1

وقف الوقت

يف وقف املنفعة والعمل التطوعيأولية مطالعة فقهية

حيدر حب اهلل

من جملة االجتهاد 44م، ثم نرش يف العدد 2017شارك هذا البحث يف مؤمتر الوقف اجلعفري يف الكويت عام

م.2017والتجديد يف بريوت، خريف عام

2

يف مفهومة وقف الوقت وأهميته متهيد

الوقف عمل خريي ينطلق اإلنسان فيه من السعي خلدمة القيم واملثل واإلنسان

عيش أفضل ونمط اآلخر، لتتعاون اجلهود وتتظافر األعامل يف سبيل الوصول إىل

حياة كريمة.

ال يقف الوقف عند حدود، فليس الوقف حكرا عىل املشاريع الدينية اخلالصة

رغم أمهيتها البالغة، كوقف املساجد واألماكن الدينية أو ما يعود ريعه إليها، بل إنه

يتجه بشكل رئيس أيضا خلدمة اإلنسان املحتاج، ورفع مستوى العيش عند عموم

س، حتى أن الوقف يتخطى يف الثقافة اإلسالمية حدود اإلنسان، ليكون متعلقا النا

باحليوانات والنبات كوقف االصطبالت وأماكن اخليول واألرايض والعقارات

ة، مما هو مشهور يف التاريخ اإلسالمي، واليوم يمكن للوقف أن للحيوانات الضال

يض أو غريها حليوان أو نبات مهدد يستوعب هذا كله، فتوقف العقارات أو األرا

باالنقراض حتتاجه الطبيعة، ويعود يف هناية املطاف باخلري عىل اإلنسان عموما، ولو

كان هذا اخلري كامنا يف عنرص اجلامل والتنوع يف الطبيعة اخلالبة، بل يمكن للوقف

والرتبوية بمختلف اليوم أن يثمر دعام كبريا لألنشطة الفنية والعلمية والفكرية

أوجهها وأشكاهلا.

3

إن فكرة الوقف ال تقف عند حدود األنامط القديمة التي كان يعرفها أسالفنا،

مما احتاجوه يف عرصهم وزماهنم، بل هي تتطور تبعا لتطور آليات االستثامر

واالنتفاع والريع، وتبعا أيضا ألنواع احلاجات والرضورات املستجدة.

ال الوقف اليوم التي تثري االنتباه وتطرح نمطا مستحدثا من أنامط أحد أشك

الوقف هو وقف الوقت، الذي أخذ باحلضور والتزايد يف غري بلد إسالمي، خاصة

البلدان اخلليجية، وباألخص الكويت، فوقف الوقت هو نوع من تقديم اإلنسان

لغة ـ يف سبيل العمل اخلريي لوقته ـ والوقت يف اإلسالم له مفهوم عظيم وقيمة با

والتطوعي خلدمة اإلنسان اآلخر وخدمة القيم والرقي والدين. إن الوقت قيمة

كبرية يف حد نفسه، واإلنسان الذي يملك هذا الوقت يملك رصيدا كبريا بإمكانه

من ع املتطو فإن ـ تقديمه للمجتمع، من هنا جاءت فكرة وقف الوقت، والتطوع به

بام يمكنه أن يوسع من اآلخرون وحيتاجونه ـ يعاين منهام ب حساسا إ دارفألأكثر ا

دائرة الواقفني الذين لن جيمدوا عىل أصحاب األموال أو الثروات، بل سيتمكن

عموم العامل واملوظفني يف خمتلف القطاعات من املسامهة يف العمل الوقفي، ما دام

وما داموا متنوعني ودعة فيهم ترجع إليهم، هذا الوقت ملكهم، وما دامت الطاقة امل

ليقدموها يف سبيل عمل اخلري بام جدا يف خرباهتم التي يمكن لآلخرين االنتفاع هبا،

ينهض باملجتمع ويرتقي بالناس، فال حيتاج وقف الوقت لرصف العمر كامال يف

يشء، بل يمكنه أن يصل حد ختصيص ساعة أو نصف ساعة من يوم أو أسبوع،

.ليكون ملكا للمجتمع يسخره يف اخلدمة العامة يف هذا اإلطار

4

هي الفكرة التي تتصل بوقف الوقت، وهي فكرة تقوم يف عرصنا احلارض هذه

عىل أن الدول مل تعد قادرة عىل تغطية كل األمور يف املجتمع، فالبد من تعاون

قتصادي واإلعالمي؛ املجتمع املدين والقطاع التطوعي، مع الدولة والقطاع اال

، بل سيساهم وقف الوقت واملنافع يف تطوير لتحقيق النهضة املنشودة يف بناء األمم

بل إن فكرة وقف الوقت .احلركة االقتصادية من إطار االستهالك إىل إطار اإلنتاج

واالنخراط نتيجة الوقف يف العمل التطوعي من منظور قريب إهلي، يساعد عىل

اخلدمة االجتامعية والعامة ومفهوم العبادة يف املنظور الديني، الدمج بني مفهوم

إلخراج مفهوم العبادة من االنحصار يف إطاره الفردي، ليكون أوسع من ذلك.

