل يشء مشابه، تقول قصيدة جاك بريفري:»سكب القهوة

يف الفنجان/ وسكب الحليب يف فنجان القهوة/ وضع

السكر يف فنجان القهوة بالحليب/ وبامللعقة الصغرية

ذوب السكر/ رشب القهوة بالحليب/ وأرخى الفنجان من

دون أن يكلمني«، وهنا يستطرد املؤلف ليرشح أن قباين،

أضاف عىل قصيدته، بعدما أراد جامل سالمة أن يلحنها،

للرومي، ويعتقد املؤلف الباحث، أنه فعل ذلك رمبا ليباعد

بينها وبني قصيدة بريفري، من حيث الشكل الشعري، أو

يك يطول القصيدة القصرية املنشورة، ومام أضيف :»ويف

فمي ذوب وردتني/ ذوبني .. مللمني .. بعرثين/ رشب

من فنجانه/ سافرت يف دخانه، ما عرفت أين؟«. وحذف

مقطعا يتقدم األبيات هذه، هو :«ذوبني، ذوب قطعتني«.

يشكر يواكيم، ثالثة أصدقاء يف نهاية الكتاب قدموا له

معلومات حول األغاين، هم :«الناقد السوداين عالء الدين

اآلغا، واملؤرخ اللبناين محمود الزيباوي، والشاعرة املغربية

ريم نجمي«.

إن كتاب »حكايات األغاين«، يطرح تساؤال ملحا، عن مدى

أحقية املؤلفني املوسيقيني، واملغنني، يف التالعب بكلامت،

آمنة يف صفحات كتبها، إنها قصائد أخذت شكلها النهايئ،

فجاء من يبدل فيها، ويغري، وكام يوضح البحث، هناك

من الشعراء من عدل، من أجل األغنيات كلامته السابقة

املستقرة، وانقلب عليها

إن كتاب »حكايات األغاني«، يطرح تساؤال ملحا، عن مدى أحقية المؤلفين

الموسيقيين، والمغنين، في التالعب بكلمات، آمنة في صفحات كتبها، إنها قصائد

أخذت شكلها النهائي، فجاء من يبدل فيها، ويغير

شوي

درد

مومح

ينقبا

ر نزا

حكايات األغاني

Page 70: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 70

الشاعر حسن طلب

لن يبقى من شعر الثورة سوى القليل

يظل اسم حسن طلب متفردا بني أبناء جيله من »السبعينيني«، لجهة إبداعه املختلف الذي »يلعب« عىل فكرة اللغة

ويقرنها بالفلسفة والتاريخ..مصطلحاتهام ومصادرهام، وينحت نحتا يف اللغة خالقا ثنائية تزاوج بني اليومي والقديم،

ل والرتايث والحدايث، وهو يف هذا كله يستمد من معني ال ينضب من األدب الصويف واإلسالمي. تتالت دواوينه تؤص

لخطه الخاص منذ أول السبعينيات وآخرها ثالثيته الشعرية »إنجيل الثورة وقرآنها«، العمل الشعري األول املتبلور

الذي يكتب من ميدان التحرير إبان أحداث الثورة ويوثق لها بصورة شعرية انتهجت التوثيق ومل تغفل الصياغة

الفنية.

حول ديوانه األخري عن الثورة، وموقفه من لجنة الشعر الجديدة باملجلس األعىل للثقافة يف مرص، ورأيه يف املشهد

النقدي القائم، التقينا أستاذ الفلسفة وعلم الجامل بجامعة حلوان.

القاهرة- حمزة قناوي

النقاد حادوا عن أدوارهم في التعاطي مع الشعر والتفوا حول مكاسبهم

الخاصة

حوار

Page 71: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 71

كنت من أوائل الشعراء الذين

كتبوا عن الثورة من مشهدها

األفقي يف ميدان التحرير، يف

ثالثيتك »إنجيل الثورة وقرآنها«،

كيف تقيم ما كتب عنها يف ظل

اسا ال حس ما وصلت إليه، هل كان الشعر مرآويا ومسج

للثورة يف عملك وفيام تاله من أعامل آخرين؟

■ األمر ال يقيم باألسبقية أو األولوية، إمنا املسألة هي كيف تكون الكتابة عن »امليدان« حقيقية تجمع بني

الشعر وبني صورة امليدان، وهي صورة سياسية للثورة

تعكس أيقونتها، وأرى أن كثريا مام كتب من الشعر

من قلب امليدان بالتزامن مع الثورة كان وفيا لجانب

دون اآلخر، ويندر أن نجد شعرا

كان وفيا للجانبني معا، فالشعر

الذي نعت بأنه »شعر الثورة«

يعتمد الجانب الصاخب من الثورة

وشعاراتها واستلهام أحداثها، دون

أن نجد جوهر الشعر الحقيقي من

عر ذلك كله. يف مسألة الثورة الش

الجيد قليل والشعار الثوري طغى

عر، وقد علمنا التاريخ عىل الش

أن األحداث الكربى تلهم الشعراء

ويصاحبها شعر كثري، ولكن ما يبقى

هو القليل الجيد الذي يرتكز عىل

الصورة الشعرية.. فإبان ثورة يوليو كتب كثري من الشعر

وال نتذكر منه إال الجيد باملنظور الفني، نتذكر من هذا

العرص »الثوري« غزليات إبراهيم ناجي! أتصور أن ذلك

سينسحب عىل شعر ثورة يناير أيضا الذي لن نتذكر منه

إال الجيد الذي عني بالصورة والقيمة الفنية والخيال وهو

قليل، أما الباقي فسيكون مصريه النسيان ألنه تخىل عن

عار. الشعر يف سبيل الش

أما عن تجربتي الشعرية فهي للتاريخ ومازلت أكتب،

ومرشوعي الذي ذكرته عن الثورة ثالثية شعرية بعنوان

»إنجيل الثورة وقرآنها« تضم الجزء األول »آية امليدان«

والجزء الثاين »إصحاح الثورة« والثالث »سفر الشهداء«.

منذ وقت بعيد تتداول مقولة أن هذا الزمن »زمن

الرواية« فهل تتوقع استمرار غلبة هذا النوع من األدب

ر هذا الحدث القومي الهائل؟ هل عىل الشعر بعد تفج

تكون الرواية هي األكرث قدرة عىل التعبري عن الثورة؟

■ سأختلف معك، فهناك روايات كثرية عن الثورة وهي ممتازة، مثل روايات إبراهيم عبداملجيد التي ال تقل

عن ديوان الراحل حلمي سامل الذي أنجزه عن الثورة

»ارفع رأسك عالية«، وهناك أيضا أعامل أخرى مل تصدر

يف شكل دواوين بعد كقصائد محمد سليامن، وتعد من

أهم أعامل ما بعد الثورة، هل يعقل بعد هذا كله أن

نتغافل عن الشعر ودوره؟ إن اإلبداع يف الفن واألدب

ال ينحاز لنوع دون اآلخر، فكل أنواع

األدب قامئة، ولكن لن يبقى منها إال

الفن الحقيقي، وكل أنواع اآلداب

تستعني ببعضها بعضا وتنفتح آفاقها

كل عىل اآلخر، فالرواية تستعني بالشعر

عر يستفيد وتستخدم لغة اإليحاء، والش

من الرواية ويلجأ إىل الرسد، وبالتايل

فإن كل أطياف الفن الثوري- الذي يعد

لة كل هذه الفنون من األدب محص

والتشكيل واملوسيقى والسينام- من

املمكن أن تتشارك يف رسم لوحة كبرية

متعددة األلوان اسمها لوحة الثورة.

ديكتاتورية الفنكنت من بني األعضاء املستقيلني من لجنة الشعر

باملجلس األعىل للثقافة، وهي املمثل الرسمي للشعر يف

مت بقيادة أحمد مرص، يف االستقالة الجامعية التي قد

ة يف الوسط الثقايف عبد املعطي حجازي وأثارت ضج

املرصي. ما الذي دفعك لتبني وجهة نظر الشعراء

املستقيلني، علام أنك تؤكد دوما بأن أفكارك مع التجديد؟

رك كيف سيتغري عمل اللجنة اآلن وتوجهاتها ويف تصو

بعد استقالة قدامى األعضاء منها؟

حسن طلب

Page 72: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 72

■ يف حقيقة األمر أنا مل أنسحب مع حجازي مثل محمد أبوسنة، وإمنا انسحبت اعرتاضا عىل الطريقة التي تم

بها تشكيل اللجنة ليك يتملقوا من خاللها الشباب

وشعراء األقاليم الذين أتوا إىل اللجنة يف عهد د. عامد

أبوغازي وزير الثقافة السابق واألمني العام للمجلس

األعىل للثقافة، هذه سياسة أقرها فأتوا مبجموعة من

الشعراء الذين مل نسمع بهم من قبل، وبجانب هؤالء

أتوا مبجموعة تتخيل أن لجنة الشعر مكان لتحقيق

املكاسب واملصالح، كيف للجنة من هذا النوع أن تخدم

الثقافة املرصية؟! كان ال بد أن أستقيل منها، ال أن أكون

صوتا يف هذه الجوقة، وال أعتقد أن هذه اللجنة صنعت

شيئا هذا العام من أجل القضية الشعرية، إن الفن عامة

والشعر خاصة ال بد أن تكون بهام ديكتاتورية، والتشكيل

القديم تم العصف به تحت شعار الدميقراطية، فجاؤوا

بشعراء من األقاليم واملغمورين! والدميقراطية عندما

ترفع ال تكون لها كلمة حق يف مجال الفن والشعر، هناك

مواهب كربى وقامات شعرية رفيعة وشعراء مهمون،

فكيف نسوي بني هذا وذاك؟ لذلك فإن الدول املتقدمة

أقامت »مجمع الخالدين« ليضم القمم واملبدعني الندرة

يف الفنون والفكر، وتستغل خرباتهم ومواهبهم وقدراتهم

عىل قيادة الحركة الفكرية واإلبداعية بدال من أن

تعاملهم بتهميش، ولذلك فإن الدميقراطية غري مستحبة

يف مثل هذه األمور، ألنها أتت بأناس عىل غري هذه

الديمقراطية ال تتسق وطبيعة اإلبداع.. ولجنة الشعر الحالية تملق محض للشباب! قوامها مجموعة من شعراء األقاليم

والمغمورين.. كيف سيخدمون الثقافة المصرية؟!

حوار

Page 73: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 73

املعايري، فنحن لسنا يف انتخابات »مجلس شعب« إمنا أمام

مواهب وفكر وتاريخ.

يف ترصيح قريب لك قلت إن جيل السبعينيات أصبح

»مجرد ذكرى وتاريخ«. فمن أي جانب تقصد ذلك؟ هل

انتهت فاعلية هذا الجيل وحراكه عىل الساحة الشعرية؟

أم أن األجيال الالحقة عليه مبا أتت به من أساليب تجديد

وتطوير ورؤية مغايرة جعلت صورة هذا الجيل تتالىش؟

■ أقصد هذا كله، أقصد عدة معان، أولها ما تم أخذه عىل هذا الجيل بجملته، والحكم عليه بشكل عام،

وهذا مل يعد ممكنا، ألن هذا الجيل أفرز يف نهايته قلة

من الشعراء، فكان يجب الحكم عىل كل شاعر مبفرده

مبا قام بإنجازه وحده وليس من خالل انتامئه إىل جيل

، فاإلبداع فردي يف النهاية، وكل مبدع يختص مبنجزه معني

اإلبداعي الذايت ويساءل عنه بعيدا عن جيله، والذكرى

ليست دامئا سيئة.

من ناحية أخرى علينا أن ننىس الطريقة التي نشأ بها

هذا الجيل، ألنه نشأ يف جامعات مل تعد موجودة فعليا

اآلن، ولكن يف النهاية نحن أمام قامات شعرية ظهرت يف

هذا الجيل مثل حلمي سامل ومحمد سليامن وعبداملنعم

رمضان.

لون قصيدة النرث ما وصل إليه الشعر الكثريون يحم

عموما من تراجع وانفضاض للمتلقني عنه، فهل أنت مع

هذا الرأي أم أنه يفتئت عىل شكل من أشكال التجديد

والتجريب األديب؟

هذا التصور يحمل قدرا من الظلم لقصيدة النرث، ألن

انرصاف األمور نسبيا عن الشعر له أسباب أخرى، من

هذه األسباب انتشار الصورة واإلعالم املريئ وأجهزة

االتصال الحديثة، فالفنون املرئية أحد العوامل الهامة

يف االنرصاف عن الشعر، ويف هذا االعتبار فإن فكرة

الكتاب والقراءة ترتاجع إجامال بغض النظر عن األنواع

األدبية وتباينها، إذا فقصيدة النرث ليست املسؤولة

وحدها، ألن دواوين شعر التفعيلة تراجعت يف مبيعاتها

أيضا- وهو معيار للتلقي.

وأعتقد أن أحمد شوقي اآلن ال يجد اإلقبال نفسه مثلام

كان اإلقبال عليه منذ عقود. أرى أن قصيدة النرث حركة

طليعية وابتكارية، مبعنى أنها تجريبية قد تنجح وقد

تفشل، وعلينا أن نعطيها حق الوجود ثم نرتك الحكم

ه والذائقة للمتلقي، فإذا استطاعت وتحديد التوج

قصيدة النرث أن تلبي حاجة الجمهور ويجد فيها القراء

يف املقابل ما يبحثون عنه من حساسية مختلفة وتعبري

عن ذواتهم فال بأس، وإن مل تستطع أن تشبع رغبة

املتلقي وطموحه الفني فلن تكمل، ولكن من خالل

وجودها الحقيقي منذ السبعينيات فإن املؤرشات

بشأنها سلبية، وتقول إن هذه التجربة »الطليعية« مل

تنجح عىل الرغم من وجودها منذ أربعة عقود.

سقوط النقادذكرت من قبل أن كبار النقاد حادوا عن مهمتهم

حسن طلب

Page 74: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 74

األساسية ومل يعودوا يقومون بنرش الوعي واإلضاءة عىل

النصوص واألخذ بيد الجيد من الشعراء.. إلخ، وذهبوا إىل

مكتسباتهم الخاصة والبحث عن مصالحهم.. يف رأيك هل

هذا مسئول عن تراجع دور األدب يف املجتمع وضعف

االهتامم به أم أن هذه ) جرمية فردية( كام أن للشعراء

أخطاء مشابهة موازية؟

■ نعم صحيح، فغياب الدور املسؤول للنقد األديب بشكل عام والنقد الشعري بشكل خاص جعل الجمهور ال يقبل

عىل الشعر.هناك دائرة تتكون من ثالث حلقات، هي

الشاعر الذي ينظم الشعر واملتلقي املتذوق، ويف املنتصف

هناك الناقد الذي يحاول أن يقدم للقراء خريطة للواقع

الشعري، ويأخذ بيد القارئ ويقدم له ما هو جيد من

الشعر وكيف ميكن للقارئ أن يتذوقه، وهذه أسئلة

يجيب عليها الناقد، فإذا تخىل الناقد عن دوره انفتحت

اد هذه الدائرة بسقوط حلقة مهمة منها، وكان هناك نق

مثل لويس عوض، وشكري عياد، وعزالدين إسامعيل كان

الشعر يف أيامهم مزدهرا، ألنهم كانوا يقيمون ندوات و

ينشئون دراسات لتعريف القارئ أن هناك ديوانا جيدا

أو أن هناك حدثا ما مهام يستحق املتابعة، ألن القارئ

يحتاج إىل من ييضء له ويشري إىل القيمة وما يستحق،

ولهذا نعم أحملهم املسؤولية كاملة عن املشهد املفكك

القائم حاليا.

أعتقد أن أحمد شوقي اآلنال يجد اإلقبال نفسه مثلما كان اإلقبال عليه منذ عقود، أرى أن

قصيدة النثر حركة طليعية وابتكارية، بمعنى أنها تجريبية

قد تنجح وقد تفشل

هل تتوقع أن تفرز املرحلة الحالية يف الواقع العريب

أشكاال مستحدثة من اإلبداع األديب، أو اإلبداع الشعري

عىل وجه الخصوص، أم أن جدلية التأثري والتأثر بني

الحدث والفن تفرض أن يكون األدب تابعا ومنتظرا

النتيجة التي تستقر عليها البنى السياسية واالجتامعية؟

■ سؤال من الصعب أن نجيب عنه، فعلينا ان نسأل أنفسنا: هل الشعر والفن عموما يقودان إىل التغيري أم

أنه يتجه إليهام؟،إذا اعتقدنا أن الشعر والفن يقودان

حوار

يبجا

د حم

مان

فنال

Page 75: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 75

وهذا عىل مسار ومنوال ما فعلته يف »إنجيل الثورة

وقرآنها« هل هذا التوثيق، عامة، يستمد أهميته من

الحدث أم من القيمة الفنية األصيلة للعمل الفني؟

■ إن الدور الذي يلعبه الشعر واألدب يف توثيق

األحداث الكربى موجود عرب التاريخ، وال ميكن أن ننكره،

وسنجد أن ظهور اإلسالم صاحبه وجود شعراء ملدح

الرسول أو للكتابة عن اإلسالم، وأيضا يف عرص الفتوحات

اإلسالمية ظهر شعر الفتوحات، ولكن هذا الدور الذي

يقوم به الشعر له رضورة تاريخية وليس أهمية فنية،

مثل قصيدة أبو متام عندما قال: »السيف أصدق إنباء من

ل ه الحد بني الجد واللعب« فهو سج الكتب .... يف حد

واقعة تاريخية بعينها، رآها بعني الشاعر، فقام بصياغتها

مبا ميلك من أدوات بشكل فني محكم فبقيت، والشعر

الذي يوثق لألحداث ما يجعله فنا ليس للرصد فقط، ألن

الشاعر ليس عبارة عن كامريا ترصد وتنقل بعني مجردة

فحسب، بل يجب االرتكاز عىل الصياغة الفنية

يف تسجيل الحدث، كأن تكون الكامريا هي عني الشاعر

التي تضيف وتحذف، والتي تصبح بعدها القصيدة عمال

فنيا فريدا إذا تحققت فيه رشوط وعنارص اإلبداع

ال التسجيل املحض.وهذا ينطبق عىل الشعر الذي

حسب عىل الثورة كأنه نتج عن كامريا محايدة ترصد

وتروي الثورة كام هي، هذا الشعر مل يبق منه يشء

وسوف ننساه كام نسينا الشعر الذي كتب عن حريب 73

و56

الوعي السيايس واالجتامعي للشعوب فمن الصعب

أن نقول إن الثورة ستفرز أشكاال جديدة لألدب، أما

إذا قلنا إن الفن والشعر هام انعكاس لألحداث فإنه

علينا أن نتوقع من الثورة أن تنتج أفكارا واتجاهات

ن يعتقدون ذلك. تطور جديدة يف الفن، وأنا لست مم

الفن نفسه ال يحتاج إىل محرك خارجي، أنا أعتقد

أن هناك مسافة بني الشعر والواقع االجتامعي، وأن

التغري يف الذوق الفني واملدارس الفنية واألشكال

نابع من الفن والقامئني عليه، كام يخضع للرضورة

الفنية، فعندما تظهر مدرسة فنية جديدة يف الفن

التشكييل متمردة عىل التقاليد الكالسيكية، كاملدرسة

املستقبلية، فإننا نعد ذلك متردا عىل األشكال التقليدية

والكالسيكية، وظهورها ليس نتيجة لثورات سياسية أو

اجتامعية بقدر ما كان تجديدا نابعا من داخل الفن

نفسه، ولهذا يسعى الفنان للتجديد والبحث عن نوع

د األشكال الفنية واملدارس الفنية، جديد عندما تتجم

عند هذه اللحظة ينشأ التجديد وليس نتيجة ثورات

سياسية، كذلك شعر التفعيلة عندما ظهرت بداياته

يف األربعينيات، كان الشعراء قد ضجروا من الشعر

العمودي الذي أصبح قالبا ال تجديد فيه، ما أوجد

رضورة استحداث وخلق شكل جديد ال يتقاطع مع

قواعد القديم.

دامئا ما كان الشعر، واألشكال الفنية عامة، توثق

للحظات الهامة واألحداث الفارقة يف تاريخ الشعوب،

حسن طلب

Page 76: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 76

أحمد العسم

ما يخفي الحال ويفضحه بالشعر

إن شاعر قصيدة النرث العربية واإلماراتية

بخاصة، يتعمد تفعيل شبكة عالقات

محورية ال أنوية تقوم عىل فنيات الغياب

الكيل لذات شاعرة تتقن التخفي وتعتمد

تقنية تعدد األصوات الشعرية داخل

النص الشعري الواحد، سبيال إىل إعالء

صوتها الخاص وإبراز النداء الجامعي

والكيل للحياة، وهنا نكون إزاء مجموعة

من األصوات تتداخل يف ما بينها مشكلة

صوتا جامعيا بدال من الصوت الفردي، ألن

قصيدة النرث هي صوت الجامعة الرافضة

أو املتمردة، أو هي التخييل يف أقىص رؤاه

باإلمياء الحريك واإليحاء اللفظي .

وقد كانت قصيدة النرث العربية وبخاصة

يف صورتها اإلماراتية، هاجسا فنيا مبعايري

جديدة لعالقات لغوية أكرث اتساعا وانفالتا

من محوريتها ومركزيتها، وحالة جاملية

مبقاييس جديدة للجامل، ال مكان فيها

للخيل والليل والبكاء عىل األطالل، وال

حتى للفظة كام هي يف إطار مدلولها

الشكيل الرتكيبي يف الجملة الواحدة.

أحمد العسم، يكتب قصيدة الظأم إىل املاء، ماء األطراف

السبعة يف نصه، الذي يتسلل عرب شقوق التفاصيل،

وتترشبه دقائق حياة الشاعر، لريتاح من

أرساره، يف كفاحه الطويل ضد ما خبأته

الكلامت من يباس الشهقة الشعرية يف

االندهاش.وبالتساؤل يرتقي الشاعر مقام

الحكمة، أو هي الفلسفة الوجودية التي

نظر لها »كريكغارد«، لكن أثبتها شعرا

»سارتر«، وبالكتابة »املشوشة« يحيل اليقني

الشعري إىل مرجعية الشك، التي تطرح

سؤاال وجوديا يردده الشاعر يف النص:

» من دلك عىل البيت؟

من أوعز لك برصة املفاتيح؟

أيها املشوش ملا عدت؟«.

السؤال مفتاح كل اإلجابات، والشعر كل

، حافز عىل األسئلة، محرض مسكون بالشك

عىل اإلجابة عنها.

نفي الذاتأحمد العسم يرسم األسئلة مدخال إىل

النفي، ويبدأ بذاته الشاعرة لينتهي إىل

لحظة العدم، وارثا قصيدة مل يكتبها للموت

الشعراء إال مبوتهم، يف لحظة انكشاف املوت أمام أعينهم،

كأنه الوميض الشهبي يف العتمة، أو لحظة ما قبل الكتابة.

بالنفي يلغي مربر كتابته الشعرية ليؤكدها، يف لعبة

الثقافية الساحة في تفرض حضورها ان استطاعت الفتة تجربة شعرية العسم صاحب أحمد اإلماراتية.شاعر ذو توجه حداثي واكب تحوالت وتطورات القصيدة العربية في العقود الثالثة

األخيرة

نقد

سامح كعوش

Page 77: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 77

الطفل املشاكس، بالكالم يلثغ به كام يريد، بيد النفي

الحاسمة الحازمة، وأشياء نصه الشعري يف ذلك »حذاؤه

البشع، وعيون املارة املشنقة، ال رغبة حميمة، مل يعد فيك

أمل أو رجاء، فال يعول عىل صالحك املهدور نصفه يف

املشاغبة«.

نفي الذات بالغياب صفة الحضور عند أحمد العسم،

واملاء يفي رس الغياب، املاء الشفافية، التي يختبئ

الشاعر خلف أصابعها فتكشفه أكرث، والنفي إثبات يف

جدل الثابت واملتحول عنده، كام يف اعتبار أدونيس أن

معجزة قصيدة النرث قامت عىل إيقاع الجملة وعالقات

األصوات واملعاين والصور، وطاقة الكالم اإليحائية، والذيول

التي تجرها اإليحاءات وراءها من األصداء املتلونة

املتعددة.

وأحمد العسم هو املشاغب هدرا للعمر يف ال جدوى

الشعر عند عيون املارة التي تشنق الشاعر باألسئلة

املستحيلة واإلجابات املريرة، أو ضعف شياطينه عن رغبة

حميمة، ألن الريبة مفتاح رسي إىل القصيدة، يقول أحمد

العسم يف نص »ماء األطراف السبعة«:

»ال ترتك وشم األمكنة عىل جسدك/ وتجلس يف الال لزوم

/ يشء من فائض كآبتك ينزل من السلم/ يدخل الهواء إىل

أملك الكسول«.

وألنه يحكم بنائية اللغة يف النص بقيم النفي، يبدأ النص

بالتحطيم، لقيم الذاتية أوال، فهو املشوش واملشوه

واملريض وفاقد الذاكرة والواقع يف ال وعي الحقيقة حتى

يغرق يف متاهيه مع الصورة يف املرآة، ويأكل من مثرة آالمه

يكتب أحمد العسم، قصيدة الظمأ إلى الماء، ماء األطراف السبعة في نصه، الذي يتسلل عبر شقوق التفاصيل، وتتشربه

دقائق حياة الشاعر

أحمد العسم

Page 78: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 78

معلنا أن الريبة مفتاح رسي، وأن السمك

يشوى يف الحرسات، حتى يصل إىل خامتة

أحزانه باملوت الذي يؤكد له أنه مل يعد فيه

أمل أو رجاء، وأنه ال يعول عىل صالحه، يقول

يف نصه »ماء األطراف السبعة« من مجموعة

»باب النظرة«:

»مل أكن جيدا / كام يقول أصدقايئ يف املقهى

/ يك أدخل إىل نومي وأرصخ / كام لو كنت

أستكني/ يف املاء تجلس إعاقتي/ بعد أن

أفلت أصابعه/ أراين أخطايئ«.

بني التوظيف الديني واألبعاد األسطورية تقع

مقاربة أحمد العسم الداللية، ما بني حدة الضوضاء ورقة

املاء، حيث للامء فعل الهمس، وللضوضاء تفتيت ذات

الشاعر، يف وحدتها وكآبتها كأنه ظل نومه.

وبني البنية اللغوية والبنية الداللة، متتد شبكة عالقات

مائية يف سامت النص »العنرصية« ذات الصلة بعنارص

املاء والهواء والرتاب والنار، وهو شاعر يجبل هذه

العنارص مبفردات دالة عىل موقف وآراء فلسفية، فاملاء

عنرص القصيدة األول واألخري، يف مفردات »السبخة، تعض

عىل شفتيك، عيون املارة، السمك األبيض، املاء املندلق

من الحنفية، لسانك، املاء وحده يقف بنا عىل أطرافه،

يف املاء تجلس إعاقتي، تدخل املدينة فمي، البحر«.

بينام تقع تحوالت العنارص األخرى خادمة لهذا التحول

نحو ثبات العنرص الرابع، املاء. فالفراغ

الهواء متحول يف مفردات »يدخل الهواء،

الحب غريب كعادته يف رئتك، النفخ«،

والصلب الرتاب متحول أيضا نحو غاية

التحول إىل املائية بالذوبان، يف مفردات

»البيت، حذاؤك، األمكنة، الرحى، الردم،

الشارع، املمى، تدخل املدينة فمي«،

والضوء النار متحول لالنطفاء يف مفردات

»تشوى، رغبة حميمة، أحلم بشمس،

الصباح«.

رس املاءهي تحوالت بنيوية يف اللغة والداللة معا، فهو يسخر

بنائية نصه لخدمة هذه التحوالت يف النداء والنفي، ثم

الجزم واألمر، كأنه صوت الشاعر يف استقراره عىل ثابت

متحول أخري، ينادي »أيها املشوش«، يف بداية النص،

ويخاطبه: »من دلك ؟/ من أوعز لك؟/ يف يدك/ حذاؤك

بشع/ تفرد لها عضالتك«، ثم ينتقل إىل الجزم واألمر معا

:»ال تظهر غري ما أنت عليه/ ال ترتك وشم األمكنة عىل

جسدك/ إذهب ال تشري وال تهز املاء/ ال ترفع إبطك مثة

بالد منكوبة تحت ضلوعك«، والنداء املشوش يتحول

أمرا متيقنا من فعله، بعدما يصري املخاطب املشوش أنا

الشاعر املشاغب، الصارخ، السابح يف ماء الرؤى كأنه باملاء

وامللح يقطر يف عينيه وضوح األسئلة ويقني اإلجابة عنها،

ويلمح اجتامع العنارص األربعة يف إبداع تشكييل جديد،

يرتقي بالشعر إىل مصاف الفلسفات األوىل التي بحثت

طويال يف ماهية الوجود، ويتقمص دور »هرياقليطس«

اليوناين يف قصة الحىص واملاء، أو »نرسيس« الذي باملاء

رأى، فانكشف عىل همه اإلنساين.

هو الشاعر أحمد العسم يف خضم تحوالت املاء التي

يفرضها يف بنية نصه الشعري، مفتاحا لصندوق فرجته،

و مساقا شعريا إىل تحقق »البحر« يف قصيدته، ألن نص

»ماء األطراف السبعة« يرسم لعنارص الهواء والرتاب والنار

انطفاء و امنحاء واغتساال بعنرص املاء، ويفتح للشاعر باب

التوحد بأشياء الكون يذيبها يف ماء قصيدته ليستمع إىل

يشتغل أحمد العسم على بنائية اللغة ليعلي

شأن المعنى الداللة، فالماء أسطوري الفعل، بالطوفان والعمادة، والغسل. والماء رؤيوي وشفاف، وهو قصيدة

المدينة التي تنام بين ذراعي الشاعر

نقد

Page 79: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 79

همسها األزيل كأنه املاء »وحده يقف بنا عىل أطرافه«،

كام يقول.

وألن قصيدة النرث تتضمن مبدأ مزدوجا: الهدم ألنها وليدة

التمرد، والبناء، ألن كل مترد عىل القوانني القامئة مجرب

إذا أراد أن يبدع أثرا يبقى أن يعوض عن تلك القوانني

بقوانني أخرى يك ال يصل إىل العفوية والال شكل، وهذا

ما يربز جليا يف تجربة الشاعر أحمد العسم بني شعراء

قصيدة النرث يف اإلمارات، فالتجربة عنده ذات حركة

تصعيدية تتجه نحو تصعيد للذات سعيا إلبراز الخطاب

الشعري بلسان اآلخر/ هو أو هي الغائب والغائبة.

أحمد العسم يكتب خروجا للمختلف عىل املألوف يف

عالقة الشاعر بأناه وأنثاه، بتصيده الشعري للحظة املوت

االحتامل لتصري حياة تتسع ملغايرة الشاعر يف مرضه، بأن

يرتسم ظال قريبا إىل أجمل ما يف صورة أنثاه من دفء

األمومة وحنانها الجارف، ظال وال يتشكل كجسد، كأنه

يف لحظة شعرية وشعورية معا، تلمح خوف الشاعر،

وضعف اإلنسان أمام جربوت املوت كاحتامل، واملرض

كحتمية، يخشع قليال فيجد قلبه، ويكتب ألنثاه »مريم«

هذا الوجد املتشكل يف نص شعري ملحمي وإن مل يتجاوز

األسطر القليلة كجسد، إال أنه منفتح عىل امللحمة كنفس

شعري يسأل يف الوجود وقيم املوت والحياة.

الشاعر أحمد العسم يف قصيدته »مريم« يتشكل كائنا

من ذاكرة طفلة ال تقوى عىل النظر يف املرآة، ألن املرآة

انكسار وجه الشاعر وشظايا وجده، وهو الكائن األكرث

شفافية يف هذا العامل، يكتب للحب بحب، ويعيش الفرح

بفرحة األطفال، ودهشة أعينهم، مراقبا طائر سنونو

الحب الذي يأيت ليغادر، كام الشاعر يف قيمة الحياة

نفسها، ملحة الوجود الخاطفة مهام طالت، فعني الشاعر

ال تتسع ألكرث من دمعتني ودهشة واحدة فقط، هي

دهشة االكتشاف للحظات الحياة التي يكتبها الشاعر

العسم بوعي متقد، وذاكرة مشتعلة، يقول:

»الحب طائر سنونو/ ما إن يأت / حتى يغادر/ جئت

بعقد فل/ فرصت له أما/ ورصت شجرة صرب«.

العسم موفق يف اختيار ألفاظ الداللة العجيبة، بني صرب

وفل، األول يتسع كحب والثاين يضيق كشوكة ال تنكرس،

واقفة يف مساحة االرتقاء بالشاعر إىل أعىل املعاناة كقضية

شعرية بامتياز، فيها اختالف قوانني الربح والخسارة،

فاملجروح يبيك فرحا، والجارح ينكرس حبا، وكالهام

عالمتان الرتياح إىل اآلخر، وانزياح لغوي عن اللغة.

بني مفردات الربيع والخصب األريض، ومفردات القيم

والصفات الساموية يتسع عامل الشاعر ليبقيه قيد حياة

أمام مرض الفقد والبرت، بالصرب والصبار واألمومة املجازية

لعضو من أعضاء الجسد، وهو الفقيد املاثل أمام العني

كشوكة يف خارصة ذاكرة الشاعر، يقول العسم يف نصه

مريم من مجموعة »باب النظرة«:

» ألنني هكذا خلقت/ أختبئ عند أول نظرة/ وأصافح

ضيوفا ال أعرفهم يف الظلمة/ وحني أتذكر ضحكتك/ التي

خرجت من صدري/ أضحك لقلة حيلتي/ وأدرك كم هو

هائل / هذا البرت«.

الحكاية الشعرية يف نص »مريم« محورها املرض كحدث،

ورسديتها ال ميكن أن تقوم إال عىل البرت كعقدة لحبكة

حياة الشاعر التي اخترصها حد اللمحة الشعرية يف

الصورة الرسيعة الواقفة، »فالش« دومنا عودة واسرتجاع

»فالش« اللحظة املشاهدة بعني الكامريا لدى العسم،

»سناب شوت«، يخرج العسم من جسد ممدد عىل

الفراش يف رسير مستشفى ما، ويطري حوله، فوقه،

كعصفور حب، كفراشة احرتاق، تسهر يف الليل توتا، ككل

الليايل التي تحرسه بأنفاسها«، وال يليق بالحب إال النرث،

أحمد العسم

Page 80: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 80

كأنه التشظي، وعالمة االعرتاف بقلة حيلة الجسد.

البرت إذا يف خطاب العسم الشعري حالة مجازية ال متكن

مقاربتها باللغة التوصيفية بل باملفردة التوظيفية الداللية،

فالبرت هنا امنحاء ذاكرة الشاعر واستبدالها بذاكرة أخرى

تكتبها مريم بحضورها االسمي املصادف، كأن تتمثل

»مريم« األنثى امليثلوجية يف امرأة تحتمل كل تجليات

الفقد والوجد والتحدي والصرب، يف حالة من أحوال

املخاض النفيس الشبيه بوالدة طفل وإن كان مرشوع

نبوءة شعرية، يف إحالة الفقد املعنوي املالزم للبرت إىل

وجود نفيس مالزم لحضور األنثى املحركة لتفاعل الشعر

والحياة، كأن »ترمي حجرا صغريا يف بركة األيام«، لتحرك

أسئلة الوجود يف جدليات الحياة واملوت، وتبث يف الشاعر

ولغته الرغبة امللحة بالحياة، يقول العسم:

»يريد أن يبقى حيا/ يرصخ يك تأيت/ تهدئني من روعه/

وتنفضني فراشه«.

