128

1594

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: 1594
Page 2: 1594

١

قصص قصرية

سناء صليحة

Page 3: 1594

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

Page 4: 1594

٢

٩ ................................ يوم أن طار الحمار -١ ١٥ .................................... أشجار الجميز -٢ ٢١ .................................. الست المستخبية -٣ ٢٧ ........................................... الهارب -٤ ٣٢ .......................................... اختالف -٥ ٣٤ .......................................... مغنواتي -٦ ٣٨ .......................................... الميراث -٧ ٤٢ ........................................... تغريبة-٨ ٤٦ ............................................ اختفاء -٩ ٥٠ ......................................... عصابة -١٠ ٥٥ .................................. أنفه بطل رغم -١١١٢-الم ٥٩ ...........................................ر م ٦١ ...................................... على السلم -١٣ ٦٧ ........................................ استراحة -١٤ ٧٢ .......................... مغلق حتى إشعار آخر -١٥ ٧٧ .................................... تحيا الستات -١٦

Page 5: 1594

٣

٨٠ ............................................. بتر -١٧ ٨٤ ...................................... عابر سبيل -١٨ ٩٣ ........................................ في الظل -١٩ ٩٧ ......................................... الخوف -٢٠ ١٠٤ ......................................... انتظار -٢١ ١٠٨ ........................................ غريبان -٢٢ ١١٣ .......................................... رنين -٢٣ ١١٥ .................................. السر األعظم -٢٤ ١١٨ ....................................م مؤقت سال-٢٥ ١٢١ ........................................... وجه -٢٦ ١٢٦ .......................... الخمس دقائق األخيرة -٢٧٢٨- ١٢٨ .............................. ا عالقة خاصة جد

Page 6: 1594

٤

في الصباح أدرك الجميـع .. تجمعت نذر العاصفة في الليل أحكمت النسـاء إغـالق .. ا آخر ا خماسين أنهم يواجهون يوم

.. النوافذ وقررن تأجيل عمليات الغسل والتنظيف ليوم آخـر سملون، عسى أن بانصرف الرجال ألعمالهم وهم يحوقلون وي

تضع العاصفة ذرة ملح في عينها وتتأخر لما بعد عودتهم من .. م في الذهاب أو العودة أعمالهم أو على أقل تقدير أال تفاجئه

بعد أخذ ورد وتمتمات غاضبة من الرجال، أفلحـت بعـض للتراب ولفحات الهواء في إبقاء أطفالهن بالمنزل تجنبا النسوة

.. الغير مأمونة وأمراض الربيع سطعت الشـمس مخيبـة لكـل في العاشرة صباحا

صـة الغسـيل مصمصت النسـاء شـفاهن، ففر . التوقعاتتـداخلت .. ة جويـة مكذوبـة بسبب نبوء والتنظيف ضاعت

أحاديث الرجل التي لم تخل من التذمر ولعن دلـع السـتات والعيال الذي ضيع يوم دراسي كامل رغم مارثون الـدروس

مـع ذلـك .. الخصوصية الذي يلتهم معظم المرتب الضئيل شعر الجميع في أعماقهم باالرتياح لتأكدهم أن تيارات الهواء

Page 7: 1594

٥

مألت عيونهم في الصباح لن يواجهوها وذرات التراب التي . في طريق العودة

ذيرات وتسللوا للخارج تـاركين تناسى األطفال التح هم كراسات وكتب مفتوحة أو مغلقة ونصائح األمهـات وراء

بضرورة االستفادة من اليوم في مراجعة الدروس أو عمـل . الواجبات المتأخرة

ية التي لم انشغلت النساء بدورهن في أعمالهن المنزل يقطعها سوى حديث عابر أو دردشة طويلة عبـر قضـبان

تراصت طوليا وعرضيا لتشكل مجلسـا نوافذ المطابخ التي .. اد طوال فترات غياب الرجالقعدائم االن

رغم أن بعض سمات الحضر لمست وجه المنطقـة التي اعتلت أراضيها الزراعية بين عشية وضـحاها مبـاني

نها وطرزها المعمارية، إال أن تراصها عشوائية تنافرت ألوا في خطوط طولية وعرضية شكل شـبكة منتظمـة أتاحـت للسكان نوعا من التواصل والحميمة أشبه بمـا يحـدث فـي

ازنزانات السجون، لينتقل الحوار ذهاببين أول وآخـر ا وإياب ا بكل النوافذشباك مرور ..

Page 8: 1594

٦

الواجهة، انعكست أشعة الشمس على شرقيفي ركن ماسورة ماء غطتها األتربة وقش تناثر من عش طائر اختار

سر؛حمصمصت إحداهن شفتاها في ت .. الحيأن يجاور نسوة .. فالشمس تؤكد أنه كان يوم الغسيل بال شك

انهمكت النساء في أحاديثهن الصباحية عبر النوافـذ .. بينما انشغلت أيديهن في أعمال أخرى

الهامسـة استغرقت نشـرة الصـباح واألحاديـث المسموعة وآخر الشائعات ومشاكل البيوت والرجال معظـم

..فترة االستعداد إلشعال المواقد تحت أواني الطهيفي حركة دؤوبة متتابعة الخطوات، حاولت السـت أمينة إشعال الموقد أسفل إناء الطهي، لكن رؤوس الكبريـت التي كانت سرعان ما تتطاير في أنحاء المطبخ شبه المظلـم

قالت .. و تنطفئ بمجرد اشتعالها جعلت المهمة شبه مستحيلة أمش .. الكبريت مضروب "في صوت مسموع وصل لجارتها

..".عارفة أولع عود واحدقبل أن ترد الجارة التي أفلحت في إشعال موقـدها، هبت نسمة هواء لها هسيس األفعى فأطفأت الموقد المواجـه

Page 9: 1594

٧

ها باتجاه بقعة الشـمس في حركة تلقائية رفعت عيني .. للنافذة . تالشت لتظهر الجدران الرمادية المشبعة بالرطوبةالتي

تـذكر الحـاج . انتهى الرجال من أداء صالة الظهر غرسها فـي بـرام قـديم أحضـره الريحان التي أمين نبتة تنتحـي التـي من المنزل ليضع بداخله الريحانـة خصيصا

الجنـة بعطـر الركن المقابل له على حافة النافـذة لتـذكره ره على ما يالقيه في الدنيا كلما ردد اللهم أخرجنا منها وتصب

أن ذكر أنه في انشـغاله فـي الصـباح نسـي ت.. على خير امتدت يده لكوب الماء على مكتبـه واتجـه نحـو .. يرويهامع آخر قطرة ماء في الكوب الحظ اهتزاز فـروع . النافذة

لق في السـماء حم.. لفحت يده نسمة ساخنة . الريحانة بعنف . بدأ لونها يتحول لألصفر تدريجياالتي

رغم أن مالمح المدنية الحديثة لمست معالم الجهـة فتحول اسم المقهى إلى نادي والبقال لسوبر ماركت وظهرت الفتات الفيديو والبلياردو واألتاري وغيرت بعض المحـالت

م إال أنشطتها ألنواع غير معلومة تجعلها خالية من الرواد الله في ساعات الليل األخيرة، لتصبح أشبه بمغارات األسـرار،

Page 10: 1594

٨

إال أن أطفال الجهة احتفظوا بألعابهم التقليدية الغيـر مكلفـة .. واكتفوا بممارسة ألعاب الحضارة في المناسبات واألعياد

تحلق الصبية حول كرة صنعوها من الجوارب وقطع ـ اق بجـدران القماش القديم، بينما اكتفـت الفتيـات بااللتص

منازلهن وتبادل الهمسات والتعليقات ومتابعة أدوار المـاتش . الذي تأكد منذ البداية أنه سينتهي بمشاجرة كالمعتاد

مع ذلك اكتفت بـأن تركـل .. تملك الحماس أحالم .. الكرة في كل مرة لتعيدها للخطـوط المرسـومة للملعـب

هـي ف.. زجروها أن تشاركهم اللعب من قبل، ولكنهم حاولت لم تـنج ... الصبية ألعابهم الخشنة بنت وال يصلح أن تشارك

جر األم، وال مصمصة الطبع من سخرية الرفيقات وال من ز ب .. نسوة الجيران وتعجبهم من عين وجباير الحالمة الصغيرة

تعلقت عيون الجميع .. اشتد الحماس .. تعالى الصياح ـ ين بالمستديرة التي غطتها األتربـة وكـادت أن تختفـي ب

.. ضي يومها كله متفرجـة هي لن تق .. نفذ صبرها .. ألقداماـ ه، رتسللت إلى ركن الدار حيث قبع الحمار مبروك مثل غي

تحركـت .. ت على عنقه ربت.. دارت حوله .. للعاصفة اتحسبابتسـمت فـي .. لدهشتها، تبعها .. نحو السلم ممسكة بالحبل

Page 11: 1594

٩

مـانع أن يبدو أن الملل تملك صاحبها هو اآلخر فلم ي .. خبثستفاجئ الجميع عندما يرونها وهـي تتطلـع .. يرتقي السلم

تركبه لعلها أيضا .. الدار ومعها مبروك إليهم من فوق سطح .. ثم تلوح لهم

بعد عناء، استطاع مبروك أن يصل آلخر درجـات هللـت .. امتطته وتحركت نحو السور .. دلفا للسطح .. السلم .. انظروا.. قائلة

تتـابع .. انزوت الكرة في ركن بعيد .. توقفت األقدام صعود وهبوط الصدور بينما تعلقت العيـون بـأحالم التـي شعرت بهبة هواء ساخنة تدفعها وتكاد تطوح بها من فـوق

. مبروك.. تحولت السماء للون داكن أشبه باإلظالم المفـاجئ

هبت رياح دفعت الجميع للهـروب وراء األبـواب ملبـين .صرخات النسوة الملتاعات

حاولت الصغيرة أن تجذب مبروك للوراء لالحتمـاء خلف الباب لكن الرياح كانت أسرع منها فطوحت بهما فـي

.. الفضاء

Page 12: 1594

١٠

تراصوا في نقاط متقاربة حول محور دائـرة غيـر أحاديث جانبية تعلو وتخفت طبقا انشغل البعض في . مكتملة

راك اآلخـرين لحساسية الموضوع أو رغبة المتحدثة في إش معها أو التمتع بالفضفضة السرية، بينمـا فضـل الـبعض مالحقة الصور المتتابعة على شاشة التليفزيون والصور التي تفر مع حركة األصابع وهي تقلب صفحات مجالت امـتألت

لم يكن ليقطع هـذه المنظومـة المسـتمرة .. بغصون البان طرف لساعات سوى دخول وجه جديد يبحلق فيه الجميع من

خفي أو صوت المساعد وهو يعلن نمرة سعيدة الحـظ التـي لية ها بقعة خا تهب وتختفي في الردهة مخلفة وراء سرعان ما

ا حولها مكونين غابـة مـن على محور الدائرة التي اصطفو .. أشجار جميز المست هامتها حوائط العيادة

في لحظة ملل ورغبة في العثـور علـى أي جديـد .. ملةالمفقود انضمت للحلقة الغير مكت ها يشغلها ويعيد حماس

في طريقها إلـى مركـز التجميـل الشـهير تصـورت أن

Page 13: 1594

١١

الكيلوجرامات الزائدة التي سيخلصها منها يمكن أن تأخذ في .. طريقها طبقات الحزن واإلحباط التي تراكمت بفعل السنين

في أن يصـحح مسـار من يدري قد يفلح النيولوك يجعلها تنغمس في أحد أشكالها الذي أقل تقدير حياتها أو على

دوامة المسئوليات واحتياجـات .. لم تعرفه أو تعايشه من قبل األبناء والزوج والتقتير على النفس للوفاء بمتطلبات البيـت حرمها متعة التواجد في مجتمع نسائي عند الحائك أو مصفف

تسربت أيامها من بين أصابعها وأفاقت على إحساس .. الشعردورها انتهى بعد أن أصبح لكل واحد مـن . الوحدةممض ب

الـزوج الصغار عالمه الخاص المنفصل عنهـا واسـتمراء بدعوى تأمين مسـتقبل األبنـاء للغربة ولحياة صنعها بعيدا

.. وتحقيق االستقرار المادي لألسرةتعلقت عيون الجميع بصورة الحسناء الصغيرة التي

أن الجميـع فـي هـذه من المؤكد .. مألت الشاشة الصغيرة بعـد جلسـات .. ى لهاللحظة يراودهم نفس الحلم الذي تراء ا

التخلص من .. ل منها قبل سنوات كانت أجم .. قليلة ستنافسها ا ما أفسده بعض أقنعة الوجه كفيالن بأن يصلح و الوزن الزائد

. الدهر

Page 14: 1594

١٢

مؤكدة أنهـا فـي كـل مالت جارتها على صاحبتها ص من الكيلو جرامـات للمركز للتخل صيف تضطر للمجيء

ي يعمل التي تكتسبها طوال شهور الشتاء في البلد العربي الذ طوال اليـوم سـوى األكـل به زوجها ألنها ال تفعل شيء

مصمصت الصاحبة شفتيها مؤكـدة أن .. ومشاهدة التليفزيون النزهة الوحيدة المتاحة هناك هي عزائم الطعام لدى زمـالء

.. العمل أو في المطاعم في طرف ثوبها وشدته ليغطى طرف حذائها حملقت

احتفظت بعادتها القديمـة أيـام .. الذي لم تغيره منذ سنوات .. الضنك قبل أن يمن عليهم اهللا بإعارة الـزوج المسـتمرة

وضعت القرش على القرش باعتباره أمانة للزوج واألبنـاء ولمستقبل األسرة واكتفت بإصالح وتجديد مالبسها القديمـة

همست لها صديقة بعـد . حالمها ألجل غير مسمى وتأجيل أ بنفسـها جلسة فضفضة أنه قد آن األوان لتحل كيسها وتهتم

زيارتـه .. القـرش فـي يـده لتحتفظ بزوجها بعد أن جري لم يفكر أن يصطحبها معه في .. األخيرة كانت كفيلة بإقناعها

.. أي زيارة

Page 15: 1594

١٣

عالمات النعمة بدت عليه واختصرت مـن عمـره ألتفـه لك ظل طوال الزيـارة متباعـدا ثـائرا ذسنوات مع .. مع النيولوك ستستعيده من جديد.. األسباب

ـ عنـدما تع تحولت لكتلة منتبهة من األعصاب، ى لجالستين بالقرب منها ليصبح حـوارا الهمس بين السيدتين ال

لن تكرر غلطة ضـرتها التـي .. بين سيدات القاعة مفتوحا مطمئنة ألنـه يعـيش فـي دايتركت زوجها في الغربة وح

مجتمع مغلق أو معولة على عهود ومواثيق وأيـام عشـرة اقتنصته أو اقتنصها فـي الغربـة بعـد أن .. ومستقبل أوالد

أصبحت أم العيال ذكرى يضطر الستعادتها فـي إجازاتـه ..القصيرة

راودها شك أنها هي .. الهةحملقت في المتحدثة في ب أوشك لسـانها أن .. مة المقصودة صاحبة الذكرى القدي تحديدا

يفلت متسائال عن اسم الزوج المشترك لكن شجاعتها خانتهـا ..في اللحظة األخيرة

من طرف خفي حملقت فـي ضـرتها المزعومـة عباءتها المطرزة لم تخفي .. قليلة تصغرها بأعوام .. ووزنتها

بدايات استدارات غير مطلوبة جاءت للتخلص منها، وتشـي

Page 16: 1594

١٤

التي سرقت سنوات شبابها وكادت أن تحولهـا باسم المنطقة .. لعانس قبل أن يسعدها الحظ بلقاء رفيق الغربة

اختفى عامل مكتب االستقبال وراء ظل شجرة جميز حملقـت فـي زمـيالت .. جديدة استغرقت في كتابة بياناتها

.. الجميع أشجار جميز مكتملة أو في طور التحـول .. الحلقة لم ائية مختلفة ورددته لكنها أبدا سقرأت التعبير في مجالت ن

.. تقرنه بالثمرة التي كانت تمأل شوارع القاهرة في زمن بعيد قصر الخيال فلم يتبين التناقض بين المستديرة المدببة الحلوة المذاق وظلها الوارف الممتد وبين التشبيه السخيف، الساخر

في زمن بعيد تمأل التجويـف القرمـزي .. منها ومن أمثالها الغامق بالماء، سعيدة بالكوب الطبيعي الذي كونته الطبيعـة،

شعرت بالمذاق السكري الذي .. قبل أن تلقي الثمرة في فمها جابت أسواق القاهرة بحثا .. ي فمها حرمت منه منذ سنوات ف

ست أوصت الغادين مـن أقـاليم مصـر أن عنها وعندما يئ ـ يحضروا لها ولو كيلو واحد، لكن الجميـع عـادوا ي بخف

.. ع الجاف لطعام للنيـران اختفت الثمرة وتحول الجذ .. حنينلم تصمد الجميزة الوارفة وال الثمرة بحلوها الربـاني أمـام الصوبات وعمليات التهجـين والتلقـيح الصـناعي وغـزو

Page 17: 1594

١٥

أرضـنا هجرت الجميزة الحقيقيـة .. الهرمونات والمبيدات متسربلة جميز وحيدة خاوية، تاركة لنا فرصة التحول لجذوع

قوام غصن البان واسـتعادة ذهبية وحلم ب بأقمشة ملونة وحلي . بال عودةشباب ولى

. شعرت وكأن جدران المكان تطبق علـى أنفاسـها أيقظتها من تأمالتها لكزة من مرفق جارتها نبهتهـا إلـى أن

ترددت في .. المساعد قد كرر رقمها في الدخول عدة مرات ى زميالت السباق وضـرتها ألقت نظرة أخيرة عل .. النهوض

المزعومة ثم مضـت صـوب الردهـة المؤديـة لحجـرة .. االستشاري

Page 18: 1594

١٦

ل حبات عرق متأهبـة ألن تنسـا تألألت على جبينه بغبار جيـر، لـم تفلـح لترسم على الوجه األسمر، المغطى

لتهـا، خريطـة ازتي طشها عليه بسرعة فى إ لدفقات الماء ا ة جعلته يبدو أشبه بأحد األقنعة اإلفريقية لمجاري مائية طولي

. القديمةكان مثل غيره من ماليين العمال الـذين يقطعـون

بل ربما كان نموذجا .. ت النهار شوارع القاهرة في كل ساعا لطائفة من العمال لم تفلح في أن تنسـلخ عـن حقيقتهـا حيا

ط بارتداء الجينز والقمصان الملونة المفتوحة الصدر أو تليـي حاولـة فاشـلة لفـرده الشعر الخشن بطبقات البرينتين في م

مضـحكة مدببةا ما تسفر عن خصالت ، غالب وإكسابه بريقا . أشبه بظهر قنفذ يبرز أشواكه في لحظة خوف

مالبسه المتواضعة الملطخة بالغبار األبيض والجيـر تعلن مهنته، بل وتحكي أدق تفاصيل حياته اليومية وتؤكد أن

ال أن يكون عبد اهللا أو عبد الرحمن أو عبـد ن إ يمك اسمه ال رغم ذلك كان مـن .. بكلمة مصري ينتهيالكريم أو أي اسم

Page 19: 1594

١٧

دون أن المستحيل أن تتساقط نظرات العابرين مـن حولـه وجهه األسـمر رغـم الخطـوط ابتسامته وانبساط . تلطخه