من وقف الوقت إىل وقف املنفعة، إعادة إنتاج املصطلح

مل تغب فكرة وقف الوقت عن الفقه اإلسالمي، رغم حداثة املصطلح، ففي

الفقهي والقانوين عند املسلمني مفهوم يتامهى مع فكرة وقف الوقت، فإذا املوروث

كان وقف الوقت هو ختصيص وقت معني من العمر، ليكون اإلنسان فيه يف خدمة

مرشوع خريي أو تطوعي، وهي باألصل فكرة ترجع لقيمة العمل التطوعي

يف هذا الوقت خاصة للشباب، فإن جوهر جعل الوقت موقوفا هو جعل منفعتك

وقفا، ألن الوقت جمردا ال معنى لوقفه، وهذا ما يدخلنا يف إشكالية املصطلح، فإن

الوقت القادم غري مملوك، بل غري موجود أساسا، والزمن بام هو زمن ربام يناقش

الباحثون يف إمكانية إخضاعه ملعاملة مثل الوقف، لكن املنفعة التي متثل الطاقة

5

عىل العمل يف كل فرد هي أمر قابل لالعتبار القانوين، وجعله متعلقا والقدرة

ا مفاهيم القيم واملاليات، فكام أننا يف اإلجارة هتملعاملة قانونية معينة حتمل يف طيا

نأخذ املال مقابل املنفعة خالل مدة معينة، كذلك احلال يف الوقف، فنحن نقف

ي.منفعتنا للعمل التطوعي واخلري

إن وقف الوقت هو وقف اإلنسان جلزء من وقته للعمل اخلريي، وهذا مصداق

، ووقف من مصاديق وقف املنافع، أي أن يوقف الفرد منفعة خرباته لآلخرين

لإلنسان غري العينية املنافع له مصاديق أخرى كثرية غري املنفعة الشخصية العملية

)املحاصيل(، فاملوضوع يعم هانفسه، كوقف منافع األرايض والبساتني وغري

.املنافع العينية واملنافع غري العينية )الطاقات والعمل(

نكتفي هبذا القدر من بيان مفهوم الفكرة وأمهيتها، وقد كتبت يف هذا املجال

العديد من املقاالت والبحوث يمكن مراجعتها، لكننا سنتوقف هنا عند اجلانب

لتامس خمارج خيتزهنا الرتاث االجتهادي اإلسالمي؛ الفقهي للموضوع، حماولني ا

للنظر يف إمكانية حتقيقها هلذا النوع من الوقف، ويف إمكانية حتقيق الغايات هنا عرب

تكييفات من خارج إطار الوقف أيضا، ذلك كله بشكل خمترص وأويل؛ ليكون

مدخال للتوسع عىل يد الباحثني والناقدين.

، مقاربة وتذليلة لوقف الوقتاملعوقات الفقهي

قد تطرح يف هذا السياق جمموعة من املعوقات الفقهية أمام تقديم ختريج قانوين

6

أو تكييف رشعي لوقف الوقت، وأبرزها:

ـ إشكالية املفارقة مع حقيقة الوقف 1

إن وقف الوقت يرجع لوقف املنفعة، ووقف املنفعة مفهوم اإلشكالية األوىل:

قة؛ ألن الوقف هو حبس األصل وتسبيل املنفعة، فكيف يمكن تصور حيتوي مفار

هذا األمر يف وقف املنافع، فإن املنفعة تتلف بمرور الوقت، ومن ثم فال معنى

، والفرع ـ املنفعة ـ يتبع األصل، وهو العني، فال لوجود حتبيس لألصل فيها

.لسنةيمكن وقفها من دون العني، كام ذكره بعض فقهاء أهل ا

ق النجفي ما ذكره أبو الصالح احللبي من كفاية تسبيل املنفعة، وقد رد املحق

ن هذا خمالف لظاهر أبرده ..صل ليس مأخوذا يف حقيقة الوقفأن حتبيس األو

، فإن النص والفتوى، وأنه يمكن دعوى رضورة املذهب أو الدين عىل ذلك

.(الثمرة س األصل وسب لاحلديث النبوي واضح يف قوله: )حب

، وعىل كالم بعض فقهاء أهل وربام يمكن التعليق عىل كالم املحقق النجفي

:هنا السنة

إن إمجاع الفقهاء ـ لو تم التحقق منه، مع خمالفة املنقول عن ابن الصالح ال:أو

األنصاري ؛ و328: 20فقه الصادق والروحاين، ؛ 309: 6العروة الوثقى انظر: اليزدي، (1)

.458: 2 رشح روض الطالب أسنى املطالبالشافعي،

.526: 3 مغني املحتاجالرشبيني، انظر: (2)

.16: 28 جواهر الكالمالنجفي، انظر: (3)

7

ىل أحد ـ حمتمل املدركية جدا هنا؛ فلعلهم اعتمدوا ع له، وهو من املتقدمني

الوجوه املذكورة يف املقام كام سيأيت، ودعوى كون األمر رضورة من رضوريات

غري واضح.ـ بعيدا عن هذه املدركية ـ الفقه واملذهب

وجمرد كونه رضورة ـ لو سلمنا ذلك، مع معهودية مثل هذه الدعاوى غري

؛ ألهنا لو حتققت لنا فهذا الدقيقة من املحقق النجفي ـ ال يلغي املدركية واحتاملياهتا

يعني حصول العلم لنا، ولو مل حيصل العلم لنا، فكون األمر بالغ الوضوح عند

غرينا مع احتاملية مدركيته ال يوجب إلزامنا اجتهاديا.

مصادر اإلمامية، يغة يفصإن النص النبوي املذكور ليس له وجود هبذه ال ثانيا:

، يف عوايل اللئايل مرسال بال سندهـ( 9)ق سائي حمجهور األ يببل نقله ابن أ

راجعنا غري واحد من ، ولو وأصله موجود يف مصادر احلديث عند أهل السنة

لوجدنا أنه ليس يف مقام بيان حقيقة الوقف مطلقا، فقد جاء يف خرب سياقاته هناك

ىل اهلل عليه فأتى رسول اهلل ص ،مائة سهم من خيرب اشرتاها عمر ملك ابن عمر أن

ب وقد أردت أن أتقر ،مل أصب مثله قط ماال أصبتإين ،يا رسول اهلل :وسلم فقال

فاملال املسؤول عنه هنا هو مال .ل الثمرة(وسب س األصل)حب :فقال ،به إىل اهلل

ات نقضيا رغم احتاملية عدم دقة هذا النقل عنه رمحه اهلل، فيكون كالمنا يف هذه النقطة بالذ (1)

عىل صاحب اجلواهر.