»مريم« صورة قلق الشاعر وألقه، قنديل فراشات لغته

املحمومة لحظة الهذيان، بركان الرغبة املتقدة يف الحياة،

الرافضة للموت، تعيل شأن أعضائها املفقودة، تتحسس

أطرافها لتتالىف انكسار مرآة النفس، املعرتفة بخسارتها

ضد الحياة، يف موقف اعرتاف فلسفي يقر بشعرية الضد،

اليأس التفاؤل، الفرح الحزن، وما بينهام ترتبع لغة الشاعر

عالية كأنها مرآة النعكاس وجه الشمس، وجه الشاعر

حامال كيسا من الندم، وكيسا من وقته املتأخر، وهو الظل

للجسد املبتور كلغة ال تقول ولكن تومئ.

يتمسك الشاعر باألمل ضد األمل، كأن يطلب من »مريم«

أن ترسم وجها ضاحكا عىل الجدار، لتتسع الغرفة مبليون

وجه، وابتسامات فراشات ترقص ملوسيقى لغة العسم

الليلية بوحا صامتا بحزنه العميق، كأنه الشاعر نفسه

تخط مساره النفيس يف املرض مفردات الفراق )يغادر(،

االنكسار )يكرس رغباته، خلع أسنانه، بىك طويال أمام

صورة أمه، هي شقايئ وكانت تحرمني منك، أحمل كيسا

من الندم، وكيسا من وقتي املتأخر، اليأس )النحس،

الظلمة(، الجامد الجسد سبيال إىل انكساره بالبرت )عظمة،

صخرة، املشبك، الجدار، األدراج، حجرا، املروحة، البرت(.

ويبالغ العسم قليال يف ذهابه إىل أقىص غايات املوت، ال

ألن املوت هاجسه، بل ألن قدرته عىل الحياة أكرب، ينتمي

إىل البرت كحالة إحالة عىل اآليت يف فراغ هذه الفسحة

الغياب، يقرر متى تشاء الحياة أن ترحل عن حياتها،

ومتى يبدأ الجسد خطواته إىل التخلص من عبء أطرافه،

مجازيا يف الشعر، وواقعا يف البرت، كحالة نرث عاقلة واعية،

ال متيل إىل اإلقرار بتفسري املايئ باملايئ، وإبدال الحقيقي

بالحلمي، فال متخيل يف النرث، وال استعادة يف البرت، كأن

العسم ميد يده إىل ما تخفيه النفس اإلنسانية ألنها

تخافه، أما هو فيواجهها بشجاعة املوقف الشعري، ونبل

املوقف الشعوري، املدافع عن أنا سقطت ألفها، لكنها

تبدأ اآلن رحلتها إىل اكتامل اللغة

العسم موفق في اختيار ألفاظ الداللة العجيبة، بين صبر وفل، األول يتسع كحب

والثاني يضيق كشوكة ال تنكسر، واقفة في مساحة

االرتقاء بالشاعر إلى أعلى المعاناة كقضية شعرية

بامتياز

نقد

Page 81: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 81

الجديدة، اإلماراتية الشعرية التجارب بأننا سنقدم الماضي العدد في الشعر« »بيت قراء وعدنا ولكن األمر وفتحنا الباب لتلقي النصوص من اجل نشرها وتسليط الضوء عليها من ناحية نقدية. لن يقتصر فقط على النصوص التي ستردنا، بل سوف نتابع بعض الجديد الذي تنشره الصحافة

المحلية كما هو الحال في هذا العدد، حيث نتناول تجربة الشاعر أحمد المطروشي

عامراألخضر

تجارب

في بوصلة الشعر واللحظة

أحمد المطروشي

Page 82: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 82

بعيدا عن التجربة اإلبداعية لدى الشاعر أحمد املطرويش،

وهو أحد األسامء الشعرية الجديدة، إماراتيا، إذ يعد

واحدا من شعراء العقد األول من األلفية الثانية، هذا

العقد الذي يعترب برأي عديدين، بداية النحسار الشعرية

عىل نحو عام، لصالح أجناس أدبية أخرى، منطلقني بذلك

من بعض املؤرشات التي تتعلق بعدم وجود أسامء الفتة

-حسب تقديرها- عىل امتداد عقد ونيف من الزمان،

إضافة إىل اعتبار بعضهم النصوص التي كتبت خالل الفرتة

املشار إليها، مجرد تكرار لنصوص سابقة عليها، إىل غري

ذلك من املآخذ التي يسوقها هؤالء. ولعل سبب إشارتنا-

هنا- إىل تلك املزاعم من قبل أبعاض النقاد الذين راحوا

يشيعون جنازة الشعرالجديد، هوأن هناك التباسا كبريا

بات يظهريف املشهد الثقايف، حيث أن مثل هذا الرأي بات

يجد آذانا صاغية، بل وألسنة راحت تلوكه، وتردده، عىل

مرأى ومسمع منا جميعا، وقد ترتفع أصوات هؤالء، عاليا،

إىل الدرجة التي تكاد تهيمن عىل تلك األصوات الهادئة

التي ترافع عن حضور الشعر، انطالقا من نصوص شعرية،

ذات قيمة عالية.

ومثة مسألة مهمة، تفوت هؤالء الذين راحوا يتحدثون عن

تقهقر الشعر، بل غيابه األخري، ومواته، وهي أن الشاعر

الجديد، مل يعد يتواصل مع جمهرات متلقيه،

عرب قنوات االتصال التقليدية املعروفة، بل أن ثورة

االتصاالت التي باتت تنترش، عامليا، عىل نطاق واسع، هي

يف متناول املبدع واملتلقي، يف آن واحد، وباتت هناك أمناط

كتابية، ومعلوماتية، ومعرفية كثرية، تفرض حضورها، بيد

أن هذه الوسائل نفسها، يف متناول الشاعر ذاته، وهو ملا

يواصل رسالته، بل ستظل هذه الرسالة، مادامت هناك

كلمة، وإبداع إنساين، بل وإنسان يتذوق الجامل..

بني الجدار ورسب الحامم

أحاول أن أفرس قصيدة مكتوبة عىل طبق مكسور

إنها وأد جسد

إنها خرافة من الرغبات ملهذبني مروا من هنا

تالوة الوقت

مقاهي البارحة

صخب الغياب

تذكار ألصدقاء غيبتهم أبجدية الحروب

كنت متحمسا جدا لهذا الغياب

كيف ألغي ذاكريت وأفر غريبا

يف بوصله ثانية تسري يف جسدي

وساللتي تراقبني

من قطار يضحك يف موسم واحد فقط

التاريخ ، ملاذا التاريخ ، ملاذا وجبة رسيعة عىل طريق لييل

أحدثك عن حب فاشل

جاء يف ليل ماطر شعرت فيه بطفولة تنحني يل كلام

كربت

كان اللقاء قرنا ثم اتجهنا لرصاف

لكن دون مأزق

سوف يجربوننا عىل الرحيل

الذكرى هي الطريق اللييل، هي الحب، الريح، مالبسنا،

أشكالنا

سوف أتطاول عىل الذاكرة وأعلقها

عىل الجدار نفسه

هذا ما أرعبني رست خاويا من كل يشء

حتى من أرسار تساقطت وأنا أترنح

بجانب املوج الذي يزيف إنسانيتي

العامل منجم كبري

كل يشء يتطاير مثل فتات الخبز، وقشور البيض

طالء يعرب عن البكاء، كوارث تعزف املوسيقا

بعد رشاسة السهر

اعربين أرجوك يك أنىس مواعيد عودتهم

السيجارة الطويلة

أشعلت بها زقاقا ميتص كل قلقي

املدينة بسحرها بغوايتها

متسح عناء الوجوه يف غمرة اليأس

لن أعود . . لن أعود

Page 83: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 83

هناك البوصلة هناك الوقتنص الشاعر أحمد املطرويش، والذي نعيد نرشه إىل جانب

هذه القراءة، سبق له أن نرش يف الصفحة الثقافية لجريدة

الخليج*، كأحد النصوص األوىل التي تم نرشها، يف صفحة

ثقافية يومية، بعد أن اغرتبت الصحافة إىل حني، عن نرش

النصوص الشعرية، تاركة تلك املهمة للمالحق الثقافية،

املختصة، وبعض املجالت الثقافية التي تهتم باإلبداع، إىل

جوار موضوعات وأبواب كثرية، تدخل يف مجال اهتاممها،

يف إطار جذب القارئ والتجسري معه، مادامت تلك املجالت

املعنية بالشعر-تحديدا- باتت جد قليلة، عربيا، وهذا النص،

تم اختياره، ألسباب عديدة، يف مطلعها أنه نص شاعر جديد،

يواصل تجربته اإلبداعية، من خالل كتابة النصوص الجديدة

التي تفوح منها رائحة اللحظة، وحرائق الذات.

عنون املطرويش نصه ب »هناك البوصلة هناك الوقت«،

حيث نجد هنا تكرارا السم اإلشارة»هناك« مرتني، يف عنوان

مؤلف يف األصل من أربع مفردات، ال أكرث، وإن كانت

الداللة اإلشارية تختلف، يف كل مرة، فهي متيض-تارة- إىل

البوصلة، ومتيض تارة أخرى إىل الوقت، وبدهي، أن من شأن

البوصلة-عادة-أن تدل عىل املكان، أما الداللة

إىل الوقت فهي ليست من دائرة اختصاص

البوصلة، بل هي من وظيفة آلة أخرى

لقياس الوقت، حيث كانت اآللتان وال

تزاالن مدار اهتامم اإلنسان، حيث لكل

منها شكل الحاجة إليها، وإن كان هناك بارومرت

يشريإىل صنفني من الحاجات، أحدهام ملح، واآلخر

أكرث إلحاحا، ولرمبا كان امللح، يف لحظة ما، األكرث

إلحاحا، السيام وأن الحاجة إىل البوصلة، من قبل

املرء وهو يف متاهته، قد يكون األكرث أهمية،

يف لحظة حرجة من حياته، وإن كانت

الحاجة إىل آلة قياس الزمن، أكرث

التصاقا بلحظته....!.

إن اإلحساس لدى الناص،

بالزمان، وعىل ضوء عتبة

العنوان، يبدو يف حاجة جد

حرجة إىل االستعانة، حيث أن

اللجوء إىل البوصلة، يف التعامل مع مفردات الزمان، إمنا تدل

عن أزمة حقيقية، قد ال تكون أزمة الشاعروحده، السيام وأن

غوايات انفالت الوقت من بني يدي املرء، يف ظل هذه النقلة

الحياتية العظمى، يف مسريته الحياتية، باتت كثرية، وهوما

يستشفه الناص، ليكون عبارة عن عتبة، إىل عامله الشعري.

إن الزمن، يف الحالة العادية، يكون مبذوال بني يدي اإلنسان،

وهو يقود عنان لحظته جيدا، بحكمة، ومهارة، بيد أن اإلشارة

إىل الوقت- وهو مفردة زمانية يف حدود القياس- عىل أنه

»هناك«، وليس »هنا« كام هو متوقع، دليل عىل وجود هوة

بني الشاهد/الناص، ومدى سطوته،ألن املرء يف الحالة العادية،

قادرعىل اإلمساك بدفة وقته، توجيهها كيفام يشاء، إال أننا

هنا أمام وقت زئبقي، عيص، عىل أصابع الكائن البرشي،

وهوامتداد لحالة عامة، تولدت نتيجة النقلة النوعية الكربى يف

حياته،غريبعيد عن االستهاللة التي أرشنا إليها، من قبل..!

ومنذ مطلع النص، تبدومالمح األزمة الوجودية التي ميكن

استشفافها، من العتبة النصية، حيث مسافة مكانية، تبدو

بني ماهوثابت، وماهوالمتناه، بني الواقع والحلم، حيث اليفتأ

الناص يعلن عن هذا القلق الوجودي، يك تنوس بوصلة روحه،

بني هذين امللمحني: املحدود والالمحدود يقول:

بني الجدار ورسب الحامم / أحاول أن أفرس

قصيدة مكتوبة عىل طبق مكسور/ إنها وأد

جسد / إنها خرافة من الرغبات ملهذبني مروا من

هنا / تالوة الوقتوالثابت هنا، يف ضوء هذه القراءة، هو»الجدار« الذي

يرتفع يف وجه الناص أىن فتح عينيه، بيد أن هذا الجدار ال

ميكن أن مينع رسب الحامم يك يحلق عاليا، وإن كان الناص

يدرك أن املهمة املوكلة إليه صعبة هي األخرى، وكيف

ال؟، ما دام أنه منرصف إىل تقسري قصيدة مدونة

عىل طبق مكسور..!؟، فاملهمة عىل أي حال

مضنية، بل خطرية، حيث هناك»جسد«

يف دائرة التهديد بالوأد، والمانع من

أن يستمر-هو اآلخر- مواصال خرافة

من سبقوه، يف الكتابة، يك يضيف أثر

أصابعه، بال هوادة، يتلو الوقت عىل

طريقته الخاصة.

أحمد المطروشي

Page 84: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 84

وإذاكان املكان غري باد، يف فضاء العتبة، بيد أنه أمام

التفسريات التي يتحدث عنها الناص-وهي هنا القراءة

الناقدة- تضعنا أمام حضور مكاين، ولو يف إطار غري عابر

»الطبق« كمكان يحضن النص، ومن ثم تنفتح بوابة

املكان، عىل مرصاعيها، لنجد أكرث من ملمح له:

مقاهي البارحة

صخب الغياب

تذكار ألصدقاء غيبتهم أبجدية الحروب

كنت متحمسا جدا لهذا الغيابكيف ألغي ذاكريت وأفر غريبا

يف بوصله ثانية تسري يف جسدي

وساللتي تراقبني

من قطار يضحك يف موسم واحد فقطحيث املقاهي يف صيغة املايض، بل مرسح حروب غيبت

األصدقاء، من دون أن نكتشف مالمحهم ـ أو مالمح تلكم

األبجدية التي غيبتهم، ناهيك عن أن هؤالء املهذبني الذين

مروا من هنا، وال أثر تركه لنا الشاعر لنستدل عليهم، ماخال

صفتي التهذيب واملرور، بل لئال نعلم أي مكان هو الذي

تلتقط له عدسة الناص هذه الصور الوامضة كلها، بينام

هو اآلخر يفكر بإلغاء ذاكرته، يك ينضم إىل هؤالء املارة،

وإن يف صيغة الفرار، حيث غواية الغياب، تشعل يف ذاته

الحامس يك ينضم إىل رتل األصدقاء الذين رسعان ما تالشوا،

يف قطارات تسري من الحارضإىل املايض، دون أي فائض من

التفسري.

وتنزاح مفردة البوصلة، لنكون أمام بوصلة أخرى، غري تلك

التي هناك، إنها البوصلة التي هنا، يف ذات الناص، بوصلة

لها صفات أخرى، غري صفات البوصلة العادية، وإن كانت

كلمة أخرى، تحيل إىل حالة توأمية مع البوصلة العتبية،

التي استوقفتنا من قبل، لنكتشف أن الناص ليس مجرد

شاهد عىل إحاالت غابرة، بل أن هناك من هو شاهد يتابع

مايجري له، وهو يف كرنفاله مع املكان والزمان واألصدقاء..!

ومادام أن الناص، عىل موعد مع تفسريالنص، فهو ال يتورع

عن إطالق أسئلته، واليرتك أي كائن يف كرنفاله، من دون أن

يستوقفه، يعلق أشكاله عىل مشجب الترشيح، ليس ليك

يطلق أحكاما نهائية، ألن هذه الخصيصة المتت إىل الشاعر

بيء، وإمنا من أجل أن يرشك متلقيه، يف لعبة التفسري، وهو

تفسري مختلف عن املألوف، إنه التفسري الذي يقارب كائنات

النص، ويبث الروح يف أسئلة أخرى أكرث، تتناسل، إىل درجة

الفجاءة:

التاريخ ، ملاذا التاريخ ، ملاذا وجبة رسيعة عىل طريق لييل

أحدثك عن حب فاشل

جاء يف ليل ماطر شعرت فيه بطفولة تنحني يل كلام كربت

كان اللقاء قرنا ثم اتجهنا لرصاف

لكن دون مأزق

سوف يجربوننا عىل الرحيل

الذكرى هي الطريق اللييل، هي الحب، الريح، مالبسنا،

أشكالناواضح، أن النص ميور هنا بالحياة، ومثة مالمح موغلة يف

شاعريتها، وإن كان االستسالم ملا سيشبه حالة الالوعي،

يجعلنا ننقب عامل النص يف حديثه عن »حب فاشل« قد يبدو

نابيا يف السياق، أو هو مكمل كام يراه، إذ يتشابك ذلك مع

ترهالت كان من املمكن تناولها، عىل نحو محكم، يك يوجزها

بالشكل الذي اليتطلب فائضا من التقسري« الذكرى هي

الطريق اللييل، هي الحب، الريح، مالبسنا، أشكالنا« يك يظل

الرحيل- كمرشوع رهن اإلنجاز- مدار أسئلة النص، السيام

وأننا أمام أشكال وجودية كثرية للرحيل/الغياب..!؟

يقول املطرويش:

سوف أتطاول عىل الذاكرة وأعلقها

عىل الجدار نفسه

هذا ما أرعبني رست خاويا من كل يشء

حتى من أرسار تساقطت وأنا أترنح

بجانب املوج الذي يزيف إنسانيتي

العامل منجم كبري

تجارب

نص المطروشي أحد النصوص الشعرية الجديدة التي تترك أثرها في نفس

المتلقي

Page 85: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 85

سرب الذاكرة الناص، ببسالة املغامر، تكشف النقاب عن

دالالت كثرية، تقدم جوانب من إشاراتها، وغواياتها، السيام

وأن مفردة« الجدار« وهو يف تحليقه، عاليا، مع بوصلته،

يف فضايئ الذات، والكون، يجذبه إىل منجم العامل، يديل

باالعرتافات، ويوايل باالكتشافات، وإن كانت مقاربة املوج

تزييفا إلنسانية اإلنسان:

كل يشء يتطاير مثل فتات الخبز، وقشور البيض

طالء يعرب عن البكاء، كوارث تعزف املوسيقا

بعد رشاسة السهر

اعربين أرجوك يك أنىس مواعيد عودتهم

السيجارة الطويلة

أشعلت بها زقاقا ميتص كل قلقي

املدينة بسحرها بغوايتها

متسح عناء الوجوه يف غمرة اليأس

لن أعود . . لن أعودوبالرغم من التحوالت الهائلة، يف رحلة الناص، حيث

كل يشء بات يتطاير، وهو أسري قلق بات يتخلص منه،

تدريجيا، بعد أن أشعل سيجارة طويلة، إال أن ال مشكلة

له مع املدينة، هذه التي كان لها إيقاع آخريف روح

وذاكرة جييل الثامنينيات والتسعينيات اللذين شهدوا

تحوالت مكانية، مدينية، أرضمت يف أنفسهم نوستالجيا

إىل بعض دهشات املايض، ناهيك عن تخوفهم املرشوع

من الكونكريت كام جاء ذلك-علنا- يف نصوص كثريين من

هؤالء. وهاهو الناص، يقفل نصه بصور متتالية، متحركة،

تشكل ذروة الدهشة، حيث يصل إىل قراره الذي ظل يومىء

به، من قبل:

املدينة بسحرها بغوايتها

متسح عناء الوجوه يف غمرة اليأس

لن أعود . . لن أعودأمام هذا الرشيط اللغوي، الذي يستمرع ىل امتداد حوايل

مئة وتسعني مفردة، ال أكرث، يجد املتلقي مستويني للغة:

أحدهام يحافظ عىل شعرنته، بينام نجد يف الثاين متاهيا مع

الرسد، يف الوقت نفسه، وإن كان هذا النص املفتوح عىل

الحركة، والعديد من الصوراملوارة، النابضة بالحياة، حيث

حضور للمشهد السيناميئ، بل إن مالمح القص تبدو جلية

يف النص، باإلضافة إىل استمرار حضور أكرث من بطل: الزمان-

املكان-العابرون/األصدقاء، بل إن الراوي هو الذي يشبك

خيوط كل هؤالء، يحركها أىن شاء، وكيفام شاء، يك تصعد

الدراما عاليا، ونكون يف مواجهة نص موعود بكم هائل من

االستفزاز، واإلثارة، وإن كان ذلك يأيت متباينا، بني مقطع

وآخر.

وإذا كان اإليقاع، وهو ينمو وفقا لحركة النص، بكال مستوييه

املذكورين، فإن ذلك يتأثر بجملة دواع تؤدي إىل استيالده،

نتيجة تفاعل الصورة يف مخترب الشاعر، وعالقة هذه الصورة

بإحداثيات املفردات التي تشكله، ناهيك عن مكونات

أخرى، تظهرعىل نحوواضح، السيام حني تتحرك ظالل الراوي/

الناص، وهو يلتقط ما يريد من خطوط رسيعة من املشهد

الذي يرصده، بعد أن يعيد خلقه، يف ذاته، لتكون تجليات

حضوره عن طريق اإلمساك بهارموين الضمري املتكلم، متصال،

أوحتى مسترتا، الفرق.

إن نص املطرويش أحد النصوص الشعرية الجديدة، التي

ترتك أثرها، يف نفس املتلقي، ألن الكثري من األدوات الالزمة

للمعادلة الجاملية، إمنا يسجل حضوره، السيام أدوات صناعة

القصيدة، ومعامرها اللغوي، بل وقبل كل يشء رؤية الناص،

وقدرته عىل خلق الجامل، ولويف ذلك اإلطار االستفزازي

الذي قد يكون نتيجة ردة فعل ما من العامل، حيث لدى

النص مايقدمه، يف مايتعلق بكل ذلك، وإن كان ضمن أفق

ما، محكوم بحضور تجربة الشاعر وعالقته بأدوات صناعة

نصه...!

أحمد المطروشي

رسومات خالد البنا

Page 86: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 86

تعد خلود المعال واحدة من الشاعرات اإلماراتيات المتميزات، حافظت على حضورها في المشهد الشعري اإلماراتي، وتطورت تجربتها حتى فرضت نفسها بقوة، بعد ان

استطاعت تقديم ما يليق بالمكتبة الشعرية.

مفيد نجم

خلود المعالالخروج من نافذة الذات

الى الكون

نقد

Page 87: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 87

لتاريخ التجربة الشعرية الحديثة يف

اإلمارات، ال بد أن يلحظ تنوع التجارب،

وتطورها بني مرحلة وأخرى، ما يكسب هذا املشهد

حيويته وقدرته عىل اإلضافة والتطور والتحفيز النابع

من تراكم الخربة والتجارب. ولعل تجربة الشاعرة خلود

املعال عرب أعاملها األربعة التي صدرت حتى اآلن واحدة

من تلك التجارب التي استطاعت أن تلفت األنظار إليها

منذ قصائدها األوىل، نظرا ملا متتلكه تلك القصائد من

قيمة جاملية وإحساس شعري متطور ورؤية حداثية

ظلت تتطور من عمل إىل آخر بشكل يعكس مدى

التقدم والحيوية، التي متتلكها عىل مستوى بالغة الحضور

والعالقة مع األشياء والعامل والذات، باعتبار أن الشعر هو

أرض املخيلة املنطلقة، ومغامرة الخيال التي تستولد لغتها

داخل اللغة، وهي تؤثث فضاءاتها بالدهشة والحب

وألفة الغائب وخفق الروح.

بني قصيدة وأخرى تذهب خلود بالشعر نحو تخوم

جديدة يف جدل الذات والعامل وهي تحاول أت تستنطق

صمت األشياء والعامل، وأن توسع بأجنحة الضوء فضاء

الذات وحدود العامل واللغة، مسكونة بهاجس الكشف

واالكتشاف وأسئلة الذات والوجود والعدم، وكأنها

بذلك تواصل مغامرة الدهشة األوىل يف اكتشاف ما وراء

جغرافية الحواس والزمن، ما يجعل تلك العالقة القامئة

عىل التوحد، والتي تستمد نسغها من دراما الحياة متيض

نحو ينابيعها األوىل، وهي تحاول يف لعبة املرايا أن تجعل

من الشعر معادال جامليا يطري بأكرث من جناح، وقد غدا

مسكونا بالحلم ونشيد الحب الذي تنترص به عىل عدمية

الحياة، لكنها مع هذا وبه تبقى تنوس بني حدي البحث

واملغامرة من جهة، والشعور بالوحشة والفقد وانتظار

الحب الذي ال يأيت من جهة أخرى.

صدرت للشاعرة أربع مجموعات هي »هنا ضيعت

الزمن« عام 1997، وديوان »وحدك« 1999، وديوان »هاء

الغائب« 2002، وديوان »رمبا هنا« 2008،

وفيها نجد ذلك الخيط الناظم ملسار تجربتها واملتمثل يف

جدل الحضور والغياب، الذات والعامل، واألنا يف تعددها،

بينام تبقى القصيدة خاضعة لرشط تدفقها كام متليها

لحظة الدفق الشعوري والتوهج الشعري، فنجدها أشبه

بقصيدة الومضة أوالفكرة ذات البناء املحكم واللغة

املكثفة جدا والقامئة يف الغالب عىل عنرص املفارقة وما

يولده من شعور بالدهشة والغرابة، أو هي تطول يف

بوحها ومكاشافاتها ودفقها الشعوري .

املتابع

خلود المعال

Page 88: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 88

من العنوان إىل املنت تتجىل الوظيفة الشعرية يف تلك العالقة الجدلية التي

تقوم بني العنوان والقصيدة، سواء أكان عنوانا رئيسا أو

عنوانا فرعيا للقصائد، وتتميز تلك العالقة عىل املستوى

اللغوي باالقتصاد الشديد والتكثيف يف اللغة، كام نالحظ

ذلك يف العناوين الخارجية ألعامل الشاعرة األربعة، أو

يف العناوين الداخلية للقصائد. إن تلك العناوين تتألف

يف الغالب من كلمة واحدة أو كلمتني »رمبا هنا- هاء

الغائب- هنا ضيعت الزمن- وحدك«. أما عىل املستوى

النحوي، فالعنوان يتألف من جملة اسمية أو شبه

جملة، ويف أغلب األحيان تتضمن بنيته حذفا يتولد عنه

الغموض، بينام تتميز القصائد بشكل يتساوق مع بنية

العنوان باقتصادها اللغوي امللحوظ، بل هي يف قصائد

الديوان األخري تتألف من ثالثة أو أربعة أسطر فقط،

وتتميز ببنيتها املحكمة عرب ما يعرف بقصيدة الومضة

أو الفكرة، لكن تلك العناوين يجري انتخابها يف الغالب

من داخل النص، ما يدل عىل جزئية متثيلها للنص عىل

مستوى املعنى.

تستكمل الشاعرة تلك العالقة الجدلية بني العنوان والنص

عىل صعيد البنية الداللية ذات البعد اإليحايئ الذي يقوم

عليه العنوان، إذ هو ينطوي غالبا عىل معنى الشك

وعدم اليقني والتمني أوالنفي أو الوصف، فهو يشكل

املحور الذي تدور حوله أو تستغرقه القصيدة، ويقوم

عىل التكثيف واختزال مضمونها، ما يجعله يؤدي وظيفة

التعيني والوصف واإليحاء واإلغراء، كام هو الحال يف

العناوين التي اختارتها ألعاملها الشعرية، والتي تحاول

من خالل ما تتميز به من تكيف واختزال أن يوحي

مبضمون التجربة يف كل عمل من أعاملها. إن الحذف

الظاهر يف بنية العنوان يجعل املعنى املقصود ملتبسا

وغامضا، األمر الذي يجعل وظيفته الداللية مفتوحة عىل

تأويالت املتلقي املختلفة، وما ميكن أن يستدعيه لديه من

معاين ودالالت مختلفة.

املكان ودالالتهتنبني الصورة الشعرية يف املكان لتعرب عن حركة الشعور،

وبالتايل عن العالقة مع العامل واألشياء املحيطة أو الرؤية

إليهام، ومام يالحظه القارئ لقصائد الشاعرة أن الحركة يف

املكان تتخذ مسار محددا، تكون من املكان الضيق السيام

املكان املتمثل بالبيوت والغرف باتجاه املكان الواسع

والرحب، الذي تنفتح معه رؤية الشاعرة عىل العامل،

حيث تستحوذ تلك العالقة عىل حالة من الرثاء والغنى،

سواء عىل املستوى الشعوري للذات املتجسد باإلحساس

بالحرية وبالتحرر التام، أو عىل مستوى اخرتاق حدود

املعطى الحيس لألشياء واستجالء أرسارها، ما يجعل تلك

العالقة مع املكان تنعكس عىل طرف املعادلة الوجودي

لها عرب عالقتها بالزمن، وما تحمله من شعور باللذة التي

تنتي بها وهي تدخل يف عمق كينونة األشياء التي تحيط

بها يف هذا العامل: »هكذا حرة متاما / أنظر من نافذيت

قصائد الديوان األخير تتألف من ثالثة أو أربعة أسطر فقط، وتتميز ببنيتها المحكمة عبر

ما يعرف بقصيدة الومضة أو الفكرة

نقد

Page 89: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 89

الضيقة / فأرى الكون كامال / تتجىل أرساره الكربى/ هكذا

متاما / ألون تفاصييل الصغرية بلون الثلج، أتصالح مع

اللحظة التي تدخلني لذة األشياء«.

يتكرر ظهور جدلية هذه العالقة القامئة بني املكان الضيق

واملكان املفتوح الواسع يف عدد من قصائد الشاعرة حاملة

معنى االنفتاح والتوحد وكأنها كناية عن الخروج من

عامل الذات الضيق عرب نافذة حاسة الرؤية باتجاه العامل

الخارجي بكل ما يحتشد به من صور ومظاهر وأرسار

تروم أغوارها بصرية الشاعرة لتبني عالقة من الحب

والفرح ونشوة اإليغال يف دفء أعامقها السحرية. وإذا

كانت هذه العالقة مع املكان تحمل يف مضمونها ذلك

الشعور بلذة الكشف واالندماج، فإن مثة بعد درامي

تقوم عليه تلك العالقة أيضا مبا تحمله من شعور آخر

بالفقد والوحدة والوحشة وحصار الزمن، ومحاولة اخرتاق

حدود املكان بجناح واحد:

استلقي وحيدة / عطى ينابيعي / متنيت لو أن وابال

من محبة ينهمر عىل أريض / ترى / كم قصيدة ما زلت

أنتظر؟ / أم أنني رفرفة خافتة / لعصفور بجناح واحد.

وإذا كان من غري املمكن الحديث عن املكان مبعزل

عن الزمان، طاملا أن الحديث عن أحدهام هو استدعاء

لآلخر حكام، إذ ال مكان بال زمان، وال زمان بال مكان، فإن

جدلية تلك العالقة تظهر يف أغلب نصوص الشاعرة التي

تستخدم فيها غالبا صيغة التشبيه يف مسعى لتجسيد

صورة التجربة التي تحاول أن ترسمها يف تلك النصوص:

بدأ الخريف مبكرا / هذه السنة / ال تشبه غريها /

األوراق املتساقطة تنترش حويل كالهواجس / لن أمتكن من

التخلص من ذبول فصويل / ستسقط أشجاري يوما / لكن

قلبي سيظل دوما.

الذات واللغة تفصح الرغبة العارمة بالكشف واخرتاق حدود املكان

يف التعبري عن روح متمردة، تعلن خروجها عىل املألوف

والتسليم مبا هو موروث، ألنها بذلك تحقق الوالدة

الجديدة للحياة، وتحرر ذاتها من االستسالم واإلذعان

لرشطها املنجز الذي يصادر حريتها ورغبتها يف التعرف إىل

العامل واألشياء بحواسها ويقينها وشعورها املمتلئ بنعمة

الحب والتوهج: لن أمتدد عىل فراش الاليشء / لن أبقى

عالقة مبا يرثه اآلخرون / لن أبايل بأطباق يقدمها الحظ/

تتباين مستويات اللغة بين قصائد أعمالها، كما تتباين

مناخاتها وصورها وبوحها الشفيف، لكنها في جميعها

ترسم مسارا صاعدا لتجربة تنحت لغتها المتوهجة

خلود المعال

Page 90: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 90

لن أصدق طالعي أبدأ. تقوم بنية النص عىل تكرار حرف

النصب لن الذي يتضمن معنى النفي، حيث يهدف هذا

االستخدام للتكرار إىل تأكيد فكرة التمرد والثورة عىل

معطى الواقع عند الشاعرة.

إن امليزة التي تنفرد بها بنية هذه النصوص يف الغالب،

هي عنرص املفارقة الذي تتولد عنه الدهشة والتوتر

والغرابة الناجم عن الصدمة التي تتولد عن ذلك، إذ

نجد نهاية القصيدة تذهب باتجاه مفارق لحركة الرسد

أو ملسار القول، أو الحالة الشعورية التي يريد النص

التعبريعنها: يف ليلة أخرى / ملع / مل يكن نورا / كان

انطفاء محضا.

إن الحب عند الشاعرة هو فعل تحرير وانطالق وليس

فعل امتالك وتقييد وشعور باألنانية، ما يحرره من

قيوده التي طاملا ارتبطت به، بحيث يصبح الحب مصدرا

للتوهج والحرية والتضحية من أجل سعادة اآلخر وفرحه:

“ما زلت أحبه/ وألنني كذلك/ أطلقت طيوره للفضاء/

واكتفيت بالفراغ الذي خلفته”.

تتميز لغة نصوص الشاعرة بالبساطة والسالسة والتكثيف

الدال واملوحي، لكن تلك امليزة تختلف بني نصوص

أعاملها املختلفة، يف حني تظل تجربتها تدور يف حدود

عامل الذات واألشياء الحميمة التي تحيط بتلك الذات.

إن هذه امليزة التي ارتبطت بتجربة قصيدة النرث يربز

فيها طغيان الجانب الحيس السيام منه البرصي دون أن

يستغرقها كاملة نظرا ملحاولة الشاعرة تعميق أبعاد تلك

التجربة عرب انفتاحها عىل جوانية النفس وعىل عالقتها

باألشياء والعامل، ومحاولة إدراك ما يختزنه من أرسار

دون أن تغيب عنها مكابدة الروح التي تنوء تحت ثقل

أوجاعها ولوعتها يف وحشة شعورها بالوحدة املغلفة

الحب عند الشاعرة هو فعل تحرير وانطالق وليس فعل

امتالك وتقييد وشعور باألنانية، ما يحرره من قيوده التي طالما

ارتبطت به

بالصمت والخوف: »كلام سقطت دمعة يف الذاكرة/ توجع

القلب/ توجسا/ مام سيسقط غدا«.

