ه وثـمـراته: مشروعيت خــار د ا

كتاب الادخار

Embed Size (px)

DESCRIPTION

كتاب الادخار

Citation preview

Page 1: كتاب الادخار

االدخــار: مشروعيته وثـمـراته

Page 2: كتاب الادخار

اإلخـراج الفينحسـن عبد القادر العـزاني

+971 4 6087777 971+هاتف: 4 6087555 فاكس: املتح��دة العربي��ة دب��ياإلم��ارات - 3135 ب: ص. m a i l @ i a c a d . g o v . a ew w w . i a c a d . g o v . a e

لدائرة الشؤون اإلسالمية والعمل اخليري بدبيإدارة البحوث

التدقيق اللغويشروق حممد سلمان

1432 هـ - 2011 م

ISBN 978 - 9948 - 8592 - 7 - 7

Page 3: كتاب الادخار

AXtGihaneLight

االدخــار: مشروعيته وثـمـراته

مع مناذج تطبيقية معاصرة:

من االدخار املؤسسي يف االقتصاد اإلسالمي

) الودائع املصرفية، الصناديق االستثمارية،

الصناديق الوقفية (

تأليف

الدكتور إبراهيم عبد اللطيف العبيدي

إدارة البحوث

Page 4: كتاب الادخار
Page 5: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

افتتاحـية

احلمد هلل رب العاملني، والصاة والسلام عىل سيدنا حممد وعىل آله وصحبه

ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين..

وبعلللد: فيرس » دائرة الشؤون اإلسالمية والعمل الخيري بدبي - إدارة البحوث «

م إصدارهلا اجلديد )» االدخار: مش�روعيته وثمراته « م�ع نماذج تطبيقية أن تقلد

معاص�رة م�ن االدخار المؤسس�ي ف�ي االقتصاد اإلس�امي، الودائ�ع المصرفية،

الصنادي�ق االس�تثمارية، الصنادي�ق الوقفية ( جلمهور القراء من السلادة الباحثني

واملثقفني واملتطلعني إىل املعرفة وخاصة يف جمال االقتصاد اإلسامي.

ل ه�ذا الكتاب لفكرة االدخ�ار من حيث املرشوعي�ة والثمرة، وبين وق�د أصن

فوائ�د ه�ذا املبدأ الس�امي من خال املفهوم األش�مل ل�ه ع�ر رضورة تنمية املال

املدخر بالوس�ائل واآلليات املمكنة اليوم يف املؤسس�ات املالية اإلسامية املعارصة

مثل الودائع املرصفية والصناديق االس�تثامرية وغريمها من الوس�ائل املعروفة حتى

خر كنزا معطا عن االستثامر احلقيقي النافع. ال يكون املال املدن

ومل�ا كان مفه�وم االدخار بمعن�اه العام هو إخف�اء يشء لانتفاع به يف وقت

لت الدراس�ة لفك�رة الصنادي�ق الوقفية التي بدت إس�هاماهتا يف احلاج�ة إليه، أصن

اآلونة األخرية ملموس�ة بشكل ملفت النسجامها التام من حيث الفكرة يف تفعيل

امل�ال املدخ�ر وتنميته مثل بقية الوس�ائل األخ�رى، لكنها ختتلف معه�ا من حيث

املضمون األخروي الذي يمثله مفهوم الوقف بصورة عامة.

Page 6: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

إن قن�وات االدخ�ار الت�ي يضعه�ا ب�ي أيدينا ه�ذا الكتاب جدي�رة باألخذ

ال يف التنمية خر فا يمك�ن أن يكون له دور إجي�ايب فعن والتفعي�ل، ألن امل�ال وإن اد

عىل مستوى األفراد واملجتمع إن بقي حبيس األدراج وخزانات النقود.

وهلذا اإلنجاز العلمي جيعلنا نقدم عظيم الشلكر والدعلاء ألرسة آل مكتوم

حفظهلا اهلل تعاىل التي حتلب العلم وأهله، وتؤازر قضايا اإلسلام والعروبة بكل

متيلز وإقلدام، ويف مقدمتها صاحب الس�مو الش�يخ حممد بن راش�د بن س�عيد آل

مكت�وم، نائب رئيس الدولة، رئيس جملس الوزراء، حاكم ديب الذي يشليد جمتمع

املعرفة، ويرعى البحث العلمي ويشجع أصحابه وطابه .

راجلني اهلل العلي القديلر أن ينفلع األملة هبلذا العملل، وأن يرزقنلا التوفيق

والسداد، وأن يوفق اجلميع إىل مزيد من العطاء عىل درب التميز املنشود.

وآخلر دعوانلا أن احلمد هلل رب العامللني، وصىل اهلل عىل النبلي األمي اخلاتم

سيدنا حممد وعىل آله وصحبله أمجعني.

الدكتور سيف راشد اجلابري

مدير إدارة البحوث

Page 7: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

املقدمة

احلملد هلل والصلاة والسلام علىل رسلول اهلل وعلىل آلله وصحبله وملن

وااله، وبعد:

فلا شلك أن املدخلرات النقدية عىل مسلتوى األفراد اليوم بلدأت متثل ثروة

حقيقيلة قائملة بحلد ذاهتلا حيسلب هلا أللف حسلاب، بدليل ملا قامت بله بعض

املؤسسلات املاليلة التقليدية الكربى يف العقدين األخريين من فتح نوافذ وأقسلام

رشعية فيها، من أجل كسلب أكرب قدر ممكلن منها. فبالرغم من كل الكام الذي

صدر جتاه هذه النوافذ واألقسلام الرشعية يف املؤسسلات املاليلة التقليدية من قبل

املادحلني والقادحلني، إال أهنلم أمجعوا عىل أن البنلوك التقليدية مل تأبله يف تارخيها

الطويلل هبلذه املدخلرات الفردية، التي يطللق عليها االدخلارات الصغرية والتي

كان النلاس يدخروهنلا للقابل ملن أيامهم، وما قلد يواجههم فيها. هلذه األموال

كانت بطبيعة حاهلا زهيدة، فهذا كان يدخر مبلغا ليحج به، وذاك كان يدخر مبلغا

ج به ابنه وهكذا، ومل يكن أحد من هؤالء ليعاللج به، وآخر كان يدخر مبلغا ليلزو

يفكلر بالتوجله إىل البنلوك التقليدية آنلذاك إال القليل - لادخار أو االسلتثامر -

نتيجة للوازع الديني الذي كان ينتاب الناس بسلبب متسلكهم بدينهم الذي حرم

الربا مجلة وتفصيا، وإىل طبيعة احلياة وبساطتها آنذاك.

وملا انبثقت فكرة املصارف اإلسامية التي نصت يف عقود تأسيسها وأنظمتها

الداخليلة علىل تأكيد مبدأ حرملة التعامل بالربا أو ما يؤول إليله، وبانضامم كوكبة

ملن أهل العلم التي رفدت مسلرية هذه املصارف تقويلام وتصحيحا، أقبل الناس

Page 8: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

علىل هلذه املؤسسلات الوليلدة إقبلاال منقطلع النظري، بحيلث وصللت إىل درجة

منافسلة املؤسسات املالية التقليدية، بعد أن لفتت أنظار القائمني عليها، وتبني هلم

أن املسللمني أملة ترغب بالتطور وحتب التقدم، ومل يكلن أمامها حائل من مواكبة

العملل امللريف، إال احلرملة الرشعيلة التلي ارتبطلت بالعمل امللريف التقليدي

السائد آنذاك.

ملن هنا نلدرك أمهيلة االدخلار يف حيلاة األفلراد واملجتمعات يف رفلد ما قد

يعرتهيلم من نوائب وطلوارئ، فضا عام يمثله من تنظيم للدخلل، وما يمكن أن

خر، فا شك أن قرار االدخار يستند خر إذا ما أحسن استثامر ماله املد يقدمه للمد

إىل عوامل سللوكية ذاتية حتدد طبيعة السللوك اإلنفاقي بشلكل عام، األمر الذي

يعني أن ترشليد هذا السلوك الزم لتنمية امليل نحو االدخار، وبام أن هذا االدخار

كان موجلودا ولكنله مل يوظلف التوظيف الصحيح حتى انبثاق فكرة املؤسسلات

املاليلة اإلسلامية، التي أخذت علىل عاتقها تنظيم هذا االدخلار واحلث عليه من

جهلة، والقيام باسلتثامره عن طريق توظيفله بام يعود بالنفع علىل كا الطرفني من

جهة أخرى، مما أدى إىل ظهور مؤسسلات مالية جديدة تعنى باالدخار واسلتثامره

وتنميتله، عىل شلكل آلية تابعة ملؤسسلات مالية قائملة أصا، أو هيئات مسلتقلة

أنشئت لغرض االدخار واستثامراته خاصة.

ويف هذه الدراسة حاولت عرض نامذج تطبيقية معارصة لعملية االدخار ذات

يس املنظم الذي تم تنفيذه يف اآلونة األخرية، إذ اختذت أكثر من شكل، الطابع املؤس

وقد بدأنا باحلسابات أو )الودائع( املرفية وأقسامها الثاثة التي متثلت يف:

Page 9: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

أوال: احلسلابات أو الودائلع حتلت الطللب، أو الودائع اجلارية، أو احلسلاب

اجلاري، وكلها ذات مغزى واحد.

ثانيا: احلسابات أو الودائع االستثامرية.

ثالثا: احلسابات أو الودائع االدخارية.

ثلم أتبعت احلسلابات)الودائع( املرفيلة عملية ادخارية مؤسسلية معارصة

أخرى، ال تقل أمهية عنها، هي الصناديق االستثامرية اإلسامية التي أخذت تنمو

وتزدهر هي األخرى يف اآلونة األخرية السليام بعد اتسلاع نشلاطها االسلتثامري،

وتنوع جماالهتا.

ثم أتبعت الصناديق االسلتثامرية اإلسلامية عملية ادخاريلة أخرى، ولكنها

ادخار باملعنى العام الشلامل أال وهي الصناديلق الوقفية، إذ توافق فكرهتا املفهوم

العام لادخار باعتبار أن االدخار من حيث معناه العام هو: إخفاء اليشء واالنتفاع

به يف وقت احلاجة إليه. فاالدخار مفهوم واسع يشمل كل ما يمكن إخفاؤه وعدم

التلرف بله إىل وقت تكون احلاجة إليه ملحة، وهذا يشلمل املال وغري املال، وملا

كانت أكثر األشياء املادية يتم احلصول عليها عن طريق املال، كان املال هو عنوان

االدخلار، ألن ادخلاره يعني أن الشلخص يسلتطيع احلصول عىل األشلياء املادية

األخرى من خاله.

وهلذا ملا يعنينلا يف دراسلتنا هلذه التي تبحلث علن العاقة بلني موضوعي

الصناديق الوقفية واالدخار.

Page 10: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

10

وقد متت اإلجابة عنه يف ثنايا هذا البحث.

وقبلل علرض النلامذج االدخاريلة الثاثلة وما تفلرع منها، وخاصلة نموذج

الصناديلق الوقفية التي أخذت بعدا خيتلف عن بعدي النموذجني األولني املتمثل

باحلسابات )الودائع( املرفية والصناديق االستثامرية اإلسامية، باعتبار املردود

املادي؛ كان ال بد من تقديم فصل يعنى باملفهوم العام واخلاص لادخار يف النظام

االقتصادي اإلسامي، وما جاء من نصوص رشعية تؤكد وحتث عليه، فضا عن

ة التي أوىص هبا وأرشف عىل تطبيقها سيدنا يوسف الصديق التجربة العملية الفذ

عليه السلام، والتي أشلار القرآن الكريم إليها يف سلورة يوسف، وهبا أخذ بعض

علامئنا الكرام رمحهم اهلل تعاىل.

وقد جاء الكتاب يف فصلني مها:

الفصل األول: االدخار يف النظام االقتصادي اإلسامي.

الفصل الثاين: من التطبيقات املعارصة لادخار يف االقتصاد اإلسامي.

وقد تم تقسيم الدراسة عىل النحو التفصيي اآليت:

* الفصل األول: االدخار يف النظام االقتصادي اإلسامي.

ويشتمل عىل متهيد و أربعة مباحث:

- التمهيد: مفهوم االدخار

- املبحث األول: االدخار يف القرآن الكريم. ويشتمل عىل مطلبني:

Page 11: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

11

املطلب األول: ما ورد من ذكر لفظ االدخار رصاحة يف القرآن الكريم.

املطل�ب الث�اين: ما ذكلر كنايلة يف القلرآن الكريلم بمعنى االدخلار من دون

التريح به.

- املبحث الثاين:االدخار يف السنة النبوية املطهرة.ويشتمل عىل مطلبني:

املطلب األول: ما ورد من ذكر االدخار لفظا رصحيا يف السنة النبوية املباركة،

نفيا وإثباتا .

املطل�ب الث�اين: ما ورد بمعنى االدخار من دون التريح به يف السلنة النبوية

املباركة نفيا وإثباتا.

- املبح�ث الثال�ث: دور االدخلار يف العمليلة التنموية عند علامء املسللمني.

ويشتمل عىل متهيد ومطلبني:

املطلب األول: رؤية علامء املسلمني لادخار.

املطلب الثاين: نامذج من االدخار عند علامء املسلمني.

النموذج األول: االدخار عند حممد بن احلسن الشيباين.

النموذج الثاين: االدخار عند الدمشقي.

النموذج الثالث: االدخار عند ابن خلدون.

* الفصل الثاين: من التطبيقات املعارصة لادخار يف االقتصاد اإلسامي.

ويشتمل عىل متهيد وأربعة مباحث:

Page 12: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

12

- التمهيد: أنواع االدخار. ويشتمل عىل فرعني:

الفرع األول: االدخار االختياري.

الفرع الثاين: االدخار اإلجباري.

- املبحث األول: الودائع املرفية والبنكية.

املطلب األول: مفهوم الوديعة.

املطلب الثاين: اإلطار الرشعي لعملية اإليداع املريف.

املطلب الثالث: مناقشلة ختريج عقد الوديعة املرفية البنكية عىل أسلاس أنه

عقد أمانة )وديعة عادية(، أو عقد إجارة، أو عقد قرض .

املطلب الرابع: نظرة إىل أنواع الودائع يف املصارف اإلسامية وحساباهتا.

املطلب اخلامس: أنواع الودائع. ويشتمل عىل ثاثة فروع.

الفرع األول: الودائع أو احلسابات حتت الطلب أو الودائع اجلارية أو احلساب

اجلاري.

الفرع الثاين: الودائع أو احلسابات االستثامرية.

الفرع الثالث: الودائع أو احلسابات االدخارية.

- املبحث الثاين: الصناديق االستثامرية اإلسامية.

ويشتمل عىل مطلبني:

Page 13: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

13

املطلب األول: صناديق االستثامر يف املؤسسات املالية التقليدية. ويشتمل عىل

أربعة فروع:

الفرع األول: مفهوم صناديق االستثامر يف املؤسسات املالية التقليدية.

الفلرع الثاين:النشلاط االسلتثامري لصناديق االسلتثامر يف املؤسسلات املالية

التقليدية.

الفرع الثالث: أنواع صناديق االستثامر يف املؤسسات املالية التقليدية.

الفرع الرابع: مزايا صناديق االستثامر.

املطلب الثاين: صناديق االستثامر اإلسامية.

ويشتمل عىل مخسة فروع:

الفرع األول: مفهوم صناديق االستثامر اإلسامية.

الفلرع الثلاين: حقيقلة الفلرق بلني صناديلق االسلتثامر اإلسلامية والودائع

االستثامرية يف املصارف اإلسامية.

الفرع الثالث: مراحل النشاط االستثامري لصناديق االستثامر اإلسامية.

الفرع الرابع: أنواع الصناديق االستثامرية اإلسامية.

الفرع اخلامس: اإلطار الرشعي للصناديق االستثامرية اإلسامية.

- املبحث الثالث: الصناديق الوقفية.

Page 14: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

14

ويشتمل عىل مخسة مطالب:

املطلب األول: مفهوم الصناديق الوقفية.

املطلب الثاين: اإلطار الفقهي للصناديق الوقفية.

املطلب الثالث: عاقة الصناديق الوقفية بمفهوم االدخار.

املطلب الرابع: إدارة الصناديق الوقفية.

املطلب اخلامس: أهداف الصناديق الوقفية.

- املبحث الرابع: القروض من أهم آفات وموانع االدخار.

اخلامتة.

املصادر.

• • •

Page 15: كتاب الادخار

الفصل األول

االدخار يف النظام االقتصادي اإلسالمي

ويشتمل عىل متهيد و أربعة مباحث:

- التمهيد: مفهوم االدخار

- املبحث األول: االدخار يف القرآن الكريم.

- املبحث الثاين:االدخار يف السنة النبوية املطهرة.

- املبح�ث الثالث: دور االدخ�ار يف العملي�ة التنموية عند علامء املسلمي.

Page 16: كتاب الادخار
Page 17: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�

الفصل األول

االدخار يف النظام االقتصادي اإلسالمي

متهيد: مفهوم االدخار.

يمثل مفهوم االدخار واحدا من املفاهيم القديمة احلديثة التي اتسمت بالثبات

عىل أصل املفهوم الذي أنشئت عليه طيلة استخدامه، ال بل اتلحلد املعنى اللغوي

ملع املعنى االصطاحي الذي جاء بمفهلوم واحد يراد به إخفاء اليشء واالنتفاع

به يف وقت احلاجة إليه.

فاالدخلار لغلة: كلام بينه عللامء اللغلة يف أصله )اذختلار( لكن قلبلت كل من

)اللذال والتاء( )داال( مع اإلدغام فتحولت الكلملة إىل )ادخار( قال ابن منظور:

ره فثقلت التاء التي لافتعال مع خروا وأصله اذخت )ويف حديلث الضحية كلوا واد

اللذال، فقلبلت ذاال، وأدغمت فيها اللذال األصلية فصارت ذاال مشلددة، ومثله

كر وقال الزجاج يف قوله تعاىل: ﴿ ں ں ڻ ﴾)�( أصله كار، من الذ االذ

تذختلرون ألن اللذال حرف جمهور ال يمكن النفس أن جيري معه لشلدة اعتامده يف

مكانه، والتاء مهموسلة، فأبدل من خمرج التاء حرف جمهور يشبه الذال يف جهرها

خرون، وأصل اإلدغلام أن تدغم األول يف الثاين. قال ومن وهلو الدال، فصار تد

خرية واحدة خرون بذال مشددة وهو جائز واألول أكثر، والذ العرب من يقول تذ

خر()�(. خائر وهي ما اد الذ

)�( سورة آل عمران، من اآلية 49.)�( لسان العرب، البن منظور، دار صادر، بريوت، مادة )ذخر( 30�/4.

Page 18: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�

وعلن توافق املعنى اللغوي للمعنلى االصطاحي يقول صاحب معجم لغة

الفقهلاء: )االدخلار: أصلها اذختلار فقلب كل من اللذال والتلاء داال مع اإلدغام

فتحولت الكلمة إىل » ادخار «، - وهو - االحتفاظ بجزء من الدخل للمسلتقبل،

واالحتفاظ بالشئ لوقت احلاجة()�( .

وتشلرتك بعض األلفاظ بمعان متقاربة ملن مفهوم االدخار مع وجود بعض

الفروق الدقيقة، ومن هذه األلفاظ ذات الصلة، هي االحتكار واالكتناز.

واالحتكار يف اللغة: هو حبس اليشء انتظارا لغائه)�(.

ويف الرشع: اشرتاء طعام ونحوه وحبسه إىل الغاء)3(.

وعلىل هذا املفهلوم يكون االدخار أعلم من االحتكار، ألنله يكون فيام يرض

حبسله وملا ال يرض، يف حني يكلون االحتكار خاصا بام يلرض، ومنهم من حره

بالطعام دون غريه، عىل خاف بني العلامء، ليس هذا موضعه.

واالكتناز يف اللغة: إحراز املال يف وعاء أو دفنه)4(.

ويف الرشع: هو املال الذي مل تؤد زكاته، ولو مل يكن مدفونا )�(.

)�( معجم لغة الفقهاء - عريب انكليزي د. حممد رواس قلعجي، دار النفائس للطباعة والنرش والتوزيع، بريوت - لبنان، الطبعة الثانية: �408هل - �988 م، �/��.

)�( لسان العرب 408/4.)3( حاشية ابن عابدين، دار الفكر للطباعة والنرش، بريوت، ���4هل-�000م، 398/6.

)4( لسان العرب مادة كنز، �/�40. )�( املوسوعة الفقهية، وزارة األوقاف والشؤون اإلسامية- الكويت، �/346.

Page 19: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�

ووفلق هلذا املفهوم يكلون االدخار أعلم أيضا ملن االكتناز ضملن مفهومه

الرشعلي، باعتبار أن املال املدخلر هو املال الذي أديت حقوقله الرشعية من زكاة

ونحوهلا، علىل عكس امللال املكنوز أو املدفلون الذي قال اهلل تعلاىل فيه: ﴿ ڦ

ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ ڎ ڌ ڌ ڍ ڍ ڇڇ ڇ ڇ چ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ * ک ک ک گ گ گ ں ں ڱ ڱ ڱ ڳڱ ڳ ڳ ڳ گ

ڻ ڻ ڻ﴾)�(.

أما االدخار يف املعنى االقتصادي العام: فهو التوقف عن اإلنفاق العشوائي،

وهو أمر واجب وحتمي من أجل حتقيق التنمية .

أملا يف معنلاه االقتصلادي اخللاص فيعنلي: تأخلري اإلنفلاق إىل أجلل معني،

رشط أن يوضلع امللال املؤجلل إنفاقله وإىل حني أجلله، لدى هيئلة متخصصة يف

إدارة االدخار.

وملن خلال هلذا العلرض املوجلز لادخلار يف كل ملن معنلاه اللغلوي

واالصطاحي، واملعنى االقتصادي العام، واملعنى االقتصادي اخلاص به، إضافة

إىل بعلض األلفاظ ذات الصلة والقريبة منه، تبني لنا بعض من خصائصه وصفاته

العامة التي تتلخص بام يي:

)�( سورة التوبة اآلية 34 و�3.

Page 20: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

20

- االدخلار يشلمل امللال وكل يشء له قيمة مادية يمكن االنتفلاع به أو بثمنه

يف وقت ما.

- كل ملال مدخلر ال تؤدى زكاتله فهو كنز مذموم ال تنطبلق عليه خصائص

االدخار املرشوع.

- االدخار أعم من االحتكار، باعتبار األهداف املرجوة املختلفة بينهام.

- االدخلار الفلردي بحد ذاته مفيلد ونافع بام حيقق من أهلداف مرحلية عىل

مستوى الفرد واألرسة، تتمثل بتنظيم اإلنفاق وترشيد االستهاك بشكل عام.

- االدخلار املؤسليس يمثلل الغايلة املرجلوة التلي تسلهم بتحقيلق التنميلة

املجتمعية املنشلودة، بتحويل األموال املدخرة عند األفراد إىل االسلتثامر املؤسيس

اللذي يعود بالنفلع العام عليهم وعىل جمتمعهم من خلال التوظيف األمثل للامل

املدخر عند األفراد.

• • •

Page 21: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

21

املبحث األول

االدخار يف القرآن الكريم

وردت املعلاين التلي تدل عىل االدخلار يف نصوص كثرية يف القلرآن الكريم،

إذ تكلرر ذللك إما باللفظ الريح لادخار، وإما إشلارة بذكلر معنى من معانيه،

نختلار بعضها لنمثل من خاهلا ملفهوم االدخار الذي ورد ذكره يف القرآن الكريم

رصاحة وكناية.

املطلب األول: ما ورد من ذكر لفظ االدخار صراحة يف القرآن الكريم:

فلام ورد ملن ذكر لفظ االدخلار يف كتاب اهلل العزيز رصاحلة متثل يف أكثر من

وقفة، منها عىل سبيل املثال:

1- الوقفة األوىل: قوله تعاىل عىل لسان سيدنا عيسى عليه السام: ﴿ ڃ

چ چ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک کک گ گ گ گ ڳ ڳ ڳڳ ڱ ڱ ڱ ڱ ں ں ڻڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہ ہ ہ

ہ ﴾)�(.

وللتعلرف علىل بعض ما جاء يف معلاين هذه اآلية الكريمة حيسلن بنا الرجوع

إىل ملا قاله املفرسون، إذ يقول البقاعي عىل سلبيل املثال: )وما تدخرون( وملا كان

مسلكن اإلنسلان أعز البيوت عنده وأخفى ملا يريد أن خيفيه قال: )يف بيوتكم( قال

احللرايل: ملن االدخار، افتعال ملن الدخرة، قلب حرفاه للدال لتوسلط الدال بني

)�( سورة آل عمران اآلية 49.

Page 22: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

22

تطرفهلام يف متقابي حاهلام؛ والدخرة ما اعتنى بالتمسلك به عدة ملا شلأنه أن حيتاج

إليه فيه، فام كان لصاح خاصة املاسك فهو ادخار، وما كانت لتكسب فيام يكون

من القوام فهو احتكار)�(.

وقلد أورد اإلمام السليوطي يف الدر املنثور يف قولله تعاىل: ﴿ ڱ ں ﴾

ما يأيت:

أخرج ابن عساكر عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال: كان عيسى بن مريم

وهو غام يلعب مع الصبيان فكان يقول ألحدهم: تريد أن أخربك بام خبأت لك

أمك فيقول: نعم.

فيقلول: خبلأت للك كلذا وكلذا، فيذهب الغلام منهلم إىل أمه فيقلول هلا:

أطعمينلي ما خبلأت يل قالت: وأي يشء خبأت لك، فيقول: كلذا وكذا. فتقول:

ملن أخربك فيقول: عيسلى بن مريلم، فقالوا: واهلل لئن تركتم هلؤالء الصبيان مع

عيسى ليفسدهنم.

سلهم فلم جيدهم حتى فجمعوهم يف بيت وأغلقوا عليهم فخرج عيسلى يتلم

سمع ضوضاءهم يف بيت فسأل عنهم فقالوا: يا هؤالء كأن هؤالء الصبيان قالوا:

ال إنام هؤالء قردة وخنازير قال: اللهم اجعلهم قردة وخنازير. فكانوا كذلك)�(.

)�( نظم الدرر يف تناسلب اآليات والسلور، برهان الدين أيب احلسلن البقاعي، الطبعة األوىل، ��39هل-��97م،406/4.

)�( الدر املنثور، جال الدين السيوطي، دار الفكر، �993، بريوت، �/���.

Page 23: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

23

وأورد السليوطي أيضا:أن عبد الرزاق وابن جرير وابن املنذر وابن أيب حاتم

قلد أخرجوا عن عامر بن يلارس أنه قال: ﴿ ڱ ڱ ڱ﴾ من املائدة ﴿ ڱ

ں ﴾ منهلا وكان أخلذ عليهلم يف املائدة حلني نزلت أن يأكللوا وال يدخروا وخافوا فجعلوا قردة وخنازير)�( .

واملعنلى: أن عيسلى - عليه السلام - قد قلال لقومه بنلي إرسائيل: وإن من

معجلزايت التلي تدل علىل صدقي فيام أبلغله عن ربى أنلى أخربكم بالليشء الذي

تأكلونه وباليشء الذي ختبئونه يف بيوتكم لوقت حاجتكم إليه.

قال اإلمام القرطبي: »وذلك أنه ملا أحيا هلم املوتى طلبوا منه آية أخرى وقالوا:

أخربنلا بام نلأكل يف بيوتنا وما ندخر للغد، فأخربهم فقال: يا فان أنت أكلت كذا

وكذا، وأنت أكلت كذا وكذا وادخرت كذا وكذا«)�(.

2-الوقف�ة الثانية: قول اهلل عز وجل: ﴿ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ

ۀ ۀ ہ ہ ہ ہھ ھ ھ ھ ے ﴾)3( ويف هلذه الوقفلة وإن مل

يذكر لفظ االدخار رصاحة إال أن املعنى املراد به واضح جدا، إذ يقول األلويس يف

تفسريه: ﴿ ھ ھ ﴾ أي ما ادخر لك يف اآلخرة، أو ما رزقك يف الدنيا من النبوة

واهلدى، وادعى »صاحب الكشف« أنه أنسب هبذا املقام، أو ما ادخر لك فيها من

)�( املصدر نفسه، �/���.)�( اجلاملع ألحلكام القرآن، أليب عبداهلل األنصاري القرطبي، الشلهري بتفسلري القرطبي،دار

الشعب، القاهرة،9�/4. )3( سورة طه اآلية ��3

Page 24: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

24

( مما متع به هؤالء ألنه مع كونه يف نفسله فتح الباد والغنائم، وقيل: القناعة )خري

من أجل ما يتنافس فيه املتنافسون مأمون الغائلة بخاف ما متعوا به )وأبقى( فإنه

نفسه أو أثره ال يكاد ينقطع كالذي متعوا به)�(.

ــن دون ــار م ــى االدخ ــم مبعن ــرآن الكري ــة يف الق ــر كناي ــا ذك ــي: م ــب الثان املطل

التصريح به:

وأملا ملا ذكلر كنايلة بمعنلى االدخلار ملن دون التريلح بله، فمنله علىل

سبيل املثال:

أ - ملا حلكاه القلرآن يف قصلة سليدنا يوسلف عليه السلام، مللا رأى امللك

رؤياه املشلهورة يف السلنابل السبع اخلرض التي تأكلهن السلنابل السبع اليابسات،

والبقرات السبع السامن الايت تأكلهن البقرات السبع العجاف، فكان تأويل رؤيا

امللك من قبل يوسلف الصديق عليه السلام، بوجود أزمة اقتصادية مقبلة، عقب

رخاء واستقرار اقتصادي مؤقت يمتد سبع سنني ستشهده مر آنذاك، مما يوجب

علىل القائمني باألمر آنلذاك القيام بتدابري وقائية وإجراءات احرتازية تصب مجيعا

يف معنلى االدخلار، من أجل تايف النقص الذي ستشلهده الباد ملن آثار األزمة

االقتصادية التي أشلار إليها تفسري رؤيا امللك، فكان جوابه عليه السام كام حكاه

القلرآن يف قول اهلل تعاىل: ﴿ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ

)�( روح املعاين يف تفسلري القرآن العظيم )تفسلري األلويس( أليب الفضل شهاب الدين حممود األلويس، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت، �84/�6.

Page 25: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

2�

ڈ ڈ ژ ژ * ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ * ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہ ہ ﴾)�( قلال القرطبي: هلذه اآلية أصلل يف القلول باملصالح الرشعية التلي هي حفظ األديلان والنفوس

والعقول واألنسلاب واألموال، فكل ما تضمن حتصيل شلئ من هذه األمور فهو

مصلحة، وكل ما يفوت شليئا منها فهو مفسلدة، ودفعله مصلحة، وال خاف أن

مقصلود الرشائع إرشلاد النلاس إىل مصاحلهم الدنيوية، ليحصلل هلم التمكن من

معرفلة اهلل تعلاىل وعبادته املوصلتني إىل السلعادة األخرويلة، ومراعاة ذلك فضل

من اهلل عز وجل ورمحة رحم هبا عباده، من غري وجوب عليه، وال استحقاق)�(.

أما قول اهلل تعاىل: ﴿ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہ ہ ﴾ فهذا

خرب من يوسف عليه السام عام مل يكن يف رؤيا امللك، ولكنه من علم الغيب الذي

آتلاه اهلل. قال صاحب التحرير والتنوير: )وقد مزج تعبريه بإرشلاد جليل ألحوال

التموين واالدخار ملصلحة األمة. وهو منام حكمته كانت رؤيا امللك لطفا من اهلل

باألملة التي آوت يوسلف عليه السلام، ووحيا أوحاه اهلل تعاىل إىل يوسلف عليه

السلام بواسطة رؤيا امللك، كام أوحى إىل سليامن عليه السام بواسطة الطري()3(.

وهو يمثل الرؤية االقتصادية التي بنى عليها يوسلف عليه السلام تصوره للخطة

االدخارية التي أعدها للخروج من األزمة االقتصادية التي ستقبل عليهم.