الرفيعة التي بدأت تغزوه لم تكن لتمـر مـرور العـابرين، ها كانت تستفز الكثيرين ممن هجـرتهم ابتسـامة والغريب أن

).. ال أحد يدري(وسماحة الوجه أو هجروها هم ..!!رايق أوى ياخى* .. معندوش دم.. الظاهر بلط* .. أكيد مسطول، مش داري* .. أو.. أو*

مع ذلك ظلت االبتسامة والبشاشة تزينـان وجهـا ال هها منذ ظهـور يعلم سوى اهللا كم المصاعب التي كان يواج

الخيط األبيض حتى اللحظة التي يتوسد فيها بقايا وسادة فـي .. آخر الليل

حث الخطى نحو محطة األتوبيس بعد أن ألقى نظره ته قرصـة عادو.. عابرة على عقارب ساعة الميدان الكبيرة

على موعد العشـاء والميزانيـة مازال الوقت مبكرا .. جوع عن حرمه المصون وزربة االرمرمة بعيد محدودة ال تتحمل

العيال الذين أتت بهم الواحد تلو اآلخر لتسلية وحدتها وقص

Page 20: 1594

١٨

منذ أن رضـخ إلرادتهـا ودمـوع العيـال وجـاء .. ريشهبالتليفزيون بالتقسيط، توقفت عن اإلنجاب وأصـبحت تحلـم بعالم آخر ال يوقظها منه سوى جيبه الخاوي أو مرآة تفاجئها

عندئذ تبدأ المعركـة .. فسده الدهر بأن العطار ال يصلح ما أ معه أو مع من يوقعه سوء حظه في طريقها، فإن لم تجد فال

ون إحباطاتها على نفسـها بأس أن تصب جام غضبها ومخز ، رافضة أن تعلن الهدنة إال مع بداية مسلسل أو هي شخصيا

.. فيلم أو فيديو كليب راقصا ر م قبل أن يعبر الطريق ألقى بنظرة أخيرة على آخ

شـجيرات الياسـمين األبـيض .. من بيوت الحي القديم بقيبرائحتها النفاذة كانت تظلل السـور الـذي أحـاط بالبنايـة

بعـد وفـاة ربـة البيـت .. منذ أيام سرى الخبر . الصغيرةرغم . سيعرضه األبناء للبيع لالستفادة بثمن األرض المرتفع

يـر فـي ناقة لـه وال بع ا ال منطقية الفكرة وأنه هو شخصي أن يصارح خشي وحسرة، الموضوع، شعر بغصة في حلقه

تجمد أمام أنقاض السـور .. من زمالئه أو أهل بيته أيبها التي اختلطت بأعواد الياسمين وحبـات تبـين فيهـا النبتـة

لم يذقه منذ .. استخفته فرحة طفولية !!" شحرا نك .. "الصفراء

Page 21: 1594

١٩

كان عندما .. الشجرة التي كانت يلهو حولها في صباه اجتذت علـى ي صناديق أمام الفاكهي أو منثـورا ف يراه مرصوصا

الحـرانكش .. "عربات الباعة الجائلين كان يضرب كفا بكف !!". جنيه يا عالم٢بـ

كـيس التقط حبات الحرانكش بسرعة ووضعها في ال في جيبه لزوم قضـاء طلبـات البالستيكي الذي يحمله دائما

.. تقط بعض أعواد الياسـمين حرمه المصون، ولم ينس أن يل من يدري قد يفلح في زراعتها في أصيص في شـرفة بيتـه

.. القديم في طريقه إلى محطة األتوبيس بـدا أكثـر انتشـاء

ـ وازدادت مساحة اال ة بتسامة على وجهه وهو يقترب من دك . خشبية ما تزال أشعة شمس الرابعة صيفا تلهبها

يده ليلمس امتدت.. جلس على حافة المقعد في حذر سـيقيم وليمـة مـن .. كنزه المصون في الكيس البالستيكي

ليلـة .. الذكريات عندما يتناوله مع حرمه المصون والعيـال تبقـى .. جبنـة قديمـة حتة.. بليالي مرزوق اإلسكافي أشبه

كـاد .. حبة فول حراتى تبقى األكلة ذواتي .. العشوة عظيمة ا ئي الذي كان دائم أن يقهقه وهو يتذكر كلمات البرنامج الغنا

Page 22: 1594

٢٠

يتردد صداه في الحارة القديمة في ساعات الظهيرة وكأنمـا لبعيد المفوض الرسمي إلسباغ كانت اإلذاعة في ذلك الزمان ا

. على حياة أهل الحي الفقير وموائدهمالرضااحتلت الطرف اآلخر من المقعد وقد غطاها شادورها

كيس وترقبـه رغم انشغاله بحركة أصابعه داخل ال .. األسودلزميل رحلة الطريق للمنزل، إال أنه شعر أن الكيان األسـود الموازي له يصليه بنظرات غاضبة لم يدرك لها سببا، لكنها

مـا يـا !!" "حرانكش.. "كانت كفيلة بأن تعيده ألرض الواقع وبالطبع لن يكون رد فعل العيال بأفضل " جاب الغراب ألمه

ي حلمها العبثي تغرقت ف منذ اس .. من رد فعل حرمه المصون ـ هجرها الرضا رامة وقسـوة واالبتسام واكتسبت عينيها ص

.. الشادورذكرته بهما نظرة صاحبةغابت االبتسامة عن شفتيه للحظة، لكن سرعان مـا تورد الوجه األسمر وانفرجت أساريره عن ابتسامه مرحبـة

جاه لألمام بات ط حفنة من الكيس ليمد كفا مبسوطا أكدها بالتقا صاحبه الشادور وصاحبه الذي كان يحث الخطى من ورائها

. ليصل لحظة وصول الحافلة

Page 23: 1594

٢١

ترددت صاحبة الشادور في التحرك نحـو الحافلـة، لكنها ما لبثت أن أسرعت بالركوب على السلم وهي توجـه نظرات نارية للرجلين وبضع كلمات وشت بها حركة البرقع

. المنسدل على وجههااهية الكلمات التي بصقتها مـن وراء ال يدري أحد م

لكن المؤكـد .. برقعها وإن كان يمكن تخمين أسباب غضبتها ان انطلقا ويـد أن الحافلة مضت دون المصري وصاحبه اللذ

هما مبسوطة واآلخر يلتقط منها حبات صفراء وهو يقول أحد !". لقيتها فين يا جدع؟!! الست المستخبية.. معقول"ضاحكا

* * * * الست "حرانكش نبات يطلق عليه أهل المحروسة ال* ".المستخبية

Page 24: 1594

٢٢

لم تفلح النسمات الشتوية الباردة وال أشعة الشـمس الدافئة التي انعكست على واجهة المباني وامتـدت لتفـرش

تقنعه أن يتمدد في هـدوء أسفلت الطريق ولتلمس وجهه بأن ـ .. مسترخيا اه صـورا ظل يدور حول نفسـه لتلـتقط عين

تشـابك األقـدام والعجـالت .. فوتوغرافية متتابعة للمكـان المسرعة واألتربة التي تزكم أنفه لم تتح له قط الفرصة ألن

..يرنو بعينيه ألبعد من عدة سنتيمترات فوق سطح األسفلت.. من سطحه المرتفع طاول قامات البشر ألول مـرة

.. يقول انظروا ا وكأنه مد عنقه متباهي .. للوهلة األولى انتشى هل فقـد اإلنسـان .. لدهشته لم يبادله أحد النظر .. ها أنا ذا ، أم أنه لطـول !قدرته على التعجب واالندهاش؟ !.. فضوله؟

ما اعتاد الحملقة في األرض لم يعد عنقـه يطاوعـه ليأخـذ ..موضعه الطبيعي

حا لفسه ونباحه بين الحين واآلخر لم ي دوراته حول نف أي من المارة المسرعين في طريقهم فـي في اجتذاب انتباه

بدا الجميع رغم الخطوات المتثاقلـة التـي .. الصباح الباكر

Page 25: 1594

٢٣

ـ تنتقل بحذر فوق نتوءا ا ت وندوب الشارع، التي تتكاثر يوملون لالنتهاء من عبء مهمـة مـا أو وبعد يوم، وكأنهم يهر

.. قها بمجرد أن يدلفوا منهـا ليختفوا وراء أبواب يحكمون غل عالمات اإلرهاق الواضحة التي ارتسمت على وجوه حلفلم ت

الجديـد ك الصباح في أن تخمد نشوته بموقعـه المارة في ذل .. المرتفع، وإن أفلحت في أن تشغله عن االستمرار في النباح

التي أحاط لعله أدرك أن نباحه لن يخترق الجدران المصمتة .. كل واحد منهم بها نفسه ليخلق نطاق أمن مزعوم

يدور وينتقل من جانب آلخر في صندوق العربة ظل أتاحت له إشارة المرور الطويلة الفرصة ليرقـب .. المفتوح

طابور طويل من السيارات المتراصـة .. كل شيء عن كثب في منظومة عشوائية تقاطعت وتالشت فيها الحـدود لتأخـذ

ا مجنونا تتناثر فيه بقع لونية متنافرة تتألق تحت شكال سيرياليتعلقت عينيه بالبقعة الزرقاء الصـافية التـي .. عة الشمس أش

في زمن ما، لم يبق منه سوى .. من الذاكرة ىكادت أن تتالش إحساس غامض بدفء فراء التحم بجسده الصغير ومذاق حلو يتسرب في الحلق وقدمان واهنتان تحمالنه بصـعوبة، كـان

ـ صحوهيسترخي لتباغته في لحظات اء القليلة المساحة الزرق

Page 26: 1594

٢٤

تمنحـه األولى .. بدرجاتها اللونية ودائرتيها الذهبية والفضية تطلع إليهـا ليرنـو للـون األزرق دفئا وتحرق عينيه إذا ما

والثانية تراوغه وترحل في السماء الداكنة لتظهر في كل يوم عن منذ ذلك الزمن البعيد غاب .. طوالبحال أو لتختفي أياما

.عالمها عـن الفـراء ل، بعيد ذات صباح حمله سطح مماث

في ذلك اليوم لم تبحر عيناه ولم .. الناعم والسماء التي عرفها تتقافز خطواته إال باتجاه حافة واحدة من المركبة، كانت هي الخط الفاصل بينه وبين عويل ونظرات غاضـبة محسـورة

و وراء الشـاحنة التـي لصاحبة الفراء الناعم التي ظلت تعد في المتجر الراقي لم تستطع عيناه قط أن .. عنها حملته بعيدا

تمتد ألبعد من تلك الحلقات التي تضاء في أوقات معينة، ثـم ال تلبث أن تختفي مع صرير إغالق البوابة الحديدية عقـب

. خروج آخر زبون كالكس غاضب تلته متتابعة مـن سـيمفونية صوت

حملق في الوجه . نشاز نافذة الصبر أعاداه من رحلته البعيدة العابس وراء زجاج السيارة التي كـادت أن تالمـس حافـة

.. في سيارة أخرى ماتت أصابع امرأة على البوق .. صندوقه

Page 27: 1594

٢٥

م تنقطع الكالكسات اجتاحتـه نوبـة ل.. انتابه إحساس بالثقل امتزجت أصـوات أبـواق السـيارات .. بدأ النباح .. غضب

.. بالنباح وبتعليقات المارة والركاب . .ما تياهللا بقى* . واال طابور جمعيةديإشارة * . هو هو هو* . نقصاك أنت كمانهي.. اتكتم بقى* . حتى الكلب بيحتج* كـل مكن إشارة تستمر في البالد المتقدمة مش م *

. الوقت ده .. الفوضى هي السبب*

للمركبات التـي نظر عسكري المرور للوراء وأشار ع يديـه فـي إشـارة تراصت كقطع األلغاز المتنافرة، ثم رف

خيم الوجوم على قائدي السيارات فرفعوا أيديهم عن .. يائسة لكن صاحبنا ظل ينبح ويتحرك يمينا ويسارا األبواق يائسين،

حول العقدة التي امتدت لتصل بين طوق في عنقه وقضـيب . خالتفت السائق نحوه وصر.. المركبةحديدي في

Page 28: 1594

٢٦

توصـيلة كانت.. نقصاك يا كلب يابن الكلب هي* . سودة

تبادل السائق مع رجل بجانبه بضع كلمات بعدها قفز الرجل إلى صندوق السيارة يستوثق من أحكام العقدة حـول

تحركت السـيارة .. الطوق المثبت حول عنق الحمولة الثمينة وفي لحظة قفز الكلب لنهر الطريق واختفـى بـين المـارة لتالحقه ضحكات وصـرخات امتزجـت بصـراخ السـائق

. والتباع .. ارجع يا كلب يابن الكلب

Page 29: 1594

٢٧

ابتسـم .. قفزت حتى كادت أن تلمس سقف الغرفـة ضحكت األم وهى تقول لصاحبتها التي لم تفلح في .. الصغير

".الزم تلمس كل حاجة.. ملعونة"أن تخفي دهشتها نظرت في شموخ واشرأبت رأسها وتهادت خارجـة

.. يقمن الباب دونما انتظار للتصفشيء مـا فـي .. لكنه لم يقتلها .. الفضول قتل القطة

أدركـت .. نفسها يدفعها للمس كل األشياء واكتشاف ماهيتها .. مـن تميزهـا اأصبح جزء .. أحبته.. منذ البداية اختالفها

.. ليست كسائر بني جنسهاامـتألت عينيهـا .. حومت حول رأسـها .. ناوشتها

.. هبت مـن رقـدتها .. ابألوان الطيف المتداخلة في جناحيه .. ناورتها.. هاقفزت وراء .. حلقت الملعونة ألعلى ..تابعتها

أدركت .. حومت في دوائر متصلة في اتجاه النافذة .. لم تيأس مضت لتلحق .. طارت نحو السماء .. أنها باتت قريبة المنال

.. بها

Page 30: 1594

٢٨

تعجبت األم من .. غطتها األربطة والجبائر .. لم تمت لم يـنس .. غير قطته ومسح على رأسها بكى الص .. حماقتها

مع إزالة آخر جبيرة أن يوصيها بالتزام العقـل والتصـرف . مثل باقي أفراد جنسها

.. ة وظلت تحملق في النافـذة غرفانزوت في ركن بال تداخلت ألوان الطيف على جناح الفراشة الهاربة مع زرقـة

..في خطوات متئدة اتجهت صوبها.. السماءيـة كان الغرفـة والطـائرة الورق مسحت عينيها أر

.. ثم قفزت.. لصيفالمصلوبة على الجدران انتظارا

Page 31: 1594

٢٩

عـن على غير العادة استيقظ منتشيا ولم يتلكأ بحثـا يجارة االصطباحة التي أصبحت عود ثقاب أخير ليشعل به س

شـيء يسـد أياعتاد الضنك وابتالع .. طقسا يوميا مقدسا يتحسب أليام الفلس الحقيقي عندما تضـطره ، لكنه كان رمقه

معهـا .. الظروف للتنازل عن سيجارة الصـباح السـاحرة .. تكتسب األيام السوداء لون بمبي على رأى سـعاد حسـني

تتالشى حشرجة صوته وانكسـاراته وتقطـع أنفاسـه فـي تحت تأثير .. زمان ولعلعةاللزمات التي تتطلب نقاء الصوت

ندنة الخافتة إلى موال ممتد متواصل دخان الساحرة تتحول الد يؤنس وحشة النهار الطويل الذي يسلبه هويته ومكانته التـي

ـ .. اكتسبها على مدى نصف قرن اد أن يقضـي شـئونه اعتمـع .. للحالة الجويـة ا بجلباب يتغير ثقله طبق اليومية مكتفيا

اء، يخرج من أسفل حاشية الفراش سروال الحلـة سحلول الم بفعل الزمن من اللون األسود إلى لون رصاصي التي تحولت

مجرب، ثم ينزع أوراق الصحيفة التي تحولت للون أصـفر، عن الجاكت والقميص اللذان بدأت عوامـل الـزمن والكـي

Page 32: 1594

٣٠

مع اللمسات األخيرة المكملـة لقطعـة .. تظهر على حوافهما األناقة تنساب همهمـات يطغـي عليهـا صـخب أجهـزة

.. البداية كـان يشـعر بالغضـب في.. تليفزيونات الجيران مع الوقت لم .. يصرخ اسمعوا يا غجر الفن اللي على أصله

ن يبدأ الدندنة حتى ما إ . األصوات تخترق عالمه السحري تعد تتالشى جدران الغرفة الحقيرة واألثـاث البـالي والوحـدة

ة يجلجل الصوت ويتجـاوب السـميع .. روخوالصوت المش أصـحاب المعـالي عـن وتتمايل ربات الخدور ويتخلـى

والنبـي .. اهللا يا سـي عبـده "الجميع يصرخون .. وقارهم ..".كمان

لم تستطع معالم الطريق التي تغيرت بفعل الزمن وال اختفاء قضبان الترام شبه الخالي من الركاب فـي سـاعات الليل األولى والذي كان تباطؤه يتناسب مع حالـة السـلطنة

يرتدي األسـموكنج، وتصـل والنشوة التي تتملكه بمجرد أن لذروتها عندما يلتقط العود، وال شكوى رفاق المقهى عنـدما

صوته في أوقات غير مناسبة على اإلطـالق، عويلعليتجلى .. أن تعود به ألرض واقع تالشت فيه مالمح عالمه القديم

Page 33: 1594

٣١

عبثي أشبه بفصل من فصـول ذات ليلة وفى مشهد التـي تحولـت وزو بـدأت الهمسـات فيلم خلي بالك من ز

ة فأدرك أن عالمـه لطمته الحقيق .. كات وسخرية ماجنة لضحمنذ تلك الليلة اكتفى بحلمه الخاص ودندنته التـي ال .. انتهى

. يسمعها غيرهسيصول ويجـول ويعيـد .. لكن اليوم األمر مختلف

فـي فنـون لقن أرباب األغنية الهبابية درسا أمجاد زمان وي لـى حـد مـا وأنفاسـه صوته مشروخ إ .. الطرب األصيل

وقطع سـكر النبـات اليانسونمتقطعة، لكن ال بأس، أكواب وتدريبات النفس طوال النهار كفيلة بأن تصـلح مـا أفسـده

شخص ما من التليفزيون أكد لهم أن المذيعة الحسناء .. الدهر أتون اليوم للمقهى لالسـتماع للطـرب وعدد من النجوم سي

سـيؤدي .. تلسـنوا فرصته وإن جاءت متأخرة .. األصيل الغـرام وتواشيح دينية وطقطوقة الشك يحيي يموشح أندلس

وال بأس من المرور العابر على أجيال الملحنين والمطربين .. األحوالأيالجدد فهم ضيوفه على

ـ أزاح قدح اليانسون جانبا ا لمصـافحة ووقف تأهباكتفوا بشعلقة أذرعهم في الهواء وإرسال .. المذيعة وضيوفها

Page 34: 1594

٣٢

سرعان ما يعـود الهـدوء .. بأسال.. الت فقدت بوصلتها قبهـدوء يـا .. ض المولد فيصول ويجول ويفرد عضالته وينف

المطربة .. نا ذكرياتها حاتحكي ل .. المطربة الواعدة .. جماعةوحضرتك رأيك إيـه فـي .. تغنى أحدث أغنيتها الشابة حا

ال بأس من بقـين حلـوين .. جاءته الفرصة .. المطرب فالن ونصـف بعـدها طـار كلمـة .. ا يطلق العنان لصوته بعده

وأعلنت المطربة الحسناء أنها ستغني بشرط الميكرفون بعيدا بصعوبة اسـتطاع أن يختـرق .. انسحب.. أن يردوا عليها