.260: 2انظر: األحسائي، عوايل اللئايل (2)

احلديث يف صيغ انظر ؛ و162: 6؛ والبيهقي، السنن الكربى 308الشافعي، املسند (3)

؛ وسنن 47: 5؛ وصحيح مسلم 235: 7، و196، 185: 3متقاربة يف: صحيح البخاري

؛ وسنن 658: 1وسنن أيب داود ؛ 546: 4ومعرفة السنن واآلثار ؛ 801: 2ابن ماجة

8

أو ربام عيني، وهلذا أرشده رسول اهلل لكيفية وقفه عرب حتبيس أصله وتسبيل ثمرته،

وأين هذا من املنع عن ه ألفضل كيفيات وقفه بوقف عينه ومنفعته معا، يكون أرشد

، خاصة وأنه مل يرد تعبري وقف املنفعة أو كونه بصدد بيان حقيقة مطلق الوقف

؟الوقف فيه

وال نريد مما قلناه تضعيف الرواية سندا، حتى يقال بجرب ضعفها بعمل املشهور

موطن الرواية األصيل؛ للنظر يف سياقاهتا لو سلمت الكربى، بل هندف الكتشاف

فيه بعيدا عن اقتطاع النص الذي يمثل اجلواب عن سياقاته يف موطنه.

ملاذا ال يمكن الفصل بني العني واملنفعة، مع أن يف اإلجارة مثال يتم متليك ثالثا:

، والوضع املنافع، وال يتم متليك العني، فحصل الفصل بني احلالة القانونية للعني

، وهذا له نامذج فام ذكر من عدم معقولية التفكيك غري مفهوم ؟!القانوين للمنفعة

كام أن التفكيك بني العني .أخرى عديدة يف الفقه اإلسالمي كالعارية وغريها

واملنفعة ال يوجب إلغاء معنى بقاء العني حتت ملك املالك؛ إذ تظهر الثمرة يف

حل املشكلة، كام أنه قد تكون للعني منافع متعددة الوقف املؤقت للمنافع، فتن

فيقف الواقف بعض هذه املنافع دون بعض، وهكذا.

ـ 289: 2دي ي؛ ومسند احلم232، 231ـ 230 :6سنن النسائي و؛ 417: 2الرتمذي

؛ 41وابن أيب عاصم، كتاب األوائل: ؛ 95: 4؛ وابن سلمة، رشح معاين اآلثار 290

.262: 11؛ وصحيح ابن حبان 119: 4وصحيح ابن خزيمة

9

ة التنايف مع تأبيد الوقوفـ إشكالي 2

فكيف التأبيد، يف الفقه اإلسالمي عىل مبدأ إن الوقف مبني اإلشكالية الثانية:

ىل الفناء ال التأبيد، بعد كون يعقل أن يتم وقف املنافع واملفروض أن قوامه ع

.الوقت واملنفعة متالشيان بالتدريج وال يعقل التأبيد فيهام

وهذه اإلشكالية ال يواجهها القائلون بعدم رشط التأبيد يف الوقف؛ وهلذا نرى

.عةقف املنفالنافني هلذا الرشط يقبلون بووآخرون من املالكية ن أ

التأبيد يف الوقف؛ حيث حتفظ يف هذا اإلطار بعض ثبوت رشط إال أن الكالم يف

عمدة الدليل فيه: الفقهاء؛ فإن

.اإلمجاع املدعى أ ـ

قام.ملنتيجة األدلة املطروحة يف ابأنه حمتمل املدركية جدا، يناقشو

.أخذ التأبيد يف حقيقة الوقف ومفهومه ب ـ

، فهو أول الكالم، كذلك بأنه ليسوغريه السيد تقي القمي رمحه اهلل وناقشه

.432: 2ء )ط. ق( انظر: احليل، تذكرة الفقها (1)

د الصاوي املالكي، أمحد بن حمم ؛ و7615: 10ته الفقه اإلسالمي وأدل انظر: وهبه الزحييل، (2)

رشكة مكتبة ومطبعة ، 297: 2 مالك بلغة السالك ألقرب املسالك إىل مذهب اإلمام

ـ 20 :6؛ ومواهب اجلليل 76: 4الدسوقي حاشية؛ ومصطفى البايب احللبي وأوالده بمرص

؛ ورشح خمترص 426: 5وابن تيمية، الفتاوى الكربى ؛ 556لداين: ، الثمر ااآليب؛ و21

.161، 150: 2؛ والفواكه الدواين 244: 4وكشاف القناع ؛ 78: 7اخلليل

: 2؛ واإليرواين، دروس متهيدية يف الفقه االستداليل 451: 9مباين منهاج الصاحلني انظر: (3)

552.

10

فمن أين عرفنا أن التأبيد جزء مقوم حلقيقة الوقف؟ غاية األمر أن الوقوف

املتعارفة قديام كانت كذلك.

.مراجعة وقوف أهل البيت عليهم السالم فقد تضمنت التأبيد ج ـ

ا فعل صامت ي بأن وقف األئمة وقفا تأبيد يمكن التعليق عليه،ربام وهذا الدليل

الداللة، فلعل الوقف غري التأبيدي جائز، غاية األمر أهنم عليهم السالم أرادوا أن

يقفوا موقوفاهتم وقفا تأبيديا، فكيف نعرف أن وقفهم التأبيدي كان لعدم مرشوعية

الوقف املؤقت؟ بل ربام يقال بأن وقف العني مأخوذ فيه التأبيدية فيام وقف املنافع

يس مرشوطا بذلك؛ ومن ثم فحيث كانت موقوفات أهل البيت عبارة عن أعيان، ل

كان من الطبيعي أخذ التأبيد فيها، فكيف نستدل بذلك ـ وفقا هلذا االحتامل ـ عىل

؟خاصة املنافع غري العينية كون التأبيد رشطا مطلقا ولو يف غري األعيان

رص يف الوقف عىل ما دل الدليل عىل تيقصل، فلأل ت خمالف وقف املؤق الإن د ـ

رشعيته.