)�( سورة يوسف اآليات 48-46 .)�( اجلامع ألحكام القرآن، تفسري القرطبي،�03/9.

)3( تفسلري التحريلر والتنويلر، حمملد بلن الطاهر بن عاشلور،الدار التونسلية للنلرش، والدار اجلامهريية للنرش والتوزيع واإلعان،��/�86.

Page 26: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

2�

وقد متثلت هذه اخلطة االدخارية بام أشلار به يوسلف عليه السلام عىل امللك

بدايلة من االدخار، مع أخذ التحوطات الازمة التي يتطلبها مرشوع ضخم كهذا

املرشوع، من أجل حصول اجلودة يف التخزين، والتخطيط الدقيق للمرحلة القادمة

التي سلتمتد إىل سلبع سلنني، بحيث حاول أن يضع اجلميع يف وسلط األزمة قبل

حدوثهلا، ومل ينس اجلانلب النفيس، إذ زرع فيهم األمل برغم املحنة التي سلتقبل

عليهم، وهذا بطبيعة احلال نابع من اإلسلرتاتيجية التي رسلمها يوسلف الصديق

عليه السام، وقد أشار إىل ذلك ابن عاشور يف تفسريه، وربط بني مرشوع سيدنا

يوسف يف االدخار ملواجهة األزمة ومرشوع سيدنا شعيب عليهام السام يف ضبط

الكيلل وعلدم التطفيلف يف امليزان، وكامهلا يمثان منطلقات لدعلوة كل منهام،

إذ يقلول رمحله اهلل تعاىل: )وكان ما أشلار به يوسلف عليه السلام علىل امللك من

االدخلار متهيدا لرشع ادخار األقوات للتموين، كلام كان الوفاء يف الكيل وامليزان

ابتداء دعوة شلعيب عليه السلام، وأشلار إىل إبقاء ما فضل عن أقواهتم يف سنبله

ليكون أسلم له من إصابة السوس الذي يصيب احلب إذا تراكم بعضه عىل بعض،

فإذا كان يف سلنبله دفع عنه السلوس، وأشلار عليهم بتقليل ما يأكلون يف سنوات

اخلصب الدخار ما فضل عن ذلك لزمن الشلدة، فقلال: ﴿ ڈ ڈ ژ ژ ﴾

والشلداد: وصف لسلني اجلدب، ألن اجلدب حاصل فيها، فوصفها بالشلدة عىل

طريقة املجاز العقي. وأطلق األكل يف قوله ﴿ گ ﴾ عىل اإلفناء، كالذي يف قوله

﴿ ڃ چ چ چ چ ﴾)�(. وإسلناده هبذا اإلطاق إىل السلنني إسلناد جماز

)�( سورة النساء، اآلية � .

Page 27: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

2�

عقلي، ألهنن زمن وقوع الفنلاء. واإلحصان: اإلحراز واالدخلار، أي الوضع يف

خر هلا إال احلصلن وهو املطمور. واملعنى: أن تلك السلنني املجدبة يفنى فيها ما اد

قليلا منله يبقى يف اإلهلراء)�(. وهذا حتريض عىل اسلتكثار االدخلار. وأما قوله:

﴿ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ﴾ فهو بشلارة وإدخال املرسة واألمل بعد

الكام املؤيس، وهو من الزم انتهاء مدة الشلدة، ومن سلنن اهلل تعاىل يف حصول

اليرس بعد العرس()�( .

ب - والواقلع أن مفهلوم االدخار مفهوم عظيم كبلري يف رشيعتنا، إذ إن مبنى

األملور العقائديلة مرتكلز عىل ما أعلده اهلل تعاىل لعبلاده وادخره هللم يف اآلخرة،

قلال اهلل عز وجلل ﴿ڃ ڃ ڃچ چ چ چ ڇ﴾)3( قال ابن عاشلور: ﴿ چ

چ چ ﴾ هلو ملا ادخره للمسللمني من خلري يف الدنيا ويف اآلخلرة، فخري الدنيا املوعلود به أفضل مما يبذله هلم املرشكون، وخري اآلخرة أعظم من الكل، فالعندية

هنا بمعنى االدخار هلم، كام تقول: لك عندي كذا)4(.

ج- كذلك من املعاين التي أشلارت إىل االدخار بشلكل عام، ما ذكره القرآن

الكريلم يف أواخلر سلورة النجلم، بقولله تعلاىل: ﴿ ٺ ٿ ٿ ٿ ﴾. أي: وأنه

، وهلو بيلت ضخلم جيمع فيله طعلام السللطان. هتذيب اللغلة، أبو )�( اإلهلراء ملن اهللريمنصلور حمملد بن أمحد األزهري، حتقيق حممد عوض مرعلب، دار إحياء الرتاث العريب،

بريوت ��00م، 6/���.)�( التحرير والتنوير البن عاشور،��/�87.

)3( سورة النحل جزء من اآلية 97.)4( التحرير والتنوير ، �7�/�4.

Page 28: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

2�

- سلبحانه - هو الذي أغنلى الناس باألموال الكثرية املؤثللة، التي يقتنيها الناس

وحيتفظون هبا ألنفسلهم وملن بعدهم. فقوله: ﴿ ٿ ﴾ من القنية بمعنى االدخار

لليشء، واملحافظة عليه. قال اآللوسلى: قوله: ﴿ ٺ ٿ ٿ ٿ ﴾ أي: وأعطى

القنية وهو ما يبقى ويدوم من األموال، ببقاء نفسه، كالرياض واحليوان والبناء.

وأفلرد - سلبحانه - ذللك بالذكر ملع دخولله ىف ﴿ ٿ ﴾ ألن القنية أنفس

األموال وأرشفها)�(.

• • •

)�( روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين، أبو الفضل شهاب الدين السيد حممود األلويس البغدادي، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت، �7/ 69.

Page 29: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

2�

املبحث الثاني

االدخار يف السنة النبوية املطهرة

يبلدو للناظلر من أول وهلة أن ثمة لبسلا قد ورد فيام يتعللق باالدخار باملعنى

الذي أرشنا إليه آنفا يف السنة، فقد وردت أحاديث ظاهرها التعارض، بني بعضها

عدم ادخار النبي ملسو هيلع هللا ىلص شيئا إىل يومه الثاين مطلقا، ال بل حث عليه الصاة والسام

غلريه عىل تركه، يف حلني هناك أحاديث حث فيها األمة علىل االدخار، فضا عن

أحاديث قد هنت عن االدخار يف أشياء حمددة ثم أباحته بعد ذلك، كام يف موضوع

ادخار حلوم األضاحي.

وملن أجلل بيان املوضلوع وفهم حقيقتله، نتتبع بعض النصلوص الواردة يف

السلنة النبويلة النبوية املباركة، حلول االدخار نفيا وإثباتا، يف حماولة السلتقصائها

مه إىل املطالب اآلتية: ودراستها، يف هذا املبحث الذي سنقس

املطلب األول: ما ورد من النهي عن االدخار يف السنة النبوية املباركة:

أوال: ما ورد من النهي عن ادخار النبي ملسو هيلع هللا ىلص رصاحة:

�- روى الرتمذي بسنده عن أنس ريض اهلل عنه قال: كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص ال يدخر

شليئا لغد)�(. قال بعض رشاح احلديث: )كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص ال يدخر شليئا( لسلامحة

)�( رواه الرتمذي يف سلننه وقال: هذا حديث غريب وقد روى هذا احلديث بسلنده عن أنس عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص مرسلا، سلنن الرتمذي، أليب عيسلى الرتمذي، دار إحياء الرتاث العريب،

بريوت، �80/4 .

Page 30: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

30

نفسله ومزيلد ثقتله بربه )لغلد( أي ملكا بل متليكا، فلا ينايف أنه ادخر قوت سلنة

لعيالله، فإنه كان خازنا قاسلام، فلام وقع املال بيده قسلم هلم كام قسلم لغريهم فإن

هللم حقلا يف الفيء. وقال ابن دقيق العيد: حيمل حديث )ال يدخر شليئا لغد( عىل

االدخلار لنفسله، وحديلث )وحيبس ألهله قلوت سلنتهم( عىل االدخلار لغريه،

وللو كان لله يف ذلك مشلاركة لكن املعنى أهنلم املقصد باالدخار دونله حتى لو مل

يوجدوا مل يدخر)�(.

و قلد أشلار البيهقي إىل هلذا التفصيل فيام روي عن أنلس بن مالك ريض اهلل

عنه، » أن رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص كان ال يدخر شليئا لغد « فقال: قال أبو نر: قال اإلمام

أبو سهل رمحه اهلل: فإن قال قائل: » كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص يرجع إىل ملبس ومفرش، وكان

يعد للجمع ما يعده، وكان له الدرع والسليف والقوس والفرس والبغل واحلامر،

وكان ينبلذ له بالعيش فيرشبه بالغلداة، وكان ينبذ له بالغداة فيرشبه بالعيش، وكان

حيبس لنسلائه قوت سلنة مما أفاء اهلل عز وجل عليه وكل هذا ادخار فكيف يسللم

علىل هلذه األخبار هذا اخلرب املأثور؟ « قال أبو سلهل رمحه اهلل: » الرواية صحيحة

وعىل حكم الدراية مسلتقيمة، والتنايف عن هلذه الرواية منرف، ووجه ذلك أنه

كان يعامل فيام بينه وبني مواله عىل حسن الظن، واالنتظار دون احلبس واالدخار،

وكان ال حيتجلز لنفسله ليومه من أمسله، فأما ثيابله فإنام يعدها لدينله ال عىل إبقاء

)�( حتفلة األحلوذي برشح جاملع الرتمذي، ملحملد عبد الرمحلن املباركفلوري، دار الكتب العلمية، بريوت،7/�� .

Page 31: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

31

عليهلا لغده، وهكذا آالت احلرب كان حيبسلها لنر األولياء وكتب األعداء عىل

حكم االسلتعامل مما تصدق به يف حياته، وهلذا قال: إنا ال نورث ما تركناه صدقة،

وأملا ملا كان ينبذ له فإنام نسلاؤه كلن ينبذن له ما صلار يف ملكهلن ويدهن متليكا

وحتويا منه هلن، وقد صح أنه مل يكن يدخر شليئا لغد، فإن احتبس عنده يشء فا

عىل نية الغد. وقيل: ال يدخر ملكا بل يدخر متليكا، وقيل: مل يكن يدخره عىل أمل

البقاء إىل غد «)�(.

ثانيا: ما ورد يف السنة النبوية بام يفيد عدم االدخار من دون الترصيح بلفظه:

تبني لنا يف الفقرة السابقة من وصف حال النبي ملسو هيلع هللا ىلص يف العيش، ونظرته للامل

وادخاره، وهذا شلأنه يف مجيع أحواله عليه الصاة والسلام، إذ جيد املتتبع لسريته

العطلرة نامذج حافلة بمعاين الزهد واإلنفلاق واحلث عليه، وترجم ذلك عمليا يف

حياتله، فللم يلر عليه آثار الرتف والزينة وما تبعهلا، واألحاديث يف ذلك أكثر من

أن حتىص، نذكر منها عىل سبيل املثال ال احلر، ما يأيت:

�- ما رواه عروة عن السيدة عائشة ريض اهلل عنها أهنا قالت له - لعروة ابن

أختها -: )إن كنا لننظر إىل اهلال ثم اهلال ثاثة أهلة يف شلهرين وما أوقدت يف

أبيات رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص نار. فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت األسودان التمر

بلريوت، العلميلة، الكتلب دار البيهقلي، بلن احلسلني أبوبكلر أمحلد اإليلامن )�( شلعب �4�0هل،�/�76.

Page 32: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

32

واملاء، إال أنه قد كان لرسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص جريان من األنصار كانت هلم منائح وكانوا

يمنحون رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص من ألباهنم فيسقينا()�(.

وجتسدت حياة الزهد والتقشف يف حياته عليه الصاة والسام حتى صارت

معللام واضحلا للجميلع، األمر اللذي أحزن الصحابلة الكرام وأثقلل عليهم، ما

جعل بعضهم يتحرس املا وإشلفاقا عليه ملسو هيلع هللا ىلص من جراء ما يعانيه من شلظف العيش

وقسلوته، يف الوقت الذي كان بإمكانه أن يكلون أفضل مما هو عليه آنذاك، إال أن

ذلك كله مل يزده إال ثقة بام عند اهلل سبحانه وتعاىل.

�- ومن هذه التوطئة، نسلتطيع أن ننظر إىل هذا املوضوع بشلموليته، إذ جيد

املتتبع لسلنة النبي عليه الصاة والسلام قوال وفعا: أمهية الصدقة واحلث عليها

وعلدم اكتنلاز املال، حتى أنه عليه الصاة والسلام ملا انتقلل إىل الرفيق األعىل ما

ترك درمها وال دينارا، ما ترك سوى سيفه وبغلته وأرضا جعلها صدقة، فقد روى

البخلاري بسلنده عن عملرو بن احلارث ختن رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص أخلي جويرية بنت

احللارث قلال: )ما ترك رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص عند موتله درمها وال دينلارا وال عبدا وال

أملة وال شليئا إال بغلته البيضاء وسلاحه وأرضلا جعلها صدقلة()�(. وليس هذا

)�( رواه البخاري يف صحيحه عن أم املؤمنني عائشلة ريض اهلل عنها، يف كتاب اهلبة وفضلها، بلاب فضلها والتحريض عليهلا، اجلامع الصحيح املختر، حتقيق د. مصطفى البغا، دار

ابن كثري والياممة، سنة �407هل- �987م، بريوت، رقم احلديث �4�8، �/907)�( رواه البخاري يف صحيحه، بسلنده عن عمرو بن احلارث ريض اهلل عنه، كتاب الرشوط،

باب الوصايا، برقم ��88، �00�/3.

Page 33: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

33

فحسلب، بل كان يف حياته عليه الصاة والسلام حريصلا كل احلرص عىل أن ال

يبيلت يف بيتله أي مال من أملوال الصدقة، إذ أخرج البخاري بسلنده عن عقبة بن

عاملر ريض اهلل عنله قال: )صىل بنا النبلي ملسو هيلع هللا ىلص العر فأرسع ثم دخلل البيت فلم

يلبلث أن خلرج فقللت أو قيل له، فقال: كنلت خلفت يف البيت تلربا من الصدقة

فكرهت أن أبيته فقسمته()�(.

3- ورد النهلي علن اإلحصلاء كلام يف حديث أسلامء بنلت أيب بكر ريض اهلل

عنهام أهنا جاءت النبي ملسو هيلع هللا ىلص فقالت: يا نبي اهلل ليس يل يشء إال ما أدخل عي الزبري

فهل عي جناح أن أرضخ مما يدخل عي فقال: )ارضخي ما اسلتطعت وال توعي

فيوعي اهلل عليك()�(.

قال اجلزري يف النهاية: أي ال تدخري وتشلدي ما عندك ومتنعي ما يف يدك،

فتنقطلع مادة اللرزق عنك ا.هل. فدل احلديث عىل أن الصدقلة تنمي املال وتكون

سلببا إىل الربكة والزيادة فيه، وأن من شلح ومل يتصدق فإن اهلل يوكي عليه ويمنعه

من الربكة يف ماله والنامء فيه.

)�( رواه البخلاري يف صحيحه، بسلنده عن عقبة بن احللارث ريض اهلل عنه، يف كتاب الزكاة، باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها برقم�363، �/��9.

)�( رواه مسللم يف صحيحله، عن أسلامء بنت أيب بكر ريض اهلل عنهلام، يف كتاب الزكاة، باب احلث عىل الصدقة وكراهة اإلحصاء، صحيح مسللم، أليب احلسلني مسللم بن احلجاج القشلريي النيسلابوري، حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت،

برقم �0�9، �/7�4.

Page 34: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

34

4- وروى البخاري يف صحيحه من طريق عبد اهلل بن نمري عن هشام بن عروة

عن فاطمة عن أسامء أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: » أنفقي وال حتيص فيحيص اهلل عليك،

وال توعي فيوعي اهلل عليك «)�( قال احلافظ ابن حجر: اإلحصاء معرفة قدر اليشء

وزنا أو عددا وهو من باب املقابلة، واملعنى النهي عن منع الصدقة خشلية النفاد،

فإن ذلك أعظم األسباب لقطع مادة الربكة ألن اهلل يثيب عىل العطاء بغري حساب.

وقيل املراد باإلحصاء عد اليشء ألن يدخر وال ينفق منه، وإحصاء اهلل قطع الربكة

عنه أو حبس بامدة الرزق أو املحاسبة عليه يف اآلخرة ا. هل )�(.

�- ومنها ما رواه أبو أمامة ريض اهلل عنه، قال: قال رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: )يا ابن

آدم إنك إن تبذل الفضل خري لك، وإن متسكه رش لك، وال تام عىل كفاف، وابدأ

بمن تعول، واليد العليا خري من اليد السفىل()3(.

فكيلف نوفق بني هذه األحاديث الرشيفة التي بينت أن مسلألة إمسلاك املال

وجتميعله يعلد أمرا خطلريا، لدرجة أن مللكا يدعو بكل صباح عىل املمسلك بامله

)�( رواه البخلاري يف صحيحله، يف كتاب اهلبة وفضلها، باب هبة املرأة لغري زوجها، باب هبة املرأة لغري زوجها وعتقها، برقم ���4، �/ ��9.

)�( فتح الباري رشح صحيح البخاري، أمحد بن عي بن حجر العسلقاين، حتقيق حمب الدين اخلطيب، دار املعرفة، بريوت، برقم �364، 300/3.

)3( رواه مسللم يف صحيحه، بسلنده عن أيب أمامة ريض اهلل عنه يف كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خري من اليد السلفىل، وأن اليد العليا هي املنفقة وأن السفىل هي اآلخذة، برقم

.7�7/� ،�033

Page 35: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

3�

بلأن يعطيله اهلل تعاىل تلفا، عىل عكلس املنفق ملاله الذي يدعو لله امللك اآلخر بأن

يعطيله اهلل تعاىل خلفلا له وعوضا، وغريها من األحاديث التي اسلتعرضنا قسلام

منها وتركنلا القسلم األكلرب منها خشلية اإلطاللة، والتلي تفيد بلرضورة اإلنفاق

والتصلدق والبلذل والعطلاء يف سلبيل اهلل، كيلف نوفلق بينهلا وبلني األحاديلث

األخلرى التي وردت بعكس هلذا املفهوم، إذ بينت أمهية االدخلار واحلث عليه،

وإن مل تتم تسلميتها بتسلمية االدخار، لكنها دلت عليه كام سنستعرض بعضا منها

يف املطلب القادم.

ــة مبا يفيد ضرورة االدخار واحلث عليه من دون ــنة النبوي املطلب الثاني: ما ورد يف الس

التصريح به:

ملر معنا يف املطلب السلابق بجزئيه ما ورد من النهي عن االدخار سلواء كان

بذكر لفظ االدخار رصاحة أو إشلارة يف السلنة النبوية املباركة.واستعرضنا لذلك

بعلض األمثللة النبوية التي جسلدت هذا االجتاه وأكدته. لكننلا يف املقابل نجد أن

هنلاك نصوصلا نبوية كريملة أخرى حثت عىل مبلدأ االدخار ضامنا السلتمرارية

احليلاة وخاصلة لألوالد والذريلة ومن يف حكمهلم، من أجل علدم تركهم فقراء

عالة عىل املجتمع.

ومن هذه النصوص نذكر عىل سبيل املثال ما يي:

Page 36: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

3�

�- روى البخاري بسلنده عن عمر ريض اهلل عنه، أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص: )كان يبيع

نخل بني النضري وحيبس ألهله قوت سنتهم()�(.

قال ابن حجر يف فتح الباري: )قال ابن دقيق العيد: يف احلديث جواز االدخار

لألهل قوت سنة، ويف السياق ما يؤخذ منه اجلمع بينه وبني حديث » كان ال يدخر

شليئا لغد « فيحمل عىل االدخار لنفسله وحديث الباب علىل االدخار لغريه، ولو

كان له يف ذلك مشاركة، لكن املعنى أهنم املقصد باالدخار دونه حتى لو مل يوجدوا

مل يدخر. قال: واملتكلمون عىل لسلان الطريقة جعلوا أو بعضهم ما زاد عىل السلنة

خارجلا عن طريقلة التوكل ا.هل. وفيه إشلارة إىل الرد عىل الطربي حيث اسلتدل

باحلديلث علىل جواز االدخار مطلقا خافلا ملن منع ذلك، ويف الذي نقله الشليخ

تقييد بالسلنة اتباعا للخرب الوارد، لكن اسلتدالل الطربي قوي، بل التقييد بالسنة

إنلام جاء ملن رضورة الواقع ألن الذي كان يدخر مل يكن حيصل إال من السلنة إىل

السلنة، وكان إما مترا وإما شلعريا، فلو قدر أن شيئا مما يدخر كان ال حيصل إال من

سلنتني إىل سنتني القتىض احلال جواز االدخار ألجل ذلك، واهلل أعلم. ومع كونه

ملسو هيلع هللا ىلص كان حيتبس قوت سلنة لعياله فكان يف طول السلنة ربام اسلتأجره منهم ملن يرد

عليله ويعوضهلم عنه، ولذلك ملات ملسو هيلع هللا ىلص ودرعه مرهونة عىل شلعري اقرتضه قوتا

ألهله. واختلف يف جواز ادخار القوت ملن يشرتيه من السوق، قال عياض: أجازه

)�( رواه البخلاري يف صحيحله بسلنده علن عمر بن اخلطلاب ريض اهلل عنله، برقم ��04، .�048/�

Page 37: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

3�

قلوم واحتجوا هبذا احلديث، وال حجة فيه ألنله إنام كان من مغل األرض، ومنعه

قوم إال إن كان ال يرض بالسعر، وهو متجه إرفاقا بالناس. ثم حمل هذا االختاف

إذا مل يكن يف حال الضيق، وإال فا جيوز االدخار يف تلك احلالة أصا()�(.

�- ما رواه البخاري بسنده عن عامر بن سعد بن أيب وقاص عن أبيه ريض اهلل

عنه قال جاء النبي ملسو هيلع هللا ىلص يعودين وأنا بمكة وهو يكره أن يموت باألرض التي هاجر

منهلا قلال: )يرحم اهلل ابن عفراء( قلت: يا رسلول اهلل أويص باميل كله؟ قال: )ال(

قلت: فالشلطر؟ قال: )ال( قلت: الثلث؟ قال: )فالثلث والثلث كثري إنك أن تدع

ورثتلك أغنيلاء خري من أن تدعهلم عالة يتكففلون الناس يف أيدهيلم، وإنك مهام

أنفقت من نفقة فإهنا صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إىل يف امرأتك، وعسى اهلل أن

يرفعك فينتفع بك ناس ويرض بك آخرون، ومل يكن له يومئذ إال ابنة()�(.

3- ملا جاء يف آخر حادثلة الثاثة الذين خلفوا، وبعلد أن نزلت توبتهم أراد

كعب بن مالك ريض اهلل عنه - وهو أحد الثاثة - أن يقدم مجيع ما يملك صدقة

فرحلا وابتهاجلا بقبلول توبتله، إال أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص أمره باإلمسلاك علىل بعض ماله،

معلا اخلريية يف ذلك، كام روى البخاري ذلك بسنده، فقال: )قال كعب بن مالك

ريض اهلل عنه قلت يا رسول اهلل إن من توبتي أن أنخلع من مايل صدقة إىل اهلل وإىل

)�( فتلح البلاري البن حجلر، كتاب النفقات، بلاب حبس الرجل قوت سلنة، برقم ��04، .�03/9

)�( رواه البخلاري يف صحيحله، يف كتاب الرشوط، باب أن يرتك ورثته أغنياء، برقم ���9، .�006/3

Page 38: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

3�

رسلوله ملسو هيلع هللا ىلص. قلال: أمسلك عليك بعض ماللك فهو خري لك. قلت: فإين أمسلك

سهمي الذي بخيرب()�(.

4- وروى احلاكلم يف املسلتدرك بسلنده عن موسلى بن عي بلن رباح، قال:

سلمعت أيب يقلول: سلمعت عمرو بلن العاص، يقلول: بعث إيل رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص

فأتيتله، فأملرين أن آخذ عي ثيايب وسلاحي ثلم آتيه. قال: ففعلت، ثلم أتيته وهو

يتوضلأ، فصعلد يف البلر، ثم طأطأ، ثم قلال: » يا عمرو إين أريلد أن أبعثك عىل

جيش، فيغنمك اهلل، ويسللمك، وأرغب للك رغبة صاحلة من املال « قال: فقلت

يا رسلول اهلل، إين مل أسللم رغبة يف املال ولكني أسللمت رغبة يف اإلسلام، وأن

أكون مع رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص فقال: » يا عمرو نعام باملال الصالح للرجل الصالح «)�(.

�- وعلن عبلد اهلل بلن عمرو قلال: )قال رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: كفى بامللرء إثام أن

حيبس عمن يملك قوته( )3(.

)�( رواه البخاري يف صحيحه، يف كتاب الوصايا، باب إذا تصدق أو أوقف بعض ماله، برقم .�0�3/3 ،�606

)�( رواه احلاكلم يف املسلتدرك، وقلال: هذا حديلث صحيح عىل رشط مسللم ومل خيرجاه إنام أخرجلا يف إباحلة طلب املال حديث أيب سلعيد اخلدري من أخذه بحقله فنعم املعونة هو فقلط، املسلتدرك علىل الصحيحلني، أليب عبلداهلل احلاكم النيسلابوري، حتقيلق مصطفى عبلد القادر عطا، دار الكتلب العلمية، بريوت، ���4هل-�990، كتلاب البيوع، برقم

.3/� ،��30)3( رواه مسللم يف صحيحله، كتلاب الزكاة، باب فضل النفقة عىل العيلال واململوك وإثم من

ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم، برقم �99، �/ �69.

Page 39: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

3�

6- روى الرتمذي بسلنده عن عمر بن اخلطلاب ريض اهلل عنه، يقول: كانت

أملوال بني النضري مما أفاء اهلل عىل رسلوله مما مل يوجف املسللمون عليه بخيل وال

ركاب، وكانت لرسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص خالصا، وكان رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص يعزل نفقة أهله سنة

ثم جيعل ما بقي يف الكراع والساح عدة يف سبيل اهلل()�(.

والكلراع بالضلم: اسلم جلميع اخليلل، قال الزخملرشي: وأحبلس الكراع يف

سلبيل اهلل اخليل)�(. والعدة ما أعد للحوادث أهبة وجهازا للغزو . وتأهب للسفر

استعد له)3(.

قلال احلافظ ابن حجلر: )وهذا احلديث ال يعارض حديث عائشلة ريض اهلل

عنها: أنه ملسو هيلع هللا ىلص تويف ودرعه مرهونة عىل شعري ألنه جيمع بينهام بأنه كان يدخر ألهله

قوت سلنتهم، ثم يف طول السلنة حيتاج مللن يطرقه إىل إخلراج يشء منه فيخرجه،

فيحتاج إىل أن يعوض من يأخذ منها عوضه فلذلك استدان()4(.

و قلد نقلل اإلمام النووي اإلمجلاع عىل جواز االدخلار إذا كان ملن يعول من

أوالد وصبيلة، وملن تلزمله نفقتهم، بلرشط أال يكون الوقت وقت شلدة وضيق

)�( رواه الرتملذي وقال هذا حديث حسلن صحيح، اجلامع الصحيح سلنن الرتمذي، حممد أيب عيسى الرتمذي، حتقيق أمحد حممد شاكر وآخرون، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت،

برقم �7�9، ��6/4. )�( أساس الباغة، أليب القاسم حممود بن عمر الزخمرشي، دار الفكر، �399هل- �979م،

.�4�/�)3( املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري للرافعي، املكتبة العلمية، بريوت، �/�8.

)4( فتح الباري، كتاب فرض اخلمس، �06/6.

Page 40: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

40

وحاجلة إىل الطعلام وما يف حكمه، وأما إذا مل يكن ذلك، فله أن يدخر قوت سلنة

أو أكثلر، إذ قلال رمحه اهلل تعلاىل: )يف هذا احلديث جواز ادخار قوت سلنة وجواز

االدخار للعيال وأن هذا ال يقدح يف التوكل، وأمجع العلامء عىل جواز االدخار فيام

يستغله اإلنسان من قريته كام جرى للنبي ملسو هيلع هللا ىلص . وأما إذا أراد أن يشرتي من السوق

ويدخره لقوت عياله فإن كان يف وقت ضيق الطعام مل جيز، بل يشرتي ما ال يضيق

عىل املسلمني كقوت أيام أو شهر، وإن كان يف وقت سعة اشرتى قوت سنة وأكثر،

هكذا نقل القايض هذا التفصيل عن أكثر العلامء، وعن قوم: إباحته مطلقا()�(.

وقلد علل اإلمام السليوطي عدم معارضلة احلديثني أن االدخار كان لنفسله

ملسو هيلع هللا ىلص، وهذا لغريه)�(.

7- بلوب اإلملام مسللم يف صحيحه بابا حتلت عنوان: بلاب يف ادخار التمر

ونحلوه من األقلوات للعيال، فعن عائشلة أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قلال: )ال جيوع أهل بيت

عندهم التمر()3( ويف رواية أخرى لإلمام مسللم عن عائشلة ريض اهلل عنها أيضا:

)يا عائشلة: بيت ال متر فيه جياع أهله، يا عائشلة بيت ال متر فيه جياع أهله، أو جاع

أهله، قاهلا مرتني أو ثاثا()4(.

)�( رشح النلووي علىل صحيح مسللم، أيب زكريا حييى بن رشف النلووي، دار إحياء الرتاث العريب، ��39هل، بريوت، ��/70 .

)�( مرقاة املفاتيح رشح مشلكاة املصابيح، عي بن سللطان حممد القاري، حتقيق مجال عيتاين، دار الكتب العلمية، ���4هل - ��00م، بريوت، �89/7.

)3( رواه مسللم يف صحيحله عن عائشلة ريض اهلل عنهلا، يف كتاب األرشبة، بلاب: يف ادخار التمر ونحوه من األقوات للعيال، برقم �046، �6�8/3.

)4( املصدر نفسه.

Page 41: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

41

املطلب الثالث: ما ورد من النهي عن ادخار حلوم األضاحي ثم إباحته:

�- عن سلمة بن األكوع قال: قال النبي ملسو هيلع هللا ىلص: )من ضحى منكم فا يصبحن

بعد ثالثة وبقي يف بيته منه يشء( فلام كان العام املقبل، قالوا: يا رسول اهلل نفعل كام

خروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فعلنا عام املايض قال: )كلوا وأطعموا واد

فأردت أن تعينوا فيها()�(.

�- عن أيب قابة وعن ابن سلريين عن أيب سلعيد اخلدري كامها يرويه عن

ملت حلوم األضاحي النبلي ملسو هيلع هللا ىلص قلال أحدمها: قال رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: )إين كنت حر

فوق ثاثة أيام فكلوا وتزودوا وادخروا ما شلئتم(، وقال اآلخر: )كلوا وأطعموا

وادخروا ما شئتم()�(.

3- وقد روى اإلمام مسللم بسلنده عن عبد اهلل بن واقد ريض اهلل عنه، قال:

هنلى رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص عن أكل حلوم الضحايلا بعد ثاث، قال عبلد اهلل بن أيب بكر

فذكرت ذلك لعمرة فقالت: صدق، سلمعت عائشلة تقلول: دف أهل أبيات من

أهلل الباديلة حلرضة األضحى زمن رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص فقال رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص ادخروا

ثاثا ثم تصدقوا بام بقي. فلام كان بعد ذلك قالوا يا رسلول اهلل إن الناس يتخذون

األسقية من ضحاياهم وجيملون منها الودك. فقال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص وما ذاك؟ قالوا

)�( رواه البخاري يف صحيحه بسنده عن سلمة بن األكوع ريض اهلل عنه، يف كتاب األضاحي، باب ما يؤكل من حلوم األضاحي.، برقم ��49، �/����.

