34
C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n قولوجي وسي لم النشر ل ي نس لتو ا كز ر لم ا ز" رك" ا،« " رت" م س" ون" ت ي" ف ت" ات" م تي" ال ة"ل ا لك" ت ڨنبري" ال» : 2016 يس،" أن ؤدب،" ا: قال$ اصدر$ م ر$ ذكhttp://ctupm.com/ar/the-guinbri-twice- ي،" وج" ول" ق" ي" وس" ا ر"ش" ن" ل" لي" س" ون" ت" ال/disappeared-instrument-in-tunisia OTDAV 105-01-12-05-2015 | محفوظةوق الحق جميع/ 1 34 w w w . c t u p m . c o m مرت تونس فيت مات التيلة ا تلك الڨنبريبّ ؤد ا أنيسلموسيقى للعالي اعهد ا تونس، جامعة مساعد، أستاذRésumé Abstract صّ ملخ ؤدي" ت تي" الاب ب"س ا ن" ع قال" ا بحث" يبر" عيقية"وس" ات اعض" بار"دث" انى" إل ة" آل ة" دراسل " خ ن" م ك" وذل خ،" تاري" ال ن" مفت ت" اخ تي" وال س" ون" ت ي" ف ڨنبري" الن" مول اع"رب" الي" فيقيى"وس" اد"شه ا- عد" تت"ان" كها" أنم" رغن،"ري" العشقرن" ال عطيات" ا ن" م ملة" ج لى" عدا تنا" اس ق" ائ" وث" وال ة" كتوب" ا صادر" وا ة" ري"ث ا ة"ري"وت" الت ا ثر" أكن" م- ية"راف"قنوغ" ي ا ة"ث " ث ز" ناه" ت ترة" ف يلة" ط س" تون" ب ا" رواج. سنةف آLe Guinbri : un instrument doublement fini en Tunisie Cet article cherche à comprendre les causes de la disparition de certains instruments de musique à travers l'histoire et ce d’après une étude qui porte sur le Guinbri en Tunisie. Ce qui paraît très discutable et même très problématique dans cette étude, c’est que le Guinbri s’est disparu de la scène musicale tunisienne vers le premier quart du XXe siècle, alors que les données archéologiques, les sources écrites et les documents iconographiques montrent qu’il était l’instrument à corde le plus populaire en Tunisie pendant trois mille ans. D'où la légitimité de cette investigation organologique. The Guinbri : a twice disappeared instrument in Tunisia This article seeks to understand the disappearance causes of some musical instruments throughout the History by studying the Guinbri in Tunisia. What seems very questionable and even very problematic in this study, is that the Guinbri has disappeared from the Tunisian music scene since the first quarter of the twentieth century, while archaeological data, written sources and iconographic documents show that Guinbri was the most popular instrument in Tunisia for three thousand years. Hence the legitimacy of this organological investigation.

بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

  • Upload
    others

  • View
    1

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

ذكــر مــصدر املــقال : املـــؤدب، أنـــيس، 2016 : « الـــڨنبري تـــلك اآللـــة الـــتي مـــاتـــت فـــي تـــونـــس مـــرتـــني »، املـــركـــز http://ctupm.com/ar/the-guinbri-twice- ،الــــــــــــــــــتــونــــــــــــــــــســي لــلــنــشــــــــــــــــــر املــــــــــــــــــوســــــــــــــــــيــقــولــــــــــــــــــوجــــــــــــــــــي

/disappeared-instrument-in-tunisia

OTDAV 105-01-12-05-2015 | جميع الحقوق محفوظة

� /�1 34

w w w . c t u p m . c o m

الڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني أنيس املؤدب

أستاذ مساعد، جامعة تونس، املعهد العالي للموسيقى

Résumé Abstract ملخصيـــبحث املـــقال عـــن األســـباب الـــتي تـــؤدي إلـى انـدثـار بـعض اآلالت املـوسـيقية عـبر الــــــتاريــــــخ، وذلــــــك مــــــن خــــــالل دراســــــة آلــــــة الـــڨنبري فـــي تـــونـــس والـــتي اخـــتفت مـــن املشهــد املــوســيقيى فــي الــربــع األول مــن الـقرن العشـريـن، رغـم أنـها كـانـت تـعد -اســــــــــتنادا عــــــــــلى جــــــــــملة مــــــــــن املــــــــــعطيات األثـــــريـــــة واملـــــصادر املـــــكتوبـــــة والـــــوثـــــائـــــق االيــقنوغــرافــية- مــن أكــثر اآلالت الــوتــريــة رواجــــا بــــتونــــس طــــيلة فــــترة تــــناهــــز ثــــالثــــة

آالف سنة.

Le Guinbri : un instrument doublement fini en Tunisie

Cet article cherche à comprendre les causes de la disparition de certains instruments de musique à travers l'histoire et ce d’après une étude qui porte sur le Guinbri en Tunisie. Ce qui paraît très discutable et même très problématique dans cette étude, c’est que le Guinbri s’est disparu de la scène musicale tunisienne vers le premier quart du XXe siècle, alors que les données archéologiques, les sources écrites et les documents iconographiques montrent qu’il était l’instrument à corde le plus populaire en Tunisie pendant trois mille ans. D'où la légitimité de cette investigation organologique.

The Guinbri : a twice disappeared instrument in Tunisia

This article seeks to understand the disappearance causes of some musical instruments throughout the History by studying the Guinbri in Tunisia. What seems very questionable and even very problematic in this study, is that the Guinbri has disappeared from the Tunisian music scene since the first quarter of the twentieth century, while archaeological data, written sources and iconographic documents show that Guinbri was the most popular instrument in Tunisia for three thousand years. Hence the legitimacy of this organological investigation.

Page 2: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

املقدمةتـــقبع فـــي إحـــدى أركـــان واجـــهات مـــتحف اآلالت املـــوســـيقية بـــمركـــز املـــوســـيقى الـــعربـــية املـــتوســـطية –النجـــمة الــزهــراء- بــتونــس، آلــة وتــريــة صــغيرة الحجــم مــن فــصيلة الــعيدان طــولــها 60 ســنتيمترا، لــها عــنق خشــبي اسـطوانـي تـخترقـه مـالويـني يـربـط بـهما وتـران يـمتدان ويـمران فـوق فـرس هـرمـي أسـود مـثبت عـلى رقـعة مـن الجــــلد مشــــدودة بــــالــــغراء عــــلى صــــندوق مــــصوت اتخــــذ مــــن تــــرس ســــلحفاة أرضــــي (لــــوحــــة عــــدد 1). تــــثير الــوضــعية الــسينوغــرافــية املــتحفية لــآللــة عــدة اســتفهامــات، فــقد احــتلت اآللــة مــوقــعا ضــمن وتــريــات مــعفوقــة تحـمل تـسمية ڨـنبري دون أن يـخصص لـها رقـم يـرشـد لـتسميتها بـالـقائـمة الـتوضـيحية مـما يـولـد إربـاكـا فـي االســــتدالل عــــليها الســــيما أن بــــعض الــــعامــــلني بــــاملــــتحف يــــصطلحون عــــليها فــــيما بــــينهم بـ"فــــكرون" -أي سـلحفاة – رغـم وجـود آلـة مـحاذيـة لـها تحـمل ذات االسـم ولـكنها مـختلفة مـعها مـرفـولـوجـيا (فـ1)، وبـالـتالـي فـإن الـتسمية تـتأرجـح مـا بـني ڨـنبري و"فـكرون" ويـمكن إضـافـة ڨـنيبري إذا مـا اسـتخدمـنا الـتسمية املـعتمدة

لآللة في العديد من املراجع األجنبية.

إضــافــة لــاللــتباس الــذي تحــدثــه الــتسمية، فــإن تــواجــد اآللــة ضــمن مجــموعــة مــن الــوتــريــات الــخاصــة بــبعض ســود تــونــس، تــحيل فــي ذهــنية الــزائــر عــلى كــونــها تــنتمي لــرصــيدهــم األرغــنولــوجــي واملســتعمل عــندهــم ألداء مـــــــوســـــــيقات طـــــــقوســـــــية وعـــــــالجـــــــية ذات خـــــــصوصـــــــية لـــــــحنية-إيـــــــقاعـــــــية يـــــــنفردون بـــــــها، درج عـــــــلى تـــــــسميتها

بالصطنبالي.

كــما ال تــقف اإلربــاكــات عــند ذلــك الحــد، إذ تــزداد املــسألــة تــعقيدا وذلــك بــعد أن تــبني لــنا عــدم أصــلية اآللــة املــعروضــة وبــأنــها ال تــعدو أن تــكون مجــرد نــسخة مــقلدة آللــة يــمتلكها أحــد ســكان تــوزر زعــم أنــه تــحصل عــــليها مــــن النيجــــر (ف2). ودون الــــتوغــــل فــــي هــــذه الــــتفاصــــيل، فــــإن املــــحصلة هــــي اإلقــــرار بــــوجــــود فــــراغ مـعرفـي يـخص هـذه اآللـة وبـأنـها -وعـلى الـرغـم مـن تـمتعها بـشعبية كـبيرة بـتونـس فـيما مـضى كـما سـنبني الحـــقا- فـــقد انـــدثـــرت ال فـــقط مـــن نـــاحـــية وجـــودهـــا املـــادي والـــذي أشـــار لـــه املـــوســـيقي أحـــمد عـــاشـــور مـــنذ ســبعينيات الــقرن العشــريــن (عــاشــور، 1978) بــل كــذلــك مــن نــاحــية نــسيانــها وانــتفاء ذكــراهــا إلــى حــد أن مـنشئي مـتحف اآلالت املـوسـيقية بـالنجـمة الـزهـراء، فـي بـدايـة الـتسعينيات مـن الـقرن املـاضـي، لـم يـدرجـوهـا ضــمن الفهــرس الــذي خــصصوه لــلتعريــف بــبقية اآلالت املــوســيقية املــعروضــة بــاملــتحف (فـ 3)، وربــما يــعود

ذلك إلى عدم توفر املعلومات الكافية عنها أو لتضارب املعطيات حولها.

وفـي ضـوء جـميع هـذه الـقضايـا املـتعلقة بـآلـة الـڨنبري فـإن اإلشـكالـية األسـاسـية املـطروحـة فـي هـذا املـقال هـــو الـــبحث عـــن أســـباب انـــقراضـــها فـــي إطـــار مـــحاولـــة فـــهم ظـــاهـــرة انـــدثـــار بـــعض اآلالت املـــوســـيقية عـــبر الـــتاريـــخ. ولـــإلحـــاطـــة بـــاملـــوضـــوع ســـوف نـــنطلق بـــالـــتعريـــف بـــاآللـــة والـــتنقيب عـــن أصـــلها والتحـــري عـــن مـــدى

رواجها في تونس ومن ثمة تقصي أسباب اختفائها من املشهد املوسيقي التونسي.

� /�2 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 3: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

1. تعريف اآللة

تـماثـل اآللـة محـل الـدرس مـن حـيث الـشكل واملـواد املـكونـة لـها والحجـم، آالت أصـلية مـعروضـة بـعدة مـتاحـف أوروبـية، تـم اقـتناؤهـا مـن الـبلدان املـغاربـية مـا بـني الـنصف الـثانـي مـن الـقرن الـتاسـع عشـر وبـدايـة الـقرن Guinbri / "العشــريــن، ومــن ضــمنها عــينتني مــن تــونــس (لــوحــة عــدد 2 و3 )، ويســتدل عــليها بـ"ڨــنبريوهــــو مــــصطلح اســــتعمله "فــــكتور شــــارل مــــاهــــيون" عــــند جــــرده لــــآلالت املــــوســــيقية بــــمتحف املعهــــد املــــلكي .(Mahillon, 1893, p.423-424) ببروكسال وتصنيفه لها خالل ثمانينات القرن التاسع عشر

لوحة عدد 1 : صورة من الجهتني األمامية والخلفية لآللة املعروضة بمتحف اآلالت املوسيقية بالنجمة الزهراء (فـ ـ4)

!!

� /�3 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 4: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

ال تــتوقــف تــسمية ڨــنبري عــلى نــوع مــميز مــن اآلالت بــل هــي تــعميم ملجــموعــة كــبيرة مــن الــوتــريــات املــعفوقــة املـتداولـة بـشمال إفـريـقيا وصحـرائـها واملـناطـق املـحيطة بـها مـن الـجنوب وفـي اتـجاه الـغرب. وال ينسـب هـذا الـتعميم لـلغربـيني فحسـب بـل إن سـكان املـغرب األقـصى إلـى حـد اآلن يـعرفـون آلـة الـهجهوج وآلـة لـوتـر وآلـة الـسويـسن بـكونـها ڨـنبري (Aydoun, 2009, p. 30-31)، مـما يـفيد أن هـذه الـتسمية تـطلق عـمومـا Dournon, 2005, p.) عــلى صــنف مــن الــوتــريــات يــصطلح عــليه أرغــنولــوجــيا بــاألعــواد طــويــلة الــعنق855)، وهـي تشـترك فـي جـملة مـن الـعناصـر؛ أهـمها انـفصال الـعنق عـن الـصندوق املـصوت واخـتراقـه لـه اخـتراقـا تـامـا أو جـزئـيا، إضـافـة إلـى تـكون الـصدر أو محـمل الـتوافـقات مـن الجـلد وأن تـمر األوتـار وجـوبـا عـلى فـرس. وبـالـتالـي فـال غـرابـة أن يـتم إطـالق تـسمية ڨـنبري عـلى الـعديـد مـن األعـواد الـطويـلة الـعنق سـواء تـلك املسـتعملة مـن قـبل سـكان شـمال إفـريـقيا مـن املـغاربـة (فـ7) أو لـدى املجـموعـات الـسوداء الـتي تـعيش بــينها والــتي تــعتمدهــا فــي أرصــدتــها املــوســيقية املــخصوصــة، بــيد أن وجــود اخــتالفــات بــني شــكل الــڨنابــر – Charry,) جـــمع ڨـــنبري- املســـتعملة لـــكل مـــنهما جـــعل الـــعديـــد مـــمن تـــطرقـــوا إلـــيه يـــشيرون لـــتلك الـــفوارقp. 12 ,1996) مـــؤكـــديـــن عـــلى انـــتماء ذوات الـــصندوق الـــصوتـــي الـــصغير إلـــى املـــغاربـــة بـــدء بـــكتابـــات الـباحـث املـوسـيقي "كـريسـتيانـوفـيتش" الـذي عـايـنها فـي الجـزائـر سـنة 1862 وذكـر أنـها أهـم آلـة مـوسـيقية

لــوحــة عــدد 2 : صـــورة آللـــة ڨـــنبري مـــن تـــونـــس مـــحفوظـــة بــــــمتحف فــــــيالرمــــــونــــــي بــــــباريــــــس كــــــانــــــت ضــــــمن مجــــــموعــــــة املــوســيقي انــطونــان الفــاج الــذي اســتقر بــتونــس مــن نــهايــة الــــــــقرن 19 إلــــــــى عشــــــــريــــــــنيات الــــــــقرن 20. طــــــــولــــــــها 40

سنتيمتر وصنع صندوقها من صدفة بحرية (ف 5).

لــوحــة عــدد 3 : صـــورة آللـــة ڨـــنبري تـــم اقـــتناؤهـــا مـــن تــونــس ســنة 1903 مــحفوظــة بــمتحف اآلالت املــوســيقية بــبرلــني. طــولــها 51.8 ســنتيمترا وصــندوقــها مــن تــرس

سلحفاة (ف 6).

! !

� /�4 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 5: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

تـلقى إقـباال مـنقطع الـنظير عـند الـعرب هـناك، وقـد أوردهـا بـتسمية ڨـنيبري / Gunibry ووصـفها بـكونـها مـــن الخشـــب ومحـــمل تـــوافـــقاتـــها مـــن جـــلد خـــروف وصـــندوقـــها املـــصوت غـــالـــبا مـــا يـــصنع مـــن تـــرس ســـلحفاة وأنـــها تحـــمل وتـــريـــن مـــن األمـــعاء (Christianowitsch, 1868, p. 31)، كـــما لـــم يـــكتف بـــما قـــدمـــه

من معلومات بل وضحها في مؤلفته من خالل رسم (لوحة عدد 4).