ليه رجع أو عموم فوقاين يمكن الرجوع إيأيت احلديث عن وجود م وسوف

وكيف أن اآلخوند اخلراساين وافق عىل ال ما خرج بالدليل، الوقوف إ لتصحيح كل

لسيد قام يمكن اجلواب بام ذكره الكن يف امل، وجود عام فوقاين يرفع رشط التأبيد

ألن سياقها واقع ؛ارصحيحة الصف ىلإمن االستناد ،وغريه تقي القمي رمحه اهلل

.22: 22ذب األحكام انظر: السبزواري، مه (1)

.32اخلراساين، كتاب يف الوقف: : انظر( 2)

11

عن أسأله ،قال: كتبت إىل أيب حممد عليه السالم، فق جاء فيها أنه ضمن هذا اإلطار

باطل ت فهوالوقف إذا كان غري موق كيف هو؟ فقد روي أن ،الوقف الذي يصح

ت هو املوق ن إ،ىض، وقال قوم: ممفهو صحيح تا وق مردود عىل الورثة، وإذا كان م

واملساكني إىل أن فإذا انقرضوا فهو للفقراء ،ه عىل فالن وعقبهالذي يذكر فيه أن

ه ت إذا ذكر أن موق وقال آخرون: هذا :قال ،يرث اهلل عز وجل األرض ومن عليها

أن يرث اهلل األرض لفالن وعقبه ما بقوا ومل يذكر يف آخره للفقراء واملساكني إىل

فام الذي ،أحدا ومل يذكر ،هذا وقف :ت أن يقولومن عليها، والذي هو غري موق

ما يوقفها إن الوقوف بحسب :ع عليه السالممن ذلك وما الذي يبطل؟ فوق يصح

.شاء اهلل

ـ هو عن الوقف وغريه فإن سياق األسئلة ـ وفق رأي السيد تقي القمي

ملوقت، فإعطاء جواب عام بأن الوقوف وفق قصد الواقف، سوف املوقت وغري ا

يؤدي إىل حتصيل قانون عام يف رشعية التأقيت.

، معلقا عىل هذه الرواية التي كأنه شعر بأهنا احلر العاميلالشيخ وأما ما ذكره

املراد أقول: الظاهر أن تنايف ما تم البناء عليه يف الفقه من موضوع التأقيت، فقال:

.ا ، وإال كان حبسكان وقفا ه إن جعلوا دائام بحسب ما يوقفها، أن بقوله:

.133ـ 132: 9؛ وهتذيب األحكام 100: 4الطويس، االستبصار (1)

؛ واإليرواين، دروس متهيدية يف الفقه 452ـ 451: 9 انظر: مباين منهاج الصاحلني (2)

.552: 2االستداليل

.123: 19تفصيل وسائل الشيعة (3)

12

بأنه خالف الظاهر من جعل الوقوف حسب وقف فيمكن التعليق عليه،

ه نه لو سري أال ،الواقف، فإن جعل الوقف بيده معناه أنه بإمكانه تسيريه كيف شاء

ة قصود فهذا خالف مرجعي ،بل كان حبسا ،رادأتا مل يصح له ما ليكون موق

واهلل العامل. ، ألن املفروض أن ما وقع مل يقصد،الواقفني املفهومة من الرواية

ذهب السيد حممد صادق الروحاين، إىل أن التأبيد ليس برشط يف ،وربام ملا قلناه

.الوقف

ـ إشكالية املفارقة بنقض غرض الوقف 3

ما ذكره املحدث البحراين، من أننا لو وقفنا املنفعة، فهذا يعني :اإلشكالية الثالثة

أن العني غري موقوفة، ومن ثم فيجوز الترصف هبا، فإذا تم الترصف هبا تبعتها

.املنفعة، األمر الذي يؤدي إىل زوال الغرض من الوقف

ة للموقوف بأنه بعد ثبوت وقف املنفعة، تصبح العني مملوكة املنفع ويناقش

عليهم، فال جيوز ملالك العني الترصف فيها بترصف موجب لسلب املوقوف عليه

حقه، وهذا تقييد طبيعي يف صالحياته الترصفية بام هو مالك، وليس هو باألمر

الغريب، بل قيام الفقه عليه، فنحن عندما نؤجر منفعة الدار لشخص، فإن هذا ال

ني بام يسلب مالك املنفعة ما يملك، فنقض حقوق يسمح لنا بالترصف بالع

.349؛ واملسائل املنتخبة: 255: 2اين، منهاج الصاحلني ظر: الروحان (1)

.176: 22احلدائق النارضة انظر: (2)

13

املستأجر للدار ممنوع، ولو من طرف مالك البيت نفسه.