)�( رواه اإلمام أمحد يف مسلنده، مسلند أيب سعيد اخلدري ريض اهلل عنه، مسند اإلمام أمحد بن حنبل الشيباين، مؤسسة قرطبة، مر، برقم ���60، �7/3.

Page 42: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

42

هنيلت أن تلؤكل حلوم الضحايا بعد ثاث، فقال: إنلام هنيتكم من أجل الدافة التي

دفت، فكلوا وادخروا وتصدقوا()�(.

وقلد تكلم العلامء يف أسلباب احلظلر واإلباحة يف موضلوع األضاحي كثريا،

ملن ذلك ما بينه اإلمام البيهقي رمحه اهلل إذ يقول: )وسلبب التحريم واإلباحة فيه

حديث عائشلة عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص، وعىل من علمه أن يصري إليه قال: فالرخصة بعدها

لواحلد من معنيني، أظنه قال: إما الختلاف احلالني، فإذا دفت الدافة ثبت النهي

عن إمسلاك حللوم الضحايا بعد ثلاث، وإذا مل تدف دافة فالرخصلة ثابتة باألكل

والتلزود واالدخار والصدقة، وحيتمل أن يكون النهي عن إمسلاك حلوم الضحايا

بعد ثاث منسلوخا يف كل حال، فيمسلك اإلنسلان من ضحيته ما شاء ويتصدق

بلام شلاء، قال أمحد: قد روينا يف احلديث الثابت، عن سللمة بلن األكوع، أن النبي

ملسو هيلع هللا ىلص قال: )كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان فيه شدة( أو كلمة تشبهها

)فأردت أن يفشلو فيهم(، وهذا يدل عىل أن النهي كان للمعنى الذي أشلار إليه،

كام روينا يف حديث عائشلة، وكذلك هو يف حديث بريدة، ونبيشلة بمعنامها، قال

الشلافعي: ويشلبه، ألن يكون هني رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص عن إمسلاك حلوم الضحايا بعد

ثاث إذا كانت الدافة عىل معنى االختيار ال عىل معنى الفرض، واحتج بقوله عز

وجلل: ﴿ ہ ہ ہ ﴾)�( قلال أمحد: وقد روينلاه يف احلديث الثابت، عن

)�( رواه مسللم يف صحيحله، يف كتاب األضاحي، باب بيان ملا كان من النهي برقم ��97، . ��6� /3

)�( سورة احلج جزء من اآليتني �8 و36 .

Page 43: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

43

حييى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت: كنا نملح منه، ونقدم به املدينة، فقال

النبي ملسو هيلع هللا ىلص: )ال تأكلوا منه إال ثاثة أيام(، وليسلت بعزيمة، ولكن أراد أن يطعموا

منله، وهلذا احلديث يدل علىل أنه كان علىل االختيار، وروينلا يف حديث جابر بن

عبلد اهلل، وقتادة بن النعلامن األنصاريني، عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص أنه أرخص فيه بعد ما هنى

عنه مطلقا )�(.

وبنلاء علىل ملا تقلدم فقلد اختللف العللامء يف حكلم ادخلار األضاحي عىل

أربعة أقوال)�(:

القول األول: كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص ال يدخر من الضحايا فوق ثاث. وقد روي عن

عي وابن عمر ريض اهلل عنهام.

القول الثاين: إن النهي عن االدخار منسوخ، وعليه يدخر إىل أي وقت يريد.

وهو قول أيب سعيد اخلدري، وبريدة األسلمي.

القول الثالث: جيوز األكل منها مطلقا.

القلول الرابلع: فصلل أصحلاب هذا القلول حسلب حاجة وظلرف الناس

اللذي يعيشلون فيله وقت األضاحلي، فإن كانلت بالناس حاجة فلا يدخر، ألن

)�( معرفة السلنن واآلثار، أليب بكر بن احلسني بن عي البيهقي، دار الكتب العلمية، بريوت، برقم �30/�683،7.

)�( اجلامع ألحكام القرآن،للقرطبي ��/47

Page 44: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

44

النهلي كان لوجلود علة وهي قوله عليه الصاة والسلام: )إنلام هنيتكم من أجل

الدافلة التي دفت()�(وملا ارتفعت - العلة - ارتفع النهي املتقدم، ال ألنه منسلوخ.

واهلل أعلم.

• • •

)�( سبق خترجيه.

Page 45: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

4�

املبحث الثالثدور االدخار يف العملية التنموية عند علماء املسلمني

لعلب االدخار دورا حيويا مهام يف التنمية عند املسللمني األوائل، إذ متثل فيام

بعد بتكوين رؤوس أموال عينية أنتجت سللعا استهاكية صبت يف حتقيق أشكال

ملن االكتفاء الذايت، كام أن عدم االسلتهاك الكي ملا كان يلرد لألفراد من هبات

وعطايا يف العملية االسلتهاكية، أسلهم يف تكوين رؤوس أموال ال بأس هبا عىل

املستوى الفردي.

وال خيفى البعد االقتصادي هلذا التوجيه، وما له من أثر يف حتديد مسار التنمية.

ويمكن أن نمثل لذلك من خال اآليت:

املث�ال األول: وجله اخلليفلة عملر بلن اخلطلاب ريض اهلل عنله، بلرضورة

تقسليم الفرد دخله إىل قسلمني، يكون القسلم األول منه خاصا بإشلباع املطالب

االسلتهاكية، يف حني يكون القسلم الثلاين خاصا بتكويلن رؤوس أموال جديدة

منتجلة، وقلد متثل هذا القسلم يف تلك الفرتة يف االسلتغال احليلواين)�(. مما جتدر

اإلشلارة إليه إن مما دفع اخلليفة ملثل هذا التوجيه، هو حقيقة الدخل النقدي الذي

زاد علن حاجة الفرد االسلتهاكية، مملا دفع إىل التوجيه بلرضورة ادخار جزء من

الدخل واستهاك اجلزء اآلخر)�(.

املعلارف، مؤسسلة البلاذري، حييلى بلن أمحلد العبلاس أيب لإلملام البللدان فتلوح )�(بريوت،�407هل- �987م، ص��4.

)�( الفاروق، د. حممد حسني هيكل، مكتبة النهضة املرية، �/��3 .

Page 46: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

4�

وجيلد املتأمل بحقيقة التوجيه الصادر عن عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه، أنه

قد حذر من ترفني خطرين مها:

األول: استهاك الدخل كله، بام يف ذلك األشياء الرضورية وغريها.

الثلاين: اكتنلاز)�( جلزء من ملال الدخل أو اسلتثامره يف أمور غلري صاحلة، أو

غري منتجة.

املث�ال الثاين: أورد املاوردي رمحه اهلل تعاىل يف أدب الدنيا والدين: أن عمر بن

اخلطاب ريض اهلل عنه سأل أحد األفراد، قائا: )ما مالك؟ قال له: عطائي ألفان.

قلال: اختلذ من هلذا احللرث والسلائبات()�(، ويف هلذا التوجيه أملران، أحدمها:

أن األملر قلد تكلرر أيضا كام يف املثال السلابق بلرضورة حتويل الدخل من شلكله

النقدي إىل مال منتج آخر، متثل باحلرث والزراعة والسائبات عموما، حتى ال يتم

اسلتهاكه بالكاملل، دون أن يكون له أثر إجيايب يف التنميلة. واألمر الثاين: هو أن

املال املدخر ال يعني بالرضورة أن يكون بالشكل النقدي املعروف، وإنام قد يكون

ذلك مدعاة إىل اسلتهاكه بشلكل مبارش، لذا كان من توجيه اخلليفة بتحويل املال

من النقد إىل العني ضامنا الدخاره واهلل أعلم.

)�( بينلا يف بدايلة هلذا البحث الفرق بني االدخلار واالكتناز، وقلنا إن االكتنلاز هو املال غري املزكى، أو املال املدفون، بام يعني أنه قد تعطل يف أداء دوره يف التنمية.

)�( أدب الدنيا والدين، أليب احلسلن عي بن حممد البري املاوردي، حتقيق مصطفى السلقا، دار الفكر للطباعة والنرش .

Page 47: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

4�

واألمثللة ملن هذا القبيلل كثرية جدا، إذ دللت مجيعها علىل رضورة االدخار

واالستثامر جنبا إىل جنب مع اإلنفاق.

وهكلذا فقد تبلور الفكر االدخاري عند األملة من خال توجيهات الكتاب

والسلنة التي استعرضنا قسلام منها، إضافة إىل التوجيهات والوصايا الصادرة من

والة األملر التلي أوصلت بلرضورة االدخار وعدم االنسلياق وراء االسلتهاك،

باعتبار أن االستهاك آفة خطرية هتدد حياة األفراد واملجتمعات إن مل يتم التعامل

معها وفق آليات حمددة متثلت يف االدخار واالستثامر.

املطلب األول: نظرة علماء املسلمني لالدخار:

ينظلر عدد كبري من علامء األمة إىل امللال باعتبار أنه أحد العوامل التي توصل

إىل طريق اهلاك إن مل تتم مراعاة حقوقه وواجباته، واحلق أن هذه النظرة نابعة من

حقيقة هذا الدين املتمثل بكتاب اهلل تعاىل وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص، حيث تعددت النصوص

املؤكدة هلذا املعنى، فقد وردت سور تتحدث بكاملها عن جتميع املال وكنزه، كقوله

تعاىل: ﴿ ٿ ٿ ٿ ٿ * ٹ ٹ ٹ ڤ * ڤ ڤ ڦ ڦ

* ڦڄ ڄ ڄ ڄ * ڃ ڃ ڃ چ * چ چ ڇ * ڇ ڇ ڍ ڍ * ڌ ڎ ڎ * ڈ ژ ژ ﴾)�( وكذللك قول اهلل عز وجل فيمن يمنع حقوق املال ووظائفله: ﴿ ڇ ڇ ڇ * ڍ ڌ﴾ وقول

النبي ملسو هيلع هللا ىلص يف وصف حقيقة اإلنسان وإقباله عىل كسب املال وتعلقه به وعدم شبعه

منه إىل آخر رمق من حياته: كام جاء عن أنس ريض اهلل عنه، قال: قال رسلول اهلل

)�( سورة اهلمزة. من اآلية �- 9 .

Page 48: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

4�

ملسو هيلع هللا ىلص: )لو كان البن آدم واديان من مال البتغى واديا ثالثا، وال يمأل جوف ابن آدم

إال الرتاب، ويتوب اهلل عىل من تاب()�(.

وملن هلذا املنطلق حاول بعض العلامء بيان آثار تعللق العبد باملال واألرضار

التي ترتتب عىل ذلك. ونلمح أن هذا التوجه قد سلاد تلك الفرتة بعد أن توسعت

الدنيلا علىل الناس وأخذوا يكثرون ملن أصناف الرتف والبلذخ يف أمور كاملية ال

تعلد من احلاجيات فضا علن الرضوريات، األمر الذي جعل علامء األمة ينبهون

النلاس عىل ما قد حيدثه الرتف والبذخ واإلرساف والتبذير يف األمة من مسلاوئ،

فعملدوا إىل ذلك البيان واإليضاح من أجل إحداث توازن بني اإلفراط والتفريط

حتقيقلا لوسلطية األمة إذ يقلول اهلل علز وجلل: ﴿ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ

﴾)�(. وقلد أشلار اإلملام الغلزايل إىل ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ نملوذج مهلم يتمثل بموضلوع إنفاق املال يف غري ملا هو أوىل بله، إذ فصل القول

يف ذللك تفصيلا دقيقا، فبلني أصنافا من الناس يف التعامل ملع إنفاق املال يف غري

حملله، ويف ذلك يقول الدكتور يوسلف القرضاوي: )وهذه النلامذج البرشية التي

وجله الغزايل إليهلا نقده تدلنا عىل ملدى اهتاممه بإصاح املجتملع بدءا بتصحيح

املفاهيلم املغلوطلة والتصورات اخلاطئة وبيان خداع النفلس فيها وإلقاء األضواء

عىل حقائقها وإظهار خباياها()3(.

)�( رواه مسللم يف صحيحله، عن أنلس ريض اهلل عنه يف كتاب الزكاة، بلاب لو كان البن آدم واديان من مال، برقم �048، �/��7.

)�( سورة اإلرساء اآلية �9.)3( اإلملام الغلزايل بني مادحية وناقديه، د.يوسلف القرضاوي، مؤسسلة الرسلالة، بريوت،

الطبعة األوىل، �4�4هل-�994م، ص93.

Page 49: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

4�

ولقلد حاول الدكتور رفيق يونس املري)�( دراسلة هلذا التوجه عند اإلمام

الغلزايل يف رؤيتله للدنيا عامة واملال خاصة، ويذكلر أن هذه الرؤية كانت لظروف

خاصلة ملرت باإلملام الغزايل رمحلة اهلل تعاىل عليله، وعىل العموم فقلد عاد ودعا

إىل التوسلط واالعتلدال ملن جديد. ولكن كتابلات الغزايل ال ختللو من تعمقات

ومبالغات يف تعظيم الزهد والفقر واجلوع وذم الدنيا وترك االدخار. نعم، وردت

أحاديث عندنا نحن املسللمون بأننا قوم ال نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا ال نشلبع.

واملؤمن يأكل يف معى واحد، والكافر يأكل يف سبعة أمعاء)�(. ولعل اإلمام الغزايل

قلد تأثلر فيلام كانت عليه احللال يف أيامه، حيث قلال: )إن مدينلة طوس أصبحت

خرابا بسبب املجاعات والظلم()3(.

علىل أن الغزايل - واللكام للمري - بعد أن أطال يف مدح الفقر، واجلوع،

والزهلد والبلكاء، وذم الغنلى، وامللال، واجللاه، والشلهرة والصيلت، وتفضيل

الفقلري الصابر عىل الغني الشلاكر يف اجلملة، وبعلد أن ذم الدنيا، حاول العودة إىل

االعتلدال، وختم بقوله: أن املسللم )ال يرتك الدنيا بالكلية، وال يقمع الشلهوات

بالكلية، وال يتبع كل شلهوة، وال يرتك كل شلهوة، وال يرتك كل يشء من الدنيا،

وال يطلب كل يشء من الدنيا()4( .

islamiccenter.kau.edu.sa/arabic :ندوة يوم األربعاء: تعظيم اجلوع عند الغزايل )�()�( رواه البخلاري يف صحيحله، يف كتلاب األطعملة، باب املؤمن يأكل يف معلى واحد، برقم

.�06�/� ،)�080()3( نقا عن رجال الفكر والدعوة أليب احلسن الندوي، ص �38.

)4( إحياء علوم الدين لإلمام الغزايل، أليب حامد الغزايل، دار املعرفة، بريوت، �30/3.

Page 50: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�0

ومعللوم أن لكل علامل من علامئنا منهجه ونظريته حسلب النص الذي يفهمه

والعر الذي يعيشله، ومن أجل بيان موقف علامء املسللمني من االدخار بصورة

عامة، نأخذ ثاثة نامذج من علامئنا، تبني لنا نظرهتم للقضية.

يمثلل النملوذج األول رؤية اإلمام حممد بن احلسلن الشليباين، الذي يعد من

األوائل الذين أفردوا كتابا مسلتقا يف أمور الكسلب واملعاش وآدابه، وهو كتاب

)الكسلب( الذي يقول عنله حمققه ومقدمله الدكتور سلهيل زكار: )لقد جاء هذا

الكتاب باألصل صغري احلجم، أماه صاحبه عىل طريقة اآلثار، وكان من دوافعه

إىل تصنيفله، وذلك باالضافلة إىل تلبية احلاجة، الرد عىل حركلة الزهد األعجمي

التي نشطت يف القرن الثاين للهجرة()�(، وهبذا يكون اإلمام الشيباين قد سبق غريه

بطرح املفاهيم العامة التي سار عليها من جاء بعده كالغزايل وغريه رمحهم اهلل تعاىل

مجيعا يف الرؤية الوسلطية التي اتسلمت بعدم اإلفراط والتفريط يف أمور الكسلب

واملعاش، إذ تعد ميزة اإلمام حممد بن احلسن الشيباين رمحه اهلل تعاىل أنه ممن عاش

يف القرن الثاين اهلجري، ويعد من األوائل الذين صنفوا يف هذا املوضوع حتديدا.

وأملا النملوذج الثاين فهلو العامة الدمشلقي اللذي أفلرد تصنيفا قيام سلامه

)حماسلن التجلارة( وهو الكتاب اللذي لقي يف السلنوات األخرية اهتامملا كبريا،

بحيث يمكن القول أنه أصبح من أشلهر كتب الرتاث التي محلت عنوان التجارة،

)�( كتلاب الكسلب لإلملام حممد بن احلسلن الشليباين، حتقيلق وتقديم د. سلهيل زكار، نرش وتوزيع عبد اهلادي حرصوين، دمشق، الطبعة األوىل، �400هل- �980م، ص6.

Page 51: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�1

واالهتامم به ال يقتر عىل املسلمني املشتغلني باالقتصاد اإلسامي فحسب، وإنام

يقبل عىل طلبه قسم كبري من طاب العلم واملعرفة حتى من الديانات األخرى يف

عرنا احلارض.

والنموذج الثالث الذي يمثل رؤية متميزة يف موضوع االدخار هو ابن خلدون

اللذي يعلد واحدا ملن العلامء الذين تكلملوا يف بناء حضارات األملم ومقوماهتا

وركائزهلا التلي تقوم عليهلا، و بني أسلاس هنضتها ومعامل ريادهتلا وفق مقومات

التنمية والعمران، ومدى تأثري ذلك عىل األفراد والشعوب واملجتمعات.

املطلب الثاني: مناذج من نظرة علماء املسلمني لالدخار:

النم�وذج األول: االدخ�ار عن�د اإلم�ام حممد بن احلس�ن الش�يباين 132ه� -

��1ه�:

أوىل اإلمام حممد بن احلسن الشيباين رمحه اهلل تعاىل عناية فائقة لطلب الكسب

عاملة، فعرفله بأنه: )حتصيل امللال بام حيل من األسلباب(، وهو بذللك يتفق مجلة

وتفصيلا ملع املنهج االقتصادي السلليم الذي بني أن وسلائل انتقلال امللكية تتم

عن طريق العمل واملرياث والعقود الناقلة للملكية بأنواعها من بيع وهبة وإجارة

ووصيلة ونذور وكفلارات وما إىل ذللك، ويدخل يف العمل أيضلا الزرع وإحراز

املباحلات واالسلتياء عليهلا مثلل الصيد وإحيلاء امللوات والغنائلم والتولد من

ملال مملوك وما شلابه ذلك. وبذلك يكون التعريف الذي اختاره اإلمام الشليباين

للكسلب وافيا وجامعا ومانعا ألن مجيع هذه الوسائل أباحها الرشع وأحلها، وما

Page 52: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�2

يعنينا يف بحثنا هو مكانة االدخار من هذا الكسب وما يتعلق به عند إمامنا الشيباين

رمحه اهلل تعاىل.

قال اإلمام حممد بن احلسلن الشليباين بعد أن بني: )أن الكسلب عىل مراتب،

فمقدار ال بد لكل أحد منه، يعني ما يقيم به صلبه، يفرتض عىل كل أحد اكتسابه،

عينا، ألنه ال يتوصل إىل إقامة الفرائض إال به، فإن مل يكتسب زيادة عىل ذلك فهو

يف سلعة من ذلك لقوله ملسو هيلع هللا ىلص: »من أصبح آمنلا يف رسبه، معاىف يف بدنه، عنده قوت

يومه فكأنام حيزت له الدنيا بحذافريها«)�( ثم ذكر جمموعة من األدلة كل حسلب

حالله، فلإذا كان عليه دين فاالكتسلاب يكون بقدر ما يقيض به دينله، وإذا كان له

زوجلة وأوالد فإنله يفرتض عليه الكسلب بقلدر كفايتهم عينلا، ألن اإلنفاق عىل

زوجتله مسلتحق عليه، قال اهلل تعلاىل: ﴿ ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ﴾)�(

وكذلك األوالد قال جل وعا: ﴿ ۇ ۇ ۆ ۆ ۈ﴾)3( وإنام يتوصل

إىل إبقاء هذا املستحق بالكسب، وقال ملسو هيلع هللا ىلص: »كفى باملرء إثام أن يضيع من يعول«)4(

فالتحلرز علن ارتكاب املأثم فرض، قال ملسو هيلع هللا ىلص: »إن لنفسلك عليك حقا، فأعط كل

)�( هتذيلب اآلثلار وتفصيلل الثابت من األخبلار،أليب جعفر حممد بن جريلر الطربي، حتقيق حممود حممد شاكر، مطبعة املدين، القاهرة، 87/3.

)�( سورة الطاق اآلية 06 )3( سورة البقرة جزء من اآلية �33.

)4( رواه النسائي، يف السنن الكربى، دار الكتب العلمية، بريوت، ���4هل-��99م، برقم 9�76 علن عبلد اهلل بلن عملرو �/374، رواه أبو داود يف سلننه، بلفلظ )أن يضيع من يقوت( بدل )من يعول( سلنن أيب داود، باب وجوب النفقة عىل الزوجة، برقم ��90،

دار الفكر �30/6..

Page 53: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�3

ذي حلق حقه«)�(، وهذا يف الفرضية دون األول لقوله ملسو هيلع هللا ىلص: »ثم بمن تعول«، فإن

الكسلب زيادة عىل ذلك ما يدخره لنفسله وعياله فهو يف سلعة من ذلك ملا روي:

)أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص ادخر قوت عياله لسلنة()�( بعدما كان ينهى عن ذلك، عىل ما روي

أن النبلي ملسو هيلع هللا ىلص قلال لبلال ريض اهلل عنله: »أنفق يا بال وال ختش ملن ذي العرش

إقاال«)3( واملتأخر يكون ناسخا للمتقدم()4( .

ثم قال اإلمام الشليباين: )إن كان له أبوان كبلريان معرسان فإنه يفرتض عليه

الكسلب بقلدر كفايتهام لقوله تعلاىل: ﴿ ڳ ڳ ڳ ڳ ﴾)�( وليس

ملن املصاحبة باملعروف تركهام يموتان جوعا مع قدرته عىل الكسلب()6(. ثم ذكر

غري الوالدين من ذوي الرحم املحرم فبني أنه ال يفرتض عىل املرء الكسب لإلنفاق

عليهلم ألنله ال تسلتحق نفقتهم عليه إال باعتبار صفة اليسلار... ثلم قال رمحه اهلل

تعاىل: )وبعد ذلك األمر موسلع عليه، فإن شلاء اكتسب ومجع املال وإن شاء أبى،

ألن السللف رمحهلم اهلل منهم ملن مجع املال، ومنهلم من مل يفعلل، فعرفنا أن كا

الطرفني مباح()7(.

)�( رواه احلاكم يف املستدرك عىل الصحيحني، برقم،6900، 67/4.)�( تقدم خترجيه

)3( رواه الطرباين يف املعجم الكبري،سليامن بن أمحد الطرباين، حتقيق محدي عبد املجيد السلفي، مكتبة الزهراء، املوصل، �404هل- �983م، برقم �0�0، �/340.

)4( كتاب الكسب، ص �8-�7.)�( سورة لقامن اآلية ��.

)6( الكسب ص�9 .)7( الكسب للشيباين ص60.

Page 54: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�4

ثم رشع يف بيان مجع املال وادخاره، بيانا لقول من قال به من السللف وذهب

إليله، إذ يقلول: وأما اجلمع فلام روي عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال: »من طللب الدنيا حاال

متعففا لقي اهلل تعاىل ووجهه كالقمر ليلة البدر، ومن طلبها مفاخرا مكاثرا لقي اهلل

تعاىل وهو عليه غضبان«)�( فدل عىل أن مجع املال عىل طريق التعفف مباح.

ثلم يقلول: وأملا االمتناع عن مجلع امللال فطريق مبلاح أيضا حلديث عائشلة

ريض اهلل عنها، أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »لو كان البن آدم واديان من ذهب البتغى

إليهلام ثالثلا، وال يملأل جلوف ابلن آدم إال الرتاب، ويتلوب اهلل عىل ملن تاب«)�(

وقيل: هذا كان يتىل يف القرآن انتسلخ تاوتله وبقيت روايته)3(، وقال ملسو هيلع هللا ىلص: »هلك

املكثلرون إال من قال بامله كذا وكذا«)4( يعنلي يتصدق من كل جانب، وقال ملسو هيلع هللا ىلص:

»يقلول الشليطان: لن ينجلو مني صاحب امللال من إحدى ثاث:إملا أن أزينه يف

عينله فيجمعله من غري حله، وأملا أن أحقره يف عينه فيعطي يف غلري حله، وإما أن

أحببه إليه فيمنع حق اهلل تعاىل منه«)�( ففي هذا بيان أن االمتناع عن اجلمع أسللم،

وال عيب عىل من اختار طريق السامة( ا.هل)6( .

)�( رواه البيهقي يف شلعب اإليامن، أبو بكر بن احلسني البيهقي، دار الكتب العلمية، بريوت، �4�0هل-، برقم ��037، 7/ �98 .

)�( تقدم خترجيه.)3( عىل قول من قال من العلامء بنسخ التاوة وبقاء احلكم.

)4( رواه اإلمام أمحد يف مسنده، عن أيب هريرة، برقم �807، �/309. )�( مل أجده.

)6( الكسب للشيباين ص �6.

Page 55: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

وهبلذا يتبني لنا موقف هلذا اإلمام اهلامم عليه من اهلل تعاىل الرمحة والرضوان،

بأن أمر االدخار يف سلعة، واملرء خمري فيه، فإن شلاء اكتسلب ومجع املال، وإن شاء

امتنع عن ذلك وآثر السامة، وكا األمرين عنده مباح، ومما ينبغي التذكري به، هو

رضورة إدراك الزمن وطبيعة احلياة وبسلاطتها التي عاشها اإلمام حممد بن احلسن

الشيباين آنذاك، مما جعل األمرين سيان.

النم�وذج الث�اين: االدخ�ار عن�د الدمش�قي )ع�اش ب�ي القرن�ي اخلام�س

والسادس اهلجري( )�(:

استعرض هذا العامل اجلليل يف كتابه )اإلشارة إىل حماسن التجارة( العديد من

القضايلا االقتصادية املهمة التي بني فيها نظراتله للكثري منها برؤية متزنة تدل عىل

سلعة فكره وبعد نظره، فقد اتسلمت موضوعاته بشلمولية جيدها املتأمل بني ثنايا

كتابه املشلار إليه، تركزت أمهها يف موضوع احلاجات، واملال وتقسيامته، والسلع،

والنقلود ووظائفها، وامللكية واالكتسلاب وغريها كثري، وملا خيصنا يف بحثنا هذا

هلو رؤية اإلمام الدمشلقي ملوضوع االدخار، الذي أشلار إليله يف معرض حديثه

)�( وهو أبو الفضل جعفر بن عي الدمشلقي، أحد علامء القرن السلادس اهلجري، ومل تذكر كتلب الرتاجم أو الطبقلات تارخيا مؤكدا ملولده أو وفاته، لكن دائرة املعارف اإلسلامية ترى أنه عاش يف القرنني اخلامس والسلادس اهلجري. وهو صاحب كتاب )اإلشلارة إىل حماسن التجارة( وهو الكتاب الذي وجد يف السنوات األخرية اهتامما كبريا، بحيث يمكن القول أنه أصبح من أشهر كتب الرتاث التي محلت عنوان التجارة، واالهتامم به ال يقتر عىل املسللمني املشلتغلني باالقتصاد اإلسلامي وإنام يقبل عىل طلبه كثري من املسترشقني بإحلاح وحرص شلديدين. جاء هذا عىل لسلان حمقق كتاب: اإلشارة إىل حماسن التجارة،

البرشي الشوربجي، مكتبة الكليات األزهرية، القاهرة، �397هل- �977م، ص� .

Page 56: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

علن موضلوع اإلنفاق. وقد أجلرى أحد الباحثني)�( دراسلة قيمة علن جممل آراء

الدمشلقي االقتصاديلة، أقتطع منها جانبلا من حديثه عن اإلنفاق الذي أشلار فيه

ضمنا إىل االدخار، كام يف الفقرات اآلتية:

أال ينفق الشلخص أكثر مما يكتسلب، وأن ال يكون إنفاقه مسلاويا لدخله -�

بل يكون دونه.

�- االقتصار يف اإلنفاق عىل حاجته، وأال يتعدى يف إنفاقه أهل طبقته.

3- أن يعلرف مقاديلر ملا يسلتحق كل بلاب مما حيتلاج إليه، وينفلق فيه بقدر

حاجته، وأن يعرف أوقات احلاجة يف كل يشء.

ناحلظ من الفقرات الثاث أعاه أن الدمشلقي رمحه اهلل تعاىل، قد أكد عىل

مبلدأ االدخار وحلث عليه من خال توجيهه بلرضورة أن يكون اإلنفاق أقل من

الدخل، ويف ذلك إشارة واضحة للامل الفائض بني الدخل واإلنفاق، لإلفادة منه

يف االدخار، بدليل أنه أكد رضورة أال يكون اإلنفاق أقل من الدخل فحسب، وإنام

أال يكونا متسلاويني، بحيث ال يبقى يشء لادخار، فضا عن أن يوقع الشلخص

نفسه يف فخ بإنفاق ما ال يملك، ويفتح عىل نفسه باب القروض وما شاهبها.

وقد اسلتخلص الباحث املشار إليه آنفا )�(، من آراء الدمشقي بعض األفكار

االقتصادية التحليلية نختار منها ما خيص موضوعنا )االدخار( كاآليت:

)�( هو األسلتاذ الدكتور رفعت العويض يف كتابه تراث املسلمني العلمي يف االقتصاد، طبعة دار البحوث للدراسات اإلسامية وإحياء الرتاث بديب،�4�6هل-��00م، ص��.

)�( املصدر نفسه ص�3.

Page 57: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

�- ربط االستهاك بالدخل.

�- توزيع الدخل بني االستهاك واالدخار.

3- ربط االدخار باالحتياط للطوارئ، سلواء عىل مسلتوى الشخص أو عىل

مستوى نشاطه االقتصادي.

4- ربط االدخار باالستثامر.

مملا جتلدر اإلشلارة إليله أن الدمشلقي كان شلمويل النظلرة بحيلث مل تقتر

توجيهاتله يف االدخلار عىل الفرد فحسلب وإنام أشلار إىل رضورة ادخلار الدولة،

فقلد مدح الدولة التي تزيد وارداهتا عىل نفقاهتا، وذم الدولة التي تزيد نفقاهتا عىل

وارداهتا، وبني أن التساوي عىل مستوى الدولة بني النفقات واإليرادات قد تكون

مقبولة، عىل عكس نقده لألفراد الذين تزيد نفقاهتم عىل وارداهتم أو تساوهيا.

النموذج الثالث: االدخار عند ابن خلدون �32ه�- ��0ه�:

إن املقصلود ملن العمل بشلكل عام يف نظر ابلن خلدون هو »ابتغلاء الرزق«

وتعريلف الرزق هلو »احلاصلل أو املقتنى من األملوال بعد العمل والسلعي، إذا

علادت عىل صاحبهلا باملنفعة وحصلت له ثمرهتا من اإلنفلاق يف حاجاته«. وهذا

هلو األسلاس اللذي اسلتند إليه ابلن خللدون للتفريق بلني نوعني ملن األموال:

األرزاق واملكاسلب، حيث إن اإلنسلان ال يعمل من أجل سلد حاجاته فقط، بل

حيسب حساب املستقبل، ويدفعه اخلوف من تقلبات األحوال - سواء أكان خوفا

عىل نفسله أم عىل عياله - إىل اقتناء مكاسلب قد ينتفع هبا يف املسلتقبل. وهذا يعني

Page 58: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

أن ابن خلدون قد ميز بني االسلتهاك )استيفاء مجيع احلاجيات(، واالدخار وهو

ما يقابل فائض العمل بعد اسلتيفاء مجيع احلاجيات. أي أن املكاسلب يف نظر ابن

خلدون متاثل االدخار يف عرنا، حتى االدخار نفسله ختتلف مسلتوياته عند ابن

خلدون بقدر أمهيته وبقدر مستوى االنتفاع به.