تتباين مستويات اللغة بني قصائد أعاملها، كام تتباين

مناخاتها وصورها وانشغاالتها وبوحها الشفيف، لكنها

يف جميعها ترسم مسارا صاعدا لتجربة تنحت لغتها

املتوهجة، وتوسع حدود فضائها بأجنحة الشوق والضوء

والحلم، وكأنها متارس غواياتها مع اللغة وبها وهي تقف

عىل تخوم البوح وقد أيقظت حواسها املرهفة لنشيد

انعتاقها، وأشواق قصيدتها وهي تذهب بها بعيدا يف

أرض الشعر، وعميقا يف الذات عرب عالقة استعارية تغدو

القصيدة معها مراة لوجودها وما يعتمل داخل هذا

الوجود من أشواق ووميض عابر للروح .

مل سا

م حي

لردا

عبن

فناال

نقد

Page 91: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 91

اللغة الشعرية في مرمى السرد

يحضر الشعر في الكتابة اإلبداعية وإن كانت خارج متن القصيدة، فاللغة كثيرا ما تتكئ على جدار الشعرية وتنهل منها. وقد انعكس ذلك في الكثير من األعمال األدبية العربية والعالمية،األمر الذي بات

معه مصطلح شعرية الرواية متداوال في القاموس النقدي

عمار أحمد الشقيري

شعر ورواية

Page 92: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 92

وذلك »لرواياته وقصصه حيث يتدفق الواقعي والغرائبي

يف غنى معقد لعامل شعري يعكس حياة ونزاعات محيط

بأكمله«.

هذا ما جاء يف شهادة لجنة التحكيم لألكادميية السويدية

»نوبل« املمنوحة يف 1982 للروايئ الكولومبي غابرييل

غارسيا ماركيز.

وبعده إذ ينقل جربا إبراهيم جربا رواية »الصخب

والعنف« للكاتب وليم فولكرن إىل ملكوت العربية فإنه

يضع يف تقدميه لها هذه العبارة »فنرثه – ويقصد فولكرن-

مشحون بالصور الشعرية واأللفاظ غري املتوقعة, مذكرا

أحيانا بثورة شكسبري اللغوية 1«.

ورشقا حيث اللغة العربية نقرأ يف كتاب ذاكرة للنسيان

»محمود درويش« يف وصف صديقه الشاعر الكردي

سليم بركات« ال يقول إال للورق املوضوع عىل وسادة

ما فيه من عامل عجائبي، فنتازي، ومرتع بالفصاحة، وال

أعرف حتى اآلن متى يبدأ فيه الروايئ السارد ومتى ينتهي

الشاعر2«.

بهذه الشواهد الثالث التي من ثالث لغات )اإلنجليزية

– اإلسبانية – العربية(، سنحاول أن نتتبع أي أثر تركه

الشعر يف الرواية – ولنكن أكرث دقة يف الرواية املكتوبة

مبرحلة نهاية القرن التاسع عرش وبداية القرن العرشين -

مرتكزين عىل آراء أشخاص مشهود لهم بالحرفية ترجمة

وابداعا ونقصد بهم »جربا ابراهيم جربا, صبحي حديدي,

وكاتب سرية ماركيز داسو سالديبار« ونفتتح من منصة

الرشق .

الروايئ سليم بركات ارتسمت الصورة – عموما – عن سليم بركات عىل أنه

شاعر جر اللغة من حيز مهجور ونائم يف املعاجم إىل حيز

القصيدة، وكان ذلك يف منتصف سبعينيات القرن املايض

يف بريوت ونال وبجدارة ومبكرا ثقة كثري من الذين يشهد

لهم، ليس بداية بأدونيس وال نهاية بدرويش، هذا عىل

صعيد الشعر، أما الرواية فاألمر يكاد يكون محصورا وغري

منترش كثريا، فربكات البهلوان الكردي ميسك يف سنواته

األخرية عصا السريك وميي بتوازن دقيق شعرا ورواية نارشا

يف كل عام رواية وملحقا إياها بديوان شعر كان آخرها

ديوان »آلهه« وقبله رواية »السامء شاغرة فوق أورشليم«

وكام فتح دهاليز اللغة يف لغة الشعر، ينقل هذا الفتح إىل

لغة الرسد، وسيكون ما نكتبه اآلن رضبا من الرأي العاطفي

إن مل نلحقه مبثال عميل. نقبض إذا قبضة من أثر الكردي

ومن رواية قصرية بعنوان »ثادرمييس« :

»امتألت العراءات حول الهضاب الثامين يف أرض ثاروس

بالجثث، وتخاطفت العقبان اللحوم املمزقة، وتهارشت

الكالب فوق األجساد، ال صوت غري صوت الحيوان يف

استجابة قلبه لنداء الدم حتى املطر هو اآلخر كان ذا

هطول أخرس3«.

بهذا الوصف الدقيق للمعركة التي انتهت للتو بني

شعبي »هيكو« و«ثاروس« والتي مل تبق غري الشخصيتني

الرئيسيتني يف الرواية يفتتح الكردي سليم بركات روايته

»ثادرمييس« .

األمر عادي لآلن وال يي املشهد بجديد، لنوغل أكرث يف

لغة الوصف عند هذا البهلوان. لو أراد سارد عادي أن

يصف مشهد تزاحم الكالب هذا حول الجثث رمبا لكتب:

تقاتلت, تنافست, هجمت، لكن بركات هنا يأيت وبقنص

ذيك للفعل املناسب ليضعه يف حيز الوصف املناسب للحالة

»تهارشت« ويف لسان العرب تحت »املهارشة« نرى أنها

مفردة تستخدم يف وصف تقاتل الكالب .

الفعل الثاين: »تخاطفت العقبان اللحوم املمزقة« ويف لسان

العرب أيضا وتحت جذر »خطف« نقرأ :

- الخطف: االستالب، وقيل: الخطف األخذ يف رسعة

واستالب، وهو الفعل األكرث دقة لوصف هجوم العقبان

بركات البهلوان الكردي يمسك في سنواته األخيرة

عصا السيرك ويمشي بتوازن دقيق شعرا ورواية ناشرا في كل عام رواية وملحقا إياها

بديوان شعر

شعر ورواية

Page 93: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 93

عىل بقايا الجثث.

وكام هو الحال يف األسطر الثالثة هذه مييض سليم

بركات يف روايته بهذا النوع الفريد من سبك اللغة داخل

العمل الرسدي والذي يشح يف لغة الرساد بشكل عام بل

ميكن القول أيضا أن جل أعامل سليم بركات متتاز بهذه

الخصيصة املميزة والفريدة .

من هنا نستطيع أن نرى أي عمل ينجزه الشاعر سليم

بركات يف اعامله الروائية يف دائرة اللغة، وما أضافه

للحكاية وسيكون الشك مالزما لذهنية القارىء بعد هذا

املثال ليقول : بركات يفتح املعجم ويختار مفردته بعناية.

لكن ماذا لو عرضنا الكم الكبري الذي يكتبه بركات سنويا،

ففي تحد أشبه مبا يكون بتحد يف ساح وغى، يكتب بركات

يف السنة رواية »ضمن هذه اللغة الحادة« ومعها يف

كثري من األحيان ديوان شعر، فهل سيسعف الوقت هذا

الشاعر لينبش يف املعاجم يف كل جملة عن الفعل املناسب

والوصف املناسب.

وقبل أن نغلق هذا القسم ال بد من اإلشارة – تاريخيا –

للرثثرات واستخدام اللغة بشكل ركيك ومجاين، والذي كان

يطبع أعامل املشتغلني بالرسد يف لغة من يكتبون الرواية

العربية– هذا عموما.

ما أضافه الشاعر سليم بركات للغة الرواية بحق هو فتح

عظيم ونختتم اآلن بقطعة شعرية لهذا البلهوان وردت

يف املجموعات الخمس وقبل أن يكتب أوىل رواياته

»والتنتظرين، أيضا، ألين ـ كراكض يف األقاصيص ـ يختطفني

الذي ال يرى، وأكون النهاية حني ال يختتم الحادث رسد

نهايته« .

شامال حيث أيائل فولكرن ما أكرث املعرتفني بأن الروايئ األمرييك وليم فولكرن هو ملهم

ومعلم لهم، كان آخرهم الروايئ الحاصل عىل نوبل 2012

الصيني مو يان، والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الذي

قال: »إذا كانت روايايت جيدة فذلك لسبب واحد هو أنني

حاولت أن أتجاوز فولكرن يف كتابة ما هو مستحيل وتقديم

عوامل وانفعاالت، يستحيل أن تقدمها الكتابة والكلامت

مثل فولكرن، ولكن مل أستطع أن أتجاوز فولكرن أبدا إال أنني

اقرتبت منه«. والبريويف ماريو بارغاس يوسا القائل: »تأثري

فولكرن يف أعاميل كبري جدا، وضعه الكثري من كتاب العامل

يف مصاف كبار القرن العرشين، فهو اخرتع نظاما عامليا

للرواية«.

- فام الذي كان يضيفه فولكرن يف الرواية ؟

- كثري ومن بينه » اللغة الشعرية« .

الشهادة األكرث داللة عىل ما كان يضيفه هذا الروايئ يف

لغة الرواية أورده مرتجمه إىل العربية جربا إبراهيم جربا

يف مقدمة الصخب والعنف : »فنرثه مشحون بالصور

وليم فولكرنسليم بركات

لغة السرد

Page 94: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 94

الشعرية واأللفاظ غري املتوقعة، مذكرا أحيانا بثورة

شكسبري اللغوي«. وإذ ما أخذنا الشهادة التاريخية التالية

وهي أن وليم فولكرن بدا حياته كشاعر ال كناثر وكاتب

للرواية، والبداية تؤكد أن عمله األول ديوان ذو طابع

رومانيس مل يكتب له االنتشار حينها وهو بعنوان »اآليل

املرمري« ولنذهب أبعد من ذلك أيضا ونتتبع أهم ينابيع

هذا الروايئ االستثنايئ وهي عىل كل تأيت أيضا من الشعر

فال يختلف مؤرخو األدب الغريب- عىل حد تعبري صبحي

حديدي يف مقال له يف أخبار األدب - كام يجمع معظم

نقاده، أن الشاعر األمرييك إزرا باوند )-1885 1972( هو

أحد أبرز آباء الحداثة الشعرية

األنجلو أمريكية، والشخصية األشد

تأثريا يف ممثيل وتيارات وأساليب

تلك الحداثة عىل امتداد القرن

العرشين بأرسه 1«. ومعه بال شك

ويف تواز الشاعر جون ميلتون

وعىل حد تعبري جربا :»كانا يجمعان

بني الشعر والنقد وكالهام واسع

العلم عقالين وكالهام أثر يف تغيري

أشكال األدب ال يف الشعر فقط بل

يف النرث أيضا« .

وبدوره أيضا ينقل فولكرن »اللغة الشعرية« من الشعر إىل

حيز الرواية »اإلنجلو أمريكية« ويورثها فيام بعد إىل كثري

من تالمذته املوزعني عىل جميع أرجاء العامل .

هنا ميكن قراءة رأي جربا يف لغة فولكرن بوضوح »إن أكرث

القراء كانوا يجدون بادئ األمر يف أسلوب فولكرن الطويل

الجمل, املركب الصور، املعقد املبنى املمتلئ بالكلامت

املزدوجة الصياغة إشارات إىل رضب من الفوىض، رمبا لهذا

النوع من اللغة – لغة الشعر املهاجرة إىل النرث – يرجع

السبب يف صعوبة تلقي أعامل فولكرن وتحديدا »الصخب

والعنف« يف البدايات« .

موسيقى غابو * »وهكذا كانت الجدة ترانكلينا تغني

طوال اليوم وتهذي بينام الحفيد مل

يتوقف عن األسئلة واالستفسارات:

- جديت: من هو مامبريو وإىل أي حرب

ذهب؟ ومل يكن لدى الجدة أي فكرة

عن ذلك.

ومن املعروف أن مامبريو هي األغنية

الشعبية القدمية التي تحيك قصة أحد

أبطال حرب »األلف يوم« شعرا مغنى .

ينقل فولكنر »اللغة الشعرية« من

الشعر إلى حيز الرواية »اإلنجلو أمريكية«

ويورثها فيما بعد إلى كثير من تالمذته

صبحي حديديجربا ابراهيم جربا

شعر ورواية

Page 95: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 95

هذه هي أول األشعار التي طرقت سمع الروايئ الكولومبي

غابرييل غارسيا ماركيز يف بيت جده العقيد ريكاردو

ماركيز ميخيا من فم جدته الخرفة، وسيواصل الروايئ بعد

ذلك يف املدرسة الثانوية عىل أطراف العاصمة »بوغوتا«

كتابة الشعر ال الحكايا، مع الجامعة االدبية »حجر وسامء«

التي كانت تضم الشاعر ألفارو موتيس وماركيز وغريهم،

وهناك يف املدرسة الثانوية سينرش ماركيز أوىل قصائده

تحت االسم املستعار »خابيري جارثيس« / قصيدة السنبلة،

ال اسبيجا , ودراما يف ثالث فصول, وموت الوردة, وأغنية،

وإذا طرق بابك أحد، وقصيدة لتلميذة منعدمة الوزن.

وكانت قصيدة »أغنية« أول نرش أديب لجارسيا ماركيز حيث

نرشت يف 31 ديسمرب 1944 يف امللحق األديب لصحيفة

الزمن التي كان يديرها الشاعر إدواردو كارنثيا 4 .

لنقفز بالزمن إىل عقدين ونيف من هذه القصائد

ولنستعرض ما كتبته صحيفة التاميز الربيطانية عن مائة

عام من العزلة. تقول الصحيفة :»هي أقرب إىل الشعر منها

إىل النرث بل هي ملحمة موسيقية ال متناهية«. وبعد فرتة

جاءت شهادة األكادميية السويدية نوبل لتؤكد

»متنح له لرواياته وقصصه حيث يتدفق الواقعي والغرائبي

يف غنى معقد لعامل شعري يعكس حياة ونزاعات محيط

بأكمله« .

هكذا نرى أن رائد الواقعية السحرية والذي فتح أعني

العامل عىل أدب أمريكا الجنوبية ما هو بالفعل إال شاعر

مبسوح روايئ وسيكون أثره واضحا أيضا يف أعامل كثري من

الروائيني حول العامل ومنهم أيضا الصيني مو يان وكثري من

روائيي أمريكا الجنوبية .

هذه ثالث أمثلة لروائئني أحدثوا فارقا يف لغة الرسد حول

العامل من خالل »اللغة الشعرية » التي يسحبوها إىل حيز

الحكاية, ناقشني بذلك عىل جدر الرواية معاملا ال تزال

باقية إىل اآلن .

* غابو : اللقب املحبب يف أمريكا الالتينية ملاركيز

-1 من مقدمة جربا ابراهيم جربا لرواية الصخب والعنف ص 7 , املؤسسة العربية للدراسات والنرش ط 3 1983

-2 محمود درويش \ ذاكرة للنسيان ص 46

-3 رواية ثادرمييس – سليم بركات ص1 املؤسسة العربية

-4 سرية حياة ماركيز » رحلة إىل الجذور » داسو سالديبار

نستعرض ما كتبته صحيفة التايمز البريطانية عن مائة عام من العزلة.

تقول:» هي أقرب إلى الشعر منها إلى النثر بل

هي ملحمة موسيقية ال متناهية«

غابرييل ماركيز

لغة السرد

Page 96: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 96

في الشعر

يؤكد كام صحيح، والعكس نفسه، الشعر هي الجوهرية« ال»اللغة الخالص: والشعر

»بينيديتو كروس«، الشعر هو جوهر اللغة:» الشعر هو اللغة داخل جوهرها الخالص...«1.

لكن، فيام يتعلق بالصفاء، فهذه األطروحة ليست مرشوعة إال عندما يبلغ الشعر جوهره، »صفاءه«.

إن استثناء الرسد ينبغي إذن أن يعاد إىل إجراء أكرث عمومية من التقليص النسقي، الذي يشرتط يف الحقيقة بالغة لألجناس

األدبية. وبعيدا عن تشكيل معيار متفرد لتحديد الشعر، فإن استثناء الرسد يساهم مبوقف عام من الرفض والعزل املغلقني

من طرف أسطورة » الشعر الصايف«:

» كل قصيدة هي مدينة بطابعها الشعري الخالص إىل الحضور، إىل اللمعان، إىل الحركة املحولة واملوحدة للحقيقة الغامضة

التي نسميها الشعر الخالص«2.

ألن األمر يتعلق يف النهاية ب»الشعر الصايف« عندما نطق »فالريي«، وبكل تأكيد أيضا بروتون، ريفريدي وسارتر، باتهام الرسد

والخيال يف الشعر. من هنا يظهر الرسد كعنرص من بني عنارص أخرى – حاسمة بكل تأكيد- وجب طرده من أجل الحفاظ

عىل كامل الشعري. فهو يجاور إذن أمناط أخرى من الخطاب، مثل الوصف أو التعليق، ومضامني موضوعاتية أو مرجعية.

ال»حقيقة«، املفهومة باعتبارها صورة عن املجتمع، واإليديولوجيا، والرسالة ليست أقل حظرا: »املقوالت االجتامعية والذهنية

غريبة عن الشعر الخالص. إنها احتامالت يتجاهلها الشاعر...« ) بوين،ص.165(. كل هذه املكونات ترجع دون متييز إىل النرث:

»نقصد بالعنارص النرثية كل ما ميكن أن يقال نرثا، بدون خسارة. كل يشء: تاريخ، أسطورة، نادرة، أخالق وحتى فلسفة، يوجد

بذاته دون اختبار رضوري من الغناء«.) ف. لوفيفر، حوارات مع بول فالريي،ص.67(.

لنتذكر أن ماالرمي، عندما وضع الحالة »األساسية« للغة التي ميثلها الشعر، يف مقابل الوضع » الخام«، واللغة اليومية ل

»الروبورتاج العام«، أقىص أفعال اللغة الجوهرية التي هي»رسد«،»علم« و »وصف«. و »هرني برميون«، وهو يقرتح نظريته

حول »الشعر الخالص« بعد فالريي، مل يقم سوى برفع شعرية ماالرمي إىل مرتبة النظام، حيث ذكر تلك الرضورات كلمة بعد

كلمة:

»تعليم، رسد،رسم، إحداث الرعشة أو استدرار الدموع، لكل ذلك يكفي النرث، الذي هو أيضا موضوع طبيعي.)...( ولعزل

التعليمية، الدراما، النرث: الرسد، التي هي أيضا عنارص العنارص الخالص، ينبغي فصل وإبعاد التهييء الشعري عن الوضع

البالغة، الصور، التفكري، إلخ. إن طاقة الشعر، الشعر الخالص، سيكون هو كل ما تبقى بعد هذه العملية«3.

الضمني النموذج حسب لل»الواقعية«، اتهامهام يف والرسد الوصف بني دامئا يربطان كانا أيضا هام وبروتون ريفريدي

ل»الشعر الخالص«، يف حني أن شعريتهام تبدو عىل النقيض من شعرية »برميون«:

»والوصف. ال يشء يقارن بعدمية الوصف. إنه ليس سوى تراكم الصور يف كاتالوغ، والكاتب يستعملها بحرية، فينتهز فرصة

مترير بطاقاته، ويبحث عن إسقاطي يف االتفاق معه حول مواضع مشرتكة...«.

لكنه أمر صحيح أنه يتم أيضا الشعور بتأثري ماالرمي. ينبغي مالحظة أنه، إضافة إىل الرسد و الوصف، فإن »التعليمية« هي

إحدى الفوبيات األكرث بوحا من طرف املدافعني عن »الصفاء«:

الشعر الخالصدومينيك كومب

االستثناء

Page 97: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 97

»... شعر خالص، يعني خلق عالقات بني عنارص ملموسة خارج أي انشغاالت عاطفية أو تعليمية، تكوين » معادالت األفعال«

هذه التي تحدث عنها »روبري دي مونتسكيو«، والتي ميكن أن نسميها »كوكبة نجوم«4.

الخطاب وعن الرسد عن مختلف هو كم أفضل بطريقة فإلبراز الشعر، يف النرثي ال»تأصيل« مننح عندما حتى بحيث

التعليمي:

» تحديد القصيدة، هو تحديد الشعر الخالص: تناغم التحليل مرشوط بذلك. ومع ذلك ينبغي تسجيل ما ييل: مهام استطعنا

إيجاد بعض التامثالت بني وضعية الشعر يف مجال اآلداب وبني وضعية الرياضيات يف مجال العلوم، فإنه ليس من املمكن

الحديث عن الشعر الخالص باملعنى الذي ميكن أن نتحدث به عن الرياضيات الخالصة )...( يف القصيدة، ميكن للكلمة أن

تحتاج إىل تثبيت لدعم قوتها: فالجرس الشعري ينبغي أن يتجذر يف أرض النرث. وبذلك نصادف، يف تفاصيل القصيدة، مجموعة

بينها ترتبط فيام لن الشذرات تحليلية. لكن هذه النرثية: شذرات رسدية، وصفية، محكية، »الركائز« »الدعامات« و من

بطريقة تكون بها رسدا، و وصفا، وحوارا داخليا او خارجيا، و تحليال«5.

-2 الشعر الخالص والسلبي:

إن موضوعة »الشعر الخالص«، التي درست يف العرشينيات انطالقا من عبارة ل»إدغار أالن بو«، فأعادها بودلري، ماالرمي

ثم فالريي، وانترشت بفضل »برميون«، و أصبحت بكثري من

مرتكزة الحرب، بعد ما لشعريات حقيقية عقيدة النجاح

عىل إشكالية سلبية مرة أخرى بشكل كيل6. مل يكن »الشعر

الخالص« أبدا معطى إيجابيا، فقد تم تلقيه بعد سريورة من

ما بقدر »مطهر« شعر املتتابعة: واالختصارات اإلقصاءات

العملية« يستخلص هو »صاف«، » ذلك ما يبقى بعد هذه

برميون«، كام تدل عىل ذلك املجاالت التصورية: »عزل تحضري

الشعر يف الوضعية الخالصة...«)برميون(؛ »إقصاء العنارص التي

الخالص الشعر من »التخلص )برميون(؛ النرث...« إىل تنتمي

باعتباره مقوما فقط...« ) فالريي(؛ »حلمت يف املايض ببعض

التي ستدخل املفاهيم كل املكتوبة-، حيث الفنية- األعامل

فيها، تكون مطهرة...« )فالريي(. كل هذه الكلامت تنتمي إىل

قاموس الكيمياء، والفيزياء أو إىل البيولوجيا: »تحضري شعر خالص...«؛ »أقول خالص باملعنى الذي قصده الفيزياء حني يتحدث

عن املاء الصايف« )فالريي(؛ » النبتة ال تتكون سوى من خاليا نباتية. كتلة بلورية ال تتكون إال من البلور« )فالريي(.

يبدو أنه يف غاية الداللة بأن هذا املفهوم- وهل حقا هو مفهوم؟- »الشعر الخالص« ميتد إىل أجناس أخرى، بنفس املصطلحية

االستعارية املتولدة عن خيال نقدي. هكذا يطبق »أندري جيد« معيار »الصفاء« عىل الرواية، محوال »الرواية الخالصة« إىل

درجة األولوية يف الجاملية العامة:» إن سلب الرواية من كل العنارص ال ينتمي حرصيا إىل الرواية؛ أي تطهري الرواية من كل

العنارص التي ال تنتمي تخصيصا إىل الرواية«7.

لقد أبدى »فالريي« تذمره من أن نفرس نعت»خالص« مبعنى أخالقي، خالفا ملا يقصده: » سلبية مفهوم الشعر الخالص، هذا

هو ما يدفع إىل التفكري إىل صفاء أخالقي ال مجال له هنا، إن فكرة الشعر الخالص هي بالعكس من ذلك، فبالنسبة يل هي

فكرة تحليلية أساسا«. ومع ذلك، و رغم الهيمنة غري املعقولة للسجل الكيميايئ والفيزيايئ، يبدو أن مبدأ اإلجراء اإلقصايئ

مهما استطعنا إيجاد بعض التماثالت بين وضعية الشعر في مجال اآلداب وبين

وضعية الرياضيات في مجال العلوم، فإنه ليس من الممكن الحديث عن الشعر الخالص بالمعنى الذي يمكن أن نتحدث

به عن الرياضيات الخالصة

Page 98: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 98

نفسه، ينبع عن »أخالق« معينة. ألن التقشف عرب الكتابة يجيب عن حنني إىل الصفاء األصيل.

3- جوهرية أفالطونية:

إن إجراء االستثناء الذي تصدر تحديد الشعر الخالص ساهم يف أعىل درجة يف وضع منطق جوهري، أفالطوين بشكل تام.

لنظرية أسس األفالطوين الخطاب أن اعترب الذي دولوز«8، »جيل اقرتحه الذي السقراطي الديالكتيك تحليل نعرف إننا

لألفكار عىل »فرز« »مجموعة من »النامذج« التي تساعد عىل إقصاء »النسخ« الخداعة. إن التوليد، الذي يجب أن يقود،

عن طريق الحوار، إىل تحديد جوهر اليء، يقلص من اختالط املعتقدات، ويصفي روح األفكار املستقبلة. وبفضله، يتم

تجاوز املظهر الحساس للواقع لحساب الواضح والجيل؛ للفكرة الالزمنية نفسها. والحال أن داخل تراتبية األفكار تهيمن فكرة

»الخري األعظم«، التي تتمظهر يف الحقيقة، بحيث أن األخالق و الوجود يشرتكان كليا يف الجوهر. تلك هي بالتحديد آلية

ال«تقليص« الذي تخضع له اللغة للوصول إىل النقاء املطلق. وعىل غرار الجدلية األفالطونية، يجرد كل من ماالرمي، وفالريي،

وبرميون وغريهم، الشعر بشكل تدريجي من مظهره الحساس والعارض، بشكل يحجب جوهره الغامض، وفكرة الشعر نفسها،

التي هي ليست شيئا آخر غري ال»شعر الخالص«، أو أيضا »املطلق«: »يجب من األفضل قول، رمبا، الشعر املطلق، عوض

الشعر الخالص...« )فالريي(. ألنه ينبغي افرتاض بشكل بدهي وجود فكرة الشعر، شعرية كونية، الزمنية، من أجل تخصيص

للكتابة إلحاحها عىل هذا »التجريد« و »التصفية«، كام لو أنه

يكفي فصل الحبة الجيدة عن الشيلم: »إن ما نسميه قصيدة

بشكل عام تتكون فعليا من شذرات شعرية خالصة موضوعة

داخل مادة الخطاب. فبيت شعري جميل هو عنرص شعري

خالص...«)فالريي(. إن عبارة »مادة من خطاب« تؤكد، إذا ما

يتكون التي األفالطونية املفرتضات ذلك، إىل الحاجة كانت

الحساس العنرص من يربز أن الشعر عىل الفكر: هذا منها

الذي يلوث ال»خطاب«، و املكلف هنا بتوليد دالالت منحطة

غري مبارشة. إىل هنا يعود، بدون شك، املثول املوسيقي للشعر.

حسب الذي، بالفن ملحق الشعر كون يف غريب يشء ال

مدى إىل يدفع األفالطوين، التقليد هنا يتبع الذي هيغل9

بعيد بتصفية األدوات الحساسة، و هنا نقرتب من املثال، من

صورة املوسيقى الساموية التي تحدد، عند أفالطون، التناغم

الحسايب والهنديس للكون. كام أن بول فالريي يتهم الرواية بسبب ماديتها تحديدا:

»مقارنة مع القصيدة، تحتوي الرواية )باملعنى الحديث( عىل العديد من الخصائص االعتباطية، والقليل من الدقة الوظيفية،

القليل من القوانني الجوهرية، الكثري من »املادة«؛ الكثري من الحقيقة والقليل من الواقع.)...( وبينام تسعى الرواية إىل أن

تحل مكان صورة األشياء و الناس، مكان حياة مزيفة، تسعى القصيدة نحو الجوهر)سواء كان موجودا أم ال(، أي نحو أن يحل

مكان النشاط الخالص للنظام العصبي-العقيل. فاالختالف مع الرواية هو اختالف يف ال»صفاء«.«.

التهمة هنا املؤذية- بال»نسخ« امللتصق السوموالكر ال»صور«، رفض لألفالطونية: األساسية القضايا »فالريي« يجمع هنا

موجهة ليس للشعر، كام يف »الجمهورية، لكن للرواية- ل»الجوهر« و ال»صفاء«. إن إشكالية مثل هذه تربط مبارشة وجود

الحقيقة بأخالق مبنية عىل مبادئ كونية. إن متثل الشعر-مثل باقي األجناس األدبية، وتحديدا الرواية- له جوهر بديهي يعود

يبدو أنه في غاية الداللة بأن مفهوم »الشعر الخالص« يمتد إلى أجناس أخرى، بنفس المصطلحية االستعارية المتولدة عن خيال نقدي. هكذا يطبق »أندري جيد«

معيار »الصفاء« على الرواية، محوال »الرواية الخالصة« إلى درجة األولوية في

الجمالية العامة

في الشعر

Page 99: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 99

إىل إرجاعه إىل الطبيعة، حسب املنهج األفالطوين مرة أخرى: إن النزعة الجوهرية هي أيضا أصلية، فجوهر الشعر مينحه قيمة

عليا مثلام هو الجوهر) األوسيا( مرسوم يف الطبيعة، أي نظام الكون. كام أن »هرني بوين«، يف بالغته الثنائية للشعر والرواية،

يف يختلفان جنسان الشكلية، التاميزات عىل فقط يرتكزان ال جنسان لكنهام جنسان، ال»طبيعة«:« تناقض متييز أمكنه

الطبيعة وبدوافع عميقة«) فالريي(. »إذا أردنا أن نربهن عىل أن الرواية جنس طبيعي، فإن األمر يقتيض، يف الواقع، النظر إليه

داخل جوهره. وينبغي أن نحرتس من الترصف مثل بعض املنظرين الذين يحددونه شكليا، خارجيا، ولكنهم يفاجؤون جميعا

)نفسه(. هاهو فكر »عميق« يعمل ضد ال»سطح«، داخيل ضد إيجاد خصائص محددة...« فيام بعد بعدم قدرتهم عىل

الخارجي، من أجل دعم »صور« الفيلسوف األفالطوين و الفيلسوف الرواقي اللذان وصفهام »جيل دولوز« يف »منطق املعنى«.

ال»شعر الخالص« هو ، بطريقة عامة، كل األجناس الخالصة، باعتبارها أفكارا، الالمرشوطة، وجودها هو قصدية أكرث منه

فعل. إن الشعرية ليست وصفية، بل معيارية. فالبنسبة للفيلسوف، إدراك نور الحقيقة هي رضورة من غري املمكن تحقيقه

ألن الجوهر ينبع من الوضوح. هكذا، فاألجناس الخالصة، ال تستطيع أبدا إال أن تكون مطلوبة ألنها توجد دامئا وراء األعامل

الواقعية: »الشعر الخالص، يف العموم، هو تخييل املالحظة املقلص، الذي يجب أن يساعدنا عىل تحديد فكرتنا عن الشعر

عموما، ويقودنا إىل دراسة جد صعبة و جد هامة للعالقات املتنوعة و املتعددة األشكال للغة مع التأثريات التي تحدثها عىل

اإلنسان« )فالريي(.

إن مصطلح »تخييل« ال يدل عىل أننا نعرتف بوجود الشعر الخالص، بل نحن نستعمله باعتباره »منوذجا«، دوره هو توجيه

عملية اإلبداع. و بواسطة طابعه املطلق، ييضء الشعر الخالص األشكال الطارئة للشعر، التي يربز أمامها صوته املتكامل. ألن

فكرة الشعر الخالص ليست فقط نظرية؛ ألنها تحدد قبل ذلك »شعرية« معينة، مبعنى مجموعة من القواعد التكوينية:

»الحد األقىص للشعر ممكن واقعيا، يف ذروة الرغبة الشعرية، و إذن فالنمط املثايل أو تقنية و تحليل موضوع-قارئ يتسع

دامئا« )نفسه(. يعرتف أندري جيد بطيبة خاطر من جانبه أن الرواية الخالصة أمر مثايل: »وهذه الرواية الخالصة، لن يكتبها

أي أحد فيام بعد؛ وال حتى الرائع »ستاندال«، الذي هو رمبا، من بني كل الروائيني، الوحيد الذي يقرتب منها أكرث«10. األمر

يتعلق هنا ب »فكرة تحليلية«، كام حددها »فالريي«،مادام » الشعر والرواية، مثل كل الكائنات الكياموية، ال تقدم نفسها

أبدا يف وضعها الخالص؛ ومن أجل متييزها ينبغي تجريدها« )بوين،م.س،ص.98(.

ترجمة: محمود عبدالغني

.Dominique Combe. Poésie et récit, une rhétorique des genres, Jose Corti,1989-:ملحوظة: هذه ترجمة كاملة للفصل األول من كتاب *

1-B.Croce, La poésie,p.17

.2-H. Bremond, La poesie pure, p.16

3-Ibid.,pp.61

4-M.Leiris,op.cit.,p.60

5-R.Campigny, Le Genre poétique ,p.19

كام ال حظ ذلك »هوغو فريدريك.-6

7-les Faux-monnayeurs, p.990 ; Journal des Faux-monnayeurs, pp.40

8-Logiques du sens,op.cit

9-Dans l Esthétique de Hegel

10-Journal des Faux-monnayeurs, pp.40

Page 100: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 100

البدء كان النرث. يسعد البعض لهذا القول بينام يغص الكثريون منه. اختالفات طبيعية لدى غرينا، ال تستدعي

اتهامات باإلغارة عىل الرتاث، أو عدم الوعي بخصوصية كل ثقافة. إن وجهات النظر تتالقح وتتفاتح كام يقول

»أبوحيان التوحيدي« : »إن خري الكالم ما قامت صورته بني نظم، يطمع مشهوده بالسمع، وميتنع مقصوده بالطبع«.

ساتنا، أو نستعد لشد صندوق الطرد املركزي ليبعد النرث عن ساحتنا إذا س مسد لقد رصنا إذا سمعنا كلمة »نرث« نتحس

دية ثقافية، بينام ينطبق علينا - يف عيه من تعد سمعنا الكلمة النجسة، وليست الصدور متسعة لتقبله وذلك يف غمرة ما ند

دها »أدىن شك يف الحقيقة - ما اشتىك منه وليم جيمس: »تخمة الواحدية«، مبا ينبئ عن دوغامتية وجمود؛ تلك التي يهد

دية، وأقل تذبذب نحو االستقالل« . التعد

طريق امرؤ القيس لست من نشطاء النرث، بل إن سطوري فيه قليلة. ال أعتذر له؛ فأنا واحد من ساللة كانت ترى الشعر كل يشء، ليس األمر

إميانا بقدر الشعر قدر ما هو يف حقيقته تورط يف مجاراة العادي واملمنوح .

وال ريب يف أن للنرث أفضاال عىل الشعر، وقد يفاجأ البعض بهذا القول الذي نراه بديهيا؛ »ذلك أن النرث أصل الكالم والنظم

فرعه« ، كام يقول » أبو عابد الكرخي«، واألصل أرشف من الفرع، وبالنرث كتبت الكتب الساموية، والوحدة فيه أظهر، وهو

طبيعي يف البدأة؛ ألن الناس يتكلمون به ابتداء، وهو غري محتاج إىل الرضورات كالشعر . ونؤكد أننا ال نقصد النرث الفني؛ فذلك

موضوع آخر - رمبا نعرض فيه للعالقة بني الشعر واألمثال عىل سبيل املثال - ولكن النرث العادي.