.(Christianowitsch, 1868, fig. 4) لوحة عدد 4 : رسم آللة القنيبري

ويـــبدو أن مـــصطلح ڨـــنيبري الـــذي اســـتعمله "كـــريســـتيانـــوفـــيتش" قـــد اســـتعاره أغـــلب الـــباحـــثني الـــذيـــن تـــلوه لـلداللـة عـلى الـڨنبري املـتداول لـدى املـغاربـة عـلى غـرار مـوسـوعـة "فـيتيس" (Fétis, 1869, p. 127) وفهـرس Engel, 1874, p.) "مجــموعــة اآلالت املــوســيقية بــمتحف ســاوث كــينزنــغتون الــبريــطانــي لـ"كــارل انجــل Chouquet, 1884,) "307-306) وفهـــرس مـــتحف معهـــد املـــوســـيقى بـــباريـــس لـ"غـــوســـتاف شـــوكـــا

.(Jacquot, 1886, p. 104) "وقاموس اآلالت املوسيقية لـ"ألبار جاكو (p. 220

وجــب انــتظار الــعقديــن األولــني مــن الــقرن العشــريــن لــتتضح املــسألــة مــع الــباحــث "جــول روانــي" إذ صــرح أنـــه : "رغــم اطــالق تــسمية ڨــنبري فــي إفــريــقيا عــلى مجــموعــة تــكاد تــكون غــير محــددة مــن آالت ذوات العنق وتـجس أوتـارهـا بـالـيد [...]، فـإنـه مـن املـمكن الـتمييز بـني نـوعـني؛ فـاملـسمى ڨـنيبري هـو املسـتعمل فـي الـشمال وأمـا الـڨنبري فـهو الـقادم مـن الـجنوب وأسـاسـا مـن الـسودان والـذي نجـده رائـجا فـي املـدن املـحاذيـة للصحـراء بـل وأيـضا فـي املـدن الـساحـلية وحـيثما تـتواجـد مسـتوطـنات مـن الـسود". ويـضيف "جــــول روانــــي" فــــي وصــــفه لــــلڨنيبري "هــو قــيثارة صــغيرة لــها عنق طــويــل ووتــران. ويــمكن أن يــتشكل صـندوقـها مـن مـواد مـتنوعـة كـأن تـكون تـرس سـلحفاة أو نـصف يـقطينة أو نـصف عـمود مـن الـخيزران أو نــــــصف جــــــوزة هــــــند وغــــــيرهــــــا. ويــــــغطى بجــــــلد مــــــاعــــــز وتــــــجعل فــــــيه فــــــتحات فــــــي شــــــكل ثــــــقب

.(Rouanet, 1922, p. 2929)"صغيرة

ويـتوافـق هـذا الـتمييز مـع مـا تـوصـل إلـيه "هـنري جـورج فـارمـر " فـي مـقال خـصصه لـدارسـة الـڨنابـر صـدر ســــنة 1928، فــــقد أكــــــد بــــعد اســــتناده عــــلى جــــملة مــــن املــــراجــــع الــــلغويــــة أن "الــڨنبري هــو اآللــة األكــثر اســـــــتعماال لـــــــدى الـــــــزنـــــــوج [الــــــــــــسود]، فـــــــي حـــــــني يســـــــتخدم الـــــــعرب واملـــــــغاربـــــــة نـــــــموذجـــــــا أصـــــــغر :

الڨنيبري" (Farmer, 1928, p. 29) (فـ8).

� /�5 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 6: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

تـبعا لـذلـك فـإن مـفردة ڨـنيبري الـتي نـقلها "كـريسـتيانـوفـيتش" عـلى مـا يـبدو مـن الـلهجة الجـزائـريـة، والـتي ال تــــعدو إال أن تــــكون ســــوى تــــصغيرا لــــڨنبري، هــــي األقــــرب مــــنطقيا لــــلداللــــة عــــلى ذلــــك الــــصنف مــــن الــــڨنابــــر الــــصغيرة الــــخاصــــة بــــاملــــغاربــــة (فـ9)، غــــير أنــــه ال يــــوجــــد لــــها مــــقابــــل فــــي الــــلهجة الــــتونــــسية إذ تــــؤكــــد جــــل املـــعطيات أن الـــتسمية الـــوحـــيدة املـــتداولـــة هـــي ڨـــنبري أو ڨـــمبري، وقـــد أشـــار لـــذلـــك الـــصادق الـــرزقـــي فـــي بـــدايـــة الـــقرن العشـــريـــن حـــني تحـــدث عـــن اآلالت املـــوســـيقية الـــتونـــسية فـــذكـــر أن : "الــقمبري نــوعــان –نــوع اشــتهر اســتعمالــه عــند جــالــية بــرابــرة املــغرب األقــصى، صــغير الحجــم، بــوتــريــن، ونــوع كــبير الحجــم بـوتـريـن أيـضا يسـتعمله الـسودانـيون [يــقصد ســود تــونــس] فـي مـدائـحهم وأغـانـيهم" (الــرزقــي، 1967، ص. 58). يـــبدو أنـــه إزاء تـــواتـــر الـــتسمية الـــوحـــيدة قـــد تـــم اســـتنباط طـــريـــقة لـــلتمييز بـــني الـــڨنبريـــني وهـــي إضــــافــــة نــــعت "كــــبير" لــــڨنبري الــــسود وهــــو مــــا نجــــده عــــلى ســــبيل املــــثال فــــي وثــــائــــق اقــــتناء بــــعض اآلالت

املوسيقية من تونس لفائدة املتحف امللكي ببرلني سنة 1903 (ف10).

اعــتمادا عــلى أشــكال الــڨنابــر الــتونــسية املــحفوظــة بــاملــتاحــف األوروبــية، وعــلى الــوصــف املــدقــق الــذي قــدمــه "فـــــارمـــــر" لـــــڨنبري مـــــن تـــــونـــــس عـــــلى مـــــلكه الـــــشخصي(Farmer, 1928, p. 33) إلـــــى جـــــانـــــب بـــــعض الـصور الـفوتـوغـرافـية لـآللـة، الـتي الـتقطت فـي بـدايـة الـقرن العشـريـن، فـإن الـڨنبري يـتكون مـن ثـالثـة عـناصـر

أساسية وهي املقبض والصندوق املصوت والصدر الجلدي.

يــتراوح طــول املــقبض مــا بــني 40 و60 ســنتيمترا ويــكون فــي شــكل عــصا اســطوانــية تــقلم ويــرقــق آخــرهــا مـن جـهة مـرورهـا فـوق فـتحة الـصندوق املـصوت وتـثبت مـع هـذا األخـير بـرقـاق مـن الجـلد عـن طـريـق الـغراء لــيغطي كــامــل الــفتحة ويــوظــف كــصدر اآللــة أو بــما يــصطلح عــليه أرغــنولــوجــيا بمحــمل الــتوافــقات، ويــحتوي

ذلك الرقاق الجلدي على فتحات صغيرة تكون متناظرة.

ويـكون لـلصندوق املـصوت فـي الـغالـب مـن تـرس سـلحفاة أرضـي صـغير أو مـن صـدفـة بحـريـة مـن الحجـم الـكبير أو مـن خشـبة مـحفورة إال أنـها تتخـذ شـكال يـحاكـي تـرس السـلحفاة أو يـقترب مـنه، مـما يـؤكـد عـلى الـبعد الـطوطـمي لـلڨنبري. وتـحتوي اآللـة عـلى وتـريـن مـن األمـعاء أو مـن الـخيوط الـنباتـية ويشـدان فـي أعـلى

املقبض بواسطة مالويني ويمران على فرس ويربطان في الطرف النهائي للعنق.

تـتماثـل أشـكال الـعينات الـتونـسية مـع مـثيالتـها الجـزائـريـة إال أن األخـيرة تـطغى عـليها الـزخـارف املـلونـة ذات األشـكال الـهندسـية الـتي تـجعلها بـمثابـة قـطعة فـنية. غـير أن كـال مـن الـڨنابـر الـتونـسية والجـزائـريـة يـختلفان عــــن تــــلك املســــتعملة فــــي املــــغرب األقــــصى فــــي طــــريــــقة تــــركــــيب الــــعنق، إذ يــــخترق الــــعنق كــــامــــل الــــصندوق بــالنســبة لــلعينات الــتونــسية والجــزائــريــة بــينما يــخترقــه جــزئــيا فــي أغــلب الــعينات املــغربــية ويــنحت فــي شــكل شــوكــة ثــالثــية األســنان تــربــط بــها األوتــار(لــوحــة عــدد 5 و6 )، وهــي طــريــقة تــتصف بــها األعــواد املســتعملة فـي الجـزء الـغربـي مـن إفـريـقيا (Baroin, 2011). ويـبدو أن وجـود اخـتالفـات بـني ڨـنابـر كـل مـن الـبلدان

� /�6 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 7: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

املــغاربــية يــثبت تــميزهــا عــن بــعضها الــبعض ال مــن الــناحــية املــرفــولــوجــية فــقط بــل ربــما أيــضا مــن الــناحــية الداللية الرمزية والرصيد املوسيقي املؤدى.

يـتضح مـما تـقدم أن اآللـة املـعروضـة بـمتحف النجـمة الـزهـراء تـحيل عـلى الـڨنبري الـذي كـان مـتداوال بـتونـس والـذي كـان مسـتعمال فـي أغـراض مـختلفة عـن تـلك الـتي لـها عـالقـة بـالـصطنبالـي واملـمارسـات الـتي تسـتلهم هـويـتها مـن مـرجـعيات ثـقافـات جـنوب الصحـراء. وتـبقى تـسميته بـ"فـكرون" عـند الـبعض هـو مجـرد اسـتدالل لـصندوقـها املـصوت الـذي غـالـبا مـا يـصنع مـن تـرس سـلحفاة وذلـك فـي ظـل الـنسيان الـذي حـف بـاآللـة. وهـو مـا يـقود لـلسؤال عـن حـقيقة تجـذر تـلك اآللـة فـي تـونـس وهـل تسـتحق فـعال أن تـعد عـنصرا تـراثـيا هـامـا إلـى

حد يسمح بعرض نموذج منسوخ لها باملتحف؟

2. أصول آلة الڨنبري

تـتجه أغـلب الـدراسـات إلـى االعـتقاد أن األعـواد ذات الـعنق الـطويـل والـتي يـبوب الـڨنبري مـن ضـمنها، هـي أقـدم األنـواع املـعروفـة لـعائـلة األعـواد، مسـتندة فـي ذلـك إلـى شـواهـد أثـريـة، عـثر عـليها بـبالد الـرافـديـن تـرقـى إلـــى الـــنصف الـــثانـــي مـــن األلـــفية الـــثالـــثة قـــبل املـــيالد وتـــشخص عـــازفـــي عـــود ذي عـــنق طـــويـــل ولـــه صـــندوق مـصوت صـغير (رشـيد، 1970، ص. 88؛ قـطاط، 2006، ص. 20 ). كـما تـم الـكشف فـي مـصر عـن أقــدم أدلــة عــينية تــتمثل فــي آلــتي عــود أصــليتني تــعودان إلــى فــترة األســرة الــفرعــونــية الــثامــنة عشــر والــتي حــكمت مــا بــني 1320-1550 قــبل املــيالد، إحــداهــما ذات صــندوق مــصوت مــن تــرس ســلحفاة والــثانــية لـها صـندوق خشـبي بـيضاوي الـشكل (لـوحـة عـدد 7). وتـفيدنـا الـعينتني بـأنـه يشـد عـلى فـتحة الـصندوق رقـــاق مـــن الجـــلد ويـــخترقـــه عـــموديـــا عـــنق خشـــبي اســـطوانـــي فـــي عـــدة مـــواضـــع لـــيبرز فـــي مســـتوى نـــهايـــة

لوحة عدد 5 : رسم توضيحي لكيفية اختراق العنق للصندوق املصوت اختراقا تاما.

لوحة عدد 6 : رسم توضيحي لكيفية اختراق العنق للصندوق املصوت اختراقا جزئيا.

!

!

� /�7 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 8: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

الـصندوق حـيث يـثبت بـه فـرس مـتعامـد تـمر عـليه األوتـار وتـربـط فـي آخـر طـرف الـعنق، بـينما تـوثـق األوتـار Hickmann, 1949, p.) فـــــي الـــــجهة الـــــعليا لـــــلعنق ال عـــــن طـــــريـــــق مـــــالوي وإنـــــما بـــــسيور مـــــن الجـــــلد

.(159-162

لوحة عدد 7 : أعواد مصرية-فرعونية من ذوات العنق الطويل، محفوظة بمتحف القاهرة (Hickmann, 1949, pl. XCVII, XCIX)

تــبلورت مــن خــالل الــشواهــد األثــريــة فــرضــية -صــارت بــمثابــة مســلمة- تــجعل مــن مــنطقة الشــرق األوســط مـــوطـــن نـــشأة الـــعود ومـــنها انتشـــر لـــيعم الـــعديـــد مـــن األصـــقاع عـــارفـــا عـــبر تـــنقالتـــه الـــجغرافـــية وصـــيرورتـــه الـتاريـخية عـدة تـغيرات طـرأت عـلى شـكله وطـريـقة صـياغـته وعـزفـه. ولـإلشـارة فـإن بـعض الـباحـثني الـعرب قـد اســتماتــوا فــي الــدفــاع عــن األصــول األكــاديــة الــسامــية لــلعود مــحيلني بــذلــك ضــمنيا عــلى الــرأي الــقائــل بــأن الـعرب -بـاعـتبارهـم شـعوبـا سـامـية- هـم الـورثـة الشـرعـيون لـفكرة ذلـك االبـتكار الـذي اعـتمدوه كـآلـة مـوسـيقية مــرجــعية خــالل فــترة ازدهــار الــحضارة الــعربــية االســالمــية وأنــهم عــملوا عــلى تــرويــجه بــطرق مــباشــرة وغــير مــــباشــــرة بــــكل مــــن آســــيا وإفــــريــــقيا وأوروبــــا حــــيث تــــفرع إلــــى عــــدة أجــــناس. بــــل ولــــم يــــتوان بــــعضهم عــــن الـتصريـح بـأن : "أول وأقـدم ظـهور لـلعود فـي الـعالـم كـان فـي الـعراق فـهو عـراقـي ومـنه انـتقل إلـى أقـطار أخــرى فــي فــترات الحــقة" (رشــيد، 1975، ص. 66). ويــمكن تــفهم ذلــك املــوقــف "املــغالــي" والــذي جــاء كــرد فــعل ضــد حــمالت مــقصية ملــساهــمات الــعرب فــي بــناء الــحضارة اإلنــسانــية أو مــقزمــة إلضــافــاتــها فــي مـــياديـــن عـــدة ومـــنها املـــوســـيقى، إال أنـــه شـــأنـــه شـــأن اآلراء املـــضادة لـــه مـــتضمخ بـــايـــدولـــوجـــيا الـــقومـــيات وال يــعكس واقــعا عــلميا خــالــصا، فــهو وبــرغــم اســتناده إلــى مــعطيات أثــريــة ال يســتطيع إال أن يــثبت عــمليا أن

!!

� /�8 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 9: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

أقــدم الــتشخيصات اإليــقنوغــرافــية لــلعود الــتي تــم الــعثور عــليها إلــى حــدود فــترة تــشكل املــوقــف كــانــت بــبالد الـرافـديـن. وهـو مـا يـفترض تـنسيب املـسألـة فـي انـتظار مـا سـتسفر عـنه املـباحـث األثـريـة مسـتقبال. كـما أنـه وبــافــتراض عــدم الــعثور عــلى شــواهــد أقــدم لــآللــة فــي مــناطــق أخــرى فــذلــك ال يــعني صــحة الــنظريــة، إذ أن ابــتكار اآلالت املــوســيقية واســتعمالــها فــي الــعصور الــقديــمة قــد ســبق عــملية تــشخيصها عــلى غــرار الــلغات

املنطوقة التي تسبق الكتابة بل إن أغلب اللغات لم تعرف الكتابة إلى حد وقتنا الحالي.