لم تستطع الضوضاء أن تفسد هدأة ..الزحام هو وعوده القديم في الليل لمـا "ة مقهورة تدندن ليل تجاوبت فيه صدى حشرج

..".يخل

Page 35: 1594

٣٣

صف النظـارات والجـوارب . فرد الطاولة الخشبية تخلص الجوال من انبعاجاته وإن ظل فـي . وأغطية الرأس

امتدت يده لتخرج الثقـل .. زفر في أسى .. العمق، ثقل أكبر على جريدة حال لونها تناثرت األغلفة والعناوين . من الجوال

زمن والشيل والحط لبضاعة ال وأوراق فقدت أغلفتها بفعل ال .. تباع وال تشترى

أكـف .. مع انتصاف النهار بدت الطاولة شبه خاوية لم يكن في . اختلفت درجة سمرتها وخشونتها التقطت معظمها

حاجة ألن ينهك حنجرته في جدال حول الثمن، فالجميع رغم اتفقـوا " شوف.. بص"مهرجان األصوات المرتفعة ونداءات

موحد كي ال يبخسـوا البضـاعة قيمتهـا وكـي على سعر .. يحتفظوا بربحهم المضمون منها

تراخى في جلسته على الرصيف وهو يرتشف كوب فـي تأملـه . كافأ نفسه به بعد انتهاء الفترة الصـباحية شاي

للطريق المزدحم ارتطمت عينيه ببضاعته البائرة القابعة على ه، فهي كل ما مفروضة علي .. حملق فيها في غيظ . الرصيف

Page 36: 1594

٣٤

لم يدرك حجم المقلب إال عنـدما .. خلفه له الحاج عند رحيله لم يتحدث الحاج قط عن المتغيرات التي لحقت . خرج للسوق

ظل آلخر يوم في عمره يتنـدر بصـوالته .. بسوق تجارته وجوالته وكيف استطاع أن يقتنص مجلدا قديما مـن عـرين

ز التي يقتنيهـا األسد وكيف يحسده زمالء المهنة على الكنو . ويعرف المشترون أنهم لن يجدوها عند أحد غيره

بعد معاناة وفلس طويل اقترح عليه أحد األصدقاء أن قليل مـن .. يغير تجارته، فالزمن لم يعد زمن الكتب والدرر

غطاء رأس ونظـارة كفيلـة بـأن الشرائط المضروبة وكام ـ .. تجعل القشية معدن ديم بـدأ لم يتردد، وبسوار الحاجة الق

. تجارتهرغم تحسن األحوال وإدراكه أن الثقل الذي يحملـه في جواله في كل صباح، بضاعة كاسـدة، ورغـم غيظـه المزمن، لم يستطع قط أال يضعه في الجوال أو أن يتناسـاه

رى الحـاج أو ربما كان السبب الوفاء لذك .. في أحد األركان تجـارة رأس المال الحـالي أنهـا تأكيدات الحاجة صاحبة

مع ذلك لم يفلح قط أن يكظـم .. محترمة رأت معها أيام العز غيظه الذي تعاظم عندما حاول أن يتصفح بعضها منها عسى

Page 37: 1594

٣٥

أن يعثر على مفتاح كنز الحاج وسبب سعده الذي تحول على يديه لسبب إلفالسه، لكن الملل سرعان ما كان يتسرب إليـه

، أو مرحة في كل مرة، فيأخذه صخب نغمات وكلمات نائحة ـ تات المتنـاثرة حـول دونما سبب واضح، تنبعث من الكاس

. طاوالت البضائع وتأهب للوقـوف الشايارتشف آخر قطرة في كوب

لبدء الوصلة الثانية من ندائه على البضاعة المتبقيـة، لكنـه العنـاوين عندما غمره ظل رجل انحنى متفحصا تكاسل قليال

من المؤكد أنه .. ل بتكاسل رد على الرج . على األرض الملقاة ال الجميع يقفون، لكن أحدا .. لحافلةيمضي وقته قبل وصول ا

يشتري وكأنهم يضنون بقروشهم القليلة أن تضيع فـي رزم . امتدت يد الرجل وانتقلت من كتاب آلخـر . األوراق القديمة

في نبرته ومالمح وجهه ما يشـي بأنـه .. سأل عن األسعار لحظة واحدة تملكته روح الحاج وود لو في . الزبون المنتظر

.. استطاع أن يطوي الطاولة بما عليها ليخفيها عن األنظارمة يدرك قيمة ما لديه تحول لتاجر عال .. بدأ الفصال

.. ويرفض أن يبخس ثمنه

Page 38: 1594

٣٦

بحمله الذي لم يترك في جيبـه مضى الزبون سعيدا .. سوى تذكرة أتوبيس األقاليم الذي الح من بعيد

بة رياح مفاجئة طارت ورقة الجرائد القديمـة في ه ـ .. محلقة فوق الرؤوس ه أول تتبعها بعينه وهو يدس في جيب

ل ترى من أين كان يأتي الحاج وآخر عائد من ميراثه ويتساء !بكنوزه؟

Page 39: 1594

٣٧

التقطه ووضـعه .. أطلق زفرة حارة، توهج الحجر الموائد تحرك في الفراغ الضيق بين .. على الفوهة الفخارية

امـتأل الفضـاء .. في حركة أتوماتيكيـة ووزع األحجـار المنبعثة من النراجيل وسـحابات دخـان ةالكركربسيمفونية

تقاطعت لتتكاثف في مناطق وتشف في أخـرى وصـوت أم .. ما بأيدينا خلقنا تعساء .. يا حبيبي كل شيء بقضاء .. كلثوم

البـرد استنام رواد المقهى لتأثير الكلمات والـدخان بفعـل في هذه اللحظة تحديدا من كل ليلـة .. مل الشاق وإرهاق الع

في التراشقات الكالمية والمناقشات السياسية التـي تبـدأ تختعادة في أول الليل بتعليق من أحد رواد المقهى على خبر في الصحيفة أو تقرير تليفزيوني عن منطقة ما في وطن بعيد لم

لم قـد يتحقـق أو ال يبق منه سوى اسم وذكريات بعيدة وح .. يتحقق بإجازة وحيدة أو عودة قبل نهاية الرحلة

األفضل هيكانت هذه الساعة األخيرة قبل اإلغالق هـب فجـأة يتالشـى الترقـب والتـوتر والتأ .. بالنسبة له فجر وتتكاثر فـي شـبكة كل المشاعر التي تت .. لالنقضاض

Page 40: 1594

٣٨

لساعة، في هذه ا .. سرطانية في ليالي شتاء الغربة أخطبوطية حملها صـاحب المقهـى فـي التيومع التسجيالت القديمة

ن يجددها أو أن يضـيف إليهـا هجرته األولى ولم يحاول أ .. مما يهديه إليه القادمون الجدد تشف النفوس وتصفو جديدا

تذوب وتتالشى مرارة األيام .. يمأل المكان عبق شجن أصيل جـات لخوافي مرارة الشاي األسود الصعيدي الذي يجتذب ا

من باب التجربة والتغييـر والمصـريين والسائحون صباحا .. والعرب مساء من قبيل الحنين واأللفة والونس

ارتخت عضالت الوجـه " مع ما دام تحب بتنكر ليه "عن عيني صـاحب المشدودة واكتست العينين ببريق لم يغب

. المقهى فصاح مداعبا عرب واال بنت. حب جديد يا عم .. أيوه يا يونس * !خواجاية؟ لم تكن بالقطع اكتفى بظالل ابتسامة .. م يجب يونس ل

التفت صاحب المقهى للوافد . موجهة لصاحب المقهى السمج :لذي بدت على وجهه الدهشة وقال لهالجديد ا

ده دبـور كبيـر .. ما تغركش شيبته يـا أسـتاذ * :ثم التفت نحو يونس وقال.. وا فيهوالخواجات بيموت

Page 41: 1594

٣٩

ساش تكلم صاحبتك على تصريح السهر بعد تنما * .. زباين آخر الليل باليوم كله.. الساعة اثنين

.. بحكم طول العشرة اعتاد مشاغبات صاحب المقهى منذ حملته الغربـة بعيـدا .. لحقيقةلم يخل كالمه من بعض ا

حاول أن يطوعه مثلمـا فعـل .. لم يستقر القلب عن المرفإ سير الحياة لكنـه كـان ية وتي اآلخرين للحصول على الجنس

كصبي فـي . رضي بقدره .. في اللحظة األخيرة يتمرد دائما الستين من عمره في مقهى وبصورة الدبور الذي ينتقل مـن

في ليالي سابقة لم يكن يشعر بهذا الضـيق، .. زهرة ألخرى بل كان يتفنن في المزايدة واختالق الحكايـات التـي تبهـر

زبائن األقـدم مـا بـين مصـدقين الوافدين الجدد وتترك ال .. ومكذبين، وإن كانت في كل األحوال مسك الختام للجميـع

والفنـار القـديم بأنيسةشيء ما في عين الوافد الجديد ذكره . ويونسه

خر زبون أحكم صاحب المقهى إغـالق مع خروج آ عليه أال ينس االتصـال أدراجه وتوجه صوب الباب مؤكدا

.. أن التصريحبصديقته في الصباح بش

Page 42: 1594

٤٠

مع تكرار فتح باب الخروج وإغالقه تبددت سـحابة لصباح ملية التنظيف التقليدية استعدادا بدأ ع .. الدخان الكثيفة

(*)..جديد بددت وحشته قصة األمس

..قصيدة تشدو بها أم كلثوم (*)

Page 43: 1594

٤١

تراصوا في كتلة واحدة تداخلت فيها درجات األزرق تي لوحتهـا تحولت األيدي ال .. والرمادي واألصفر الصمغي

الشمس لغابة متشابكة متعددة الزوايا، ما بين ارتكـاز علـى الركبتين والصدغ وانفراجه لألمام وأخرى للخلـف ترسـم

.. أشكاال على األرض الترابيةغرق الشيوخ في صمت ال يقطعه بين الحين واآلخر

لم يجد الشباب جدوى من الوقوف أو ترقب .. سوى ذكر اهللا على الطريق، فقبعوا إلى جـوار الشـيوخ السيارات القادمة

منتظرين الفرج وقد غرق كل واحد منهم في بحر هواجسـه لـذي ومخاوفه التي لونت أفكاره وتفسيراته للحدث الجلـل ا

.. ها أليام متتابعةأقلق منام القرية وسلبها هدوءتململ فهيم في جلسته وألقى بفرع الشـجرة الجـاف

.. حة وعيون علـى التـراب الذي أنهكه في رسم دوائر وأجن الجميع مرهقون من طول .. أدرك بفطرته أنه آن أوان الكالم

!".؟ دلوقتييا ترى أمه فاطنة عاملة إيه.. "السهر والقلق

Page 44: 1594

٤٢

حفيف أوراق األشجار التي اهتـزت بفعـل نسـمة صيف هاربة كان الرد الوحيد لسؤاله الذي كان الهم الحقيقي

عتـادت البعـد والهجـر ا.. كيف حال فاطمة اآلن .. للجميع ا وكسرة القلب منذ غاب الزوج في بالد اهللا الواسـعة سـعي

وراء الرزق، فابتلعته الغربة أو ابتلعها أو استحلى مـذاقها، يرون فاطمـة ليصبح مجرد سيرة يتذكرها أهل القرية عندما

.. عن لقمة العيش البنها الوحيدتهرع هنا وهناك بحثاالعامة، نازعتها النفس أن عندما حصل على الثانوية

أوشكت أن تقول له أخشى أن .. تطلب منه البقاء إلى جوارها عـن بحثـا تبتلعك الغربة مثل أبيك، لكنها تركتـه يرحـل

لمصر أم الـدنيا كمـا .. مستقبله، مطمئنة أن رحيله للداخل .. اعتادت أن تسمع من الرائحين والغاديين منها

نظرات االحتـرام تحمل قلبها وجع البعاد وهي ترى والتقدير من كل أبناء القرية لمندوبهم الفالح الذي استطاع أن

ا ممـن يحتلـون أحـد مقاعـدها يغزو مصر ويصبح واحدحضانها أو االنتقال للعيش في كتمت أمنية العودة أل .. الهامة في المدينة الواسعة، مكتفية بزياراته الخاطفة التي لـم حماه

كانت الدار .. ظات االستقبال والوداع يكن ينالها منها سوى لح

Page 45: 1594

٤٣

زوار وأصحاب الحاجـات الـذين والساحة المقابلة تمتلئ بال ما يهرعون للترحيب أو التماس العون مـن األسـتاذ دائما

صاحب المقام الرفيع الذي استحق بمنصبه مكان كل شـيوخ جاءها الخبر وهي تلت العجين في ماجورها .. وأعيان القرية لم تستوعب معنى الكلمات .. األستاذ اختفى .. مالفخاري القدي

وال األسئلة التي الحقها بها صاحب الهيبة في زيه العسكري وال النظرات المحملقة من وراء الطرح السوداء التي تجمعت

.. ظلت تحملق في الضابط الذي تحلق حوله الخلـق .. حولها.. وجوه تعرفها وأخرى تقارب صورة األستاذ فـي هيئتهـا

.. ق لسانها وراء شفتين مضمومتين واتسـعت عيناهـا التصجد دالئـل تشـير ال تو .. األستاذ اختفى في ظروف غامضة

امتألت الساحة بالوافدات .. ه غير مفهوم لجريمة، لكن اختفاء تأكدن قبـل حلـولهن بالـدار أن الالتيالمتشحات بالسواد

الرجال قد خرجوا على الطريق في انتظار وصول األسـتاذ . ر عنهأو خب

شمرت إحدى النسوة عن ساعديها وحلت محلها أمام الماجور العتيق بمجرد أن سحبتها أخرى لتجلس في ركن في

.. القاعة التي بدأت تنحسر عنها شمس الصيف المحرقة

Page 46: 1594

٤٤

امتدت وصلة البكاء والعويل التي لم تقطعها سـوى لـم . عن سبب االختفاء المفـاجئ ةأنثويهمهمات وتفسيرات

ها الزائغتان وال شفتاها المرتجفتان بذلك األلم، الذي تش عينا ..يشبه نصل السكين الثالم، الذي امتد ليخترق حناياها

مع حلول اليوم السابع انفض الجمع وانسحب الجميع ساد هدوء ال يمكـن . لدورهم وعاد الطريق إلى ما كان عليه

أن يشي بذلك الصخب وال بكم المشاعل التي شـهدها فـي مع تـوالي األيـام تـوارت .. ي األولى لوصول الخبر الليال

التفسيرات واالحتماالت وتراجع حادث االختفاء عـن بـؤرة االهتمام واألحاديث النهارية والليلية، وانشغلت بيوت القريـة

للمحروسة واحتماالت أن يصـبح خلفـا بقصة الموفد الجديد . صالحا لألستاذ المفقود

اذ المفقـود وال األست ل عن مصير لم يعد أحد يتساء ه إال عندما تبعث من بيت فاطمة لحظة الغـروب سر اختفائ

"..أكلتك الغربة يا ضنايا.. آه يا ولدي"صرخة ملتاعة

Page 47: 1594

٤٥

تسارعت النبضـات .. خفق قلبها وهى ترقب الباب وطغى صوت دقاته على الجلبة التي أحدثها العيال بمجـرد

يعلمون أنها سـرعان مـا تعـود كانوا.. خروج أبلة زينب لة عن المتسبب عن أنيابها لتصرخ في وجوههم متسائ مكشرة

في الخروج عن النظام لينال نفحة من عصاها التي يتجـاوز .. طولها قامتها بعدة سنتيمترات

تعلقت مقلتاها في قلق بالورقة التـي تقطـع فضـاء الفصل ذهاب عصابة، كما ا لتسقط في كل مرة بين أقدام ال ا وإياب

راودتها رغبة مفاجئة أن تقفز خـارج .. تدعوهم أبلة زينب الرعشة التـي .. البنش الخشبي الضيق لتركل الكرة الورقية

شورتين أسفل البنش الـراقص بفعـل سرت في ساقيها المح .. كل أحد جوانبه صورت لها أن تصويبتها ستكون األعلى تآ

صـيب الكـرة من يدري قد ت .. تراجعت في اللحظة األخيرة بل ومن يدري، فقد تتعلق بطـرف .. الورقية أنف أبلة زينب

استخفتها النشوة بالصـورة الخياليـة وأن قنعـت .. العصاه .. بمتابعة المباراة من موقعها اآلمن

Page 48: 1594

٤٦

صابة وداعبها حلم بأن بقدر ما استهوتها مغامرات الع منها، بقدر إحساسها بعجزها وسـخطها علـى تصبح جزءا البلهاء التي تخفي بها غضبها المكتوم عندما كـانوا ابتسامتها

يتخذوا منها وسيلة للتسلية وإفراغ شـحنة العنـف والقسـوة حتى فـي .. لم تجسر يوما أن تشكوهم ألبلة زينب .. بداخلهم

ذلك اليوم الذي ارتطموا فيه بها في فناء المدرسة لتسقط فوق د اشـترته الرمال المبللة وتفقد قلمها الرصاص الذي كانت ق

.. تحملت تعنيف أبلة زينب وتبكيتها وهي تشير للمريلة .. للتو مهملة تحضر قط تلميذة غير نظيفة ولكنها أيضا فهي ليست ف

.. بقدر سخطها عليهم، بقدر سعادتها بهم .. للمدرسة بدون قلم ففي كل مرة ينجحون فيها في نرفزة أبلـة زينـب يأخـذون

هدوء على الفصل وتدحرجت في أقل من ثانية خيم ال .. بثأرهاحاولت أن تخمـن .. الكرة الورقية لتستقر بين بنشها والحائط

نوع الحصة التالية من جالد الكراريس التي احتضنتها أبلـة .. انفرجت شفتاها عن ابتسامة وهى تتلقى الكراسـة .. زينب

فبعـد مجـزرة الحسـاب وتسـميع .. فاكهة اليوم بال شـك لكراسة التـي تسـتفز عقلهـا النصوص واإلمالء تأتي هذه ا قلبـت .. سك كما تقول أمهـا موتحرر خيالها ليكون ختامه

Page 49: 1594

٤٧

.. شـجرة .. عصـفور .. طائرة.. صفحات الكراسة بحرص فتحته برفق ومدت !.. ترى ماذا بداخل مظروف اليوم؟ .. نهر

بالخبرة تدرك .. أناملها لتستخرج أكبر شريحة كارتون بداخله تبدو أكبر من .. سمكة.. همةأن رؤية الصورة تسهل باقي الم

ليست مثل األسماك الصغيرة .. كل أنواع األسماك التي رأتها التي تتحلق حولها على شاطئ البحر البعيـد المهجـور وال

أمها أن تطهوها عندما تحصل علـى األسماك التي اعتادت تفاء الذي تستقبل به يوم وليمـة بنفس االح . إجازة من عملها

ـ السمك وما يصاحبها م ة األم، علـى خـالف ن هدوء ورقالعادة، امتدت أصابعها لتخرج القطع الكرتونية الصغيرة التي

وهذه .. ها هي الكاف .. تحمل الحروف من داخل المظروف امتدت !!.. يا خبر .. وتلك هي التاء المربوطة و .. هي السين

ـ عـن اأصابعها الصغيرة لتجول في أنحاء المظـروف بحثهل التصق بالصـورة أو .. جد شيء ال يو .. الحرف الناقص