ويلرى ابن خلدون: )أن املكاسلب إنام هي قيم األعلامل، فإذا كثرت األعامل

فه والغنى إىل كثرت قيمها بينهم فكثرت مكاسلبهم رضورة، ودعتهم أحلوال الر

الرتف وحاجاته من التأنق يف املسلاكن واملابس واستجادة اآلنية واملاعون واختاذ

اخللدم واملراكلب. وهلذه كلها أعامل تسلتدعى بقيمهلا وخيتار املهلرة يف صناعتها

والقيلام عليهلا، فتنفق أسلواق األعامل والصنائلع، ويكثر دخل امللر وخرجه،

وحيصل اليسلار ملنتحي ذلك من قبل أعامهلم()�(. ويشلري- ابلن خلدون - إىل أن

العملل يوجد القيمة، ومن هنلا تظهر أمهية العمل يف زيادة اإلنتلاج وبالتايل زيادة

الدخلل وما حيدثه من حتريك للسلوق، إذ يبني أن الطلب يزيلد بزيادة الدخل، إذ

كللام زاد دخل اإلنسلان كلام ازدادت طلباتله وكثرت احتياجاتله، ويبني أن انفاق

شلخص أو قطاع ما، إنام هو بحقيقته دخل لشخص أو قطاع آخر، وهذا كله يؤثر

يف احلركة االقتصادية للمجتمع ككل.

وعلن دور امللال وما حيدثه من أثر يف تنمية املجتمع يشلري ابن خلدون بقوله:

)ومتى زاد العمران زادت األعامل ثانية. ثم زاد الرتف تابعا للكسب وزادت عوائده

)�( مقدملة ابن خللدون، عبد الرمحن بن حممد بن خلدون، دار هنضلة مر للطباعة والنرش، القاهرة، الطبعة الثالثة،�/�87.

Page 59: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

وحاجاته. واسلتنبطت الصنائع لتحصيلها، فزادت قيمها، وتضاعف الكسب يف

املدينلة لذللك ثانيلة، ونفقت سلوق األعامل هبا أكثلر من األول. وكلذا يف الزيادة

الثانيلة والثالثة. ألن األعامل الزائدة كلها ختتص بالرتف والغنى، بخاف األعامل

األصلية التي ختتص باملعاش. فاملر إذا فضل بعمران واحد ففضله بزيادة كسب

ورفله وبعوائلد من اللرتف ال توجد يف اآلخلر؛ فام كان عمرانه ملن األمصار أكثر

وأوفلر، كان حال أهله يف الرتف أبلغ من حال املر الذي دونه عىل وترية واحدة

يف األصنلاف: القلايض مع القلايض، والتاجر ملع التاجر، والصانع ملع الصانع،

والسلوقي مع السلوقي، واألمري مع األمري، والرشطي مع الرشطي()�( ويستشهد

بنلامذج من واقعه اللذي كان يعيش فيه ويرضب أمثلة للفلارق بني العمل الواحد

نفسله يف بلدتني أو أكثر، إحدامها تتمتع بوجود سليولة مالية وأخرى تنقصها هذه

السليولة، قائا: )واعتلرب ذلك يف املغرب مثا بحال فاس ملع غريها من أمصاره

األخرى، مثل بجاية وتلمسلان وسلبتة، جتلد بينها بونا كثريا علىل اجلملة. ثم عىل

اخلصوصيات، فحال القايض بفاس أوسلع من حال القايض بتلمسلان، وكذا كل

صنف مع أهل صنفه. وكذا أيضا حال تلمسان مع وهران واجلزائر، وحال وهران

واجلزائر مع ما دوهنام، إىل أن تنتهي إىل املدر الذين اعامهلم يف رضوريات معاشهم

فقلط، أو يقلرون عنها. وملا ذاك إال لتفاوت األعامل فيها، فكأهنا كلها أسلواق

لألعامل. واخلرج يف كل سوق عىل نسبته فالقايض بفاس دخله كفاء خرجه، وكذا

القايض بتلمسلان. وحيث الدخل واخلرج أكثر تكون األحوال أعظم. وما بفاس

)�( املصدر نفسه �/�873-87..

Page 60: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�0

أكثر لنفاق سلوق األعامل بام يدعو إليله الرتف، فاألحوال أضخم. ثم هكذا حال

وهران وقسنطينة واجلزائر وبسكرة حتى تنتهي كام قلناه إىل األمصار التي ال تويف

أعامهلا برضوراهتا، وال تعد يف األمصار إذ هي من قبيل القرى واملدر. فلذلك جتد

أهل هذه األمصار الصغرية ضعفاء األحوال متقاربني يف الفقر واخلصاصة، ملا أن

أعامهلم ال تفي برضوراهتم. وال يفضل ما يتأثلونه كسبا، فا تنمو مكاسبهم. وهم

لذلك مساكني حماويج، إال يف األقل النادر()�(.

وكان آلراء البن خلدون أمهية كبرية يف الفكر االقتصادي، ويذكر يف دراساته

أن العمل يوجد القيمة، ويبني أمهية تقسيم العمل يف زيادة إنتاجية العامل ويف زيادة

الدخل، وقد أشلار إىل دور املعادن النفيسة يف اجلهاز االقتصادي من حيث إمكان

اسلتخدام الذهلب والفضة نقودا ووسليطا يف املبادالت، وبني كيلف تؤدي زيادة

الطلب عىل السللع إىل ارتفاع أسلعارها، وأشلار إىل سلوء توزيع أعباء الرضائب،

وأوىص بالتخفيلف من الرضائب آلثارها االقتصادية. ففلي واقع األمر اهتم ابن

خللدون بالظواهر االقتصادية اجلزئية، كام اهتلم باالقتصاديات الكلية، فهو يقرر

مثلا أن الطللب يزيد بزيلادة الدخل، ويقرر أن الدخل يتوقلف عىل اإلنتاج، وأن

إنفاق شخص أو قطاع، هو دخل لشخص آخر، أو قطاع آخر. وزيادة الطلب، عند

ابن خلدون، تزيد اإلنتاج من الصناعات القائمة، كام تولد صناعات جديدة.

• • •

)�(مقدمة ابن خلدون، �/�87.

Page 61: كتاب الادخار

الفصل الثاني

من التطبيقات املعاصرة لالدخار يف االقتصاد اإلسالمي

ويشتمل عىل متهيد وأربعة مباحث:

- التمهيد: أنواع االدخار.

- املبحث األول: الودائع املرصفية والبنكية.

- املبحث الثاين: الصناديق االستثامرية اإلسامية.

- املبحث الثالث: الصناديق الوقفية.

- املبحث الرابع: القروض من أهم آفات وموانع االدخار.

Page 62: كتاب الادخار
Page 63: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�3

الفصل الثاني

من التطبيقات املعاصرة لالدخار يف االقتصاد اإلسالمي

متهيد: أنواع االدخار:

قبل الدخول إىل بعض التطبيقات املعارصة يف االقتصاد اإلسامي لادخار،

حيسن بنا اإلشارة إىل أن االقتصاديني قسموا االدخار إىل قسمني:

�- االدخار االختياري.

�- االدخار اإلجباري.

فأملا االدخلار االختيلاري: فهلو االدخلار احللر الذي يقلوم به الفلرد طوعا

واسلتجابة إلرادته ورغبته نتيجلة ملوازنة بني وضعني، إما الدخول إىل االدخار أو

عدم الدخول فيه أصا.

وترجع أسباب هذا النوع من االدخار إىل عوامل عدة، أبرزها:

�- تطوير بعض املؤسسات االدخارية وتوسيعها وجودة بعض خدماهتا.

�- إجيلاد الوعلي االدخلاري عنلد مجهلور املتعامللني عن طريلق احلمات

الدعائية، وإبراز األمهية الكبرية التي يمكن أن تؤدهيا عملية االدخار.

3- مبدأ الشلفافية الذي اعتمدته بعض املؤسسلات االدخارية، والذي عزز

الثقة عند املدخرين.

Page 64: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�4

ونستطيع القول أن عملية االدخار تبدأ من قبل الفرد وفق ثاث مراحل:

املرحللة األوىل: دراسلة وتقدير األمور والظروف املحيطة بالفرد نفسله، من

حيث الدخل واالستهاك، وإمكانية املوازنة بينهام.

املرحلة الثانية:التخطيط املربمج آللية االدخار من أجل الوصول إىل اهلدف.

املرحلة الثالثة: الترف اإلجيايب عىل وفق الدراسلة والتخطيط املسبق ضمن

املرحلتني السابقتني.

أملا عن االدخلار اإلجباري: فهو االدخار الذي يكون الفرد أو املؤسسلة فيه

جمربة بقلوة القانون أو قرارات احلكومة أو قلرارات رشكات القطاع اخلاص التي

يعمللون هبا السلتقطاع مباللغ معينة لغرض اسلتثامرها، وهو ملا انترش يف العر

احلديث عىل صور عدة، أبرزها:

�- قنوات ادخار قطاعات التقاعد: إذ تستقطع نسبة مئوية ضئيلة من الراتب

أثناء خدمة املوظف ليجدها أمامه بعد التقاعد.

�- قنوات ادخار الرشكات: وهو اسلتقطاع قدر من أرباح املسلامهني بقصد

التمويل الذايت لدعم رأسامل الرشكة أو دعم احتياطاهتا.

3- قنلوات االدخلارات عن طريق الرضائلب: إذ تقلدم حكومات عدد من

البلدان عىل اسلتقطاع جزء من األموال من بعض النشلاطات االقتصادية لغرض

اسلتثامرها يف مرشوعلات إنامئية من جهة، وتقليص االسلتهاك من جهة أخرى،

Page 65: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

والسيام االستهاك اخلاص املرتبط بالتبذير واإلنفاقات الكاملية.

أما عن التطبيقات املعارصة لادخار:

فقد تعددت يف االقتصاد اإلسلامي، وبذلك يكون مفهوم االدخار قد خرج

ملن حيز النظرية إىل ميدان التطبيق العمي، ليؤسلس بذللك قاعدة متينة ارتكزت

عىل أساس متني، متثل يف صور عدة وتطبيقات عملية ضمن مؤسسات وقطاعات

حيويلة مهملة أخذت أكثر من شلكل، ولعل أبرز هذه األشلكال هي االدخارات

النقدية التي أسلهمت املصارف واملؤسسات املالية اإلسامية بتفعيلها وتنشيطها،

ضملن دائلرة األعامل املرفيلة إذ اعتربنا أن أعلامل املصارف واملؤسسلات املالية

تنقسم إىل قسمني: قسم يعنى بأعامل التمويل واالستثامر كاملضاربات واملشاركات

واملرابحات وما إىل ذلك، وقسلم يعنى باملعامات املرفية من حسابات جارية،

وودائلع، وخطابات ضامن، وما شلابه، فضلا عن االدخار الشلخيص الذي كان

سلائدا لدى الكثريين، بسلبب التوجه الرشعي القايض بحرمة التعامل مع البنوك

الربويلة، وانعكاس ذلك باحلذر الشلديد الذي كان سلائدا آنذاك من الدخول يف

التعاملل معهلا، إال أن ظهور عامل املصارف اإلسلامية يف العقود األربعة األخرية

قللب املوازين وغري قواعد اللعبة، بحيث اضطرت املؤسسلات والبنوك التقليدية

العاملية لفتح نوافذ وأقسلام رشعية، تعنى باملرفية اإلسلامية، لقناعتها أن قسام

كبريا من االدخارات الشلخصية التي مل تكن يف حسلباهنا، قد جتمعت بعضها عىل

بعلض بشلكل طوعي فكونت ثروة ال يمكن االسلتهانة هبلا، ومثلت أرضية قوية

Page 66: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

إلسلناد املصارف اإلسلامية يف بداية نشلأهتا، وبذلك حاولت البنلوك التقليدية،

وسلعت جاهدة هذه املؤسسلات املالية التقليدية بام متلكه من مؤسسلات ضخمة

لسلحب البسلاط مرة أخرى من حتت أقدام املؤسسلات املالية اإلسامية عرب فتح

وإنشلاء ما يسمى بالنوافذ الرشعية، ال ليشء سلوى احلصول عىل ما تم إيداعه يف

املؤسسات املالية اإلسامية من مدخرات. وبغض النظر عن حقيقة هذه الدعوى

ملن عدمهلا، باعتبلار أن هناك توجهلا آخر يقلول إن هلذه النوافذ طريلق البداية

لتصحيلح العمل امللريف التقليدي برمتله، األمر الذي حيتم عىل الدارسلني بيان

حقيقة األمر، وليس هاهنا حمل تفصيل هذه املسالة.

وبناء عىل ما سبق، فسيتم احلديث عن أهم صور االدخار املعارص يف االقتصاد

اإلسلامي عامة، عرب كل من الودائع بأشكاهلا مع الرتكيز عىل الودائع االدخارية

يف املصارف اإلسامية والصناديق االستثامرية والصناديق الوقفية.

• • •

Page 67: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

املبحث األول

الودائع )�( املصرفية والبنكية )�(.

بداية ال بد من اإلشارة إىل أن مفهوم الودائع التي تتلقاها املصارف اإلسامية

خيتللف علام عليه الوضلع يف البنلوك التقليدية، التلي تقوم بدورها باسلتثامر ما يف

حوزهتلا بطلرق مغايرة، إذ القاعدة العامة التي تسلري عليها املصارف اإلسلامية،

أهنا تتلقى الودائع بناء عىل مبدأ املشاركة وليس عىل مبدأ القرض، ومن ثم تنطلق

من هذا املبدأ يف اسلتثامر هذه الودائع، بحيث خيضلع الطرفان )املودع واملرف(

ملبدأ الربح واخلسارة.

وعلىل هذا األسلاس تلويل املؤسسلات واملصارف اإلسلامية الودائلع أمهية

كلربى، فقلد جعلتها من أهلم املصادر التلي تتلقاها وحتلل عليها، وهلذا ليس يف

)�( نرى يف الواقع أن قسلام من الباحثني يعدلون عن كلمة)الودائع( ألن أغلب ما تطلق عليه املصارف والبنوك تسلمية )الودائع( ال ينطبق عليهلا تعريف وال أحكام الوديعة يف الفقه

اإلسامي، لذلك يستبدلوهنا بكلمة )حسابات( .)�( أميل شخصيا إىل رضورة التفريق بني مصطلحي )املرف( و )البنك( باعتبار أن املرف مشلتق ملن رصف يرف، ومصلدره )الرف( وهو اسلم املكان الذي تتلم فيه عملية الرف، وهو االسم األحرى باملؤسسات املالية اإلسامية استخدامه، يف حني أن كلمة )بنلك( جاءت من لفظة )بنكلو( باإليطالية ومعناها منضدة أو طاولة، وهي الكلمة التي كانلت تطللق عىل من يزاول مهنة بيع العمات، وكلملة )بنكري( ملن يبارش هذه األعامل. ينظر: موقف الرشيعة من املصارف اإلسامية املعارصة، د. عبد اهلل عبد الرحيم العبادي، دار السام القاهرة، ودار الثقافة الدوحة، الطبعة الثانية، ���4هل-�994م، ص �0-

��. ومن هنا يبدو الفرق جليا بني املرف والبنك.

Page 68: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

املصارف اإلسلامية فحسب، بل يف كل البنوك واملؤسسلات التقليدية األخرى،

تنطلق من املبدأ نفسه يف النظر إىل أمهية الودائع.

املطلب األول: مفهوم الوديعة:

و مفهوم الوديعة عامة يتوافق إىل حد كبري مع مفاهيم أخرى قريبة منه، وهي

كل ملن األمانلة والقرض واإلجارة، لكلن الفرق بينهم دقيق،. ولكشلف حقيقة

ذللك البد من بيان مفهوم الوديعة عند اللغويني، ويف اصطاح الفقهاء، و من ثم

يف التعاملل املريف والبنكلي، لنتعرف إىل أوجه الشلبه واالختاف بني مفهومي

الوديعة الفقهية والوديعة املرفية، وأهم ما يميز كل منهام.

فالوديعلة يف اللغلة: ما وضع عند غري مالكه ليحفظله، يقال: أودعته ماال أي

دفعتله إليه ليكون عنده وديعلة، ويقال أيضا: أودعته ملاال بمعنى قبلت منه ذلك

امللال ليكلون وديعة عندي، فالوديعة من أسلامء األضداد تسلتعمل يف إعطاء املال

حلفظله ويف قبولله. ومصلدر أودع - )اإليلداع( - وهلو بمعنى الوديعلة، واحدة

الودائلع، وهلي ما اسلتودع وقولله تعلاىل: ﴿ ڑ ک ﴾)�( فالوديعة اسلم

لإليداع وتطلق عىل العني املودعة)�(.

وقلد عرفت الوديعة يف اصطاح الفقهاء بعلدة تعريفات، ال خترج عن كوهنا

توكيا أو استنابة يف حفظ املال.

)�( جزء من االية 98من سورة األنعام.)�( لسان العرب،386/8.

Page 69: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

فقد عرفها املالكية: أهنا مشتقة من اإليداع وهو: توكيل بحفظ املال)�(.

وعرف احلنفية الوديعة: أهنا ما ترتك عند األمني حلفظه)�(.

وعرف الشافعية الوديعة: أهنا العقد املقتيض لاستحفاظ)3(.

ويميز بعض الفقهاء بني الوديعة واإليداع حسب ما يدل عليه تعريف هذين

املصطلحني عند بعضهم:

فاإليداع كام يعرفه احلنفية: هو تسليط الغري عىل حفظ ماله)4( .

وعند املالكية: هو توكيل عىل جمرد حفظ مال أو استنابة يف حفظ مال)�(.

وعند الشافعية: هو اسم لعني يضعها مالكها أو نائبه عند آخر ليحفظها)6(.

وعند احلنابلة: هو توكيل رب مال يف حفظه تربعا من احلافظ)7(.

)�( حاشية الدسوقي عىل الرشح الكبري، حتقيق حممد عليش، دار الفكر، بريوت، 4�9/3.املعرفلة، دار احلنفلي، نجيلم بلن الديلن زيلن الدقائلق، كنلز رشح الرائلق البحلر )�(

بريوت، �73/7.)3( هناية املحتاج إىل رشح املنهاج، شلمس الدين حممد الرمي، الشهري بالشافعي الصغري، دار

الفكر، بريوت، �09/6.)4( البحر الرائق، �73/7.

)�( رشح اخلريش عىل خمتر خليل، دار الفكر للطباعة، بريوت، �08/6.)6( هناية املحتاج ��0/6.

)7( رشح منتهلى اإلرادات، منصلور بلن يونلس البهلويت، علامل الكتلب،�996، بلريوت، .489/�

Page 70: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�0

وقد حاول الدكتور نزيه محاد صاحب كتاب معجم املصطلحات االقتصادية

يف لغلة الفقهلاء أن يوضح هذه التعاريف بيشء ملن التفصيل فقال: )وهكذا نرى

الفقهلاء يعنلون بالوديعة: العلني التي توضع عنلد غريه ليحفظهلا، وعىل اإليداع

بمعنلى العقلد املقتيض للحفظ. غري أن الفقهاء اختلفلوا يف تعريف هذا العقد تبعا

الختافهلم يف بعض رشوطه، فاحلنفية واملالكية الذين اشلرتطوا يف اليشء املودع

أن يكون ماال، ومل يشلرتطوا يف احلفظ أن يكون تربعا عرفوه بأنه )تسلليط املالك

غلريه عىل حفظ ماله( والشلافعية الذين اشلرتطوا يف اليشء امللودع أن يكون ماال

أو خمتصلا حمرتملا - كجنس منتفعا به - ومل يشلرتطوا يف احلفظ أن يكون تربعا يف

الليشء ملن احلافظ عرفوه بأنه: )توكيلل باحلفظ للمملوك أو خمتلص( . واحلنابلة

الذين اعتربوا يف اليشء املودع أن يكون ماال أو خمتصا واشلرتطوا أن يكون حفظه

ملن الوديع عىل سلبيل التربع، عرفوه بأنه: توكيلل يف حفظ مملوك أو حمرتم خمتص

تربعا من احلافظ()�(

وقد عرفت املوسلوعة العلميلة والعملية للبنوك اإلسلامية الوديعة يف الفقه

اإلسامي أهنا: توكيل من شخص آلخر بحفظ يشء معني)�(.

)�( معجلم املصطلحلات االقتصاديلة يف لغلة الفقهلاء، د.نزيله محلاد، املعهلد العامللي للفكر اإلسامي، فرجينيا، الواليات املتحدة األمريكية، الطبعة األوىل،�993م.

)�( املوسوعة العلمية والعملية للبنوك اإلسامية، اجلزء الرشعي، األصول الرشعية واألعامل املرفية يف اإلسلام، االحتاد الدويل للبنوك اإلسلامية، اجللزء اخلامس، الطبعة األوىل،

�989م، �/�44.

Page 71: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�1

ومل حتلدد املوسلوعة ماهية هلذا اليشء املحفلوظ، وإنام جعلته مطلقلا، األمر

اللذي خيتللف ملع تعريلف الوديعلة باالصطلاح املريف اللذي أفردهتلا بحفظ

األموال حرا.

لذللك نلرى أن تعريلف الوديعلة يف االصطلاح املريف قد خلص من هذا

اإلطلاق العام وقيده باألموال حرا، وعليه فهي تعنلي: األموال التي يعهد هبا

األفراد أو اهليئات إىل املرف عىل أن يتعهد املرف برد مسلاو إليهم، أو نفسلها

- الوديعة -لدى الطلب أو بالرشوط املتفق عليها)�(.

وعىل هذا األساس تكون الوديعة يف املفهوم املريف والبنكي: هي )األموال(

التلي تتلقاها املؤسسلة املالية، مع االلتزام بإرجاعهلا إىل أصحاهبا عند الطلب، أو

حسب االتفاق املربم بني صاحب املال واملؤسسة املالية .

املطلب الثاني: اإلطار الشرعي لعملية اإليداع املصريف:

اختلف مفهوم الوديعة املعروفة قديام عند الفقهاء عن مفهوم الوديعة املرفية

البنكيلة املعلارصة كام تبني لنا مما سلبق، إذ تبني لنا أن املفهلوم الفقهي للوديعة هو

أن حيفلظ الوديلع الوديعلة عنلده، وال يتلرف فيهلا، وجيلب عليه ردهلا بعينها

عندملا يطللب منه املودع، ومسلألة حفظ املال غلري واردة يف هلذه املعاملة، وعىل

هذا األسلاس فإن املتتبع ألقوال الفقهلاء يف العقود جيد أهنم يبنون أحكامهم عىل

)�( عمليلات البنلوك ملن الوجهة القانونيلة، عي مجال الديلن عوض، القاهلرة، دار االحتاد، ��98م،ص�7.

Page 72: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�2

القاعدة الرشعية )العربة يف العقود للمقاصد واملعاين وليست لأللفاظ واملباين()�(

فالوديعة عىل الرغم من أهنا ال خترج عن كوهنا توكيا أو استنابة يف حفظ املال، إال

أهنلا إذا كان مأذونا)�( يف الترف فيها باسلتعامل املودع أو االنتفاع به فإهنا تنقلب

إىل قلرض، فعلىل ذلك خترج إعارة الدراهم والدنانلري فإهنا تكون قرضا ال إعارة،

ألن اإلعارة متليك املنفعة، وال يأيت ذلك إال باالستهاك)3( . وقد ذكر الرسخيس:

)أن عاريلة الدراهلم والدنانري والفلوس قرض، ألن اإلعلارة إذن يف االنتفاع وال

يتأتلى االنتفاع بالنقود إال باسلتهاكها عينلا فيصري مأذونلا يف الترف()4( وعىل

هذا األسلاس يتبني لنا أن نظرة الفقهاء قائمة عىل أسلاس املقصود ال عىل أسلاس

اللفظ املسلتعمل، فمفهوم الوديعة عندهم يتميز بالوضوح، فاسلم الوديعة هنا ال

خيرجها عن كوهنا قرضا. ولتوضيح هذه املسألة نرضب املثل اآليت لتوضيحها: لو

أن شلخصا أعطى آخر ماال وقال له: أودعتك هذا املال عىل أن تعطيني كل شلهر

نسلبة من الربح�% مثا، فإن من املسللم به واملعقول جدا أن الشخص الذي أخذ

الوديعة، ال يدفع تلك النسبة املتفق عليها ما مل يترف يف تلك الوديعة لريبح من

)�( الوجيز يف القواعد الفقهية، عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، بريوت، الطبعة األوىل، ص��.

)�( اعتبلار اإلذن الضمنلي جائلز ألنله قائلم علىل العلرف، واعتبلار العلرف يف الترفلات أجلازه الفقهلاء حيث ال نص، ومن قواعلده يف ذلك )الثابت بالعلرف كالثابت بالنص( أصلول الرسخيس،حمملد بلن أمحلد بلن أيب سلهل الرسخليس أبلو بكلر، دار املعرفلة،

بريوت،�/��8.)3( بدائلع الصنائلع يف ترتيب الرشائع، عاء الدين الكاسلاين، دار الكتلاب العريب، بريوت،

.���/6 ،�98�)4( املبسوط، شمس الدين الرسخيس، دار املعرفة، بريوت، �406، ��/��4.

Page 73: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�3

ورائهلا، إذ كيلف له أن يوفر هذه النسلبة ملن دون أن جيري أي نشلاط زراعي أو

جتاري أو صناعي عىل أصل هذا املبلغ املقرتض؟.

فكلون فكلرة أن امللرف يتلرف بالوديعة ويقرضهلا ألنلاس آخرين كل

ذللك يؤيد أهنا قرض، فاالسلم ال يغري وال يبدل من احلكم شليئا. وإال إذ قلنا إن

املقرتض جيوز له أخذ القرض حتت اسم الوديعة، أو حتت أي اسم آخر، فإن ذلك

الترف سليفتح الباب عىل مراعيه للمرابني للتحايل بالتعامل بالربا فيدفعون

إىل غريهلم األملوال حتلت سلتار الوديعلة، وبذللك ال يكلون هنلاك ربلا مطلقا،

وهلذا حمال، وقد أوضح ابلن القيم ذلك بقوله:)إن االعتبلار يف العقود واألفعال

بحقائقها،ومقاصدها، دون ظواهر ألفاظها، وأفعاهلا()�(وأضاف: )بأن من مل يراع

املقصلود يف العقود، وجرى عىل ظواهرها يلزمه أن ال يلعن العارص، وأن جيوز له

عر العنب لكل أحد، وإن ظهر له أن قصده اخلمر()�(.

ــاس أنه عقد ــة ختريج عقد الوديعة املصرفية البنكية على أس املطلب الثالث: مناقش

أمانة )وديعة عادية(، أو عقد إجارة، أو عقد قرض:

يتبلني لنا من الوهللة األوىل صعوبة حر مفهوم الوديعلة املرفية باألمانة،

ها كاملة ألن األمانلة كلام هو معلوم ال جيوز التلرف فيها إطاقا، وإنام جيلب رد

بعينها وصفتها، األمر الذي يتعذر تنزيله يف العمل املريف عىل الوديعة املرفية،

)�( إعلام املوقعني عن رب العاملني، أبو عبد اهلل شلمس الدين حمملد الزرعي املعروف بابن قيم اجلوزية، حتقيق طه عبد الرؤوف، دار اجليل،�973، بريوت،9�/3.

)�( املصدر نفسه 9�/3.

Page 74: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�4

إذ تلتلزم البنوك واملصارف برد القيمة النقديلة للعميل عند الطلب، ولكن هذا ال

يعني أهنا ال تترف بام جتمع لدهيا من أموال، ألن املؤسسة املالية عموما إسامية

كانت أو تقليدية ليست غايتها من تلقي أموال العماء هو املحافظة عليها وردها

بعينها، وإنام استعامهلا عىل أساس إرجاع مثلها)�(. عىل أن هذا األمر ممكن أن يتحقق

فيام لو اشلرتط صاحب املال عدم الترف بامله أو اشلرتط اسلتخدامه لصاحله يف

عملله حلرا، وقبل امللرف بذلك)�(. وبلام أن القيمة املسلتخدمة يف تعامات

املصارف والبنوك عموما هي النقود التي تتسلم بثبات القيمة، مما يعني أن إرجاع

مثلها ال يقلل من قيمتها شيئا، عىل عكس األموال السلعية التي ختتلف قيمتها تبعا

لوصفها ووزهنا وجودهتا وما إىل ذلك، هلذا يكون ختريج الوديعة املرفية البنكية

عىل أساس أهنا أمانة بعيد، واهلل أعلم.

بينلام نلرى أن األمر خيتلف ملع ختريج عقد الوديعة املرفيلة البنكية مع عقد

القلرض، باعتبلار أن عقد القلرض يمثل انتقلال ملكية حمل القلرض للمقرتض،

اللذي يلتلزم بلرد مثلله ال عينه، زيادة علىل أنه ضامن له، سلواء حافلظ عليه أو مل

حيافظ، ولكن هذا ال يعني أن الوديعة النقدية تكون قرضا إال إذا كانت املؤسسلة

املالية مأذونة يف اسلتعامل اليشء املودع من قبل املودع )3(. وهذا هو الرأي الغالب

)�( الوسليط، د. عبد الرزاق السنهوري، منشلورات احللبي احلقوقية،بريوت، الطبعة الثالثة، �998م، �/7�4.

)�( عمليات البنوك من الوجهة القانونية، موسوعة الفقه والقضاء، مجال الدين عوض، الدار العربية للموسوعات رقم ��8، ��98م، ص39.

)3( املصدر نفسه، ص36.

Page 75: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

يف معظلم الودائلع النقديلة)�(، إال أنله ليس حمل اتفلاق بني املعارصيلن فهناك من

يلرى أن الوديعلة قرض، وهناك من يلرى أهنا أمانة كام بينا، وهنلاك من يرى بأهنا

إجارة كام سيأيت.

أملا بالنسلبة لتخريلج الوديعة املرفية البنكية عىل أسلاس اإلجلارة فمعظم

الذيلن خيرجوهنا عىل هذا األسلاس ينطلقون ملن الفكرة السلائدة حول األموال

التلي تتلقاها املصارف والبنوك عىل أهنا ودائع، بدليل أن أصحاهبا حني قدموا هبا

إىل املصلارف والبنوك، مل يكن يف نيتهم إقراضهلا. وهذه الفكرة تتيح أخذ الفوائد

عنهلا يف البنوك التقليدية، باعتبارها مقابا السلتخدام البنوك هلا، فتكون الفائدة

أجرة الستخدامها وليس إلقراضها )�(، بينام عقد اإلجارة يرتتب عليه عدم انتقال

امللكية إىل املسلتأجر، الذي له حق االنتفاع بمحل اإلجارة فقط، مقابل مقدار من

امللال يتفق عليه ملع املؤجر. يذكر أن الفقهاء قد اشلرتطوا رشوطا لإلجارة، تكاد

تكون مجيعها ال ترسي عىل عقود الوديعة املرفية البنكية ألهنا تقع عىل ما يمكن

االنتفلاع بله، مع دوامه واسلتمراره، أما ما ال يضملن فيه البقاء كالغلذاء والدواء

أو النقود التي ال يمكن اسلتعامهلا إال باسلتهاكها )بيلع املنافع( فا جتوز اإلجارة

فيها، واملستأجر ضامن للعني املؤجرة، إذا قر يف احلفاظ عليها، كام أنه ال يمكن

)�( احلكم الفقهي للمسلائل الواردة يف احلوار الذي دار حول كتاب )نحو اقتصاد إسلامي( جملة أبحاث االقتصاد اإلسامي، العدد �، �984، ص��4.