هل يرجع األمر إىل عهد نصح فيه »ابن طباطبا« شعراء عرصه بأن »الشعر رسالة منظومة بينام الرسائل شعر منثور«، وكذا

إلحاحه عىل أن للشعر فصوال كفصول الرسائل، أو حديثه عن املعاين الجارية يف عادات الناس واملعروفة لديهم يهتدي إليها

ة خوفه منه«، فقال أبو متام: البحرتي مثلام يهتدي أبو متام، ويرضب مثال بقول الناس: »والعري إذا رأى السبع أقبل إليه من شد

»قد يقدم العري من ذعر عىل األسد«، وقال البحرتي:

»فجاء مجيء العري قادته حرية

إىل أهرت الشدقني تدمى أظافره«.

وذهب بعضهم - بحق - إىل تورط العقاد يف يشء من ذلك يف قوله:

»والشعر من نفس الرحمن مقتبس

والشاعر الحق بني الناس رحامن«

والذي يكاد يكون ترجمة شعرية لعبارة شكري: »كل يشء يف الوجود قصيدة من قصائد الله والشاعر أبلغ قصائده«.

ولعل مقولة ابن طباطبا ال تبتعد عام قاله الجاحظ: »ودقيق املعاين موجود يف كل أمة وكل لغة، وليس الشعر عند أهل العلم

به إال حسن التأيت وقرب املأخذ واختيار الكالم ووضع األلفاظ يف مواضعها وأن يورد املعنى باللفظ املعتاد«.

الجاحظ ذاته يقول كلمة نابهة رمبا تحتاج فهام جديدا وذائقة متعاطفة؛ إذ يقول يف كتابه »الحيوان«: »أما الشعر فحديث

ل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة وكتب أرسطوطاليس، امليالد، صغري السن أول من نهج سبيله وسه

النثر والشعر..." إيد واحدة "د. عالء الجابري

في الشعر

في

Page 101: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 101

ومعلمه أفالطون، ثم بطليموس ودميقراطيس، وفالن، وفالن قبل بدء الشعر بالدهور قبل الدهور واألحقاب قبل األحقاب«.

دت عىل النهج ذاته يكتب ابن سالم يف طبقاته: »ومل يكن ألوائل العرب من الشعر إال األبيات يقولها الرجل يف حادثة، وإمنا قص

القصائد، وطول الشعر عىل عهد عبد املطلب وهاشم بن عبد مناف، وذلك يدل عىل إسقاط )شعر( عاد ومثود وحمري وتبع«.

التي ياكبسون« «رومان كلمة واضحا من ذلك يبدو وقد املثال، الشكالين، عىل سبيل املنهج أتباع ذاته مييض النهج عىل

وضعناها عتبة للسطور، ويف الوعي الكامن عند »يوري لومتان« الذي ال يخفي تحيزه للنرث عىل حساب الشعر، بحسب فهمنا

ملوقفه من أسبقية الشعر عىل النرث، عىل خالف العادة؛ حيث يفرس األمر من منظور اجتامعي بامتياز؛ إذ يرى أسبقية الشعر

مبا هو ظاهرة مجتمعية تحمل أعرافا وتقاليد أكرث حزما، ثم ما يلبث العرف االجتامعي أن يتسع للجديد، فيدخل النرث إىل

الرحاب املبتغى.

مكانة الشاعر إننا نجد ابتهاجا مفرطا ملكانة الشاعر يف القديم برغم أنه قد قيل اليء نفسه عن الخطيب، فقد كانت القبيلة تحتفل به

أيضا حتى تضاربت األقوال حول األجدر بالتفضيل يف نطاق القبيلة: أهو الشاعر أم الخطيب؟ ولكن األيام التالية رسخت

مثة يكون أن يفرتض بينام الشعر، أمام للنرث داخلية لهزمية

استعالء شعوري عىل أسبقية الشعر تاريخا ومكانا، حتى يقول

أحد الشعراء الكبار: »ما من شاعر يستطيع أن يكتب قصيدة

تأخذ مداها ما مل يكن أستاذا يف النرث« )القول إلليوت والعهدة

أو النرث »قصيدة كتابه يف حجازي املعطي عبد أحمد عىل

النرث إن يقولون الذين أولئك عنك الخرساء«(.دع القصيدة

العقل والنظم من الحس، وكأن الشعر ال عقل له، وكأن من

النرث يحوي العقل البادي. إنهم - بالتأكيد - مل يسمعوا خطب

هذه األيام! وبخاصة خطب الزعامء التي وضعت عروشهم يف

»زنقة زنقة«.

تبدو مقارنة أي منتج يف ظالل الشعر واحدة من أبرز آليات

أن يلبث ال األدوار يف وبادل منهم تجرأ ومن العريب، النقد

يرتاجع عن موقفه، وحتى مجاالت الوعي العريب يف التعامل مع الظواهر األدبية الجديدة - يف ما يتصل بعملية التجنيس -

تبدو مجرد محاوالت لتمديد البنية النوعية التي يسعى إىل تطبيقها لتشمل تحت مظلتها األنواع األدبية التي تحاول طرح

ون عىل محاوالت إيجاد عنارص جامليات مغايرة، فنجد النقاد و»املنظرين« الذين يبدو أنهم منحازون إىل قصيدة النرث، يرص

شعرية فيها كام تطرحها البنية الضمنية للشعر، والحق أن مرشوعيتها داخلية، متاما كإيقاعها، وإال لظلت تستجدي االعرتاف

البديل املطابق لها عىل األقل. ناهيك عام يقرتفه بعضهم من تصنيف بعد زمن طويل كام فعل أصحاب الشعر الحر، أو

التثبت من نوعية املؤلفني الكتاب يف »طبقات«، وهو ما ينعاه»ريفاتري« من اهتامم مؤرخي األدب اهتامما كبريا مبحاولة

الذين يحاكيهم كاتب معني، وأي املؤثرات تلعب دورا يف تكوين نصه، وإىل أي جنس أديب ينتمي النص؟... وهم يعتمدون

ني أو أيضا عىل الشاهد الخارجي ولكنهم يعرثون عىل برهانهم النهايئ للنسب بني عمل وآخر يف التامثالت املعجمية بني نص

زون عىل أشكال الربوز املتكررة بني نصوص عديدة، أو يف التنظيم املتطابق ملكوناتها الخاصة. وكربهان عىل الصالت النوعية يرك

يف النص ملالمح تعد بني الخصائص املميزة للنوع.

إننا نجد ابتهاجا مفرطا لمكانة الشاعر

في القديم برغم أنه قد قيل الشيء نفسه عن الخطيب، فقد كانت القبيلة

تحتفل به أيضا حتى تضاربت األقوال حول األجدر بالتفضيل في نطاق القبيلة:

أهو الشاعر أم الخطيب؟

Page 102: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 102

لنا خطرية، ألنها تتعلق بتطبيق افرتاضات فلسفية حديثة عىل الشعر، والسؤال هو: بالنسبة

هل يأكل الشعر نفسه أو بعضه؟ كام تأكل الكائنات بعضها البعض بغاية حفظ النوع؟ والنوع

املقصود هنا هو الذي يحدده الرصاع يف القصيدة.

وال يخفى أن املسألة جديدة، أي تطبيق أفكار فلسفية )تعود لنيتشه بشكل أسايس( يف مسألة الرصاع، عىل حقول شعرية

غربية ) مايا كوفسيك والرومانسية – اوجني يونسكو وفيكتور هوغو...( وعىل حقول شعرية عربية )قصيدة الظل العايل

ملحمود درويش وقصيدة هجاء الظل الواطي لسمر دياب ( منوذجا.

ال يخفى أن نيتشه مل يكن قد غرب عنه عقله متاما حني كتب كتابه الخطري »أفول األصنام« يف العام 1888. رضب نيتشه

سقراط عىل عقله بالذات وأفسد معادلته القدمية: عقل = فضيلة = سعادة وسامها حامقة، واعترب صاحبها مثال الهليني

اإلغريقي األحمق واعترب فلسفته قبيحة وضفدعية كهيئته... أسوأ ما فيه أنه منتقم من الغرائز األولية الجميلة، بعضالت

املنطق واألخالق. وقد رسب سقراط )برأي نيتشه( فلسفته األخالقية إىل املسبح لذا فقد اعترب نفسه من ألد أعداء املسيح، يف

تصديه للغرائز باعتبارها وحشية ورشيرة وال بد من إخصائها، يقول: » ن مهاجمة النزوات من الجذر معناها مهاجمة الحياة

بعينها من الجذر« .وتبعا لذلك أورد " نيتشه" الئحة بأسامء أشخاص تاريخيني تحت عنوان »ال يطاقون« من بينهم: الخطيب

اليوناين سينيك، »الشاعر األملاين شيلر )بوق االخالق(، دانتي ) ضبع تنظم الشعر عىل األرضحة(، إميل زوال ) لذة اإلنتان(،

سانت بوف )مسودة بودلري(، هوغو )بارد كجورج صاند( وروسو )فارغ متكلف(. وهكذا انهال نتيشه مبعوله املجنون عىل

هؤالء وأمثالهم، خدمة لفلسفته يف الرصاع وحفظ النوع. فالعامل يف نظره ال يفرس بالعقل ويخضع له، بل يفرس بإرادة حفظ

النوع التي ليست سوى غريزة واندفاع أعمى نحو الحياة. يقول: »لنالحظ مثال، يف الرصاع لحفظ النوع، اإلفراط الشديد

لدى بعض النباتات يف إنتاج البذور، العنف والقلق يف الغريزة الجنسية، أية غاية معقولة هي التي تدفع بالسالحف لتقطع

سهول )جاوة( يف طريقها إىل البحر لوضع بيوضها؟ فتهاجمها كالب متوحشة بغية قتلها، فتقلبها عىل ظهورها لتفرغ بطونها

وتأكلها حية، وغالبا ما ينقض منر عىل هذه الكالب فيفرتسها«.

II

الرصاعات حول القصيدة التي نشأت واحتدمت يف أوروبا وامريكا، تلون بعضها مبثل هذه النظرية، هناك مدارس للحداثة،

من الدادائية للمستقبلية فالرسيالية كانت تستند إىل حدة الرصاع بني القديم والحديث، وكان التطرف يطبعها فهو رصاع

إلغايئ ال توفيقي، فكأنه ال ميكن »للحديث« أن يولد من دون موت »القديم« أو قتله، واألمر سيان. والقديم متثل بوجوه

عديدة، منها الرتاث، ومنها الكالسيكية... يقول الشاعر الرويس »فالدميري ما يا كوفسيك« وهو أحد مؤسيس املستقبلية، جوابا

عن سؤال حول الرومانسية، والسبب يف إقصائها كليا من شعره »ما الحاجة لتطعيم جسد حي بساق ميتة؟« أما املرسحي

فيكتور هوغو فرنسا.. األعظم يف الكالسييك الشعر مرة يف رمز يونسكو« فقد كتب هجائيات الرسيايل »أوجني الفرنيس

إرادة حفظ النوع في الشعرمحمد علي شمس الدين

في الشعر

ستكونI

Page 103: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 103

»سامها«، »هوغوليات«.

الدادائية يف فرنسا ) DADA( من خالل مؤسسها "تزارا" نادت بالعودة إىل األوليات، وهي ليست بعيدة عن الغرائز األولية

وانقالبية يف هذه أشد قسوة كانت الرسيالية القديم. العامل لينبني عليها عامل جديد وبديل عن »نيشته« بها قال التي

املسألة من مؤسسها أندريه بروتون إىل سائر اعضائها، يف الشعر: ايليوار وميشو وبريفري ودوغي... ويف الرسم دايل وبيكاسو

بخاصة... وجميعهم فعلوا يف القصيدة واللوحة فعل نيتشه

يف الفلسفة.. حطموا األصنام.

III

يف العربية، وصلتنا الحداثة متأخرة عام هي يف الغرب، لكنها

وصلت وفعلت بعض فعلها يف الكشف والقطع. والقصيدة

كانت أهم مخترب للرصاع وأشده خطورة لكونها )أي القصيدة(

قلب العريب وعمقه وفلسفته. يسمي محمد املاعوظ الشعر

»بالجيفة الخالدة« )يف قصيدة حريق الكلامت(، ويقول أنيس

أي السد«، »بج يريد إنه »لن« لديوان مقدمته يف الحاج

تفجري السد. والسد هنا هو الشعر العريب بصفته عالمة مهمة

من الرتاث العريب... أو اإلرث.

أمس، قرأت قصيدة لفتت انتباهي بقوة.. وهي للشاعرة سمر دياب، نرشتها لها مجلة »الغاوون« واملجلة تحمل اليوم بذورا

تغيريية خطرية، لعلها األهم بعد مجلة »الرغبة اإلباحية« لعبد القادر الجنايب ) التي سكتت عن الكالم املباح( من مدة...

عنوان القصيدة هو »هجاء الظل الواطي« وهو العنوان النقيض ميكانيكيا لعنوان إحدى قصائد محمود درويش املعروفة

»مديح الظل العايل«.. وتنطوي عىل عنوان ضدي آخر هو : إىل جحا: ملاذا تركت الحامر وحيدا؟ وال تخفى معارضة هذا

العنوان لعنوان ديوان آخر لدرويش هو »ملاذا تركت الحصان وحيدا؟»....وتختم سمر دياب بقولها: " أيتها األسامء الكبرية...

ملاذا نصوصك تافهة هكذا؟«... إنه رصاع ال هوادة فيه... وأنا لست فيه عىل الحياد.

في العربية، وصلتنا الحداثة متأخرة عما هي في الغرب، لكنها وصلت وفعلت

بعض فعلها في الكشف والقطع. والقصيدة كانت أهم مختبر للصراع

وأشده خطورة لكونها )أي القصيدة( قلب العربي وعمقه وفلسفته.

ي حرتر وصيةر أيب متام للبر

عر، وكنت أرجع فيه إىل طبع، ولم أكن أقف عىل تسهيل مأخذه، : كنت يف حداثتي أروم الش قال الوليد بن عبيد البحرتي

ووجوه اقتضابه، حتى قصدت أبا متام، وانقطعت فيه إليه، واتكلت يف تعريفه عليه؛ فكان أول ما قال يل:

يا أبا عبادة؛ تخري األوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم. واعلم أن العادة جرت يف األوقات أن يقصد اإلنسان لتأليف

ها من الراحة، وقسطها من النوم. وإن أردت التشبيب؛ فاجعل حر؛ وذلك أن النفس قد أخذت حظ ء أو حفظه يف وقت الس يش

ع الكآبة، وقلق األشواق، ولوعة الفراق. فإذا أخذت يف مديح بابة، وتوج اللفظ رشيقا، واملعنى رقيقا، وأكرث فيه من بيان الص

د املعاين، واحذر املجهول منها. وإياك أن تشني سيد ذي أياد؛ فأشهر مناقبه، وأظهر مناسبه، وأبن معالمه، ورشف مقامه. ونض

جر؛ فأرح نفسك، وال تعمل شعرك باأللفاظ الرديئة، ولتكن كأنك خياط يقطع الثياب عىل مقادير األجساد. وإذا عارضك الض

هوة نعم املعني. وجملة الحال أن ريعة إىل حسن نظمه؛ فإن الش عر الذ شعرك إال وأنت فارغ القلب، واجعل شهوتك لقول الش

تعترب شعرك مبا سلف من شعر املاضني، فام استحسن العلامء فاقصده، وما تركوه فاجتنبه؛ ترشد إن شاء الله.

قال: فأعملت نفيس فيام قال؛ فوقفت عىل السياسة.

Page 104: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 104

عن الطفولةحارسة الشعر والشعراء

العين بتلك األشياء يرى فالطفل شبه، من عالمة وأكثر والشاعر، الطفل بين تربط كثيرة وشائج ثمة الساحرة المختلفة، التي يرى بها الشاعر عادة، كما أن الطفل دائم االغتباط بالعالم الذي يراه ويكتشفه، كما لو كان يراه للمرة األولى، ومثل هذه الرؤية هي نفسها لدى الشاعر، والتي يسعى من ورائها إلى إعادة

البكارة إلى العالم.

يوسف عبد العزيز

تنظير

Page 105: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 105

عن الطفولةحارسة الشعر والشعراء

يولد الطفل شاعرا، ويفاجئنا منذ سنواته األوىل بتلك

اللغة املقتضبة املوحية والقامئة عىل اإلشارة. سنوات

قليلة وينخرط الطفل يف شؤون الحياة وشجونها، وشيئا

فشيئا يكرب فتغادره الدهشة، وتتحول اللغة عنده لتصبح

لغة جافة قامئة عىل التقرير. ال ينجو من هذه التحوالت

الخطرية سوى أشخاص قليلني، هم أولئك النفر من الناس

الذين قرروا أن يحتفظوا بالطفولة، كتميمة خاصة تقي

أرواحهم من الوحشة، وتنقذهم من كل ذلك الضجر الذي

ميأل الحياة، وهؤالء هم الشعراء.

بهذا الفهم ميكن القول إن الشاعر هو ذلك الطفل الكبري

الذي ظل يلعب بالكالم، ويشكل من طينته تلك املشاهد

الخرافية الساحرة.

عىل أن هناك مثة افرتاقات أساسية بني الطفولتني: طفولة

الطفل وطفولة الشاعر، فالطفولة األوىل هي طفولة أولية

هشة تنقصها الخربة، بينام الطفولة الثانية هي طفولة

ناضجة، أو بتعبري أكرث دقة هي طفولة ماكرة! من جهة

ثانية نحن نجد أن طفولة الطفل قامئة يف األساس عىل

محاولة معرفة العامل، واستقصاء أرساره، ولذلك فنحن

نجد الطفل منكبا باستمرار عىل إطالق األسئلة وتلقي

اإلجابات، وذلك من أجل أن متتلئ يداه يف نهاية املطاف

بتلك الرثوة املعرفية التي متكنه من التواصل مع اآلخرين.

عىل مستوى طفولة الشاعر يحدث العكس، حيث يلجأ

الشاعر إىل التخلص من ركام املعرفة الفاسدة التي تجتاح

كيانه بني الحني واآلخر، وتعكر ماء كتابته. إنه يكتب كام

لو ظل يف سنوات عمره األوىل. يتضح هذا األسلوب يف

الشعر كام هو يف سائر الفنون، وخاصة يف الفن التشكييل،

وخري مثال عىل ما نذهب إليه هي أعامل الفنان

السويرسي املعروف »بول كيل«، الذي كرس كل طاقته يف

رسم لوحات تستمد جاملياتها من روح الطفولة.

يف الشعر العريب الحديث يعترب الشاعر »أدونيس« هو

الشاعر األكرث إخالصا لطفولته، أو األكرث قدرة عىل تطويع

يده لتكتب متكئة عىل إرث الطفولة، أما القارئ فيندهش

كيف أن شاعرا ومفكرا بحجم أدونيس ينحي تجربته

جانبا ليكتب بروح الطفل الذي فيه. يقول يف قصيدته

»احتفاء بالطفولة«، وهذه القصيدة هي من مجموعة له

تحمل عنوان »احتفاء باألشياء الغامضة الواضحة«:

»تتمنى الريح

أن تتحول إىل عربة

تجرها الفراشات«.

ويقول يف القصيدة نفسها:

»قرية صغرية هي طفولتك

مع ذلك

لن تقطع تخومها

مهام أوغلت بالسفر«.

لننظر إىل املقطع السابق، ولنتأمله جيدا. هنا سوف

نرى أن الطفولة قد احتلت حياة الشاعر كاملة. كل ما

يشاهده، كل ما يتحرك فيه أو يالمسه، وكل ما يكتبه،

هو مأخوذ من تلك القرية الصغرية )الطفولة(، ولكن عىل

الرغم من صغر هذه القرية فإن الشاعر سيقيض حياته

متنقال فيها، دون أن يسرب أغوارها!

مثل هذا التشبث الكبري بالطفولة، والتامهي معها إىل هذا

الحد، هو ذروة اإلخالص للشعر، ذلك أن الطفولة هنا هي

مبثابة نبع الشعرية املتدفق، الذي يزود الشاعر بالخياالت

العذبة املجنحة والحدوس.

يف شعاب الطفولة يلتقي الشاعر الطفل بالشعر مصادفة،

وتقدح بني يديه رشارة القصيدة.

يوسف عبدالعزيز

آرثر رامبوأدونيس

Page 106: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 106

يف تلك اللحظة الفارقة، يبدأ الشاعر مشواره مع الكتابة،

ثم يسريان معا: الشاعر والطفل الذي فيه.

ترافق الطفولة الشاعر، كحالة قدرية، أو كمصري محتوم،

وتحرسه كام تحرس شعره. كام أنها تضخ فيه باستمرار

طاقة الحلم، والرغبة يف التمرد واالنعتاق من العامل البائس

املرتمد. كل ما حاول الشاعر أن يكتب شيئا، كل ما وجد

نفسه أنه نيس ما تعلمه. إنه ال يركن إىل منجزه السابق،

وال يتوقف عند منوذج مقدس، سواء أكان له أو لآلخرين.

ولذلك فنحن غالبا ما نراه يف لحظات الكتابة مشوشا،

وغائم النظرات، كأنه يكتب نصه للمرة األوىل.

كل نص جديد يلجه هو مبثابة نص أول،

وكل نص ينهي كتابته هو مبثابة نص أخري.

أكرث ما مييز الشاعر الذي ظل مخلصا لطفولته هو نفوره

من الحياة الرتيبة، واملشهد الواحد املتكرر. مثة سأم حاد

يجتاح كيانه من كل ما هو متداول ومنتهك. لديه رغبة

عارمة يف التغيري، والسفر واالكتشاف، أما اللغة فيذهب

بها باستمرار نحو مغامرة جديدة. يف الكتابة تروق له

فكرة اللعب الحر، تلك الفكرة التي تسبب له قدرا هائال

من اللذة.

ترى ما الذي ميكن أن يحدث للشاعر، إذا ما غادرته

الطفولة؟

الطفولة هي أرض الشعرية الواسعة وفضاؤها املمتد،

ويف اللحظة التي يفرتق فيها الشاعر عن طفولته، يفقد

البوصلة، وتجف عصارة الشعر يف قلبه.

هذا ما حدث مع الشاعر الفرنيس »آرثر رامبو«، الذي هو

أحد رواد الحداثة الشعرية يف العامل، فبعد مرور خمس

سنوات عىل مشواره الشعري، ويف سن العرشين من عمره،

توقف عن كتابة الشعر بشكل نهايئ. لقد هدأت روح

ذلك »الهائل العابر« الذي كان قد أعلن جنونه وفوضاه

العارمة، وذلك بعد أن اصطدم بصخرة الواقع الصلبة،

حدث ذلك يف العام 1873 حني أطلق صديقه الشاعر

فرلني النار عليه. ومنذ تلك الواقعة مل يعد رامبو ذلك

الطفل املشاكس. لقد استيقظت فيه حياة أخرى هي

أقرب إىل الرعونة والفتك، يقول يف أحد نصوص ديوانه

»فصل يف الجحيم«: »أنا الذي اعتقدت بأنني ساحر أو

مالك، معفي من كل التزام أخالقي، عدت اآلن إىل األرض

الصلبة، مع واجب ينبغي أن أبحث عنه، وواقع مر ينبغي

أن أعانقه، يا يل من فالح! آه من سذاجتي! هل خدعت؟

وهل الرحمة أخت املوت بالنسبة يل؟ أخريا فإين أطلب

املغفرة، ألين تغذيت من الكذب. ولننس كل يشء. ولكن

ال يد صديقة متتد نحوي«.

وصل رامبو إىل عدن عام 1880، حيث سيستقر هناك

بعد سلسلة طويلة من الرحالت، شملت كال من إيطاليا،

هوالندا،السويد، الدامنارك، وقربص. يف عدن سيتضح لديه

الجانب الفوضوي والبوهيمي من حياته بشكل كبري،

وسيقوم بالعمل -حسب بعض الروايات املتداولة- يف

تجارة األسلحة والرقيق ما بني ميناء عدن وميناء الصومال.

ذلك التحول الذي نقله من كتابة الشعر إىل هذا النوع

القايس من التجارة، رمبا سيكون السبب املبارش الذي

سيضع نهاية محتومة ملرشوعه الشعري. يف هذا التحول

غادرت الطفولة الشاعر، وحلت مكانها تلك املهنة الصارمة

التي تتعامل بال شفقة مع سلعتني خطريتني هام األسلحة

والرقيق! ريو م

انخو

ت ما

سولر

ا

تنظير

Page 107: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 107

الداخل اىل عامل غابرييلال ميسرتال الشعري، كالداخل إىل قرب مفتوح يغص باملوت والزهور، كالداخل أيضا إىل حياتها

التي مل تفارقها املأساة بدءا بانتحار حبيبيها وحتى انتحار ابن لها ربته وهو يف السابعة عرش من عمره، مرورا برتاجيديا

أحداث الحرب العاملية الثانية وماجرته عىل النفوس من ويالت وخوف وقلق من اآليت.

الشاعرة التشيلية التي كانت أول من يفوز بجائزة نوبل لآلداب يف العام 1945 يف امريكا الالتينية، تركت وراءها إرثا

كبريا من املقاالت والنصوص والقصائد التي مل متنعها مآسيها من االحتفاء بحق اإلنسان يف نيل حريته والعمل من أجل

اسرتداد كرامته املهدورة بفعل الحروب ونزعات العنرصية.

تبوأت ميسرتال – اسمها الحقيقي لوسيال غودوي الكاياغا – مناصب رفيعة عدة داخل وخارج وطنها، وكانت تحظى

باحرتام وتقدير كبريين من دولتها وجمهورها. إنها املرأة التي مل تكف عن بث روحانياتها وشغفها لكامل االنسانية يف

شعرها. الشاعرة التي ارتقت باألمل حني آمنت بأن الفنان بالنسبة للناس كام هي الروح بالنسبة للجسد، وكانت هذه

العبارة التي رددها اآلالف من ورائها ما استحقت أن تنقش عىل شاهدة قربها, شاهدة بدورها عىل إميانها بالشعر

كمخلص وإميان الجميع بها كشاعرة.

ولدت غابرييال عام 1889 وتوفيت بعد حياة حافلة بالخسارات العاطفية والنجاحات املهنية مبرض الرسطان يف

10 يناير، 1957، وكان عمرها آنذاك سبعة وستني عاما.

غابرييلال ميسترال

شاعرة الخسارات المتقدة

مختارات

ترجمة : سمر دياب

Page 108: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 108

األم الحزينة نم .. نم ياحبيبي

دون قلق، دون خوف

ولو أن روحي التنام

ولو أين ال أعرف راحة

نم .. نم

عىس أنفاسك يف الليل تصبح أرق من ورقة

عشب

أو صوف الخراف الحريري

عىس جسدي ينام فيك

قلقي، رجفتي

عساين أغلق عيني، وينام قلبي فيك .

غابة الصنوبرفلنذهب للغابة اآلن

ستمر األشجار قرب وجهك

وسأقف، وأقدمك لها

لكنها ال تستطيع االنحناء لك

الليل يراقب مخلوقاته

عدا شجر الصنوبر الذي ال يتغري

الينابيع الجريحة التي تنبت

صمغا مباركا، وظهريات أبدية

لو استطاعت, تلك األشجار لرفعتك وحملتك

من واد لواد

وستعرب من ذراع لذراع

كطفل يركض من أب ألب

مختارات

لست وحيدة املساء .. مهجور من الجبال حتى

البحر

لكني أنا التي تهدهدك

لست وحيدة ..

السامء .. مهجورة حني القمر يسقط

يف البحر

لكني، أنا التي أمسك بك

لست وحيدة

العامل .. مهجور

كام ترى .. كل األجساد حزينة

لكني، أنا التي أعانقك

لست وحيدة ..

Page 109: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 109

أغنية املوتأيها الحاصد أرواح العجائز

أيها املوت املاكر

وأنت يف طريقك

التحاول أن تلتقي طفيل

أيها املتعقب رائحة املواليد الجدد

باحثا عن الحليبفلتجد ملحا، فلتجد طحينا

لكن ال تحاول أن تجد حليبي

ياعدو أمهات العامل

حاصد أرواح الناس عىل الشطآن والطرقات

ال تلتقي ذاك الطفل

االسم الذي عمد به

وتلك الزهرة التي كرب معها

فلتنسها، أنت الذي يذكر كل يشء

أسقطها من حسبانك

أيها املوت

دع الريح وامللح والرمل

يفقدونك صوابك

يبعرثونك

حتى التعرف الرشق من الغرب

أو األم من الطفل

كسمكة يف البحر

و يف النهار, حني يحني الوقت

فلتجدين أنا فقط

غابرييلال ميسترال

املرأة الغريبة تتحدث بنربة بحارها الوحشية

مع طحالب ورمال مجهولة

يف حديقتنا اآلن، بكل غرابةزرعت صبارا وعشبا غريبا

نسيم الصحراء ميأل أنفاسها

هي التي أحبت بكل رشاسة

بكل شغف أبيضالحب الذي مل تتكلم عنه يوما

ولو تكلمت لصارت خريطة لنجمة أخرى

بيننا، قد تعيش لثامنني عاما

لكنها، وكأنها قد وصلت للتو

هي التي تتحدث بلسان يلهث وينئ

اليفهمها سوى الوحوش

ستموت هنا بيننا

يف ليلة عذاب كبري

قدرها مخدتها

وموت صامت، وغريب

Page 110: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 110

هؤالء الذين ال يرقصونطفل كسيح يسألنا

كيف سأرقص ؟

دع قلبك يرقص .. أجبناه

ثم سألنا الباطل

كيف أغني ؟

دع قلبك يغني .. أجبناه

ثم تكلم الشوك امليت املسكني

ماذا عني ؟

كيف أرقص ؟

دع قلبك يطري اىل الريح

أجبناه

كل الوادي يرقص اآلن

معا تحت الشمس

وقلب هذا الذي مل ينضم إلينا

تحول إىل غبار ..إىل غبار

الببغاء الببغاء األخرض واألصفر

الببغاء األخرض والزعفراين

ينعتني بالبشعة، بصوته األخن

الخارج من منقاره الشيطاين

.. لست بشعة ..

فلو كنت كذلك، لكانت أمي أيضا بشعة

أمي التي تشبه الشمس

ولكان الضوء الذي تحدق به .. بشع

كذا الريح التي تحمل صوتها

واملاء الذي يحمل جسدها

وكذا، كان ليكون العامل

الببغاء األخرض واألصفر

الببغاء األخرض والذي يغري لونه

ينعتني بالبشعة ألن أحدا مل يطعمه

سآيت له بالخبز بنفيس

ألين سئمت من النظر إليه

دامئا جامثا، دامئا يغري لونه ..

مختارات

Page 111: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 111

جحران كرميان يعانيان

كيف مير الناس وال يرون ؟

هات تلك اليدهات يدك ولرنقص

هات يدك وأحبيني

سنصبح كزهرة واحدة

زهرة واحدة .. واليشء أكرث

سنغني نفس القصيدة

سرنقص نفس الخطوة

سنموج كسنبلة واحدة

كسنبلة واحدة .. واليشء أكرث

اسمك زهرة، وأنا اسمي األمل

لكن، فلننىس أسامءنا

نحن رقصة عىل التلة

رقصة واحدة .. واليشء أكرث

ثروةأملك ثروة من السعادة الحقة

وثروة من الخسارات

األوىل تشبه وردة

األخرى كأنها شوكة

مانهبوه مني .. مل أخرسه بعد

أملك ثروة من النعيم

وثروة من الخسارات

أنا الرثية باألرجوان واألحزان

آه .. كم أحببت تلك الوردة

وكم أحبتني تلك الشوكة

كحد مزدوج لتوأم فاكهة

أملك ثروة من النعيم

وثروة من الخسارات

قدما الطفل الصغريةقدما الطفل الصغرية

زرقاوتان .. زرقاوتان من الربد

كيف يرونك وال يحموك ..

يا الهي !

قدمان صغريتان جريحتان

مألهام الحىص بالرضوض

الثلج والرتبة أساؤوا لهام

أعمى هذا االنسان

الذي يجهل أنك أينام تخطو, ترتك برعام من ضوء

وأنك أينام تضع باطن قدمك الصغرية النازفة

ينمو مسك فواح

ومع ذلك

تعرب الشوارع مستقيام، شجاعا

دون وجل

أقدام الطفل الصغرية

غابرييلال ميسترال

الرسومات: روبريتو ماتا

Page 112: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 112

مختارات من شعر النساء األفغانيات

ناديا أنجمن )2005-1980( صوت الخطوات الخرضاء هو املطر

ريق، اآلن إنهن يأتني من الط

حراء أرواحهن العطى وتنانريهن املرتبة جلبت من الص

اب أنفاسهن ملتهبة، ومختلطة بالرس

ة بالغبار ة، ومحشو أفواههن جاف

ريق، اآلن إنهن يأتني من الط

بة، الفتيات اللوايت تربني عىل األمل، أجسادهن معذ

غادر الفرح وجوههن

قات رة بالتشق قلوبهن قدمية ومسط

ال ابتسامة تظهر عىل املحيطات الكئيبة لشفاههن

ة لعيونهن وما من دمعة تنبع من املجاري الجاف

يا الله!

امتة تصل إىل ا ال أعرف ما إذا كانت رصخاتهن الص رمب

الغيوم،

اموات املقببة؟ والس

صوت الخطوات الخرضاء هو املطر.

بروين بزواك )مواليد 1966( يف أحالمي

أطري وأنظر إىل نفيس

يف عدم الثقة- مثل طائر

يحلق فوق بحرية

يور الحبيسة هل الط

حلمها مثل أحالمي؟

* * *

لت الزهرة التي تحو

إىل حجر

كان يل

ة ذات مرة أكرث رق

من الزهرة،

وأخى أن تصبح

قاسية أكرث من

الحجر.

بروين فايز زاده مالل )مواليد 1957(مثل زهرة صحراء تنتظر املطر،

ة نهر عطى للمسة جرار، مثل ضف

مثل الفجر

وء؛ ق للض يتشو

ومثل بيت،

مثل بيت يف األطالل يريد امرأة -

تلك التي استنفدت من أوقاتنا

س، تحتاج لحظة للتنف

وتحتاج لحظة للنوم،

بني ذراعي سالم، بني ذراعي سالم.

فتانا جهانجري أهراري )مواليد 1962(مثل رجل واهن

يلهث

مثل طائر جريح

يبحث عن عالج

مثل ضمري مذنب

مختارات

يشة د حلمي الر ترجمة عن االنكليزية: محم

Page 113: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 113

يبحث عن بعض فضيلة

مثل طفل جائع

يتوق إىل بعض القوت

ش مثل مخلوق متعط

ف إىل بعض املاء يتله

فاء أريد بعض الص

أحتاج بعض االنسجام

أمنينة أنا أنتظر بعض الط

تعال أرجوك تعال

الم. الم.. الس الم.. الس أيها الس

شاكيال نصري )مواليد 1949(أقسم عىل قلوب ال تهدأ

ألناس تائهني،

وعىل حرسات ومآيس من ال مأوى لهم،

وعىل مرارة وآالم الفقراء،

وعىل قلب يائس ألم حزينة،

أقسم عىل جثة جندي شجاع سقط من أجل وطنه،

وأقسم عىل وديانكم الخرضاء

رقاء دامئا، وارتفاع جبالكم وسامئكم الز

جعان وأقسم عىل أبنائكم وبناتكم الش

الذين يقفون معكم،

سة، وأقسم عىل الكتب املقد

وأقسم بالله سبحانه وتعاىل، الخالق،

أنني لن أمنح

وال حتى ذرة سالم من ترابك،

أوه، يا وطني الحبيب!