.. شهل سقط منها في فراغ البـن . األخرىبأي من الحروف تمنت أن تدير أبلة زينب عينيها عنها ولـو للحظـة واحـدة

.. لتستطيع االنحناء أسفل البنش والبحث عن الحرف الضائع انتقلت عيناها بسرعة ما بين الورود الحمراء .. عاندها القدر

Page 50: 1594

٤٨

.. ين فستانها وبين مالمح وجههـا الجامـدة تزي ة التي الكبيرانتهت .. قررت أن تبدأ العمل، تاركة الحرف المفقود للنهاية

من لصق الصورة والحروف التي حرصت أن تترك بينهـا نظرات أبلة زينب لساعتها أكـدت أن .. فراغا للميم المفقودة

غامرت وانحنت أسفل البـنش .. الحصة توشك على االنتهاء الفراغ المظلم سوى الكرة الورقية المنزوية فـي فلم تجد في

جأها صوت أبله زينب بينما كانت أصابعها تتلمس اف.. الركنمـش القيـة "في صوت مرتعش قالـت .. األرضية الرطبة

"..الميمكالعادة انهالت عليها بـالتوبيخ المشـفوع بقرصـة

شعرت باندفاع الدم الساخن وراء أذنيهـا .. للوجنة المستديرة أنـت .. "يكن بالمظروف الحرف لم .. ت أن تصرخ فيها أراد

شعرت .. لقهالكن لسانها التصق بسقف ح .." هنسيت أن تضعي سخونة تلسع .. عندما يهينها أحد الكبار به مثلما يحدث دائما

عينيها وأذنيها، لكن أبدا لـم يطاوعهـا لسـانها أو تسـعفها ثانية رطبتها وال ال فال األول صرخ باكيا أو محتجا . .عيناها .. الدموع

Page 51: 1594

٤٩

انتبهت على الصخب المصاحب الختفاء طرف ذيل حشرت جسـدها بـين .. فستان أبله زينب بوروده الحمراء

فـي .. البنش والتقطت الكرة المنزوية فـي الـركن زاويتياللحظة التالية كان من الممكن ألي عابر أن يسـمع رنـين

تحملق فيها حتى العصابة توقفت مشدوهة .. في الفصل اإلبرةبعد أن اعتلت البنش وأخذت أهبة االستعداد لتقـذف الكـرة الورقية لتالمس أعلى زاوية في سـبورة امـتألت بأسـماء

. العصابة

Page 52: 1594

٥٠

. خارج الملعب بخطوات ثقيلـة طأطأ رأسه وتحرك . ده على البنش األخضر وكأنه يود أن يتخلص منه رمى جس

.. مله قبـل لحظـات، تالشـت تح ااألجنحة التي شعر وكأنه عقد يديـه أمامـه .. مازال يشعر بثقل قدميه .. أغمض عينه

تشابكت أصابعه وضـغط بشـدة .. وأسند مرفقيه على فخذه على عينيه وكأنه يحاول أن يمحو ما انطبـع مـن ذاكرتـه

.. المرئيةاستمر إحساسه بثقل قدميه وشعر بـألم متنقـل فـي

يعـاوده .. طماطم مهترئتين لثمرتيباطنهما، وكأنهما تحولتا نفس األلم في كل مرة تطارده فيها تلـك األيـدي الممـدودة

ـ .. لتنتزعه من رؤاه السحرية ن أيـن انبعثـت ال يـدري مه أجنحة بيضاء تحول لكائن كارتوني ل فجأة.. الصورة أمامه

وفجأة ولسبب ما يتناثر ريش .. نحو السماء كبيرة يرتفع أفقيا شعر بقوة تجذبه ألسفل ليكتشف جوالي األجنحة من حوله وي لم يستطع أن يلتقط مالمـح وجهـه .. الرمل المعلقان بقدميه

لحظة السقوط وإذا ما كانت تشي باستسالم مندهش أم بجزع،

Page 53: 1594

٥١

فقد أخرجه صراخ المدرب من سـحب تأمالتـه وصـوره .. العقلية

.."انتبه.. فوق.. إنت لسة نايم* " .. خلف.. مامأ.. يسار.. يمين.. بعيد.. قريب

أحس وكأن خيوطا خفية أصبحت تربط بين بؤبـؤة .. عينيه وبين الخضراء الرائحة العادية دونما ملل أو شكوى

أدرك .. تراقصت أمام عينيه نقطة حمراء على سطح الكـرة أنها العالمة التي رسمها المدرب على الكور التي يسـتخدمها

انتباهـه علـى في اللحظات التالية تركز كل .. ليميزها بها .. عابرة لمحه المـدرب في التفاتة .. قطة الحمراء الطائرة الن

اسـتطاع أخيـرا .. فتيه عن نصف ابتسامة رضا انفرجت ش .. مشروع بطله الصغير أن يركز تفكيره ليتابع حركة الكـرة

العقاب أثمر، فهو مشروع بطل، لكن المشكلة أن عقله يشغله .مليون شيء في وآن واحد

يستعد للعبة السيرف األولى تعلقت عينيـه بينما كان غرس أظافره الصغيرة في األسـالك التـي الذيبالعصفور

. صرخ المدرب.. طارت الكرة.. تحيط بالملعب !أنت بتالعب النخلة؟! بط؟وط الكرة فين بالضبتش*

Page 54: 1594

٥٢

تحرك ليلتقط الكرة التي هربت من فـوق األسـوار .. وانزوت بين الحشائش خارج الملعب

.. مفيش وقت.. كمل لعب.. بهاسي* في حـذر دار بعينيـه نصـف .. عاد ليتابع التمرين

لمحها مستكنة يحدها ضلعي مثلـث مـن األسـالك . دورةحـاول .. فلتت من خط السير المرسـوم اأخير.. المتشابكة

التركيز في التمرين كي ال يتعرض لعقـاب المـدرب مـرة لحضـور بكراألم الذي انتزعته من فراشه م أخرى وتوبيخ ا

التدريب لتحقيق رغبتها الخفية في أن تجد ما تتحـدث عنـه . أمام الصديقات، ولتؤكد انتمائها للطبقة الراقية

ولكنه بعد لحظات ضـبط حاول التركيز مرة أخرى باختالس النظر لصديقته الخضراء القابعة وراء نفسه متلبسا

ـ .. في هذه المرة، لمح كـورتين .. األسالك ت مـن أيـن أت !الثانية؟

على البنش حاول أن يكتشف سـر .. طرده المدرب . صرخ المدرب فيه.. ظهور واختفاء الكرة الثانية

.. بص.. انتبه* .. حملق في الخضراء سجينة فضاء الملعب

Page 55: 1594

٥٣

.. تحولت الكرة لرأس والنقطة الحمراء لفمكانهـا البقعـة تالشت الخضراء المستديرة لتحـل م

تحولت االبتسامة .. وتتغير مالمحها كبرالحمراء التي ظلت ت .. لصرخة تأوه .. ادخل.. يا هللا يا أحمد*

داخل الملعب كمـا يفعـل الجميـع لم يهرع متقافزا تحرك متثاقال ليأخذ مكانه مـن .. عندما يعلن المدرب عفوه

التفت ليلقي نظرة أخيرة على المسـتديرة الخضـراء .. جديد . سالهاربة بين الحشائش وكأنه يهم

.."سأعود"

Page 56: 1594

٥٤

اخل أحشاء الحقيبة المكتظة دائما تخبطت أصابعها د دافئة وبـاردة .. المست أسطح خشنة وأخرى ناعمة .. اأبد ..

أقالم وأوراق وبقايا مناديل، لكننها لم تفلح في أن تعثر على فـي .. رفعت رأسها وهي تزفر .. المستطيلة الحمراء الهاربة

يانها كله في عينين مشدودتين ترقبان حركـة لحظة تركز ك يطـل نها في الطابق العلوي لمحت خطابا من مكا .. مرتعشة

روقـة سـرعان مـا ربتت عليه يد مع .. من الحقيبة الوبرية .. داخل النسيج الوبري اختفت لتواصل بحثا محموما مرتعشا

لـم .. في حركة تلقائية امتدت أصابعها لداخل الحقيبة الجلدية .. التقطت المراوغـة الصـغيرة .. خنها يدها في هذه المرة ت

قبـل أن تشـعل .. امتدت يدها للصندوق األبيض األملـس ما تزال اليد المرتعشة تبحـث .. سيجارتها ألقت نظرة ألسفل

ماذا لو حملت قـدح .. كلنا في الهم سواء .. في الحقيبة عبثاشـيء مـا .. القهوة وخرجت للممر لتشعل لها سـيجارتها

أهو الخوف أن تخدش جالل هدوء خيم على المكان .. وقفهاأأم التردد أن تقتحم خلوة العجوز التـي ارتـأت أن تنفـرد

Page 57: 1594

٥٥

بخطابها في الممر الخالي بين بيت المسنين والركن الخلفـي ، عثـرت اليـد أخيـرا .. ظلت في مكانهـا .. الكبير للمتجر

تها رفعت يدها لتشعل سيجار . المعروقة على مشط من الثقاب لكن الوالعة ظلت معلقة في الهواء، بينما الحقـت عيناهـا

.. بعد األخرى موضـع اإلشـعال اهتزازات يد تخطئ المرة تطاير الشرر لكن السيجارة ال تثبت في مكانها وكأنـه أخيرا

.. ارتعاشة اليد امتدت للفمتالشـت .. انتشت بأول أنفاسـها .. اشتعلت السيجارة

عجوز وراء ظل فتـاة اقتحمـت بقعة الشمس التي غمرت ال لـم .. أغلقت الغطاء بسـرعة لسعتها شعلة الوالعة ف .. الممر

بعد أقل .. راف الحوار الذي دار بين العجوز والفتاة تلتقط أط من دقيقة سحبت الفتاة المقعد المتحرك على الطريق المنحدر بينما تشبثت األصابع المرتعشة بسيجارة لم يظهر منها سوى

. مشتعل أطل من أسفل الحقيبة الوبريةبعض من رماد اختفت صاحبة المقعد والفتاة وخلي الممـر إال مـن

. بقايا سيجارة مشتعلة وحيدة على المنحدر الرمادي . ألقت بسيجارتها وأغلقت النافذة

Page 58: 1594

٥٦

ما أن دلف من البوابة القديمة التي اكتست منمنماتها طقس، حتى ألقى بأحماله بلون ترابي بفعل الزمن وعوامل ال

.. البالستيكيةغشي عينيه إعتام مفاجئ بفعل االنتقال المفاجئ مـن

شعر لوهلـة وكأنـه .. شمس الظهيرة المحرقة للفناء المظلم بعد لحظات استعادت األشياء مالمحها .. يسقط في جب مظلم

جفف قطرات .. التقليدية وتبين أولى درجات السلم المكسورة الت على جبينه لتعلق بعدسات نظارته الطبية العرق التي انس

التقط أكياسه وتحسس طريقه حتى وصل ألولـى .. السميكةصعد في حذر وهو يردد بينه وبـين نفسـه .. درجات السلم

عند الدرجة السابعة التصق بالحـائط .. ثالثة.. اثنين.. واحد .. ليتفادى الجزء المكسور في درجة السلمول المظلمـة ليلـتقط توقف في ردهـة الطـابق األ

لمح من خلف زجاج منظاره صورة ضبابية لالفتـة .. أنفاسهكبيرة سطر عليها اسم الطبيب الذي استأجر الشقة بعد رحيل

مـدام .. من وراء سحب الذاكرة طفت صورتها .. مدام روز

Page 59: 1594

٥٧

روز ببشرتها الوردية وجسدها الرجراج الذي لم يحل بينهـا كن يحلو لهم لعب الكـرة إال وبين مطاردة الصغار الذين لم ي

..في الردهة المواجهة لشقتها ما معاركها اليومية التي كانت غالبا ابتسم وهو يتذكر

تنتهي بضحكة مجلجلة من القلب بعد أن يؤكد لها الصغار أنه من المستحيل مقاومة جمال ردهتها التي حولتها لشبه حديقـة

يلمسوا النباتـات مغلقة ووعدهم لها بأن يلعبوا في هدوء وأال لتدوم أكثر لكن الهدنة لم تكن .. التي تغطى النوافذ والجدران

ز وراء بـاب مطبخهـا مـدام رو يفمن دقائق، فما أن تخت وتبدأ في دندنة أغانيها اليونانية حتـى ينسـى المفتوح دائما

الصغار في غمرة حماسهم الوعد الذي قطعوه على أنفسـهم، الغير محسوبة، فتخرج مـدام ليبدأ الصراخ وضربات الكرة

ريت اروز من جديد حاملة في يدها نشابة العجن لتطارد العف .. الصغار

الشـابة مثلمـا استهوت الحديقة المغلقـة عروسـه استهوتها شخصية مدام روز وأم بيشوي والحاجـة صـالحة

. فتمسكت بالشقة الوحيدة الخالية في الطابق األخير من العقار من الشـقق التـي أيالسكن في فندت كل حججه ورفضت

Page 60: 1594

٥٨

عرضها عليهم األهل واألصدقاء في زمـن كـان أصـحاب العقارات يطلقون فيه البخور في الشقق الخاليـة أمـال فـي

.. العثور على مستأجرلم يرغب أن يرد طلبها فالبيت مملكتها على أية حال ولقد حلمت بحديقة مغلقة وأخرى مفتوحـة علـى السـطح

لشقة، وصعود السلم ليس مشكلة فهم شـباب باعتباره امتداد ل مع .. مصعد في المستقبل ولقد تعهد صاحب العقار بإدخال ال

طريقه للعقار طوال األربعين عامـا ف المصعد ذلك لم يعر التي عاشها فيه، وحلم الحـديقتين اختـزل ليصـبح مجـرد أصيص وحيد من العتر يزين شرفتهما، بعد أن أصر صاحب

ل السطح بمعرفته وفشلت هي في إقنـاع العقار على استغال ا مشروع حديقتها الداخليـة فـي العفاريت الصغار أن يتركو

لـم .. نباتات الظـل حاله ولو إلى حين، لتثبت وتقوى جذور يبق لها من أحالمها الصغيرة سوى الجيرة الطيبة وأصيص

.. العتر وإدراكه لطول الرحلة حتى يصل لبـاب إنهاكهرغم

يثقل كتفيه، ربما بقدر ما تثقلهمـا عبئابحت شقته والتي أص .. سنواته السبعين، لم يقاوم رغبته

Page 61: 1594

٥٩

فـي .. مازال الزجاج مكسورا .. خل الردهة خطى دا ذلك اليوم هرع من شقته في الدور السابع حـافي القـدمين

كانت تنتفض من الغضـب .. عندما تعالى صراخ مدام روز كانـت .. القرنفليوقد تحول لون وجهها الوردي إلى اللون

تصرخ وتتوعد الشياطين الصغار الذين تبخروا في الهـواء من شظايا الزجاج المتناثر تحت قدميها .. بعد أن فعلوا فعلتهم

اختلطـت بلغتهـا ومن بعض الكلمات العربية المتناثرة التي ما تظهر في اللحظات الحرجة، ألم بتفاصيل األم، التي دائما

صالحة والست أم بيشـوي تحـاوالن ترك الحاجة .. الحادثةتهدئتها وتحرك ليهبط درجات السلم ليعود بهم ليقـدموا لهـا

رودة تتسلل ألطـراف االعتذار، ولكنه أدرك بعد أن شعر بب صرخات الست روز جعلته يقفز من قيلولة أصابع قدميه أن

طمـأن السـت .. الظهيرة ويهبط السلم دون أن يرتدي خفيه يعاقب الصغار أمامها ولكن بعـد أن روز أنه لن يهدأ حتى

.. يستر قدميهفي المساء عندما أخذ زينته وحمل منشته ليقابل شلة القهوة كالمعتاد ترامى إليه صوت ضحكات مختلطة بكلمـات

في نفس الردهة جلست السـت روز وأم .. التشجيع الكروية

Page 62: 1594

٦٠

بعـان ا وهمـا تت تضـحكان بيشوي زعيم الشياطين الصغار .. في الردهةالماتش الدائر

ة التي تنبه لحقيقة أنه ما يزال يقف في الردهة المظلم وفقدت نباتاتها ولم يعد يغمرهـا لم يتم إصالح زجاجها أبدا

الضوء إال في المساء عندما يحضر تمرجي الطبيـب الـذي ..حل مكان مدام روز بعد رحيلها لليونان لتلحق بأوالدها

س حمل أكياسـه وواصـل رحلـة الصـعود بأنفـا جيل كامـل .. مع كل طابق عاودته ذكرى رحيل .. متقطعة

لم يبق من سكان العمارة األصـليين بعـد .. اختفى باستثنائه تالحقت أنفاسه وتسـارعت نبضـات . رحيل زوجته إال هو

.. حاول أن يتماسك .. ترى هل تأتي النهاية على السلم .. قلبه هـو ال .. دحرجة على السـلم أيعظامه الواهنة لن تحتمل

في زمن سـابق نعـم .. يخشى الموت بقدر ما يخشى العجز ألبنـاء الشيوخ برعاية األهل والجيران حتى النهايـة لكـن ا

وراء رزق والجيـران أوصـدوا تفرقوا في بالد اهللا سـعيا . األبواب

ظل بجوارها حتى . رفيقة عمره كانت أسعد منه حظا ..يدام وحاللحظة األخيرة وها هو يكاد يلفظ أنفاسه على السل

Page 63: 1594

٦١

.. جلس على إحدى درجات السـلم ليلـتقط أنفاسـه طـأت نبضـاته اتسربت برودة درجة السلم إلـى كفيـه وتب

حملق في الكيان الكاريكاتيري الذي رسمه أحد .. المتسارعةشعر كأنه يبتسم لـه هـو .. الصغار بالطباشير على الحائط

تردد في أذنيه رنين ضحكات رفيقة العمـر وهـي .. بالذاتجعه ليرتقي درجات السلم الباقية كلما بدأ وصـلة تأنيبهـا تش

التقط حمولته وواصل .. الختيارها السكنة في الطابق األخير . الصعود، تلفه رائحة نبات عتر وحيد

Page 64: 1594

٦٢

انسالت حبات العرق لتتجمع في .. تململت في جلستها ا في أركان وزوايا كان من المستحيل أن تمد يدها لتصل إليه

مدت أصابعها لتشد غطاء رأس التصق بفعـل .. جلستها تلك لم تستطع أناملها التي كساها القفاز األسـود .. العرق بجبهتها

أن تشعر بملمس حبات الملح التي كونت دوائر بيضاء فـوق ضاقت ببلل أصابعها، ونظرت بتلقائية .. غطاء الرأس األسود

.. الصباح الباكر لألوراق التي ظلت تقبض عليها منذ ساعات ترددت للحظة ثم وضعتها على ثوبها لتجف قطرات عـرق

. بللتها وكادت أن تحولها لكم مهترئأسـمر .. منذ الصباح وجـوه تالحقهـا وتالحقهـم

مام عينيها ال تخلـف وجوه تنزلق أ .. وردي.. بني.. وقمحي وال يعلق منها في ذاكرتها سوى شـفاه تهمهـم وراءها شيئا .. معنى لها، ألنها وببساطة غير قابلـة للصـرف بكلمات ال

أوشكت أن تفلت منها كلمة للفراش الـذي وقـف كاألسـد الغضنفر أمام االستراحة، يزود عن حماها ويمنع تسـلل أي

تراجعت في اللحظة األخيرة .. غريب أو صاحب حاجة إليها

Page 65: 1594

٦٣

.. فال داعي ألن تفقد مكانها في حركة تهور غير محسـوبة لم البكاء وقد أدركت بحدسها منذ اللحظة األولى كتر النواح يع