ودون الــخوض فــي هــذا املــوضــوع فــإن الــبحث عــن أصــل الــعود فــي الــقارة اإلفــريــقية ال يــزال محــل نــقاش Blench, 1984, p.) تـــــــــــــــــتنازعـــــــــــــــــه تـــــــــــــــــيارات بـــــــــــــــــعضها رأت أنـــــــــــــــــه ذو أصـــــــــــــــــول مـــــــــــــــــصريـــــــــــــــــة قـــــــــــــــــديـــــــــــــــــمةHickmann, 1947 ; 169-171 ) وبـــعضها اآلخـــر شـــكك فـــي تـــلك الـــفرضـــية بـــدعـــوى أن الـــوجـــود املـــكثف لـــلعود ذي الـــعنق الـــطويـــل فـــي إفـــريـــقيا حـــالـــيا يـــقع عـــلى رقـــعة تـــمتد مـــن بـــحيرة الـــتشاد فـــي اتـــجاه الـسواحـل الـغربـية وهـي مـنطقة بـعيدة عـن ثـقافـات املجـموعـات املـحاذيـة لـلنيل وفـي املـقابـل فـإن هـذه األخـيرة يـندر فـيها وجـود ذلـك الـصنف مـن األعـواد. كـما أن مـورفـولـوجـية الـنماذج املـصريـة الـقديـمة وطـريـقة اخـتراق الـــعنق لـــلوجـــه املجـــلد فـــي أكـــثر مـــن مـــوضـــع بـــقي خـــصوصـــية مـــصريـــة ولـــم يـــعثر لـــها عـــلى مـــثيل فـــي بـــقية

.(Charry, 1996, p. 16-20) النماذج اإلفريقية

وبــــعيدا عــــن كــــل تــــلك الــــفرضــــيات املــــطروحــــة، فــــإن الــــعود ذا الــــعنق الــــطويــــل يــــبدو مــــتأصــــال لــــدى الــــسكان األصــليني لــشمال إفــريــقيا مــنذ فــترات قــديــمة تــرقــى إلــى الــعصر الحجــري الحــديــث، إذ تــم الــكشف خــالل الـعقود األخـيرة بـني الـرسـومـات الجـداريـة لـكهوف مـنطقتي طـاسـيلي نـعاجـر فـي الـجنوب الشـرقـي للجـزائـر وأكـــاكـــوس فـــي الـــجنوب الـــغربـــي لـــليبيا عـــن ثـــالث تـــشخيصات لـــعازفـــي أعـــواد طـــويـــلة الـــعنق فـــي وضـــعيات مـختلفة (Baroin, 2011)، وتـؤرخ تـلك الـرسـومـات (لـوحـة عـدد 8) حسـب دراسـات أولـية بـنهايـة األلـفية الــثانــية قــبل املــيالد وهــو الــزمــن الــذي اكــتسحت فــيه مجــموعــات قــدمــت مــن شــمال إفــريــقيا -تــعرف بــقدمــاء

.(Le Quellec, 2010) األمازيغ-املنطقة التي كانت خصبة قبل أن تتحول إلى صحراء قاحلة

لوحة عدد 8 : رسومات جدارية بالصحراء الكبرى تعود إلى 1100 قبل امليالد وتشخص عازفي أعواد طويلة العنق .( Baroin, 2011)

� /�9 34

w w w . c t u p m . c o m

!!

!

الڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 10: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

ويـبدو أن تـلك الـنوعـية مـن األعـواد قـد انصهـرت فـي ثـقافـة الـسكان املحـليني لـشمال إفـريـقيا وصـارت إحـدى مـــميزاتـــهم الـــتي تـــواصـــلت خـــالل الـــفترات الـــتاريـــخية املـــتعاقـــبة دون أن يـــمنعهم تـــبني تـــرســـانـــة مـــن اآلالت املــوســيقية قــدمــت مــع الــفينيقيني ثــم مــع الــرومــان فــي الــتاريــخ الــقديــم أن يــبقوا لــذلــك الــعود مــكانــته وهــو مــا تـؤكـده بـعض الـوثـائـق األثـريـة عـلى غـرار لـوحـة مـن الـفسيفساء الـجنائـزيـة (لـوحـة عـدد 9) عـثر عـليها بـطينة بـصفاقـس تـعود إلـى الـقرن الـثالـث بـعد املـيالد وتـشخص عـازفـي عـود ذي عـنق طـويـل أو بـاألحـرى ڨـنبري إذ يحـــمل جـــل صـــفاتـــه بـــدء بـــامـــتداد الـــعنق واحـــتوائـــه عـــلى مـــالوي وصـــوال إلـــى الـــصندوق املـــصوت املتخـــذ مـــن تــرس ســلحفاة. وهــو دلــيل قــاطــع عــلى اســتمراريــة اســتعمال الــڨنبري لــدى املحــليني رغــم رواج الـ"بــندريــوم" عندهم، وهو عود إغريقي-روماني ذو عنق سميك ويحمل أربعة أوتار(املؤدب، 2008، ص. 352).

مـن املـؤكـد أن الـڨنبري قـد تـواصـل وجـوده بـكامـل بـالد املـغرب فـي ظـل الـحضارة الـعربـية اإلسـالمـية إال أنـه لـم يظهـر مـن خـالل املـصادر بـصفة مسـتقلة فـقد عـملت أغـلب املـؤلـفات األدبـية والـفقهية الـتي تـطرقـت بـشكل أو بـآخـر لـآلالت الـوتـريـة املـغاربـية عـلى تـوصـيفها بـأسـماء عـامـة كـاملـعازف أو الـعيدان والـطنابـير ولـعل هـذه األخـــيرة -وهـــي الـــتي يســـتدل بـــها عـــلى األعـــواد الـــطويـــلة الـــعنق- قـــد شـــملت الـــڨنابـــر أو ربـــما كـــانـــت فـــقط (Cantigas de "مــــقتصرة عــــليها إذ بــــاالطــــالع عــــلى مــــنمنمات مخــــطوطــــات "أنــــاشــــيد الــــقديــــسة مــــاريــــاSanta Maria) والـــــتي وثـــــقت ملجـــــموعـــــة مـــــتنوعـــــة مـــــن اآلالت املـــــوســـــيقية الـــــتي اســـــتعارهـــــا اإلســـــبان مـــــن األنـدلـسيني خـالل الـقرن الـثالـث عشـر ال يـوجـد بـها أي أثـر لـلطنبور املشـرقـي بـينما خـلدت بـعضها رسـومـات لــڨنابــر (لــوحــة عــدد 10) تــماثــل طــريــقة تــركــيب مــالويــها عــلى أنــف مســتديــر، ذات الــطريــقة الــتي كــانــت

مستعملة في تونس والجزائر إلى حدود نهاية القرن التاسع عشر (فـ11).

لوحة عدد 9 : فسيفساء، محفوظة باملتحف األثري بصفاقس، تعود إلى القرن الثالث ميالدي، تمثل مشهدا جنائزيا لفقيد متمدد على أريكة حذوه شخصية تمسك بعود طويل العنق له صندوق من ترس سلحفاة.

!

� /�10 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 11: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

لوحة عدد 10 : منمنمات بمخطوط "أناشيد القديسة ماريا"، تعود إلى القرن الثالث عشر تشخص عازفي ڨنابر.

فـي مـقابـل نـدرة املـعلومـات عـن الـڨنبري بـاملـصادر الـعربـية طـيلة الـفترة الـوسـيطة والحـديـثة، فـقد حـظيت تـلك اآللــة بــاالهــتمام الشــديــد فــي كــتابــات األجــانــب الــغربــيني مــنذ أن تــكثفت زيــاراتــهم لــلبلدان املــغاربــية خــاصــة خــالل الــقرن الــتاســع عشــر وتــعرفــهم عــن كــثب عــلى عــموم الشــرائــح االجــتماعــية املحــلية ونــمط حــياتــهم. وقــد اســــــــترعــــــــى انــــــــتباه هــــــــؤالء األجــــــــانــــــــب رواج تــــــــلك اآللــــــــة إلــــــــى حــــــــد أن "كــــــــرســــــــتيانــــــــوفــــــــيتش" ذكــــــــر أن "كــــل الـعرب[بــالجــزائــر] تـقريـبا يـعزفـونـها" (Christianowitsch, 1868, p. 31)، كــما ورد عــلى لــسان "جـول روانـي" أن الـڨنبري "صـديق الـشعب، إنـه آلـة شـعبية بـامـتياز[...] وهـي منتشـرة مـن تـونـس إلـى شـــواطئ املـــغرب األقـــصى بـــني أيـــادي عـــمال املـــدن والـــحقول والـــشحن بـــاملـــوانـــي وأصـــحاب الـــدكـــاكـــني واألطــفال كــما يفتخــر كــل بــدوي أو حــضري بــمعرفــته الــعزف عــلى تــلك اآللــة الــبدائــية حــني يــصاحــب

.(Rouanet, 1922, p. 2929) "أغانيه

ونــــطلع عــــلى ذات االنــــبهار بــــمدى رواج تــــلك اآللــــة بــــني املــــغاربــــة أيــــضا واضــــحا فــــي مــــقال "هــــنري جــــورج فــارمــر" الــذي أكــــد بــأنــه أكــثر اآلالت انــتشارا بــشمال إفــريــقيا "فـهي آلـة شـعبية بـاألسـاس [...] وكـل مـن هـب ودب وأراد أن يـختبر مـقدرتـه فـي الـعزف أمـسك بـڨنبري أو ڨـنيبري بـدء بـالـصبي الـصاخـب مـرورا بــالــشحاذ املــنتحب واملنشــد املــتجول والــعامــل الــكادح والــتاجــر املــوقــر وانــتهاء بــالــفقير املــتصوف فــي

.( Farmer, 1928, p. 25) "قبته وكل منهم يظن نفسه خبيرا به تماما كالعازف البارع

إزاء الــشهادات املــتعددة عــلى انــتشار الــڨنبري فــي شــمال إفــريــقيا والــتي أوردهــا بــاحــثون أجــانــب تــناولــوا بـــالـــدرس املـــوســـيقات املـــغاربـــية إال أنـــهم لـــم يـــتعمقوا فـــعليا فـــي دراســـة املـــوســـيقى الـــتونـــسية، يـــبقى الـــسؤال املـطروح هـل كـان لـتلك اآللـة فـي تـونـس ذات الـرواج الـذي عـرفـته فـي الجـزائـر واملـغرب األقـصى خـالل الـقرن الـــتاســـع عشـــر وبـــدايـــة الـــقرن العشـــريـــن؟ مـــع الـــعلم أن املـــعلومـــات الـــضئيلة الـــتي أوردهـــا الـــتونـــسيون عـــنها كـأمـثال محـمد بـن عـثمان الـحشايـشي والـصادق الـرزقـي تـرجـعها إلـى الـجالـيات املـغربـية الـتي كـانـت مـقيمة

!!

� /�11 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 12: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

بـالـبالد؛ فـقد ذكـرهـا األول كـآلـة مـصاحـبة لـلمداحـة وهـي طـائـفة مـن بـالد املـغرب مسـتوطـنة بـتونـس وتسـترزق فـي الـطريـق الـعام بـإنـشاد روايـات عـن غـزوات الـصحابـة (الـحشايـشي، 1994، ص. 253)، أمـا الـثانـي فـقد أشـار إلـى أنـها كـانـت منتشـرة لـدى "جـالـية بـرابـرة املـغرب األقـصى" (الـرزقـي، 1967، ص. 58)،

فهل يعني ذلك أنها آلة مستعملة بتونس ولكنها ال تنتمي للرصيد االرغنولوجي املحلي الرسمي؟

3. الشواهد الدالة على رواج آلة القنبري في تونس

تــتوفــر الــعديــد مــن األدلــة حــول رواج الــڨنبري فــي تــونــس ابــتداء مــن الــقرن الــتاســع عشــر إلــى حــدود الــربــع األول مـن الـقرن العشـريـن أغـلبها مـعلومـات قـدمـها غـربـيون زاروا الـبالد فـي تـلك الـفترة أو اسـتقروا بـها أو اســتوطــنوهــا خــالل الــحقبة االســتعماريــة. ونــظرا الخــتالف طــبيعة املــعطيات فــإنــه يــمكن تــقسيمها إلــى ثــالثــة

أصناف وهي الكتابات والوثائق االيقنوغرافية والتسجيالت السمعية.

1.3 الشواهد املكتوبة

تــضمنت مــؤلــفات األجــانــب الــغربــيني الــذيــن زاروا الــبالد خــالل الــقرن الــتاســع عشــر إشــارات مــتعددة لــآللــة، وهـي شـهادات يـمكن االعـتداد بـصدقـها ألن جـلها ورد فـي سـياق وصـف ملـشاهـد عـايـنوهـا دون الـتدخـل فـي تـــفسيرهـــا وتـــأويـــلها. إال أن تـــلك الـــكتابـــات وأغـــلبها يـــنتمي إلـــى غـــير املـــختصني بـــاملـــوســـيقى لـــم تـــنص عـــلى تــسمية اآللــة بــڨنبري إال نــادرا، بــل وردت فــي أغــلب األحــيان بــتسمية "مــندولــني" أو قــيثارة صــغيرة وغــيرهــا مـن الـتسميات الـتي تـتطابـق مـع الـثقافـة الـغربـية. ولـكن مـن خـالل األوصـاف الـتي قـدمـت لـها يـمكن الـتمييز

بينها وبني بقية اآلالت الوترية املعفوقة التي تم الحديث عنها.