)�( حكم ودائع البنوك وشهادات االستثامر يف الفقه اإلسامي، عي أمحد السالوس، مؤسسة روز اليوسف، شعبان ��40هل، ص7.

Page 76: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

إجبلار املسلتأجر عىل إرجلاع الوديعة متى طلبهلا صاحبها منله. والواقع أن هذه

األحلكام ال تنطبلق علىل الوديعة املرفيلة والبنكية، التي ختلرج بذلك عن نطاق

عقد اإلجارة، ألهنا تدور أساسا عىل أموال ال تستعمل إال باستهاكها، وتضمنها

البنلوك يف مجيع األحلوال. وإذا كانت ودائع ألجل، ال جيرب البنك أو املرف عىل

إرجاعهلا ألصحاهبا، قبل حلولله. وإذا كانت مقرونة بإخطاره من أجل سلحبه،

وجلب احرتام مدة اإلخطلار، واإلجلراءات املتعلقة هبا، وحتلى إذا كانت ودائع

حتت الطلب ترد بمجرد طلبها، فإهنا خترج من أحكام اإلجارة أيضا ألن البنك ال

يردها بعينها وإنام يرد مثلها ليس غري)�( .

والواقلع يبني أن هذا األملر عىل خاف ما جيري به العملل املريف والبنكي

اليوم يف شلأن الوديعة، إذ تتعامل املؤسسلات املالية وكأهنلا متلكت املبالغ التي يف

ذمتهلا، فراحلت تتلرف فيها عىل وفلق الرؤية التلي تراها واإلسلرتاتيجية التي

مت هلذه البنوك واملصارف ترسلمها من أجل االسلتفادة من إيراداهتا، سلواء قد

للمودعني فيها مقابا عن إيداعاهتم أو مل تقدم .

املطلب الرابع: نظرة إىل أنواع الودائع يف املصارف اإلسالمية وحساباتها:

دأبلت املصلارف اإلسلامية منلذ نشلأهتا يف الرتكيز علىل موضلوع االدخار

وحماوللة اجتذابه بطرق شلتى من مجهلور املتعاملني معها، وهلي ال تام عىل هذا

)�( البنوك اإلسلامية التجربة بني الفقه والقانون والتطبيق، عائشة الرشقاوي املالقي،الطبعة األوىل،�000املركز الثقايف العريب، الدار البيضاء، اململكة املغربية، ص��8.

Page 77: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

اإلجلراء إطاقلا باعتبار أن هلذا األمر حياكي عملل البنوك التقليديلة، وإنام جيب

الثنلاء عليها مللا قدمته من توظيف لألموال بطريقة رشعيلة يف الوقت الذي كانت

فيله هذه األموال بيلد أصحاهبا معطلة متام التعطيل عن أي اسلتثامر، أما عن زعم

حماكاهتلا للبنلوك التقليديلة بدخوهلا منافسلا واتباعهلا طرقا مشلاهبة هلا يف جذب

املدخلرات، فلإن من يردد هذه املزاعم يتناسلى امليزة الفارقة بني كلتا املؤسسلتني،

أال وهي مسلألة اسلتبعاد التعاملل بالفائدة، هذه النقطة اجلوهريلة التي متثل فارقا

أساسيا للموضوع إذ ال تعطي املصارف واملؤسسات املالية اإلسامية للمدخرين

فوائلد ثابتة، فقد تقدم هلم أرباحا ناجتة عن إسلهام أمواهلم يف متويل االسلتثامرات

التي تقدم عليها، أو ال تقدم شليئا نتيجة خلسلارهتا، بخاف البنوك التقليدية مجلة

وتفصيا، حيث تتفق مع املتعاملني معها منذ البداية عىل سعر فائدة ثابت مقدما،

تكلون ملزمة بدفعه هللم أمام القانون، وتتحمل كافة التبعات القانونية املرتتبة عىل

عدم الوفاء بالتزاماهتا معهم بغض النظر عن الربح واخلسارة، األمر الذي يبعدها

علن الدخول يف املشلاريع التنموية التي تعود بالنفع علىل األفراد واملجتمع ككل،

واالكتفلاء بتجارة الديلون، وتقديم القروض، وبقية املعاملات املرفية القائمة

عىل األسلاس الربوي مجللة وتفصيا، حتى تتمكن من حتقيلق الفائدة املرجوة هلا

كمؤسسة وللمتعاملني معها، خافا للمؤسسات واملصارف اإلسامية التي تسهم

إسلهاما حقيقيا يف التنمية املجتمعية من خال متويل املشلاريع واملؤسسلات ذات

اجلدوى االقتصادية املدروسة مسبقا، وال خيفى هذا الفارق بني كا األمرين.

Page 78: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

ومن أجل بيان أنواع الودائع يف املؤسسات املالية بشكل عام، ال بد من اإلشارة

إىل موارد املؤسسلات املالية عموما، إذ تتكون من رؤوس أمواهلا املسلامهة، ومن

الودائلع التي تتجملع لدهيا وتكون علادة إما حتت الطلب أو يف حسلابات جارية

تسلحب يف أي وقت يشلاء فيها العميل من دون سلابق إنذار، أو حسابات ألجل

وهي التي تودع يف املصارف والبنوك لفرتات طويلة قد تزيد عىل سنة أو تقل عنها

حسب االتفاق املربم مسبقا، بحيث ال يستطيع العميل سحبها قبل حلول أجلها،

وتدخل يف حسلاب ادخلاري، مع وجود التفويض من قبلل العميل للمرف يف

توظيفها. كذللك من موارد البنوك واملصارف الودائع االسلتثامرية املعدة لغرض

االسلتثامر أصا، أو ودائع توفري، زيادة إىل القلروض التي قد حتصل عليها وقت

األزمات من احلكومة أو املرف املركزي أو بعض البنوك، فجميع هذه األرصدة

تدمج يف أوعية استثامرية من أجل تنميتها واستثامرها يف مشاريع عقارية أو صناعية

أو جتاريلة أو زراعية وغريها من األنشلطة األخرى، ملع احتفاظها بجزء من هذه

األملوال لضامن التزاماهتلا مع املودعني)�( . وأضافت املصارف اإلسلامية ودائع

املضاربة واملشاركة إليها.

و من اجلدير بالذكر أن الودائع تعد أهم مورد املصارف والبنوك، سواء كانت

عائدة لألشلخاص الطبيعيني أو املعنويني، وسلواء كانت عىل شكل سيولة نقدية،

أو أوراق جتارية مسحوبة لصاحلها )�(.

)�( عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مجال الدين عوض، ص �7.)�( النقود والبنوك، حممد عزيز، مطبعة املعارف، بغداد، الطبعة الثانية، �986، ص3�3.

Page 79: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

املطلب اخلامس: أنواع الودائع )احلسابات( يف املؤسسات املالية:

تتنلوع الودائلع يف املؤسسلات املاليلة إىل ثاثلة أنلواع رئيسلة، ونقسلمها إىل

الفروع اآلتية:

الف�رع األول: الودائلع أو احلسلابات حتلت الطللب، أو الودائلع اجلارية، أو

احلساب اجلاري.

الفرع الثاين: الودائع أو احلسابات االستثامرية.

الفرع الثالث: الودائع أو احلسابات االدخارية.

ولبيان كل فرع من هذه الفروع نفصل التفصيل اآليت:

الف�رع األول: الودائ�ع حتت الطل�ب ويطلق عليها كذل�ك الودائع اجلارية أو

احلساب اجلاري)�(.

- أوال: مفهلوم الودائلع )احلسلابات( حتلت الطللب أو الودائلع اجلاريلة أو

احلسابات اجلارية.

والودائلع حتلت الطللب كلام عرفتهلا املوسلوعة العلميلة والعمليلة للبنلوك

اإلسلامية: )هلي التعامل املخصوص بلني البنك والعميل، نتيجلة إيداع العميل

)�( احلسلاب اجللاري كلام عرفتله املوسلوعة العلميلة والعملية للبنلوك اإلسلامية: هو عقد بلني امللرف والعميل تتحلول بموجبه احلقلوق النقديلة إىل عنارص حسلابية، ينتج عن تسلويتها- إيداعا وسلحبا- رصيد دائن لصاللح العميل، يكون مسلتحق األداء يف هناية املدة املتفق عليها، أو هناية العمل اليومي أو فورا، فهذا احلسلاب جيري يف حركة مستمرة ما بني الزيادة والنقصان، وفقا ملا يطرأ عليه من قيود تغري حالته. ينظر: املوسوعة العلمية

والعملية للبنوك اإلسامية ص��3.

Page 80: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�0

مبلغلا ملن املال يف خزانة البنلك أو فتح اعتامد من البنك بمبلغ معني يسلحب منه

تباعلا بمجرد الطلب()�(. وتسلمى هذه العملية أيضا عنلد املرفيني بل )الودائع

حتلت الطلب( وذلك ألهنا مرهونة بطلب صاحبها هلا يف أي وقت يشلاء من دون

قيد أو رشط. وعند بعضهم اآلخر تسلمى كذلك بل )الودائع الناقصة( ألن البنك

علادة يكلون غلري ملزم بدفعهلا عند الطللب بنفس املظهلر املادي اللذي أودعت

فيله)�(. ألن العماء ال يسلتطيعون رفض ما يقدم إليهم ملن النقود ما دامت هذه

النقود قانونية)3(.

ومتثل هذه العملية رأس صدارة املعامات املرفية يف كل املؤسسلات املالية

تقليدية كانت أو إسامية، إذ يمتاز هذا النوع من الودائع بميزتني مهمتني:

األوىل: سهولة األداء بواسطتها عن طريق )الشيكات(.

الثانية: يكون البنك ملتزما بسدادها عند الطلب.

)�( املوسوعة العلمية والعملية للبنوك اإلسامية �/��7 )�( وهلذا يف حلد ذاته ال إشلكال فيله عىل أرض الواقلع مادامت أن قيمة النقلد مل تتأثر، مثال ذللك: أن شلخصا أودع )�000( أللف درهم من الفئة الورقيلة التي حتمل قيمة األلف درهم الواحدة، أو ورقتني من الفئة ذات اخلمسامئة درهم، أو عرش ورقات من الفئة ذات املائلة درهلم، أو عرشين ورقة من الفئة الورقية ذات اخلمسلني درمها، وهكذا فإن القيمة ثابتلة يف كل األحلوال، وعليه فا أرى أن هناك ثمة إشلكاال حقيقيلا يف املوضوع إال إذا كانلت العملية يف بللد فقد النقد فيه قيمته، بحيث أمهل التعاملل بالعمات ذات الفئات

الصغرية يف السوق، فهذا بحث آخر.)3( عمليلات البنلوك من الوجهلة القانونية، عي مجلال الدين عوض، دار النهضلة، القاهرة،

�969م، ص�0.

Page 81: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�1

وبنلاء عىل هذا فلإن األفراد واملؤسسلات حيتفظون بأرصلدة نقدية يف صورة

ودائع جارية لدى املصارف والبنوك، بقصد استعامهلا كأداة لتسوية االلتزامات عن

طريق التعامل بالشليكات، فضا عن أنه يضلاف إىل ذلك كله ما تقدمه لعمائها

ملن خدملات متنوعة، وما يشلعر بله أصحاب األعلامل من اطمئنان عىل سلامة

أمواهللم أوال، وثانيلا إىل إمكانية تزويد املرف أو البنك لعمائه بام حيتاجونه من

مبالغ مودعة فيه وقت احلاجة بأرصدهتم النقدية السائلة )�(.

ويلزداد اإلقبلال عىل هلذا النوع ملن املعاملات املرفية اليوم بعلد أن أخذ

التطلور امللريف اإللكرتوين الرقمي بالتوسلع واالنتشلار بشلكل رهيب، بحيث

يسلتطيع أصحاب احلسلابات اجلارية القيام بعملية السلحب النقدي ملا حيتاجونه

من أموال سلائلة يف أغللب مدن العامل، فضا عن إمكانية الرشاء والتسلوق أيضا

باستخدام هذا احلساب اجلاري عرب وسائل الراف اآليل، التي أخذت باالنتشار

يف أغلب مدن العامل، ورغم ما حتمله هذه الوسيلة من فتح شهية صاحب احلساب

اجلاري للتسلوق واالسلتهاك يف أي وقت شلاء وما يف ذلك من سلبية، فا خيفى

اجلانب اإلجيايب أيضا املتمثل بإمكانية حفظ النقود وجتنب عبء املخاطرة بحملها

يف كل ملكان، فضلا عن أمور أخرى ال جمال لذكرهلا، ولكن ما يؤكد نجاح هذه

العمليلة املرفية أهنا حتتلل مكانة الصدارة عند املتعاملني علىل بقية أنواع الودائع

األخرى يف املؤسسات املالية عموما كام أرشنا.

)�( مقدمة يف النقود والبنوك، حممد زكي شافعي، مكتبة النهضة املرية، القاهرة، ص�96

Page 82: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�2

وملن صفات هذه املعامللة أن املصارف والبنوك ال تقلدم أي عائد لعمائها

نظريها، بل قد حتصل املصارف والبنوك من عمائها عىل بعض الرسوم مقابل خدمة

أصحاهبا، مثل نفقات احلفظ واملحاسبة واملكاملات اهلاتفية والطوابع الربيدية)�(.

وسلبق أن أرشنلا إىل أن هلذه احلسلابات )الودائلع( تتسلاوى يف املصلارف

اإلسلامية والبنلوك التقليديلة، من حيث إبلرام عقد اإليلداع، وشلكله، وكيفية

السلحب، والضلامن الكامل ملبالغها بقيمتها االسلمية، مع وجلود فارق جوهري

وأسلايس يف املوضلوع يتمثلل بكون املصارف اإلسلامية ال تعطلي وال تقدم أي

فوائلد، فتكلون مبدئيا من دون دخل، بمعنى علدم حصول أصحاهبا عىل أي ربح

ملن األرباح املتحققلة للبنك، و بدورهم فإن أصحاب هلذه الودائع ال يتحملون

شليئا من أي خسلارة قد حتدث للمرف، وهذه العملية بحد ذاهتا، املتمثلة بعدم

حصول املودعني عىل أي عائد من جرائها، يراها البعض إجيابية إىل حد ما، باعتبار

أن هلذه املعاملة خالية من احلوافز التي حتفز املتعاملني عىل التواصل الدائم معها،

مملا يدفع بأصحاهبلا إىل التخي عنها، واالجتلاه نحو الودائع االسلتثامرية، وودائع

املضاربلة ملن أجل حتقيق تنميلة حقيقية، وقد ذهب إىل هذا القلول الدكتور حممد

عمر شلابرا يف بحثه )النظام النقدي واملريف يف اقتصاد إسلامي( باعتبار أن هذا

اإلجلراء يصب يف حتقيق أهداف االقتصاد اإلسلامي املتمثل يف تقليص االعتامد

عىل القروض كوسيلة للتمويل)�(.

)�( قرارات مؤمتر املرف اإلسامي �979م، ص4، واملوسوعة العلمية �/��6.)�( النظام النقدي واملريف يف اقتصاد إسامي، د.حممد عمر شابرا، جملة االقتصاد اإلسامي،

العدد�، �404هل-�984م، ص��.

Page 83: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�3

وتذهلب الدكتلورة عائشلة الرشقلاوي املالقلي يف كتاهبا )البنوك اإلسلامية

التجربلة بني الفقه والقانون والتطبيق( إىل أن هذا اإلجراء املتمثل بعدم قبول هذه

احلسلابات )الودائع( عىل أساس املشاركة بالربح واخلسارة بأهنا تصيب أصحاهبا

بنوع من الظلم، ألن البنوك واملصارف اإلسامية ال حتتفظ هبا جممدة، وإنام تستغلها

وتأخلذ نتاجهلا لنفسلها،واحتكار هذا الناتج ملن طرفها، يناقض فكرة املشلاركة

التلي يقوم عليها العمل املريف اإلسلامي )أساسلا( ما دام املودعون يسلرتدون

يف الواقلع أمواهللم برف النظر علن تقلص قوهتا الرشائية، وهلو ما يمكن جربه

بإرشاكهلم يف األربلاح التي تتحقلق هلذه البنوك ملن اسلتغاهلا)�(. ويف هذا نظر:

ألن هذه املعاملة يراد منها حفظ وتداول السليولة النقدية ألغراض معلومة رغبة

من العميل بإبعادها عن خماطر اخلسلارة والربح، وللو رغب بذلك فإن هناك ثمة

معاملات أخرى يمكن أن يسلتثمر ماله من خاهللا، وأن صاحب الوديعة ريض

اسلتخدامها من قبل املرف، وهو يعلم مسلبقا بترف املرف بأمواله، مقابل

حفظها له وتقديمها له أي وقت يطلبها من دون مقابل.

- ثاني�ا: حقيقلة معامللة احلسلابات )الودائلع( حتلت الطللب يف املصلارف

اإلسامية والبنوك التقليدية.

بعد أن بليلنلا أن هذه احلسلابات )الودائع( تتسلاوى يف املصارف اإلسامية

والبنلوك التقليديلة، ملن حيث إبلرام عقلد اإليداع، وشلكله، وكيفية السلحب،

)�(البنلوك اإلسلامية التجربلة بني الفقله والقانون والتطبيق، د. عائشلة الرشقلاوي املالقي، املركز الثقايف العريب، الرباط، ص�30.

Page 84: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�4

والضامن الكامل ملبالغها بقيمتها االسلمية، مع وجود فارق جوهري وأسلايس يف

املوضلوع، يتمثل بكلون املصارف اإلسلامية ال تعطي وال تقلدم أي فوائد، عىل

عكلس البنلوك التقليدية التي تقلدم الفائدة املقطوعلة الثابتة مقابلهلا، فإن بعض

املصلارف واملؤسسلات املالية اإلسلامية دأبت علىل تقديم منلح ومكافآت مالية

تشلجيعية ألصحاهبا يف حماولة جلذب أكرب قدر ممكن من هذه الودائع، باعتبار أن

املؤسسة املالية كلام كانت هلا سيولة مالية أكرب استطاعت أن تستثمرها أكثر وتنمي

أرباحها بشكل أوسع. والواقع أن قضية هذه التشجيعات واملكافآت املالية بحاجة

إىل وقفة، إذ تعد مسلألة حساسلة ملا هلا من تشلابه بينها وبني تقديم الفائدة الثابتة،

وإن كان بعلض الباحثلني ومنهلم الدكتور مجال الدين عطية قلد رأى أن الضابط

للخلروج ملن هذه الشلبه هلو التفريق بني نوعني ملن احلسلابات )الودائع( حتت

الطللب أو اجلارية، بحيث يكون النوع األول منها مضمونا وخاليا من املكافآت،

والثاين يكون مشاركا مما يعني أنه غري مضمون، أي يتحمل الربح واخلسارة )�(.

- ثالثا: اإلطار الرشعي لعملية احلسابات )الودائع( حتت الطلب أو احلساب

اجلاري.

اختللف الباحثون املعارصون يف حتديد نوع العقد الرشعي الذي تنطوي حتته

هذه العملية املرفية عىل قولني:

)�( البنوك اإلسامية بني احلرية والتنظيم والتقييد واالجتهاد والنظرية والتطبيق، مجال الدين عطيلة، كتاب األمة، العلدد�3، مطابع الدوحة احلديثة، قطلر، الطبعة األوىل، �986م،

ص88

Page 85: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

القلول األول: أن عمليلة اإليلداع التلي يلودع العميلل من خاهللا أمواله يف

املرف ضمن احلسلابات )الودائع( حتت الطلب أو احلسلاب اجلاري أو الودائع

اجلاريلة، ال يدخل يف حكم الوديعة يف املعنى الفقهي، ألن املرف خيلطها بغريها

ويتلرف فيهلا، ومن هنا فإهنلا تفقد صفة الوديعلة ألن املودع يتلرف هبا وهو

ضامن هلا، وما دام املرف يسلتعملها فإن يده عليها يد مالك، جاء يف املوسلوعة

العلميلة والعملية: إن يد البنك علىل الوديعة يد ضامن، ألن الوديعة حتت الطلب

خيلطها البنك بغريها ويستثمر اجلزء األكرب منها، ومن أحكام اإلسام يف الوديعة

)ليلس للوديع أن ينتفع بالوديعلة أي انتفاع، فإذا انتفع كان معتديلا بانتفاعه، فإذا

تلفلت ضمنها، وإذا أذن له املودع باالنتفاع صلارت عارية، وإذا انتفع هبا مع بقاء

عينها صارت قرضا إذا كانت نقودا ألن النقود ال تعار الستهاكها عند االنتفاع،

والقرض مضمون برد املثل()�( .

وإنام تأخذ يف عرف الرشع حكم القرض، وجيري عليها ما جيري عىل القرض

ورد الضامن، والقرض جائز رشعا برشط أن ال يوجد فيه نفع بشكل من األشكال.

فإذا كان كذلك فهو قرض حسن بني املودعني واملرف، وإذا كان بوجود الفوائد

كان قرضلا ربويا حمرما، وإىل هذا ذهب أغللب الباحثني املعارصين الذين بحثوا

املسلألة، إال أن األسلتاذ الدكتور عي السالوس قد ذهب إىل أبعد من ذلك إذ بني:

)أن حسلابات هذا النوع من الودائع تبقى مشلبوهة، وال يمكن اجلزم بأهنا جائزة

)�( املوسوعة العلمية والعملية للبنوك اإلسامية،�/�46.

Page 86: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

رشعا بشلكل مطلق، باعتبار أن القرض احلسلن إذا كان عونا عىل ارتكاب احلرام

فهلو حرام، وملن املعللوم أن البنك الربلوي تاجر ديلون مراب، فمعظم نشلاطه

يقع يف دائرة احلرام، وأرصدة احلسلابات اجلارية يسلتعني هبلا يف اإلقراض بالربا،

وغلري ذلك من األعامل املحرمة، غري أن املسللم عندما ال جيلد إال البنوك الربوية،

قلد تدفعله اللرضورة إىل التعامل معهلا، وال حلرج يف هذا ما داملت الرضورات

تبيح املحظورات()�( .

القلول الثلاين: ذهب بعض الباحثلني إىل أنه ينطبق عىل احلسلابات )الودائع(

اجلاريلة حكلم الوديعلة بالرشيعلة اإلسلامية، ألن امللرف ضامن هللا، وملتزم

بردها. وهذا التخريج سوف يساعد عىل إخضاع بعض العمليات املرفية املهمة

ألحلكام الرشيعلة وقواعدها، ملصلحة العميلل ألن ختريج هذا احلسلاب عىل أنه

قرض فيه خماطرة بامله وتعريضه للضياع يف حال إفاس املرف ألي سبب كان،

ألنله عد العميل مقرضا للملرف فإنه يدخل بحصته منافسلا للغرماء اآلخرين

ملن أصحلاب القروض وغريهم، بخاف ملا لو عد هذا احلسلاب وديعة حقيقة

فإنله يف مثل هلذه احلال يكون له احلق بأخذ وديعتله أوال، باعتبارها أمانة من غري

أن يدخلل منافسلا بحصته مع غرملاء املرف اآلخرين، األمر اللذي مل يلجأ إليه

العميل أصا، حلاجته حلفظ املال والترف فيه وقت ما يشلاء، وهذا ما يتعارض

مع ختريج القرض.

)�( معاملات البنوك احلديثة يف ضوء اإلسلام، سلسللة معاماتنا املعلارصة، أ.د. عي أمحد السالوس، رقم �، دار احلرمني، الدوحة، قطر، الطبعة األوىل، �983م، ص49.

Page 87: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

الفرع الثاين: الودائع )احلسابات( االستثامرية:

- أوال: مفهوم الودائع)احلسابات( االستثامرية.

بعلد أن عرفنلا كلمة ودائع أو حسلابات، نعرج أوال عىل مصطلح االسلتثامر

قبل الرشوع ببيان املفهوم الشامل للودائع االستثامرية .

ء: إذا تولد منله يشء آخر، يقال: االسلتثامر يف اللغلة: من )ثملر(، وثمر اليش

ر الرجل ماله: أحسلن لر اهلل ماللك أي كثره، وأثمر الرجل أي كثر ماله)�(، وثم ثم

لد منه، وعىل هذا فإن االسلتثامر هو: ء: هو ما يتول القيلام عليله ونامه، وثملر اليش

طلب احلصول عىل الثمرة . والفقهاء يسلتعملون هلذا اللفظ هبذا املعنى أيضا)�(.

وهو يشمل كل أنواع الكسب املادي، وقد ورد الكسب يف القران الكريم مصاحبا

لللامل بقولله تعلاىل: ﴿ک ک ک ک گ گ﴾)3(، وكذلك فقد ورد

بالسلنة النبوية املطهرة قول النبي ملسو هيلع هللا ىلص: )ال تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسلأل

علن أربع خصال: عن عمره فيام أفناه؟ وعن شلبابه فيام أبلاه؟ وعن ماله من أين

اكتسبه وفيام أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟«)4(.

واالسلتثامر من األعامل املرشوعة التي أقرها اإلسام وحث عليها برشط أن

تكون أسس االستثامر مرشوعة.

)�( لسان العرب، �07/4.)�( املوسوعة الفقهية، �8�/3.

)3( سورة املسد، اآلية � )4( رواه الطرباين يف املعجم الكبري عن معاذ بن جبل ريض اهلل عنه، برقم �6�33.

Page 88: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

وقد اسلتعمل لفظ االسلتثامر بمعنى أوسع يف عرنا ليشمل خمتلف جوانب

احلياة، وما يتعلق ببحثنا ها هنا هو االستثامر املريف، )الذي يعني توظيف املرف

جللزء ملن أمواله اخلاصة به أو املودعلة لديه يف العمليات االسلتثامرية كالتوظيف

يف أسلهم اللرشكات املسلامهة الصناعية والتجارية أو االشلرتاك يف تأسليس هذه

الرشكات واالكتتاب يف جزء من رأسامهلا()�( .

وهلذا النوع من الودائع خيتلف عن الودائع حتت الطلب، باعتبار أن العميل

ال يسلتطيع املطالبلة بسلحب ما أودعه أو جزء منه فور طلبله، وإنام يتم ذلك عند

حلول األجل املتفق عليه سلفا بينه وبني املرف، الذي ينتفع بدوره بتلك الودائع

مع مشلاركة العميل للمرف فيام يقوم به من متويل واسلتثامر، ويمثل هذا النوع

من الودائع )احلسلابات( يف رأي بعض الباحثني ملوردا مهام من موارد املصارف

اإلسلامية، التي تضعه بدوره يف حسلابات مشلرتكة، عىل أساس أن تشارك كلها

يف أربلاح البنك عن السلنة املالية الواحدة، ويف خماطر االسلتثامرات التي يقوم هبا

بطرقه اخلاصة.

إذن فهلذه العمليلة هلي التلي هيلدف أصحاهبلا إىل املشلاركة يف العمليلات

االسلتثامرية التلي يقوم املرف اإلسلامي من أجلل احلصول عىل عائلد عليها،

ويكون املرف كنائب ووكيل عن املودعني بعد أن يكون قد أخذ املوافقة املسبقة

منهم عن طريق وضع نص هبذا املعنى يف الطلب املقدم منهم لفتح حساب االستثامر

)�( الوديعة يف الفقه اإلسلامي، منري محود الكبييس، رسالة دكتوراه، كلية العلوم اإلسامية، جامعة بغداد، �999م،ص60.

Page 89: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

املشلرتك، ومن املاحظ يف إبرام مثل هذه العقود أن املرف هو الذي ينفرد دائام

بتحديد رشوط هذا العقد مقدما، وذلك يف اسلتامرات مطبوعة و معدة مسبقا، بام

يعني بأنه ليس للعميل احلق يف مناقشلتها)�(. وعليه إما القبول بالصيغة التي أمامه

كامللة من دون تعديلل أو رفضها، وعند املوافقة من جانلب العميل بالتوقيع عىل

العقلد بينهام، يكون للمرف احلرية الكامللة يف الترف باألموال املودعة لديه،

كلام له احلق يف اسلتعامهلا بأعاملله املرفية األخرى من إقلراض للعماء وغريها.

وبنلاء علىل هذا فإن املرف غري ملزم برد الوديعة نفسلها، وإنلام يكون ملزما برد

قيمتهلا العددية من الوجهة القانونية من حيلث القيمة اإلمجالية، أي ال يلتفت إىل

شكل العملة وفئتها التي أودع هبا)�(.

- ثانيا: حقيقة معاملة الودائع )احلسابات(االستثامرية يف املصارف اإلسامية

والبنوك التقليدية.

تتشلابه الودائع االستثامرية يف املصارف اإلسلامية وإىل حد كبري مع الودائع

ألجلل عنلد البنوك التقليديلة، من حيث علدم املطالبة من قبلل أصحاهبا إال عند

حللول األجل املتفلق عليه مع البنك الذي ينتفع ويسلتفيد منها طيلة املدة املودعة

لديه يف توظيفاته وخدماته)3(. واملعروف أنه مهام كان الغرض من الودائع ألجل،

)�( الوديعة يف الفقه اإلسامي، منري محود الكبييس، ص60.)�( ينظر املثال يف الصفحات السابقة.

)3( هل تؤدي أسلاليب التمويل اإلسلامي إىل التوسع النقدي، حممد نجاة اهلل صديقي، جملة االقتصاد اإلسامي، العدد �9مايو �989م، ص �4.

Page 90: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�0

سلواء كان ملن أجل االدخلار أو لتخصيصها يف زمن معني لتوظيف أو اسلتعامل

ما، أو ملواجهة ما قد حيدث ألصحاهبا من مشلاكل فيام بعد، فإن أمهيتها من حيث

حجمهلا أقلل من الودائع حتلت الطلب)�(. ورغلم ذلك فإن بعضا ملن الباحثني،

منهم الدكتور عي السلالوس)�( يرون أن هلا دورا أساسليا يف البنوك التقليدية، إذ

ل هبا اإلقراض الذي متنحه ملختلف االسلتثامرات، بدليل املنافسلة التي يعرفها متو

الواقع العمي بني البنوك الجتذاهبا وألطول فرتة ممكنة، مستخدمة يف ذلك نسب

الفوائد التي تعطيها عنها.

وملن ميلزات هذه الودائع، أهنا قلد تكون مقرونة بإخطار من أجل سلحبها،

وقد ال تكون، ويف احلال األوىل، ال يسلددها البنك إال بعد إخباره بالسلحب طبقا

مللدة معينة يتفلق عليها مع املودع عند اإليداع . ويقلدم البنك عليها فوائد، تكون

أحيانا عالية، مقابل انتفاعه هبا عن طريق إقراضها للمستثمرين بفوائد أعىل)3(.

وختتللف هلذه الودائلع )احلسلابات( االسلتثامرية يف املصلارف اإلسلامية

علن الودائلع ألجلل يف البنلوك التقليديلة، يف أن العائلد اللذي تعطيله املصارف

اإلسلامية يتحلدد تبعلا لنتائلج املرشوعلات التي اسلتخدم فيها امللرف أموال

الودائع ضمن الفرتات املتفق عليها، بينام البنوك التقليدية تقدم فوائد بنسلب ثابتة

مقطوعة مقدما.

)�( البنوك اإلسامية التجربة بني الفقه والقانون والتطبيق، عائشة املالقي، ص��3.)�( معامات البنوك احلديثة، د.عي السالوس �6.

)3( النظام املريف اإلسامي، حممد أمحد رساج، دار الثقافة، القاهرة، �989م، ص90.

Page 91: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�1

ويشلرتط يف الودائع االسلتثامرية رضورة توفر عنرين لكي تصبح الوديعة

استثامرية باملعنى املتعارف عليه، ومها:

�- عنر الزمن: ويعني اشلرتاط أن تبقى الوديعة االسلتثامرية لفرتة ال تقل

عن ستة أشهر .

�- عنر املبلغ: وهو اشرتاط أن ال يقل حجم الوديعة االستثامرية عن مبلغ

معني لكل عملة من العمات املكونة للسيولة النقدية داخل املرف.