أن هذه الحجرة تخفي رئيس المؤسسة بشكل أو بآخر، وأنها من مكانها هذا يمكنها أن تراه دون المـرور علـى مكاتـب السكرتارية والحاشية التـي تخصصـت فـي زحلقـة ذوي

.. الحاجات، حماية لعيني وأذني سيادتهبينما انشغل الفراش في إبعاد أحد المغضوب علـيهم

في لحظـة أصـبحت فـي .. في األرض، اقتنصت الفرصة اختارت زاوية بعيدة عن عينـي الفـراش وعـن .. الداخل

المروحة الكبيرة التي تتلكأ في الـدوران مثـل كـل شـيء ترامى إلـى سـمعها مـزيج مـن .. صادفها في هذا اليوم

أشفقت علـى .. ادة خارج الغرفة األصوات المتداخلة في المش زميل الشقاء الذي أفرغ فيه الفراش خالصة همـه وقهـره

قـررت . ووقف حاله لمجرد الوقوف لحماية باب االستراحة أن تحدث المسئول بمجرد أن تراه عن المشاكل والتعقيـدات التي تواجه أصحاب الحاجات وأن تذكره أن اهللا قـد سـخر

حملقت باتجاه البـاب .. ينبعض الناس لقضاء حوائج اآلخر ولتتحقق مـن قدرتها على متابعة ما يحدث خارجه لتتأكد من

Page 66: 1594

٦٤

زايلهـا . إمكانية التقاطها للرئيس عندما يمر عبـر الردهـة وبخـت .. اإلحساس باالنتعاش الذي تولد عقب تسللها للغرفة

نفسها الختيارها الموقع البعيد عن المروحة الذي ضم ثالثـة .. أحدهامقاعد خالية احتلت

في الجانب المقابل واألقرب للمروحة احتلـت فتـاة كـادت أن تسـخر مـن .. سمينة وأوراقها أكثر من مقعـد

مظهرها المسترجل، لكن القلم واألوراق المتناثرة أقنعاها أنها جزء من هذا الكيان المؤسسي المرعب، فابتلعت انتقاداتهـا

ألمثال قبل أن ل لالذعة وسخريتها التي كانت مضربا األنثوية ا تنتقل لبيت العدل ويصبح الكالم بميزان والضحك والهـزار

. محرمان دخول سيدتين وحفـل الترحيـب ملقطع الهدوء الم

مالت الفتـاة علـى . الصاخب الذي أقامته الفتاة السمينة لهما السيدتين ثم أخذت من أحداهن ورقة صغيرة وخرجت مـن

في غمرة .. اد فضولها تعلقت عيناها بالسيدتين وازد .. الغرفةتأملها للسيدة المحجبة التي استغرقت في حوار هـامس مـع

التقطتها .. المرأة عارية الرأس، انزلقت أوراقها على األرض الفتاة السمينة وقدمتها لها بينما ظلت عيناها مثبتتـان علـى

Page 67: 1594

٦٥

ا أن رئـيس المؤسسـة م عند دخوله أبلغتهماالسيدتين اللتين في نوبة شجاعة مفاجئـة .. بعد لحظات سيستقبلهما في مكتبه

تحركت نحو الفتاة السمينة التي عادت لمقعدها فـي الجهـة .. المقابلة

. هناأنت بتشتغلي.. من فضلك* .. أيوه يا حاجة*

على الفور بدأت منولوجها العبثي المستمر قبل وبعد .. بداية ونهاية نجيب محفوظ

لـوج رغم تكرار تفاصيل القصـة وتكـرار المونو والنهاية العبثية، وضعت الفتاة قلمها على المنضدة وأخـذت

.. األوراق من السيدة وتوجهت نحو الباب الضخم المصـمت ما أن رأى الفراش .. في حركة غير محسوبة العواقب تبعتها

المرأة المتشحة بالسواد حتى تدافعت العفاريت إلـى رأسـه الـدخول غير مسموح ب .. من سمح لك بالدخول هنا .. فصاح ..".للرئيس

من مع تكرار االسطوانة المشروخة لمعزوفة التسول الفراش الرافضة في عنجهيـة، قبل السيدة ونشاز صرخات

انسحبت الفتاة لداخل الغرفة وبينما كانت تلتقط القلـم صـك

Page 68: 1594

٦٦

سمعها صوت السيدة المتشحة بالسواد وقد اكتسب نبرة عنف فـاكر نفسـك .. وكملعون أب ".. وإن بدأ يتباعد عن المكان

..".رضوان ياخي

Page 69: 1594

٦٧

لم يعد هناك .. آن األوان ألن تغلقه مهما كلفها األمر لعـل التعبيـر !! طاقتهـا .. مفر، فاألمر أصبح فوق طاقتها

.. الصحيح أنه استنزف ما كانت تدخره من نفسها ليوم مطير ل أو علينا السعي، ولكن النجاح شيء آخر، ولقد سعى بال كل

ملل ألكثر من نصف قـرن دون جـدوى واآلن حـان أوان .. أن يعلن اعتزاله ولو قسرا.. قاعدالت

في وثبة سريعة أصبحت فـي مواجهـة صـورتها طالعتها صورة باهتة لوجـه غيبـت .. المنعكسة في المرآة

اسها على سطح المرآة مالمحه سحابة البخار التي صنعتها أنف ا صورة لوجه شفاف فـي لوحـة ت أمام عينيه تراء.. البارد

حاولت أن تتذكر هل كان الوجـه فـي .. شاهدتها ذات يوم قطبت مـا .. خلفية األرض الخراب أم مجرد طيف في األفق

.. كرذأجهدتها محاولة الت .. يها وزمت شفتيها بعنف ببين حاج كل ما بقى في ذاكرتها ذلك الشحوب والنظرة التي لم تستطع

أم االنكسار أم الحنـين أم هو الحزن أ.. قط أن تحدد دالالتها !! ك عبثية لم تسبقها مقدمات ولم تسفر عن نتائجارلحظة إد

Page 70: 1594

٦٨

دونما وعي تخللـت أصـابعها خصـالت شـعرها المتطايرة حول وجههـا لتزيحهـا للـوراء مثـل صـاحبة

حملقت في صورتها في المرآة وبحركـة عنيفـة .. الصورةاثر شعرها مـن مفاجئة طوحت رأسها في هزات متتابعة ليتن

كيف ضمت .. اقتربت بوجهها مرة أخرى من المرآة .. جديدتمثلت بشفتيها كل الحـاالت التـي .. صاحبة اللوحة شفتيها

لم تكن أي منها لصاحبة الوجه الشاحب .. أسعفتها بها الذاكرة حاولت أن تستعيد تفاصيل اللوحة علهـا تـتفهم .. في اللوحة

لكن ماذا يعنيهـا .. شفتان قط لماذا اختار الرسام أال تنفرج ال .. ينهي من أمر صاحبة الصورة وأسرار شفتيها المضمومت

.. يتعلق بقرارها هياألمر في هذه اللحظة تحديداانفرجت شفتاها عن ابتسامة سـاخرة حينمـا مـر بخاطرها التعبير الذي اعتاد أفراد عائلتها وكل الكبار ترديده

.. لكـالم أو الفضـول في كل مرة يضبطونها متلبسة بفعل ا صاحت الجدة عندما ضبطتها في حجرتهـا ممسـكة بطقـم

سـيطر عليهـا !!" اتكلمي وإال القطة أكلت لسانك .. "أسنانهاالرعب بقدر ما سيطرت عليها الرغبة في استكشاف ماهيـة

يدها لتخرجه من تجـاويف الجدةذلك الشيء الذي ما أن تمد

Page 71: 1594

٦٩

عـل الشـفتين بف صـرامة فمها حتى يتهدل وجهها ويكتسب لم تنطق ولم تبرر فعلتها لكن ظلت تراودهـا .. المزمومتين

الرغبة أن تستنسخ من ذلك الشيء آالف القطع لتضعها فـي المزمومة، في البيت والمدرسـة، التـي الشفاهتجاويف كل

.. تفرض عليها أن تضم هي األخرى شفتيها وتصمتأن ا أجبرتها ال شـعوري .. المزمومة الشفاهحاصرتها

الالهثـة تضم شفتاها خوفا أن يسمع اآلخرون صوت أنفاسها أو يكتشفوا محاولتها ابتالع تلك العصا التي ال تدري من أين تقفز لترتكز في حلقها في كل مرة تبتلع فيها كلماتها أو تقتل

عندما استبد بها الفضول مدت أصابعها داخل فمها .. فضولهابعدها طرحت . تا تقيأ لتعرف ملمس العصا وأين تختفي لكنه

ترقـب ظهـور العصـا جانبا فكرة االستكشاف واكتفـت ب .. المفاجئ

.. عندما صرخت فيها الجدة قفزت العصا في حلقهـا عاودت .. زمت شفتيها والتصق لسانها داخل التجويف المظلم

ج صوتها من وراء غضون الفم المتهدل الجدة الصياح وخر !!". لسانك أكلته القطة "مستنكرا

Page 72: 1594

٧٠

في المرات األولى كانت تحرك لسانها داخـل فمهـا المزموم، في رعب حقيقي، لتتأكد أن القطة لم تأكلـه ألنهـا

الرعـب مـن تدريجيا تالشـى .. رتكبت ما يغضب الكبار االقطة، وبقي اللسان في مكانه يلوك في صـمت إحساسـها

اليوم وبعـد .. العجز في كل مرة يرتد فيها خائبا بالهزيمة و دركت أن القطة لم تحسن إليها يوم أن تركت لها قرن أ نصفمع تخلصها من آخر مالمح الطفولة ومخاوفها انطلق . لسانها عرض الحائط بكـل ها محاوال مالحقة أفكارها، ضاربا لسان

.. القواعد واألصول التي استقرت بحكم الزمن والعادةل وفلسف وقيم، بل صال القابع في فمها وجال وتساء

من يصغي بالفعل، لكن الكلمات التي رددهـا ظلـت وحيركانت .. مجرد قطرات لم تتكثف قط أو تتحول لسحابة تظلها

تدرك أن خالفاتها مع زوجها بسبب فصـاحتها المزعومـة ء ومتطلبات الحياة اليومية، وأن ستتوارى خلف مسئولية األبنا

ا جازتها المفتوحة التي طلب منها رئيسها في العمل أن تقدمه إعقب أحد المواقف الساخنة، التي أرخت فيها الزمام لعقلهـا

ما .. اولسانها ليعبرا عما اختزنته لسنوات، سوف تنتهي حتمأرقها بحق إحساسها أن لسانها الذي تركته لها القطة ليعبـر

Page 73: 1594

٧١

عما يجول بخاطرها لم يغير شيء من حولها ولم يجلب لهـا .. سوى المرارة

امتزجت .. لوجوه الثالثة على سطح المرآة تداخلت ا تكاثف .. مالمحها بفم الجدة المزموم وعيني صاحبة الصورة

البخار ليطمس الصورة تاركا حروفا رسمتها بسبابتها لحظة ..اتخاذ القرار

..."شعار آخرمغلق حتى إ"

Page 74: 1594

٧٢

!!" لحقيني يا دكتورةإ"

تسمرت عيناها على الوجه الملتاع الذي أطـل مـن تجمد السبابة واإلبهام حول الزرار األخير الذي .. ء الباب ورا

كادت .. كانت تحاول إغالقه عنده فجاءها عويل جرس الباب أن تصرخ في وجهها لكن نظرة الهلع فـي عينيهـا وعـين

كارثة جديدة فـي .. صغيرتها التي ضمتها لصدرها أخرستها اثت لم تفلح محاوالتها مع أبيها عندما اسـتغ .. األفق والشك

كل صور االحترام المفتعل .. بها الصغيرة في المرة السابقة اكتفى بأن هز .. أيهح في أن تزحزحه عن ر التي يبديها لم تفل نعة وهو يردد إحنا غيركم يـا سـت ط مص رأسه في مسكنة

.. الجواز سترة للبنت.. الدكتورةعد زواج سريع وطـالق عادت الصغيرة بفم جديد ب

..أسرع . دخوللم تدعوها لل

كرهت الصغيرة كل شيء .. تدافعت كلماتها الملتاعة لم يعد هناك ما تحلم به سوى أن تربي وليـدتها المرتجفـة

Page 75: 1594

٧٣

. أبيها يريد لها السترة ولو علـى حسـاب الحفيـدة .. دائماتساقطت الكلمات لتضيف كآبة على جدران منزل لـم تفلـح

اثرت فـي قطع األثاث الملونة وال النباتات الصناعية التي تن عـن ذ قرر الزوج أن يبدأ نزوته بعيـدا أرجائه أن تبددها من

هـزت رأسـها .. منزل الزوجية بعد رحلة العمر الطويلـة محاولة أن تنفض كل الصور واللحظات التي تجمعت وكادت

.. أن تفسد الخطبة العصماء التي أعدتها للمناسبةنثرت المزيد من البودرة حـول عينيهـا .. صرفتها

هاالت سوداء لم تفلح كمادات الشاي وال قناع الوجـه لتخفيمكانتها تحتم عليها أن تخفي آثار ليلـة مؤرقـة .. في إزالتها

. ودموع بللت الوسادة لتكتسـب ورد وجهها وارتفع صـورتها تـدريجيا ت

.. الكلمات دالالت قاطعةاسترخت في مقعدها وانبسطت أساريرها عندما بـدأ

أن المرأة تعيش عصرها الذهبي اكدرفيق المنصة حديثه مؤ ..وأنه يفكر في المطالبة بالمساواة بالمرأة

.. ضجت القاعة بالضحك

Page 76: 1594

٧٤

انتهت الجلسة بكلمات مناسـبة وتحـددت مواعيـد . اللقاءات التليفزيونية

تأهبـت ألن تنشـب .. تعطل المصعد مرة أخـرى ألن تعيده لحجمه الطبيعـي .. مخالبها في عنق البواب السمج

ي انتفش برحيل الزوج ثم تقلص إلى حد ما بعد حصولها الذ ةماتت الصرخة على شفتيها مع نهنه .. على المنصب الكبير

وكلمات متقطعة التقطتها أذنيها من وراء باب حجرة البواب وصوت جمهوري يؤكد أنه ال " اقعد اربي بنتي يابا "الموصد

".. مكان لعازبة أو مطلقة .. ايا قناععلى درجات السلم سقطت بق

Page 77: 1594

٧٥

.. ارتطمت راحة يدها بالكتلة الصلبة فـي صـدرها تجمـدت .. تنبهت كل حواسها بعد لحظة الذهول المفـاجئ

.. مجرد وهم .. مستحيل.. هل يمكن .. أصابعها على صدرها .. لعله التوتر.. من المؤكد أن حاسة اللمس خانتها

أصبح وكأنه قطعـة ميتـة ال .. انفصل جسدها عنها تشاغلت عنهـا أو .. انتهكته أصابع وأجهزة .. ت لها بصلة تم

تحول إحساسها بالجزع واأللم لخدر .. ربما تابعتها كمتفرجة .. أشبه بذبذبات تصل إليها عبر جزء غريب ال عالقة لها به

المست النسيج المشـدود .. في توجس نظرت لثديها غاصـت .. الذي لم تفلح مرات الحمل والرضاعة في إفساده

املها عدة مرات في الكتلة اللينة لكنها في كل مـرة كانـت أن.. ما بين الشك واليقين اهتز كيانهـا . ترتطم بالتجمع الصلب

قـد .. استرجعت في ذاكرتها كل الحاالت التي سمعت بهـا .. تكون غدة لبنية أو مجرد خراج أو حتى كيس دهني عادي

في غرفة االنتظار بمعمل التحاليـل تـذكرت لـون في شريط .. ا الذي تحول للرمادية في الشهور األخيرة بشرته

Page 78: 1594

٧٦

طويل تتابعت أمام عينيها صور إحباطاتها المتوالية وأحالمها قبل أن يعلـن الطبيـب . ا بعد يوم الصغيرة التي تبخرت يوم

نتائج التحاليل أيقنت أن جسدها خذلها وأن خالياها قد أعلنت .. العصيان وتوحشت

ثنية أشبه بتلك التي كـان عقب البتر شعرت براحة و إلله وثني علـه انايشعر بها اإلنسان البدائي عندما يقدم قرب

.. يرضى من بروتين جسدها مع حذرها الطبيب أنها تفقد جزءا

هـل .. الذي ينسال منها بال توقـف اللزجالسائل البرتقالي أن تختزل لمجرد جرح يرفض أن يلتـئم، وسـائل ال يمكن

هـا نبع من عين شـيطانية ال يجـف ماؤ ه ي وكأن يتوقف أبدا في نوبة ضـيق فكـر أن . ساور الطبيب القلق .. االعطن أبد

.. ينتزع ما يطلق عليه الدرنقة لسد الطريق على السائلرفضت بإصرار عجيب وكأن كل نقطة تنسال منهـا تخلصها من بعض القيح الذي سمم جسدها وعقلها وروحها،

ض سوى تكـوين تلـك الخليـة فلم يجد أي منهم وسيلة للرف .. المتوحشة

Page 79: 1594

٧٧

انسالت قطرات جديدة أفلتت من الرباط المحكم حول شعرت ببلل في أجزاء .. الجرح وتدحرجت لتالمس ركبتيها البد من حمـام بـرغم .. مختلفة من قميص النوم الفضفاض

.. تحذيرات الطبيبتدافعت قطرات الماء البـارد محـاذرة أن تالمـس

عمر كامل .. سرقت العمر تفاهات ..بثع.. موضع الجراحة في كل مرة تمتد يدها لقطف ثمـرة .. تحول لخيوط بال نهاية

. تظنها باتت بين يديها، تتالشى وتتحول لسرابتقلصت أصابعها علـى قطعـة اللـوف المشـبعة

.. بالصابون وهي تحاول أن تتذكر متى بدأت األمور تتفـاقم ا سـطعت الحقيقـة انفرجت شفتاها عن ابتسامة باهتة عندم

لم يتغير شيء في .. لم تسوء األمور .. الواضحة أمام عينيها كل ما في األمر أن دوامة الحيـاة اليوميـة .. روتين حياتها

ومسئوليتها لم تسمح لها قط بالتوقف وتأمل كل مـا يسـتلبها فجأة أدركت إلى أي مـدى تقلصـت رقعـة . ويبعثر كيانها

المـوحش سـوى أنفـاس عالمها، فلم يعد يتردد في فضائه سرقت العمر وحولت أيامه لخيـوط تفاهات.. عبث.. ناقمة

..معلقة بين السماء واألرض

Page 80: 1594

٧٨

تذكرت أنها لم .. تناثر رزار الماء النقي حول جسدها تسمح لحزنها لحظة االكتشاف أن يستمر ألكثر من لحظات،

ال تدري كيف ولماذا امتأل فمها في .. بعدها تحولت لمتفرجة حظة بالتحديد بمذاق قطرات اللبن الدافئ التي كانـت هذه الل

يدها القابض دوما بشفتيه على تنسال من صدرها داخل فم ول ل ا ليستقطرها وظلت دوما تتساء ن يبذل جهد كا.. الثدي حلمة

فكرت أن تربت على المكان الخاوي، لكن يـدها ! هل شبع؟ .. سرعان ما سقطت مرتدة إلى جانبها

سة بحزن أقرب إلحسـاس بـألم ضبطت نفسها متلب علـى وسـادتها .. زوايا النفس انبعث أيحائر ال تدري من