مــن بــني تــلك الــشهادات شــهادة الــفرنــسي "لــيون مــيشال" الــذي كــتب مــؤلــفة ذات طــابــع إثــنوغــرافــي حــول تـــونـــس إثـــر زيـــارتـــه لـــها ســـنة 1867، وتحـــدث فـــيها عـــن مجـــموعـــة مـــن الـــحكواتـــيني الـــعرب املنتشـــريـــن عـــلى أبــواب تــونــس وقــد "كـانـوا يـصطحبون مـعهم آالت وتـريـة عـربـية مـن نـوع املـندولـني و كـانـت أوتـارهـا مـن خــيوط" (Michel, 1867, p. 179). وأشــــارت كــــاتــــبة انــــقليزيــــة -قــــدمــــت إلــــى تــــونــــس ســــنة 1882 وألـفت كـتابـا يـعنى بـوصـف املـجتمع الـتونـسي- إلـى اآلالت املـوسـيقية الـعربـية املسـتعملة ومـنها "مـندولـني بـها وتـران تـنقر أوتـارهـا بـقصبة صـغيرة" (Patteson, 1885, p. 82) . وذكـر قـس إنجـليكانـي فـي كـتابـه املـخصص لـرحـلته إلـى الـقيروان سـنة 1884 أنـه اسـتمتع هـناك بـمشاهـدة عـرض مـوسـيقي بـمقهى عــــــربــــــي أحــــــياه نــــــاقــــــر بــــــنديــــــر وعــــــازف عــــــلى آلــــــة وصــــــفها بــــــأنــــــها "نــــوع مــــن الــــقيثارات وتــــدعــــى ڨــــنبري Gimbrih" (Boddy, 1885, p. 164-165). وخــــــــلد مســــــــتشرق فــــــــرنــــــــسي فــــــــي كــــــــتاب أرخ فــــــــيه يـومـيات رحـلة جـاب فـيها طـرابـلس وتـونـس سـنة 1890 مـالمـح مـوسـيقي مـتجول كـان يـطوف بـدكـاكـني سـوق الــعطاريــن بــاملــديــنة الــعتيقة ويــغني ويــعزف عــلى عــود، وحــني يــطلب مــنه عــرض فــنونــه ويــتقاضــى ثــمنا عــلى

� /�12 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 13: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

ذلــــك يــــعتبر أجــــرا ال صــــدقــــة أو إحــــسانــــا. وقــــد وضــــــــــــح الــــكاتــــب أن ذلــــك الــــعود يــــسميه الــــتونــــسيون ڨــــمبري Goumbri (Radiot, 1892, p. 209-211). ووثــق أحــد مــحافــظي مــتحف "شــوال" بــفرنــسا فــي جـــرده ملـــعروضـــات إثـــنوغـــرافـــية وردت مـــن تـــونـــس ســـنة 1893 ومـــنها ڨـــمبري / Goumbri مـــوضـــــــــــحا أنـــه "نــوع مــن املــندولــني يســتخدمــه املــتسولــون الــعرب" (Renard, 1893, p. 104). وفــــي كــــتاب هــــو عــبارة عــن يــومــيات جــولــة فــي بــلدان البحــر األبــيض املــتوســط شــملت زيــارة إلــى تــونــس ســنة 1991 تحــدث فــرنــسي أنــه شــاهــد فــي نــهج بــاب املــنارة شــيخا يــمسك بــقيثارة صــغيرة وقــد تحــلق حــولــه حشــد وكــان يــروي لـهم قـصصا بـطريـقة غـنائـية (Jousset, 1893, p. 253-254 ) كـما أضـاف الـكاتـب لـتدعـيم وصـفه رســـما للمشهـــد ال يـــترك مـــجاال لـــلشك بـــأن اآللـــة هـــي ڨـــنبري (لــوحــة عــدد 12). وفـــي نـــفس الـــفترة أورد الـــكاتـــب الـــفرنـــسي "هـــنري ســـوكـــات" الـــذي شـــغل خـــطة نـــاظـــر املـــدرســـة الـــصادقـــية فـــي كـــتاب هـــو بـــمثابـــة مــذكــراتــه الــشخصية، أنــه حــضر خــالل شهــر رمــضان عــرضــا مــوســيقيا فــي خــيمة بــالحــلفاويــن أحــيته فــرقــة Souquet,) تــــعزف عــــلى آالتــــها املــــعهودة وتــــصاحــــب فــــتاة كــــانــــت تــــغني وتــــجس عــــلى نــــوع مــــن قــــيثاراتp. 157 ,1892 ) ويــــحيل أســــلوب الــــوصــــف أن الــــقيثارة املــــذكــــورة هــــي ڨــــنبري. وخــــالل تــــدشــــني مــــيناء تــونــس ســنة 1893 تــم اســتدعــاء الــكاتــب الــفرنــسي "جــاكــينو بــولــنجى" الــذي ألــف كــتابــا حــول مــا شــاهــده فـي زيـارتـه خـصص فـيه فـقرات مـطولـة لـشخصية تـدعـى سـالـم وهـو بـائـع خـردوات مـتجول أسـود كـان يـغري زبــــــائــــــنه لــــــإلقــــــبال عــــــلى بــــــضاعــــــته "بـــالـــرقـــص والـــعزف عـــلى قـــيثارات مـــن الخشـــب املـــركـــبة عـــلى تـــرس ســـلحفاة" (Jacquinot-Boulanger, 1894, p. 56-57, 108 ) ويـــــبدو أن تـــــلك اآللـــــة، الـــــتي تـحتوي عـلى وتـريـن كـما أشـار إلـيها الـكاتـب فـي مـوضـع آخـر، لـقيت اسـتحسانـه وابـتاعـها كـتذكـار، ال تـعدو أن تـكون إال ڨـنبري. كـما أشـار إلـيها فـرنـسي قـدم إلـى تـونـس سـنة 1899 وشـاهـدهـا فـي املـديـنة الـعتيقة بــيد "شـيخ يـحيط بـه مـا ال يـقل عـن ثـالث مـائـة شـخص وقـد كـان يـروي لـهم الـحكايـات الـتي ال تـنتهي Rey,) "بحـــركـــات قـــويـــة وتـــصاحـــب نـــبراتـــه الـــقويـــة آلـــة صـــغيرة مـــن الخشـــب تشـــبه الـــقيثار الـــصغيرp. 42 ,1900). كـما تـطرق املـوسـيقي "انـطونـان الفـاج" لـلڨنبري فـي كـتابـه الـذي خـصصه للحـديـث عـن املـوسـيقى الـعربـية فـي تـونـس وجـعله ضـمن قـائـمة اآلالت املـوسـيقية الـتقليديـة الـتونـسية مـحتال املـرتـبة الـثانـية

.(Laffage, 1907, p. 3, 6) بعد آلة العود

2.3 الشواهد اإليقنوغرافية

بــاملــوازاة مــع الــشهادات املــكتوبــة املــتعددة لــألجــانــب حــول الــڨنبري فــي تــونــس، وهــي عــبارة عــلى ســيل مــن مـعلومـات يـتطلب حـصرهـا عـمال بـبليوغـرافـيا ضخـما يـتجاوز إطـار هـذا املـقال، تـبرز الـوثـائـق اإليـقنوغـرافـية الــتي شــخصت اآللــة فــي تــونــس كــأحــد أهــم األدلــة املــلموســة لــحضورهــا ورواجــها بــل والــقادرة عــلى تــبيني خــصوصــياتــها الــتي لــم تــتمكن الــكتابــات مــن اإلفــصاح عــنها. ومــن بــني أقــدم الــوثــائــق املــشخصة لــلڨنبري Errario, 1834,) 1828 رســم أنجــزه اإليــطالــي "ريــنالــدو نــانــي فــايــنتينو" حــني قــدم إلــى تــونــس ســنةp. 538)، وقـد احـتوى عـلى مجـموعـة مـن اآلالت املـوسـيقية واألدوات واألوانـي الـتونـسية الـتي تـمثل إحـدى

� /�13 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 14: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

خـــصوصـــيات الـــبالد وتـــعبر عـــن هـــويـــتها فـــي تـــلك الـــفترة، وقـــد تـــم اســـتغالل الـــرســـم كـــصورة تـــوضـــيحية فـــي كــتاب صــدر ســنة 1834 حــول لــباس مــختلف الــشعوب (لــوحــة عــدد 11 )، ومــن بــني اآلالت املــوســيقية الـتي اخـتار الـرسـام تـوثـيقها صـورة تـقريـبية لـلڨنبري ولـكنها كـافـية لـإلحـاطـة بـأدق تـفاصـيله كـالـعنق الـطويـل والــشكل الــكمثري لــلصندوق املــصوت الــصغير والــفتحات عــلى محــمل الــتوافــقات وامــتداد وتــريــن مــربــوطــني بـمالويـني ومـرورهـما عـلى فـرس وهـي كـلها تـفاصـيل تـتطابـق مـع الـعينات األصـلية لـلڨنبري املـحفوظـة حـالـيا

باملتاحف األوروبية.

إضـافـة إلـى ذلـك تمظهـر الـڨنبري فـي أكـثر مـن مـرة كـآلـة مـصاحـبة لـلحكواتـيني املـتجولـني أو مـا كـان يـطلق عـليهم بـ"الـفداوي" ضـمن رسـومـات بـمؤلـفات اعـتنت بـوصـف رحـالت إلـى تـونـس والـتعريـف بـخصوصـياتـها عـلى غـرار ذاك الـذي صـاغـه "جـوسـات" سـنة 1891 (لـوحـة عـدد 12) والـرسـم الـذي أنجـزه الـصحفي

لوحة عدد 11 : رسم لـ"رينالدو ناني فاينتينو" / تونس سنة 1828 وعلى اليسار جزء من الرسم يشخص ڨنبري (Errario, 1834, Tav. 54 )

!!

� /�14 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 15: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

والـرسـام الـفرنـسي "غـاسـتون فـويـا" حـني زار تـونـس سـنة 1896 لـ"فـداوي" بـصدد سـرد حـكايـاتـه لجـمع من املتفرجني وقد أمسك بڨنبري (لوحة عدد 13).

وفــــي ذات الــــسياق الــــتوثــــيقي االثــــنوغــــرافــــي، صــــدر مــــقال بمجــــلة فــــرنــــسية ســــنة 1902 حــــول االحــــتفاالت املـقامـة فـي شهـر رمـضان بـتونـس وقـد احـتوى عـلى الـعديـد مـن الـرسـومـات مـن بـينها مشهـد لـعرض مسـرح خــيال الــظل "الــكراكــوز" وقــد حــضره بــعض املــتفرجــني ومــن بــينهم عــازف أســود يــمسك بــڨنبري ويــنقر عــلى

لوحة عدد 12 : رسم بكتاب. فداوي في تونس سنة 1891 يعزف على ڨنبري ويتحلق حوله حشد من املستمعني

(Jousset, 1893, p. 254)

(Vuillier, 1896, p. 41) لوحة عدد 13 : رسم بكتاب. فداوي في تونس سنة 1896 يمسك بڨنبري

!

!

� /�15 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 16: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

أوتــاره بــمضراب (لـوحـة عـدد 14) مــما يــدل عــلى أنــه كــان يــقوم بــاملــصاحــبة املــوســيقية لــلعرض الــفرجــوي وهـــي مـــن اإلجـــراءات املـــعهودة فـــي مســـرح "الـــكراكـــوز" بـــشهادة محـــمد بـــيرم الـــخامـــس الـــذي وصـــفه بـــكونـــه "أمـاكـن لـلصبيان لـيال يـلعب فـيها بـتصاويـر مـن وراء السـتار بـالـخيال مـن الـصور فـي نـور املـصابـيح ويــسمى املــكان خــيال الــظل وربــما أحــضر فــيها نــوع مــن الــسماع [املــوســيقى]" (محــمد بــيرم الــخامــس،

1884، ص. 117-116) .

فــي مــقابــل قــلة الــرســومــات املــوثــقة لــلڨنبري بــاملــؤلــفات والــتي تــعد كــشهادات ملــا عــايــنه األجــانــب فــي تــونــس وحـاولـوا نـقله طـبقا لـواقـعيته، فـقد عـرف الـڨنبري حـضورا مـكثفا فـي الـصور الـفوتـوغـرافـية الـتي حـولـت إلـى بــطاقــات بــريــديــة ووقــع تــداولــها مــنذ نــهايــة الــقرن الــتاســع عشــر الــى ثــالثــينيات الــقرن العشــريــن، ومــن بــينها صــورة متجــر لــبيع الــتحف بــأســواق املــديــنة وقــد وقــف صــاحــبه خــلف دكــانــه، وتظهــر فــي الخــلفية صــورتــني مـعلقتني ملحـمد الـهادي بـاي مـما يـدل عـلى أن الـبطاقـة الـتقطت فـي فـترة حـكمه مـا بـني 1902 و 1906، ويـتقدم الـصورتـني مـعالق تـتدلـى مـنه كـمنجة وثـالثـة ڨـنابـر(لـوحـة عـدد 15) وهـو مـا يـفيد أن الـڨنبري كـان

يحظى بسوق مزدهر يكثر فيه العرض والطلب.

لوحة عدد 14 : رسم بمجلة عرض كراكوز بتونس وبقرب شاشة العرض عازف ڨنبري يصاحب املشاهد

(Mess, 1902, p. 25)

!

� /�16 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 17: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

يـــكاد الـــڨنبري أن يـــكون أهـــم آلـــة مـــوســـيقية ظهـــرت فـــي أعـــمال الـــفوتـــوغـــرافـــيني األوروبـــيني الـــذيـــن اســـتقروا بــــتونــــس خــــالل بــــدايــــة الــــقرن العشــــريــــن، فــــقد شــــخصه املــــصوران "لــــينرت" و"النــــدروك" واملــــصور "أوجــــات شــاتــالن" ضــمن مجــموعــة مــن صــور لــفتيات عــاريــات وراقــصات، وهــي تــقليعة فــنية عــرفــت أوجــها فــي تــلك الـحقبة فـي إطـار مـا يـعرف بـاالسـتشراق االسـتعماري، وكـان لـلڨنبري حـضوره فـي تـلك األعـمال إمــا بـصفة فــرديــة كــآلــة مــرافــقة لــلعنصر األنــثوي أو بــرفــقة اآلالت الــخاصــة بــالــرقــص كــالــدربــوكــة والــطار واملــزود[مــزمــار الجــراب]. ومــن املــالحــظ أن الــڨنبري يــعمل فــي تــلك الــصور عــلى تــأثــيثها بــموســيقي غــير مــسموعــة ولــكنها مـرئـية، كـما أنـه يـتحول إلـى أيـقونـة تـرمـز لـلعوالـم الـخفية لجسـد األنـثى "الشـرقـية" –حسـب املـنظور الـغربـي االســتشراقــي- فــي كــامــل تجــلياتــه وإيــحاءاتــه الــجنسية. ومــن خــالل تــلك الــوظــيفتني الــتي عــلى أســاســهما

لوحة عدد 15 : بطاقة بريدية التقطت بتونس ما بني سنوات 1902- 1906 (فـ 12)

!

� /�17 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 18: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

اخــتار الــفوتــوغــرافــيون األجــانــب تــمثيل تــلك اآللــة فــي أعــمالــهم الــتي الــتقطوهــا فــي تــونــس، يــمكن مــالمــسة مـدى ارتـباط الـڨنبري بشـرائـح مـهمشة مـن نـسوة تـونـسيات كـانـت أغـلبها وال شـك تـمتهن الـبغاء كـي تـسمح بــتصويــرهــا فــي وضــعيات إبــاحــية، فــقد بــينت الــدراســات أن فــوتــوغــرافــيي تــلك الــفترة لــم يــكن بــاســتطاعــتهم الـــتقاط صـــور للمســـلمات مـــن الـــعائـــالت املـــحافـــظة ولـــذلـــك فـــقد "اجــبروا عــلى االلــتجاء لــلنساء مــن عــامــة الـــــشعب والـــــبدويـــــات الـــــالتـــــي ال تـــــتحجنب وإلـــــى املـــــوســـــيقيات والـــــغانـــــيات وإلـــــى أتـــــعسهن مـــــن املـومـسات" (.Mandery, 1995, p. 295). إال أنـه ورغـم كـل االنـتقادات الـتي قـد تـوجـه لـتلك الـصور فــإنــها تــبقى مــن الــوثــائــق ذات الــقيمة الــتاريــخية والــتوثــيقية الــتي ال مــناص مــن اعــتمادهــا لــدراســة الــڨنبري

وتتبع حضوره في بداية القرن العشرين.

� /�18 34

w w w . c t u p m . c o m

لوحة عدد 16 : بطاقة بريدية لعازفة ڨنبري، صورة التقطها "لينرت" و"الندروك" في تونس ما بني سنوات 1900- .1910

!

الڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 19: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

لـوحـة عـدد 17 : فـرقـة مـوسـيقية تـرافـق راقـصة ومـــن الـــجهة الـــيمنى عـــازف مـــزود وحـــذوه عـــازفـــة ڨـنبري. صـورة الـتقطها "لـينرت" و"النـدروك" فـي تــــــونــــــس مــــــا بــــــني ســــــنوات 1900- 1910 (فـ

(13

لـوحـة عـدد 18 : فــرقــة مــوســيقية تــرافــق راقــصة، وعــــــــلى الــــــــيمني عــــــــازفــــــــة ڨــــــــنبري. صــــــــورة الــــــــتقطها "لــــينرت" و"النــــدروك" فــــي تــــونــــس مــــا بــــني ســــنوات

1900- 1910 (فـ 14)

لـــــوحـــــة عـــــدد 19 : صـــــــــورة لـــــــــعازفـــــــــة ڨـــــــــنبري لـــــلمصوريـــــن "لـــــينرت" و"النـــــدروك" الـــــتقطت فـــــي تــــــونــــــس مــــــا بــــــني ســــــنوات 1900- 1910 (فـ

(15

لــــوحــــة عــــدد 20 : ثـــــــالث فـــــــتيات، عـــــــلى الـــــــيمني عــــــــــــازفــــــــــــة ڨــــــــــــنبري مــــــــــــتكئة عــــــــــــلى الــــــــــــباب. صــــــــــــورة لــــــــلمصوريــــــــن "لــــــــينرت" و"النــــــــدروك" الــــــــتقطت فــــــــي

تونس سنة 1900 (فـ16)

!