ويظهر األمر بشكل أجىل يف مثل وقف الوقت بمفهومه املعارص بعد رفع اليد

عن رشط التأبيد؛ ألن وقف الوقت ملدة معينة يبقي سائر األوقات لصاحبها

م أو هلم، فال حيصل رضر هنا.األصيل، ال للموقوف عليه

وفقدان العموم الفوقاني ،ةصالة عدم املشروعيأشكالية إـ 4

ما أعتقد ـ نتيجة مراجعة خمتلف كلامت الفقهاء يف اإلشكالية الرابعة:

موضوعات وقفية متنوعة ـ بأنه املدرك الرئيس الكامن خلف املوقف السلبي من

ثري من التحفظات الفقهائية عىل أنواع متعددة وقف املنفعة والوقت، بل خلف ك

أننا ال وحاصله: ما يفهم أيضا من املحدث البحراين بصياغتنا، للوقوف. وهو

نملك إطالقا أو عموما يرخص يف الوقف املتصل باملنفعة والوقت، فيكون األصل

أننا ال عدمه، بمعنى أصالة العدم، فهنا نحن ال نواجه مانعا يعوق، بل نفرض

.نملك دليال مرشعا لذلك يف أصل الرشع احلنيف

هذا اإلشكالية جتر لدراسة مهمة، وهي أننا هل نملك عمومات أو مطلقات يف

باب الوقف ترشعه كيفام كان إال ما خرج بالدليل أو ال؟

ظاهر كلامت غري واحد من الفقهاء عدم وجود أصل ثانوي، وأن الدليل الدال

.ةة الوقف خاص بالعني املعينة اخلارجي مرشوعي عىل

.176: 22احلدائق النارضة ؛ والبحراين، 158: 8ابن حزم األندليس، املحىل انظر: (1)

.468: 9: القمي، مباين منهاج الصاحلني انظر( 2)

14

ويقرب ذلك وفقا لعدة أسس: ،لكن قد يقال بوجوده

أن يلتزم يف ، وهو ما ذهب إليه اآلخوند اخلراساين رمحه اهلل ل:األساس األو

تعريف الوقف بام ذهب إليه بعض الفقهاء، من أن الوقف عقد ثمرته حتبيس

لثمرة واملنفعة. فإذا قلنا بذلك صار الوقف من ضمن العقود، األصل وتسبيل ا

ومعه يكون مشموال للعمومات التي أسست األصل الثانوي )الصحة( يف باب

العقود عموما، حاله يف ذلك حال البيع، مع تبني الرأي القائل بأن عمومات

ألحاديث، بل الصحة غري مقيدة بالعقود املتعارفة زمان نزول اآليات وصدور ا

.تشمل العقود املستجدة، كام ذهب إليه بعض الفقهاء، مثل السيد اخلوئي

بعدم صدق العقد عىل الوقف؛ لعدم حاجته إىل القبول، لكن قد يناقش

فيصحح حتى لو مل يشتمل عىل القبول؛ ألصالة عدم اشرتاط القبول فيه بعد

عملية اجلارية قائمة عىل عدم أخذ شمول عموماته ملا خال من القبول، بل السرية ال

القبول يف الوقوف، والسيام الوقف عىل البطون، أو الوقف التحريري القائم عىل

حترير امللك وفكه فقط، كوقف املساجد، وأمثال ذلك. هذا وقد استشهد بعضهم

.بخلو الوقوف املنقولة عن املعصومني من قيد القبول

ن العقد عىل الوقف أو صدق عنوان البيع، أو من هنا يشك جدا يف صدق عنوا

التجارة، أو غريها من العناوين، املأخوذة يف عمومات الصحة، املؤسسة لألصل

؛ وعىل أساس ذلك أجاز التأقيت يف الوقف.32: اخلراساين، كتاب يف الوقف: انظر( 1)

.315: 2؛ ومصباح الفقاهة 401: أبو القاسم اخلوئي، مستند العروة )اإلجارة(: انظر( 2)

.282ـ 281: 6( اليزدي، العروة الوثقى 3)

15

.الثانوي يف باب املعامالت

االستناد إىل عمومات اإلنفاق يف سبيل اخلري وإنفاق اإلنسان ما األساس الثاين:

عروف أن كلمة )الوقف( قلام وردت يف حيب، والصدقة، والصدقة اجلارية. فمن امل

آية أو حديث، وأن التعابري السائدة الشاملة للوقف هي الصدقة واإلنفاق يف سبيل

وان: الصدقة اجلارية. وقد فهم الفقهاء من اهلل. كام أن التعابري املوازية تقريبا هي عن

اجلريان هنا ظاهرة الوقفية التي تقوم عىل هذا اجلريان، أو عىل األقل كون الوقف

أبرز مظاهرها، حتى أن بعض الفقهاء عرف الوقف بأنه الصدقة اجلارية التي

.ثمرهتا التحبيس

يف غري املساجد. لكن وربام يكون هذا هو ما دفع البعض إلنكار ترشيع الوقف

برصف النظر عن هذا املوضوع؛ الفرتاضنا رشعية الوقف أصال موضوعا هنا، فإن

عمومات الصدقة اجلارية يفرتض أن تشمل مجيع أنواعها. فاحلث عىل الصدقة

اجلارية ـ بوصفه نتيجا ملجموعة النصوص القرآنية واحلديثية يف هذا السياق ـ

يه يف كل صدقة جارية يراد حتقيقها يف اخلارج، ما دام مطلق، فيمكن الرجوع إل

عنوان الصدقة اجلارية صادقا عىل املأيت به يف اخلارج لغة وعرفا وعقالئيا، ومل يلزم

حمذور بالتصادم مع مبدأ ترشيعي أو نص ديني، أو مع بعد آخر يف هوية الصدقة

نفسها.

اإللزامية الواردة يف عموم اإلنفاق يف اخلري األوامر اإللزامية وغري وبعبارة ثانية:

مواقف فقه اجلمهور وغريهم من قضية العقدية ورشط القبول عند: حممد عبيد عبد انظر( 1)

، اجلمهورية العراقية، 183ـ 164: 1، أحكام الوقف يف الرشيعة اإلسالمية اهلل الكبييس

م.1977وزارة األوقاف، مطبعة اإلرشاد، بغداد،

.279: 6؛ واليزدي، العروة الوثقى 263: 2: الشهيد األول، الدروس الرشعية انظر( 2)

16

والصدقات وخصوص الصدقات اجلارية حتث عىل الوقف مطابقة أو ضمنا. وهذا

يستبطن التصحيح؛ إذ ال يعقل احلث عىل ما هو باطل وضعا. فالوجوب التكليفي،

طلقني وكذا االستحباب، ال يعقل تصورمها متعلقني باملتعلق الباطل. وحيث كانا م

استفيد منه، بداللة االقتضاء أو بغريها، احلكم بصحة متعلقها، ما مل يتم دليل عىل

البطالن.