.. انفجرت في تشيج طويل

Page 81: 1594

٧٩

. مشي يا ستأ* تصور لوهلة أن كلماته لم تصـل ألذنـي الكيـان

. المتهدل على الفوتيل الناري اللون الذي تزينه منمنات ذهبية كانت قـد تـوارت خـالل ارتسمت على وجهه سحابة قلق

تحركت مقلتاه في أنحـاء الصـالة . الساعات القليلة الماضية كتل األثاث التـي تراصـت الواسعة التي ضاقت تحت ثقل

لحجرة للمائدة وصالون وغرفة معيشة يحدها بابـان لتقسمها . موصدان

لـم .. األمعاءتعلقت عيناه بالبابين وشعر بتقلص في جـف . ي امتدت أمامه على المائـدة يهنأ بالوجبة الفاخرة الت

لعابه وتبخر اندهاشه وشهيته تحت وطأة النظرات المتفحصة . المرتابة لرب البيت واألبناء

في طبقة ارتسمت صورة القرد الصغير الذي انزوى وحيدا في ركن القفص وأخذ يلتقط في مذلة حبات السـوداني

ى واألخيرة كانت الزيارة األول .. التي يلقي بها زوار الحديقة يومها، رغم برودة الصباح الشتوي، تسلل . لحديقة الحيوانات

Page 82: 1594

٨٠

إليه الدفء عبر مسام كف أمه في تجواله الحميم مـا بـين ـ ا كفـه ا محتضـن الرأس والكتفين لينتهي به المطـاف دائم

أرقة .. لم يقظته بعدها توارت صاحبة الكف عن عا . الصغير تـدريجيا – منامـه يؤججه ظهور وجهها في افتقادها وحنينا

ن لهاث وراء كسرة تسد جوعه أو كرة تباعد الوجه وغاب بي فجـأة . يطاردها ليسدد هدفا يقتص فيه من إحساسه بالمذلـة

تبخر إحساسه بالجوع تحت وطأة لحظات الصمت المتـوترة والكلمات واألسئلة المتقطعة والنظرات المختلسة بين أفـراد

بط عليها بـدون مقـدمات األسرة التي تحلقت حول مائدة ه . غريب مجهول، ال لشيء سوى نزوة عابرة

في توجس خجل رفع عينيه لتصدما بالكيان الهزيـل الحظ أنها لم تمس طبقها تقريبا، ارتـدت –الذي لفه السواد

عينيه بصورة تلقائية لطبقه الذي يشي بأن صاحبه لم يتناول ت الصبي انتبهت من شرودها والحظت نظرا . وجبته الفعلية

أشـارت . المختلسة ما بينها وبين الطبقين الممتلئين بالطعام . إليه ليكمل وجبته

!!نتوا* . الحمد هللا*

Page 83: 1594

٨١

. وأنا كمان* أدركت أنه لم يشبع وأنـه لـن . نظرت إليه متشككة

في حركة آلية بدأت ترفع األطباق، وبتلقائية .. يتناول المزيد . أو ربما بحكم العادة اندفع إليها

. عنك يا ست* . يديك واتفرج على التليفزيون مع الوالداغسل ا*

ا ا تجاه الحمام مسـقط غلبه مرح طفولي، فاندفع عدو . كل المحاذير والمخاوف واإلحساس بالغربة

أحكمت قبضتها على حافة اإلناء المستند على طرف الحوض وأعملت قطعة السلك الخشنة على جوانبه محاولة أن

انقبضت أصابعها على قطعـة . صاقات العالقة به تزيل االلت لتشـكل دائـرة ظلـت ا ويسارا السلك وأخذت تدفع بها يمين

تضيق حتى وصلت لنقطة المركز في اإلناء الـذي كـاد أن هي ال تدري بالفعل مـا .. يتفحم أثناء استجواب رب األسرة

المنطق فـي .. الذي دفعها الصطحاب الطفل الغريب للمنزل أو على أحسن قد يكون لصا .. تعرفه هي ال .. ججانب الزو

مـاذا سـتفعل .. الفروض هارب من أسرة تبحث عنه اآلن هـل .. صباح اليوم التالي عندما تضطر للخـروج لعملهـا

Page 84: 1594

٨٢

تصطحبه معها أم تتركه في الشقة وحيدا مع كل االحتماالت .. المطروحة وغير المطروحة

. حباطهـا تجمعت في أصابعها شـحنة توترهـا وإ تالصقت أصابعها القابضة على قطعة السلك التـي أخـذت تتأرجح في دوائر سريعة عنيفة قصيرة لتزيل البقعة السوداء

رة مثل ك تراقصت قطعة السلك تماما .. إلناءالعنيدة في قعر ا فكار عدمية تكاثفـت لتلـف الغريب التي انتشلتها من خضم أ

مثلمـا ..عقلها برؤية ضبابية رغم شمس الظهيرة المحرقـة فـي .. يحدث في كل مرة اندفعت نحو منفاهـا االختيـاري

عربتها القديمة المتهالكة حاولت أن تسترجع أحـداث اليـوم ألشـياء المعتـادة كل ا .. لم يكن هناك جديد . وأسباب ضيقها

ال روتينها اليومي والتي باتت جزءا من التي أصبحت جزءا .. صـغار مشـاحنات ال .. زربنـة زوج .. يتجزأ من الحيـاة

مطالبة الجميع أن تصبح المرأة .. مضايقات الطريق والعمل اضطرارها أن تضـع .. الخارقة في البيت والعمل والطريق

أعصابها في ثالجة وأن ترسم االبتسامة على شفتيها طـوال مطالب ومسئوليات أصبحت لطول معايشتها جـزء .. الوقت

. .ال تدري ماذا أصـابها فـي هـذا الصـباح .. من كيانها

Page 85: 1594

٨٣

بـت استيقظت وبداخلها إحساس ال يقاوم بأنها تحتاج لمن ير بتهـا لزوجهـا ولكـن غأوشكت أن تصرح بر .. على كتفها

من الحمام وهو يجفف شـعره صيحة الزوج المندفع خارجا ال يتـأخر عـن على اإلسراع بإعداد كوب الشاي كي لحثها

..عمله أجبرتها أن تبتلع رغبتها الحمقاء وأن تهرول للمطبخ شعرت بوخزه في كتفها وهي تقف أمام الموقد وقد تحلقـت

صممت أن تبوح . دوائر اللهب المتراقصة حول براد الشاي استحثها صياحه فاندفعت للخارج حاملـة .. بإحساسها للزوج

قبل أن تنطق تذكرت الموقد المشتعل فهرعـت . كوب الشاي . للمطبع وعندما عادت لم تجد سوى نصف قدح شاي وحيد

الطريق للمدرسة قررت أن تطلب من طفليها أن في يربتا على كتفها بمجرد أن توقف محرك السيارة، لكن خيبة األمل الحقتها مرة أخرى عندما انـدفع الصـغيران ليلحقـا

. بالطابور الذي بدأ زحفه نحو الفصولالزمتها وخزة كتفها وهى منكبة على أوراق تناثرت

للحجرة الرطبة أشعة شـمس تسربت .. فيها أرقام بال معنى الشتاء الدافئة عبر زجاج نافذة، شكل عليها الغبـار وأثـار

ازداد .. محاوالت فاشلة لتنظيفها، أشكاال سـيريالية مجنونـة

Page 86: 1594

٨٤

قررت االعتـذار عـن اسـتكمال يـوم .. إحساسها بالوخزة استجمعت شجاعتها وقررت أن تمر على زوجها في .. العمل

على كتفها وستدعوه لقدح من ستسأله أن يربت .. مكان عمله ربمـا .. الشاي بدال من الذي تـرك نصـفه فـي الصـباح

استطاعت شمس يناير الحانيـة أن تـذيب جبـال الصـمت .. امبينه

اندفع خارج الحجرة التي اصـطفت فيهـا مكاتـب عالمات القلق والتوتر التي اعتلت وجهه وتأرجح .. الزمالء

صف الجملـة وابتلعـت اكتفت بن .. مقلتي عينيه ألجما لسانها ..النصف اآلخر

.. من العملاستأذنت مبكرا* اختارت أن تمضي ساعات النهـار المتبقيـة فـي سيارتها بالقرب من مدرسة األطفال تفاديا لزحـام الطريـق

.. والتأخر عن موعد جرس الخروج من المدرسة ومدت ساقيها للخارج بحثا عـن فتحت باب السيارة

الشراب طرف ركبتيها اللتان أحكمت المست الكرة .. الدفءالتقت .. حولهما ثوبها الطويل الواسع خشية هبة هواء مفاجئة

انحنت والتقطت .. ةسالحظت نظراته المتوج .. عينيها بعينيه

Page 87: 1594

٨٥

كرة صنعها من جوربه وتحول لونها للون أقـرب ألسـفلت ..الطريق

التقطهـا وهـرول .. وهى تبتسـم مدت يدها بالكرة ادة وإن تركت بـاب ت لتجلس أمام عجلة القي انسحب.. مسرعا

خالل النصف ساعة التالية تناسى كالهمـا .. السيارة مفتوحا وتردده واتسعت االبتسامة لتصبح ضـحكات قصـيرة وجله . خجولة

.. خرج الطفالن من المدرسة واندفعا نحو السـيارة سـألته .. أوشكت أن تنطلق لكن نظرة اللهفة في عينيه شلتها

أب مزواج .. قصيرة ألمت بأطراف القصة المعتادة وبعباراتوأم وحيدة تعول الصغير يختطفها الموت فجأة تاركـة إيـاه

.. تحت رحمة الطريق والجيران إن وجدوا . قالتها وهي تدير محرك السيارة" أركب"

حملـق .. ساد صمت متوتر بين الركـاب األربعـة لـذي الصغيران بغيظ مشوب بالتعجب في الضيف الثقيـل ا

حرمهما لذة المشاغبات المعتادة وسرد نوادر اليوم واألهم من انسـالت .. ذلك متعة الجلوس في المقعد األمامي في السيارة

Page 88: 1594

٨٦

.. قطرات الماء فوق اإلناء الذي استعاد لمعانه بعد عناء شديد . معهمفليبقى

.. إما البـوليس أو الطريـق .. كلمات الزوج قاطعة .. نظرات األبناء رافضة

دلت على الفوتيل األحمر القاني في مواجهة البابين ته . الموصدين . مشى يا ستأ*

قالها في لهجة تقريرية أبعد ما تكون عن التساؤل أو استوعب الصـغير حقيقـة .. االستجداء الذي الح في عينيه

الموقف وأعفاها من حيرتها ومن إحباط جديد فـي سلسـلة . إحباطاتها المتصلة

مـاذا .. ت أن تسأله أيـن سـيذهب في الطريق أراد مرة أخرى ابتلعت تساؤالتها فهي ال . سيفعل في أيامه المقبلة

.. تستطيع أيا كانت اإلجابة أن تقدم البديلعندما وصلت إلى نفس المكان الذي التقطتـه منـه،

.. مدت يدها داخل حقيبتها ودست في كفه ورقة مالية صغيرة في . على تابلوه السيارة حملق فيها الصغير لوهلة ثم وضعها

.. حركة خاطفة المست شفتاه كتفها ثم اندفع خارج السيارة

Page 89: 1594

٨٧

في مرآة السيارة لمحته يعدو تحت أضواء الطريـق .. ولو إلى حين.. الشاحبة والحظت اختفاء وخزة كتفها

Page 90: 1594

٨٨

مرت أصـابعها . ألقت النظرة األخيرة على هندامها يابية البنطال وعـدم وجـود د من انس كبرفق على ردفيها لتتأ

قبل أن تغلق باب الشقة لم تنس .. ثنيات تشوه سمهرية قوامها أن تضع خلف أذنيها قطرات من زجاجة العطر التي قـدمها

فـي الطريـق .. لها المرحوم بعد عودتهما من شهر العسل داعبت أناملها خصالت شعر تحررت من حجـاب مؤقـت

ة المعطف الفرد الذي أفلحـت وطوق ماسي يزين عنقها وياق لم تفلح في إقناعه هو .. في اقتناصه في أول أيام شهر العسل

المـالح، والليالياآلخر بارتداء ثوب الزفاف وإقامة األفراح ولم يتمكن هو من تغيير رأيها، فاستسلم إلرادتها وقبل أن يتم

انتابها ضيق .. الزواج في حضور محامي وشهود من طرفها ما انحشرت السيارة بـين أتوبيسـات الظهيـرة مفاجئ عند

حاصرتها عيـون الركـاب .. المزدحمة في إشارة ال تنتهي رفعت زجاج الشباك .. هاوشعرت أنها تخترق مسامها وتعري

النظـرات التـي لم يحجب الزجاج الفيميـه .. صق لها المالالحقتها وكأن ركاب األتوبيس أدركوا أنها تنتمي لهم بـأكثر

Page 91: 1594

٨٩

شعرت بوخزة .. سيارة الفاخرة التي تختفي فيها مما تنتمي لل نفس الوخزة التي ظلت تالزمها لسنوات كلمـا .. في ركبتها

انحشرت في األتوبيس في طريق الـذهاب أو العـودة مـن . العمل

جاء .. ولت أيام الشقاء واألحالم الصبيانية بال رجعة هو بالحل السعيد الذي عجزت سنوات الدراسة واالجتهاد عن

جاء وهي على أبواب عنوسة وبشره بـدأت .. صول إليه الولم .. ققتفقد نضارتها تحت وطأة الحاجة وانتظار حلم ال يتح

للمشاكل التي قد تثيرها الزوجـة زواج عرفي، درءا .. تترددحسـبتها .. كمـا أكـد لهـا –واألبناء، لكنه زواج شرعي

لم يكن فارس أحالمها، لكنه سيخلصها مـن لقـب .. بسرعة . ن أيامها القادمةس ويؤمعان

رغــم ســرية الــزواج، إال أن مالبســها الفــاخرة ري الذي غطت به خصالت شعرها طبقـا واإليشارب الحري

ألوامر العريس، كما قالت لزمالئها وهى تلوح بمعصم زينه .. سوار رصعته األحجار الكريمة، فضحوا األمر

Page 92: 1594

٩٠

تغابت الزوجة الرسمية وتجاهـل األبنـاء اإلشـارة ظنت أن الموضوع مر بسالم، فأصبحت تقـدم .. لموضوعل

.. نفسها باسم حرم فالنخلى النعي من اسمها، فاضطر المعزون أن يقومـوا

.. البيت األول بنصـيب األسـد حظيبالواجب مرتين وإن . المهم إعالم الوراثة.. النعي ال يهم.. همست زميلة

طمع لشبهة ال انتظرت في بيتها حفظا للمظاهر ودرءا البيت األول لم يثر مشاكل في حياتـه .. في ميراث المرحوم

فلماذا يثيرها اآلن، خاصة وأن التركة كبيرة تسع من الحبايب .. ألف

.. بعد األربعين نفذ صبرها وسألتالمرحوم كتب كل شيء ألهل البيت األول ولم يبـق . لها سوى التناتيش التي حصلت عليها منه خالل فترة الزواج

على خيبتها التـي صت الزميلة شفتيها تحسرا صممجعلتها تفرح بالهدايا التافهـة وتنسـى مفـردات ممتلكـات

..المرحومهزت رأسها وكأنها تنفض عنهـا كلمـات الزميلـة

من .. تحركت السيارة .. وعيون ركاب األتوبيسات المجاورة

Page 93: 1594

٩١

.. بعيد الحت الفتة مكتب المحامي الذي سيكتب العقد الثـاني لقب األرملـة السـرية .. الطوق الماسي وابتسمت تحسست

فـي .. لفالن بك منحها حق فرض شروط أفضل للعقد الثاني هذه المرة ستتدارك أخطائها، ومن يدري ربما تصـبح فـي

..المرة الثالثة األرملة الرسمية لعالن بك

Page 94: 1594

٩٢

تقلصت أصابعه لتشكل مع الكف المتشنج حلقة مغلقة قطرات العرق التي . حقيبة التي تدلت من كتفه حول مقبض ال

انسالت على جبهته وعلى ياقة القميص المتهدلـة بزرارهـا األخير المفتوح، لم تكسبه االحترام الالئق بحامـل الحقيبـة السمسونايت الذي يرتدي حلة كاملة ورباط عنق في أحد أيام

بدا في وقفته وزيه الرسمي المتهـدل . صيف القاهرة الساخن لها السيارة المندفعـة فـي تإشاراته المنقوصة التي لم تلتف و

شخصية درامية تصـلح ألن جنون بعد تخطي الرادار أشبه ب ة التـي ع البق أي مكان عدا في تؤدي دورا هزليا أو تراجيديا

.. خاطفة على ساعة معصـمه ألقى نظرة . اختارها للوقوف فر في ضيق ز.. الساعة يشيران للثامنة والنصف كان عقربا

على مـدى .. فالبد أن يصل هذه المرة في الموعد المناسب ساعات النهار الطويلة ظل يطارد عقارب الساعة، لكن زحام

ما يفسدان العربات المعطلة بسبب الحر دائما المرور وتكدس اعتـاد .. خططه مما يضطره لترحيل كل موعد ساعة كاملة

مي، لكن األمـر من نظامه اليو هذه العطلة وأصبحت جزءا

Page 95: 1594

٩٣

عن موعده بسـاعة خرج مبكرا .. كان مختلفا في هذا النهار لهذه اللحظة م جدوله بالدقيقة والثانية تأهبا كاملة ليضمن انتظا

. التي أعد لها منذ األمسرق في العرق على المقعد المجـاور األقى بجسده الغ

لم يناقشه في السـعر الـذي حـدده للمشـوار وال .. للسائق مـن المهجور الذي قرر أن يأخذه هروبـا ق الطويل الطري

عنـدما .. الزحام ولجان المرور وعطلتها على حد تعبيـره حزام األمان، سائق أن يثبت ما أطلق عليه مجازا طلب منه ال

استقرت في التي بالحقيبة متشبثةحرر يد بينما ظلت األخرى وفخذيـه مكمنها األمين في زاوية شكل أضـالعها صـدره

الحظ السائق محاوالته الفاشـلة لتثبيـت الشـريط . عدهوساالمطاطي الطويل، فاقترح عليه أن يحرر يده األخرى ليتمكن

رفض في كلمات مبهمة مفضال أن يمسك .. من ربط الحزام .. في يده طرف الحزام إرضاء للسائق وعسـاكر المـرور

حاول السائق أن يمارس أصول مهنته بفتح باب الدردشة مع بـالغ ون لتخفيف وطأة الطريق وتحليل ثمن التوصيلة الم الزب

في أفكاره وهو يتأمل األشجار فيه، لكن الراكب ظل مستغرقا . التي تفر للوراء مع اندفاع السيارة في الطريق المفتوح

Page 96: 1594

٩٤

لم يكن يوم السائق أفضل من يوم الراكب بأي حـال من األحوال، فعلى مدى ساعات النهار تم توقيفه أكثر مـن

مرة وتم سحب رخصتي القيادة ثم السيارة على التوالي فلـم فكر للحظة عقـب سـحب . يبق سوى سحب السيارة نفسها

الرخصة الثانية في إنهاء اليوم الباين من أوله والعودة للمنزل راجع عـن وكفى اهللا المؤمنين شر القتال، لكنه سريعان مع ت

س والتزاماتهـا موعد افتتاح المدار تنفيذ الفكرة بمجرد تذكره وما جد عليه اآلن من غرامـات جديـدة عليـه أن يـدفعها