!

!

!

� /�19 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 20: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

3.3 الشواهد السمعية

مــن الــطريــف أن الــڨنبري كــان مــن أول اآلالت املــوســيقية الــتونــسية الــتي حــظيت بــتسجيل صــوتــي ضــمن بـاكـورة الـتسجيالت املـوثـقة ألثـر صـوتـي تـونـسي. ويـعود الـفضل فـي ذلـك لـلطبيب الـفرنـسي "لـيون أزوالي" الــــعضو بــــمؤســــسة األنــــثروبــــولــــوجــــيا بــــباريــــس الــــذي اغــــتنم فــــرصــــة انــــعقاد املــــعرض الــــعاملــــي بــــباريــــس ســــنة 1900، ليسجـل أكـثر مـن ثـالث مـائـة اسـطوانـة عـلى آلـة فـونـوغـراف تـضم أغـانـي ومـعزوفـات ولـغات ولـهجات لـلعديـد مـن الـدول والـشعوب الـتي شـاركـت فـي ذلـك املـعرض ومـن بـينها تـونـس الـتي وثـق لـها ثـمانـية نـماذج صــوتــية ضــمت تــالوة لــقصار الــسور مــن الــقرآن وقــراءة مــقطع مــن الــتوراة وشــعر مــلحون وحــكايــة مــضحكة بــلهجة مــديــنة تــونــس وأغــانــي شــعبية بــعضها بــأصــوات رجــالــية وأخــرى بــصوت امــرأة، وعــزف مــنفرد عــلى ڨـنبري الـذي ذكـر بـتسمية "ڨـنيبري" وأخـيرا عـزف مـنفرد عـلى املـزود(ف19). وقـد حـفظت كـل الـتسجيالت بـــأول مـــتحف فـــونـــوغـــرافـــي بـــفرنـــسا خـــصص حســـب مـــا وضـــحه "لـــيون أزوالي"، لـــلباحـــثني فـــي الـــلسانـــيات واإلثـــنوغـــرافـــيا واملـــوســـيقى(Azouly, 1902, p. 653, n° 1). ومـــن املـــرجـــح أن تـــكون الـــعينات الـــتي سجـلت قـد تـم اخـتيارهـا عـن قـصد لـتتماشـى مـع اهـتمامـات إثـنوغـرافـية سـعت فـقط لـتوثـيق الـجانـب الـشعبي الــــسوقــــي، إذ مــــن بــــني 140 تــــونــــسي مــــشارك بــــاملــــعرض(Charles-Roux, 1902, p. 209) وقــــع

لـــــوحـــــة عـــــدد 21 : صــــــــورة لــــــــفتاة تــــــــجس عــــــــلى ڨــــنبري، لــــلمصوريــــن "لــــينرت" و"النــــدروك" الــــتقطت فـــــــي تـــــــونـــــــس مـــــــا بـــــــني ســـــــنوات 1900- 1910

(فـ17)

لــوحــة عــدد 22 : صـــورة لـــثالث فـــتيات وعـــلى الـــــــيسار آلـــــــة ڨـــــــنبري، صـــــــورة الـــــــتقطها املـــــــصور "أوجـــــــات شـــــــاتـــــــالن" بـــــــتونـــــــس مـــــــا بـــــــني ســـــــنوات

1903-1914 (فـ18)

!

!

� /�20 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 21: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

تــسجيل أفــراد مــن الشــرائــح الــدنــيا مــن املــجتمع الــتونــسي والــذيــن تــم انــتقائــهم بــناء عــلى اقــتراحــات الــلجنة االسـتعماريـة املـكلفة بـتمثيل تـونـس (Azouly, 1902, p. 665, n° 2)، فـقارئ الـقرآن قـد أخـطأ فـي إعـراب ونـطق الـعديـد مـن الـكلمات، أمـا بـالنسـبة لـلمغنني فـإن عـدم تـمكنهم مـن الـتحكم فـي الـطبقة الـصوتـية يـؤكـد أنـهم كـانـوا مـن غـير املـحترفـني، كـما كـانـت الـطرفـة املـرويـة سـمجة، وهـي كـلها دالالت تـبني أن تـسجيل الـڨنبري واملـزود قـد وردا فـي سـياق تسـليط الـضوء عـلى الـثقافـة الـتونـسية فـي تجـلياتـها الـشعبية الـبسيطة، كــما تــفيدنــا بــأن آلــة الــڨنبري تــنتمي لــتلك املــنظومــة الــثقافــية بــل وتــمثلها مــوســيقيا، ورغــم ذلــك فــقد تــجاوز الـعزف املـنفرد عـليه املـجال الـذي أسـند لـه والـصورة الـنمطية الـتي تـجعل مـنه آلـة "بـسيطة" أو "بـدائـية"، إذ يـبني الـتسجيل أن لـه طـاقـة صـوتـية واضـحة وجـرس مـميز مـكناه مـن مـضاهـاة بـقية الـوتـريـات فـي ذلـك العهـد مــن نــاحــية األداء والــتعبير والــتنفيذ الــدقــيق لــألبــعاد الــصوتــية. ويــحيلنا الــتسجيل الــذي يــدوم 2.45 دقــيقة ويـحتوي عـلى أربـعة مـقاطـع عـلى تـقصي الـخصوصـيات الـصوتـية املـوسـيقية لـلڨنبري ومـعايـنة الـرصـيد الـذي

يؤديه.

يــبني الــتسجيل أنــه تــم اســتعمال مــضرب لــلعزف عــلى الــڨنبري وأنــه قــد وظــف بــطريــقة الــصد والــرد املــعتمد فـــي آلـــة الـــعود ولـــكن دون الـــلجوء إلـــى طـــريـــقة الـــفرداش وقـــد عـــوضـــت هـــذه األخـــيرة بـــنقر الـــوتـــريـــن فـــي ذات الــــوقــــت وذلــــك كــــنوع مــــن الــــزخــــرف. ورغــــم عــــدم وجــــود مــــصاحــــبة إيــــقاعــــية لتحــــديــــد الــــضروب فــــإن مــــوازيــــن املــعزوفــات وســرعــة حــركــتها تــحيل عــلى أنــها قــطع مــوســيقية مــخصصة فــي أغــلبها لــلرقــص(لــوحــة عــدد 23

و24 ) (فـ 20).

لوحة عدد 23 : تدوين تقريبي للمعزوفة الثانية املوقتة بالتسجيل من 1.11 دقيقة إلى 1.45 دقيقة

� /�21 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 22: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

لوحة عدد 24 : تدوين تقريبي للمعزوفة الرابعة املوقتة بالتسجيل من 2.21 دقيقة إلى نهاية التسجيل.

أمــا مــن الــناحــية الــلحنية فــقد اقــتصرت املــساحــة الــصوتــية لــلڨنبري عــلى ســداســية ولــم تــتجاوزهــا فــي كــل الـقطع، ومـع ذلـك فـقد كـانـت تـلك املـساحـة كـافـية لـتنفيذ جـملة مـن الـطبوع الـتونـسية (لـوحـة عـدد 25) الـتي وردت بـنفس الـكيفية الـتي تـؤدى فـيها فـي األغـانـي الـحضريـة لـتونـس فـي بـدايـة الـقرن العشـريـن. وهـو مـا

يشير إلى انتماء الڨنبري في تونس إلى املجال الحضري واألرصدة املوسيقية املتداولة في املدن.

تـــحيل وفـــرة شـــهادات األجـــانـــب املـــكتوبـــة حـــول الـــقنبري فـــي تـــونـــس وتـــعدد املســـتندات اإليـــقنوغـــرافـــية الـــتي شـخصته مـن رسـومـات وصـور شـمسية إلـى جـانـب تـوثـيقه ضـمن أولـى الـتسجيالت الـصوتـية بـمطلع الـقرن العشـريـن، أنـه كـان مـن أكـثر اآلالت املـوسـيقية الـوتـريـة رواجـا فـي تـونـس عـلى نـفس الـشاكـلة الـتي كـان بـها فـي بـقية األقـطار املـغاربـية، كـما أن الـعديـد مـن الـشواهـد تـؤكـد أنـه كـان أحـد األيـقونـات الـدالـة عـلى الـثقافـة املـــوســـيقية الـــشعبية الـــتونـــسية وأنـــه كـــان يـــنتمي للشـــرائـــح االجـــتماعـــية املـــحكوم فـــيها أو تـــلك الـــتي تـــصنفها أدبــــيات االخــــباريــــني بـ"الــــعامــــة" وبـ"الــــرعــــاع" و"األوبــــاش" والــــتي تجــــمع مــــا بــــني الــــعمال وصــــغار الــــتجار والـفقراء واملهمشـني. فـالـقنبري يـعد آلـة الـفداوي واملـداحـة واملـتسولـني وعـروض الـكراكـوز والـراقـصات. بـل هـو إحــدى الــعالمــات الــرامــزة لــتلك الــطبقات وتــعبيراتــها املــوســيقية وأذواقــها والــتي ال ريــب أنــها كــانــت مــنافــية لــذوق "الــخاصــة" أو "الــنخبة االجــتماعــية" والــذي تــؤثــثه األجــراس الــصوتــية لــلموســيقيني املــحترفــني الــذيــن كــانــوا يســتنكفون مــن اســتعمال الــڨنبري فــهم حســب روايــة "جــول روانــي" كــانــوا "يـرفـضون الـعزف عـليه خــشية الحــط مــن شــأنــهم" (Rouanet, 1922, p. 2929) كـــما أشـــار "هـــنري جـــورج فـــارمـــر" أنـــه "نـادرا مـا نجـده بـيد مـوسـيقي مـحترف يـعمل بـفرق الـحواضـر ألنـه عـادة مـا يـوجـه اهـتمامـه حـني يتعلق Farmer, 1928,)" األمـر بـآالت وتـريـة مـعفوقـة إلـى أكـثرهـا رقـيا كـالـعود أو الـكويـتره أو الـطنبور

.( p. 25

ويـــمكن مـــالمـــسة املـــوقـــف املـــزدري لـــلڨنبري واملـــحقر لـــه مـــن طـــرف الـــنخبة املـــثقفة الـــتونـــسية والـــتي اخـــتزلـــها الـصادق الـرزقـي حـني صـرح بـأن الـڨنبري : "سـاقـط لـيس لـه صـدى حـسن، وال تـلتذه املـسامـع" بـل وأرجـع

� /�22 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 23: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

أصــله إلــى "دواخــل الــصني" (الــرزقــي، 1967، ص. 58) وكــأنــه بــذلــك يــتبرأ مــنه ويــنفي قــطعيا أصــولــه املحــلية، تــلك األصــول الــتي تــشير املــعطيات أنــها متجــذرة فــي الــثقافــة املــغاربــية األمــازيــغية مــنذ الــعصور الـقديـمة وأن الـڨنبري عـرف حـضورا فـي تـونـس خـالل كـل حـقبها الـتاريـخية، ولـكن يـبقى الـسؤال كـيف آللـة اسـتطاعـت أن تـصمد وتسـتمر ألكـثر مـن ثـالثـة آلـف سـنة، أن تـختفي وتـتالشـى فـي غـضون الـعقود الـثالث

األولى من القرن العشرين إذ أنه بعد هذه الفترة ال يوجد ألثر حولها؟

4. أسباب اختفاء الڨنبري من املشهد املوسيقي التونسي

يــرى الــباحــث "لــورونــس لــيبان" أن أســباب انــدثــار اآلالت املــوســيقية يــعود إلــى عــدة عــوامــل مــنها : "تـغير األذواق وتــطور طــرق األداء، أو مســتجدات قــد تــطرأ عــلى املــواد وتــقنيات الــصناعــة أو عــلى املــحفزات الــتجاريــة والــسياســية، أو عــلى حــاجــيات الــتعبير الــشخصية لــصانــع اآلالت أو لــلموســيقي، أو عــلى حـركـة الـسكان، أو فـقدان راعـي أو تـدمـير ثـقافـة بـرمـتها" (Libin, 2007, p. 883). وإزاء اخــتفاء الـــڨنبري مـــن املشهـــد املـــوســـيقي بـــتونـــس فـــي ثـــالثـــينيات الـــقرن العشـــريـــن فـــإن أســـباب انـــدثـــاره تـــبدو جـــد مــرتــبطة بمجــمل املســتجدات والــتغيرات الــتي حــصلت فــي تــلك الــفترة غــير أنــه مــن املــرجــح أن ال تــكون لــها عــالقــة بــعوامــل ذوقــية وأدائــية، إذ ال بــد وأن يــكون الــڨنبري قــد اســتطاع عــبر تــاريــخه املــديــد اســتيعاب كــل الـتحوالت الـذوقـية واألسـلوبـية املـوسـيقية املـساوقـة لـلحضارات املـتعاقـبة عـلى الـبالد. كـما أنـه مـن الـصعب أن تـــكون املـــواد أو تـــقنيات الـــصناعـــة إحـــدى عـــوامـــل انـــدثـــار الـــڨنبري فـــهو مـــن اآلالت الـــتي كـــانـــت تـــعتمد عـــلى مـواد أولـية مـتوفـرة وغـير بـاهـظة الـتكالـيف، كـما أن صـناعـته ال تـقتضي جهـدا مـقارنـة بـبقية اآلالت الـوتـريـة املـتزامـنة مـعه كـالـعود أو الـربـاب والـتي يـجب أن يـراعـي فـي صـناعـتها جـملة مـن املـواصـفات تـجعلها قـادرة عــلى تــولــيد طــاقــة وتــرددات صــوتــية خــاصــة بــاألنــساق املــوســيقية الــتي يــنفذهــا الــعازفــون املــحترفــون، بــل إن أجــراســها املــوســيقية تــعد فــي حــد ذاتــها إحــدى أهــم الــعناصــر األســاســية املــشكلة لــهويــة األنــماط املــتداولــة لـديـهم، وتـلك املـواصـفات والـخصوصـيات الـصوتـية الـنموذجـية الـتي تـبني عـلى مـقايـيس مـحكمة، ال يـمكننا الجـــزم بـــتوفـــرهـــا فـــي الـــڨنبري، فجـــل الـــعينات مـــختلفة األحـــجام واملـــواد، كـــما أن الـــڨنبري ال يـــرتـــبط بـــنمط مــوســيقي محــدد يــلزمــه بــأداء أجــراس صــوتــية مــخصوصــة، بــل ولــعل هــذه الــصفة الــتي تــتركــه مــنفتحا عــلى كـل األنـماط وقـادرا عـلى تـنفيذ كـل مـا يحـلو فـي أذهـان عـازفـيها دون الـتقيد "املـتزمـت" بـقواعـد املـوسـيقات املــقننة املــتداولــة، يــمثل أحــد األســباب الــتي جــعلت مــنه أكــثر اآلالت الــوتــريــة انــتشارا. وبــالــتالــي فــإن بــقية الـعوامـل الـتي ذكـرهـا "لـورونـس لـيبان" قـد تـكون الـفواعـل املـباشـرة فـي إزاحـة الـڨنبري وتـغييبه، وتـبعا لـذلـك يـــتعني الـــبحث عـــن أســـباب بـــعيدة عـــن الـــڨنبري كـــآلـــة أو بـــاألحـــرى كـــأداة صـــوتـــية والتحـــري عـــن رعـــاتـــها مـــن

مستخدمني ومستهلكني لها.