بالنسبة إىل العامل كله.

مينا كيشوار كامل )1987-1956(أنا امرأة

أستيقظ اآلن

أنهض من رماد محرقة أجساد

أطفايل، وأصبح عاصفة

أنهض من تيارات دم إخويت

نة من قبل غضب شعبي ومتمك

كل قرية أحرقت يف وطني

متلؤين غيظا عىل العدو

مواطنتي اآلن

ر يب مثل ضحية عاجزة مل تعد تفك

أنا امرأة

أستيقظ اآلن

لقد وجدت طريقي

ولن أعود.

يشم

هايا

نجة

نانلف

ا

Page 114: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 114

األرض املحتلة كانت ومازالت معاندة مكابرة تنازل

النقيض االحتاليل وتؤكد قدرتها واقتدارها عىل االحتامل

واملناجزة .. وهي هي غرة الكون فعال وصمودا وقولة

تليق بالحرية واملعنى .. إذ هي جل املعنى يف ظل طغيان

الشكل والشكليات ،وظلت املقولة الثقافية تحرس الروح

الجامعية من اإلنكسار والخلخلة واالرتباك بتعزيز الثبات

والحق والحقيقة الفلسطينية املحمولة عىل رواية البالد

وحكاية الرتاب الحر .

وفلسطني إذ متتد يف عمقها العريب واإلنساين نشيدا

صادحا ومعاناة ووعيا، فإن متثليها يحتاج إىل وقفة، ألن

من ميثل هذه الفلسطني تقع عىل كاهله مسؤولية ليست

بالسهلة والعادية، وهنا أتحدث عن التمثيل الثقايف

تحديدا وحرصا.

بعد رحيل الشاعر الكوين محمود درويش، مثة من أراد

فلسطينيا أن يتوقف الفعل الثقايف عند هذه املحطة ..

ويف ذلك انتقاص من الثقافة الفلسطينية التي منذ مائة

عام وهي تجدد إنجازاتها وعطاءها عىل كافة السياقات،

وللتاريخ فقد نال الظلم العديد من األسامء الوازنة يف

الثقافة الفلسطينية التي ألقي الرتاب والنسيان عىل

إرثها اإلبداعي، عىل الرغم من توهجه وبقائه عاليا مثل

شجرنا املحارب، إذ مل تنل هذه األسامء اإلضاءة الوافرة

التي تليق بها وبدورها ومنها: نوح إبراهيم، إبراهيم

طوقان، فدوى طوقان، عبد الكريم الكرمي )أبو سلمى(،

خليل زقطان، برهان الدين العبويش، حسن البحريي، عبد

الرحيم محمود، كامل نارص، عيل فودة، معني بسيسو،

توفيق زياد، راشد حسني، يوسف الخطيب، أبو الصادق

الحسيني، محمد القييس، حسني الربغويث، فيصل قرقطي،

والقامئة تطول، وقد أوردت بعض هذه األسامء الشاعرة

لإلشارة وبوضوح أنه ال يوجد يف املكتبة الفلسطينية

الغائبة أصال - إذ ال وجود ملكتبة وطنية فلسطينية -

إصدارات هؤالء الكبار .. ألجدد القول بسياق الحذف

واإللغاء الذي طال هذه القامات الوارفة وغريها، نزوال

عند رغبة الشاعر األوحد، واملثقف األوحد، والواحدية

التي انتهت منذ أمد بعيد.

جوهر القول أن متثيل فلسطني يف الخارج يحتاج إىل

توقف جدي، فالثقافة الفلسطينية يف األرض املحتلة

تتعرض ملحو واستهداف يومي وكذلك املثقفون الذين

تحارصهم العزلة واملعازل ويحال بينهم وبني عمقهم

العريب واإلنساين. فاالحتالل يحول دون إيصال الكتب إىل

فلسطني وبالتايل ال إضاءة عىل املشهد الثقايف العريب يف

فلسطني، وال كتب تخرج من فلسطني، فال إضاءة عىل

املشهد الثقايف الفلسطيني لدى عمقه العريب، النتيجة

انعدام التواصل الحيلولة دون تحقيق إطاللة عىل معاناة

املثقفني الفلسطينيني وما يتعرضون له من تعتيم. وعليه،

فإن إرشاك املثقفني من األرض املحتلة يف الفعاليات

والنشاطات التي تعج بها األقطار العربية بات أمرا واجبا

تغييب فلسطين عن المشاركات الشعرية

لماذا العربية ..مراد السوداني

؟جدل

Page 115: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 115

تغييب فلسطين عن المشاركات الشعرية

؟العربية ..لفك الحصار عن الثقافة الفلسطينية ومجرتحيها.

كام أن طباعة الكتاب الفلسطيني يف العواصم العربية

يساهم بشكل فاعل يف التعريف بالسياق الثقايف

الفلسطيني، ويرفع الحصار بفاعلية عن الكتاب

الفلسطيني امللقى يف غيابة اإلقصاء والتهميش املدان.

ففي معارض الكتب املتوالية مثة غياب واضح وافضح

لفلسطني ثقافة ووعيا، وال يكلف املنظمون أنفسهم

عناء إرشاك املثقف الفلسطيني إال بنزر يسري وفق

معايري أبعد ما تكون عن الثقافة الفلسطينية واتساعها.

والتغييب يطال جمهرة األرواح الشاعرة يف األرض

املحتلة يف مجمل النشاطات الشعرية التي تنظمها

املؤسسات ذات العالقة .

إشكالية أخرى نالحظها أن شعراء فلسطينيني من

الشتات يتقنعون باسم فلسطني ويقدمون أنفسهم باسم

الدول التي يقيمون فيها، ويشاركون كشعراء فلسطينيني

وهذا يلحق ظلام واضحا بالشعرية الفلسطينية التي لها

من يصدح باسمها ورسمها. منوها أن هناك يف الشتات

من يعرف نفسه كشاعر فلسطيني وهؤالء يعدون عىل

األصابع. وعليه ال بد من وضع الشعرية الفلسطينية يف

سياقها.

كام أن بعض الشعراء ومثقفي العالقات العامة الذين

يريدون إيقاف الشعرية والثقافة الفلسطينية عىل

حضورهم الذي منحهم إياه تطبيل هنا وإضاءة هناك،

يرغبون يف أن تبقى عجلة املشاركة الخارجية تدور يف

فلكهم.

إن الشعرية الفلسطينية تحتشد بأسامء عالية وتجارب

شعرية جديدة تستحق االنتباه والتعميم واالنتشار،

وعليه، فإن املشاركة الشعرية الفلسطينية ال بد لها أن

تراعي فلسطني املحتلة مبا فيها فلسطني املحتلة العام

1948، والشعرية الفلسطينية يف الشتات، حتى تكتمل

املقولة ويرتفع النشيد مبا هو جدير بهذه الفلسطيني

ودورها الثقايف العارم

ورص

منن

امسلي

ن فنا

ال

تغييب فلسطين

Page 116: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 116

شعر وفلك

الشمس قد دخلت برج االسد يف

سامء بلدة قيتويل اللبنانية عندما

اطلق انيس رصخة الوالدة االوىل، يف حني توزعت بقية

الكواكب يف ابراج مائية وهوائية يف يوم السابع والعرشين

من متوز عام 1937، ذلك ما اخربتنا به احدى برمجيات

الحاسوب التي تعيد رسم مواقع كواكب املجموعة

الشمسية وفقا ملا زودناها به من معطيات. إن لرسمة

الكواكب هذه أو ما يطلق عليه اصطالحا بخارطة امليالد

أهمية كبرية يف تحليل النفس البرشية، وتفسري الدوافع

والرغبات التي تدفع االنسان اىل اتخاذ موقف معني تجاه

قضايا مجتمعه وعرصه.

املواقف الحازمة التي تبناها الحاج يف رحلته الحياتية

صاحبها إميان مشبوب وطبع ناري تأىت إليه من برج

االسد، برج النبالء والخيالء واالعتداد بالنفس. وقبل ان

نتحدث عن النقاط الفارقة يف مسرية حياته، ال بد لنا من

أن نعرج اىل دور الشمس يف تركيبته الشخصية.

دور الشمسمتثل الشمس إرادة االنسان الحرة وتوجهاته األساسية يف

الحياة, كام متثل مظهر االنسان الخارجي, وكيف يـنظر

إليه من قبل اآلخرين. وملا كانت يف الشمس يف العرشية

االوىل من برج االسد لدى أنيس، أدى هذا اىل امتالكه

كريزما خاطفة لألنظار، تجعله إذا تحدث لفت انتباه

اآلخر، فهو ميتلك عنرص القيادة والتوجيه، يخطو الخطوة

االوىل فتتبعه الجموع، ال يرىض بالواقع كام هو، ولديه

القدرة عىل أن يكون هو التغيري الذي يطلبه يف املجتمع.

وقبل كل هذا له من االنفة والكربياء ما يجعله شامخا،

ويف ذلك يصفه الشاعر السوري حسني حبش »هو الشاعر

العيص الشامخ، الذي ال يتنازل عن عرش الشعر الشاهق

لصالح أنانيات طارئة وآنية، ال متت لكربياء الشعر بصلة.

أنسي الحاج

قـراءة فلكيةتشير خارطة ميالد أنسي الحاج الى أن شخصيته تمحورت بين عنصري الجرأة والخيال، في حين طين من متحررا أنسي نشأ ولهذا التملك، وحب الواقعية عنصر الترابي، العنصر الى تفتقر كانت

األرض ومنعتقا من قيود المادة، تهفو روحه الى الملكوت ويرف قلبه عصفورا نحو السماء.

ياسين الزبيدي

كانت

Page 117: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 117

هو الشاعر الذي ال يتوسل أحدا، وال يسعى اىل أي كان.

مسعاه الحقيقي والفاتن هو الشعر ثم الشعر«.

جرأة األسدالشمس تصف املظهر، وعطارد يصف الفكر وأسلوب

التعامل مع االخرين، وهو أول كواكب املجموعة

الشمسية وأقربها اىل الشمس. نلجأ إليه عندما نتطلع اىل

تحليل شخصية واحد من رجاالت الثقافة والفكر، وقد

تواجد يف خارطة ميالد انيس يف برج االسد الناري مجاورا

ملوقع الشمس، مام جعل أنيس ميتلك ثقة عالية وإميانا

عميقا بقدرته عىل حل أية مشكلة تعرتضه، وإذا ما اقتنع

بي فإنه مييض نحوه بكل جرأة وإقدام.

يف مطلع الستينيات من القرن املايض كانت دكتاتورية

التفعلية والشعر املوزن طاغية يف ساحة القصيدة واألدب،

وكانت كل محاولة للخروج عن قيود القافية تجعل

صاحبها عرضة لالتهام بالخروج عن السائد وتضعه يف

قامئة املندسني واملارقني. وكان هناك فتية راحوا يحاولون

بصمت ان يكتبوا قصيدة النرث، ولكن احدا منهم مل يجرأ

عىل أن يرصح بها علنا خوفا من رشط التفعيلة وسطوة

الوزن والقافية، ولهذا كانت محاوالتهم متواضعة وكانوا

ال يجرؤون حتى عىل تسميتها بقصيدة نرث، وليك يفلت

البعض منهم من املحاسبة راح يطلق عىل محاوالته

خواطر او تجليات صوفية دون ان يفكر مجرد فكرة بأن

يصف هذه املحاوالت عىل انها يش من حداثة الشعر.

وهكذا كانت قصيدة النرث كطفلة لقيطة، ومن بني هذا

الجو املشحون بالخوف أطلت جرأة االسد يف »لن«

الديوان األول ألنيس الحاج، ليرصخ يف مقدمة الديوان

بوجه التقليد األعمى وسد الرجعية االصم: »ألف عام من

الضغط، الف عام ونحن عبيد وجهالء وسطحيون. ليك

يتم لنا الخالص علينا ان نقف امام هذا السد، ونبجه«.

لقد وقف ابن الثالثة والعرشين متسائال بكل بسالة

»هل ميكن ان نخرج من النرث قصيدة؟ أجل فالنظم ليس

هو الفرق الحقيقي بني النرث والشعر. لقد قدمت جميع

الرتاثات الحية شعرا عظيام يف النرث، وال تزال«. ثم التف

اىل قصيدة النرث وأشار إليها .. نعم انها ابنتي وانا أبوها

الرشعي وافعلوا يا متعصبي الثقافة والشعر ما بوسعكم

أن تفعلوا. واليوم بعد ان كربت هذه الطفلة وغدت

رمبا أكرث شهرة من أبيها فإنها قد تنىس كل شيئ إال

جرأة االسد يف أبيها الذي قال »لن« اغري الشعر ولكنني

سأضيف اليه ما يجب ان يضاف:

أنسي الحاج

Page 118: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 118

وكام أين عىل يدي أحمل غريي

وانتهى األمر

وكام أين قبل هذا قلت هذا وغريه وانتهى األمر

ميكن أن ما أحلم به لن

أحققه

ألن يدي

من حني إىل حني يف الشتاء خاصة

ترتك أحاملها وتصبح رشيقة

تصبح ولدي

وتأخذ عطلة

وتعطيني من وقتها فتحمل

مني

ورقة أو دفرتا

دويه املاحي نظري

يختنق جهرا !

الهروب من الواقعتكمن املفارقة يف التحليل الفليك عند وصف ظاهر

الشخصية وباطنها، او اشكالية موقع الشمس وموقع

القمر، فالشمس تصف العقل واالرادة ومظهرنا الخارجي،

يف حني يصف القمر عاطفتنا وتفكرينا الالواعي واسلوب

تعاملنا مع ذواتنا، وكام تحدثنا مسبقا فقد كانت الشمس

عامال مهام يف كريزما انيس الحاج وعامال فعاال يف انـفـته

وكربيائه، ولكن كيف يتعامل انيس مع ذاته عندما يكون

مختليا بنفسه بعيدا عن صخب الحياة والناس.

كان القمر يف زاوية سلبية من برج الحوت املايئ، برج

االحالم واملزاجية والسوداوية، وهذ ما جعل أنيس رغم

انه لبناين الوالدة يختلف كثريا عن اللبنانيني، وهو يف

احد حواراته مع اسكندر حبش يشري اىل طبعه املختلف

» اللبنانيون أذىك مني وأشطر ومنسجمون مع انفسهم

اكرثمني. أشعر احيانا انني لست لبنانيا، ألنه ليس لدي

الصفات اللبنانية الوطنية، أي الحذاقة والشطارة واللباقة

والذكاء التجاري والتفاؤل. اللبناين كائن نهاري مشمس،

أما انا فكائن لييل، ظيل«.

يف اواسط السبعينيات اشتعل فتيل الحرب االهلية

اللبنانية يف حمى القتل والرصاعات والتناحر عىل السلطة.

وكان الحاج يلوذ يف تلك الفرتة بـ »الرسولة بشعرها

الطويل حتى الينابيع« ديوانه الشعري الذي كان ميثل

نقاء امللكوت وسلطة السامء ضد قوى الرش املتنازعة. بيد

ان رائحة البارود وحرشجة املوىت واتون الرصاع املحتدم

كان يدفع أنيس اىل خيارين احدهام اصعب من اآلخر،

كان عليه إما ان يبيع قلمه لحزب من االحزاب وهذا

االمر ينايف حرية واباء الشاعر، أو أن يحول فوهة قلمه اىل

بندقية يطلق بها الرصاص عىل كل قوى التعصب والعنف

دون استنثاء وهذا يعني انتحار عىل كافة الصعد. وبينام

كان يف خضم هذا الرصاع النفيس، رصاع الالوعي والعقل

الباطن، تدخلت زاوية القمر السلبية لتدفعه بعيدا عن

هذين القرارين، فعندما يكون القمر سلبيا يف الحوت فإنه

يدفع بصاحبه للهروب من الواقع اىل عامل الوهم، عامل

يرسمه بفرشاة إلهامه وخياله الخصب، عامل من الرؤى

يستطيع أن يستغني به عن الواقع ومرارته، لذا فقد اتخذ

قراره الخطري بالهروب من كل شيئ حتى من الشعر

وهو رورحه ووجدانه ودخل يف معتكفه صامتا ألكرث من

خمسة عرشة عاما. لقد اتخذ أنيس هذا القرار ألنه شعر

أنه لن يستطيع أن يرب بقسمه تجاه »الرسولة«، وراحت

ابتهاالته وصدى كلامته تتالىش مع تعايل اصوات الرصاص

ووحشية الحرب:

أقسم أن أحمل بالدي يف حبك وأن أحمل العامل يف

بالدي

أقسم أن أحبك دون أن أعرف كم أحبك

أطلت جرأة االسد في »لن« الديوان األول ألنسي الحاج، ليصرخ في مقدمة الديوان بوجه التقليد األعمى وسد

الرجعية االصم

شعر وفلك

Page 119: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 119

أقسم أن أمي اىل جانبي وأقاسمك هذا الصديق

الوحيد

أقسم أن يطري عمري كالنحل من قفري صوتك

أقسم أن أنزل من برق شعرك مطرا عىل السهول

أقسم كلام عرثت عىل قلبي بني السطور أن أهتف:

وجدتك! وجدتك!

سيد االضداد وااللفاظ برج الجوزاء هو برج االزدواجية واالضداد، وقد تخيله

االغريق يف السامء بهيئة التوأمني كاستور وبولوكس. ويف

علم الفلك الحديث عندما يتواجد كوكب الزهرة يف برج

الجوزاء كام هو الحال يف خريطة ميالد أنيس فإن ذلك

يعني أنه رجل يستمتع بالحديث مع االشخاص االذكياء

الذين يستطيعون ان يستوعبوا عمق أفكاره وأسلوبه

الحاد يف التعبري عنها. رجل يجد سعادته يف صديق صدوق

أو جار مقرب يفتح له بوابات قلبه بكل طأمنينة، أما يف

الحب فإنه متغري ومتقلب اليعرف االستقرار العاطفي .

مل أقل يوما متاما ما هو الحب يل

وما هي الحياةأنا السطحي باطني جدا

أنا املحب كاره عميقأنا الشاعر لست شاعرا

كام ان موقع كوكب الزهرة يضيف اىل شخصيته تفوقا

لغويا عاليا فهو ميتلك ناصية اللغة وهي بيده عجينة

طيعة يترصف بها كيف يشاء، فهو يعرب عن ما يختلج

بصدره وروحه باسلوب أخاذ، لكأن عفريت األلفاظ قد

تلبسه فهو مييل إليه ما يريد أن ميليه.

ان أنيس الحاج املبرش بعرص القصيدة الجديد رغم كل

ما كـتب عنه وكل ما سيكتب، سيبقى ظاهرة يصعب

اإلحاطة بها تحليال ودراسة. فأنيس شاعر يشابه القصيدة

ولكنه يختلف عن الشعراء، يحب الحداثة والتجديد

بقدر ما يحب االنطواء عىل نفسه واالبتعاد عن األضواء

والشهرة، فقد رفض مقابلة العديد من الصحفيني

البارزين ألنه مل من اسئلتهم التقليدية املكررة فهو يريد

منهم ان ال يقفوا عىل األبواب بل يريد منهم أن يلجوا

اىل عمق التجربة. إنه الشاعر الذي كانت كلمة صغرية

منه تكفي إلبكاء عيون الشاعر الكبري املاغوط، وهو

الشاعر الوحيد الذي راهن عليه نزار قباين بروعة ما كتبه

وما سيكتبه، هو ليس فقط »االب الرشعي الوحيد«

لقصيدة النرث بل هو اكرثمن ذلك بكثري، هو قصيدة النرث

ذاتها.

أنسي الحاج المبشر بعصر

القصيدة الجديد رغم كل ما كـتب

عنه وكل ما سيكتب، سيبقى

ظاهرة يصعب اإلحاطة بها تحليال

ودراسة املاغوط جالسا عىل األرض )اىل اليمني( واىل جانبه يوسف الخال، ادونيس، أنيس الحاج، ادفيك شيبوب وجميل جرب

أنسي الحاج

Page 120: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 120

أيام في لوديفعبد الرحيم الخصار

أحس بجدوى األطراف كلام مشيت، و أصغي لرنني اللذة

بعيدة، جسدي يف داخيل كلام وضعت قدمي عىل أرض

أيضا يصري أكرث خفة و حياة يف السفر. و األهم أنني أتخىل

الرخو الزمن الفاترة و النظرة أيام عن تلك لو لبضعة و

الذي يتمدد عىل الطريق بني بيتي و املقهى الذي صار بيتا

آخر يل يف بلديت الصغرية و الخمولة.

وصلت متأخرا بعد يوم طويل يف مطار الدار البيضاء

صادف إرضابا للربابنة، و يف السيارة التي كانت تقطع

بنا الطريق امللتوية يف الريف الفرنيس تحدثنا أنا و

سائقها املارسييل عن الطقس و الشعر و التاريخ و

السياسية و لكنة الجنوب. أخربين أنني سأقيم لدى عائلة

تقيم هي األخرى و سط بيت كبري من املشاعر العالية،

كانت الساعة حوايل الواحدة بعد منتصف الليل حني

كنت أخطو بهدوء داخل إقامة أوليفيي و إلني املحاطة

باألشجار، و بالحب أيضا.

أوليفيي عاشق كبري، ترك حياته األوىل مبا فيها

من ضجيج، ترك أيضا عمله يف السينام، باع منزله يف

مونبيليي، أمسك بيد إلني و جاء ليعيش يف لوديف،

حيث تتيح له حياة الريف أن يحيا وفق مزاجه. مزاجه

طفويل و حركاته و ابتسامته مشحونة بالرباءة، له ابنتان

شقراوان: لوو و جولييت، و إلني لها أيضا ابنتان مبالمح

آسيوية: ساشا و لويز.

يصعب أن أنىس ذلك الصباح الرومانيس حني خرجت

من االستوديو ألتجه إىل مقهى الهاوس وسط املدينة،

هناك حيث يجلس أحمد راشد طوال النهار يكتب،

وحيدا و هادئا مثل معلم يوغا، غري أن أوليفيي ناداين

فوصلت إىل رشفته عرب الدرج عابرا حديقته الربية، أحرض

يل إبريق شاي مغربيا، و حدثني عن ولعه باألشياء

الصغرية التي ال ينتبه لها اآلخرون، هو الذي تعود عىل

صنع ديكورات و مجسامت من أشياء مهملة، التحقت

بنا زوجته و صديقة لها ووصلت بناته الواحدة تلو

األخرى مثل قطط تنفض عن فروها بقايا النوم، غري

أن اللحظة املبهرة ستبدأ حني أمسكت لويز القيثارة و

رشعت يف العزف، لويز ابنة السابعة عرش بعيونها الضيقة

)1(

مهرجانات

Page 121: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 121

جعلتني وأنا أرشب الشاي و أصغي إىل عزفها أحس بأن

العامل أرحب مام يبدو يل.

حول أوليفيي الطابق السفيل من املنزل إىل ورشة كبرية

للنحت و الرسم، اكتشفت هناك منحوتات رائعة من

الخشب ال حرص لها، ال تشغل حيز الورشة فحسب، بل

متأل الردهات و زوايا املطبخ.

كنت أقرأ شعرا يف »كور كازبالنكا« )درس الدار

البيضاء(، كان الصف الخلفي فارغا، و حني رفعت عيني

إليه بعد جملة شعر رأيت هيلني ولو و ساشا عىل

كراسيه، كانوا قد طلبوا من األطفال أن يرسموا عىل ورق

أبيض ما يشعرون به و هم يسمعون قصائدي، الصغار

رسموا أشياء كثرية، لكن يف كل ورقة كانت هناك أشجار،

رمبا حدسوا أين منذ طفولتي كنت صديقا قدميا للغابة.

يف الخارج كان أوليفيي يحمل إعالنا كبريا عىل ظهره،

كتبه عىل لوحة دقيقة من الخشب، يخرب فيه املارة و

الحارضين أن ورشته ترحب بهم يوميا عىل الرابعة بعد

الزوال من أجل تجاذب أطراف الفن.

عرب املمرات امللتوية التي تعلو بك شيئا فشيئا نحو

معبد بوذا عىل رأس الجبال املتاخمة للمدينة كانت

السيارة تتقدم بنا يف صباح صيفي هادئ، و كانت

الصغرية لو تشري بيديها إىل القرى التي تتكاثف منازلها

فوق املرتفعات، توقف أوليفيي أمام بيت كبري كان بابه

مفتوحا عىل مسبح، و كانت شابة رشيقة تتمى عىل

جنباته بقطعتي سباحة زرقاوين، أعرب يل عن رغبته

يف أن يرتكنا يف السيارة أنا و ابنتيه و ثيابه أيضا لريكض

مخرتقا الباب و يرمتي يف املاء، شغل محرك السيارة و

قال يل :«بوذا أفضل«. يف منتصف الطريق اكتشفنا أنها

مقطوعة، و أنه يتعذر علينا أن نضع أقدامنا يف معبد

بوذا، لذلك غرينا الوجهة باتجاه متثال العذراء الذي

ينتصب عىل أعىل مرتفع يف املدينة، متثال أبيض منحوت

بعناية، و حني ينعكس عليه الضوء يف الليل تراه فوق

ظلمة الجبال فاردا جناحيه مثل مالك نازل من السامء.

شامل املتوسط يسهل أن تنتقل يف يوم واحد بني بوذا

و مريم أو أي اسم آخر.

لوديف للشعر

Page 122: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 122

يف شقة محمد حمودان كانت صور بوذا متأل كل مكان، صاحبة الشقة تركت كل يشء رهن رغبته، لكنه مل يكن

يدخل املطبخ أو يشغل التلفاز، كان يفضل أن ينام عىل رسير ابنها، وحني يستيقظ يروقه أن يجلس عىل أريكة يف البهو

ويعيد قراءة كلامته بصوت مسموع.

ميلك حمودان من الجنون القدر نفسه من العقل والرزانة، يحب الحياة ويكتب بلغة صادمة ال تراعي عىل اإلطالق

املشاعر الهادئة و املرهفة لآلخرين. مرة قالت له سيدة فرنسية و هو يقرأ شعرا عنيفا يف حديقة نوتردام :» ما بك

سيدي؟ هل ميكنني ان أقدم لك مساعدة ما؟ إذا كنت مريضا فأنا أستطيع أن أعالجك« ضحك و أخربها بأنه يف كامل

وعيه، وأنه ال يعاين من مشاكل عقلية مضيفا: »إنه الشعر سيديت، إنه الشعر«.

كنت أدرك أن العنف يف نصوص حمودان هو رد فعل عىل عنف آخر يوجد يف الحياة، القوي يبتلع الضعيف واآلخر

دامئا مرفوض أو عىل األقل مشتبه فيه، ليس هذا ما يعانيه املهاجرون يف فرنسا فحسب، بل هذا ما يعانيه اإلنسان الذي

يعيش عىل هذا الكوكب من إنسان آخر يعيش معه عىل نفس الكوكب.

قرأت شعرا عىل ضوء الشموع و آخر تحت األشجار أو يف النهر حيث يجلس الشعراء عىل منصة فوق جرس واطئ

بينام يتكئ اآلخرون عىل أرائك عامئة تتحرك و تتهادى فوق مياه النهر. ويف حديقة الميجيرسي كان اإلسباين كارلوس

باترينا يعزف عىل العود بإيقاع يعلو و ينخفض متفاعال مع نيص »املحارب«. كارلوس هو الوحيد الذي كان ينطق اسمي

كام هو، بعينه و حائه اللذين يتعذر عىل األوربيني نطقهام، عبد الرحيم أو عبد الرحمن من أكرث األسامء تداوال يف عهد

األندلس. يعزف كارلوس عىل العود بخشوع متعبد يف محراب، وبفرح طفل يصحو عىل هدايا العيد، يف مقهى أوليزار

كان يحيك يل عن طفولته و حرمانه و عن تسكعه و تطوافه بسبب هوسه باملوسيقى.

)2(

)3( تبدو لوديف من مرتفع العذراء مثل لوحة من القرن التاسع عرش: األبنية الخفيضة بالقرميد واألزقة الضيقة والنوافذ

الكبرية املرشعة عىل بعضها، و الفوانيس املعلقة عىل واجهات املنازل، و النهر الذي يقطع املدينة، والجسور التي كان

يحلو يل الوقوف عندها يف الصباحات الهادئه، تذكرت يوما ما وأنا واقف عىل الجرس فوق النهر كل الشعراء الفرنسيني

الذين أحببتهم: أراغون، رامبو، إيلوار، بريس، كروفيل... لكن الشاعر الذي حرض أمامي بقوة يف تلك اللحظة ومتاست مع

كياين هالته هو جريار دونريفال العاشق الكبري الذي قتله عشقه.

مل أر يف حيايت امرأة وفية لرجل مثل وفاء جانني بورين ملوريس كاريم، هذه العجوز جعلت من هذا الشاعر البلجييك

أسطورة، هو الذي عاش منشغال بالكتابة لألطفال والشباب، تذكر اسمه يف كل حديث أكرث من ذكرها لضمري املتكلم يف

الفرنسية، متحو ذاتها هي الحية لتفسح املجال لطيفه هو الراحل منذ سنني، سمعت منها اسم موريس مع كل وجبة كنا

نلتقي فيها عىل نفس املائدة، ومع كل تحية، وحتى وهي متر دون أن تتكلم كنت أعرف أنها مسكونة بأشباحه، وحني

تجلس وحيدة و هادئة يف خيمتها مبعرض الكتاب كنت أحس أنها ليست وحيدة عىل اإلطالق، فثمة دامئا هواء تتنسمه

من حني آلخر، هواء رطب و خفيف اسمه موريس كاريم

مهرجانات

Page 123: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 123

)4( النظر إىل النادل الذي يشبه هنديا أحمر يف مقهى الهاوس هو ما يجعلني أرشب ليبتون املربد أكرث من مرة يف اليوم.

أتذكر النادالت القرويات اللوايت يقدمن يل ليبتون بالحليب يف املقاهي التي أجلس بها حيث أقيم، أكرههن ألنهن

يترصفن يف املقهى بابتذال.

أحب النادلة التي ال تقتحم حيايت، تضع الطلب وتنرصف، يكفي أن نتبادل التحية. الهدوء هو كل ما أبحث عنه يف

أي مقهى أينام كانت، هناك أمكنة أخرى للصخب واإلزعاج . أن تكون نادال معناه أن تحمل ثقافة، معناه أيضا أن تهب

كنسيم وال تزعج أحدا.

سألت شابة جميلة عن كوليج سيزار، كانت تجلس يف مقهى أوليزار عىل الطريق، مل أنتبه إىل الشاب الوسيم الذي

كان يجلس بجانبها، عرفت من »البادج« الذي أحمله أنني شاعر، رمبا لذلك قالت يل: »يسعدين أن أرافقك إىل هذا

املكان«، خربتها و انا أومئ إىل صديقها بأنني أشك يف هذه السعادة، ابتسمت وقالت يل: »ال تهتم، إنه زمييل يف العمل،

و لدينا مقهى صيفية أمام الكوليج«. يف ليلة الغد التقيت بها هناك، و كانت أجمل بكثري مام رأت عيناي يف النهار،

هناك التقيت صالح دياب الشاعر السوري الذي يهيم يف الدروب الفرنسية باحثا عن الدفء و الجامل، هو الذي دعاين

إىل حفلة الكلامت يف هذا الجنوب الذي ال يشبه جنوبنا.

أمام الكاتدرائية ينصب سمري جاوي خيمة تابعة ملقهى الهاوس، حيث ميرح الشباب بالليل، يتحدث سمري بأكرث من

لغة ويشغل كل أنواع املوسيقى لضيوفه: روك، سلو، أندليس، جاز...ورغم الصخب الذي ميأل حياته كان يستبد به حنني

دائم إىل مدينته: مكناس، رواد املقهى ينادونه »الجرنال« فيام كان يبدو يل مبالمحه ومبالبسه الغريبة طفال مل يكرب بعد،

أو بتشبيه أدق: طفال مل يصدق أنه كرب.

لوديف للشعر

Page 124: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 124

مرة تحدثت الكاتبة أندريا ماتوراين عن نوع من الحب يربطك بأشخاص قبل أن تراهم، هذا بالتحديد ما وقع يل مع

تلك الشاعرة، أحببتها قبل أن أقرأ لها، أعتقد أنه يف الغالب رنني االسم أو تلك الهالة التي تتامس مع حواسك حني تطيل

النظر يف صورة امرأة بوجه طفويل رغم أنها تجاوزت عتبة الثامنني. بعينيها الواثقتني و بشعرها األبيض القصري كانت

تجلس أمامي يف منصة الحديقة لتقرأ نصوصها الجديدة بفرنسية هادئة وجذابة، كنت أستمع إليها كام لو أين ضال أمام

راهبة يف كنيسة، مثة الكثري من الحنان والدفء الذي ينساب مع كلامت هذه املرأة.

بعد دقائق قليلة وجدت نفيس مكانها أقرأ مقاطع من نص طويل، وحني نزلت وهممت بالجلوس أمسكت بيدي

و همست: »بدي أتكلم معك«. ماذا ستقول امرأة طاعنة يف الشعر لطفل يف الكتابة؟ تحلق حولها الكثريون بعد نهاية

القراءات، ووقفت أنتظر. قالت يل ونحن نتمى باتجاه باب الحديقة: »عبد الرحيم، أنا كثري حبيت شعرك«، أحسست

كام يحس تلميذ بيد املعلمة حني تربت عىل شعره منوهة بذكائه. رمبا صار سيان عندي أن يقول يل أحدهم أنت

تكتب بشكل جيد أو رديء، لكن شعور الطفل الذي متلكني حينها ما كان ليكون لو مل تخرج تلك الكلامت من بني

شفتي سيدة عظيمة اسمها إتيل عدنان.

قبل عرشين سنة كنت يف حاجة إىل أن أسمع كلمة حب تجعلني أتشبث بالكتابة، و أنا هنا أستعيد صباحا خريفيا

أيقظني فيه أحد األساتذة من النوم حني طرق تلميذه باب البيت وطلب مني أن ألتحق بالقسم يف أرسع وقت، وصلت

ألفطر يف ذلك الصباح بجمل طويلة من اللوم و التوبيخ ألنني تجرأت ونرشت يف مجلة املؤسسة قصيدة عىل البحر

البسيط تتخللها بعض أخطاء العروض، كنت يف عامي الرابع عرش، و مل يكن بوسعي أن أرد عىل هذا الغبي الذي انتبه

للزحافات والعلل ومل ينتبه إىل هذه املوهبة الصغرية التي تحتاج للرعاية و للحب بدل الشتائم، تأملت كثريا وأنا

أرى قصيديت ممزقة بني يديه، لكنني عىل كل حال مدين له، فرمبا كان سببا ولو من بعيد يف مييل الحقا إىل قصيدة

النرث

.