وقد يناقش هذا األساس:

ص بالوقوف والصدقات التي كانت أوال: إن متعلق هذه النصوص خمص

صحيحة يف املرحلة املسبقة.

دق العنوان لغة إن املفروض أن هذه النصوص قد علقت عىل ص وجياب:

وعرفا وعقالئيا، فمع صدقه يفرتض الشمول، فيستكشف منه ضمنا املفروغية عن

الصحة.

إن عنوان الصدقات اجلارية منحرص بام كان متعارفا زمان صدور ثانيا:

ال املنفعة النصوص أو نزوهلا، وهو مثل: وقف العقارات واألرايض وأمثاهلا، ال

.والوقت

اإلنفاق يف و« الصدقة»ال موجب هلذا التقييد بعد صدق عنوان إنه وجياب:

عىل األنموذج اجلديد يف الوقف، فيكون « الصدقة اجلارية»و سبيل اهلل وسبل اخلري

مشموال لألدلة.

إن الصدقة مقيدة رشعا بنية القربة، وقد اختلفوا يف اشرتاط نية القربة يف ثالثا:

صدقة شاملة للوقف مع هذا االختالف اجلوهري الوقف، فكيف جتعل نصوص ال

بينهام؟!

إننا نأخذ الصدقة واإلنفاق هنا بمعناها الواسع اللغوي والعريف وجياب:

17

والعقالئي العام، ال باملصطلح الفقهي اخلاص، ويف اللغة مل يرش غري واحد من

هاء إىل التمييز بني . وقد تنبه بعض الفقاللغويني إىل قيد القربة يف هذا املفهوم

. ويشهد ملا نقول أن املصطلح الرشعي والعام، كام تلمح إىل ذلك بعض عباراهتم

القرآن الكريم عرب عن املهور التي ال يؤخذ فيها قصد القربة بأهنا صدقات، فقال

هن نهحلة﴾تعاىل: ﴿ الصحيح: (، كام ورد يف احلديث 4)النساء: وآتوا النساء صدقاته

كل معروف صدقة كام أن األصل اللغوي ال يفرض سوى االستحكام يف .

مفهوم الصدقة، متاما كالصدق والصداقة، ال التقرب إىل اهلل. وهو متحقق يف

كام أن احليثية األساسية التي يف الصدقة هي العطاء الذي ال يطلب فيه ،األوقاف

جعلت الصدقات الرشعية بقصد القربة؛ كون هذا املقابل. وهذا موجود هنا. وهلذا

التعبري أحد مصاديقها الرئيسة. وعىل أبعد تقدير نحرص صحة مثل هذا الوقف ـ

ـ برشطه بقصد القربة.الوقت أي وقف

، بل هو وارد الوقت إن هذا اإلشكال ال يرد عىل رشعية وقف بل يمكن القول:

برشط القربة؛ انطالقا من التعبري الغالب يف أصل باب الوقوف؛ فإن التزمنا فيها

فيها بالصدقة والصدقات وأمثال ذلك، كان املورد منه، وارتفع اإلشكال؛ وإال كان

؛ وابن 1506ـ 1505: 4؛ واجلوهري، الصحاح 57ـ 56: 5: الفراهيدي، العني انظر( 1)

.340ـ 339: 3فارس، معجم مقاييس اللغة

.279: 6( راجع: اليزدي، العروة الوثقى 2)

الصدوق، و؛ 320: 2القايض النعامن، دعائم اإلسالم و؛ 27، 26: 4( الكليني، الكايف 3)

ابن شعبة احلراين، حتف العقول: و؛ 55: 2من ال حيرضه الفقيه وكتاب ؛ 134اخلصال:

ابن أيب مجهور األحسائي، و؛ 458الطويس، األمايل: و؛ 240املفيد، االختصاص: و؛ 380

، نقال عن كتاب 343: 12النوري، مستدرك الوسائل و؛ 453، 376: 1عوايل الآليل

األخالق، أليب القاسم الكويف.

18

الوقت املطلوب من القائلني بعدم رشط قصد القربة حل هذا اإلشكال يف وقف

ك بعينه، إال إذا كان مدرالوقت وغريه، فال يكون املورد مورد اإلشكال عىل وقف

هو النصوص اخلاصة األخرى.الوقت غري وقف

إن عنوان الصدقة اجلارية منحرص مصداقه يف مرتكز املترشعة يف الوقف رابعا:

الذي ال يباع وال يوهب وال يتبدل. ويكون هذا االرتكاز صاحلا للقرينية املوجبة

يف العرص . ومل يعهد النرصاف إطالق عنوان الصدقة اجلارية إىل وقف العني

، وإنام الذي كان هو وقف األصول الثابتة الوقتالنبوي واإلسالمي األول وقف

والعقارات.

إن هذا القول غري واضح؛ إذ هناك فرق بني أن يكون املصداق الشائع وجياب:

لدهيم هو وقف األعيان وبني ارتكاز االنحصار باألعيان بالنسبة إليهم؛ لعدم

فإن جمرد الشيوع ال يفيد تقييدا، وال يوجد ما يفرض عندهم،املنافع تداول وقف

احتامل االرتكاز، وإال لزم من مثل هذا االحتامل تقييد إطالقات التجارة

بخصوص احلاالت الشائعة عندهم يف املعامالت املالية. فهذا متاما مثل قولك:

أو اخليول، فهل سافر إىل مكة، فإن املنرصف إىل الذهن آنذاك هو السري عىل اجلامل

يقال بتقييد أدلة احلج بخصوص الذهاب ماشيا أو عىل اجلامل أو اخليول؟!