وبتوفلر هذيلن الرشطني يتاح للملرف إمكانية التحكم بالسليولة النقدية،

وكذلك العمل عىل ثبات حجم االستثامرات واستقرارها بالنسبة له )�(.

- ثالثا: أنواع الودائع )احلسابات( االستثامرية يف املصارف اإلسامية.

تتنوع الودائع االستثامرية يف املؤسسات واملصارف اإلسامية إىل:

اإليلداع كذللك عليهلا ويطللق العاملة)�(، االسلتثامرية الودائلع -�

مع التفويض)3(.

�- والودائلع االسلتثامرية املخصصلة، و يطللق عليهلا كذللك اإليلداع من

دون تفويض.

)�( املوسوعة العلمية والعملية للبنوك اإلسامية،�/��7.)�( البنلوك اإلسلامية التجربلة بني الفقه والقانلون والتطبيق، د.عائشلة املالقي، ص �39-

.�4�)3( موقلف الرشيعة اإلسلامية من املصارف اإلسلامية املعارصة، د. عبلد اهلل العبادي، ص

.�0�

Page 92: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�2

فأما الودائع االستثامرية العامة أو اإليداع مع التفويض: فهي احلسابات التي

يكون املرف اإلسامي فيها وكيا عن املودعني يف استثامر ما يراه مناسبا ونافعا

لله وللمودعني، وعادة ما يكون االسلتثامر من قبل املرف عىل أسلاس املضاربة

غلري املرشوطة، واحلصلول عىل نصيب معلني يف األرباح التلي تتحقق للمرف

ملن خلال املرشوعلات التي يقلوم بتمويلها بام لديه ملن أمواله اخلاصلة وأموال

املودعني، ويتم توزيع األرباح عادة يف هناية السلنة، أو حسب ما تم االتفاق عليه.

أملا يف حال اخلسلارة فإن امللرف ال يلتزم بتوزيع أي ربلح، وهذا اإلجراء خيرج

العملية االسلتثامرية للمرف من املضاربة إىل املشاركة، باعتبار أن املضاربة تقوم

علىل حتمل صاحب املال وحده اخلسلارة، مقابل حتملل صاحب العمل جهده، يف

حلني أن املشلاركة تقوم علىل فكرة حتملل كا الطرفني ملا قد تتعرض له املؤسسلة

االستثامرية من خسائر.

وأملا الودائلع املخصصة أو اإليداع ملن دون تفويض: فهي احلسلابات التي

يكون فيها املرف اإلسامي ملزما من قبل املودع باملرشوع الذي اختاره وحدده

له سللفا، بناء عىل رشط مسبق بينهام، بحيث يتحمل املودعون خماطر املرشوع، يف

كا احلالتني ربحا وخسارة، باعتبارهم هم الذين حيددون العملية االستثامرية من

ة هلا وليسلت رشيكة فيها. حيلث نوعيتهلا ورشوطها، وتكون البنوك جمرد مسلري

وال يمكن للمودعني سلحب ودائعهم كام أرشنا إىل ذلك من قبل إال يف هناية املدة

املتفق عليها، أو بإخطار سابق يوجهونه للمرف.

Page 93: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�3

- رابعا: اإلطار الرشعي لعملية الودائع )احلسابات( االستثامرية.

و قلد ذهلب الدكتلور حممد عمر شلابرا أحلد الباحثني املعارصيلن يف قضايا

االقتصاد اإلسلامي إىل حتديد طبيعة احلسابات االسلتثامرية وإمكانية خترجيها يف

ظلل نظام إسلامي كامل، علىل أن املودع يشلرتي بودائعه حصصلا يف رأس مال

املرف ملدة معينة، تنتهي عندما حيل أجل السحب املتفق عليه، والذي يعد بمثابة

إرجلاع هذه احلصص للمرف عن طريق بيعها له، أي عند اإليداع يكون املودع

هو املشلرتي، وعند السلحب يكون املرف هو املشرتي، وتسهم هذه الودائع يف

الربح واخلسارةوتتحدد نسبة املودع حسب مبلغ مشاركته ومدة ودائعه)�(. وعىل

أسلاس هذا التخريج فإن املرف عندما يتلقى الودائع أو احلسلابات االستثامرية

فإنله يتلقاها هبدف االسلتثامر، وبناء علىل هذا فإن املرف يعاملل أصحاب هذه

الودائلع علىل أهنم مسلامهون، وهبذه الصفلة يكون هللم احلق يف نصيلب األرباح

واخلسلائر املتحققة ملن العمليلات التي جيرهيا املرف،حسلب النسلبة التي يتم

حتديدها سلفا بني املودعني واملرف.

الفرع الثالث: الودائع )احلسابات( االدخارية:

- أوال: توطئة لبيان عاقة االدخار باملؤسسات املرفية بصورة عامة.

ال شك أن قرار االدخار يستند إىل عوامل سلوكية ذاتية حتدد طبيعة السلوك

اإلنفاقي، األمر الذي يعني أن ترشيد هذا السلوك الزم لتنمية امليل لادخار، يقول

)�( النظام النقدي واملريف يف اقتصاد إسامي، حممد عمر شابرا، جملة االقتصاد اإلسامي، ص��

Page 94: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

�4

الدكتلور عبلد الفتاح عبد الرمحن يف معرض حديثة علن الودائع بأصنافها الثاثة

باعتبارها موردا مهام من موارد املصارف والبنوك: ليس خيفى أن دعوة اإلسام إىل

االعتدال يف االنفاق - يف إشارة اىل قوله تعاىل: ﴿ پ  ڀ   ڀ    ڀ ﴾)�( -

دعوة أيضا إىل تنمية االدخار االستثامري)�(. إذ ال يتحقق معنى االدخار يف املنهج

اإلسلامي إال حني ينساب إىل قنوات االستثامر؛ إذ تعد الودائع االدخارية روافد

قوية لدعم السيولة النقدية واالستثامرات لدى البنوك االسامية.

وإذا ملا تأصلل السللوك االدخاري للدى الناس فإنله يمكن اسلتخدام هذه

الودائع يف متويل اسلتثامرات متوسطة وطويلة األجل، ويتطلب ذلك جهدا مكثفا

لتنميلة هلذه املدخرات، فهي خطوة مرحلية مهمة إىل حسلابات االسلتثامر، ومع

ذلك الزالت أمهيتها النسبية ضعيفة.

وملن أجلل اإلمللام الرسيع بعمليلة الودائلع االدخاريلة البد لنا ملن التذكري

بمفاهيلم االدخلار التي تعنلي يف املعنى االقتصلادي العام، التوقلف عن اإلنفاق

بشكل عشوائي، وهو أمر واجب وحتمي من أجل حتقيق التنمية . أما االدخار يف

معنلاه االقتصادي اخلاص فيعني: تأخري اإلنفلاق إىل أجل معني، رشط أن يوضع

املال املؤجل إنفاقه وإىل حني أجله، لدى هيئة متخصصة يف إدارة االدخار.

)�( سورة األعراف اآلية �3.)�( اقتصاديلات النقلود رؤية إسلامية د. عبد الفتاح عبد الرمحن عبد املجيد، سلنة �996م،

ص ���.

Page 95: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

- ثانيا: مفهوم الودائع االدخارية يف البنوك التقليدية.

قد سلبقت اإلشلارة إىل حماوالت البنوك التقليدية جاهدة يف جذب أعىل قدر

من االدخارات سلواء ملن اهليئات أو األفراد، مسلتخدمة وسلائل متنوعة، رغبة

منهلا يف إرضلاء خمتلف الفئات واالجتاهات، ومن هذه الوسلائل احلسلابات التي

تقبلل فيها الودائع من أجل التوفري واالدخار)�(. سلواء كانلت بالعمات املحلية

أو العملات األجنبيلة الصعبة)�( وتكون هلذه الودائع عادة عىل امللدى الطويل،

وتعطلي فوائد حملددة ثابتة متفق عليها سللفا، ويف الوقت ذاته تقلدم هذه الودائع

التلي أصبحلت يف حلوزة البنك إىل املسلتثمرين عىل شلكل قروض بفوائلد ثابتة

تعلود للبنك، يكون مقدارها أعىل من قيملة الفوائد التي تقدمها للمودعني مقابل

ودائعهم، وما بني القيمتني من إيداع املودعني للبنك، وإقراض البنك للمقرتضني،

تكون حصة البنك.

وتقلدم البنوك التقليدية للمودعني دفاتر تسلمى دفاتر التوفري، حتت ترف

املودعني وهي كاحلسلابات اجلارية، من حيث حق املودع يف السحب منها متى ما

شاء، وال ختتلف عنها إال يف انخفاض نسب السحب منها، مما جيعلها تعطي للبنوك

أرصلدة كبرية تسلتعملها وتقدم عنها فائدة معينة، وبذللك ختضع للتكييف الذي

يعلد البنك جمرد مقرتض يسلتثمر أمواهلا، ويسلتفيد من نتائجهلا وحده، ويضمن

قيمتها االسلمية مع فوائدها التي تتحدد بحسلب األجل الذي بقيت األموال فيه

)�( النظام املريف اإلسامي، حممد أمحد الرساج، دار الثقافة، القاهرة، �989م، ص�9)�( معامات البنوك احلديثة، د. عي أمحد السالوس، ص39

Page 96: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

حتلت يد البنك، وهذا هو الربا احلرام، كام يقول الدكتور عي السلالوس: )وأن ما

سلبق ذكلره عن فوائد ودائع البنوك ينطبق عىل ودائع دفلرت التوفري، فالودائع كلها

قرض، والفوائد ربا النسيئة الذي حرمه القرآن والسنة النبوية املطهرة()�(.

وملن املحاوالت اجلادة التي ابتكرهتا البنلوك التقليدية يف العقدين األخريين

- التي سلبق أن أرشت إليها يف بداية البحث - فتح ما يسلمى بالنوافذ واألقسلام

الرشعية فيهلا، بذريعة توفري اجلانب الرشعي للمتعاملني الذين ال حيبذون العمل

امللريف التقليلدي، وبغلض النظر علن الدوافلع واألسلباب لفتح هلذه النوافذ

واألقسلام فيهلا، فإهنا تعد وسليلة من وسلائل البنلوك التقليدية جللذب أكرب قدر

ممكلن من املتعاملني الذي كانوا بمعزل عن العمل املريف التقليدي، ثم أصبحوا

ملن متعاملي املصارف اإلسلامية البتعادها علن الربا وما يؤول إليه، حسلب ما

نصت عليه أنظمة هذه املصارف والبنوك اإلسلامية الداخلية وعقود تأسيسلها،

وبرجلال هيئاهتلا الرشعية والرقابية التلي رافقتها، األمر اللذي حاولت أن حتاكيه

املصارف التقليدية، وفاهتا أن الوعاء الذي تصب فيه أموال هذه النوافذ واألقسام

الرشعيلة، هلو نفلس الوعاء الذي تصلب فيه مجيع أملوال البنلك التقليدي الذي

فتلح النافلذة الرشعية وجلاء باملراقلب الرشعلي ) س ( واملفتلي ) ص ( للدعاية

واإلعلان ملن أجلل جلذب املتعامللني اجللدد اللذي فقدهتلم البنلوك التقليدية

لصالح املصارف اإلسامية.

)�( معامات البنوك احلديثة، د. عي السالوس، ص��.

Page 97: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

- ثالثا: مفهوم الودائع االدخارية يف املؤسسات واملصارف اإلسامية.

اختلفلت الودائع االدخارية يف املصارف واملؤسسلات املالية اإلسلامية بني

مؤسسلة وأخلرى يف الصيغلة والشلكل ولكنهلا يف النهاية متفقلة يف املضمون، إذ

تعلددت صيغها وفلق هذا النوع ملن الودائع، فبعض املصارف اإلسلامية يمنح

أصحلاب الودائلع االدخارية اخليار باسلتثامر مبلغ الوديعة بالكاملل أو جزء منه،

أو عدم االسلتثامر مطلقا واالكتفاء بحفظها ملن دون تقديم أي دخل عنها برشط

أن يكلون املرف يف هذه احلال ضامنلا ألصل املبلغ املودع، ويف هذه احلال يأخذ

املرف حكم املقرتض قرضا حسلنا من العميل، بسلبب اسلتعامله ملبلغ الوديعة

أوال، ولكونله ال يدفلع أي مقابلل للعميل، برشط أن ال يؤثر ذلك يف االسلتجابة

الفورية لطلبات العميل متى ما أراد ذلك مبارشة)�(.

يف حلني أن هنلاك مؤسسلات ومصلارف إسلامية تفتح حسلابات خاصة،

وظيفتهلا حلث صغار املدخريلن اإليداع فيها من أجل اسلتخدام ملا يتجمع فيها

بلاألدوات اإلسلامية اخلاصلة هبا. وعىل هذا األسلاس تكون نسلبة األرباح غري

حمددة مسبقا وختتلف من وقت آلخر حسب ربح وخسارة املرف)�(.

يف حلني تأخلذ صلورة الودائلع اجلاريلة شلكا آخلر يف بعلض املصلارف

واملؤسسات املالية اإلسامية تتمثل بقيام شخص ما بإيداع مبلغ معني، مع إعطاء

)�( ينظر عىل سلبيل املثال: بنك فيصل اإلسلامي السلوداين، خصائصه ومعاماته، رقم 3، يناير ��98م، ص �48 .

)�( البنوك اإلسامية التجربة بني الفقه والقانون والتطبيق، عائشة املالقي، ص �46.

Page 98: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

املؤسسلة اإلذن بتوظيفله، وحقه بالسلحب ملن رصيده يف أي وقلت، عىل أن يتم

حسلاب الربح أو اخلسلارة كل شلهر، حيث يضاف الربح أو ختصم اخلسلارة من

الرصيلد، وإذا مل يأذن العميل للمؤسسلة املالية بالتلرف فيام أودعه فيها، فيكون

آنذاك حسابا جاريا وليس ادخاريا )�(.

وتعنلى بعلض املصارف واملؤسسلات املالية اإلسلامية بالودائلع االدخارية

بشكل أوسع فتخصص هلا شكلني:

الشلكل األول: الودائلع االدخارية العامة التلي تعنى بادخلار الودائع املالية

بشلكل عام للمسلتقبل، يكون لصاحب الوديعة اخليار يف اسلتعامهلا بالوجه الذي

يريد. ويقابل هذا الشكل من الودائع االدخارية العامة.

الشكل الثاين: الودائع االدخارية املخصصة التي تأخذ شكل ادخار من أجل

السكن مثا أو العاج، أو دخل إضايف بعد التقاعد وتنظم هذه الودائع االدخارية

املخصصة يف دفاتر خاصة هلذا الغرض)�(.

* * *

)�( ودائلع أكثلر من اللازم، بيت التمويلل الكويتي، جملة األملوال، يوليلو �983، با رقم العدد، ص�8.

)�( البنوك اإلسامية التجربة بني الفقه والقانون، د. عائشة املالقي، ص�48.

Page 99: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

��

املبحث الثاني

الصناديق االستثمارية اإلسالمية

املطلب األول: صناديق االستثمار يف املؤسسات املالية التقليدية

الفرع األول: مفهوم صناديق االستثامر يف املؤسسات املالية التقليدية:

الصناديق االستثامرية: هي عبارة عن مؤسسات مالية تقوم بإدارة املال بشكل عام، وفيهلا أدوات متخصصة يرشف عليها فنيون ومتخصصون واستشلاريون، ويقلوم هؤالء املتخصصون يف إدارهتم هللذه الصناديق بوضع أفضليات وأوليات اسلتثامر األموال التي تعهد إليهم، وعادة ما يتم حتديد هذه األولويات عن طريق جلان عالية املستوى يف أمور االستثامر الدولية التي يمكنها يف ضوء هذه العروض املقدملة اختيلار أفضلهلا إلدارة حمافلظ األموال واالسلتثامرات التلي يف حوزهتا، فتبيع وتشلرتي بحيث حتقق أكرب عائد ممكن للمسلتثمر مع تقليل اخلسلائر ومحاية

الصندوق من أي تقلبات مؤاتية)�(.

ويمكلن اختصلار هلذا التعريلف بأنله: عقلد رشكلة بلني إدارة الصنلدوق واملسلامهني فيه، يدفع بمقتضاه املسلامهون مبالغ نقدية معينلة إىل إدارة الصندوق يف مقابلل حصوهلم عىل وثائق اسلمية بقيمة معينة حتدد نصيب كل مسلاهم بعدد من احلصص يف أموال الصندوق الذي يقوم بدوره باسلتثامرها يف سوق األوراق

املالية التي تتعامل عادة باألسهم والسندات)�( .

)�( صناديق الوقف االسلتثامري دراسلة فقهية -اقتصادية،أ.د. أسلامة عبد املجيد العاين، دار البشائر اإلسامية، بريوت، الطبعة األوىل، ��43هل- �0�0م، ص���.

)�( صناديلق االسلتثامر دراسلة وحتليل ملن منظور االقتصاد اإلسلامي، د. أمحد بن حسلن احلسني، مؤسسة شباب اجلامعة، اإلسكندرية، �999م، ص6.

Page 100: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

100

وترجلع فكلرة الصناديق االسلتثامرية املتمثلة باقتطاع جزء ملن األجور التي

حيصلل عليهلا املودعلون وادخارهلا يف الصناديلق االسلتثامرية هبدف اسلتثامرها

وتنميتها من أجل حتقيق عائد حيقق للمودعني فائدة مالية مرجوة ما عند بلوغ سن

التقاعد مثا، أو احلاجة ملبلغ ما لعاج أو سلفر أو أي طارئ آخر، وتأيت رغبة من

املودعني باإلدارة اجلامعية ملدخراهتم ألسباب عدة:

�- قللة خرباهتلم يف التعامات املاليلة باعتبار أن اخلربة التلي يوفرها مديرو

االسلتثامر قد تضملن حتقيق عوائد أعىل مما حيققه املسلتثمر لو قام بتشلغيل أمواله

بمفرده يف أسواق ال يعرف عنها إال القليل)�( .

�- تأملني علدم التلرف بام جتملع للدى املدخرين ملن أملوال والرغبة يف

استثامرها، باعتبار أهنا إذا كانت عىل شكل سيولة نقدية حتت أيدي أصحاهبا، فإن

هذا األمر قد يدفع بكثري من أصحاب األموال إىل الترف فيها وعدم بقائها عىل

صورة النقد السائل باليد.

3- تقليل األخطار التي قد تنجم عن العمل الفردي السليام يف أسواق املال،

ألن ضخامة حجم األسلهم والسندات التي حتتفظ هبا الصناديق ختفف من اآلثار

التلي خيلفها تراجلع األدوات علىل األداء الكي للصندوق االسلتثامري، وكذلك

تقليل العبء اإلداري عىل املستثمرين)�(.

)�( دليل املدخر لاسلتثامر يف األوراق املالية)صناديق االستثامر( د. أمحد رشف الدين، كتاب األهرام االقتصادي، العدد �8، سنة �994م، ص�-6.

)�( صناديلق االسلتثامر اإلسلامية والرقابة عليهلا، عصام خلف العنلزي، أطروحة دكتوراه مقدمة إىل كلية الرشيعة يف اجلامعة األردنية، سنة �004م، ص�0.

Page 101: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

101

الفرع الثاين: النش�اط االس�تثامري لصناديق االس�تثامر يف املؤسس�ات املالية

التقليدية:

تتعدد األنشلطة االستثامرية يف الصناديق االسلتثامرية يف جماالت خمتلفة عدة،

فهي تشمل:

�- السللع االستهاكية طويلة األجل - املعمرة - مثل السيارات واألجهزة

الكهربائية.

�- املنتجات األساسية كالبرتول والكيمياويات .

3- السلع االستهاكية قصرية األجل مثل األدوية واملابس.

4- السلع الغذائية مثل األطعمة واألرشبة.

�- اخلدملات مثل شلحن البضائع، النقلل اجلوي، الفنادق، قطاع السلياحة

عامة، قطاع االتصاالت.

6- املنشآت املالية مثل البنوك ورشكات التأمني.

وملن خال هذا التنوع يف عملية االسلتثامر ناحلظ أن دور إدارة الصندوق

االسلتثامري ال يقتر علىل عملية بيع ورشاء األوراق املاليلة وتكوين حمفظة منها

فحسلب، وإنام يمتد ليشلمل املتابعة املسلتمرة للبورصلة من أجل مراقبلة ارتفاع

وهبوط األسلعار من أجل اقتناص الفرصة املناسبة ليتم بيعها يف الوقت املناسب،

أو االسلتعداد لبيعها - يف ظروف معينة - بخسلارة إلعادة االسلتثامر يف قطاعات

Page 102: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

102

أخرى أكثر ربحية)�(. من جهة أخرى فإن إدارة الصندوق تعمل كذلك عىل اجياد

نوع من التوازن بني املخاطر والعائد بحيث إذا تعرض قطاع من قطاعات النشاط

االستثامري إىل خسارة ما فإهنا حتاول االنتقال إىل قطاع آخر.

إن ملن أهم القواعد التي يتبعها مديرو الصناديق عىل اختاف أحجامها هي

التنويع من أجل تقليل درجة املخاطرة عن طريق تنويع االسلتثامرات يف املحفظة،

وملن أمثللة التنويع يف االسلتثامر، قيلام إدارة الصندوق باالسلتثامر يف أسلهم من

قطاعات خمتلفة تتأثر عكسيا باألحداث، بحيث إذا تأثر قطاع يكون القطاع اآلخر

مستفيدا من هذا التأثر، ومثال عىل ذلك رشكات النفط تستفيد إذا ارتفعت أسعار

النفط، يف حني يكون عىل عكسها رشكات الطريان التي تتأثر سلبا بارتفاع أسعار

النفط وارتفاع أسعار وقود طائراهتا.

وعلىل ذللك فإن املسلتثمر بمفرده قد ال تكلون لديه القدرة عىل رشاء أسلهم

يف أنشلطة عدد كبري من الرشكات املتنوعة، بخاف الصندوق االسلتثامري الذي

يؤهلله حجلم اسلتثامراته إىل توسليعها وتنويعهلا)�(. لذللك نجد كثلريا من هذه

الصناديق االسلتثامرية عادة ما تقوم بالتنويع يف األنشلطة االسلتثامرية عما باملثل

االقتصادي القائل)ال جتعل كل البيض يف سلة واحدة(.

)�( بورصات األوراق املالية وصناديق االسلتثامر، نشأت عبد العزيز معوض، كتاب األهرام االقتصادي، العدد �7، فرباير �994م، ص39.

)�( أنلواع وملزايلا الصنلاديلق االسلتثامريلة، شبكة املعلومات الدولية، موقع عيون العرب، www.vb. Arabseyes.com

Page 103: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

103

والعميل املشلارك يف الصندوق االسلتثامري يكتسلب حصة شائعة يف حمفظة

األوراق املاليلة التلي يتعامل هبا الصندوق بأكملها، وليسلت حمصلورة يف أوراق

ماليلة حملددة، وبالتلايل يتوازن احتامل الكسلب واخلسلارة من خلال املحفظة يف

جمموعهلا، بحيث يغطي اجلانب الرابلح اجلانب اخلارس، ويكون للمتعامل القيمة

الصافية املحققة بني الربح واخلسارة)�(.

الفرع الثالث: خصائص صناديق االستثامر)�(:

ويمكلن تقسليم اخلصائلص التلي تتصلف هبلا الصناديلق االسلتثامرية إىل

مزايا وخماطر:

أ- املزايا:

نستطيع أن نحدد أهم مزايا الصناديق االستثامرية بام يأيت:

�- تؤدي صناديق االسلتثامر دورا مهام عىل مسلتوى االقتصاد القومي، فهي

تقوم بتحويل األصول واملدخرات املعطلة إىل اسلتثامرات تسلهم بشلكل كبري يف

ارتفلاع معدل النملو االقتصادي وتوفلري الكثري من فرص العمل، كذلك تسلهم

صناديق االستثامر يف دعم األسواق املالية وإضفاء احليوية عليها، إضافة إىل دورها

)�( دليل املدخر لاستثامر يف األوراق املالية، د.أمحد رشف الدين، ص6.)�( تقييم جتربة صناديق االستثامر يف مر، عصام خليفة، بحث مقدم لندوة صناديق االستثامر يف مر الواقع واملستقبل، ص77 وما بعدها، صناديق الوقف االستثامري، دراسة فقهية - اقتصادية، د.أسلامة العاين،ص��3، صناديق االستثامر، د.أمحد العثيم، موقع اجلزيرة

للصحافة والنرش، �006/4/�6، العدد ��6�8.

Page 104: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

104

يف تدعيم عمليات اخلصخصة من االقتصادات النامية والناشئة من خال الرتويج

ألسهم تلك الرشكات.

�- اإلعفلاء ملن األعباء اإلدارية: ملن املعروف أن إهناء عمليات االسلتثامر

يف أسلواق امللال يتم مقابلل عمولة معينة وتنخفلض تلك العموللة، بارتفاع قيمة

الصفقة، وحيث تتوافر لدى صناديق االسلتثامر أصول استثامرية كبرية، فالفرصة

تكلون متاحلة أمامهلا لعقد صفقات كبلرية، بعملات متدنية مما يوفلر الكثري من

التكاليف واألعباء عىل املستثمر.

3- اإلدارة اجليلدة: يتوافر لدى العديد من األفلراد أصول ومدخرات كثرية

وتتوافلر لدهيلم أيضلا الرغبلة يف اسلتثامرها، لكن ال يكلون لدهيم اخللربة الكافية

والازمة، السلتثامر تلك األصلول واملدخرات، لذلك فصناديق االسلتثامر توفر

اإلدارة املتخصصة إلدارة تلك األصول واستثامرها بالشكل املناسب.

4- الرقابلة: تعد صناديق االسلتثامر ملن أكرب اخلدمات االسلتثامرية تنظيميا

وأكثرهلا خضوعلا للرقابة سلواء ملن قبل البنلوك املركزية أو هيئلات الرقابة عىل

سوق املال.

�- توزيلع وختفيلف املخاطر االسلتثامرية: فصناديق االسلتثامر تشلكل آلية

جديلدة لتنويع االسلتثامرات فهي تقلوم بتوزيع األصول واملدخلرات عىل أوعية

استثامرية خمتلفة بشكل يساعد عىل ختفيض املخاطر.

Page 105: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

10�

ب- املخاطر:

وبالرغم من وجود املزايا التي تتسم هبا الصناديق االستثامرية فإهنا ال ختلو من

وجود خماطر، قد تؤدي بشكل أو بآخر إىل نتائج غري مرضية بالنسبة للمستثمرين،

وأهم هذه املخاطر، ما يأيت:

�- املخاطر الناجتة عن تقلبات األسعار يف أسواق املال.

�- انخفاض قيمة األصول املقومة بالنقد األجنبي يف صناديق االستثامر عند

ارتفاع سعر رصف العملة املحلية.

3- خماطلر أسلعار الفائدة: إذ يؤثر انخفاض قيملة أدوات الدين الثابت مثل

السندات وارتفاع أسعار الفائدة سلبا يف قيمة األسهم، وعدم قدرة الرشكات عىل

النمو بسبب حتول املستثمرين من سوق األسهم إىل سوق السندات.

املطلب الثاني: صناديق االستثمار اإلسالمية:

الفرع األول: مفهوم وأمهية صناديق االستثامر اإلسامية:

يمكن تعريف صناديق االسلتثامر اإلسامية أهنا: مؤسسات هتدف إىل جتميع

أموال صغار املدخرين وذلك بغرض اسلتثامرها للحصول عىل ربح حال تراعى

فيه أحكام وقواعد الرشيعة اإلسامية.

Page 106: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

10�

هذا من حيث اإلمجال، ومن حيث التفصيل فيمكن تعريفها أهنا: عقد رشكة

مضاربلة بلني إدارة الصنلدوق التي تقوم بالعملل فقط، وبني املكتتبلني فيه، يمثل

املكتتبلون يف جمموعهم رب امللال، فيدفعون مبالغ نقدية معينة إىل إدارة الصندوق

التلي متثلل دور املضارب، فتتلوىل جتميع حصيللة االكتتاب التي متثلل رأس مال

املضاربلة، وتدفع للمكتتبني صكوكا بقيمة معينة متثل لكل منهم حصة شلائعة يف

رأس املال الذي تقوم اإلدارة باستثامره بطريق مبارش يف مرشوعات حقيقية خمتلفة

ومتنوعلة، أو بطريلق غري مبارش كبيلع ورشاء أصول مالية وأوراق مالية كأسلهم

الرشكات اإلسلامية. وتوزع األرباح املحققة حسلب نرشة االكتتلاب امللتزم هبا

كا الطرفلني، وإن حدثلت خسلارة تقع علىل املكتتبني بصفتهلم )رب املال( ما مل

تفرط إدارة الصندوق املضارب، فإن فرطت فيقع عليها الغرم)�(.

وبناء عىل ما سلبق فإن صناديق االستثامر اإلسلامية ليست جمرد وسيط مايل

فحسلب، كام هلو احللال يف صناديق االسلتثامر التي تنشلئها رشكات االسلتثامر،

واملصلارف التجارية التقليدية، ورشكات التأمني، بل إن هذه الصناديق باإلضافة

إىل ذلك تعتمد عىل منهج االستثامر اإلسامي الذي يمزج بني رأس املال والعمل،

فالعقد الذي يربط بني إدارة الصندوق واملكتتبني فيه هو عقد املضاربة الرشعية. إذ

تقوم املؤسسلة املالية اإلسامية )مرف إسامي، أو رشكة تأمني إسامي( التي

ترغب يف تكوين صندوق معني من هذه الصناديق بإعداد دراسة اقتصادية لنشاط

)�( جملة جممع الفقه اإلسلامي التابع ملنظمة املؤمتر اإلسلامي، الدورة الرابعة، العدد الرابع، اجلزء الثالث سنة �408هل-�988م، قرار رقم )�( ص���6.

Page 107: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

10�

معلني، وتبني جدوى االسلتثامر فيه، ثم تقوم بتمويلله عن طريق طرحه لاكتتاب

العام للجمهور)�(.

يمكن أن نشري إىل أمهية الصناديق اإلسامية باختصار فيام يأيت)�(:

�- إن إنشلاء بنك إسلامي اليوم يف بلد ما حيتاج إىل سلن قانون، يف حني أن

إنشلاء صندوق اسلتثامري يعد أمرا ممكنلا يف ظل القوانني املنظمة هللذه الصناديق

يف أي ملكان ملن العلامل، ألن تللك القوانني أخلذت يف نظر االعتبلار أن الغرض

الرئيلس من الصناديق هلو تلبية تفضيات ورغبات املسلتثمرين الذين ال جيدون

ما يرضيهم يف البنوك التقليدية ورشكات االستثامر. وملا كان اهلدف يف النهاية رفع

بلوى الربا عن املجتمعات اإلسلامية، فبأي وسيلة يتحقق هذا اهلدف فهو إنجاز

ال يسلتهان به، السليام يف البلدان التي مل يرشع فيها قانون إىل اآلن ملامرسلة النشاط

املريف اإلسامي.

�- أما بالنسبة إىل البلدان التي انترشت فيها املؤسسات واملصارف اإلسامية،

وتم ترشيع القوانني الازمة املنظمة لعمل هذه املؤسسات واملصارف اإلسامية،

فلإن أعداد هذه املؤسسلات ملا زالت قليلة يف بعلض البلدان مقارنلة بالقطاعات

املرفيلة التقليديلة التي يفوق علدد فروعها عرشات أو مئلات املرات املصارف

)�( صناديق االستثامر اإلسامية، عز الدين خوجه، دلة الربكة، إدارة التطوير والبحوث،الطبعة األوىل، �4�4هل، ص�3-ص �� بترف.

)�( أشار جمموعة من الباحثني واملراكز البحثية إىل أمهية الصناديق االستثامرية اإلسامية، من . www.islamifn.com ذلك عىل سلبيل املثال: د. حممد عي القرين، املوقع اإللكلرتوين

وكذلك د.أسامة العاين، يف كتابه )صناديق الوقف االستثامري(، ص�30.