)5(

مهرجانات

بركو

ني هيل

ة نان

لف ا

Page 125: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 125

ديوانالعرب

ستبدي لك األيام ما كنت جاهالد ويأتيك باألخبار من لم تزو

الفنان عبدالرحمن السعدي

Page 126: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 126

خالد بلقاسم

الجمال المطلق أو االحتجاب بالظهور لدى

ابن الفارض

هرية: قال ابن الفارض يف تائيته الش

تقل وال الجامل بإطالق ح ورص

جمـالهــا مـن حسنـه مليـــح فكل

عاشـق كل بل هام لبنى قيس بها

لبسها وصف إىل منهم صبا فكل

مبظــاهــر بــدت أن إال ذاك وما

مبظاهـر واختفت باحتجاب بدت

زينـــــــــــة لزخــرف ميــال بتقييــده

مليــحــــــــة كــل حســن أو له معار

عــــــزة كثيـــــر أو ليــىل كمجنــون

صورة حسن يف الح معنى بصورة

تجلــت فيهم وهــي ســواها، ــوا فظن

برزة كــل يف التلويــن صبــغ علــى

ديوان العرب

Page 127: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 127

عري ويف والش 1. بني الصعري سابق عىل الوعي ويف باملمكن الش الوعي الص

فت ويف. عن متاس الوعيني، تكش عري باملمكن الص الش

أسئلة توغلت بعيدا مبفهوم الكتابة. لكن هذا التامس

انطوى، يف اآلن ذاته، عىل فروق دقيقة بينهام. فقد كان

عر أو الفتا من الوجهتني؛ املنطلقة من التصوف إىل الش

من منحاها العكيس، احتفاظ رهانهام باختالف مكني

من داخل التقارب ذاته، الذي تم بني طريف الوجهة. إنه

موضوع مفتوح عىل استشكال ذي وجوه عديدة، مازال

رس وإعادة التأويل. ينتظر الد

عر، منذ زمن بعيد، عىل وعود وفية يف الش عرث الص

املعنى وعىل ما قوى توغلهم يف النزول إىل أغوار الذات،

من جهة، ويف مالمسة أقاص اللغة، من جهة أخرى. وقد

با ال لمجهول الطريق عر مخص كان تثمينهم العايل للش

عرية؛ تصورا وتحققا. ويف وحسب، بل أيضا للكتابة الش الص

، عر الجاهيل وغري الجاهيل ضخ ويف بالش فاالحتفاء الص

ه لهذا االحتفاء، جداول يف نهر عرب التأويل الخاص املوج

املعنى، وفتح للمامرسة التأويلية مسلكا متحررا، منذ

القدم، من مقصدية الشاعر.

عر ترسيخ وفية نحو الش إىل جانب ذلك، هيأ ذهاب الص

عر ومامرسته. ثانيها، ثالثة عنارص. أولها، اتساع مفهوم الش

ت وصله بالوجود، عىل نحو جعل منه نشيدا، فيه تبد

وفية قضايا الوجود اعتامدا عىل الخيال الباين لعالقة الص

عر إىل التنظيم املحكم باملطلق. ثالث العنارص، إرجاع الش

عر أصال والنرث فرعا، للكون، مام حذا بابن عريب إىل عد الش

وعد العالم بكامله شعرا محكم التنظيم واإليقاع.

وفية لتصور ب الذي أرساه الص مل يكن هذا التشع

عر وليد، فقط، رؤية وجودية ومعرفية ولغوية، بل الش

ال من تجربة حيوية تتطلب، دوما، حواس كان أيضا متحص

متمرسة بتجديد ذاتها، وتأمني انفصالها عن العام. وميكن،

عر من زاوية تأويل بعيد، اعتبار التقدير الصويف لقيمة الش

وفية للنرث ذاته نحو هات اجتذاب الص املعرفية، أحد موج

لغة راقية ال ترىض بضيق الوظيفة التواصلية وحدودها.

إنتاجهم لنرث ال يشبه النرث. وهو ما يفرس

ى عر، تبد ب دروب هذا االنفتاح عىل الش يف تشع

وفية عىل بناء املعنى من داخل الغزل. وهو حرص الص

ما تولد منه سؤال عن عالقة املقيد باملطلق يف الحب

الصويف، ترتبت عنه مقاربات متباينة، من غري أن تكف

هذه العالقة عن إنتاج الحرية. ومن ثم، فهي تنتظر

ه، يف البدء، ترهينا قرائيا، استنادا إىل تأويل فكري يتوج

ل بالغزل يف بناء املعنى، قبل االنتقال إىل خلفيات التوس

ويف عر الص إىل استجالء الفروق الدقيقة بني الغزل يف الش

عر غري الصويف. ال ميكن، من الناحية وبينه يف الش

مه اإلجرائية، بلوغ هذا االستجالء إال بإرساء عمل يتقد

ويسنده. نقصد، أساسا، تحديد العنارص البانية لمتخيل

ويف. عر الص املحبة يف الش

يكاد ديوان ابن الفارض، يف مجمله، يكون متنا من

ابق، وال سيام قصيدته ؤال الس املتون املسعفة يف بلورة الس

الشهرية، املعروفة باسم »نظم السلوك«. اسم ينتسب إىل

وفية ل مناما، انسجاما مع الكتابة الص خيال الرؤيا، إذ تحص

التي أرشكت يد الغيب يف بنائها.

تنبع قيمة التائية من طاقتها عىل إنتاج التأويل. وهي

ية، عىل نحو ما أضمره، قدميا، د مفهوم النص خصيصة تحد

وح النص الواحد، أو كام نظر له علم النص تناسل رش

حديثا. كلام كان القول قادرا عىل أن ميتد يف قول آخر إال

وتحول نبعا ال يجف، منطويا، من غري انقطاع، عىل ما

د فيها عىل هرية لهلدرلني، التي شد يبقى، وفق اإلملاعة الش

وفية عراء. وميكن أن نضيف الص سه الش أن ما يدوم يؤس

أيضا.

تائية ابن الفارض قصيدة ولود، مبا أتاحته للتأويل

من دينامية، إذ مل تكف، عىل امتداد خمسة قرون من

كتابتها، عن توسيع أفق القراءة والنداء عىل املعنى من

بة. منذ أن أرىس سعد الدين محمد بن أحمد مواقع متشع

عثر الشاعر الصوفي في ر، التي بها و الحب وفي الصيظهر المطلق وبها يختفي،

ن ما يغذي الحيرة ويؤمتوقدها ويمنعها من الخبو

ابن الفارض

Page 128: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 128

ابع الهجري، توالت الفرغاين رشحها األول يف القرن الس

عة بياضات القصيدة ومغذية احتامالت وح، موس الرش

املعنى فيها. وإذا كان عبد الغني النابليس، يف القرن

الثاين عرش الهجري، آخر رشاحها، فإن أبياتها عرفت، فيام

د يف التآويل الحديثة، التي مل تتوقف عن بعد، كيف تتبد

ب، الذي استدعائها. وملا كانت قضايا التائية من التشع

تشهد عليه وفرة رشوحها، فإن املقاربة سوف تقترص

عىل أحد املداخل الرئيسة إىل املتخيل الذي انبنت عليه

القصيدة.

2. املرتخيل الباين للمعنى من الجامل املقيد إىل الجامل املطلق، يريس املقطع

، املعتمد يف التصدير، عنارص متخيل صويف، به عري الش

ب. يغتذي هذا املتخيل من رؤية ينمو املعنى ويتشع

وجودية ومعرفية، ومن تجربة ذاتية ال تفرط يف مددها.

بهام يبني ابن الفارض ال خطابه الخاص وحسب، بل

ابق عليه، ويعيد كتابته عر العريب الس يحاور أيضا الش

وفق تأويل يعرب من الغزل نحو الحقائق العليا للمحبة.

عر العريب القديم، كل قصائد الغزل، التي أغنت الش

تأخذ، يف املامرسة النصية البن الفارض ويف تآويل

متصوفة قبله، منحى يكشف عن املطلق الخبيء يف

ل من هذه القصائد، وعن املحجوب وراء ظاهر متحص

مول واملكرر . فلفظ »كل«، الدال عىل الش فيض وجودي

بقصد، ال يستثني، يف الكون، حسنا وال عاشقا. كل ما يف

الكون يقتيض انجذابا إىل املطلق فيه، مبا يتطلبه كشفه

وفية استغوار ذواتهم، والعثور من مكابدة علمت الص

عىل الحرية التي ينشدون، ال خارجهم بل يف دواخلهم، مبا

هيأهم إلثراء الحواس، كام سيأيت بيانه.

يف الوجهة، التي يرسمها ابن الفارض لالنتقال من املقيد

اعر د عنارص متخيل خصيب، عرف الش إىل املطلق، تتعد

دها بنفس مديد يف تائيته الطويلة. يتيح ويف كيف يبد الص

ين من هذا املتخيل مقطع االفتتاح الوقوف عىل عنرص

الباين للمعنى؛ هام:

أ- تكرث الواحد. يتوقف انكشاف ما تخفيه الوجهة

من املقيد إىل املطلق، عىل النفاذ إىل الوحدة الثاوية يف

وفية أحد العنارص الكرثة. نفاذ رئيس، عليه أرىس الص

املركزية يف متخيلهم. فالطريق، يف هذه الوجهة، تقوم

مام تقوم عليه، عىل عبور التقيدات نحو الفيض الذي منه

الك يف الطريق - علينا أال ننىس لت، مبا ميكن الس تحص

أن ابن الفارض سمى، مبباركة من الرؤيا، قصيدته »نظم

لوك«- من بناء ذوق متمرس بالعبور، ومن امتالك الس

رؤية ثاقبة، تخرتق الجامل املتكرث يف الكون إىل حقيقة

وجودية. تلك التي يتطلب بلوغها سلوكا، أي مكابدة

عنيدة، بها تتسنى رؤية ما ال يرى.

يف سياق بناء املعنى القائم عىل تكرث الواحد، استدعى

من البيت الثاين، دال ابن الفارض، عىل نحو ما هو بني

ويف. به كثف اإلعارة. وهو دال مركزي يف املتخيل الص

ابن الفارض اإلشارة إىل عالقة الحقيقة بأوصافها، واملطلق

باملقيد، والوجود باملوجود. ولنا أن ننتبه إىل ضمري

الغائب املؤنث، الذي اعتمده الشاعر يف اإلحالة عىل

املعري، مبا يجعل األنثوي يف الكون رافدا من روافد متخيل

مري ال يعود إىل سياق ه يف اختيار الض القصيدة. فاملوج

العشق وحسب، بل أيضا إىل متخيل بعيد، تسلل أثره إىل

ويف. امئر يف الخطاب الص الض

وفية إىل أبعد من املمكن اإلعارة، التي بها توغل الص

البالغي، انسجمت مع املتخيل الذي استندوا إليه يف فهم

العالقة بني الوجود واملوجود. من البالغة إىل الوجود،

ع مفهومها ضمن هذا املتخيل. وهي، كانت اإلعارة توس

يف بيت ابن الفارض، كاشفة عن تنصيصه عىل زوال

تائية ابن الفارض قصيدة ولود، بما أتاحته للتأويل

من دينامية، إذ لم تكف، على امتداد خمسة قرون

من كتابتها، عن توسيع أفق القراءة والنداء على المعنى

بة من مواقع متشع

ديوان العرب

Page 129: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 129

الحسن املقيد، خالفا للجامل املطلق. فكل عارية، يقول

سعد الدين محمد بن أحمد الفرغاين يف كتابه »منتهى

املدارك«: »البد مردودة زائلة من يد املستعري، وراجعة

ه يف بناء إىل املعري«. وهو ما يرتتب عنه، وفق هذا املوج

املعنى، أن كل ميل إىل املحبوب، يف شعر الغزل بكامله،

ليس، وفق متخيل التائية، إال ميال نحو واحد تكرث يف

ور. الص

هيام قيس بن ذريح بلبنى، وقيس بن امللوح بليىل،

وكثري بعزة، هو، يف متخيل القصيدة، اشتياق إىل كامل

»ال يقابله قبح أصال« كام يقول الفرغاين. غري أن هؤالء

لوا بالغزل، حجبتهم املظاهر، ن توس عراء، وغريهم مم الش

فبقوا يف »حكم الخلقية والغريية من هذه املظاهر

لوك، أو التجربة بلغة حديثة، ور«، فيام يتطلب الس والص

وى. إفناء جميع آثار الغريية بعشق ال يبقي عىل الس

وفية. عشق يعد مرتبة عالية يف املحبة الص

ليست الوجهة التي اعتمدها ابن الفارض وغريه من

وفية يف عبورهم من املقيد إىل املطلق هي أساس الص

التأويل وخصوبته، بل املتخيل الذي أرسوه يف هذه

الوجهة وهم يستثمرون احتامالت الخيال التي تتيحها

املحبة.

ب- البدو باالحتجاب أو االختفاء بالظهور. ما به يظهر

املحبوب هو عني ما به يختفي. إنه العنرص الثاين الذي

ابق، القائم يتشابك، يف متخيل القصيدة، مع العنرص الس

عىل تكرث الواحد. لقد تجلت املحبوبة، حسب أبيات

ور، فظن العشاق سواها. وما هي ابن الفارض، يف الص

وفية. ولعل قيمة هذا العنرص الثاين سواها، يف الرؤية الص

يف بناء املعنى تعود إىل الحرية التي ينطوي عليها البدو

باالحتجاب أو االختفاء بالظهور، عىل نحو يغذي املتخيل.

اعتمد رشاح التائية، يف تقريب هذا االحتجاب بالظهور

مس عندما يصطبغ بلون املتلون، عىل تشبيهه بنور الش

زجاجات يظهر فيها، وإن كان، يف حقيقته، بال لون. ذلك

ما أرساه عبد الرزاق القاشاين يف »كشف الوجوه الغر

ر«، وواصله القيرصي مستجليا احتجاب لمعاين نظم الد

املحبوبة مبا تظهر فيه، عرب تشبيه هذا االحتجاب

مس »املنصبغ نورها بصبغ ألوان الزجاجات ويف بالش

نفسه ال لون له، فمن توقف مع الزجاجات وألوانها

واحتجب بها عن النور اختفى النور عنه، ومن شاهد

ألوان النور وعرف أنها من الزجاجات وال لون للنور يف

نفسه ظهر له النور«.

يف هذا العنرص الثاين من متخيل القصيدة، أن املحري

وفية إىل الطاقة املطلق يحتجب بنوره. وقد تنبه الص

املعرفية التي تخولها الحرية لمن اختاروها طريقا. لذلك

سهروا، يف تآويلهم وأشعارهم، عىل حراستها وتغذيتها. من

مالمح هذه الحرية، نور يتجىل محتجبا أو يحتجب مبا به

يتجىل. حجابه الظهور نفسه، ألن املطلق ال يدرك إال يف

املقيد وبه، مبا يرتتب عن هذا اإلدراك من دهش ولبس،

بوصفهام وقود كل خيال خالق. الحجاب املقيد هو عينه

الكاشف. غري أنه ال يغدو كاشفا إال إذا تم الوعي بحدود

التقييد فيه، والترصيح، عىل حد تعبري ابن الفارض،

بإطالق الجامل.

ل مع »كل برزة« هو أحد األسس ن النور بصبغ تتبد تلو

ورة، ويخولون لها لون بالص وفية يتوس التي جعلت الص

ابن الفارض

Page 130: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 130

ورة صالحية معرفية مكينة يف فهم التجيل. ذلك أن الص

وفية الحديث عن ن للحرية دميومتها. هكذا تهيأ للص تؤم

ورة، مرآة تظهر وتحجب يف آن. كام أسعفتهم حقيقة الص

بربزخيتها وضديتها، يف تقوية الحرية. وقد عرث الشاعر

ور، التي بها يظهر املطلق وبها الصويف يف الحب ويف الص

ن توقدها ومينعها من يختفي، ما يغذي الحرية ويؤم

الخبو. يف سياق هذا املعنى، قال ابن الفارض، يف قصيدة

أخرى، مخاطبا محبوبه:

ا زدين بفرط الحب فيك تحري

را وارحم حى بلظى هواك تسع

مل تكن التائية، وهي تعيد تأويل شعر الغزل وفق

ويف من مقاربة عر الص متخيل يستحرض املطلق، متكن الش

ويف والترصيح بهذه املقاربة وحسب، بل عر غري الص الش

فتحت أيضا إمكان قراءة حتى شكل املقامة، من موقع

ينهل من عنارص هذا املتخيل. فقد تضمنت التائية بيتا ذا

وعد قرايئ بعيد، جاء فيه:

وجي واعترب ل مقامات الرس تأم

بتلوينه تحمد قبول مشوريت

من الالفت أن يسمع ابن الفارض يف دال »املقامات«،

ى بديع الزمان الهمداين وبعده الحريري الذي به سم

كل الكتايب املقرتن بهام، الحمولة الداللية التي ينطوي الش

امع، تسنى وفية. بهذا الس عليها دال »املقامات« عند الص

البن الفارض أن يستنبت إمكان قراءة كل مقامة من

مقامات الحريري بوصفها مقاما صوفيا. هكذا فتح،

ابق، احتامل بإشارته شديدة التكثيف يف البيت الس

ه حارسا لالنهائية التجيل، تأويل أيب زيد الرسوجي بعد

وجي حسب ن الرس مبا يجعل تلويناته تكرثا للواحد. يتلو

ن ورة التي يأخذها يف كل مقامة. وبهذا التلوين يؤم الص

وجي، وفق هذا املعنى، تجسيد ائم. الرس له الد للتجيل تبد

لمتخيل صويف.

إن بيت ابن الفارض عن مقامات الحريري إشارة يتيمة

يف التائية، لكنها متتلك قوة اقرتاحية خصيبة. إنها تنطوي

عىل وعد بقراءة جديدة للمقامات، انطالقا من املسلك

، مبا بثه فيه الذي فتحته يف هذا النص الذي ال يكف

عبة، وعن الحريري، عن انتسابه إىل حقول معرفية متش

استدعاء تآويل من خارج زمنه.

وبالجملة، فإن التائية كتبت وهي تؤول وفق متخيل

صويف ال فقط شعر الغزل العريب، بل أيضا أدب املقامة،

مبا هي شكل كتايب. وهو ما يجعل التائية رافدا للتأويل

وح التي تطلبتها هذه القصيدة، من زاويتني؛ زاوية الرش

وزاوية املنافذ التي فتحتها إلعادة قراءة نصوص سابقة

عليها.

3. تحرير الحواسا إلدراك الجامل املرطلق عبور الجامل املقيد نحو الجامل املطلق يتطلب إدراكا

، بغية إفراغها خاصا. فيه تخضع الحواس لتمرين شاق

من مسبقاتها وتحريرها من حدودها وقيودها. يقوم

ين ر، مبا هو تجربة جسدية، عىل عنرص هذا اإلفراغ املحر

يقة ة من ذاكرتها الض رئيسني. أولهام، تخليص كل حاس

وت املقيدة بسياج ما رسمته لها العادة، وما به حد الص

العام أفقها، أي تخليصها مام ألفته فغدا ملجام وحاجبا.

ثانيهام، ردم الحدود بني الحواس يك تتبادل األدوار عىل

ين يف مسار إدراك . البد من هذين العنرص نحو ال يحد

الجامل املطلق. عن ذلك يقول ابن الفارض يف تائيته:

فكلــي لسان ناظـر، مسمــع، يـــد

لنطق، وإدراك، وسمع، وبطشــة

فعينــي ناجــت، واللسان مشاهــد

مع، واليد أصغـت وينطق مني الس

وسمعي عني تجتلــي كــل ما بـدا

وعيني سمع إن شدا القوم تنصـت

كل قصائد الغزل، التي أغنت عر العربي القديم، تأخذ، الش

في الممارسة النصية البن الفارض وفي تآويل متصوفة

قبله، منحى يكشف عن المطلق الخبيء

ديوان العرب

Page 131: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 131

ومنــي عن أيــد لساين يـد، كمــا

يدي يل لسان يف خطايب وخطبتي

كذاك يدي عني تــرى كل ما بدا

وعيني يــد مبسوطــة عند سطويت

وسمعي لسان يف مخاطبتي، كذا

لسانــي يف إصغائــه سمع منصـت

يف تحرر الحواس من القيود، ترتفع »املغايرة والغريية

ابق. بينها«، عىل حد تعبري الفرغاين يف رشحه للمقطع الس

هكذا تنفتح الحواس عىل بعضها، ويتسنى لكل واحدة

أن تستوعب باقي الحواس، مبا يهيئ ال فقط لتوسيعها،

بل أساسا لقلب مهمتها األوىل ومتكينها من عبور املقيد

نحو املطلق. ما مل تنفصل الحواس عن قيودها، ال يستقيم

ة بأن تصبح كال بعد لها هذا العبور الذي يلزم الحاس

، يقول الفرغاين مضيئا أبيات ابن أن كانت جزءا. فالعني

مع يبطش، الفارض: »تناجي وتنطق واللسان يشاهد، والس

مع يرى والعني تسمع«. حجب واليد تصغي وتسمع، والس

ال حد لها ترتفع، انطالقا من تاليش املغايرة.

ارتفاع املغايرة، مبا هو ردم للحدود، تجربة ذاتية شاقة.

ال يتعلق األمر بإدراك موضوع خارجي، بل بإخضاع الذات

املدركة لتحرير شامل، ميس الحواس جميعها. إن هذا

اعر اخل والخارج، ألن الش الردم يغدو رفعا للحدود بني الد

ويف يعرث عىل املسالك التي تقود إىل الجامل املطلق الص

داخل ذاته ال خارجها. فاالقرتاب من االحتجاب املتحقق

بالظهور يغدو تجربة حواس. النفاذ إىل املحتجب بظهوره

ال ينفصل عن خلخلة الحواس جميعها.

وهكذا، فإن الحجاب، يف حقيقته، ذايت. إنه يف الحواس

د الصوفية دوما عىل سمك هذا نفسها. لذلك شد

الحجاب، وعىل ما يتطلبه من توغل يف النفس. ما أفقر

ر من قبلياتها، وما مل تردم الحدود الحواس ما مل تتحر

بينها. يف هذا التحرر، مبا هو انفتاح وتوسيع، تصبح كل

ة إدراكا ال باآللة، التي ترتبط بها، وال لموضوع هذه حاس

ء، ومن كل اآللة، بل تغدو إدراكا مطلقا؛ إدراكا بكل يش

وفية أنفسهم. الص ء، كام يعرب ء، ويف كل يش يش

ليس تحرير الحواس تجربة صوفية فقط، بل أيضا

تجربة شعرية. غري أن هذا التحرير يحتفظ، يف التجربتني،

هاتهام وتباين أفقهام. بالفروق الراسمة الختالف موج

عري يتطلب إفراغا للحواس، مثلام يقتضيه فاملجهول الش

ويف. لكن هذه املامثلة املطلق الذي ينشده الطريق الص

ال متحو االختالف الذي يخرتقها. يف ضوء هذا اللقاء من

داخل االختالف، ميكن أن نتذكر تنصيص الشاعر رامبو يف

عري مبا هريتني عىل عالقة املجهول الش رسالتي الرايئ الش

سامه بتشويش الحواس. يف األوىل، مل يفصل رامبو رغبته

يف أن يصبح شاعرا ورائيا وفق ما تتطلبه هذه الرغبة مبا

هي بلوغ املجهول، عن تشويش يطول جميع الحواس.

وهو عذاب هائل، عىل حد تعبريه. ويف الرسالة الثانية،

بيل إىل أن يصبح د مرة أخرى عىل ما يقتضيه الس شد

اعر رائيا من تشويش طويل، واسع ومدروس لجميع الش

الحواس.

وبالجملة، فإن املتخيل الذي به بنى ابن الفارض

معنى الجامل املطلق، اجتذب الغزل نحو الوجود، أي

نحو منطقة برزخية تبدي املحبوب محتجبا بظهوره.

فكان الهيام بهذا املحتجب يف ظهوره استحقاقا إلدراك

خاص، لام يتطلبه من تحرير للحواس. تحرير يتقاطع فيه

الطريق إىل املجهول مع الطريق إىل املطلق، من غري أن

متحي االختالفات املكينة بني الطريقني

ابن الفارض

Page 132: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 132

صالح بوسريف

أخرسـا أكلم أو أنـادي كأنـي

معرسـا و عندهم مقيال وجـدت

فألعســـا الغــول حــل ليـالـي

فأنعسـا أكــب أن إال الليـل من

فأنكسـا دائـي يرتـد أن أحـاذر

سا تنف حتى الخيل عنـه وطاعنت

أملسـا الكواعب البيض إىل حبيبا

أعيسا صوت إىل عيط ترعوي كام

سـا وقو فيه يـب الش رأيـن من وال

فألبـسا أقـوم أن ذراعـي تضيـق

أنفســـا تساقـط نفـــس نهـا ولك

أبؤســا لـن تحو نعمـى من فيـالك

تلبســا ما دائــه من ليلبسنـي

وملبســا عمر طول املشيب وبعد

بعسعسـا القديم بع الر عىل أملا

كعهدنـا فيها ار الد أهل أن فلـو

ذاكـم أنا إنني تنكـروين فال

ساعة ـض أغم ال ترينـي ا فإم

فغلسـا القديـم دائـي بنـي تأو

وراءه كــررت مكـروب فيـارب

ـال مرج أروح قــد يـوم رب ويـا

سمعنه ما إذا صويت إىل يرعن

مالــه قل من يحبـب ال أراهـن

أرى كام الحياة تربيح خفت وما

جميعـة متـوت نفـس أنها فلـو

ة صح بعـد داميا قرحا لت وبد

أرضه بعد من امح الط طمح لقد

قنــوة للمـرء العـدم بعـد إن أال

امرؤ القيس

ــريد الهــالك الط

ديوان العرب

Page 133: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 133

أن يبقى طليق اليد، طليق اللسان، يعيش عىل غواياته، وما

كان اختاره من منط عيش، رمبا لام كان استشعره من إهانة

عر، عر، فاختار الش ه بني اإلمارة والش والده له، حني خري

عر يف مواجهة الوجود، اعر، فهو وضع الش الذي كان قدر الش

عر، عنده، هو معنى وجوده. أو كان الش

ليل«، الخارج عن طاعة والده، وعن إمارته فهو »امللك الض

اعر، وستقلب حياته كاملة، من التي ستكون حربا عىل الش

شاعر يتصيد »األوابد« إىل محارب، يبحث عن قاتيل والده،

دهم، يف شعره. ويتوع

ها كالمه لبني أسد: مام قاله يف هذا الصدد، موج

نقعد ال الحرب تبعثوا وإن نخفه ال اء الد تدفنوا فإن

نقصد لدم تقصدوا وإن نقتـلكــم تقتلــونا إن و

فهو كان، يف سعيه لألخذ بثأر والده، يدرك، أن »جرح اللسان

عر، الح، والش كجرح اليد«، وأن املواجهة، هي مواجهة بالس

سيكون هو اللسان الذي يفيض مبا يف النفس من شجى، ومن

اعر، من بني أسد، حرشجات الغدر، التي لم يستسغها الش

رغم ما كان بينه وبني والده من جفاء، وبعد مسافة.

حرقة الغدر والفتك بوالده، من قبل بني أسد، هي ما أغار

اوته، كام ، وما خرج به من ضالله، إىل رض ال نفس االبن الض

عر لوثةر الش من أوائل من وصلنا شعرهم. مل يكن مكرثا، فهو كان، كام

عراء املقلني، مثل طرفة يقول السيوطي يف »املزهر«، من الش

بن العبد، وعبيد بن األبرص، وعلقمة الفحل، وعدي بن زيد

»وال يصح له إال نيف وعرشون شعرا بني طويل وقطعة.«

اعريون القدامى، أن امرأ القيس، كان اد، والش ق اتفق الن

مستحدثا، و كان فاتحا. يقول أبو عبيدة، إن امرأ القيس، هو

»أشعر شعراء الجاهلية، ألنه أول من استوقف الرفيق، وبىك

من، ووصف ما فيها، وأول من شبه الخيل بالعصا، واللقوة الد

عراء عىل تشبيهه لها بهذه ري، فتبعه الش باع والط باء والس والظ

األصناف «. وهو نفس ما ذهب إليه عمر بن الخطاب، يف ما

عراء يروى عنه، حني سأله العباس بن عبد املطلب، عن الش

عر، وأمريهم، قال »امرؤ القيس سابقهم، خسف لهم عني الش

فافتقر عن معان عور أصح برص«.

مثة من يرى أن امرأ القيس، ليس أول شاعر عرفته العربية،

فهو ضمن الطبقة األوىل، وفق التقسيامت النقدية القدمية،

عراء الذين ال يعرف لهم لكنه، هو واحد من عدد من الش

عر أول ال يوقف أول، أو كام جاء يف رواية عن ابن شبة »للش

عليه«. ما يعني، أن امرئ القيس، له أسالف، وهو ما كان

هري، »هل غادر ذكره عنرتة، مجايل امرؤ القيس، يف سؤاله الش

م… «. وسيذهب الحطيئة، يف تأكيد هذا عراء من مرتد الش

أ« عىل شعر أيب دؤاد املعنى، إىل أن امرأ القيس كان »يتوك

األيادي، ويروي شعره. وحني نعلم، مام رواه صاحب األغاين،

من سرية امرئ القيس، أنه كان من نسب، فيه كثري من

عراء، من أخواله، يضعنا هذا يف سياق هذه اللوثة التي الش

لحقت به، مام سيجعل والده، كام يف بعض الروايات، يطرده

عر، وكانت املللوك »وآىل أال يقيم معه أنفة من قوله الش

تأنف من ذلك«، كام جاء يف األغاين.

اعر ضاللةر الشيد كان امرؤ القيس »الهيا عابثا، غارقا رفقة صحابه يف الص

ة، أتاحت له واللهو، واللذة واملجون«، وقد اختار حياة خاص

امرؤ القيس

Page 134: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 134

باح بها يف أكرث من قصيدة، مام هو منسوب له من شعر.

تعبريات هذه الحرقة، تبدو يف قسمه أال يأكل لحام، وال يرشب

هن بدهن، و اليصيب امرأة، وال يغسل رأسه خمرا، و ال يد

عر، أو من جنابة، حتى يدرك بتأره. وهو هنا ال يقسم برتك الش

عر، حتى تأجيله، مثلام فعل مع الخمرة والنساء، رغم أن الش

يف حالة صدورنا عن الرواية التي تقول إنه شبب بزوجة والده،

لجاملها، كان هو مصدر ما سيعيش فيه من صعلكة، وتهتك،

اب، وهو يشري لبعض ما جاء وضالل. ألم يقل عنه عمر بن الخط

عراء إىل النار«؟! يف شعره بهذا املعنى، »هو حامل لواء الش

شغل امرؤ القيس نفسه، بثأر والده، بقدر ما شغل نفسه

باستعادة نخوة قبيلته، ورشفها الذي، كان هو نفسه خرج عنها،

ورفض أن يلتزم بقيمها، ونخوتها، وبسلطتها التي كان والده هو

اعر االنصياع لرشف القبيلة، ونخوتها، ال ممثلها. أن يرفض الش

اعر، خيانتها، أو إهانتها، لكن أن ميس رشف يعني يف نظر الش

القبيلة من »الغريب«، أو الغريم، فهذا ما مل يقبله، وما أيقظ يف

نفسه، حمية »الجاهلية«، التي هي نفسها نخوة الشاعر، التي

ستكون سببا يف هالكه هو نفسه، إذا صح أن الذي حرض قيرص

امح، الذي كان امرؤ القيس قتل أخا له من بني عليه، هو الط

أسد.

م يف العسل الس من الروايات التي ذهب إليها أغلب

اد، ممن كتبوا يف سرية امرئ ق الدارسني والن

ح، هذا، هو ام القيس، أو يف شعره، أن الط

من حرض القيرص عىل امرئ القيس، بدعوى

«، وأنه »يراسل« بنت القيرص، أنه »غوي

ر بها يف »ويواصلها«، وقال »يف ذلك أشعارا يشه

العرب فيفضحها ويفضحك«. ما جعل القيرص

يبعث له بحلة مسمومة، كانت سببا يف ما أصابه

خ جلده، وما حل به من ألم، هو ما من تفس

يفضح النص معناه.

يذهب األب لويس شيخو، يف الجزء األول من

كتابه »شعراء النرصانية«، يف باب »شعراء

اليمن«، أن امرأ القيس تويف سنة ٥٦٥م، أصابه مرض كالجذري،

كان سببا يف موته، وأن ملك قسطنطينية، كام جاء يف كتاب

قديم مخطوط، لام بلغه وفاة امرئ القيس، أمر بنحت متثال

له، لينصب عىل رضيحه، ففعلوا، وكان متثال امرئ القيس

هناك إىل أيام املأمون، وقد شاهده هذا الخليفة، عند مروره،

لام دخل بالد الروم ليغزو الصائفة.

شكل شاعر مر مثة الكثري مام قيل يف شأن الروايات واألشعار املنسوبة المرئ

، يف هذه الروايات، أو يف بعضها، قديم، وليس ك القيس. الش

ك يف وليد العرص الحديث. وحني ذهب طه حسني إىل الش

اعر نفسه، فهو استند لام يف شعره من أساليب، وجود هذا الش

، متاما، عن رأى أنها تعود لام بعد زمن امريء القيس، والتعرب

الواقع اللغوي، الذي كان عليه زمنه، وال ما كان يصدر عن زمنه

اعر املشكل. من تعبريات، هي غري ما وصلنا عن هذا الش

يف تراثنا الشعري القديم، تعود هذه املشكلة لطبيعة الرواية

الشفاهية التي كانت بني ما ساعد عىل حدوث اضطرابات يف

اعر، أو ذاك. عر، ويف ما كان ينسب لهذا الش كثري من هذا الش

م شخصية شاعر كاملة، هذا أمر بعيد االحتامل، لكن توه

وفق ما ذهب إليه طه حسني، ليس بالنسبة المرئ

القيس، بل ملعارصه عنرتة، ولشعراء الحقني عليه. أن

ندس أكرث من شاعر يف طيات تراث كامل، سيكون

خف، مهام كانت املربرات التي ميكن رضبا من الس

ة، لتربير فرضيتنا هذه. لكن أن نسوقها، كحج

عر، وروايات، مختلفة، وجود اضطرابات يف هذا الش

متناقضة، ومتضاربة، أيضا، فهذا أمر قائم،

نظرا لكون التقييد الذي حصل، يف زمن الجمع

والتدوين، كان اللسان والذاكرة، أو الحفظ،

هام أداته وقاعدته التي من خاللها وصلتنا هذه

النصوص. لكن، حني يكون إجامع، أو شبه إجامع

ارسني، والباحثني، مبنيا عىل رواية ما، فهذا الد

سيكون، يف أقل تقدير، قاعدة لقبول هذه الرواية،

والتعامل معها، إىل حني اكتشاف وثائق، ومعطيات

ديوان العرب

Page 135: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 135

أخرى، تعيد تغيري هذا الواقع، بواقع آخر، وهذه هي طبيعة

البحث، وما تقتضيه املعرفة من تأسيس للفرضيات، و بناء

غ، هنا، استنادنا للرواية األوىل، رواية حلة األفكار.هذا ما يسو

القيرص، والقصيدة التي هي تعبري عن هذا الحدث املأساوي،

الذي بدا فيه الشاعر هشا، متوترا، منهارا، يفقد نضارته،

وحيويته، بالتدريج، أو بنوع من املوت البطيء، الذي جعل

، الشاعر يستنجد باملايض، يف مواجهة هذا الحارض املنحل

خ. املتفس

سا نفس تساقط أنفراعر مام حاق به. فهو يستعيد ، تظهر معاناة الش يف النص

ماضيه، يف مواجهة حارضه، وهو حارض جرح، وجسم يتالىش،

بع، سوى تعبري عن ويذوب، إربا إربا. ليس استحضاره للر

غربة الشاعر، وعزلته، التي جعلت األشياء تنفرط من حوله،

وتتساقط، كام تتساقط نفسه. فهو متنى املوت دفعة واحدة،

أو مجمال، لكنه، وهذه هي مأساة ما يعانيه، يف ما هو ميوت،

يتفرج عىل موته، ويرى نفسه تتهاوى، كبنيان، فقد توازنه.