اعــتمادا عــلى مــا قــدمــه كــل مــن "جــول روانــي" و"هــنري جــورج فــارمــر" حــول هــويــة عــازفــي الــڨنبري فــإن عـددا مـنهم كـانـوا ال يسـترزقـون مـنه بـل يسـتعملونـه كـوسـيلة تسـلية وتـرفـيه، بـل يـبدو أن أعـداد املـقبلني عـليه

� /�23 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 24: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

مــن هــؤالء الــهواة كــان كــبيرا إلــى حــد أن "كــرســتيانــوفــيتش" تــهيأ لــه أن الــكل كــان يــعزف الــڨنبري، وجــعله Christianowitsch, 1868,) "يـتساءل : "هـل ألنـه أسهـل عـزفـا مـن بـقية اآلالت أم ألن ثـمنه زهـيد؟p. 31). ويــمكن تــخيل مــدى الــغبطة الــتي كــان يــشعر بــها طــفل صــغير أو شــاب أو كهــل حــني يــتمكن مــن اسـتخراج بـضع نـغمات مـن آلـة فـي املـتناول أو عـزف مـقطوعـة عـليها فـي ظـل نـدرة املـناسـبات الـتي يـمكن فــيها لــلمرء االســتماع آلالت مــوســيقية تــصدح مــن قــبل الــفرق املــحترفــة أو لــنقل عــدم تــواتــر تــلك الــظروف بــــالنســــبة لــــعامــــة الــــشعب. إال أن املســــتحدثــــات الــــتي طــــرأت عــــلى كــــيفية بــــث املــــوســــيقى فــــي بــــدايــــة الــــقرن العشـريـن مـع انـتشار اسـتخدام الـحاكـي قـد قـوض اإلثـارة الـتي يـمكن أن يحـدثـها مجـرد نـقر عـلى آلـة مـن قــبل هــاوي، بــل يــبدو أن التســلية الــتي كــانــت مــمارســة تــطبيقية عــلى الــڨنبري وتجــربــة تــخاض الســتخراج األنـــــغام ومـــــحاكـــــاة األلـــــحان وربـــــما اســـــتنباط بـــــعضها، قـــــد تـــــحولـــــت إلـــــى مجـــــرد اســـــتهالك لـــــالســـــطوانـــــات واالســتمتاع بــاإلصــغاء إلــى تــسجيالت املــوســيقات املشــرقــية والــتونــسية لشــركــات "غــرامــوفــون" و"بــولــيفون" و"بـــاتـــي" الـــتي غـــزت األســـواق وصـــارت رائـــجة بـــمقاهـــي أصـــبحت تســـتقطب مـــولـــعني يـــمضون وقـــتهم فـــي االســتماع إلــيها مــقابــل زيــادة طــفيفة فــي املشــروبــات (دلــيل مــعرض حــكايــات عــن الــحاكــي، 2006، ص. 9-11). وقـــد اســـترعـــت تـــلك الـــظاهـــرة الـــسياح األجـــانـــب الـــذيـــن زاروا تـــونـــس فـــي مـــطلع الـــقرن العشـــريـــن وتحـدث بـعضهم مـنذ سـنة 1908 عـن وجـود مـقاهـي فـي بـاب سـويـقة "تـصدح بـها أصـوات الـغرامـوفـون Graham, 1908, p.) "الـتي تـبث أغـانـي عـربـية لجـمهور شـديـد االهـتمام واإلعـجاب بـتلك األلـحان101)، ولــــم تــــقف تــــلك الــــظاهــــرة عــــلى رواد املــــقاهــــي بــــل تــــجاوزتــــها لــــتتبلور كحــــدث فــــاصــــل فــــي تــــاريــــخ املـــوســـيقى بـــتونـــس عـــبر عـــنه عـــثمان الـــكعاك بـــمصطلح "االنـــقالب الـــفني" الـــذي جـــعل مـــن الـــحاكـــي يـــقرب املــسافــات ويــدخــل الــفن لــلبيوت ويســتولــي عــلى أجــواء الــشارع (الــكعاك، 1982، ص. 37). ومــن املــرحــج أنـــه فـــي غـــمار ذاك "االنـــقالب" بـــدأ هـــواة الـــڨنبري يتخـــلون عـــنه مـــقابـــل الـــشغف بـــاالخـــتراع الجـــديـــد وفـــقد الـــڨنبري بـــذلـــك جـــزء كـــبيرا مـــن رعـــاتـــه الـــذيـــن كـــانـــوا يـــساهـــمون فـــي حـــركـــية ســـوق صـــناعـــته وتـــجارتـــه والـــذي

سيعرف الركود ثم االضمحالل بمجرد التوقف عن طلبه.

بـاملـوازاة مـع تـراجـع اسـتعمال الـڨنبري مـن قـبل مـمارسـي املـوسـيقى مـن الـهواة، فـقد بـدأت اآللـة تـتقهقر فـي نــــفس الــــفترة مــــع أفــــول نجــــم "الــــغانــــيات" الــــتونــــسيات املســــلمات والــــذي كــــانــــت تــــمثل أحــــد آالتــــهم الــــوتــــريــــة املــــــفضلة بــــــل وتــــــعد حســــــب مــــــا تــــــحيله شــــــهادات األجــــــانــــــب وصــــــورهــــــم االســــــتشراقــــــية كــــــأهــــــم أيــــــقونــــــاتــــــهن. و"الـغانـيات" أو مـا يـطلق عـليهن فـي أدبـيات الـقرن الـتاسـع عشـر والـسجالت الـرسـمية بـالـعاهـرات ومـفردهـا عــاهــرة، هــن صــنف مــن نــسوة متحــررات فــي مــجتمع تــقليدي مــحافــظ كــن ال يــمانــعن مــن االخــتالء بــالــرجــال ومـــسامـــرتـــهم ومـــعاقـــرة الخـــمر وتـــعاطـــي املخـــدرات. ولـــإلشـــارة فـــإن تـــلك الـــتسمية ليســـت مـــرادفـــة لـــلبغايـــا أو لـلمومـسات إذ أن هـاتـه األخـيرات كـن يـمتهن الـتجارة الـجنسية الـتي كـانـت مـن املحـرمـات املـدانـة بشـدة فـي تـونـس قـبل الـفترة االسـتعماريـة ويـعاقـب مـمارسـيها بـالـقتل، بـينما كـانـت الـعاهـرات يـحترفـن إلـى جـانـب الـغنج وآداب املـجالـسة واإلغـراء، الـعزف والـغناء والـرقـص، بـل كـن الـوحـيدات مـن بـني املسـلمات الـالتـي تـمتهن تـلك الــصنائــع اذ أن "مطلق الـنسوة الـتونـسيات" كــن حســب مــا أورده محــمد بــيرم الــخامــس "ال تـغنني أبـدا

� /�24 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 25: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

ولــو بــني أيــدي أزواجــهن" ولـــذلـــك فـــقد كـــان يـــلتجأ "لــعاهــرات مــغنيات" ألحـــياء الـــوالئـــم واألعـــراس (بـــيرم الـــخامـــس، 1884، ص. 143). وقـــد زخـــرت كـــتابـــات الـــرحـــالـــة األجـــانـــب بـــالحـــديـــث عـــن أولـــئك الـــغانـــيات مـطلقني عـليهن تـسمية "عـاملـات"(فـ21) إلـى حـد أنـهن بـرزن كـعنصر قـار فـن املشهـد املـوسـيقى الـتونـسي طــوال فــترة الــتاريــخ الحــديــث. وقــد بــينت تــلك الــكتابــات أنــه رغــم ازدراء الــتونــسيني لســلوكــياتــهن الــالأخــالقــية فـــإنـــهم كـــانـــوا مـــتيمني بـــعروضـــهن، وأنـــهن كـــن جـــد مـــطلوبـــات عـــند الـــطبقات الـــحاكـــمة والـــثريـــة حـــيث كـــانـــوا Marcel, 1851, p. 111 ;) يسـتقدمـوهـن لتسـليتهم وإحـياء سهـراتـهم واحـتفاالتـهم بـالـغناء والـرقـص Dunant, 1858, p. 205; Flaux, 1865, p. 160   ; Perry, 1869, p. 351; Des Godins deSouhesmes, 1880, p. 202 )، بـينما كـانـت الـطبقات األقـل ثـراء تـتجه خـلسة إلـى ديـارهـن الـتي تـقع فـي

حـــارات خـــاصـــة حـــيث يـــؤجـــروهـــن لـــتقديـــم عـــروض مـــوســـيقية هـــناك، مـــن ذلـــك السهـــرة الـــتي تـــمكن الـــكاتـــب الــفرنــسي "غــي دو مــوبــاســون" مــن حــضورهــا فــي مــديــنة تــونــس ســنة 1887 وبــقي مــذهــوال مــن الــكيفية الـتي كـان يـتعامـل بـها املحـليون مـع مجـموعـة مـن الـغانـيات كـن يـؤديـن أغـنية صـحبة فـرقـة مـوسـيقية فـقال فـي شـأنـها : " كـان الجـميع يسـتمع الـيهن بـانـتباه شـديـد فـال حـديـث وال ضـحك بـل إصـغاء مـركـز. أيـن نـحن؟ [تــــسائــــل الــــكاتــــب] هــل نــحن فــي مــعبد ديــانــة هــمجية أم نــحن فــي مــاخــور؟ إنــنا فــي مــاخــور، نــعم فــي مــاخــور" (Maupassant, 1890, p. 190 ). وإن كـــان "غـــي دو مـــوبـــاســـون" قـــد اســـتطاع الـــتكشف عـــلى ذلــك الــعالــم الســري فــإن غــيره مــن األجــانــب لــم تــسنح لــه مــثل تــلك الــفرصــة فــقد كــانــت الــغانــيات املســلمات Reid, 1882, p. 219 ; Bernard,) تـــــرفـــــض املـــــثول أمـــــام غـــــير املســـــلمني أو ال يـــــسمح لـــــها بـــــذلـــــكp. 213 ,1892) وهــو مــا جــعل املــصري محــمد فــريــد بــك يــنوه بحــرص الــتونــسيني عــلى حــفظ األعــراض إلـى درجـة أنـه " ال يـجوز ملـسيحي أو يـهودي أن يـدخـل فـي بـيوت الـعاهـرات املسـلمات وإال خـيف عـليه الـــقتل" (فـــــريـــــد بـــــك، 1902، ص. 72). لـــــم يـــــقف دور الـــــغانـــــيات عـــــند حـــــدود التســـــلية بـــــل نـــــظرا لـــــلمبالـــــغ الضخــمة الــتي كــانــت تــتلقاهــا مــقابــل خــدمــاتــها املــوســيقية، فــقد مــثلت دخــال مــهما لخــزيــنة دولــة الــبايــات بــما كـانـت تـدفـعه مـن ضـرائـب وهـو مـا قـد يفسـر انـتشارهـن وكـثرة أعـدادهـن الـذي فـاق فـي مـديـنة تـونـس لـوحـدهـا الــثمانــمائــة فــي تــسعينيات الــقرن الــتاســع عشــر (Kerrou et M’Halla, 1991, p. 211). إال أن تـلك الشـريـحة ومـا تـمثله مـن غـنج وحـرفـية مـوسـيقية وبـراعـة فـي الـرقـص لـم تسـتطع مـثيالتـها مـن الـيهوديـات الــــتونــــسيات -حســــب شــــهادة األجــــانــــب- إال مــــحاكــــاتــــها بــــطرق فــــضة School, 1844, p. 133) ؛ (Lubomirski,1880, p. 68-70 عـرفـت نـهايـة مـأسـاويـة فـي نـهايـة الـقرن الـتاسـع عشـر وذلـك إثـر عــــملية تــــدجــــينهن مــــن قــــبل الــــحكومــــة االســــتعماريــــة بــــمقتضى قــــرار بــــلدي صــــدر فــــي 16 مــــارس 1889 وأصـبحن بـعرفـه مـومـسات كـغيرهـن مـن بـقية الـبائـسات الـيهوديـات أو األوربـيات والـالتـي خـضعن لـلمراقـبة Kerrou et M’Halla,) الـــصحية وإلقـــامـــة شـــبة جـــبريـــة فـــي املـــاخـــورات الـــعمومـــية إلـــى ســـن الخـــمسنيp. 210 ,1991). وبــالــتالــي فــقدت الــغانــيات مــيزاتــهن كــموســيقيات وتــحولــت إلــى مجــرد بــائــعات جــنس،

وخسر الڨنبري بذلك أحد أبرز مستعمليه أو باألحرى من كن يضمونه إلى رصيدهن األرغنولوجي.

� /�25 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 26: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

كــما لــم تــنج بــقية مســتعملي الــقنبري مــن املســترزقــني بــه مــن ذات املــصير الــذي لــحق بــالــغانــيات، إذ إلــى جـانـب فـقدان الـعازفـني الـجوالـني لـلعديـد مـن الـفضاءات الـتي كـانـوا يـقدمـون فـيها عـروضـهم جـراء اكـتساح الـحاكـي لـها فـي عشـريـات الـقرن العشـريـن. فـقد الحـقتهم الـقوانـني االسـتعماريـة الـتي أجـبرتـهم عـلى دفـع ضـــرائـــب كـــانـــوا مـــعفيني مـــنها فـــي حـــكومـــات الـــبايـــات والـــتي وإن كـــانـــت تـــخضع املـــوســـيقيني املـــحترفـــني فـــي Lanessan, 1887,) الــفرق الــوتــريــة إلــى دفــع ثــلث أربــاحــهم ونــصف أربــاح فــرق "الــطبالــة" كــضرائــبp. 178-179 )، فـقد كـانـت تـغض الـطرف عـن الـعديـد مـن املسـترزقـني مـن عـروض الـفرجـة فـي الـطريـق الـعام إذ كـانـوا -حسـب تـوصـيف الـحشايـشي لـهم- يـعتبرون مـن عـداد الـشحاذيـن واملـتسولـني ال أصـحاب مـــهن فـــنية (الـــحشايـــشي، 1994، ص. 253-254). إال أن اقـــتحام عـــديـــد اإليـــطالـــيني مـــن املـــوســـيقيني الــجوالــني ومحــركــي الــدمــى للمشهــد الــتونــسي مــنذ انــتصاب الحــمايــة وانــتشارهــم فــي الــساحــات الــعمومــية وإقــبال الــجالــيات األوروبــية املســتوطــنة بــالــبالد عــلى اســتهالك عــروضــهم، دفــعت بــالســلطات االســتعماريــة إلــى اغــتنام الــفرصــة لــزيــادة دخــلها وذلــك بــسن جــملة مــن الــقوانــني صــدرت أوالهــا فــي 20 فــيفري 1888 Journal des Tribunaux) 1901 ونـــقحت مـــا بـــني الـــسنوات 1893 إلـــى (Fallot, 1888, p. 69)Français en Tunisie, 1898, p. 283 ; 1902, p. 30) وفــــــرضــــــت عــــــلى كــــــل مــــــمتهني الــــــعروض دفــع أداءات بــلديــة لــم يســلم مــنها أصــحاب الــعروض املحــلية. ومــن املــرجــح أنــه فــي خــضم تــلك الــظروف تــم التخــلى عــن الــڨنبري مــن قــبل أمهــر الــعازفــني عــليه إذ دفـــع بــأغــلبهم تــدريــجيا للتخــلص مــن املــظاهــر الــدالــة عــلى صــفاتــهم املــوســيقية الــتي تــوجــب عــليهم دفــع ضــرائــب ال يــقدرون عــلى أدائــها واالكــتفاء بــاالســتجداء والـــتسول كـــبقية الـــفقراء واملتشـــرديـــن الـــذيـــن غـــصت بـــهم املـــدن الـــتونـــسية خـــاصـــة بـــعد هجـــرات الـــعديـــد مـــن

الريفيني إليها إثر حركة االستيطان االستعماري ألراضيهم.