ودعوى كون اجلريان غري متعقل يف املنافع، غري صحيح، لو أخذنا النظر العريف

والعقالئي ال النظر الدقي الفلسفي؛ فإن وقفه ساعة من وقته كل يوم ملدة عرش

ا، أي هو وقف لوقته لعرش سنوات، فيصدق عرفا عنوان سنني، يعد وقفا جاري

اجلريان، وأين هذا من وقف خرضوات تتلف بعد ساعات؟!

الذهاب إىل القول بأن الوقف ظاهرة عقالئية، وليست تأسيسا األساس الثالث:

: 27( حسن اجلواهري، استثامر موارد األوقاف )األحباس(، جملة فقه أهل البيت، العدد 1)

م.2002، عام 63

19

لطريقة رشعية يف التصدق أو اإلنفاق يف وجوه اخلري، كام أقر بذلك بعض

ذا معناه أن الشارع بإمضائه الوقوف، وجعله هلا صحيحة، ووضعه ، وهالفقهاء

نظامها الداخيل بيد الواقف، يف مثل: صحيحة حممد بن احلسن الصفار، التي جاء

يف الوقف وما روى فيه عن ×فيها أنه كتب إىل أيب حممد احلسن بن عيل

، اهلل الوقوف تكون عىل حسب ما يوقفها أهلها إن شاء: ×، فوقع^آبائه

أن الشارع بذلك يكون قد أم،ىض هذه الظاهرة العقالئية، فاملطلوب حينئذ تصحيح

كل مصداق من مصاديق هذه الظاهرة ال يناقض هويتها وال يعارض مبدأ رشعيا

يف اإلسالم؛ ألن اإلمضاء ال يقف عند حدود الظاهرة بشكلها الزمني، وإنام يدور

، وهذه النكتة االرتكازية التي تبلورت الظاهرة نتيجة هلاحول النكتة االرتكازية

هي جتميد يشء متلكه ليكون يف سبيل اخلري بشكل مستمر ولو مؤقتا يف عمود

. فحتى لو فرض أن بعض نامذج الوقف مل تكن موجودة يف العرص الزمان

كل اإلسالمي األول إال أن الشارع بإمضائه مقولة الوقف يكون قد رخص يف

مثال لكان عليه أن املنفعة وقف من هذا القبيل. فلو كان لديه مانع من وقف

يضيف عىل نصوصه التي تتكفل بيان أحكامه قيودا متنع مثل هذا الوقف، وإال فإن

منه. سكوته عن هذه األنواع سوف يؤدي إىل ظهورها يف املستقبل دون منع

يف مثل املقام هو النكتة األساسية يف وهذا األساس يقوم عىل فكرة أن املم،ىض

هوية الوقف، ال الظواهر الزمنية التارخيية. فإذا قبل فقيه بذلك فبها، وإال كان

.32، 31: 60: حممد احلسيني الشريازي، الفقه انظر( 1)

ـ 129: 9؛ والطويس، هتذيب األحكام 237: 4من ال حيرضه الفقيه كتاب ( الصدوق، 2)

130.

20

املرجع هو األساس الثاين املتقدم.

وقف إال وعليه فالصحيح وجود أصل ثانوي يف باب الوقف حيكم بصحة كل

ساد األولية، باحلكومة أو الورود.ما خرج بالدليل، ويكون مقدما عىل أصالة الف

هذا كله، وقد يدعى ـ كام ذكره بعض املعارصين ـ أن بني أيدينا نصوصا خاصة

تنفع يف املقام، حتى لو مل نملك عمومات مرشعنة لوقف املنفعة والوقت، ومن هذه

النصوص:

مام ما ورد يف جواز بيع منفعة الدار، كموثقة إسحاق بن عامر، عن اإل أ ـ

عن رجل يف يده دار ليست له، ومل تزل يف يده ويد آبائه، قد أعلمه من ×: الكاظم

×: م،ىض من آبائه أهنا ليست هلم، وال يدرون ملن هي، فيبيعها ويأخذ ثمنها؟ قال

)ما أحب أن يبيع ما ليس له(، فسأله الراوي عن بيع سكناها، بأن يقول للمشرتي:

هي يف يدي؟ قال: )نعم، يبيعها عل هذا أبيع سكناي، وتكون يف يدك كام

.الوجه(

ة من طريق الفريقني، ما ورد يف جواز بيع خدمة العبد املدبر، وهي مروي ب ـ

باع رسول اهلل خدمة )قال: × كخرب السكوين، عن جعفر بن حممد، عن عيل

.(املدبر، ومل يبع رقبته

بيع سكنى الدار أو خدمة املدبر إذا أجاز هوتقريب االستدالل هبذه الروايات أن

.5حمن أبواب عقد البيع ورشوطه، 1، الباب 336: 17 تفصيل وسائل الشيعة (1)

؛ ونحوه ما رواه البيهقي يف السنن 4أبواب التدبري، ح من 3، الباب 120:23 املصدر نفسه (2)

.، عن أيب جعفر الباقر، عن رسول اهلل312: 10الكربى

21

ه يصح ة ممنوعة؛ فإن هذه الكلي ما جاز بيعه جاز وقفه؛ إذ إن كل جاز وقفهام، ال ألن

ة بيع ما يتلف باالنتفاع به، كاملأكوالت، لكن ال يصح وقفه؛ بل لعدم اخلصوصي

لالستمرار.ر قابلة بعد كون السكنى يف الدار أو اخلدمة يف املدب ،للبيع يف املقام

أجل، إن بيع السكنى أو اخلدمة ـ وعىل الرغم من ورود هذه الروايات بشأنه ـ حمل

جدل، بل منع، من قبل الفقهاء؛ لبعض الوجوه املذكورة يف حملها، األمر الذي

ز يف دفعهم إىل محل األخبار املذكورة الواردة يف بيع املنفعة أو نحوها عىل التجو

.لأعم من احلقيقة، فتأم ه االستعامل؛ ألن

فإن رفع اخلصوصية عن البيع هنا غري واضح. ن هذا التقريب غري مقنع؛إال أ

إن بيدنا مرجعيات يمكنها أن تؤسس لرشعية أي نوع من الوقوف مل والنتيجة:

يرد فيه نص مانع أو مل خيالف قيدا أو معيارا منصوصا يف الرشع احلنيف، ووقف

املنفعة من هذا النوع، بعد ما تقدم.الوقت و

ربام يمكن فتح املجال للمناقشة يف التحفظ الفقهي حول وقف وبام تقدم كله،

الوقت أو وقف املنفعة.