اعر، من أرق، يف قصائد سابقة، نفس ما كان عاناه الش

يستعيده يف هذه األبيات، لكن بحرقة مضاعفة، هي حرقة

وبان. التساقط، التاليش، والذ

مل يعد الحارض، زمن فروسية، أو شكيمة، وطعان، وال زمن

بيض كواعب، أي زمن خمرضة، وصعلكة، وتهتك. انقلبت

اعر نفسه، يف جسده، ويف األمور، وصارت حربا عىل الش

حياته، ونفسه التي مل يعد قادرا عىل مغالبتها، فهو مستسلم

لدائه القديم، ال يرغب يف أن يعود إليه، أو أن يبطل حركته،

ويجعله عاجزا عن تدبري أمر نفسه:

وما خفت تربيح الحياة كام أرى تضيق ذراعي أن أقوم فألبسا

رت حياة اللهو والنساء ومعاقرة الخمرة، وصار، أن ينعم تبخ

، الشاعر مبوت كامل، بدل هذا املوت الذي يأكل نفسه بتأن

وعىل مهل، دون أن يجد له عالجا.

اعر، زمن نعيم، وهو املايض، زمنان يتصارعان يف نفس الش

امي، الذي حول حياته وزمن بؤس، وهو زمن هذا القرح الد

إىل جحيم.

يف شعر امرئ، كانت هذه الثنائية، حارضة باستمرار، وهي

عر الجاهيل، عند أكرث شعراء هذه ثنائية، نجدها يف الش

املرحلة، باعتبارها بنية داللية، كانت نوعا من الرغبة

يف الخلود والبقاء، أو يف مقارعة الزمن، واتهامه بالجب

والخديعة. هذه األبيات، ليست يف مستوى معلقة الشاعر.

مثة ما يشد هذا النص لسابقيه، من حيث املعنى، أو بعض

اإليحاءات الداللية، التي هي جزء من رؤية الشاعر، ومن

فلسفته يف الوجود، خصوصا ما تعلق منها برؤيته للزمن. لكن

طبيعة هذه القصيدة، وما فيها من بعد تراجيدي، مأساوي،

يجعلها تكون شبه مبارشة يف التعبري، ويف فضح معاناة

اعر، وقسوة القرح عليه. الش

عه، أو تعبريه اعر، وتوج ه الش يف لغة النص نستشعر تأو

عن فجيعة نفسه املريضة، املصابة، واملهرتئة، املتالشية، كام

اعد من أعامق نفسه، مبا يشري نستشعر، هذا »التمني« الص

إىل اإلحساس بـ »ألم الزوال« واالنقضاء، والتلف.

يف مثل هذه النصوص، التي هي مكاشفة ومعاناة، الشاعر،

عادة ما يتيح للمكاشفة واألمل مكانا، يكون هو غري ما ميكن

، وللمجازات، والصور عري أن يتيحه لجاملية التعبري الش

اللة، هنا، مبا هي عري العايل. الد البالغية ذات املنحى الش

اعر، ويرتك الباقي معاناة وجرح، هي ما يذهب إليه الش

عرية، أن تقوله، لكن ليس بنفس لشاعريته، وبديهته الش

الحرص الذي تكون فيه النفس يف أوج فرحها، أو لهوها، كام

يف وضع امرئ القيس، هذه النفس التي تساقط أنفسا

امرؤ القيس

حرقة الغدر والفتك بوالده، من قبل بني أسد، هي ما أغار ، وما خرج به ال نفس االبن الضمن ضالله، إلى ضراوته، كما باح بها في أكثر من قصيدة، مما هو منسوب له من شعر.

Page 136: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 136

مىض مثانون عاما عىل رحيل الشاعر احمد شوقي، ومع

ذلك، فإن هذا الشاعر ظل منارة شعرية يف سامء الشعر

العريب الحديث، ومل تستطع األيام والسنون التقليل

من قيمة وأهمية الشاعر وشعره. ال بل زاده تقادم

الزمن حضورا وألقا واتساعا، كام شكل معينا ال ينضب

للدراسات واألبحاث االكادميية.

ميكن القول إن شعر شوقي يعترب من أكرث األشعار

حضورا يف الثقافة العربية من بني الشعراء يف مختلف

العصور، ومن بني أكرث األشعار التي يرتدد صداها

لدى األجيال املتعاقبة، وال يوجد فرد من هذه األجيال

إال ويعرف شوقي وشعره بشكل أو بآخر، ولو من خالل

بيت من الشعر أو حتى شطر، أو قد يكون سمع عن

شوقي أو قرأ بعض أشعاره يف سنوات الدراسة.

هو الشاعر االرستقراطي، ولكن األكرث شعبية من بني

شعراء العربية قاطبة، وهذا بطبيعة الحال يعود إىل

عدة أسباب، رمبا من أهمها سهولة شعر شوقي ورسعة

متثله من قبل املتلقني، وقربه من املزاج والذائقة

العربية يف الشعر وخاصة مخاطبته للجانب النفيس

واالجتامعي، وأيضا تناوله ملختلف جوانب الحياة،

أحمد شوقيبعد ثمانية عقود

أحمد شوقي واحد من الشعراء الذين استطاعوا نقش اسمائهم في جدار الشعرية العربية وقد حقق حضورا مختلفا عن مجايليه حتى لقب أميرا للشعراء

يوسف احمد مكي

هناك شعراء ال يقلون عن شوقي من حيث العطاء الشعري، لكن شوقي يظل

حائزا لقصب السبق في الشعر

ديوان العرب

Page 137: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 137

وأخريا متيزه بالبعد األخالقي والحكمي واملناقبي .

الشك ان هناك شعراء ال يقلون عن شوقي من حيث

العطاء الشعري، لكن شوقي يظل حائزا لقصب السبق

يف الشعر، وقد توج امريا لشعراء العربية يف العرص

الحديث، وال يزال يف القمة حتى بعد مرور اكرث من

مثانية عقود عىل رحيله.

فهو امري الشعر العريب الحديث يف ثالثينيات القرن

املايض وهو كذلك يف العقد الثاين من القرن الواحد

والعرشين .

ومام هو جدير بالذكر يف هذا الشأن أن املرء سواء كان

مهتام بشعر شوقي أو خالف ذلك، فهو كلام قرأ شوقي

ازداد ولعا به، وعاد إليه مرات ومرات وكأنه يقرأه للمرة

األوىل. إن يف شعر شوقي جاذبية قل نظريها، وإن فيه

لطالوة قلام توجد يف أشعار غريه من الشعراء القدماء

واملحدثني عىل حد سواء. مأثرة شوقي يف شعره هو

قرب هذا الشعر من اإلحساس العريب اإلنساين عامة،

بحيث يشعر املتلقي وكأن هذا الشعر يشء من ذاته

او من ميوله واهتامماته او لسان حاله، إن ميزة شعر

شوقي وعىل الرغم من مرور الوقت هي قدرته عىل

اخرتاق الزمن والتجديد الدائم، والتعبري عن النبض

العريب. لذلك سيظل شوقي الشاعر حارضا ابدا يف املشهد

الشعري العريب والذاكرة الشعبية عموما. وال غرابة ان

يستمر شوقي الشاعر األمري من خالل شعره املنبسط

عىل امتداد ساحة الشعر العريب من املحيط اىل

الخليج، نقول ال غرابة ان يستمر امريا، وال غرابة

أن يبقى شعره يف الطليعة، وميثل مفخرة من

مفاخر العرب املعارصين.

إذا كان الشعر العريب من السعة مبكان يف

القديم كام يف الحديث، فإن شعر شوقي ويف

مثانينية رحيله، هو األكرث بروزا، ال بل األكرث

إقباال عليه من قبل املتلقني، مختصني وغري

مختصني. وهذا يف حد ذاته فخر للشاعر وشعره

وهو دليل عىل مقام شوقي حتى بعد رحيله

المرء سواء كان مهتما بشعر شوقي أو خالف ذلك،

فهو كلما قرأ شوقي ازداد ولعا به، وعاد إليه

أحمد شوقي

Page 138: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 138

ديوان الحماسةقريط بن أنيف العنبري التميمي

وردت هذه القصيدة في »ديوان الحماسة«، الذي اختاره أبو تمام الطائي من أشعار العرب ، ورتبه على أبواب عشرة، أولها باب الحماسة، فكان ذلك

سبب شهرة الكتاب ب»ديوان الحماسة«.أما حكاية القصيدة فهي كما تروى أن جماعة من قبيلة »ذهل بن شيبان« أغارت على الشاعر قريط ثالثين وسلبوه العنبر، بني من وهو أنيف بن لو فتمنى ينجدوه، فلم قومه فاستنجد بعيرا. انه من قبيلة أخرى اسمها »مازن تميم«، ألن إبله عندئذ ما كانت لتؤخذ عنوة أو كانت سترد .وقد وانتصرت االستغاثة نداء »مازن« قبيلة لبت

للشاعر.

لو كنت من مازن لم تستبح إبليبنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

إذا لقام بنصري معشر خشنعند احلفيظة إن ذو لوثة النا

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهمطاروا إليه زرافات ووحدانا

ال يسألون أخاهم حني يندبهمفي النائبات على ما قال برهانا

لكن قومي وإن كانوا ذوي عددليسوا من الشر في شيء وإن هانا

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرةومن إساءة أهل السوء إحسانا

فليت لي بهم قوما إذا ركبواشدوا اإلغارة فرسانا وركبانا

ديوان العرب

Page 139: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 139

تجربة شعرية تعد مميزة من تجارب الشعر العريب اجامال والعبايس تحديدا، وهي تجربة الشاعر الخليفة العبايس

)مكث يف الخالفة يوما وليلة( عبدالله بن املعتز بن املتوكل )247-296هـ/861-908م( مبا فيها من ثراء واشتغال خالق

إلحكام أهم مكون من مكونات الشعر وهو الصورة الفنية.

ديوانه طبع عدة مرات يف طبعات تجارية شوهت شعره، بل حتى النامذج القليلة التي استشهد بها أدونيس يف مختاراته

للشعر العريب يشوبها الكثري من التشويش العتامدها عىل تلك الطبعات التجارية. ومل يظهر جهد حقيقي يف إخراج

ديوانه سوى ما قام به الحقا الدكتور يونس أحمد السامرايئ.

لقد تعرضت صورة الشاعر ابن املعتز للتنميط يف إطار »األمري األرستقراطي املرفــه«، وبالتايل فإن إنتاجه عامة الشعري

وغري الشعري قد وسم بأنه ال يحمل متيزا يذكر، غري أن القراءة املتأنية تكشف عن تجربة مختلفة لحمتها الشقاء

وسداها األمل، بل تتجىل شعرية لها طابع خاص يف تلك الفرتة املليئة بالتجارب الشعرية املتنوعة من العرص العبايس. كام

تكشف عن وهج نقدي أثرى املرحلة بنظرات لها طابع املوضوعية والسبق يف الحكم املعتدل عىل ذلكم الجديد.

كتب ابن املعتز شعرا يف معظم األغراض املطروقة، ومن أبرزها املديح والرثاء والفخر والهجاء والغزل والحكمة. ويف تلك

األغراض ومع اختالف املوضوعات الجزئية التي يتناولها نجد قاسام مشرتكا وهو حضور ملفت عىل مستوى املشبه به

لصوره الفنية.

ابن المعتزالخليفة الشاعر

ابن المعتز

Page 140: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 140

مختارات من شعره

عتبت عليك مليحة العتب

قالت أما تنفك ذا أمل

كال وأيديهن دامية

ــواك وال ما كان يف زعــم ه

ميرضه ــول ق قالت عىس

إن الزمان رمت حوادثه

فبقيت مضنى يف محبتها

فإذا رأتني عني غانية

ين صري الدهر إن صاح يا

حوادثه يغري يب زال ما

ترين ــام ك ألبقاين حتى

إين من القوم الذين بهم

هم عض الدهر ما إذا صرب

ولهم وراثة كل مكرمة

رضاغمة كانت الوغى وإذا

لبسوا حصونا من حديدهم

حتى تبلغهم شفائهم

وعدت جيادهم بكل فتى

مر إذا بلغت حفيظته

ذنب بال مهاجرة غضبى

ال رشها عىل الحب متنق

يف عقلها مبواقف الركب

قلبي يف هــواك غري أضمرت

ما صح باطنه من العتب

هدف الشباب بأسهم شهب

القرب مكره الوصال مر

قالت لرائد لحظها حسبي

عضب عىل قــرشا ترى قد ما

ويزيدين نكبا عىل نكب

صمصامة مفلولة الغرب

فخرت قريش عىل بني كعب

هم خرض لدى الجدب وأكف

وبهم تعلق دعوة الكرب

وعلت عجاجة موقف صعب

والــرضب للطعن صبارة

الحرب موقف ثارهم يف من

عضب منصل بقائم يعىص

عذب سلمه الرضا يف حلو

ديوان العرب

Page 141: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 141

قصائد قصرية

عاريها بالنور واكتىس مخرضة

ابتسام يف نواحيها وللرياض زهــرتــهــا أعــطــتــك ــد ق األرض تــرى أمــا

حدائقها يف ــكــاء ب فللسامء

***ــدر الــدجــى وفــــوق النقاء ــى تحت ب ــن ــث ــت ـــذي ي قــل لغصن الــبــان ال

ــــرات تــغــى حـــديـــث الــهــواء ـــت زف ـــم ـــن ــا بــقــلــبــي ف ــامن م ــت ـــت ك رم

ـــكـــون البكاء ــاىك كـــذا ي ــب ــت ــــــن ي ـــا م ــد ي ــخ ــول يف ال ــق ــــوع ت ودم

ــــــــؤادي زاد فيه هــــواك جــفــنــي امــتــالء ــع يف ف ــوض ــيــس لــلــنــاس م ل

ابن المعتز

Page 142: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 142

أشكو إىل الله أن الدمع قد نفدا

مسهدة ليل يف عيني وأن

لهم قلت شك ال غدا الفراق قالوا

وقد بقيت إن لصبور إذا إين

حبكم كمدا وأنني هالك من

رقدا من مثل فيه أرقد فلست

غدا الفراق قبل من نفيس موت بل

أبدا يرحلوا لم وإن الرحيل قالوا

***

ديوان العرب

Page 143: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 143

***

حى الض شمس من ــوار األن سارق يا

فناقص فـيـك الـشمـس ضـيـاء أمـا

بطائل مـنك الـتـشـبـيـه يـظـفـر لم

ومنغيص ــرى ــك ال طــيــب مثكيل يــا

تنقص لـم نـارهـا ــرارة ـــ ح وأرى

ــرص األب كــلــون بـهـقا مـتسـلخ

واكتىس طعام طـــاب بــتــني ــعــم أن

ويف تــرب نقا يف ثـلـج بــــــــرد فـي

أغصانـه يف الــنــارنـــــج وكـأنـمـا

الهوا إىل الــصــولــجــان ــاهــا رم ـــرة ك

منــظـر ــن م مخرجا وقــارب حسنا

السكر طعم وطــيــب العبري ريــح

يخــلـط مل الذي الذهب خالص من

فـتـعـلـقـت فـي جــوه لــم تسقط

ابن المعتز

الرسومات: الواسطي

Page 144: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 144

املحاكاة أو املعارضة الشعرية فن دارج يف الشعر العريب، وعرفت يف كافة األزمنة، كام شملت جميع األغراض. وحاىك

الشعراء بعض شعراء زمانهم، وتبارزوا معهم شعرا سواء يف املديح او الهجاء او السري عىل نفس املنوال.

ومن القصائد التي حظيت بقدر ملحوظ من مساجالت الشعراء قصيدة »يا ليل الصب« للحرصي القرياوين، حيث

حاكاها شعراء من عصور مختلفة.

محاكاة شعرية

قصيدة »يا ليل الصب«

ينزيا

ني س

حان

فنال

ديوان العرب

Page 145: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 145

عيل بن عبد الغني الفهري الحرصي الرضير أبو الحسن )420 هـ - 488 هـ / 1029 - 1095 م( شاعر تونيس قريواين

مشهور، كان رضيرا ولد وعاش بالقريوان ومات يف طنجة. حفظ القرآن بالروايات وتعلم العربية. اتصل ببعض امللوك

ومدح املعتمد بن عباد )ملك أشبيلية يف عرص ملوك الطوائف، وهو من بني عباد( بقصائد، وألف له كتاب »املستحسن

من األشعار«، وهو ابن خالة إبراهيم الحرصي صاحب »زهر اآلداب«.

ذاعت شهرته كشاعر فحل، وشغل الناس بشعره، ولفت أنظار طالب العلم فتجمعوا حوله، وتتلمذوا عليه ونرشوا أدبه.

له ديوان شعر بقي بعضه مخطوطا »اقرتاح القريح واجرتاح الجريح« مرتب عىل حروف املعجم يف رثاء ولده يحي

،و»معرشات الحرصي يف الغزل والنسيب عىل الحروف« و»القصيدة الحرصية« 212 بيتا. من أشهر أعامله قصيدة يا ليل

الصب، وهي التي ظل العرب يحاولون النسج عىل منوالها حتى اليوم، فيام يسمى باملعارضات أو املحاكاة الشعرية .

الحرصي القريواين

ـــده ـــوع ــة م ــاع ــس أقــيــام ال

أســــــف لـــلـــبـــني يــــــردده

ــــده ــــرص ـــاه وي ـــرع ــــام ي م

ــــرشده ـــني ي ـــواش ــــوف ال خ

ــده تــصــي ــز ــع ف ـــوم ـــن ال يف

ـــده ـــي ب ســـبـــاين أغ لـــلـــرس

ــده ــم ــغ ــا ي ــاس ــع ـــــأن ن وك

ــده ــل ــق ــت ـــن ي ــــل مل ــــوي وال

يـــده تــقــتــل ومل ــاه ــن ــي ع

ـــــــورده يــــه ت ــــىل خــــد وع

ــده ــح ــج ــك ت ــالم جــفــون ــع ف

ــده تــتــعــم ال ــــك ــــن وأظ

ــده ــع ــس ــك ي ــال ــي ــل خ ــع ــل ف

ــده ــع ــب ــك وت ــي ــدن صــــب ي

ده ــــــو ــيــه ع فــلــيــبــك عــل

ـــزوده ـــت ــل مـــن نـــظـــر ي ه

ـــــورده ــفــيــض م ــع ي ــدم ــال ب

ــده ــع ــب هـــر ت وظــــروف الـــد

ـــده ـــك ـــن ــــــــام ت ــــوال األي ل

ــده ــل ــج لـــفـــؤادي كــيــف ت

ر مــنــضــده ـــد ـــال ــفــظــا ك ل

ــــرده خ لــذابــت ــي ــح ال يف

وعسجده ف الـــرص ــوق س يف

ــــرده ــــغ ـــك م ـــاألي غـــنـــى ب

ــده غ متى ــصــب ال لــيــل ــا ي

ـــه ـــأرق ــــامر ف ــــس رقـــــد ال

له ورق ــم ــج ــن ال ــاه ــك ــب ف

هــيــف ذي بــغــزال ــف ــل ك

ــه رشكـــا ــاي ل ــن ــبــت عــي ــص ن

قــنــص أين ــا عــجــب ــى ــف وك

سيفا مــقــلــتــه ـــن م يــنــضــو

به ــاق ــش ــع ال دم فـــرييـــق

ــلــت قــت ــن ــــب مل كـــال ال ذن

دمي عيناه جــحــدت من يا

بدمي ـــا ـــرتف اع ــد ق خــــداك

ــيل ــت ق مــن ألعـــيـــذك إين

ــرى ك املشتاق هـــب بالله

ضنى ــــت داوي لــو رضك مــا

ــا ــق ــه رم يـــبـــق هـــواك ل مل

غد ــد ــع ب أو ــيض ــق ي ـــدا وغ

رشق لنا ــشــوق ال ـــل أه يــا

ــم ــقــاءك ــاق ل ــت ــش ــوى امل ــه ي

ــه ــذب ــىل الــوصــل وأع مــا أح

فيا ــران ــج ــه ــال وب ــني ــب ــال ب

ة ــرب ــح ــــداء م ــــي ـــل غ ـــب واق

ــا ــده ــش أن جــمــيــال أن ــو ل

لــــوالك تـــســـاوى بــهــرجــه

متى ــه ــل ال ـــالم س فــعــلــيــك

محاكاة شعرية

Page 146: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 146

مصطفى بن محمد بن سليم بن محي الدين بن مصطفى الغالييني، ولد يف بريوت سنة 1302هـ 1885م، وتعلم

يف بريوت والقاهرة، كان صحافيا وأستاذا للعربية ومارس أيضا القضاء ورئاسة املجلس اإلسالمي يف بريوت، تويف سنة

1944م، ومن مؤلفاته:»ديوان الغالييني«، »جامع الدروس العربية«، »عظة الناشئني«. اعتربه العديد من شعراء

الكالسيكية الكبار رائدهم، ومن هؤالء بدوي الجبل.

ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسني األرجاين القايض ) 460 - 544 هـ / 1068 - 1149 م (. شاعر ولد

يف أرجان )بالد فارس(، ولكنه عريب من األنصار. طلب العلم بأصبهان، ويكرمان، وقد توىل منصب نائب قايض قضاة

خوزستان، ثم ويل القضاء بأرجان مولده. وكان يدرس يف املدرسة النظامية يف بغداد.

عارص األرجاين خمسة من الخلفاء، وتويف يف عهد الخليفة املقتيض ألمر الله عن أربع ومثانني سنة. وجل شعره حول

املديح والوصف والشكوى والحكم واألمثال والفخر. له ديوان مطبوع، وهنا معارضتة لقصيدة » ياليل الصب«.

مسعده بطولك ــت أن هــل

فتى ــيــل ل قــصــريا ـــان ك ال

بكم كــلــف ــن م ـــدري ص يف

جنتا دمـــي بسفك عــيــنــاك

ــده ــوع م فصبحك لــيــل ــا ي

ــــده ــه غ ــت ــي ــن ـــعـــاد م مـــي

ــده ــن ــج جــنــد لــلــشــوق ت

ــجــعــده فــالــصــدغ عــــالم ت

ـــده ــــب اضـــنـــاه تـــجـــل ص

ـــه هــــدل الـــقـــمـــري فـــأرق

ــا ــه ــك ــف ـــــــوع أس ــه دم ــل ل

ــا ــي وان ــن ــي ــراع والـــنـــجـــم ي

ــه ــب ــاح ــص ــــاح ل ــــرت كــــل ي

يؤنسني بــطــرفــك نــجــم يا

ــدهــا ــرق أيــضــم ســلــيــمــى م

ــة ــه وال ــيل ــث م ــر ــه ــس ت أم

جسدي ــرى ب ــواك ه سلم يا

ـــد قــرحــهــا ــدي ق ــب هــذي ك

يلقى مــا ــك ــب ــل ق ــكــر ــن ي ال

جلدي ووهــى ــىض ق ــرب ــص أل

ـــشـــده أن ــــرام م ــــدن ي إن

أمـــل ــن م ــريــقــا ب أرج أو

ــوى ــل س أال ــب ــح ال آيس ــا ي

مضنى عــىل الليل طــال ــد ق

ــــدري غــده قــد ضــل فــام ي

ــده ــه ــس ــل م ــي ــل ســـهـــران ال

يــعــبــده زال مــا ـــــد وج

ـــــوده ــل تـــطـــاول أس ــي ــل وال

ـــده ـــرص ـــــاه وطـــــريف ي أرع

ــده ــب ــك ـــا ي ـــرام ــث غ ــب ــي ف

ده ـــن خــــرب أتــــــزو ـــل م ه

ـــده ـــرق ــــوك م ـــن ش ـــا م وان

ــده ــه ــس ــك ت ــل ــي تـــرعـــاك ول

ــــدودك يــجــحــده ــالم ص ــع ف

ــده ــــــزداد تـــوقـ ـــــوق ي ش

ــده ــه ــش ت ــة ــرق ــح ــال ف قلبي

ــــــده ـــد يـــــراين رسم ـــص وال

ــده ــع ــب ـــجـــران ي ـــه قــــام ال

ده ـــد ـــب ـــأي ي ـــن ـــالم ال ـــظ ف

ــده ــع ــس ــب بـــربـــك ت ــل ــق ــل ل

ــده ــج ــه مــعــمــود طـــال ت

غــده متى ــب ــص ال ــل ــي ل يــا

محاكاة مصطفى الغالييني

محاكاة ناصح الدين األرجاين

ديوان العرب

Page 147: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 147

ده ـــــو ــــــم ع ـــاه ورح ـــك وب

ــده ــه ــس ــروح الــجــفــن م ــق م

ــك وتــنــفــده ــي ــل يــبــقــيــه ع

ــده ــه ــن ويـــذيـــب الــصــخــر ت

تــــردده ــــدوح ال شــجــنــا يف

يــتــصــيــده ال ــــــــأدب وت

ــده ــســع ــك م ــال ــي ـــعـــل خ ول

ــــــرده ــد وأم ــل ــخ ـــــوراء ال ح

ــده ــس ــف ي واش ـــقـــدر ي ال

ـــــده ــوان وأوص ــل ــس ـــاب ال ب

ـــــربده ــب ت ــل ــق ــال ــوى ب ــل س

شمس الدين محمد بن دانيال بن يوسف بن معتوق الخزاعي املوصيل ، ولد يف املوصل سنة 1249م ، وهاجر اىل

القاهرة يف سن العرشين وتويف فيها سنة 1311.شاعر وفنان عاش يف العرص اململويك وبرع يف تأليف متثليات خيال الظل

وتصوير حياة الصناع والعامل واللهجات الخاصة بهم، وحاىك بطريقة مضحكة لهجات الجاليات التي كانت تعيش يف

مرص يف زمنه. من أشهر متثلياته التي ال تزال مخطوطاتها موجودة » طيف الخيال »، و« عجيب غريب » و« املتيم

وضائع اليتيم ». تعترب أعامله تصوير حي لعرصه. وصفه املؤرخ املقريزى بأنه كان كثري املجون والشعر البديع، وأن

كتابه طيف الخيال مل يصنف مثله يف معناه .

ـــده ـــرق ت ــال ــي ل يــســهــر مل

ــســهــده ــــذاك م ــرف ل ــط ــال ف

غـــده متى ــب ــص ال لــيــل يــا

ــده ــس ــف ي ــل ب ــحــه ــصــل ي ال

ــعــده ــب ــك وت ــي إل ــب ــح ال يف

ــده ــح ــج وجــــدا بـــهـــواك وت

ــا تـــطـــرده ــوم ــك ي ــاب ــن ب ع

ـــده ـــن ـــف ـــك ي ـــي مبـــــــالم ف

ــده ــع ــس ــــك ت ــو أن صــــب ل

ــهــجــران أىس ال ــه ــل ــح أن ــد ق

ــال طـــال بــه ــي ــم أنـــشـــد ل ك

ــه ــاذل ــع ــه الـــعـــذل ف ــري ــغ ي

يدنو ــم ك ــك ــب ــح م مــــوالي

ــه ــع ــدام ـــــالم تـــبـــوح م وع

ــس لـــه ســكــن ــي ــاك ول ــاش ح

أبـــدا المئــــــه ــب ــس ــح ت ال

ـــده ـــرق ــاك جـــفـــاه م ــن ــض م

ــه ب ــذ ــع ــب م ــل ــق حــــريان ال

ــا ــق رم إال ـــا ـــرف ح أودى

هـــه ــــورق تـــأو يــســتــهــوي ال

قــة ــــل مــطــو ـــم ك ـــل ـــع وي

رشك ــن م لطيفك ــد م ــم ك

مسعفه بــغــمــض ــعــســاك ف

قبسا أو ــك ــامل ج ود ــد ق

ما وبــيــنــك الــحــب يف بيني

ــح يل ــفــت مــا بـــال الـــعـــاذل ي

خطرت وال ــواك ه خنت ما

محاكاة ابن دانيال املوصيل

محاكاة أحمد شوقي

محاكاة شعرية

Page 148: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 148

لوعة الفراقالشاعر حمد الغداين السويدي، أحد شعراء ديب، وقد عاش

خالل بدايات العقد األخري من القرن املنرصم

خــلــيــيل خــــــايل وا آصــــيــــح

ــيل ــدي ــب ـــا عــاضــنــي فــيــه ال م

ـــــــاه والـــنـــاظـــر هــمــيــيل أرب

ميييل ـــوي ـــس ـــي ب هــــوه مـــن

ــطــويــيل ــل ال ــي ــل ــت هــال ــي ـــا ل ي

مــثــيــيل ــــه ل مــــا يل ــــن ــــزي ال

عــــــدي بـــهـــم يـــــوم املــجــيــيل

ــســيــيل« ـــا مـــن »ل ــعــي ي املــطــل

ــــراق ويـــيل ــــف ـــــيل عــــىل ل وي

ــــو خــــــرص نــحــيــيل عـــلـــيـــه ب

ـــام الـــــربق الــشــعــيــيل ــــايض ك ي

ـــوف جييل ــا مــن خ الــحــي ـــوال ل

ـــدي ح ــــوق ع يب ـــا م بــالــلــه

ــد هـــــوه املــــــردي ــع ــت ــب لــــو ي

ـــــوع عــيــنــي فــــوق خـــدي ودم

ــــي لــــه يــــــودي ســــــالم مــــن

ـــدي ــــوق زن راجـــــد وراســــــه ف

ــدي وهــن ــىل ــي ل ال ــحــســن ال يف

ــن نــــوخ وشــــدي ــع ــض يــــوم ال

الحمندي ـــن م ــح ــري ب ــى ــف وال

ـــدي ــــــزداد وج ـــة ي ـــاع ـــل س ك

ـــــدي ـــــال وخ ـــو خ ــد ب ــي ــوج ب

ـــردي ــا وبـــجـــيـــت ف ــي عـــنـــي ن

ـــوى ســيــد الــخــونــدي التــبــع ه

ديوان النبط

بيت الشعر العدد )7( - كانون األول/ديسمبر/2012 148

مصدر القصيدة :تراثنا من الشعر الشعبي - حمد خليفة أبوشهاب ج2 ، نادي تراث اإلمارات ،2003

Page 149: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 149

نصوص

هاجيس الــنــوم وابــعــد اســتــارق جفني

مىض ما عظم ومــن يلفى ــادث ح من

ــن بــهــا ديــــون غـــوادر ــىل الــخــلــق ك ع

شملهم ــه ــل ال فــــرق قــــوم هـــم ويب

نــزلــهــا ــل ــت واخ ــام ــع ال م خــلــت دار

ــا ــا شـــــدة عــقــبــهــا رخ ــن ــي ــام رج ــل ك

وصاحب صــديــق هــو مــن البال وعــم

ينتهي ذاك وال ـــذا ه راجـــــع فـــال

الـــدوأ ـــاذق ــى دخــانــهــا ح ــا غ إىل م

تشابهت ــــور أم ــن م يب عيبتي وا

اقــرتافــه عقب الشمل جمع يبغون

حاميل الضو حامش من بها حاط ومن

البال ــع ــدف ـــيل ســـار وت ال ــع ــدف ت بــهــا

بكارها ــا ــي االش ـــذة ل ــا م ــعــني ال ــن ع

ــدارهــا ــت وايـــــام ثــقــيــل م ــوق ــن ال م

ــل يــــوم مــغــارهــا ـــــاالرشار تــصــبــح ك ب

ــبــارهــا ــا الــجــفــا مــن ك ــاه قــبــيــلــة ج

ــا ــاره ــت آث ــعــف ـــا ت ـــوارده دمـــــاث م

ــا ــامره ع ـــــدور ي ال مـــن الــبــال دار

اعــتــبــارهــا وقــــل األروى ــة ــل ق مــن

حضارها يف ــارهــا ن ــوا شــب الــشــني عــن

غبارها يف غـــدى ــيل ــال ب ــــدوأ ال ثـــار

اعتبارها طبيب أول ــل ــاه ج ــىل ع

ــعــات أخــبــارهــا ــريات حـــرب شــاي ــس ب

ــارب رشارهـــا ــق ــا ي بــطــايــح شــخــص م

ــا دارهـــــا بــاعــتــســارهــا ــي ــم أش عــظــاي

»بني ياس بن عامر«

issue (7)- December - 2012 149

الشاعر راشد بن مانع بن مرشد الحمريي، من إمارة أبوظبي، متويف يف أواخر القرن التاسع عرش

واملشهور بـ »راعي الوريه«، والورية اسم لناقة مشهورة كان ميتلكها

Page 150: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 150

واحد كيس من القوم ــرج خ عــاد إىل

اعتداله عقب ـــدار ال حمل ــال م ــو ل

مــا مىض دفــن يف والــزيــن الــرضــا خيار

لصديجه ــج ــدي ــص ال مـــرضـــاة ــعــني ل

العدا شمتة ومــن الــبــاري مــن ــوف خ

ــــزالت مــن كــان عــارف ــور عــىل ال صــب

ــظ صاحب ــي ــواع م تــنــفــع مــا ــن ــك ول

جرى ــو ل الغيظ يكظم حليم وكـــم

الــدوا ــه ب عــايــا الــعــني طبيب رشوى

ــازل ب ــهــني ال م ودن هـــذا عــنــك دع

مثلها الــبــدو جنى مــا أول فطر عــىل

حايل الربيعني مختلف خطر ــت رع

ــــرة م ـــني ـــالث ث ــر ــف ــن ت ـــت ـــرح م يل

مــجــرب املـــطـــارش شميمي عليها

مــغــرب ــر( ــواه ــظ )ال بــلــد ــن م رست

يوصلونه وال ــوصــل ي ــن م دار تــبــا

مــتــامــه ـــن ـــوه رضب ــــدو ب دار ــا ــب ت

ــازل ــهــم يف زمــــان الــــربد تــبــعــد مــن ل

كــوامــل فـــوق ســبــع إىل خـــذت ســبــع

ـــدو تــــايل عــشــيــه ـــب ــاك المــــا ال ــف ــل م

نوخ الــنــد يف السري خلف جيت إذا

جميعهم ــوا ــاي ــن ت ـــدو ب ــىل ع ــم ــل وس

ــع املــســا ــرج ــل ال ي ــب ســــالم تـــــرده ق

والجسا والحرب واملــاجــود الجود هل

ــريت ــريب وشــفــي وذخ ــاوروا عــىل ع ــج ت

ونحف االيـــدي ــات حــفــي ــل ــف ق ــىل ع

منكف وهـــــذاك مــنــهــم غـــــازي ذا

ــا ــاره ــيــدهــا عـــق ب أهـــل بــرشــة ســن

ــل عــيــارهــا ــجــي وخـــفـــت مــيــازيــن ث

حفارها يــخــال ــرشا ــق ال الــحــفــرة وهـــا

ديــارهــا مــن خلت ــاس ن بها ــرجــع وت

باصطبارها ـــا داره ــا االشــي عظيامت

يــارهــا خــبــث إىل يــاخــذهــا بالطيب

معتبارها مــعــه ـــيل ال األمــــور ــر ــدي ي

ــا ــداره ــايل م ــي ــل عــلــيــه مـــن خــبــث ال

ــارهــا ــا ســعــى يف دم ــه ــداوي ــا ي غـــدا ب

ابكارها مــن حــيــلــوا مــا النضا خــيــار

ــد مـــزارهـــا ــي ــع ـــة املــشــتــاق ب ـــال زم

ـــال مــســتــعــارهــا ـــو غ وقـــــالل جـــت ل

ــز الــشــعــر مــن فــقــارهــا ــت ــه تــنــفــر وي

نهارها رشوى الــلــيــل بظلام ــل ــي دل

ـــا داره غــري ــنــضــا ال خــيــار دار ــا ــب ت

ــا ــامره ــاىت كــل قــــوم أع ــح ــهــم ت ومــن

ــا ــاره ســكــنــاتــهــم يف مـــا عـــال مـــن زب

ـــا وبــالــقــيــظ يــدنــون املــنــايــيــع داره

آثــارهــا عفية واألرض ـــرسى ال حــث

يارها االرشار تــوحــات مــن الله عــىس

واخبارها )عـــامن( عــن وخــرب وارشح

كبارها مــن ــدا غ مــا يرحم الله عــىس

حضارها وشــفــى وداري ذخــريت عــىل

ــا عـــن نــزارهــا ــه ـــة نــــذرى ب ميـــانـــي

ـــف مــثــارهــا ــري قـــوم مـــا يـــوق ــاع ــن م

ــوارهــا ي املــعــادي دار ــىل ع تــخــالــف

ـــفـــت مـــن مــغــارهــا غـــزايـــة مـــا وق

ديوان النبط

بيت الشعر العدد )7( - كانون األول/ديسمبر/2012 150

Page 151: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 151

ــف زوال ــضــا االن ــالت عــي بها تخاطف

هدا قد الليل من وثلث العدا تغم

غـــزوا إىل ــاف ــف خ ــــوا الق إىل ــال ــق ث

والقرى السيف تسكن بحرض هي ما

الزم ثـــــم الزم ـــف ـــل ح ـــن ـــك ل

الــدوا ومعاطس السيف اشتعال يــوم

لكنهم ــر( ــام ع ــن ب يــاس )بــنــي ثيبة

بها نحتمي ثيبة منهم ــات ج وإن

ــافــع ن ـــذاك ـــه ل ــــذا ـــا ه م ــــاد ع يل

ـــوى ثــيــبــاتــه ــري الـــــوادي س ــج مـــا ي

ـــادة ــل ع ــســي ــل ــاس عــــــادات ول ــن ــل ل

ــح املــــوازي ســوايــب ــري ــن ال ــجــي م ي

محمد ـــا ـــرباي ال خـــري عـــىل ـــوا وصـــل

ــا مــن صــغــارهــا ــه ــواب مــا يــنــعــرف ش

مغارها يف ــدا ــع ال ــذان ــش ل وتــطــنــف

غبارها من النقا واشــتــل الهجن عىل

عــذارهــا يف ســعــوا مــا الخطايا كــبــار

احتكارها يــوم ــامن( )ع وصــول عليهم

ــه وانــتــصــارهــا ــادي ــب ــة ظــويــل ال ــزع وف

ــه كــارهــا ــل ــىض ال ــا ق مــنــاعــري قــــوم م

عارها ــب ــذاري ع ــن م الحميه ـــل وق

ـــرارهـــا ـــخـــوة مــاملــيــك قـــــالل ح م

يسارها ــا بــلــي اليمنى تــصــفــح وال

ــا ــاره آث ــاين ــغ م ــت ــاف ــع ت وال ــم ــرس ب

عبارها تــغــبــي ــات ــاي م الــبــحــر ومـــن

نهارها ــح واض الليل يغطي مــا ــدد ع

نصوص

فرشي

ني س

حان

فنال

issue (7)- December - 2012 151

مصدر القصيدة :حامد الخاطري - »أعذب األلفاظ من ذاكرة الحفاظ« - ج1، 2002

Page 152: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 152

الشعر النبطيالنظم الشفوي

»الورق« بالوسيط الرغم من االستعانة الصعوبة على النبطي على درجة من للشعر الشفوي النظم يعد كما إن القيمة العالية لهذه القوالب للتدوين؛ ألن القوالب الغنائية يفترض حضورها بقوة داخل الشاعر.