ضرب كفـا . رة والقيادة المسحوبتين الستعادة رخصتي السيا ال حول : "ثم تصعب قائال " يعني هي ناقصة "بكف وهو يقول

ليس لديه خيـار .. بعدها قرر أن يغامر للمرة األخيرة .." اهللاأكمنة المرور لعبة القـط قرر أن يلعب مع .. وربنا الحارس

والفار، فهو يعرف أماكنها بالتحديد والجديد منهـا سـيتكفل استخفه فرح . رفاق الطريق بتنبيهه لها بالكالكسات المعروفة

طفولي وهو يلعب مع العربات القادمة في االتجاه اآلخر لعبة الكالكسات، ومحاورته للجان المرور بتغيير الطريـق بـين

ا له األمر أشبه بلعبة العسـكر والحراميـة بد. الحين واآلخر .. التي لطالما لعبها في الزمن البعيد

Page 97: 1594

٩٥

للراكب الذي استسلم لشبه إغفـاءة أدار وجه مبتسما ماتـت .. وإن ظلت عضالت جسده تحمي الحقيبة السـوداء

شيء ما .. انتابه توتر مفاجئ .. االبتسامة على شفتي السائق أشعل .. ن تنتهي على خير في هذا الراكب يشي بأن الرحلة ل

للسـيجارة أن اكتفى الراكب بهز رأسه رافضا سيجارته بعد التي قدمها له، وأحكم قبضته التي تراخت قليال حول الحقيبة

لم تفلح السيجارة في إزاحة سـحب .. بفعل إغفاءته القصيرة القلق التي بدأت تتجمع في مـؤخرة رأس السـائق والتـي

قبول الزبون للسـعر .. ة السوداء تمركزت كلها حول الحقيب الذي حدده وعدم مناقشته في اختياره للطرق الطويلة الغيـر مطروقة أمران قد يكون لهما تبرير منطقي، لكن المشكلة في

حرصه الشديد يؤكـد .. تلك الحقيبة أو المصيبة التي يحملها لون هذا النوع من الحقائـب من يحم . أن فيها شيء له قيمته

كما أن .. لكنهم ال يركبون التاكسيات .. مالأعال ، رج تحديدارغم محاوالتـه .. مظهر الرجل ال يشي بذلك على اإلطالق

الشمسية المستميتة، لم تفلح الحلة وال رباط العنق وال النظارة ال .. هو ال يختلف عنه .. ير الحقيقة البارزة من الجيب أن تغ

لكبار وأنه مؤكد أنه موظف لدى أحد ا .. يفرقهما سوى الحلة

Page 98: 1594

٩٦

حاول أن يستشف .. مؤكد.. في طريقه ليسلم له حصيلة اليوم .. من الراكب هويته ليطمئن لكن األخير خذله

غرقت السيارة في صمت موحش ال يقطعـه سـوى مع صـمت ووحشـة .. حشرجة موتور مجهد مثل صاحبه

قـد يكـون بـداخل .. مقابر السيدة عائشة توحشت مخاوفه لقـد !! مصيبة.. أو أسلحة .. د مزيفة الحقيبة مخدرات أو نقو

اعتاد مشاكله مع رجال المرور، لكن المخدرات واإلرهـاب لن يغامر ويخطو خطوة واحدة قبل أن يعرف ما .. شيء آخر

..بداخل الحقيبةصدرت عن الموتور حشرجة أشبه بالصرخة عندما

.. تنبه الراكب.. ضغط على الفرامل فجأة ليوقف السيارة !وقفت ليه؟.. ريسجرى إيه يا* أنا مش حـاتحرك إال لمـا أشـوف .. شوف بقى *

.. فيها إيهديالشنطة اكتسى وجه الراكب بالذهول وازداد إحكام قبضـته على الحقيبة التي أزاحها ليصبح جسده حائال بينهـا وبـين

.. حاول أن يلون صوته بنبرة حادة.. السائق .. نت مالكوا*

Page 99: 1594

٩٧

. هوه كده* المكان مظلم، خالي مـن .. اسه الخطر استشعرت حو

حظـه األسـود .. سكان القبور لن يستطيعوا إنقاذه .. الحياةحاول أن ينهي الموقـف .. أوقعه في سائق من قطاع الطرق

بالعقل بعد أن أجرى معادالت سـريعة فـي عقلـه حـول إمكانيات الهجوم والمقاومة واحتماالت امتالك السائق ألسلحة

.. غير منظورة .اطلع اهللا ال يسيئك.. يا سيدى الشنطة فاضية*

.. افتح الشنطة.. ما تدخلش ربنا في الموضوعتشـبث .. خيم الصمت مرة أخرى علـى السـيارة

الراكب بالحقيبة والسائق بمقبض حديدي أخفاه بـين مقعـده ..والباب المجاور له لزوم الطوارئ وزبائن آخر الليل

هو خاسر في كل .. مرة أخرى أعاد الراكب حساباته األحوال، وقد استدرجه السائق لهذه البقعة بالذات لغرض في

.. ال فائدة.. نفسهتحسس خيوط الدم التـي انسـالت علـى صـدغه واختلطت بالغبار الذي أثارته السيارة التي انطلقت مسـرعة

في ضوء قمر نهاية الشهر لمح الحقيبـة .. لتختفي في الظالم

Page 100: 1594

٩٨

بها وتأكـد مـن وجـود زحف صـو .. على جانب الطريق .. محتوياتها كاملة

تسلل على أطـراف أصـابعه وأفـرغ محتويـات في هدوء أزال الغبار الذي علق بمريلة المدرسـة .. الحقيبة

الجديدة أثناء المعركة وفردها بجوار ابنته التي غلبها النـوم . قبل وصوله

Page 101: 1594

٩٩

صمت خيمت علـى رنين رتيب مستفز قطع وحشة انتفض وبحركة ال إرادية تحولت عينيـه صـوب .. كانالم

لم : الماكينة السوداء التي أصرت على إصدار رنينها المزعج تحولتا لكتلة جامدة تتناقض .. تتحرك قدماه ولو بوصة واحدة

بـدأ الصـوت .. مع االنتفاضات المتتابعة في عروق عنقـه .. األنثوي الميكانيكي تكرار الرسـالة الصـوتية المحفوظـة

.. ترقب سماع الرسالةفي غضب اندفع نحو اآللة الغبية وضغط فـي ملـل

تثاقلت خطواته في طريق .. واضح على زرار مسح الرسائل العودة عرج على المطبخ وبحركة آلية ضغط زرار ماكينـة

.. القهوة بعد أن تأكد من كمية البن المطلوبة بدقةمنظم، .. في مكانه كل شيء .. مسحت عينيه المطبخ

.. ال مجال لعبث يد أخرى .. نظيف، دقيق كما رتبه بالضبط مع رشفات القهوة المتأنية تحركت أصابعه في ملـل علـى

تتابعـت الصـور بينمـا ظلـت .. أزرار الريموت كنترول اسـتوقفه صـوت .. األصابع تكرر الضغط علـى األزرار

Page 102: 1594

١٠٠

كـرر .. منهـا ضـحكه أي نكت لم يثر يرددأجوف أجش ثقل على نفسـه مـن فتـرات ليس أ .. الضغط على األزرار

جازاتها اإلجبارية التي تضطره للجلوس في المنزل إاألعياد و . ومشاهدة التليفزيون في أسخف حاالته

في األيام األولى التي تلت رحيلها استمتع بكـل مـا استمتع بوجود األشياء في أماكنهـا .. حرمته منه هذه الزيجة

م اضطراره لتقـديم التي وضعها فيها وبالفراش المتسع وعد مبررات لتأخره ليال واألهم من ذلك أنه تخلص من اإلحساس

قف أمام نفس تو.. بالذنب الذي كان وجودها يستثيره في نفسه ما ضبطها متلبسة بمشاهدته أثناء فترات البرنامج الذي كثيرا

.. غيابة القصيرة عن الشاشة في األمسيات التـي تجمعهمـا ر بسرعة لتشاهد أجـزاء متقطعـة اعتادت أن تضغط األزرا

أن يستخرج عندما يقوم لقضاء حاجة سريعة أو عندما يقرر قبل أن ينطق كانت .. ما يدفع به سأمه من باطن الثالجة شيئا

تضغط األزرار بسرعة لتعود بها لمكانها األصـلي وتبتسـم في أحد المـرات . مرتبكة وكأنها ضبطت متلبسة بالمشاهدة

فـي .. هد البرنامج لكنها رفضت بإصرار طلب منها أن تشا كل المرات التالية كف عن العرض واكتفى بإطالـة فتـرات

Page 103: 1594

١٠١

.. عن الشاشة ليمنحها فرصة أطـول للمشـاهدة تغيبه بعيدا ال عـرض وال .. بمرور األعوام تحول األمر لشيء روتيني

.. طلبانتشله من خواطره لحن مـألوف وإن كـان لبعـد

الموسيقى المعدنية قد أصبح خـارج المسافة الزمنية وإلحاح لم يأخذها لكنه أبدا كانت تقول أشياء مشابهة و .. نطاق الزمن

أرادت أن تشكله على هواها وكأنه مجرد .. على محمل الجد ..ييق والتقصير، بل والكشكشة أحياناثوب قابل للتض

.. تين بدمعة تجمـدت ي بعينين مند ضبط نفسه متلبسا رحلت قبل أن تعرف كم أحبها أم أن هل كانت ذكرى حبيبة

.. ما في قلبهيئااللحن القديم بكلماته المتخفية قد لمس شهز رأسه عدة مرات وكأنه ينفض عن عينيه وأذنيه

وضع قـدح .. ما تسرب إليهما من صور وأصوات وأشباح ألقى فـي .. القهوة على المنضدة عندما انبعث رنين التليفون

د كلمات اعتذار عن دعوة عشـاء ضيق بالسماعة بعد أن رد .. جديد

حول المؤشر لقناة األخبار، وفي ملل واضح تتابعت ن اكتسـت الشاشـتا .. أزرار الكومبيوتر دقات السبابة على

Page 104: 1594

١٠٢

باللون األحمر في آن واحد لترسما صورة لعالم تغرقه الدماء تعلقت عينيه بالظالل التي رسمتها ثنايـا .. وقلوب عيد الحب

، فـي انتظـار ان القدح الخالي وآلة التليفون البن علي جدر .. مكالمة لن تأتى أبدا

Page 105: 1594

١٠٣

ما تزال .. اأشارت عقارب الساعة إلى الواحدة ظهرفـي أيـام . أمامه ثالث ساعات كاملة على موعـد قطـاره

شاف مكان االنبهار األولى لم يكن ليضيع هذه الفرصة الستك ول الغريب أينما حـل فض الزمه طوال عشرين عاما .. جديد

بعـد اليوم يعود نهائيـا .. قصيرة للوطن جازاته ال حتى في إ .. انتهاء عقد عمل لم يجد في نفسه رغبة لمحاولـة تجديـده

تبخر االنبهار بموطن مختار والغضب .. تساوت األمور فجأة لم يبق سوى إحساس ممض بالغربـة أينمـا .. من وطن أم

ة سوى صـناديق محملـة لم يحمل في رحلته األخير .. حلبالكتب وأوراق سودتها يوميات الغربة وأوراق مـا تـزال

.. سطورها تنتظر معه أيامه القادمة.. حملق في األوراق التي تناثرت أمامه على الطاولة

عاندته الفكرة فألقى بقلمه على صفحة البلوك نوت التي لـم تلونها كلماته وال عالمـات الشـطب واألقـواس واألسـهم

تراقصت األسطر أمامه وكأنها تسخر من رأسـه .. عتادةالمفي مساء الليلة السابقة ألحـت .. هءلعن كسله وغبا .. الخاوية

Page 106: 1594

١٠٤

بـدا كـل . ها كاملة وكأنها شريط سينمائي رآ.. عليه القصة تصور أنها محفورة في ذهنـه .. لدرجة مذهلة شيء واضحا

لكن .. وأنه مع إشراقة الشمس يمكن أن يسكبها على األوراق ها هو اآلن يحاول أن يسترجع كلمة واحدة أو حتى البدايـة

سطر توفيـق .. تذكر ميالد فكرة توفيق الحكيم .. دونما فائدة ه أنـه فـي جربة ولكنه لم يستوعب الدرس، عزاؤ الحكيم الت

.. كالهما أجهض فكرة.. قارب واحد مع توفيق الحكيملم يمـض سـوى .. ألقى بنظرة على ساعة معصمه

فضـول فكر للحظة أن يوقظ في نفسه حاسة .. ائقخمس دق دت لتخلف في الـنفس متى خم االغريب التي ال يدري تحديد

ا لم يستطع أن يتخلص منه حتى فـي رمادي برودة وإحساسا أيام الصيف البهيجة في أرض المختارة، لكن دفقات المطـر المتتابعة والرياح التي أطاحت بمقاعد المقهى المتراصة فـي

تفاء بخدعة شمس انتظارا لبشائر صيف تأخر، أو اح خارجال وراء السـحب طلت في الصبح ثم مـا لبثـت أن تـوارت أ

لم يبق أمامه سـوى أوراقـه .. الرمادية، أثنته عن المحاولة البيضاء التي شعر وكأنها تخرج له لسانها في شماتة أو تأمل

.. رواد المقهى وحركة العابرين في الطريق

Page 107: 1594

١٠٥

لتذوق ه من نافذة سيارة فاغرا فاهه برأسأطل صغير طت مراوغة إياه على جفنـه محاولـة حبات المطر التي سق

التسلل لعينيه بينما واصل قائد سيارة محاوالته لالستمرار في السير وراء سرب السيارات المندفعة بعد أن طـارت فجـأة

كانـت .. مساحة الزجاج قافزة نهر الطريق لتستقر أمامهـا قف السيارة المسرعة لتعبـر الطريـق بحمولتهـا تنتظر تو راهن أنها ستتجه للمقهى لتحتمـي مـن البـرودة .. الثمينة

ن ماهيـة الحمولـة حاول أن يخم .. واألمطار لبعض الوقت التي تحتضنها بحرص مؤثرة انتظار ضوء أخضـر قـد ال يظهر قط بعد أن أصابت الرياح عمود إشارة المرور بعطب

ر لها لتعبر الطريق أو أن يخـرج بنفسـه فكر أن يشي .. ماليوقف سيل السيارات المندفعة، لكن بقية من قواعـد الحيـاة التي تعلمها في تلك البالد وما كرره عليه الرفاق منذ البدايـة بضرورة عدم التدخل في شئون اآلخرين أقنعـاه باالنتظـار

..ومراقبتها من طرف خفي وال الوشـاح لم تخف المالبس الثقيلة التـي لفتهـا

والقبعة اللذان أخفيا مالمح وجهها امتالء جسدها بدرجة تؤكد ـ .. اختالفها عن أبناء المنطقة مثلـه ةمن المؤكد أنها غريب

Page 108: 1594

١٠٦

لقطـار ولعلها هي األخرى تبحث عن ملجإ دافئ انتظـارا ى وتتخلص من أحمالهـا عندما تدخل المقه .. يحملها لجهة ما

دليله مالمحها، لن ينتظر .. ها ليحدد موطن سيبدأ رهانا جديدا حديثها مع صبي المقهى ليحدد من لكنتها هويتها، فهذه لعبـة أتقنها لكثرة معاشرته للجنسيات األخرى في عمله في البلـد

هذا الجسد الريـان لـن يكـون إال إليطاليـة أو .. الغريب بأنها سائحة البسها شبه البالية ال تشي مطلقا لكن م .. أمريكيةأغلب الظن أنها إيطالية فمحطة القطار ينطلق منها . .أمريكية

. قطار يتجه إلى إيطاليامع اقتراب خطواتها مـن المقهـى تأهـب للحظـة

.. الحقتها عيناه .. الحاسمة، لكنها تجاوزت باب المقهى الدافئ فـردت مقعـدا .. لطريق وضعت أحمالهـا في زاوية على ا

ـ صغيرا به بعـود ، وبحرص شديد أخرجت آلة موسيقية أشخماسي األضالع واحتضنتها بعد أن تخلصت مـن القفـاز

..الرث والوشاحمن وراء النافذة الزجاجية راقب مالمحها وحركـات

في رقة تتناغم مع وجه زايلته فم يستدير ويستطيل ثم ينغلق في حركة سـريعة ألقـى بـالقطع .. آثار جوع وإجهاد فجأة

Page 109: 1594

١٠٧

ح القهـوة واألوراق النقدية المعدنية على الطاولة بجوار قـد . البيضاء وخرج

لم يهتم أن يتبين اللغة التي تشـدو بهـا وال معـاني األمطـار يرقـب سـماء وقف إلى جوارها تحت .. الكلمات

. مفاجئرمادية وأفقا ممتدا وقد غمره دفء

Page 110: 1594

١٠٨

من تـل صـغير لـم ألقى الصحفية، فاحتلت جانبا ذيفة ل انزلقت مجلة بفعل الق في الجانب المقاب . تصنعه الطبيعة

في الوادي المحيط بتل الورقية واستقرت لتشكل جزءا جديدا الصحف والمجالت التي حولت أرضية الغرفة لقطـع مـن الموزايكو متعددة األلـوان واألحجـام، ال يجمعهـا سـوى

طرت على أوراقها والتـي خلـت الحروف السوداء التي س .. من اسمه وصورهتماما

أعاد .. ظ مكتوم للتليفون الذي أصابه الخرس نظر بغي ـ .. قط كالمعتـاد فحص محموله والتأكد من أن الشبكة لم تس

أدمن رنـين .. وسكون لهم يألفهما جثمت على صدره وحدة تليفون ال ينقطع وجدول أعمـال يصـعب التوفيـق بينهـا

أدمـن .. ومالمحه التي ال تغيب عن الشاشـات والصـحف . اللعبة

ولى كان التوتر يالزمه عندما يلمح أحد في بداياته األ المحررين الفنيين ويزداد إذا ما وعده أحدهم بنشـر بضـعة

بمرور الوقت تالشى التوتر وحلت مكانه النشوة . سطور عنه

Page 111: 1594

١٠٩

واختفى ميزان الذهب الـذي كـان يكيـل بـه تصـريحاته البـرامج ومعدياستنام لواقع مطاردة الصحفيين .. وأحاديثه

.. ية الدائمةوألوهام النجوملم يفلح النيولوك وال المالبس الشبابية في إبقائه فـي

ـ نصحه صديق أن يغير جلده ويقبل ما ين .. حلقة السباق ب اسعمره، لعنه ولعن حقده وجهله بجمهوره الذي لن يرضى به

. إال في دور الفتى األولصوب نظرة نارية لتـل الصـحف .. الضجر انتابه

في ثورة غضبه أوشـك أن .. مهوالمجالت التي خلت من اس قد .. في اللحظة األخيرة تراجع .. يحطم آلة التليفون الخرساء

.. تنطق اآلن

Page 112: 1594

١١٠

لم تفلح نسمات هواء حملـت بشـائر .. صفق الباب في قرارة .. الملعون تجاسر ونطقها .. الشتاء في تهدئة غضبه

عـون تنمـو نفسه كان يشعر أن شحنة الغضب في نفس المل فـي اللحظـة .. تحت السـيطرة يوما بعد يوم ولكنها دائما

ح أن السنوات األخيرة صحي.. األخيرة يتراجع عن المواجهة فـي لوك الملعون لكن األمر كان دائمـا في س شهدت تغيرا