أمــــا بــــالنســــبة لــــعروض خــــيال الــــظل "الــــكراكــــوز" والــــتي كــــان بــــعضها يــــوفــــر مــــالذا لــــعازفــــي الــــڨنبري كــــي يــصاحــبوا مــشاهــدهــا ويــملؤون الــفراغــات بــني فــصولــها الــدرامــية بــاملــعزوفــات. فــقد عــرفــت فــي ظــل الســلطة االسـتعماريـة عـديـد املـضايـقات، إذ كـان محـل انـتقادات األجـانـب الـذيـن شـاهـدوهـا فـي تـونـس بـدعـوى أنـها تــحتوي عــلى مــشاهــد خــليعة وإبــاحــية ال يــجب أن تــعرض أمــام األطــفال والــذيــن يــمثلون أكــثر الــرواد اقــباال عـلى تـلك الـفرجـة (Ditson, 1859, p. 220)، بـل ودعـى بـعضهم إلـى ضـرورة مـنعها وذلـك قـبل الـفترة االســـتعماريـــة فـــتلك : "الــعروض الــفاســقة والــتي ال يــسمح بــها فــي الــحضارات املــتمدنــة، يــشاهــدهــا [فـــي .( Perry, 1869, p. 306-307) "تـونـس] الـجنسان عـلى الـسواء وأيـضا الـصبية واألطـفال الـصغار

وقــد وصــفها آخــرون بــكونــها تــقوم عــلى شــخصية مــحوريــة وهــو "الـكراكـوز وعـوض أن يتسـلح بـعصى مـثل الـشخصيات املـضحكة لـديـنا فـهو يسـتعمل عـضوه الـذكـري والـذي يـجعلونـه ضخـما. واملسـرحـيات هـي فـي .(Bertholon, 1889, p. 415) "غـايـة الـغباء فـمواضـيعها تـتمثل فـي حـبك املؤامـرات واملـضاجـعة والـلواطويـبدو أن تـلك الحـمالت ضـد مسـرح الـكراكـوز قـد جـعلت املسـتعمر يتخـذ قـرارا بـغلق الـعديـد مـنها أو عـزلـها فــي أمــاكــن بــعيدة مــنذ تــسعينيات الــقرن الــتاســع عشــر (Daubeil, 1897, p. 69) إال أنــه ســمح بــإقــامــتها خــالل شهــر رمــضان. وقــد ذكــر الــحشايــشي أن العــبي الــكراكــوز خــالل ذلــك الشهــر "ال يـقولـون إال كـالمـا

� /�26 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 27: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

طـيبا وال يـفعل أمـام الـصبية األلـعاب املفسـدة الـخبيثة لـلتربـية" (الــحشايــشي، 1994، ص. 65) ورغــم

Mess,) تخــــلي الــــكراكــــوز عــــن جــــانــــبه اإلبــــاحــــي فــــي بــــدايــــة الــــقرن العشــــريــــن كــــما تــــبينه بــــعض املــــراجــــعp. 25 ,1902) فــأنــه لــم يســلم مــن غــضب الســلطة لــعدم تــوانــيه عــن السخــريــة مــن رمــوز الــدولــة وعــلى رأسـها الـباي إلـى حـد أن الشـرطـة كـانـت تـتدخـل ملـنع بـعض املـشاهـد (Trouvé, 1898, p. 37) ورغـم أن مسـرح الـكاركـوز قـد اسـتمر كـأحـد أهـم عـروض الـفرجـة الـذي كـان يسـتهوي أعـدادا غـفيرة مـن الجـماهـير طــيلة الــربــع األول مــن الــقرن العشــريــن، مــقاومــا مــنافــسة شــديــدة مــن املســرح والــسينما فــي بــدايــتهما فــي تـونـس، إال أنـه تـوقـف فـي أوائـل الـثالثـينيات بـعد أن تـم مـنعه بـقرار حـكومـي عـلى إثـر تجـرئ بـعض عـروضـه عــــلى السخــــريــــة مــــن املــــقيم الــــعام (Pellegrin, 1932, p. 1) وبــــنهايــــة الــــكاركــــوز فــــقد الــــڨنبري آخــــر

صروحه.

الخاتمة

يـــعود رواج اســـتعمال الـــڨنبري فـــي الـــبالد تـــونـــسية إلـــى فـــترات قـــديـــمة تـــرقـــى إلـــى الـــعصر الحجـــري، وقـــد تــواصــل اســتعمالــه فــي ظــل كــل الــحضارات الــتي تــعاقــبت عــليها، إال أن نــدرة تــشخيصاتــه اإليــقنوغــرافــية خــالل حــقبة الــتاريــخ الــقديــم وعــدم بــروزه كــآلــة مــرجــعية فــي الــفترة الــوســيطة، وعــزوف املــوســيقيني املــحترفــني عــنه خــالل الــفترة الحــديــثة يــؤكــد أنــه يــعد مــن اآلالت الــتي لــم تــكن تــنتمي إلــى مجــموعــة اآلالت املــوســيقية املــعترف بــها مــن الســلط الــحاكــمة ومــوالــيها الــذيــن تــتالــوا عــلى حــكم الــبالد. وفــي املــقابــل فــقد بــقي الــڨنبري مـرتـبطا بـعامـة الـشعب ومـعبرا عـنه بـل إنـه تمظهـر كـأحـد عـالمـات ثـقافـته، إال أن ذلـك االرتـباط الـوثـيق جـعله يــفقد أهــميته ووظــيفته ويــنزوي ومــن ثــمة يــختفي مــن املشهــد املــوســيقي حــني تخــلخلت تــوازنــات تــلك الــثقافــة

الشعبية ووقع تهميشها لتتالشى تدرجيا خالل الثلث األول من القرن العشرين.

هـكذا، فـإن انـدثـار الـڨنبري كـآلـة تـؤدي وظـيفة مـوسـيقية، ثـم زوالـه مـن الـذاكـرة الجـماعـية الـتونـسية كـرمـز -وهــــو مــــوت مــــضاعــــف -يــــشير إلــــى ضــــياع ثــــقافــــة مــــوســــيقية بــــرمــــتها ضــــمت أعــــدادا كــــبيرة مــــن مــــمارســــي املــــوســــيقى مــــن الــــهواة الــــذيــــن كــــانــــوا مــــولــــعني بــــالــــعزف عــــليه ومجــــموعــــات غــــفيرة مــــن املــــوســــيقيني الــــجوالــــني ومــوســيقيي الــفرجــة واملــوســيقيات الــغانــيات الــذيــن وإن كــانــوا ال يحــظون بــاعــتراف رســمي بـ"مــوســيقيتهم" مـــن قـــبل أقـــرانـــهم املـــحترفـــني فـــإنـــهم قـــد أثـــثوا ال فـــقط، جـــانـــبا مـــهما مـــن املشهـــد املـــوســـيقي الـــتونـــسي فـــي فـترتـهم، بـل وال شـك أنـهم أيـضا و قـد سـاهـموا فـي إثـراء الـتراث املـوسـيقي الـتونـسي الـذي ال يـزال حـاضـرا

وشاركوا في نحت خصوصياته.

زيـادة عـلى ذلـك، ال يـمكن تحـميل مـسؤولـية ذلـك الـضياع إلـى الـسياسـية االسـتعماريـة فـقط بـل واملـرجـح أن "الـــنخب االجـــتماعـــية الـــتونـــسية" ســـاهـــمت فـــيه إذ كـــانـــت عـــلى مـــا يـــبدو فـــي قـــطيعة مـــع الـــطبقات الـــشعبية فــكانــت مــتعالــية عــنها ومــزدريــة لــكل تــعبيراتــها ولــم تحــرك ســاكــنا ألجــل املــحافــظة عــلى مــقومــاتــها، فــي حــني

� /�27 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 28: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

أنــــها دافــــعت بشــــدة حــــني شــــعرت بتهــــديــــدات تــــمس املــــوســــيقيات الــــتي تــــعبر عــــنها، ومــــا مــــبادرتــــها بــــإنــــشاء الـرشـيديـة فـي ثـالثـينيات الـقرن املـاضـي، -حسـب رأيـنا - إال نـوعـا مـن اإلبـقاء عـلى رصـيدهـا املـوسـيقي أو بـما أطـلق عـليه "املـالـوف" والـذي يـرمـز إلـى كـيانـها ومـركـزهـا االجـتماعـي ونـفوذهـا، ذاك الـنفوذ الـذي تـواصـل حــــتى بــــعد االســــتقالل وتمظهــــر مــــوســــيقيا فــــي اتــــخاذ "املــــالــــوف" مــــن بــــني الــــعديــــد مــــن األنــــماط املــــوســــيقية الـتقليديـة الـتونـسية، كـنموذج وحـيد مــدرس فـي الـبرامـج الـرسـمية لـلتعليم املـوسـيقي، كـما أنـه حـاز اهـتمامـا إعـالمـيا مـفرطـا وعـومـل كـابـن مـدلـل للسـلطة، فـي حـني همشـت الـعديـد مـن األنـماط بـل وتـم الـتنصيص عـلى إقـــصاء بـــعضها ومـــنعت مـــن الـــظهور فـــي املـــرافـــق االعـــالمـــية الـــعمومـــية إلـــى غـــايـــة الـــتسعينيات مـــن الـــقرن

املاضي.

إن "مــــوت" الــــڨنبري فــــي تــــونــــس، يــــقود إلــــى اإلقــــرار بــــأن الــــبعد الــــرمــــزي لــــآلالت املــــوســــيقية يــــفوق أهــــميتها الــصوتــية، فــهي ليســت مجــرد وعــاء أو محــمل لــلموســيقات املســتخرجــة مــنها بــقدر تــمثلها كــعنصر أســاســي لـنسق ثـقافـي ملجـموعـة مـا، ومـا تـحتويـه تـلك الـثقافـة مـن مـعايـير ومـضامـني فـكريـة وعـقائـديـة وتـصورات لـلكون.

وبانتهاء تلك الثقافة تنتفي معها أكثر اآلالت املوسيقية ترميزا لها على غرار حالة الڨنبري في تونس.

القائمة البيبليوغرافية

بـــيرم الـــخامـــس، محـــمد، صـــفوة االعـــتبار بمســـتودع األمـــصار واألقـــطار، 1884، الـــقاهـــرة، املـــطبعة اإلعـــالمـــية، •ج. 2.

الــحشايــشي، محــمد بــن عــثمان، 1994، الــعادات والــتقالــيد الــتونــسية: الهــديــة أو الــفوائــد الــعلمية فــي الــعادات •التونسية، تحقيق الجالني بن الحاج يحيى، تونس، سيراس للنشر.

دلـيل مـعرض حـكايـات عـن الـحاكـي، املجـموعـة الـخاصـة لـلحبيب بـوغـرارة، 2006، اشـراف عـلمي مـراد الـصقلي، •مركز املوسيقى العربية املتوسطية، تونس، وزارة الثقافة واملحافظة على التراث.

الرزقي، صادق، 1967، األغاني التونسية، تونس، الدار التونسية للنشر. •

رشـيد، صـبحي أنـور، 1970، تـاريـخ اآلالت املـوسـيقية فـي الـعراق الـقديـم، بـيروت، املـؤسـسة الـتجاريـة لـلطباعـة •والنشر.

رشــيد، صــبحي أنــور، 1975، اآلالت املــوســيقية فــي الــعصور اإلســالمــية، بــغداد، دار الحــريــة لــلطباعــة، مــطبعة •الجمهورية.

عـاشـور، أحـمد، 1978،« ظـهور آلـة الـقمبري بـتونـس وكـيفية حـمايـة اآلالت الـشعبية مـن االنـدثـار»، مجـلة الـحياة •الثقافية، تونس، عدد 5، وزارة الشؤون الثقافية.

� /�28 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 29: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

فــــارمــــر، هــــنري جــــورج، 2007، «"آلــــة شــــعبية مــــن شــــمال افــــريــــقيا» ، تــــعريــــب محــــمد األســــعد قــــريــــعة، الــــحياة •الثقافية، تونس، وزارة الثقافة، عدد 181، ص. 151- 160.

فــريــد، محــمد بــك (املــحامــي)، د/ت، مــن مــصر الــى مــصر رحــلة ســنة 1902 بــبالد ايــطالــيا وتــونــس والجــزائــر •وطرابلس الغرب ومالطه، مصر، مطبعة املوسوعات بشارع باب الخلق لصاحبها اسماعيل حافظ.

قـطاط، محـمود، 2006، آلـة الـعود بـني دقـة الـعلم وأسـرار الـفن، مـسقط/ سـلطنة عــمان، مـطبوعـات مـركـز عــمان •للموسيقى التقليدية.

الـــكعاك، عـــثمان، 1982، الـــشيخ أحـــمد الـــوافـــي، تـــحقيق صـــالـــح املهـــدي، تـــونـــس، املعهـــد الـــرشـــيدي لـــلموســـيقى •التونسية.

الــــلواتــــي، عــــلي وزغــــندة، فــــتحي، 1992، اآلالت املــــوســــيقية املســــتعملة بــــتونــــس، تــــونــــس، وزارة الــــثقافــــة، مــــركــــز •املوسيقى العربية واملتوسطية النجمة الزهراء.

املـؤدب، أنـيس، 2008، الـثقافـة املـوسـيقية بـتونـس خـالل الـفترة الـبونـية والـرومـانـية، تـونـس، دكـتوراه بـكلية الـعلوم •االنسانية واالجتماعية بتونس.

• Aydoun, Ahmed, 2009, Essai sur les musiques Amazighes du Maroc, Rabat, édition Aydoun.

• Azoulay, L., 1902, « Liste des phonogrammes composant le Musée phonographique de la Société d'Anthropologie», Bulletins de la Société d'anthropologie de Paris, Ve Série, t. 3, p. 652-666, [en ligne] consulté le 15 juin 2016. URL   : http://www.persee.fr/doc/bmsap_0301-8644_1902_num_3_1_6077

• Baroin, Catherine, 2011 « L’odyssée africaine d’un cordophone rudimentaire, le « luth à pique intérieure » », Afrique : Archéologie & Arts, 7, [En ligne] consulté le 19 mai 2016. URL : http://aaa.revues.org/625 ; DOI : 10.4000/aaa.625

• Bernard, Marius, 1892, Autour de la Méditerranée, les côtes Barbaresques, De Tripoli à Tunis, Paris, Henri Laurens.

• Bertholon, Lucien, 1889, «   Esquisse de l’anthropologie criminelle des tunisiens musulmans », Archives de l’anthropologie criminelle et des sciences pénales, Paris, G. Masson, Tome IV, p. 389-439.

• Blench, Roger, 1984, «   The morphology and distribution of Sub-Saharan musical instruments of North African, Middle Eastern, and Asian, origin  », Musica Asiatica 4, edited by Laurence Picken, London/New York, Cambridge University Press, p. 155-191.

• Boddy, Alexander Alfred, 1885, To Kairwân the Holy: scenes in Muhammedan Africa, London, Kegan Paul, Trench & Co.

� /�29 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 30: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

• Charles-Roux, Jules, 1902, L'organisation et le fonctionnement de l'exposition des colonies et pays de protectorat : les colonies françaises / rapport général, par M. J.-Charles Roux, Exposition universelle de 1900, Paris,  Impr. Nationale.

• Charry, Eric, 1996, «Plucked Lutes in West Africa: An Historical Overview», The Galpin Society Journal,   49, p. 3-37, [en ligne] consulté le 21 mai 2016. URL   : http://www.jstor.org/stable/842390 doi:1

• Chouquet, Gustave, 1884, Le Musée du Conservatoire national de musique. Catalogue descriptif et raisonné, Paris, Firmin-Didot.

• Christianowitch, Alexandre, 1863, Esquisse historique de la Musique Arabe aux temps anciens avec dessins d'instruments et quarante mélodies notées et harmonisées, Cologne, Dumont-Schauberg.

• Daubeil, Jules, 1897, Notes et impressions sur la Tunisie, Paris, E. Plon, Nourrit et Cie.

• Des Godins de Souhesmes, Gaston, 1880, Tunis: histoire, moeurs, gouvernement, administration, climat, productions, industrie, commerce, religion, etc., Paris, Gustave Guérin, 3e édition.

• Ditson, George Leighton, 1859, The crescent and French crusaders, New York, Derby & Jackson.