الغنائية، جعلت »اليونسكو« تدرج »التغرودة« في اإلمارات ضمن التراث الثقافي غير المادي

د. إبراهيم أحمد ملحم

ديوان النبط

Page 153: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 153

الثورة الحقيقية على رتابة العروض العربي يفترض أن تكون منوطة بالشاعر

النبطي، ولكن غياب الناقد المتابع للشعر النبطي

في زمن مبكر جعل الضوء المسلط على هذه الثورة

كانت القصيدة العربية الفصيحة تنحو للصعوبة

الناجمة عن محاولة الشاعر لالرتداد إىل الذات أكرث

من التعبري عن الهم الجمعي، وتوظيف الثقافة،

واإليغال يف الخيال.. ما شكل حوافز كافية إلضعاف

جامهرييتها. ومن هنا، بدأ الشعر مييض يف أربعة

اتجاهات، األول: اتجاه استمر يف السري بركب الشعر

العريب الفصيح، فنسب الشعر إىل اسم قائله، والتزم

لغته الفصيحة، وهو ما يسمى »الشعر اإلحيايئ« أو

»الكالسيكية الجديدة«، والثاين: اتجاه تخىل عن نسبة

النص إىل قائله، والتزم اللهجة املحلية السائدة، فخضع

إىل تغيريات من شخص إىل آخر، لكن هذه التغيريات

ال تخرج عن القوالب املوسيقية التي تصب فيها، وهو

ما يسمى »األغنية الشعبية«. والثالث: اتجاه التزم

اللهجة املحلية السائدة يف املنطقة التي نشأ فيها، ومل

يتنازل عن نسبة النص إىل قائله، ويستعني يف النظم

واإللقاء بالوسيط وهو »الكتابة«، هو ما يسمى »الشعر

الدارج«. والرابع: اتجاه التزم اللهجة املحلية السائدة

يف مناطق مختلفة من شبه الجزيرة العربية منذ القرن

السادس عرش، ميازج الهم الجمعي بالهم الذايت، ويأخذ

من القوالب الغنائية الشعبية، إضافة إىل بعض بحور

الشعر العريب الفصيح، ومحاولة تطويرها، واإلبقاء عىل

نسبة النص إىل صاحبه، باستثناء القصائد التي ال يعرف

قائلها، وهو ما يسمى »الشعر النبطي«.

أوزان النبطينشأ الشعر النبطي يف كنف مجتمعات أمية أو كانت

نسبة الذين يجيدون الكتابة به شحيحة. ولكن النظم

الشفوي فيه يختلف عن االتجاهني السابقني، وإن كان

القاسم املشرتك األعظم بني االتجاهات الثالثة هو البدء

من نقطة الغناء. وميكن القول: إن االلتزام بالعروض

الخلييل، مل يكن مبنيـا عىل التقطيع العرويض؛ فهذا

األمر يحتاج إىل معرفة بالكتابة، وال يفيد الشاعر يف

مرحلة النشأة يف يشء. إن البحر بتفعيالته املختلفة،

كان ميثل للشاعر النبطي قالبا موسيقيـا تصب الكلامت

فيه صبـا، وقد خضعت هذه القوالب لحريته الذاتية يف

اإلبداع، فخرجت عن رصامتها إىل تطويرها، أو ابتكار

قوالب أخرى مل تكن موجودة أصال.

هناك قوالب أسست عىل بحور عروضية تتميز بالخفة،

مثل: املجتث الذي يتميز بالخفة بحيث نشعر أن

كلامته ميكن أن تغنى حني تقرأ، وهناك ما ابتكره

الشاعر النبطي، مثل: »مستفعلن فاعالتن فاع«،

وأسس عليه ما يسمى »الردح«، إضافة إىل التزام

قافيتني، األوىل يف الشطر األول، وتسمى »الناعشة«،

والثانية يف الشطر الثاين، وتسمى »القارعة«. ويكرث

يف هذا الشعر »التذييل« أو إضافة الحرف الساكن

املفرد حيث تساعد طبعة اللهجة يف وجوده، وكذلك

الحرف املتحرك مع الساكن، فتصري عىل سبيل املثال:

»مستفعلن« »مستفعلن فا«، أو زيادة تفعيلة كاملة يف

القصيدة كلها أو يف بيت واحد أو حتى شطر واحد. ويف

املقابل، هناك النقص يف املقطع الطويل، وهو ما يسمى

»الخرم«، أو نقص تفعيلة كاملة يف أحد األشطر أو

جميعها. وهذا يعني أن الخروج عىل العروض ال يعني

االنسالخ عنه بل تطويره. وقد استعرض الناقد غسان

الحسن األوزان النبطية، واستخدم تعبري »وهو وزن

نبطي مستحدث ال نظري له يف الشعر الفصيح«)1( كثريا

. ولعل هذا ما يؤكد أن نظم القصيدة النبطية

مل يكن منصاعا للعروض الخلييل، إال بالقدر الذي

يجعله موفرا للشاعر النبطي التعبري بحرية، وما

النظم الشفوي

Page 154: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 154

يتعارض مع تلك الحرية، يتجاوزه معتمدا عىل وعيه

الكبري يف التعبري عن التجربة. إن التغيري يف العروض

العريب يعني إحداث ثورة عىل الجوانب التقليدية

امللزمة للشاعر، والتي كانت تحول دون حريته

الكاملة يف اإلبداع، وهو ما أدى إىل ظهور »الشعر

الحر« يف 1947. والحقيقة، أن الثورة الحقيقية عىل

رتابة العروض العريب يفرتض أن تكون منوطة بالشاعر

النبطي، ولكن غياب الناقد املتابع للشعر النبطي يف

زمن مبكر جعل الضوء املسلط عىل هذه الثورة املبكرة

باهتا.

ولتوفري املناخ الدرامي للشعر النبطي، ابتكر الشاعر

الحيل التي متكن املستمع من املتابعة حتى النهاية،

فأحدث ما يسمى »القلطة«، وهو فن شعري قائم عىل

املحاورة بني شخصني أو أكرث، وما يسمى »املشاكاة«،

ه فيه الشاعر خطابا لآلخر يشكو فيه ما وهو فن يوج

أصابه من مكروه أو معاناة، فريد اآلخر بانيا خطابه عىل

القالب نفسه، ويحاول يف رده املواساة.

لقد بات الوقت، اآلن، مناسبا الستعراض أهم تلك

القوالب التي تصب فيها الكلامت، وميكن تقسيمها

إىل خمسة أقسام، األول: ما يؤدى مبصاحبة اآللة

املوسيقية )الربابة(: الهاليل، واملسحوب، والزهريي،

واللويحاين. الثاين: ما يؤدى مبصاحبة الفنون الحركية:

الصخري. الثالث: ما يؤدى غناء بصوت املنشد وحده:

الهجيني، الفراقي، واألبوذية. الرابع: ما يؤدى مبصاحبة

مرددين: الونة، التغرودة، السامر، الحداء. الخامس: ما

يؤدى مبشاركة آخرين يف الرتجيع: الردح. أما البحور

العروضية الخليلية، مثل: الطويل، واملديد، والبسيط،

والوافر، والكامل.. فقد تعامل الشاعر النبطي معها

بوصفها قوالب، وذلك برصف النظر عن مسامها أو

مسمى تفعيالتها. هذه القوالب جميعها لها عالقة

وثيقة باملعنى والجو النفيس املحيط بها، وليست

قوالب جامدة؛ فقالب »الونة« يستخدم للداللة عىل

الحزن والتوجع، وقالب »الردح« يستخدم للداللة

عىل األنس بوجود األحبة، وكذلك قالب »السامر«،

وقالب »التغرودة« يستخدم للداللة عىل التصميم يف

امليض نحو الهدف املخطط مهام بلغت املشقة، وقالب

»األبوذية« يستخدم للداللة عىل الضيم الذي

أمل بالشاعر.

لعل أحد أهداف إنشاء »أكاديمية الشعر«

في أبوظبي هو الحفاظ على الشعر النبطي بمستوى القوة؛ لتذليل العقبات التي

أوجدها التباعد الزمني

ديوان النبط

Page 155: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 155

شعر األمةومن املالحظ، أن القوالب انتزعت تسميتها من طبيعة

الحياة اليومية؛ لجعلها أكرث قدرة يف التعبري عنه؛ فمنها

ما يتعلق باإلنسان، مثل: »الصخري« نسبة إىل بني

صخر، ويرتد إليهم؛ ألنه طبع باألصل بنربة حزينة.

و«الشيباين« نسبة إىل مبتكره الذي جعل النظم فيه

مطوال حتى يستويف الشاعر ما يريد قوله. »الهاليل«

نسبة إىل بني هالل، واشتق منه »املروبع«. ومنها ما

يتعلق بحركة اإلنسان التي أملتها البيئة الصحراوية،

مثل: »الحداء« الذي يخص الفرسان وهم ميتطون

خيولهم، فيبث الحامسة يف النفس استعدادا للحرب

أو شحذ العزمية بصورة عامة. كانت تسمية القوالب

خروجا عىل التسميات العروضية القدمية؛ فتسمياتها

نظرية، ال تعلق يف الذهن أو تتصل بطبيعة الحياة

اليومية، كام نجد يف تسميات: الطويل، والبسيط،

والوافر.. إنها جميعها تولد شعورا بأنها غري مرتبطة

مبعنى.

وحتى يكون الشعر النبطي هو شعر األمة، عىل الرغم

من كونه منطلقا من الشاعر وينسب إليه، فإن النظم

الشفوي ارتجاال ينفتح عىل معنى »الرجولة« أو

البطولة)2(، وبالتايل، فإن الشاعر يتقمص دور البطل

الذي تلتف حوله األمة مؤيدة ملا يقول، وذلك من

خالل الرتجيع الصويت الدال عىل التعاطف أو الشعور

باآلخر، أو الفنون الحركية الدالة عىل االنخراط يف

الهدف السامي الذي يروم البطل تحقيقه، ومن هذه

الفنون الحركية: الحربية حيث يقف املشاركون يف

صفني متقابلني يرددون ما يقوله الشاعر بأصواتهم

وحدها. عىل الطرف املقابل، تتخذ »الوهابية«

اآللية نفسها يف الوقوف، ولكن مبشاركة دق الطبول،

واالستعراض الحريب بحركة البنادق، واالستعراض الدال

عىل التيقظ بحركة الرأس. لقد نقلت الفنون الحركية لنا

مناخ الحرب لتؤجج الحامسة يف املشاركة،

وهو ما يؤدي إىل إطالة زمن القصيدة، وتعمد الشاعر

التنويع يف اإليقاعات إلحداث املزيد من الصخب حوله.

وإذا كانت النشأة قد واكبها الغناء بهدف الحفاظ

ما أمكن عىل القالب املوسيقي الذي تصب فيه كلامت

الشعر، فإن االبتعاد عن زمن تلك النشأة كان كفيال

باالستعاضة عن الغناء باإلنشاد أو اإللقاء مبارشة،

وبات التزامن بني النظم والغناء، إضافة للفنون

الحركية جزءا من الرتاث. وهذا ما جعل النظم الشفوي

للشعر النبطي عىل درجة من الصعوبة عىل الرغم

من االستعانة بالوسيط )الورق( للتدوين؛ ألن القوالب

الغنائية يفرتض حضورها بقوة داخل الشاعر. إن القيمة

العالية لهذه القوالب الغنائية، جعلت »اليونسكو«

تدرج »التغرودة« يف اإلمارات ضمن الرتاث الثقايف غري

املادي، وذلك يف مؤمترها املنعقد بباريس يف 6 ديسمرب

2012، وإن كرثة الشعراء الذين ينظمون عىل هذا

القالب تحديدا، جعلت هيئة السياحة والثقافة تقوم

مؤخرا بإجراء إحصاء للتوصل إىل عدد الشعراء الذين

ينظمون عىل قالب »التغرودة« فتبني أن أعدادهم تزيد

عىل 300 شاعر يف إمارة أبوظبي وحدها.

ريقو

د بزيا

ن فنا

الالنظم الشفوي

Page 156: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 156

وإن مسابقة »شاعر املليون« املخصصة للشعر

النبطي، ليس هدفها الرتويج للكسب املادي، بل دفع

الذين ينظمون الشعر النبطي إىل امليدان، وهو بذلك

يستعيد املكان الذي كان يقف فيه الشاعر النبطي

قدميا، وكأنه يف ساحة حرب، تلتف الناس حوله

ملؤازرته وإثبات جدارته يف االرتجال، أو بتعبري آخر

ر موقع البطولة. هذا يعني أننا لسنا جدارته يف تصد

أمام تراث ينبغي الحفاظ عليه فحسب، بل إننا أمام

شعر ينبض بالحياة بقوة، وأمام ذائقة اجتامعية ما

زالت ترى الشعر جزءا من خبزها اليومي.

ولعل أحد أهداف إنشاء »أكادميية الشعر« يف أبوظبي

هو الحفاظ عىل الشعر النبطي مبستوى القوة؛ لتذليل

العقبات التي أوجدها ذلك التباعد الزمني، ولعله أيضا

أحد أهداف إنشاء مواقع إلكرتونية)3( تسهل عىل

الشاعر نظم القصيدة عىل أساس أن نقطة البدء هي

املفتاح الذي يعني تحريكه الولوج إىل عامل القصيدة،

إضافة إىل مواقع أخرى تهتم بإدراج نبذة عن الشعراء

ط لألبيات)4( . إن النبطيني، وقصائدهم، ورشح مبس

1. انظر: الشعر النبطي يف منطقة الخليج والجزيرة العربية، املجمع الثقايف، ط1،

أبوظبي 1990، ج1، ص275، ص274، ص281، ص324

2. هذا األمر نجده أيضا يف نظم األغنية الشعبية، انظر مقايل: النظم الشفوي لألغنية

الشعبية العربية، مجلة الثقافة الشعبية، ع8، البحرين 2011.

3. انظر: موقع قصيديت )alqased.net(، وقد كتب تحت عنوان »تعليامت«: »يف هذا

الربنامج نحاول مساعدة املبتدئني واملحرتفني كذلك يف كتابة القصيدة، وحيث إن من أبرز

معوقات بناء القصيدة هو الوزن والقافية، فإن هذا الربنامج سوف يساعدك يف اختيار

البحر ومعرفة وزن قصيدتك من خالل االستامع للحن املرفق، وكذلك من خالل التقطيع،

باالضافة إىل مساعدتك يف الحصول عىل أكرب قدر من الكلامت التي تتناسب مع قافية

ل مضطرا للكتابة عىل بحر قصيدتك. أوال: قم باختيار البحر الذي تريده، وتذكر مل تعد

واحد فقط كام كنت يف السابق. ثانيا: قم باالستامع إىل اللحن أو الشيلة املرفقة، ثم قم

بتلحني قصيدتك وأبياتك وفقا لهذا اللحن. ثالثا: أكتب آخر حرف من الكلمة التي يف

الشطر والقافية. يف املربعات املخصصة لذلك، يك يتم عرض أكرب قدر ممكن من الكلامت

التي تساعدك« .

.)7awaya.com( 4. انظر: موقع حوايا

إنشاء كل ما من شأنه تذليل العقبات، ال ينشئ

شاعرا ما مل تكن الخامة األساسية موجودة أال وهي

»املوهبة« بحيث يصري ما ينشئ من مؤسسات

تعليمية أو مواقع إلكرتونية هدفها: صقل املوهبة،

أو تغذيتها بالثقافة التي توجد نقادا للشعر النبطي،

كام أوجدت شعراء يستمرون بحمل راية الشعر التي

رفعها األجداد يف الزمن الصعب

ديوان النبط

Page 157: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 157

أدب البدو في كتابات الرحالة والمستشرقين

األقدام اإلنجليزية تجوس الرمال العربية

4في الحلقة الرابعة واألخيرة من دراسته يتقصى الباحث السعودي الدكتور سعد العبدهللا الصويان المصادر الثانوية للبحث في أدب البدو،تلك التي حفلت بها كتابات الرحالة األجانب الذين انشغلوا

بدراسة المجتمع البدوي ككل

أدب البدو

سعد العبدهللا الصويان

Page 158: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 158

هناك مصادر ثانوية ال تتناول أدب البادية بشكل مبارش

لكنها تشكل أدوات مهمة من أدوات البحث التي ال

غنى عنها للباحث املدقق يف هذا األدب. ومن أهم هذه

املصادر كتب الرحالة األجانب ممن جابوا أرجاء الجزيرة

العربية وبعض من عملوا يف املجال الدبلومايس والتي

متثل كتاباتهم أهم املصادر األثنوغرافية التي تساعدنا

عىل متثل البيئة التقليدية التي نشأ فيها الشعر النبطي.

وإضافة إىل أعامل جورج أوغست والني وأالويس موزيل

وغريهم ممن سبقت اإلشارة إليها هناك أعامل أخرى عىل

Johann غاية األهمية. ويعد يوهان لودفيج بوركهارت

Ludwig Burckhardt، وهو سويرسي األصل، من أوائل

املهتمني بدراسة املجتمعات البدوية. أتقن بوركهارت

اللغة العربية وأجادها إجادة تامة وتفقه يف علوم اإلسالم

الرشعية وتعمق فيها واعتنق اإلسالم وأدى فريضة

الحج وزار املدينة ودون مالحظاته خالل زيارته لألماكن

املقدسة يف كتابه Travels in Arabia. وقدم للقارىء

الغريب من خالل كتابه هذا أول وصف مفصل وحقيقي

للكعبة املرشفة والحرمني امليك واملدين كام وصف املظاهر

العمرانية واالجتامعية والسياسية يف جدة ومكة واملدينة

وينبع. وتويف يف القاهرة بعد عودته من األماكن املقدسة

بفرتة وجيزة ودفن يف مقابر املسلمني. وقبل زيارته ملرص

والحجاز، والتي تزامنت مع بداية حملة محمد عيل ضد

جزيرة العرب، كان بوركهارت قد أقام لفرتة عامني يف حلب

مام أتاح له فرصة االحتكاك بقبيلة عنزة وبعض القبائل

الرحل التي تقطن الصحراء السورية وشامل الجزيرة

العربية وتجول بني هذه القبائل ودرس أحوالهم ودون

Notes on the الكثري من املالحظات عنهم. ويعد كتابه

Bedouins and Wahabys من الكتابات املتميزة والغنية

باملعلومات عن املجتمع البدوي وحياة الصحراء وال يزال

من املراجع التي يعتمد عليها يف هذا املجال. وقد وصف

الدكتور عبدالله العثيمني بوركهارت بأنه من أبرز الرحالة

األوربيني إىل البالد العربية وأكرثهم دقة وإنصافا. وكتابات

بوركهارت السويرسي تشبه كتابات والني الفنلندي يف

موضوعيتها وتعاطفها مع عرب الصحراء وخلوها من

التحيز الديني والعنرصية العرقية، بل إن القارىء يجد

كان بوركهارت قد أقام لفترة عامين في حلب مما أتاح له فرصة االحتكاك بقبيلة عنزة وبعض القبائل الرحل التي

تقطن الصحراء السورية وشمال الجزيرة العربية وتجول بين هذه القبائل ودرس أحوالهم ودون

الكثير من المالحظات عنهم

فيها تذمرا من األوربيني وطريقة حياتهم ومتجيدا لحياة

البادية وشغفا بالصحراء.

أخطاء وتناقضاتوممن ادعوا اإلسالم وتظاهروا به وتزيا بزي الدراويش من

أجل دخول مكة واملدينة وزيارة األماكن املقدسة الرحالة

Richard Burton اإلنجليزي املغامر ريتشارد بريتون

الذي اشتهر برتجمته ألف ليلة وليلة وبتدوينه لرحلته إىل

Personal Narrative of a الحجاز عام ١٨٥٣م يف كتابه

Pilgrimage to al-Madinah & Meccah الذي يقع يف

جزئني. وباإلضافة إىل وصف األماكن املقدسة وما يحف

الرحلة إىل هناك من مخاطر ومصاعب يعطي بريتون

معلومات إثنوغرافية جمة عن قبائل الحجاز وحياة البدو

يف الصحراء، وإن كان منهج بريتون يف الكتابة أقرب إىل

طابع اإلثارة منه إىل التوثيق الدقيق واملالحظة املوضوعية.

وملا تويف يف سنة ١٨٩٠م بنت له زوجته رضيحا كبريا عىل

هيئة بيت من بيوت الشعر البدوية.

ومل متض عرش سنوات عىل رحلة بريتون حتى شد الرحال

يف أثره رحالة إنجليزي اخر ال يقل عنه إثارة للجدل هو

ويليام بالغريف William Gifford Palgrave الذي بدأ

رحلته عام ١٨٦٢م. سافر بالغريف مدعيا الطب تحت

إسم مستعار هو سليم أبو محمود العيص يرافقه مدرس

إغريقي مقيم يف زحلة يف لبنان ويجيد العربية انتحل اسم

بركات بدال من إسمه اإلغريقي. ومن معان سافر اإلثنان

ديوان النبط

Page 159: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 159

إىل الجوف ثم إىل حايل. وهناك تقابل بالغريف مع األمري

طالل بن رشيد الذي قال عنه »من بني جميع الحكام

واألمراء الذين سنحت يل فرصة الترشف بالتعرف عليهم،

سواء يف أوربا أو يف آسيا، مل أجد إال القليل من بينهم من

يداين طالل يف حذقه لفن الحكم.« ويف الرياض قابل اإلمام

فيصل وابنه عبدالله بن فيصل الذي قال عنه إنه قريب

الشبه بهرني الثامن يف طلعته ويف شجاعته

واعتزازه بنفسه ومهارته السياسية. ومن

نجد ذهب بالغريف إىل البحرين

وقطر وعامن. ويدعي أن السفينة التي

استقلها من هناك تحطمت يف عرض

البحر وفقد كل مذكراته. ويف عام

Narrative of a ١٨٦٥م نرش كتابه

Year’s Journey Through

Central and Eastern

Arabia ويختلف بالغريف

عن الرحالة اآلخرين يف

تفضيله للحرض عىل

البدو وكرهه الشديد

ألهل البادية. ويحتوي

عمله عىل أخطاء كثرية

وتناقضات حملت بعض

الرحالة املتأخرين مثل فيلبي إىل الشك يف أنه فعال قام

برحلة إىل نجد. ومع ذلك يحتوي كتابه عىل معلومات

دقيقة عن املنطقة وأهلها وتفاصيل ذات خصوصية

شديدة ال ميكن أن يعرفها إال من أمىض بعض الوقت

هناك.

ومن األعامل الكالسيكية الخالدة التي ال نظري لها بني

Charles Montagu كتب الرحالت كتاب تشارلز داويت

Doughty وعنوانه رحالت يف صحراء العرب

Travels in Arabia Deserta. يف عام ١٨٧٦م

اصطحب داويت قافلة الحج املنطلقة من

دمشق وعند مدائن صالح علم قائد الحملة

أن داويت مسيحيا فأرغمه عىل عدم مرافقة

القافلة والبقاء يف مدائن صالح.

وأمىض داويت ما يقرب من واحد

وعرشين شهرا يتجول بني قبيلة

الفقره من عنزة وبني مناطق

الحرة وخيرب وتيامء وحائل

وعنيزة وبريدة واتصل

باألمري محمد بن رشيد

وزامل بن سليم

وحسن بن مهنا

وتصادف وجوده

أدب البدو

لورنسجون فيلبي

ويلفريد ثيسيجر

Page 160: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 160

يف حائل مع عودة راكان بن حثلني من حبس األتراك.

عايش داويت البدو وعارشهم يف حلهم وترحالهم، يف الشدة

والرخاء، ويف السلم والحرب وشاهد بعينه عمليات الغزو

وتعرض هو نفسه للسلب. ويصف داويت كل مشاهداته

وانطباعاته وصفا دقيقا شيقا، ال تفوته شاردة وال واردة.

والقى داويت عنتا شديدا يف رحلته ألنه كان يرص عىل

املجاهرة بدينه املسيحي دون احرتام ملشاعر الناس

البسطاء وكان شديد التعصب ضد اإلسالم. وعىل الرغم من

طوله املفرط وصعوبة لغته وغرابة أسلوبه، وعىل الرغم

من رؤيته املتحيزة أحيانا يبقى كتاب داويت عمال عمالقا

ومثريا تتجدد قيمته مع مرور الوقت نظرا ملا يحتويه من

معلومات تفصيلية عن حياة البادية والحارضة يف شامل

نجد.

رومانسية وانطباعيةيف النصف الثاين من القرن التاسع عرش امليالدي توافد عىل

حائل وشامل نجد عدد من الرحالة واملستكشفني منهم،

Carlo Guarmani باإلضافة إىل داويت، كارلو جوارماين

اإليطايل ويوليوس يوتنج Julius Eutingاألملاين وتشارلز

هيوبر Charles Huber الفرنيس والليدي آن بلنت

Lady Anne Blunt التي جاءت من انجلرتا بصحبة

.Wilfrid Scawen Blunt زوجها ولفريد سكاوين بلنت

Pilgrimage to Nejd وال تخفي الليدي بلنت يف كتابها

عشقها وزوجها لحياة الصحراء وتعاطفها الشديد مع البدو

وتعطي معلومات شيقة عن بالط محمد بن رشيد وخيله

وقصوره ونسائه. ونظرا لكونها امرأة، أتيحت لليدي بلنت

فرصة مل تتح لغريها من املستكشفني فولجت إىل داخل

قصور الرشيد وخالطت نساءهم واطلعت عىل خصوصيات

حياتهم العائلية وكتبت عن ذلك بشكل مفصل. وتقول

إنها رأت يف بالط ابن رشيد وألول مرة جهاز التلفون الذي

كان آنذاك اخرتاعا حديثا مل تكن قد رأته قبل وصولها إىل

حائل. أما هيوبر فإن من أطرف ما يورده يف مذكراته ذكره

للدعوة التي أقامها يف املنزل الذي يقيم فيه عىل رشف

حسن بن مهنا وراكان بن حثلني حيث قدم لهام أنواعا من

املرشوبات والحلويات اللذيذة التي مل يألفاها ومل يسبق

لهام تذوقها.

ومن األعمال الكالسيكية الخالدة التي ال نظير لها بين كتب الرحالت

كتاب تشارلز داوتي Charles Montagu Doughty

وعنوانه رحالت في صحراء العرب Travels in Arabia Deserta

ديوان النبط

جورج أوغست

يوهان لودفيج بوركهارت

Page 161: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 161

وال نريد أن نبخس هؤالء الرحالة واملستكشفني حقهم

وال أن نقلل من شأن أعاملهم إال أن املتتبع لكتاباتهم

يالحظ أنها ترتاوح بني الرومانسية املفرطة والتحيز

الشديد وتغلب عليها روح املغامرة واإلثارة وأنها أقرب

إىل األسلوب الروايئ األديب منها إىل األسلوب العلمي

التوثيقي. غالبا ما يحتل الكاتب املغامر يف هذه

األعامل املركز البطويل الذي تتسلط عليه األضواء

وتتمحور حوله األحداث وتطغى عىل عمله

السمة االنطباعية والصبغة الذاتية فيحكم عىل

األمور من منطلق قناعاته الشخصية وخلفيته

االجتامعية والثقافية ويقيم الناس واألحداث

وكل األشياء كمجرد وسائل وأدوات تعينه أو

تقف دونه ودون الوصول إىل أهدافه وتحقيق

طموحاته. ويصل هذا املنهج ذروته عند

لورنس T. E. Lawrence يف كتابه

أعمدة الحكمة السبعة

Seven Pillars of Wisdom. ومن بني

هذا النوع من الكتب يحتل كتاب الرمال

العربية Arabian Sands الذي كتبه

،Wilfred Thesiger ويلفريد ثيسيجر

مسجال فيه رحلته املثرية عرب الربع الخايل

عىل اإلبل، مكانا متميزا نظرا ملا يحسه

القارىء من صدق الكاتب يف تواضعه

مع البدو ويف تعاطفه مع طرق معاشهم

ويف تقديره لهم وتعبريه عن إعجابه

بنسيجهم األخالقي وقدرتهم عىل الصرب والتحمل. وكان

الربع الخايل بالنسبة للرحالة الغربيني يشكل آخر املعامل

املجهولة

يف الجزيرة العربية. ومن الذين شاركوا ويلفريد ثيسيجر

املجد يف عبور هذه املفازة املوحشة برترام توماس

،St. John Philby وجون فيلبي Bertram Thomas

وهؤالء ميثلون الجيل األخري من الرحالة الكالسيكني

الذين استكشفوا الجزيرة عىل ظهور اإلبل وبهم

طويت آخر صفحة من صفحات املغامرة

واالستكشاف يف جزيرة العرب.

وخالل فرتة خدمته يف الجيش الربيطاين

يف العراق واألردن اتصل الضابط الربيطاين

John Baggot Glubb جلوب باشا

بأبناء البادية وتعرف عىل حياتهم وكتب

عنهم عددا من الكتب واملقاالت.

ويقدم جلوب باشا يف كتاباته معلومات

قيمة عن حركة اإلخوان وزعامئهم وطرقهم

يف الغزو والغارات التي كانوا يشنونها عىل

مناطق الحدود العراقية. ومن الكتب

املهمة عن حركة اإلخوان وعن حياة

البدو عموما كتاب

The Arab of the Desert الذي كتبه

ديكسون H. R. P. Dickson والذي

أمىض سنني طويلة يف العراق والبحرين

والكويت

أدب البدو

ويليام بالغريف جلوب باشاديكسون

ليدي آن بلنت

Page 162: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 162

كاميرا

يصحم

ر نو

ر صو

املة

دس ع

Page 163: bayt_alshier_9

issue (9)- February - 2013 163

ن دي

الس

شمد

حم م

يةوف

حرن

مطع

مق

Page 164: bayt_alshier_9

بيت الشعر العدد )9( - شباط/فبراير/2013 164

2013

ير برا

/فط

شبا-

)9د )

عد ال

العدد )2( متوز - يوليو 2012

I S S U E N O ( 9 ) F E B 2 0 1 3

شهرية تصدر عن بيت الشعر يف أبوظبي

نادي تراث اإلمارات

امرؤ القيس..الطريد الهالك العدد )9( شباط - فرباير 2013

ابن الفارض الجمال المطلق

أنسي الحاجقراءة فلكية

حسن طلبلن يبقى شيء

من شعر الثورة

القصيدة واألغنيةتحوالت على هوى اللحن

خلود المعال تفاصيل بلون الثلج

مهرجان الشارقة للشعر العربي

من أعامل الفنان اإلمارايت عبدالقادر الريس

القصيدة العمودية المغربية قرن من التجديد

أحمد العسم..حال في الشعر النظم الشفوي للشعر النبطي