استوعب الـدرس .. حدود النطاق اآلمن الذي ال يمس سلطته هكذا قال له مثلما ..وتعلم أن يبتلع دموعه فالرجال ال يبكون كان يعرف أنـه .. نقل إليه عن جده وجد جده السر األعظم

بمجرد أن يدير ظهره سينطلق الملعون ليـدس وجهـه فـي ـ ة صدر أمه وينفجر في نهنهة مكتومة ال تملك معها الملعون

اهللا يات من القرآن ليبعد سوى أن تربت على رأسه متمتمة بآ عنفها على طراوتها مؤكـدا ما كثيرا.. الشر عن قرة العين

عندما استطالت قامتـه .. أنها ستفسد الولد وتحوله البن أمه قليال، الحظ أن نظرة الترقب واالستعداد للهروب في أحضان األم تحولتا لنظرة استسالم حزينة، ال يدري أحد مـا يطـرأ

Page 113: 1594

١١١

بقدر سعادته أن .. تحوالت وراء الباب المغلق دائما عليها من ر صدر أمه ولم يعد يبكي مثل النساء بقدر مـا الملعون هج

أعـادت إليـه أرقته نظرة الحزن واالستسالم في عينيه التي ..صورة الصبي الذي كان

تغيير المكان والزمان بل واألشخاص لكن النظـرة ..تخطت حاجز السنين لتستقر في عيني الصغير

كانت له نفس النظرة لكن وطأة األيام والقهر خلفـت بـين وأسدلت ستارا كثيفا في الحس خشونة وتبلدا هفي نفس

.. ماضي الطفل والمراهق والشاب وبين واقعه الحالي.. سابقة الحقته عيني الملعون الصـغير في انفجارة

فتحت كل السراديب لتنبعث من أعماقـه كـل الصـرخات .. المكتومة وكل لحظات االستسالم المهين التي عاشها

أن يخـرج عـن المـأمون لم تواته الشجاعة قـط ت لـه تـراء .. واألصول واألعراف المتوارثـة والمضمون

لحظة انكسـار وعينـان .. صورة انبعثت من غياب الذاكرة لمتقاطعة التي تمأل البسـاط والمربعات ا اتهاربتان في المثلث

.. عن نظرة أبيه المتوعدةبعيدا

Page 114: 1594

١١٢

اقترنت غصةفي لحظة انفجار االبن المروعة تملكته تحشـرجت .. نة مألت عينيه وامتدت الغصة للحلـق بسخو

الكلمات على لسانه وأوشكت عينيه أن تفضح مذلة وخـوف من نظرة وكلمـات صفق الباب هاربا .. هما في أعماقه اختزن

.. تردد صداها في أعماق النفس

Page 115: 1594

١١٣

أطبق شفتيه بشدة خشية أن تتسـاقط .. تقلصت معدته استجمع إرادته ليبتلعـه .. الذي مأل فمه قطرات السائل المر

بصوت غير .. يبتهدس الورقة اللعينة داخل حق .. دفعة واحدة مسموع شكر اهللا أن الورقة وصلت إليه من بين يدي مـن ال

.. يعنيها األمرتنهد في ارتياح لم يستمر أكثر من لحظـة، بعـد أن أكدت المدرسة ضرورة توقيع ولـي األمـر علـى نتيجـة

.. اراالختبمن يضمن .. كيف يطلع ولي أمره على خيبته الثقيلة

مؤكد، لن ينتهي النهار .. له أن ينجو من لكمات الست الوالدة .. على خير

أفاق من تأمالته التعسة بنغزة من مسطرة األسـتاذ بعد أن فشلت لكزات زميله في إعادته لدنيا الواقـع ليجيـب

.. على سؤال األستاذ ..أتحايل عليك.. ما ترد يا سيدى*

Page 116: 1594

١١٤

تحولت النظرة الشاردة في عينيه إلى رعـب عقـد لسانه وشل تفكيره فلم يستطع حتى أن يردد همسات الزمالء

.. التي تناثرت حوله إلنقاذهكـابتن .. بقى إن شاء اهللا مع مين .. سرحان طبعا*

! أر معبود النساء؟– جيال ماجد وا .. هاانفلتت ضحكات لم يفلح الصغار في إخفائ

ورقة الملعونـة في طريق العودة للمنزل شعر أن ال تجاهل دعوة الرفـاق لمبـاراة .. للحقيبة أضافت ثقال جديدا

الكرة الخاطفة التي اعتـادوا أن يلعبوهـا بطـول الطريـق تفـادى .. الحقيبة الـذي كبـل سـاقيه أزعجه ثقل .. لبيوتهم

يمـات نظرات األم المتسائلة وأجبر نفسه على ابتالع بضع لق األفضـل تأجيـل المواجهـة .. وقد ثبت عينيه على طبقـه

..للمساء بعد أن يأخـذ .. ا كيف ستسير األمور هو يعلم تحديد

همـا واللكزات من األب واألم سينشب كال نصيبه من التأنيب األفضـل أن يـتم .. مخالبه في اآلخر ويعلو الصياح المعتاد

تجف دموعه، سيغلبه النعاس، حتى لو لم .. األمر في المساء ..ويعفيه من سماع وصلة خناق جديدة

Page 117: 1594

١١٥

تسللت عبـر مسـام النسـيج .. انسحب إلى حجرته تناثرت علـى أرض . األبيض فوق النافذة أشعة شمس شتوية

الغرفة وجدرانها أكواخ صغيرة تحف بها األشجار ويحـدها .. ارتسمت على الجـدار المقابـل تأمل المنمنمات التي . نهريرة تظللها نباتات مزهرة ويد تربت عليه ت له نافذة صغ تراء .. غمره إحساس مؤقت بالسالم.. بحنان

Page 118: 1594

١١٦

التوت الشفة السفلي وسقطت فوقها رفيقتها لتحولهـا لخط رفيع شبه ال مرأى، واكتملت الصورة بخطوط طوليـة

فـي .. وعرضية ارتسمت على الجبهة وما بـين الحـاجبين منه بعض الوقت ليستدعي عناصـر البداية، استغرق األمر

ساسا ديكوره الخارجي وقت اللزوم وليخفي رجفة داخلية وإح مبهما بالخوف واالضمحالل يغزوه دائما كلما واجـه موقفـا

أو شك أن هناك من اكتشف مـدى وهنـه وضـعفه مباغتا .. الداخلي

ه قط، إال أنه اعتـاد لورغم أن توتره الداخلي لم يزاي العادية أن يبسط جبهته وأن تنفرج شـفتاه عـن في األحوال

كلمات متتابعة أشبه بدفعة من طلقات مدفع رشـاش تنتهـي بمرور الوقت اعتاد أن يرتدي الوجـه .. بقهقهة جوفاء ميتة

لم تخنه مهارته مـرة واحـدة .. المناسب في الوقت المناسب حاول أن يبسط جبهته وأن يطلق .. طوال ربع قرن إال اليوم

ماته المتتابعة أو أن يصدر قهقهته المفتعلـة ليواجـه دفعة كل العاصفة التي باتت تهدده باالقتالع عن مكانه لتعصف بجهود

Page 119: 1594

١١٧

لم يكن .. أكثر من ربع قرن، لكن كل محاوالته باءت بالفشل في حاجة لمرآة ليكتشف كيـف تحولـت انفراجـة الوجـه

خانتـه قهقهتـه وصـوته .. والشفتين لكتلة جامدة متغضنة هوري الذي اعتاد أن يفزع مرؤوسيه وأهل بيته وقـت الجم

تحول لكتلة صماء جامدة عاجزة عن أي شـيء إال .. الحاجةه أصـوات ك بخطوات مثقلة نحو الباب، مخلفـا وراء التحر

وعالمات تعجب خرساء وحيرة مشوبة بالحذر والترقب لمـا سيسفر عنه صمته وتغضن مالمحه المفاجئ الذي لم يكن في

. .الحسبانبمجرد دخوله من باب منزله وبحكم العادة، جـرت أصابعه على أزرار الريموت كنترول ليتبدد صمت المنـزل

. مات مبهمة حول موضوع أكثر إبهاما الموحش بأصوات وكل تحسست أنامله .. للخلف هألقى بجسده على المقعد ورمى رأس

علـى فعات التي أخذت شكال أكثر بـروزا الهضاب والمرت حاول أن يضغطها لتعود للجبهة انبساطتها، لكنهـا .. الجبهة التحذيرات التـي هل تحققت أخيرا .. ي مكانها جامدة ظلت ف

عندما بدأ لعبة الوجوه أمـام لطالما رددتها أمه على مسامعه ة؟ كانت البداية عندما أفلح في اسـتالب كـرة شـقيقه المرآ

Page 120: 1594

١١٨

، لكنها لم كة األم بعد أن مارس معها نفس اللعبة باراألكبر بم ذات ال عندما استخدمها ضدها هي شخصيا تكتشف حقيقتها إ

.. مساءا، كتب األب منطقة محرمة عليهم جميع كانت غرفة م

لة األتربة في منـاطق محـددة لألم إال بإزا لم يكن مسموحا .. عن األوراق والكتب التي تناثرت في أنحاء الغرفـة بعيدا

ل وامتدت أصـابعه لتعبـث تسلل للداخ .. يومها غلبه فضوله .. باألوراق المتناثرة واألدراج

لم تغب الحقيقة عن عيني األب وفـي ذروة ثورتـه وصراخه ودفاع األم ودموعها المستميتة وهي تـدرأ عـن نفسها تهمة التفتيش في األوراق الخاصـة تكشـفت حقيقـة

وبعبقرية فذة ومزيج من الكلمات الضخمة عن . الزواج الثاني مانة وعدم حق الزوجة في العبث باألوراق الخاصة خيانة األ

.. تاهت قضية الخيانة والزواج السريفي تلك الليلة، ود أن يندفع للغرفة التـي لـم تمنـع أبوابها الموصدة هدير األب وال نهنهة األم مـن الوصـول

في لحظة فكر أن يقتحم الغرفة وأن يعترف بفعلتـه .. ألذنيهـ درك أبعـاده إال بعـد سـنوات ليعفي أمه هول موقف لم ي

Page 121: 1594

١١٩

اسـتتاب األم في ليلة تالية أقل تفجـرا .. نبلكنه ج .. طويلةبجبين تقلص ودموع امتزجت بدموعها التـي ال يـدري إن كانت قد جفت بعد الليلة العاصفة أم الزمتها حتـى اللحظـة

كل ما تسرب في وعيه منذ تلك اللحظة .. األخيرة في عمرها صبحت بمرور الوقت وطبقـا ات التي أ لعبة الوجوه واألصو . للمواقف، دينه ومذهبه

لم يغب األمر عن فطنة الزوجة منذ الشهور األولـى عبة لكنها أدركـت أنهـا حاولت أن تثنيه عن الل .. لزواجهما

ألمـر مذعنة من إطار شخصيته، فاستسلمت أصبحت جزءا واقع، مكتفية باإلشارة بين الحين واآلخـر إلـى أن وجهـه

بح أكثر سماحة عندما يتخلى عن عبوسـه وانفجاراتـه يص . المتتالية في وجهها

في لحظات قليلة كاد ضعفه أن يغلبه وتمنى لو ألقى ما ضعفه واحتياجه إليها؛ لكنه دائما بين يديها لحظات خوفه و

ا لحظة الضعف، ساخرا كان يتراجع في اللحظة األخيرة العن م سـوى القـوة ولعبـة من خيال مراهق في عالم ال يحتـر

.. األقنعة

Page 122: 1594

١٢٠

هز رأسه عدة مرات وكأنه ينفض عن عينيه وأذنيه إنه ال يحتاج .. ما تسرب إليهما من صور أصوات وخياالت

أن .. في هذه اللحظة بالذات إال أن يستعيد قدرتـه المفقـودة .. يطوع وجهه المطاطي وصوته الجمهوري ليواجه أزمته

ـ اندفع صوب الحمام ووضع رأسه ت ر وبت صـن حمن المؤكد أن دفعات الماء الثقيلة التي تغمر رأسـه .. المياه

وتنساب على وجهـه سـتعيد المرونـة لعضـالت الوجـه رفع رأسه وتطلع للمرآة فباغتته عينان زجاجيتان .. المتشنجة

.. هوة فارغةبفوهتيأشبه

Page 123: 1594

١٢١

توقفت الحركة الدائرية لكفيهـا عنـدما اصـطدمت .. ها العنق الجميل بالكتلة المترهلة التي اختفى وراء بعها أصا

.. مسحت بكفها بخار الماء المتراكم على سطح المرآة البارد من تلك المرأة التـي .. نعكس أمامها حملقت في الوجه الذي ا

بحركة عفوية التفت للوراء لتواجه المرأة الغريبـة ! تطالعها؟مسـحت .. تهاالتي اقتحمت خلوتها وعكست المرآة صـور

عيناها زوايا المكان الخالي إال من مالبسها وطاولة ازدحمت بزجاجات الصابون والشامبو والكريم الفاخر، وصوت هدير

فى حوض استحمام، أوشك أن يفيض ماؤه ماء ساخن يتدفق . ليغرق مربعات السراميك ذات الزهور الوردية

أغلقت الصنبور وعادت لتواصـل إزالـة طبقـات خلـى البيـت بعـد أن .. التي تسد مسام وجههـا جالماكيا

ة التي الزمتها طوال ثالثين اضطرت لالستغناء عن المساعد والتي تعددت أدوارها في السنوات األخيرة لضيق ذات عاما

اليد لتصبح خادمة وجليسة ولبيسة ومصففة للشعر في بعض األحيان، مع ذلك لم تتخل عن عادتها التي اكتسـبتها عبـر

Page 124: 1594

١٢٢

طويلة لم يكن يخلـو فيهـا المنـزل مـن المعجبـين سنين الجميلة على سنجة عشـرة .. توالصحفيين وأصحاب الحاجا

.. ، في كل األحوال، حتى في لحظات تعاستهادائما لقطة كـاميرا أو فرشـاة فنـان جمالها تخلده دائما

.. ولوحات ازدحمت بها جدران منزلها الغارق في الصمت عليها بإحكام ملجأها الوحيد صدأصبح الحمام وبابه المو

فس مسامها عندما ولت نضارة الشباب واضطرت لتعويضـها لتتناعتادت أن تغلـق .. بمستحضرات التجميل والخصالت الصناعية

.. هي تعيد رسم مالمح كانت لها يوما عينيها وتستسلم للمساعدة و . الوحيدةلمرآتها تحولت صورها المعلقة على الجدران تدريجيا

.. ملقت مشدوهة في الوجه الذي يطالعها فـي المـرآة حمجـرد صـورة .. مسلوبة.. مخدوعة.. ألقى في وجهها بالحقيقة

توارت أحالمهـا أمـام ذواتهـم المنتفخـة .. عشقوها وامتهنوها لم .. عن فراشة جديدة الطنانة ثم انفضوا من حولها بحثا وكلماتهم

التهـا ميـاه يبق لها سوى صور على الحوائط وفي ألبومـات ط المجاري التي تغرق الشقة القديمة بين الحين واآلخر وكتلة الشحم

.. التي تلتف حول عنقهاأغمضت عينيها وتركت .. خطت نحو حوض االستحمام

.. جسدها ينزلق ليغوص آلخر مرة

Page 125: 1594

١٢٣

ارتجفت بفعل قشـعريرة سـرت بطـول عمـودي ـ .. الفقري .. م يطـاوعني حاولت أن أعتدل، لكن جسـدي ل

اكتفيت بتحريك رأسي للوراء قليال واسـتغرقت فـي شـبه رفـرف تـويتى .. حركت نسمة ربيعية ستائر النافذة .. غفوة

تناغمت .. الوحيد بجناحيه وانطلق نحو الجانب اآلخر للقفص درجات اللونين األصفر واألخضر والبقعة الزرقـاء حـول

..عنقه مع ألوان األثاث المتناثر في الغرفةت أقـدامي الغرفـة التـي تداهمنى وحشة كلما وطأ

لطالمـا .. تـويتي غرقت في الصمت بعد رحيل الصغيرة و في البداية ظننت . حلي لي التسلل إليها ومشاغبة العصفورين

أنهما مائدة شهية كفيلة بأن تغير مذاق اللبن والسمك ولبـاب الخبز الذي علق بحلقي وأصابني بالغثيان، وكان أكثـر مـا يثير دهشتي تلك األسالك الرفيعة التي تحول بينـي وبـين

قفزت في الهواء عدة .. صيدي الهزيل الواعد بمذاق مختلف مع زقزقة تـويتي وتـويتر .. مرات محاولة تطويح القفص

Page 126: 1594

١٢٤

الهلعة وصوت ارتطام أقدامي المتتابع على البساط الـوبري . القديم، هرعت الصغيرة والجدة العجوز للغرفة

لجدة بإعادة الهدوء للقفص المائل على أحد انشغلت ا جانبيه وملء حوض الماء وطبق الطعام بـالحبوب، بينمـا

نه من األفضل لي أن تحولت إلى الصغيرة مؤنبة وهي تؤكد أ .. مع رفيقي الجديدين وأال أثير المشاكلأتعايش سلميا

تقبلت على مضض الوضع الجديد، على األقل أثناء األسرة بالغرفة، لكنه محاوالتى الفاشلة لـم تواجد أحد أفراد

.. تتوقفال أدري تحديدا متى تحول تويتر وتويتي من حلـم شهي المذاق إلى رفاق لعب وتسلية، لكنى الحظت أن قفزاتي لم تعد لتصيب القفص القريب من األرض بأي ضـرر، وأن نبرة الهلع اختفت من زقزقة العصفورين لتحل مكانها زقزقة

مـع ذلـك ظلـت نظـرة .. حكات متتالية قصيرة أشبه بض . الصغيرة المحذرة تالحقني بمجرد اقترابي من الحجرة

هرعـت .. في ذات صباح ارتفع عويـل الصـغيرة صمت .. انقلب القفص على أحد جانبيه .. نحو الغرفة مسرعا

Page 127: 1594

١٢٥

نظرت إلى الصـغيرة .. تويتر لألبد وحملق تويتي في ذهول .. مؤنبة

.. يها لم تدخل الغرفةقالت الجدة ال تظلمرحلت الصغيرة واختفى معلم البيانو وتحول البيـانو

لم يبق سواى أنا وتويتي والجـدة . إلى مجرد صندوق مغلق . العجوز وصمت موحش

فقـدت .. تركت وراءها كل ما يـذكرها بالحـادث انزوت كرة الخيـوط الصـوفية .. رغبتي في القفز واللعب

لمجرد عينين ترقبـان تـويتي تحولت .. الملونة أسفل المقعد الذي اختار الصمت والتعلق بأسالك القفـص فـي الجانـب

حقيقـة وددت لو أن اللغة أسعفتني ألعرف ..المواجه للنافذة ألسأله عما يحملق فيه وما يرقبه أو يترقبـه مـن .. ما حدث

. وراء النافذةالمست أجنحتها الملونـة .. حومت في فضاء الغرفة

غالقه عقب تنظيف امت الذي نست الجدة إ صأصابع البيانو ال غرد تويتي .. دارت في حلقات متتابعة حول القفص .. سريع

تعالى صـوت .. اتجهت صوب النافذة .. الصامت منذ شهور ترددت ثـم قفـزت .. تويتي واكتسى بلهفة لم أكن ألخطئها

Page 128: 1594

١٢٦

أفـاق .. فتح البـاب .. وقع القفص على أحد جانبيه .. ألعلىخفيـف وانطلـق خـارج النافـذة وراء تويتي من دواره ال

.. الفراشة .. انزويت أسفل البيانو