نتيجة وقف الوقت من خالل ختريج غري وقفيتكييف

ن يف فكرة وقف م هل نحن بحاجة خللع مفهوم الوقف عىل املحتوى املتض

املنافع واحلقوق يف الفقه اإلسالمي، تطبيقات معارصة، جملة انظر: حسني اخلشن، وقف (1)

.358ـ 357: 12ـ 11االجتهاد والتجديد، العدد

22

ة نفسها يف وقف الوقت يىل الغاإال يمكننا الوصول أبارة أخرى: الوقت أو ال؟ وبع

سان غري مقتنع بشمول نير أن يكون اإلدعىل تق ،من خالل عنوان آخر غري وقفي

دلة الوقف لوقف الوقت مثال؟أ

ونذكر ،يمكن فرض أكثر من ختريج حيقق النتيجة نفسها تقريبا :اجلواب

ها:بعض

بمفهوم الصدقة العام، ويقصد )واقف الوقت( هنا ملتزأن ي التخريج األول:

أنني أقدم بنحو البذل منفعتي يف وقت معني للصالح العام أو للمحتاجني، قربة إىل

اهلل تعاىل، وهبذا حيصل عىل نوع من االلتزام.

،قبل القبض جواز الرجوع يف الصدقة لةكشمن هذا التخريج يعاين من أال إ

قبل العمل، بل لو رشطنا يف الصدقة القبض زام يكون مفقودا تومن ثم فعنرص االل

الفقهاء العديد من ـ كام هو املنسوب إىل املشهور ـ أشكل األمر أكثر، وإن ذهب

.املتأخرين إىل عدم ثبوت )رشط القبض مطلقا( يف الصدقة

ية إجراء معاملة ملزمة بني الواقف هنا وبني اجلهات التطوع ريج الثاين:التخ

لة الزمة بينه وبينهم، أو نحو مالتي يعمل عندها، إما بجعل عمله رشطا يف معا

؛ 256: 2؛ واخلوئي، منهاج الصاحلني 270: 2ج الصاحلني انظر: حمسن احلكيم، منها (1)

؛ وحممد 425: 2؛ والسيستاين، منهاج الصاحلني 288: 2وحممد الروحاين، منهاج الصاحلني

؛ والوحيد 474: 2؛ والفياض، منهاج الصاحلني 279: 2صادق الروحاين، منهاج الصاحلني

؛ 362ـ 361: 2مي، منهاج الصاحلني وحممود اهلاش ؛290: 3اخلراساين، منهاج الصاحلني

وغريهم.

23

، ذلك، ومن ثم يكون ملزما هبذا األمر، وال مانع من قصد القربة من قبله يف ذلك

نه ال تضاد يف هذه احلال.فإ

التطوعي ذر هذا العمل ينمثاله، بأن تخدام أسلوب النذر وأاس التخريج الثالث:

هلل تعاىل وشكرا له عىل نعمه مثال، لكن يف هذه الصورة ال ىل اإ ذه الطريقة قربة هب

توجد عالقة إلزام بينه وبني اجلهات التطوعية، بل بينه وبني اهلل تعاىل فقط، بخالف

، ومن ثم فالبد من حتقق عنارص وجوب الوفاء بالنذر يف التخريج الثاين املتقدم

نه يف هذه احلال قد حينث يف نذره فال يوجد ملزم للوفاء بعد يضاف إىل ذلك أ .حقه

ذلك.

وهو أن يوقع احلبس ال الوقف، فهذا ال إشكال فيه يف هذه التخريج الرابع:

ق عني األغراض املطلوبة، خاصة لو قلنا بأن املنافع غري العينية يمكن احلال، وحيق

احلبس كام مال إليه غري واحد من إجراء احلبس فيها، وال يشرتط القبض يف حتقق

، فإن هذه العنارص تساعد عىل حتقيق النتائج عينها الفقهاء، وجيوز التوقيت فيه

تقريبا هنا عرب مفهوم احلبس، ولو مل يكن وقفا كام هو واضح.

والبحث يف التخرجيات املوازية يمكن التفصيل فيه كثريا، لكن هدفنا حتقيق

زاوية الوقفية، فنرتك التفصيل يف البدائل ملناسبة أخرى.أصل املوضوع من ال

وفضل ؛ 422: 2؛ والسيستاين، منهاج الصاحلني 253: 2انظر: اخلوئي، منهاج الصاحلني (1)

.395ـ 392: 2اهلل، فقه الرشيعة

24

نتيجة البحث

إننا نعتقد بأن الفقه اإلسالمي يملك من الفضاءات ما يمكنه أن يعبد الطريق ـ

وفق بعض االجتهادات ـ لقيامة فكرة وقف الوقت أو لقيامة روحها ولو تعنونت

تكريس وتأصيل وتثبيت الدعوة لرتويج قانونيا بعنوان آخر، وهذا ما يمكننا من

هذا النوع من الوقوف اخلدمية التطوعية إن شاء اهلل.