• Dournon, Geneviève, 2007, «   Instruments de musique du monde   : Foisonnement et systématiques », Musiques une Encyclopédie pour le XXI siècle 5, sous la dir. de Jean-Jacques Nattiez, Actes Sud/Cité de la Musique, p. 833-868.

• Dunant, Henry J., 1858, Notice sur la Régence de Tunis, Genève, Jules-G. Fick.

• Engel, Carl, 1874, A descriptive catalogue of the musical instruments in the South Kensington Museum, Second Edition, London, George E. Eyre & William Spottiswood.

• Errario, Giulio, 1834, Il costume antico e moderno di Tutti I popoli, Firenze, Batellie figli.

• Fallot, Ernest, 1888, Notice géographique, administrative et économique sur la Tunisie, Tunis, Ch. Fath.

• Farmer, Henry George, 1928, « A North African Folk Instrument », The Journal of the Royal Asiatic Society of Great Britain and Ireland, n°1, Cambridge University Press, p. 24-34, [en ligne] consulté le 16 mai 2016. URL : http://www.jstor.org/stable/25221313

• Fétis, François-Joseph, 1869, Histoire générale de la musique ; depuis les temps les plus anciens jusqu'à nos jours, Paris, Firmin Didot Frères, Tome II.

• Flaux, Armand de, 1865, La Régence de Tunis au dix-neuvième siècle, Paris/ Alger, Challamel Ainé/ Bastide.

• Graham, Petrie, 1908, Tunis, Kairouan & Carthage, London, Heinemann.

� /�30 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 31: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

• Hickmann, Hans, 1947, «Un instrument à cordes inconnu de l'époque copte», Extrait du Bulletin de la Société d’Archéologie copte, tome XII, p. 63-83, [en ligne] consulté le 12 juin 2016. URL : http://www.coptic.org/music/instru-cordes.htm

• Hickmann, Hans, 1949, Catalogue général des antiquités égyptiennes du musée du Caire, n° 69201-69852, Instrument de musique, Le Caire, Imprimerie de l’institut Français d’archéologie orientale.

• Jacquinot-Boulanger, Charles (pseudo Jacques de La Forge), 1894, Tunis-port de mer, notes humoristiques d'un curieux, Paris, Marpon et Flammarion.

• Jacquot, Albert, 1886, Dictionnaire pratique et raisonné des instruments de musique anciens et modernes, Paris, 2e éd., Lib. Fischbacher.

• Journal des Tribunaux Français en Tunisie, Revue pratique de Législation et de Jurisprudence, 1898 et 1902, Tunis, Imp. Française B. Borrel.

• Jousset, Paul, 1893, Tour de Méditerranée de Venise à Tunis par Athènes, Constantinople et le Caire, illustrations par R. de la Nézière, Paris, Librairies-Imprimeries Réunies.

• Kerrou, Mohamed & M’Hlla Moncef, 1991, La prostitution dans la Medina de Tunis aux XIXe et XXe siècles, Annuaire de l’Afrique du Nord, p. 201-221, [en ligne] consulté le 17 juin 2016. URL   :   http://aan.mmsh.univ-aix.fr/volumes/1991/Pages/AAN-1991-30_38.aspx

• Laffage, Antonin, 1907, La Musique Arabe. Ses Instruments et ses Chant, Tunis, Imp. E. Lecore-Carpentier.

• Lanessan, Jean-Louis de, 1887, La Tunisie, Paris, Félix Alcan.

• Le Quellec, Jean-Loïc, 2010 « Datations directes et indirectes des images rupestres en Ahaggar, dans la Tasili-n-Ajjer et l’Atlas saharien », Les nouvelles de l'archéologie, 120-121, p. 49-56, [en ligne] consulté le 24 mai 2016. URL : http://nda.revues.org/1002 ; DOI : 10.4000/nda.1002

• Libin, Laurence, 2007, « Histoire, symbolisme et fonctions des instruments de musique occidentaux », Musiques, une Encyclopédie pour le XXI siècle 5, sous la dir. de Jean-Jacques Nattiez, Actes Sud/Cité de la Musique, p. 869-893.

• Lubomirski, Jozef, 1880, Les Pays oubliés. La Côte barbaresque et le Sahara, excursion dans le vieux monde, par J. Lubomirski, Paris, E. Dentu.

•   Mahillon, Victor-Charles, 1893, Catalogue descriptif et analytique du musée instrumental du conservatoire royal de musique de Bruxelles, Gand, 2e édition, Lib. Ad. Hoste.

� /�31 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 32: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

• Mandery, Guy, 1995, « Photographies et cartes postales à Tunis, 1881-1914 », Annuaire de l’Afrique du Nord, sous la dir. Ahmed Mahiou & Françoise Lorcerie, Paris, CNRS, IREMAM, Edition du CNRS, p. 291-298.

• Marcel, J. J., 1851, Histoire de Tunis précédée d’une Description de cette Régence par le Dr Louis Frank, Paris, Firmin Didot Frères,.

• Maupassant, Guy de, 1890, La vie errante, Paris, Paul Ollendorff.

• Mess, P. F., 1902, « les fêtes du Ramadan à Tunis », L’Illustration, n°3072, p. 22-26.

• Michel, Léon, 1867, Tunis, Paris, Garnier,

• Patteson, Barbe, 1885, Chips from Tunis: A glimpse of Arab life, London, Hachette & Co.

• Pellegrin, Arthure, 1932, «  Le théâtre arabe peut-il se développer   ?  »  Les Annales coloniales, Paris, 32éme année, n°49, Samedi 7 mai 1932.

• Perry, Amos, 1869, Carthage and Tunis: past and present: in two parts, USA, Providence Press Company, Printers.

• Radiot, Paul, 1892, Tripoli d’Occident et Tunis, Paris, E. Dentu.

• Reid, Thomas Wemyss, 1882, The land of the Bey. Being impressions of Tunis under the French, S. Low, Marston, Searle, & Rivington.

• Renard, L., 1889, « Catalogue des objets offerts au musée ou acquis par la société en 1893  », Bulletin de la Société des sciences, lettres et beaux arts de Cholet, Cholet/France, Imp. H. Farré, p. 102-105.

• Rey, R., 1900, Voyage d’études en Tunisie (10-28 avril 1900), Paris, Ch. Delagrave.

• Rouanet, Jules, 1922, «La Musique Arabe » & «La Musique Magrhrebine », Encyclopédie de la musique et Dictionnaire du conservatoire, sous la dir. de Albert Lavignac et Lionel de la Laurance, Paris, Librairie Delagrave, t. I, p. 2676-2944.

• School, Gottfreid, 1844, Une promenade à Tunis en 1842, Paris, Dentu.

• Souquet, Henri, 1892, Journal d'un lycéen de Tunis, Paris, Gedalge.

• Trouvé, Alexis, 1898, Au désert, Moulins, Crépin-Leblond.

• Villoteau, Guillaume André, 1826, De l'état actuel de l'art musical en Egypte, ou relation historique et descriptive des recherche et observations faites sur la musique en ce pays, Description de l'Egypte, T. 14, Paris, Panckoucke.

• Vuillier, Gaston, La Tunisie, illustrée par l’auteur, Tours, Alfred Mame & fils, 1896.

� /�32 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 33: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

فهرس التفاسير

(فـ 1) : صـنع صـندوق اآللـة مـن تـرس سـلحفاة بحـري كـبير ولـها ثـالثـة أوتـار مـوثـقة بـالـعنق بـسيور مـن الجـلد ال •عن طريق مالوي وتعلو صدرها املجلد فتحتان متقابلتان رباعية األضالع.

(فـ 2) : فـي لـقاء أجـريـناه يـوم 1 جـوان 2016 مـع صـانـع اآلالت املـوسـيقية الـسيد الـهادي بـاألصـفر واملتعهـد •بــصيانــة اآلالت املــوســيقية بــمتحف النجــمة الــزهــراء، صــرح أنــه هــو مــن صــنع تــلك اآللــة فــي ســنة 1980 طــبقا لـنموذج عـلى مـلك أحـد سـكان تـوزر زعـم أنـه تـحصل عـليه مـن النيجـر. وفـي الـتسعينيات قـدمـه إلـى إدارة النجـمة

الزهراء ضمن عدة آالت موسيقية تقليدية كانت على ملك أبيه وتم ضمها الى املجموعة املتحفية.

(فـ 3) : ال يــــحتوي فهــــرس اآلالت املــــوســــيقية عــــلى أي أثــــر لــــلڨنبري الــــصغير، راجــــع : الــــلواتــــي، عــــلي وزغــــندة، •فـتحي، 1992، اآلالت املـوسـيقية املسـتعملة بـتونـس، تـونـس، وزارة الـثقافـة، مـركـز املـوسـيقى الـعربـية واملـتوسـطية

النجمة الزهراء.

(فـ 4) : نـتقدم بـالـشكر لـلسيد سـفيان الـفقيه مـديـر مـركـز املـوسـيقى الـعربـية املـتوسـطية الـذي سـمح لـنا بـتصويـر •اآللـة ونشـرهـا فـي املـقال. كـما يـمتد شـكرنـا لـلسيد مـنير الـهنتاتـي والـسيد مـروان األنـصاري عـلى مـساعـدتـهما لـنا

في عملية التصوير.

•http://collectionsdumusee.philharmoniedeparis.fr/ : (فـ5) : أخـــــــــــذت الـــــــــــصورة مـــــــــــن doc/MUSEE/1005186

(ف 6) : صــورة قــدمــها لــي الــسيد مــنير الــهنتاتــي كــان قــد الــتقطها مــن مــتحف بــرلــني، ويــمكن مــعايــنة اآللــة مــن •http://www.mimo-international.com/mimo/ : جــــــــــــهة الــــــــــــصدر فــــــــــــي املــــــــــــوقــــــــــــع الــــــــــــتالــــــــــــي image.ashx?q=http://www.mimo-db.eu/media/SPK/IMAGE/2942119.jpg

(فـ 7) : سنســـتعمل مـــصطلح مـــغاربـــة لـــلداللـــة عـــلى ســـكان الـــبلدان املـــغاربـــية (لـــيبيا وتـــونـــس والجـــزائـــر واملـــغرب •األقصى) من أمازيغ وعرب.

(فـ 8) : اسـتعنا فـي تـعريـب نـص " فـارمـر" بـالـتعريـب الـذي قـام بـه الـباحـث االسـعد قـريـعة مـع بـعض الـتحويـرات، •راجـــع : فـــارمـــر، هـــنري جـــورج، 2007، «"آلـــة شـــعبية مـــن شـــمال افـــريـــقيا» ، تـــعريـــب محـــمد األســـعد قـــريـــعة،

الحياة الثقافية، تونس، وزارة الثقافة، عدد 181، ص. 151- 160.

(فـ 9) : وفــي الــواقــع فــإن هــذا الــتوصــيف ليســت لــه عــالقــة بــالــبعد الــعرقــي إذ يســتعمل الــڨنبري مــن قــبل ســكان •الـبلدان املـغاربـية بـمختلف ألـوان بشـرتـهم ولـكنه يـعكس مـمارسـات مـوسـيقية وأرصـدة مـختلفة عـن تـلك الـتي تـمثلها ڨـنابـر الـطقوس الـشعائـريـة لـلصطنبالـي فـي تـونـس أو الـديـوان بـالجـزائـر أو الـڨناوة بـاملـغرب األقـصى واملـنحصرة

داخل مجموعات أغلبها من أصول إفريقيا السوداء وتستمد مرجعياتها من ثقافات جنوب الصحراء.

(ف 10) : وثــيقة مــنسوخــة مــن جــرد ملــقتنيات مــن تــونــس لــفائــدة مــتحف اآلالت املــوســيقية بــبرلــني ســنة 1903، •محفوظة بمركز املوسيقى العربية املتوسطية، وقد اطلعنها عليها املحافظ السابق للمركز السيد منير الهنتاتي.

� /�33 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب

Page 34: بّدؤ%ا سينأ صخّ لم - CTUPMctupm.com/wp-content/uploads/2016/08/anis-meddeb-1-ctupm.pdfبدؤا سينأ C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i

�C e n t r e T u n i s i e n d e P u b l i c a t i o n M u s i c o l o g i q u e

T u n i s i a n C e n t e r o f M u s i c o l o g i c a l P u b l i c a t i o n

المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي

(فـ 11) : أنــظر رســم آللــة وتــريــة تــونــسية لــها تــرس ســلحفاة وتــحتوي عــلى ثــالثــة أوتــار عــرضــت بــمتحف ســاوث • The Illustrated London News, April 30 1870, fig. 8 كــــــنزنــــــغتون بــــــلندن ســــــنة 1870 بـوأيـضا صـورة لـڨنبري جـزائـري مـحفوظ بـاملـتحف الـوطـني لـلفنون والـتقالـيد الـشعبية- الجـزائـر، بـاملـوقـع الـتالـي : http://www.mnatp-algerie.org/collections/instruments-musique/gambri-

alger-gf.jpg

•http://www.flickriver.com/photos/postaletrice/ : (فـ 12) : أخذت الصورة من /3617064293

• http://belly-dance.org/museum.php?Id=136 : (فـ 13) : أخذت الصورة من

• http://photoinventory.fr/photos/MK0935.png : (فـ 14) : أخذت الصورة من

•https://commons.wikimedia.org/wiki/ : مــــــــــــــــــن الــــــــــــــــــصـــــــورة أخــــــــــــــــــذت : (15 (فـ File:Lehnert_et_Landrock_-_114.jpg

•https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/ : (فـ 16) : أخــــذت الــــصورة مــــنc / c 5 / L e h n e r t _ e t _ L a n d r o c k _ - _ J e u n e s _ m u s i c i e n n e s

%2C_Tunisie_vers_1909.jpg

•https://commons.wikimedia.org/wiki/ : مــــــــــــــــــن الــــــــــــــــــصـــــــورة أخــــــــــــــــــذت : (17 (فـ File:Lehnert_et_Landrock_-_057.jpg?uselang=fr

•https://commons.wikimedia.org/wiki/ : مــــــــــــــــــن الــــــــــــــــــصـــــــورة أخــــــــــــــــــذت : (18 (فـ Category:Marcel_Chatelain#/media/File:Eug%C3%A8ne_Chatelain_-

_Femmes_nues,_dans_un_riad.jpg

•http://archives.crem-cnrs.fr/ : (فـ 19) : يــمكن االســتماع لــكل تــلك الــتسجيالت بــاملــوقــع الــتالــيarchives/collections/CNRSMH_I_1900_001/ أو مـــــن الخـــــزيـــــنة الـــــصوتـــــية ملـــــركـــــز املـــــوســـــيقيى http://phonotheque.cmam.tn/ : الـــــــعربـــــــية املـــــــتوســـــــطية-النجـــــــمة الـــــــزهـــــــراء فـــــــي املـــــــوقـــــــع الـــــــتالـــــــي

/archives/collections/crem_1900

(فـ 20) : وقــع االســتئناس فــي عــملية الــتدويــن بــمقترحــات الــزمــالء الــسيد ســمير بــشة والــسيد حــمدي مخــلوف •والسيد حلمي حسونة، الذين نقدم لهم الشكر الجزيل على ما قدموه من مساعدة.

(فـ 21) : عــــاملــــات ومــــفردهــــا عــــاملــــه / Almée بــــالــــفرنــــسية و Almeh بــــاالنجــــليزيــــة، وهــــي الــــتسمية املــــصريــــة •لـــلموســـيقيات والـــراقـــصات املـــحترفـــات وقـــد ورد املـــصطلح فـــي الجـــزء املـــخصص لـــدراســـة املـــوســـيقى املـــصريـــة مـــن كـتاب وصـف مـصر لـلفرنـسي فـيلوتـو Villoteau ثـم عـمم لـلداللـة عـلى كـل املـوسـيقيات والـراقـصات فـي الـبلدان

العربية واملشرقية.

� /�34 34

w w w . c t u p m . c o mالڨنبري تلك اآللة التي ماتت في تونس مرتني

أنيس املؤدب