Page 108: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

10�

اإلسلامية، ولذللك فإن أي مرشوع يسلتهدف رفلع بلوى الربا علن املجتمعات

املسلمة جيب أن يأخذ باعتباره الوسائل كفيلة للحد من بلوى الربا.

3- إن أهم ما يميز الصناديق االستثامرية هو استقالية حساباهتا، األمر الذي

خيتللف ملع النوافذ الرشعية يف البنوك التقليدية، وملا يتخوف منه كثري من الناس

بسبب اخللط الذي يكون يف حسابات النافذة الرشعية والبنك األم الذي خرجت

منله، يف حلني أن حسلابات الصناديق تبدو مسلتقلة متاملا عن البنلك، والقوانني

واألنظملة متنلع االختاط بني أموال البنلك والصندوق مع كونله رشكة مالية ال

تكاد ختتلف عن البنك.

الفرع الثاين: الفرق بي صناديق االس�تثامر اإلس�امية والودائع االستثامرية يف

املصارف اإلسامية:

يطرح الدكتور أمحد بن حسن احلسني سؤاال مهام يف كتابه )صناديق االستثامر

دراسة وحتليل من منظور االقتصاد اإلسامي( مفاده)�(: ما هو الفرق بني صناديق

االستثامر اإلسامية والودائع االستثامرية يف املصارف اإلسامية؟

ويف معلرض جوابله علام طرحه ملن تسلاؤل بلني أن الودائع االسلتثامرية يف

املصارف اإلسامية تنقسم إىل قسمني)�(:

)�( صناديق االسلتثامر اإلسامي دراسلة وحتليل من منظور االقتصاد اإلسامي، د. أمحد بن حسن احلسني، ص��.

)�( سبق وأن أرشنا إىل ذلك يف مبحث الودائع االستثامرية ص�9 .

Page 109: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

10�

- ودائع استثامرية مطلقة.

- وودائع استثامرية مقيدة )خمصصة(.

فالودائع االستثامرية املطلقة: هي التي يفوض املودع فيها املرف الستثامرها

يف أي مرشوع من مشلاريعه االسلتثامرية عىل أسلاس املضاربة الرشعية، ويشارك

املودعون )املسلتثمرون( يف نتائج مجيع االسلتثامرات املتعلددة التي يقوم املرف

اإلسامي هبا، ليحصلوا عىل معدل أرباح يساوي متوسط ما حيصل عليه املرف

من مجيع أعامله.

وأما الودائع االسلتثامرية املقيلدة أو املخصصة: فهي التلي خيصص صاحبها

نوع االستثامر الذي يود أن تستثمر فيه أمواله التي أودعها يف تلك املؤسسة املالية،

ويتم ذلك بأن خيتار مرشوعا معينا من املشاريع التي يقوم هبا املرف سواء بطريق

مبارش أو بطريق متويل مرشوعات اآلخرين، وبذلك فإن العميل سلوف يسلتحق

نصيبله ملن أرباح ذلك املرشوع الذي اختاره فقط بالنسلبة املئوية املتفق عليها بينه

وبني املرف.

وملن هنا يتضح أن العاقة القائمة بني املرف اإلسلامي واملسلتثمرين يف

الودائع االسلتثامرية قائملة عىل عقد املضاربلة الرشعية بنوعيهلا املطلقة واملقيدة،

وتسلتند إىل عقد املضاربة الرشعية. ولكن يف الودائع االستثامرية املطلقة يستخدم

املرف اإلسلامي الودائع يف األنشطة واملجاالت التي يراها من دون ختصيص،

ويف الودائلع االسلتثامرية املقيلدة يسلتخدم امللرف الودائع يف ملرشوع حمدد أو

Page 110: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

110

عمليلة اسلتثامرية معينلة خيتارها العميل بنفسله، وبذللك يتحملل العميل وحده

خماطر استثامره ونتائجه ربحا وخسارة، كام يرتبط بالعميل موضوع اسرتداد املبالغ

املسلتثمرة يف املرشوع الذي حدده. ويكلون للمرف حصة من األرباح املتحققة

حسب االتفاق .

أما الصناديق االستثامرية فهي جتمع بني خصائص الودائع االستثامرية املطلقة،

والودائع االستثامرية املقيدة. ألن إدارة الصندوق تتقيد بالرشوط املنصوص عليها

يف نرشة اإلصدار، والسليام الرشوط اخلاصة بمجال االسلتثامر، ونوعه، ومدته.

كلام هو احللال يف الودائع االسلتثامرية املقيلدة، بل إهنا تقلوم باسلتثامرها يف أوجه

التوظيلف املختلفة ضمن النشلاط العام املحدد واملتفق عليله. ويظهر من املقارنة

السلابقة أن صناديق االستثامر اإلسلامية متتاز عن الودائع االسلتثامرية املقيدة يف

توفري فرصة اختيار أوسع للمستثمر بام يقلل خماطر االستثامر ألهنا تستثمر أمواهلا

يف عمليلة منفردة وحملددة، بل يمكنها اختيار جمال أو قطاع اسلتثامري أو عدد من

القطاعات سواء يف بلد حمدد أو جمموعة من البلدان. كام أن هذه الصناديق ختتلف

نشلاطاهتا ملن صنلدوق آلخر، فقلد تتخصص يف التنميلة العقاريلة، ويتخصص

بعضها يف املتاجرة بالسلع أو يف العمات أو يف األسهم . وهكذا يستفيد املستثمر

يف الصناديلق من نفس مزايا الودائع االسلتثامرية املطلقة مع متكنه يف نفس الوقت

من اختيار املجاالت واألنشلطة التنموية التي يفضلها بدال من املسلامهة يف جممل

نشاطات وأعامل املرف.

Page 111: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

111

الفرع الثالث: مراحل النشاط االستثامري لصناديق االستثامر اإلسامية:

تبني لنا مما سلبق أن سلاحة عمل صناديق االسلتثامر اإلسلامية ساحة رحبة

وواسعة ما دامت ضمن إطار املباح، فنجد أن هذا النشاط ال ينحر يف حمور دون

حملور، وإنام يمتد ليشلمل جتارة األسلهم بيعا ورشاء)�(، واملرابحلات واملتاجرات

بالسلع والتنمية العقارية، وغري ذلك من أوجه النشاطات واالستثامرات املتعددة،

مما جيعل املسلتثمر يف هذه الصناديق االسلتثامرية اإلسلامية يف فسلحة وروية من

الدراسلة والتفكري بسبب املساحة املتنوعة الكبرية من النشاطات االستثامرية التي

أمامه، وهو غالبا ما يكون - املستثمر - شبه متخصص بحرفة أو عىل دراية بتجارة

سللعة ملا، األمر اللذي جيعله مللام وعارفا هبلا، لذلك يكون التوجله إىل جماالت

األنشطة التنموية التي يفضلها بناء عىل رغبته دائام.

ومتر مراحل النشاط االستثامري يف الصناديق االستثامرية اإلسامية بمراحل

أساسلية يتلم ملن خاهلا تعلرف اجلمهور إىل نشلاطات هلذه الصناديلق ومن ثم

االكتتاب فيها وفق املراحل اآلتية)�(:

�-تقوم املؤسسلة املالية اإلسامية الراغبة يف إنشاء صناديق استثامر بالبحث

عن مرشوعات ذات جدوى اقتصادية من أجل االستثامر فيها.

)�( ضملن اللرشكات التي يدور عملهلا يف دائرة املباح، فا جيوز هلا املتاجرة بأسلهم رشكات اخلمور أو اللحوم املحرمة وما شاهبا.

)�( صناديق االستثامر اإلسامية، عز الدين اخلوجة، ص�3-�6، وصناديق االستثامر دراسة وحتليل د. أمحد بن حسن احلسني، ص�4-�3.

Page 112: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

112

�- تقوم بإعداد دراسات حديثة باجلدوى االقتصادية للقيام هبذه النشاطات

االستثامرية يف تلك الفرتة.

3- عىل ضوء نتائج دراسات اجلدوى االقتصادية تقرر الدخول هبذا النشاط

االستثامري الذي اختارته أوال.

4- تقلوم بتكوين صندوق اسلتثامري وحتدد أغراضله، وتعد نرشة اإلصدار

التي تتضمن تفاصيل كاملة عن نشاطاته، ومدته، ورشوط االستثامر فيه، وحقوق

والتزامات األطراف املشاركة فيه.

�-تقسليم رأس مال الصندوق االسلتثامري إىل صكوك مضاربة)وحدات(

متساوية القيمة االسمية ومن ثم يتم طرحها للجمهور لاكتتاب فيها.

6- يعلد كل مكتتلب يف هلذه الصكلوك رشيلكا بحصة شلائعة يف رأس مال

الصندوق بنسبة العدد الذي يمتلكه منها.

7- يتم إصدار هذه الصكوك عادة باسم مالكها وليس باسم حاملها.

8- جيلوز تداوهلا والترف فيها بكل أنواع الترفات التي جتوز ملالكها من

بيع وهبة ورهن.

9- بعلد تلقلي اجلهة املصلدرة للصنلدوق أملوال املكتتبني وجتميعهلا، تبدأ

باستثامرها يف املجاالت املحددة يف نرشة اإلصدار.

Page 113: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

113

�0- عنلد حتقيلق األربلاح تقلوم إدارة الصنلدوق بتوزيعهلا علىل أصحاب

صكلوك املضاربلة بالنسلبة والكيفية املتفق عليهلا، كام تتوىل تصفيلة الصندوق يف

املوعد املحدد.

الفرع الرابع: أنواع الصناديق االستثامرية اإلسامية:

ختتلف صناديق االستثامر اإلسامي من حيث طبيعة تداول وثائقها وأهدافها

ونشاطاهتا إىل أنواع عدة.

فام يتعلق بأنواع طبيعة تداول وثائقها تنقسم إىل:

�- صناديق االستثامر ذات النهاية املغلقة.

�- صناديق االستثامر ذات النهاية املفتوحة.

فأما صناديق االستثامر ذات النهاية املغلقة: فهي الصناديق التي يكون حجم

املوارد املالية املستثمرة يف وثائقها من قبل اجلمهور حمددا، بمعنى أن هذه الصناديق

تصدر عددا ثابتا من الوثائق املالية )الوحدات( ويتم توزيعها عىل املستثمرين فيها

كل حسلب حصته)�(، فا جيوز هلا أن تصدر وثائق اسلتثامر أخرى، غري تلك التي

قلام املسلتثمرون باسلرتداد قيمتها من الصندوق نفسله خال ملدة عمر الرشكة.

وإدارة هلذه الصناديلق علادة تكون غري مسلتعدة لرشائها منهلم، وإذا رغب أحد

مالكلي هذه الوثائلق يف بيعها، فاخليار الذي أمامه هو التوجه إىل سلوق األسلهم

)�( صناديق االستثامر دراسة وحتليل، د.أمحد بن حسن احلسني،ص8.

Page 114: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

114

)البورصلة( ومن أجل ذلك تقوم هذه الصناديق بنرش القيمة السلوقية لوثائقها يف

الصحف يوميا، وتنرش قيمة األصل الصافية يف الصحف أسبوعيا)�(.

وأملا صناديق االسلتثامر ذات النهاية املفتوحة: فهلي الصناديق التي ال حتدد

حجم املوارد املالية املسلتثمرة يف وثائقها من قبل اجلمهور، وال حتدد عدد الوثائق

املاليلة املصلدرة منها. إذ جيوز هللا إصدار وبيع املزيد من هلذه الوثائق تلبية حلاجة

املسلتثمرين. وإدارة هلذه الصناديلق متعددة إلعلادة رشاء ما أصدرتله من وثائق

إذا رغلب أحلد مالكي هذه الوثائلق يف التخلص منها جزئيا أو كليلا)�(. من أجل

ذللك حتلرص إدارة الصنلدوق عىل توفري السليولة الازملة التي متكنهلا من دفع

قيملة الوثائق املطلوب اسلرتدادها يف أي وقت. وال خيفلى األثر املرتتب عىل هذه

امليلزة عند املتعاملني يف اإلقبال عىل هلذا النوع عند التعامل مع إدارة الصندوقني،

واختيار األخري هو السائد عىل اإلطاق.

وما يتعلق بطبيعة أهدافها تنقسم إىل ثاثة أقسام هي)3(:

�- صناديق النمو.

�- صناديق الدخل الدوري.

3- صناديق نمو الدخل.

)�( صناديق االستثامر، منري إبراهيم هندي، ص�8-��.)�( صناديق االسلتثامر يف خدمة صغار وكبار املدخرين، منري إبراهيم هندي، منشأة املعارف،

اإلسكندرية، �994م،ص�6)3( صناديق االستثامر اإلسامية، عصام خلف العنزي، ص33

Page 115: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

11�

فأملا صناديلق النمو: فهلي الصناديق االسلتثامرية التي هتلدف إىل حتقيق نمو

طويلل األجل، وعائد مسلتقبي كبري بلدال من العائد الشلهري، وذلك من خال

إعادة اسلتثامر األرباح املتحققة بدال من توزيعها، ويتسلم مدخرو هذه الصناديق

بكوهنم ممن ال يعتمدون عىل أرباح االستثامر يف تغطية شؤون معيشتهم .

وأملا صناديق الدخلل الدوري: فهلي الصناديق االسلتثامرية التي هتدف إىل

حتقيق معدل ربح شلهري، حلاجة املسلتثمرين يف هذا النوع إىل حتقيق إيراد دوري

معقول لتغطية احتياجات معيشتهم.

وأملا صناديق نمو الدخل: فهي الصناديق االسلتثامرية التي هتدف إىل حتقيق

هديف صناديق النمو وصناديق الدخل من خال آلية متبعة يف إدارة الصندوق.

وأما ما يتعلق بنشاطات الصندوق فتنقسم إىل أربعة أقسام.

�- الصناديق االستثامرية لبيع ورشاء السهم.

�- الصناديق االستثامرية لبيع ورشاء وتأجري العقارات.

3- الصناديق االستثامرية لبيع ورشاء العمات.

4- صناديق السلع.

فأما ما يتعلق بنشاط صناديق االستثامر لبيع ورشاء األسهم: فتتمثل بقيام هذه

الصناديق بطرح أسلهمها لاكتتاب بني املستثمرين، وبعدما تقوم بجمع األموال

من خال االكتتاب عىل األسلهم، تقوم إدارة الصندوق باسلتثامرها يف رشاء وبيع

األسلهم، سلواء كانت هذه األسلهم حملية أو دولية. وقد تم بحث مسلألة احلكم

Page 116: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

11�

الرشعي للتجارة باألسهم من قبل العديد من الباحثني، وتبني أن حكم رشاء وبيع

األسلهم يتوقف عىل نوعية نشلاط الرشكة وعملها، فإذا كان يف دائرة املباح كانت

املسامهة يف هذه الرشكة عن طريق رشاء أسهمها جائزة رشعا، وأما إذا كان نشاط

ما، فإن املسلامهة يف رشاء أسلهمها تكون حراما رشعا. ومن أهم هذه الرشكة حمر

تلك النشاطات املحرمة)�(:

- املسكرات:وهي كل مرشوب أو مشموم أو مأكول يذهب العقل ويسرته.

- املتاجرة باللحوم املحرمة كلحم اخلنزير وامليتة وغريها.

- األنشطة واخلدمات القائمة عىل املقامرة واملراهنة وما شابه ذلك.

- األنشطة واخلدمات الضارة بعقيدة املسلم وصحته وحياته.

لا للمسلألة علىل النحلو وقلد صلدر قلرار جمملع الفقله اإلسلامي مفص

الذي ذكرنا)�(.

وأما ما يتعلق بنشلاط الصناديق االسلتثامرية لبيع ورشاء وتأجري العقارات:

فتتمثلل باسلتثامر أموال تللك الصناديق االسلتثامرية يف رشاء العقارات السلكنية

والتجاريلة والصناعيلة، وكذلك األرايض، وتنشلئ عليها املبلاين والبيوت فتقوم

بتأجريها أو بيعها وفق الصيغة املعروفة أو املقررة رشعا.

)�( رشكات االسلتثامر يف االقتصاد اإلسلامي، د. خلف بن سليامن النمري، مؤسسة شباب اجلامعة، اإلسكندرية،�000م، ص97-90.

)�( قرار 63)�/7( اإلسلهام يف الرشكات،املوقع الرسلمي ملجمع الفقه اإلسلامي الدويل، www.fiqhacademy.org.sa.املنبثق عن منظمة املؤمتر اإلسامي

Page 117: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

11�

وأملا ما يتعلق بنشلاط الصناديق االسلتثامرية لبيلع ورشاء العمات: فتتمثل باسلتثامر أموال تلك الصناديق االستثامرية يف املتاجرة يف بيع ورشاء العمات من أجل حصول الربح الناجم عن ارتفاع العملة وانخفاضها، وبام أن النقود الورقية هلي نقود اعتباريلة فيها صفلة الثمنية كاملة فإهنلا تطبق عليها األحلكام الرشعية املقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسللم وسلائر أحكامها. وقلد بني جممع الفقه اإلسلامي ذللك بقراره املرقم ��، بلرضورة تطبيق رشوط

الرف عند املتاجرة حال القيام بعملية بيع العمات ورشائها)�(.

وأما ما يتعلق بنشلاط الصناديق االستثامرية فقد اجتهت العديد منها يف اآلونة األخرية إىل أسلواق السللع الدولية التي هلا أسلواق بورصة منظملة مثل األملنيوم والنحاس والنفط، باعتبارها مكانا مناسبا لنشاطها االستثامري. وأهم ما جيب أن يراعى عند متاجرة صناديق االسلتثامر يف أسلواق السلع الدولية، رضورة اقتصار املتاجلرة بالسللع املباحلة أوال، والتي جيوز رشاؤهلا بالنقد وبيعها باألجلل ثانيا،

ويستثنى من ذلك سلعتا الذهب والفضة للنهي الوارد عن ذلك)�(.

)�( والرشوط هي:أ- تقابض البدلني من اجلانبني يف املجلس قبل افرتاقهام.

ب- عدم وجود خيار للرشط. ج- علدم وجود اشلرتاط األجلل )أي أن يكون البيلع ناجزا من دون تأجيلل البدلني أو

أحدمها(.د- التامثلل وهذا الرشط خلاص بنوع من الرف، وهو بيع أحد النقدين بجنسله، مثل

الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة، فيجب فيه التامثل يف الوزن.هلل- أن ال تكلون عمليلة املتاجلرة بالعمات بقصد االحتلكار أو بام يرتتلب عليه رضر

باألفراد أو املجتمعات. )�( صناديق الوقف االستثامري، د.أسامة العاين، ص�63.

Page 118: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

11�

الفرع اخلامس: اإلطار الرشعي للصناديق االستثامرية اإلسامية:

من خال ما تقدم يتبني لنا أن العاقة التعاقدية يف صناديق االستثامر اإلسامية يمكن خترجيها عىل أسلاس عقد املضاربة الرشعية، وبالتحديد املضاربة املقيدة)�(، ألن هذه الصناديق يتخصص نشلاطها االستثامري يف قطاع معني بحسب الغرض الذي أنشئت من أجله، وألن اجلهة املصدرة هلذه الصناديق تقوم بدور املضارب،

واملكتتبني يف رأس مال الصندوق يمثلون يف جمموعهم )رب املال(.

غري أن هذا التخريج بحاجة إىل بعض التفاصيل، بسلبب الصيغة املعمول هبا يف مؤسسات الصناديق االستثامرية التي اختذت شكا آخر، متثل بصكوك املضاربة املقسمة عىل وحدات متساوية القيمة، يمثل كل منها حصة شائعة يف رأس املال.

لذلك ال بلد ملن وقلفلة سللريلعلة حللول ملفلهللوم امللضلاربلة وبلعلض أحلكلاملهلا اللشلرعليلة.

املضاربلة: لغلة: مشلتقة ملن اللرضب، وهلو السلري، ويكلون اللرضب يف سلبيل اهلل ويف التجارة، يقال: ضاربه يف املال مضاربة)�( . ويقال هلا: القراض عند

بعض الفقهاء.

ويف االصطلاح الرشعلي: هي عقد عىل االشلرتاك يف الربح علىل أن يكون رأس املال من طرف والعمل فيه من الطرف اآلخر)3(.

)�( سيأيت بياهنا قريبا.)�( لسان العرب البن منظور، �/�44.

)3( أحكام املعامات الرشعية للشيخ عي اخلفيف، دار الفكر العريب، القاهرة،الطبعة األوىل، �4�7هل-�996م،ص493.

Page 119: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

11�

وعليه فإن صاحب رأس املال يدفع نقدا معلوما قدره وصفته متمتعا بخاصية القبول العام كوسيط لاستبدال، إىل شخص آخر هو املضارب ليعمل به يف النشاط االقتصلادي علىل وجه املشلاركة يف الربح فقط عىل نسلبة متفق عليها سللفا، فإن وقعت اخلسلارة فتكون من الربح، فإن مل يف الربح أو مل يكن ربح أصا، فتكون ملن رأس امللال إال إذا أخل املضارب بالرشوط التي اشلرتطها عليه صاحب املال

عند تسليمه رأسامله، فتكون يف تلك احلال عىل املضارب ألنه تعمد اإلرضار.

فاملضاربلة عقلد بلني طرفني حيدث به التقلاء املال والعملل، فصاحب املال يستحق نصيبه من الربح املتحقق من رأس ماله، والعامل يستحق نصيبه من الربح

املتحقق من عمله وجهده.

واملضاربلة ملن العقلود التي أقرها اإلسلام، فقلد اجتر النبي ملسو هيلع هللا ىلص قبلل البعثة الرشيفلة بلامل خدجية بنت خويللد ريض اهلل عنها وخرج به مضاربا إىل الشلام)�(. ومن ثم استمر الناس بالتعامل يف املضاربة بعد إسامهم من دون نكري أو تقييد هلا ملن قبل النبلي ملسو هيلع هللا ىلص، ومل يؤثر عنه أنه هنى عنها، فدل عىل جوازها، فعن عبد اهلل بن عبلاس علن أبيه ريض اهلل عنهام: أنه كان إذا دفلع ماال مضاربة، رشط عىل صاحبه أن ال يسللك به بحرا، وأن ال ينزل به واديا، وال يشلرتي به ذا كبد رطب فإن فعل

ذلك ضمن، فبلغ رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص ذلك فاستحسنه)�(.

)�( السرية النبوية، عبد امللك بن هشام بن أيوب احلمريي املعافريي املعروف بابن هشام، دار اجليل بريوت، �/�03.

)�( أخرجه البيهقي يف السلنن الكربى6/���، قال اهليثمي: إسلناده ضعيف، جممع الزوائد ومنبلع الفوائلد للهيثملي، دار الريان ودار الفكلر العريب، القاهلرة وبريوت،�407هل،

.�6�/4

Page 120: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

120

وقد ورد يف القرآن الكريم ما يدل عىل رضورة السعي يف األرض واالبتغاء من

فضل اهلل عز وجل، من ذلك عىل سبيل املثال قول اهلل سبحانه وتعاىل: ﴿ چ

چ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ﴾)�( . وهذه اآلية وغريها وإن كانت ال تنص

علىل املضاربلة رصاحة، ولكنها اشلتملت عىل عموم األمر بالسلعي واالبتغاء من

فضل اهلل عز وجل، وهذا اللفظ يشمل املضاربة وغريها من الطرق األخرى التي

يبتغى هبا فضل اهلل تعاىل. ومن هنا فقد أمجع الفقهاء عىل جواز التعامل باملضاربة،

وهلذا اإلمجلاع املبني عىل إقرار النبي ملسو هيلع هللا ىلص عىل جوازه يسلتفاد منه أن مجيع مسلائل

عقد رشكة املضاربة مبنية عىل آراء الفقهاء االجتهادية املقررة املستنبطة يف ضوء ما

كان معروضا من حاالت التعامل بني الناس)�(.

أما أنواع رشكة املضاربة:

فتنقسم رشكة املضاربة باعتبار العموم واخلصوص إىل نوعني مها:

املضاربة املطلقة.

املضاربة املقيدة.

فأملا املضاربلة املطلقة: فهي التي مل تقيد بزملان أو مكان أو نوع من التجارة،

فللمضلارب احلرية املطلقة يف اسلتثامر ملال املضاربة بالكيفية التلي يراها بتحقيق

الربح، رشط التقييد بالضوابط الرشعية.

)�( سورة املزمل اآلية �0.)�( تطوير األعامل املرفية بام يتفق والرشيعة اإلسامية، سامي حسن محود، ص379.

Page 121: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

121

وأما املضاربة املقيدة: فهي التي قيدت بأي نوع من القيود املقيدة، ولن يكون

القيد معتربا إال إذا توافرت فيه الرشوط اآلتية)�(:

�- أن يكلون للقيد أو للرشط فائدة، فلإن مل يكن له فائدة فالقيد ملغي وغري

معتلرب أصلا. كقول صاحب امللال للمضارب: ال تبلع مال املضاربة هذا الشلهر

أو هذا األسلبوع، وكان مال املضاربة سللعة اسلتهاكية ال حتتمل التخزين لوقت

طويل كالفواكه واخلرضاوات.

�- أن تكلون صيغلة التقييلد واضحة غري مبهمة، مشلتملة إملا عىل األمر أو

النهلي، كأن يقلول: ال حتملل ملال املضاربة معك عند السلفر، وقلم بتحويله عن

طريق املرف. أو ال تعمل بتجارة األسهم، مثا.

3- أن يصدر القيد من صاحب مال املضاربة عند إبرام العقد أو بعده، رشط

أن ال يزال املال نقدا، ومل يتم الترف به بعد.

هلذا.. وألحكام املضاربة يف الفقه اإلسلامي باب واسلع وكبلري، ال يمكن

اإلحاطلة بجميلع تفصياتله إال ببحلث مسلتقل، وقلد بحثت مسلائلها بشلكل

مسلتفيض، لذللك سلوف نقتلر علىل ما خيصنلا منهلا ببحثنلا حلول الصناديق

االسلتثامرية، وما قد يثار حوهلا من تسلاؤالت، ومن أهم تلك التساؤالت: جواز

تعدد صاحب املال وصاحب العمل:

)�( الرشكات يف الفقه اإلسامي، عي اخلفيف،�7.

Page 122: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

122

إذ تبدو العاقة بني صاحب املال وصاحب العمل يف هذه الصورة من املضاربة الثنائيلة)�( قائمة علىل املعرفة التامة بينهام والثقة املتبادللة. فقد يكون صاحب املال اثنني أو أكثر، وقدر الربح حسب االتفاق، يقول ابن قدامة املقديس يف جواز تعدد املضلارب: )وجيلوز أن يدفع ملاال إىل اثنني مضاربة يف عقلد واحد، فإن رشط هلام جلزءا ملن الربح بينهام نصفني جلاز()�(، ويقول أيضا يف تعلدد أرباب املال: )وإن قلارض اثنلان واحلدا بألف هلام جلاز()3( . وعىل هذا فإن مسلألة تعلدد املضاربني وأربلاب املال جائلز وال غبار عليه باعتبار أن ما ينطبلق عليهم ينطبق عىل الواحد

من حيث األحكام والرشوط.

واجلديلر بالذكلر أن هلذا األملر منصلوص عليه يف نلرشة اإلصلدار اخلاصة بالصندوق االسلتثامري، وقد ارتضلاه املكتتبون، وبذلك حتدد ملكية املسلاهم يف رأس املال بحسلب الصكوك التي يمتلكها)4(. وعىل هذا األساس تكون األرباح

أو اخلسائر مقسمة عىل مجيع الرشكاء حسب النسب التي شاركوا هبا.• • •

)�( يقصد باملضاربة الثنائية العملية التي تتم بني طرفني أحدمها صاحب املال والثاين صاحب العمل عىل الصورة التي بيناها آنفا، ويقابلها نوع آخر يسلمى باملضاربة املشلرتكة: وهي التلي يتعدد فيها صاحب املال وصاحلب العمل ويعرض املضارب فيها خدماته عىل كل ملن يرغب من أصحاب األموال اسلتثامر ملا لدهيم من أموال. فهلي ذات عاقة مجاعية هللا ثاثلة أطلراف تتميز علن املضاربلة ذات العاقلة الثنائية ببعلض امليلزات من حيث

األهداف واألحكام. ينظر:رشكات االستثامر يف االقتصاد اإلسامي، د. خلف النمري، ص�00.

)�( املغني، البن قدامة املقديس، دار الفكر، بريوت، ��40هل ،�/��. )3( املصدر نفسه.

)4( صناديق االستثامر اإلسامية، عز الدين خوجة، ص�6.

Page 123: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

123

املبحث الثالث

الصناديق الوقفية

املطلب األول: مفهوم الصناديق الوقفية:

متتلاز الصناديق الوقفية بحداثة جتربتها املعارصة، بعد بحوث ودراسلات قام

هبلا علامء أجاء بقصد تعميم سلنة الوقلف عىل أكرب قدر ممكن ملن الناس بغض

النظر عن مستوياهتم االجتامعية.

والصناديق الوقفية عبارة عن أوعية تتجمع فيها األموال املخصصة للوقف،

دون النظر إىل مقدار قيمتها صغرية كانت أو كبرية، إذ يتم جتميعها أوال عن طريق

التربعات املحددة الغاية، ومن ثم استثامرها ورصف ريعها يف وجوه خريية حمددة

للجهة املعلن عنها مسبقا، التي تم التربع لصاحلها.

وتسلعى مؤسسلات وهيئات األوقلاف - التي بدأت تسلتقل هبيكلة جديدة

تعنى بشلؤون الوقف حرا، بداية من اسلتحصال ريعه ومن ثم تنميته وتطويره

علرب اآلليات الرشعيلة والقانونيلة)�( - إىل إقامة أوقاف جديلدة تتفق مع رغبات

النلاس، واندفاعهلم نحو قطاع معلني يف احلياة، مثل مراكز حتفيلظ القرآن الكريم

)�( وأقصلد باسلتقالية هيكلهلا ما تم يف بعض اللدول العربية يف العقديلن األخريين بفصل وزارات ودواويلن وهيئلات األوقلاف التي كانت تعنى بالشلؤون اإلسلامية كافة، إىل دوائلر تعنلى بعضها بتنظيم أملور وحتصيل أموال الوقف وتنميته بمعلزل عن بقية أعامل املؤسسلات املنضويلة حتتها، فقد ظهرت يف ديب مؤسسلة مسلتقلة تعنى بشلؤون الوقف

وشؤون القر. وكذلك احلال يف بعض الدول العربية األخرى.

Page 124: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

124

والعللوم الرشعية، وكفالة األيتام، وبناء املسلاجد، وحفر اآلبلار، وبناء املدارس،

وإنشاء املستشفيات، وأمور املحافظة عىل البيئة، وغري ذلك كثري، ألغراض حمددة

مرسلومة مسلبقا، وخمطط هلا ختطيطا كاما، وال ينقصها سوى الدعم املايل، الذي

يتم احلصول عليه عن طريق مجع التربعات عرب الصناديق اخلاصة بكل قطاع عىل

حلدة، وهذه التربعات تكون موثقة بقوائلم وإيصاالت معلومة القيمة تذهب إىل

مؤسسة الوقف القائمة عىل إنشاء هذه املشاريع وفق آلية واضحة، وتنترش مكاتب

وقلف النقلود بجانلب مكاتلب اجلمعيات اخلرييلة التلي تعنى بجملع التربعات

يف أماكلن جتملع الناس كاملسلاجد واملراكز التجارية واألسلواق فضلا عن مقار

اجلمعيات اخلريية نفسها.

واهللدف من هذه العملية هو تنظيم العمل بالصناديق الوقفية يف إطار العمل

املؤسسلايت للتعاون بني أفراد املجتمع واملؤسسلات احلكوميلة واجلهات اخلريية،

وحسلب ما جلاء بتعريلف األمانلة العامة لألوقلاف بدوللة الكويلت للصناديق

الوقفية: بأهنا اإلطار األوسلع ملامرسلة العمل الوقفي، وملن خاهلا يتمثل تعاون

اجلهات الشعبية مع املؤسسات الرسمية يف سبيل حتقيق أهداف التنمية الوقفية)�(،

اسلتمرارا لسلنة الوقلف وإحيلاء هلا ملن االندثلار، فيام يصلب يف خدملة األفراد

واملجتمعات بطرق مناسبة متطورة، باعتبار أن هذه الصيغة سهلة وميسورة لكل

الناس، كل حسب استطاعته وطاقته.

)�( املوقلع اإللكرتوين الرسلمي لألمانة العاملة لألوقاف بدولة الكويلت، تعريف الصناديق الوقفية.

Page 125: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

12�

وقلد عرف األسلتاذ الدكتور حمملد الزحيي الصناديلق الوقفية بأهنلا: عبارة

علن جتميع أموال نقدية من عدد من األشلخاص عن طريق التربع السلتثامر هذه

األملوال، ثم إنفاقها أو إنفاق ريعها وغلتها عىل مصلحة عامة حتقق النفع لألفراد

واملجتملع، هبدف إحياء سلنة الوقف وحتقيق أهدافه اخلرييلة التي تعود عىل األمة

واملجتمع واألفراد بالنفع العام واخلاص، وتكوين إدارة هلذا الصندوق تعمل عىل

رعايته، واحلفاظ عليه، واإلرشاف عىل استثامر األصول، وتوزيع األرباح بحسب

اخلطة املرسومة)�(.

إذن فالصنلدوق الوقفلي هو وعلاء جتتمع فيه أموال موقوفة تسلتخدم لرشاء

عقلارات وممتلكات وأسلهم وأصول متنوعة تلدار عىل صفة )حمفظة اسلتثامرية(

لتحقيلق أعلىل عائلد ممكن ضملن مقلدار املخاطر املقبلول. والصنلدوق يبقى ذا

صفة مالية إذ إن رشاء العقارات واألسلهم واألصول املختلفة، ومتويل العمليات

التجاريلة ال يغلري من طبيعة هلذا الصندوق ألن كل ذلك إنام هو اسلتثامر لتحقيق

العائد للصندوق. فليسلت العقارات ذاهتا هي الوقف وال األسلهم، ومن ثم فإن

حمتويات هذا الصندوق ليست ثابتة بل تتغري بحسب سياسة إدارة الصندوق.

ويعرب عن الصندوق دائام بالقيمة الكلية ملحتوياته التي متثل مبلغا نقديا. وهذا

املبللغ هلو الوقف، وهو بمثابة العني التي جرى حتبيسلها. واألموال يف الصندوق

مقسلمة اىل حصص صغرية تكون يف متناول األفلراد الراغبني يف الوقف. وتوجه

)�( الصناديق الوقفية املعارصة، تكييفها، أشكاهلا،حكمها، مشكاهتا، األستاذ الدكتور حممد مصطفلى الزحيلي، بحث مقلدم إىل أعامل مؤمتر األوقلاف الثاين يف جامعلة أم القرى يف

الفرتة �8-�0ذي القعدة �4�7هل، ص4.

Page 126: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

12�

عوائلد الصنلدوق اىل أغلراض الوقف املحلددة يف وثيقة االشلرتاك يف الصندوق

ل عىل حتلت إرشاف ناظلر الوقف ويكلون للصندوق شلخصية اعتبارية إذ يسلج

صفة وقف، فالصندوق الوقفي إذن هو وقف نقدي.

املطلب الثاني: اإلطار الفقهي للصناديق الوقفية:

ليلس الغلرض من هلذا البحث دراسلة فقله الوقلف)�(، إذ يعد يف حلد ذاته

موضوعا كبريا جدا، وإن ما جاء من تقسليامت وتفاصيل ختصه، كان نتيجة رؤى

واجتهادات الفقهاء حسب القواعد العامة املقررة عند كل منهم، إذ يقول األستاذ

أمحد إبراهيم بيك: )أما تفاصيل الوقف وأحكام الوقف املقررة يف الفقه، فهي مجيعا

اجتهادية قياسلية، للرأي فيها جمال. غري أن فقهلاء األمة قد أمجعوا فيها عىل يشء:

هلو أن الوقف جيب أن يكون قربلة إىل اهلل تعاىل، يبتغى رضوانه وثوابه، فا يصح

أن يوقف مال عىل ما ليس بقربة مرشوعة، سواء أكان معصية أو كان غري معصية،

كالوقلف عىل األغنيلاء دون الفقراء ومجيع تللك األحكام الفقهيلة التفصيلية، يف

الوقلف، منهلا ما قد أخذ من نصلوص القرآن العامة التي تأمر باإلنفاق يف سلبيل

اخللري، وبصيانلة احلقوق، وأداء األمانلات الخ... ومنها ما قد اسلتنبط من بعض

نصوص السنة القولية أو العملية .. ومنها - وهو األغلب - أحكام بنيت: إما عىل

القواعلد الفقهية العامة، أو بطريق القياس عىل أشلباهها يف العلل، كأحكام وقف

)�( سلبق للباحث أن أعد كتابا حتدث عن جزئية من فقه الوقف يتعلق بمسلألة االسلتبدال، بعنلوان )اسلتبدال الوقف رؤيلة رشعية اقتصاديلة قانونيلة(، وقد قامت دائرة الشلؤون

اإلسامية والعمل اخلريي مشكورة بطباعته يف �009م.

Page 127: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

12�

املريض، وضامن ناظر الوقف وعزله، قياسا عىل تربع املريض ووصيته، وعىل ضامن

الويص وعزله، وإما عىل املصالح املرسللة، ككون إجارة األعيان املوقوفة ال جيوز

أن تتجاوز مدة العقد الواحد فيها سلنة أو ثاث سلنوات .. وكأحكام االستبدال

بالوقف، ووجوب البدء من غلة املوقوف وترميمه حفظا لعينه، ونحو ذلك( )�(.

وعليه فإن املسلائل املعارصة حتسم برأي املجامع الفقهية والدراسات البحثية

التلي تأخذ بنظر االعتبار املصالح العامة وتقدر ملآالت األمور وفق رؤية رشعية

مشلفوعة بآراء اخلرباء واملختصني يف شتى املجاالت املختلفة األخرى مثل الطبية

واالقتصاديلة والفلكية وملا إىل ذلك، من أجل الوصلول إىل احلكم الرشعي قدر

املستطاع، الذي يتناسب بدوره مع العر، برشط أن ال خيالف النصوص الرشعية

املتمثلة بالكتاب الكريم والسنة النبوية املباركة.

ووفقا لذلك فقد أصدر جممع الفقه اإلسلامي قراره املرقم ��8 )�9/7(

بشأن وقف األسهم والصكوك واحلقوق املعنوية واملنافع، وفيام يي نصه)�(:

)إن جملس جممع الفقه اإلسلامي الدويل املنبثق عن منظمة املؤمتر اإلسلامي

املنعقلد يف دورتله التاسلعة علرشة يف إملارة الشلارقة )دوللة اإلملارات العربيلة

املتحلدة( ملن � إىل � مجادى األوىل �430هل، املوافق �6 - 30 نيسلان )إبريل(

)�( أحكام الوقف، مصطفى أمحد الزرقا، دار عامن، عامن الطبعة األوىل، �4�8هل-�997م، ص�0. واألوىل الرجوع إىل كتاب أمحد إبراهيم بيك.

)�( القرارت والتوصيات، الدورة التاسعة عرشة ملجمع الفقه اإلسامي الدويل، إمارة الشارقة )دولة اإلمارات العربية املتحدة( �-� مجادى األوىل �430هل- �6-30 نيسلان أبريل

�009م.

Page 128: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

12�

�009م، بعد اطاعه عىل البحوث الواردة إىل املجمع بخصوص وقف األسلهم

والصكوك واحلقلوق املعنويلة واملنافع، وبعد اسلتامعه إىل املناقشلات التي دارت

حوله، قرر ما يأيت:

أوال: الوقف من أوسلع أبواب الفقله التي تقوم عىل االجتهاد، وهو ترف

معقلول املعنلى مرتبط بمقاصلد اللرشع، مبتغاه حتقيلق مصالح الوقلف للواقف

واملوقوف عليهم .

ثانيلا: وقلف األسلهم والصكوك واحلقللوق املعنلوية واملنلافلع ووحلدات

الصناديق االستثامرية:

إن النصلوص الرشعية اللواردة يف الوقف مطلقة يندرج فيها املؤبد واملؤقت،

واملفرز واملشاع، واألعيان واملنافع والنقود، والعقار واملنقول، ألنه من قبيل التربع

وهو موسع ومرغب فيه.

جيلوز وقلف أسلهم اللرشكات املباح متلكهلا رشعلا، والصكلوك، واحلقوق

املعنوية، واملنافع، والوحدات االستثامرية، ألهنا أموال معتربة رشعا.

ترتتلب عىل وقف األسلهم والصكلوك واحلقلوق واملنافع وغريهلا أحكام،

من أمهها:

�- األصل يف األسلهم الوقفية بقاؤها واستعامل عوائدها يف أغراض الوقف

وليلس املتاجلرة هبلا يف السلوق املالية، فليلس للناظلر الترف فيهلا إال ملصلحة

راجحة، أو برشط الواقف، فهي ختضع لألحكام الرشعية املعروفة لاستبدال.

Page 129: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

12�

�- للو صفيلت الرشكة أو سلددت قيمة الصكوك فيجوز اسلتبداهلا بأصول

الواقلف أو باملصلحلة أخلرى كعقلارات أو أسلهم وصكلوك أخلرى بلرشط

الراجحة للوقف.

3- إذا كان الوقف مؤقتا بإرادة الواقف يصفى حسب رشطه.

4- إذا استثمر املال النقدي املوقوف يف رشاء أسهم أو صكوك أو غريها فإن

تلك األسهم والصكوك ال تكون وقفا بعينها مكان النقد، ما مل ينص الواقف عىل

ذللك، وجيوز بيعها لاسلتثامر األكثلر فائدة ملصلحة الوقف، ويكلون أصل املبلغ

النقدي هو املوقوف املحبس.

�- جيلوز وقلف املنافلع واخلدملات والنقلود نحلو خدملات املستشلفيات

واجلامعلات واملعاهلد العلميلة وخدملات اهلاتلف والكهربلاء ومنافلع اللدور

واجلسور والطرق.

6- ال يؤثر وقف املنفعة ملدة حمددة عىل ترف مالك العني بملكه، إذ له كل

الترفات املباحة رشيطة املحافظة عىل حق الوقف يف املنفعة.

ر هلا. 7- ينقيض وقف احلقوق املعنوية بانتهاء األجل القانوين املقر

8- يقصلد بالتوقيت أن تكون للوقف مدة ينتهي بانقضائها. وجيوز التوقيت

بإرادة الواقف يف كل أنواع املوقوفات.

ملة ال يعرف أصحاهبلا أن يربئ 9- يمكلن مللن حلاز أمواال مشلبوهة أو حمر

تله ويتخللص من خبثها بوقفها عىل أوجه الرب العامة يف غري ما يقصد به التعبد، ذم

Page 130: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

130

من نحو بناء املسلاجد أو طباعة املصاحف، مع مراعاة حرمة متلك أسلهم البنوك

التقليدية )الربوية( ورشكات التأمني التقليدية .

�0- جيلوز مللن حاز أملواال هلا عائد حملرم أن يقف رأس ماله منهلا، والعائد

يكلون أرصادا له حكم األوقاف اخلريية؛ ألن ملرف هذه العوائد واألموال إىل

الفقراء واملساكني ووجوه الرب العامة عند عدم التمكن من ردها ألصحاهبا. وعىل

متلويل الوقلف أن يعمل بأرسع وقت عىل أن يسلتبدل هبذه األملوال ما هو حال

رشعلا وللو خالف بذللك رشط الواقلف، إذ ال عربة برشط الواقلف إذا تعارض

مع نص الشارع.

ويويص بام يي:

�- دعلوة احلكوملات واملجالس الترشيعية يف البلدان اإلسلامية إىل تعديل

قوانني ونظم األوقاف فيها بام يتفق مع قرارات جممع الفقه اإلسامي الدويل .

�- دعلوة وزارات التعليلم واجلامعلات يف البلدان اإلسلامية إىل ختصيص

مقررات دراسية تعنى بدراسة الوقف دراسة علمية موضوعية.

3- دراسلة املجملع موضلوع إدارة الوقف وأسسلها وتنظيمهلا وضوابطها

ومعايلري اختيلار واسلتمرار اإلدارة يف موقعهلا يف دورات قادملة، وأن تلويل هذا

املوضوع عناية خاصة باعتباره أساس نجاح وهنضة األوقاف واستثامراهتا(.

انتهى قرار املجمع ذو الرقم ��8)�9/7( .

Page 131: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

131

وكان املجمع الفقهي ذاته، قد أصدر قرارا سابقا بحث مسألتي استثامر أموال

الوقف، ووقف النقود، وفيام يي نص القرار:

)إن جملس جممع الفقه اإلسلامي الدويل املنبثق عن منظمة املؤمتر اإلسلامي

املنعقد يف دورته اخلامسة عرشة بمسقط )سلطنة عامن( �4 - �9 املحرم ���4هل،

املوافق 6 - �� آذار )مارس( �004م.

بعلد اطاعه عىل البحوث الواردة إىل املجمع بخصوص موضوع االسلتثامر

يف الوقلف ويف غاتله وريعله، وبعلد اسلتامعه إىل املناقشلات التلي دارت حوله،

التلي عقلدت هللذا النلدوات واملؤمتلرات وبالرجلوع إىل قلرارات وتوصيلات

الغرض، قرر ما يي:

أوال: استثامر أموال الوقف:

�- يقصد باسلتثامر أموال الوقف تنمية األموال الوقفية سواء أكانت أصوال

أم ريعا بوسائل استثامرية مباحة رشعا.

�- يتعني املحافظة عىل املوقوف بام حيقق بقاء عينه، ودوام نفعه.

3- جيلب اسلتثامر األصول الوقفية سلواء أكانت عقلارات أم منقوالت ما مل

تكن موقوفة لانتفاع املبارش بأعياهنا.

4- يعمل برشط الواقف إذا اشلرتط تنمية أصل الوقف بجزء من ريعه، وال

يعلد ذلك منافيلا ملقتىض الوقف، ويعملل برشطه كذلك إذا اشلرتط رصف مجيع

الريع يف مصارفه، فا يؤخذ منه يشء لتنمية األصل .

Page 132: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

132

�- األصلل عدم جواز اسلتثامر جزء من الريع إذا أطلق الواقف ومل يشلرتط

ري)�(. أما يف الوقف اخلريي فيجوز استثامره إال بموافقة املستحقني يف الوقف الذ

اسلتثامر جزء من ريعه يف تنمية األصلل للمصلحة الراجحة بالضوابط املنصوص

عليها الحقا.

6- جيوز استثامر الفائض من الريع يف تنمية األصل أو يف تنمية الريع، وذلك

بعد توزيع الريع عىل املسلتحقني وحسم النفقات واملخصصات، كام جيوز استثامر

األموال املتجمعة من الريع التي تأخر رصفها.

7- جيلوز اسلتثامر املخصصات املتجمعة ملن الريع للصيانلة وإعادة اإلعامر

ولغريها من األغراض املرشوعة األخرى.

8- ال مانع رشعا من استثامر أموال األوقاف املختلفة يف وعاء استثامري واحد

بام ال خيالف رشط الواقف، عىل أن حيافظ عىل الذمم املستحقة لألوقاف عليها.

9- جيب عند استثامر أموال الوقف مراعاة الضوابط اآلتية:

أ- أن تكون صيغ االستثامر مرشوعة ويف جمال مرشوع.

ب- مراعلاة تنلوع جملاالت االسلتثامر لتقليلل املخاطلر، وأخلذ الضامنلات

والكفلاالت، وتوثيلق العقود، والقيام بدراسلات اجللدوى االقتصاديلة الازمة

للمرشوعات االستثامرية.

ري: هو الوقف عىل مصالح األرسة من األوالد والذرية، ثم يؤول تباعا إذا ما )�( الوقف الذانقرضت الذرية إىل وقف خريي.

Page 133: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

133

جل- اختيار وسائل االستثامر األكثر أمانا، وجتنب االستثامرات ذات املخاطر

العالية بام يقتضيه العرف التجاري واالستثامري.

د- ينبغي استثامر أموال الوقف بالصيغ املرشوعة املائمة لنوع املال املوقوف

بلام حيقق مصلحة الوقلف، وبام حيافظ علىل األصل املوقلوف، ومصالح املوقوف

عليهلم. وعلىل هذا، فإذا كانلت األصول املوقوفلة أعيانا فإن اسلتثامرها يكون بام

ال يلؤدي إىل زوال ملكيتهلا، وإن كانت نقودا فيمكن أن تسلتثمر بجميع وسلائل

االستثامر املرشوعة كاملضاربة واملرابحة واالستصناع.. الخ.

هل- اإلفصاح دوريا عن عمليات االسلتثامر ونرش املعلومات واإلعان عنها

حسب األعراف اجلارية يف هذا الشأن.

ثانيا: وقف النقود:

�- وقلف النقلود جائز رشعلا، ألن املقصد الرشعي ملن الوقف وهو حبس

األصلل وتسلبيل املنفعة متحقلق فيها؛ وألن النقلود ال تتعني بالتعيلني وإنام تقوم

أبداهلا مقامها.

�- جيلوز وقلف النقود للقرض احلسلن، ولاسلتثامر إما بطريلق مبارش، أو

بمشلاركة عدد من الواقفني يف صندوق واحد، أو عن طريق إصدار أسلهم نقدية

وقفية تشجيعا عىل الوقف، وحتقيقا للمشاركة اجلامعية فيه.

Page 134: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

134

3- إذا استثمر املال النقدي املوقوف يف أعيان كأن يشرتي الناظر به عقارا أو

يستصنع به مصنوعا، فإن تلك األصول واألعيان ال تكون وقفا بعينها مكان النقد،

بل جيوز بيعها الستمرار االستثامر، ويكون الوقف هو أصل املبلغ النقدي.

ويويص بام يأيت:

�- دعوة الدول األعضاء بمنظمة املؤمتر اإلسامي، واملجتمعات اإلسامية

يف اللدول غلري اإلسلامية إىل املحافظلة عىل الوقلف ورعايته والعنايلة به، وعدم

ري اللذي قامت االعتلداء عليله، وإحياء بعلض أنلواع الوقف، مثلل الوقف الذ

بإلغائه بعض الترشيعات العربية واإلسامية.

�- دعلوة الدول العربية واإلسلامية واهليئات واملؤسسلات املعنية بشلؤون

األوقاف، وكذلك املنظامت العاملية املتخصصة إىل حتمل مسؤوليتها نحو األوقاف

يف فلسلطني بصلورة عامة، ويف القلدس الرشيف بصورة خاصلة، ومحايتها وبذل

اجلهلود للحفلاظ عىل معاملهلا، والدعلوة إىل تنميتهلا لتتمكن من حتقيلق أهدافها

وأداء رسالتها.

3- دعلوة احلكوملات اإلسلامية لتحمل بعلض مروفلات إدارة الوقف

ملا أمكن ذللك من بلاب املصلحلة العامة، وألهنلا املسلؤولة عن رعايلة مصالح

العباد والباد.

4- دعلوة اهليئلات املتخصصلة لوضلع معايلري رشعيلة وحماسلبية للتدقيلق

الرشعلي واملايل واإلداري يف أعامل الناظر، سلواء أكان فردا أم مجاعة أم مؤسسلة

Page 135: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

13�

أم وزارة. وينبغلي أن ختضلع إدارة الوقلف لقواعلد الرقابلة الرشعيلة واإلداريلة واملالية واملحاسبية.

�- رضورة وضلع ضوابلط معيارية لنفقات الوقف سلواء أكانت تسلويقية أم إعاميلة أم إداريلة أم أجورا أم مكافلآت لتكون مرجعا عنلد الرقابة والتفتيش

وتقويم األداء.

6- الدعلوة إلحيلاء نظام الوقف بجميلع أنواعه التي كان هللا دور عظيم يف احلضارة اإلسامية ويف التنمية البرشية والعلمية واالجتامعية واالقتصادية.

7- االستفادة من التجارب الرائدة يف إدارة الوقف ومحايته وتنميته يف بعض الدول العربية واإلسامية.

8- رضورة إعطاء األولوية يف استثامرات األوقاف للباد اإلسامية.

واهلل أعلم()�(.

املطلب الثالث: عالقة الصناديق الوقفية مبفهوم االدخار:

ذكرنلا يف بداية بحثنلا أن االدخار من حيث معناه العام هلو عبارة عن إخفاء اليشء واالنتفاع به يف وقت احلاجة إليه.

ويف معناه االقتصادي العام: التوقف عن اإلنفاق بشلكل عشلوائي، وهو أمر واجب وحتمي من أجل حتقيق التنمية .

)�( امللوقلع الرسمي ملجملع الفقه اإلسلامي الدويل، املنبثق عن منظمة امللؤمتلر اإلسلامي.www.fiqhacademy.org.sa

Page 136: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

13�

أملا االدخلار يف معنلاه االقتصلادي اخلاص فيعنلي: تأخري اإلنفلاق إىل أجل

معلني، رشط أن يوضع املال املؤجل إنفاقله وإىل حني أجله، لدى هيئة متخصصة

يف إدارة االدخار.

فاالدخار مفهوم واسلع يشلمل كل ملا يمكن إخفاؤه وعلدم الترف به إىل

وقلت تكلون احلاجلة إليه ملحلة، وهذا يشلمل املال وغلري املال، ومللا كانت أكثر

األشلياء املادية يتم احلصول عليها عن طريلق املال، كان املال هو عنوان االدخار،

ألن ادخلاره يعنلي أن الشلخص يسلتطيع احلصول عىل األشلياء املاديلة األخرى

من خاله.

وهلذا املعنلى هلو الذي يعنينلا يف هذا املطلب اللذي يبحث علن العاقة بني

موضوعي الصناديق الوقفية واالدخار.

ولعلل أحدا يسلتغرب من وجود عاقة بني االدخلار الذي يعني إخفاء يشء

واالنتفلاع بله يف وقت احلاجة، وبلني الصناديق الوقفية التي تعنلي بتجميع أموال

نقديلة ملن الناس علن طريق التربع السلتثامر هذه األملوال، ثم إنفاقهلا أو إنفاق

ريعها وغلتها عىل مصلحة عامة حتقق النفع لألفراد واملجتمع.

وهلذا االسلتغراب يكون نابعا ملن النظرة املاديلة الضيقة التلي ال تبر إال

امللموس، والتي تسلود األنظمة االقتصادية غري اإلسلامية عىل خمتلف توجهاهتا

ورؤيتهلا باعتبارها ال ترى للقيم عاقة باالقتصلاد الوضعي، ما دامت هذه القيم

Page 137: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

13�

ال تعلود بملردود مادي، فضا عن أن حتث هذه القيم علىل إنفاق املال ورصفه يف

أوجله ال تعلود عىل صاحبه بمنافع ماديلة آنية! فقد فصلت النظرة الرأسلاملية بني

االقتصاد واألخاق ويف هذا األمر يقول أستاذنا الدكتور جاسم الفارس)�(:

)يف حني إن معظم حتليات علامء االقتصاد الغريب ]ادجورث، فونتون، ليون

واللراس، جينفونز، مارشلال، روبنسلون[ انطلقلت من قيم أخاقيلة. لكنها قيم

ن األزيل واألسايس مادية تكونت يف إطار رؤية للعامل تقوم عىل عد املادة هي املكو

للكون، الذي ال حتكمه حكمة أو هدف أو أسلاليب هنائية، األمر الذي أصبحت

معه املشاعر والقيم البرشية توصف بأهنا جمرد أوهام ال يوجد ما يربرها يف الواقع،

لذا فإن الثروة وامللذات اجلسدية واملرسات احلسية هي القيم الوحيدة التي يمكن

أن يسلعى امللرء إىل حتقيقهلا، أو هي أعظلم تلك القيم. لقد سلحقت تللك القيم

اإلنسلان وجردته من عرقه الروحي، ومل تسلتطع اقتصاديات الرفاهية والوفرة يف

أحسن احلاالت أن توفر له إشباعا روحيا يرتقي بإنسانيته إىل أعىل، وهي مهمة من

مهامت االقتصاد()�(.

بينام ختتلف النظرة كليا يف اقتصادنا اإلسامي الذي تقوم خصائصه ومقوماته

عىل ما يأيت:

)�( أستاذ االقتصاد اإلسامي بكلية اإلدارة واالقتصاد بجامعة املوصل بالعراق.)�( البعد القيمي يف السلوق اإلسلامية، د.جاسلم الفارس، جملة آفاق اقتصادية، جملة فصلية تصلدر عن احتلاد غلرف التجلارة والصناعة يف دوللة اإلملارات العربية املتحلدة، مركز

البحوث والتوثيق، املجلد �3، العدد89 السنة ���4هل، ص�8.

Page 138: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

13�

�- االقتصلاد اإلسلامي جلزء ملن كل، فهلو جلزء ملن النظام اإلسلامي

الشلامل )عقيلدة ورشيعلة(، فلا ينبغي أن نعزلله عنهلام، وهذا يتجىل يف مسلألة

احلال واحلرام.

�- لاقتصاد اإلسلامي طابع تعبدي، فالنية معتلربة، واألمور بمقاصدها،

فالصدقلة والوقلف عىل وجلوه اخلري وإقلراض املحتلاج وإمهال املديلن املعرس،

والتخفيف عنه، أمور يتقرب هبا إىل اهلل تعاىل.

3- للنشاط االقتصادي يف اإلسام هدف سام، بينام األنظمة الوضعية قائمة

عىل املنافسة واالحتكار وعدم مراعاة القيم واألخاق.

4- الرقابة عىل النشلاط االقتصادي يف اإلسلام ذاتية يف املقام األول )وجود

اللوازع الدينلي( بينلام يف النظلم الوضعيلة رقابتهلا خارجيلة ألهنلا انفصلت عن

الدين متاما.

�- االقتصاد اإلسلامي حيقق التوازن بني مصلحة الفرد ومصلحة اجلامعة،

عىل عكس األنظمة األخرى.

ملن هلذه اخلصائص والسلامت نلدرك أن وظيفة امللال يف اإلسلام ال تنتهي

هبذه احليلاة الدنيا، وإنام هنلاك حياة آخرة هي ثمرة هلذه احليلاة األوىل، ووفق هذا

املفهلوم فاإلنسلان بحاجلة ماسلة إىل تقديم ملا يمكن تقديمله من أملوال للحياة

اآلخلرة باعتبلار أن ما ينفق يف طريلق اخلري لن يذهب سلدى؛ إذ يقول عز وجل:

Page 139: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

13�

﴿ ی ی ی ی جئ حئ﴾)�( ويقلول النبلي ملسو هيلع هللا ىلص: »ما من يوم يصبح إال

وملكان يقوالن )اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا(«)�( وعىل هذا املفهوم

فامللال يف حيلاة املسللم ليس غاية يف ذاته، وإنام هو وسليلة لغاية أسلمى، فإذا كان

املال وسليلة إىل السلعادة الدنيويلة يف نظر االقتصاد املادي، فهلو يف نظر االقتصاد

اإلسامي وسيلة إىل السعادة الدنيوية واألخروية معا. عىل أن كل استمتاع مادي

دنيلوي ال يكلون اسلتمتاعا ما مل ينعكس عىل مشلاعر املرء وأحاسيسله، وأثار فيه

عاطفلة أو معنلى، لذلك نجد النبي ملسو هيلع هللا ىلص يقول: »ما آمن يب من بات شلبعان وجاره

بجنبه جائع وهو يعلم به«)3( .

يف حلني كانلت النظرة الرأسلاملية نابعة من تعظيلم املنفعة الذاتيلة النابعة من

األنانيلة التلي نظلروا إليها من منظور فلسلفي عىل أهنا ليسلت )رشا حمضلا( وإنام

هي قيمة يف ذاهتا بوصفها إحدى مظاهر اهتامم اإلنسلان بنفسله، فهي القيمة التي

تتحلرك بحرية مطلقلة، وهذه النظرة وفق مفهوم الرأسلاملية مل تلأت من فراغ إنام

هي جزء من تكوين النفس البرشية، فهو اجلزاء الذي تؤدي سليادته عىل السللوك

اإلنسلاين إىل حتول اإلنسلان إىل كائن اسلتقايل قائم بذاته، وحتى يقوم بذاته البد

أن يكون شلحيحا، مصلحيا بالرضورة، فيقوم وجوده كله عىل التملك والتملك

)�( سورة سبأ جزء من اآلية 39.)�( رواه البخلاري يف صحيحله علن أيب هريلرة ريض اهلل عنله يف كتاب الزكاة، بلاب فأما من

أعطى واتقى وصدق باحلسنى،�/���. )3( رواه الطرباين يف املعجم الكبري�/��9، قال اهليثمي رواه الطرباين و البزار وإسناد البزار

حسن، جممع الزوائد، �67/8.

Page 140: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

140

فقلط، حيث تتمحلور قراراته االقتصادية وغري االقتصادية كذلك حول األشلياء

وكيفية حصوله عليها وامتاكها والسيطرة عليها. األمر الذي جيعل اإلنسان نفسه

موضوعا للتملك)�(.

فلإذا كانت النظم االقتصادية الوضعية تسلعى إىل حتقيق النفع املادي، سلواء

أكان لصالح الفرد وحده أو املجتمع دون الفرد، فإن اإلسلام جيعل من النشلاط

االقتصادي وسليلة لتحقيق هدف أسلمى، هو حتقيق النفع للفرد واملجتمع يف آن

واحد،عن طريق التوازن بني مصلحة الفرد واألمة من خال األمور اآلتية:

�- حلث اإلسلام عىل الرتاحم بني النلاس، وإقامة املجتمع عىل أسلس من

املحبلة وامللودة والتعاطف، فجعل يف أموال األغنياء حقا للسلائل واملحروم، فهو

حق من غري تفضل أو منة.

�- كل مسللم مسلؤول مسلؤولية تامة عمن يعلول، أوالده، زوجته، أبويه،

وكل ملن حيتلاج ملن أقاربه وأرسته، وتتسلع هلذه التبعية لتشلمل اجللار القريب

والبعيد، والفقراء واملساكني.

3- التفاوت بني الناس يف األرزاق موجود، كل وفق طاقته ومواهبه، لكنهم

أمام اهلل تعاىل ثم احلكام والناس سلواء يف احلقوق والواجبات، فليس املال أساسا

لتقييم الناس يف املجتمع اإلسامي.

)�( سلبق التفصيلل يف مسلألة امللكيلة يف كتاب مسلتقل بعنلوان )امللكيات الثلات يف النظام االقتصادي اإلسامي( للمؤلف.

Page 141: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

141

4- الثقلة يف التعاملل، ومنها املعامات املالية، فحلث عىل األمانة والصدق،

والوفاء، وااللتزام بالوعد، وقد وردت النصوص الكثرية جدا هبذه املعاين الراقية

إذ يقلول النبلي ملسو هيلع هللا ىلص: »التاجر األمني الصدوق ملع النبيني والصديقني والشلهداء

والصاحلني«)�(، وقوله ملسو هيلع هللا ىلص: »البيعان باخليار ما مل يفرتقا، فإن صدقا وبينا بورك هلام

يف بيعهام، وإن كتام وكذبا حمقت بركة بيعهام«)�(.

�- كام حث اإلسام عىل ترخيص األسعار، وهنى عن االحتكار، وحث عىل

جلب السللع وإكثارها، من أجل حتقيق مبدأ )كثرة العرض عىل الطلب( إذ يقول

النبي ملسو هيلع هللا ىلص )اجلالب مرزوق واملحتكر ملعون()3(.

فإذا أضفنا إىل ذلك كله ما حرمه اإلسلام من وسلائل االبتزاز واالستغال،

من حتريم الربا وامليرس، وتطفيف امليزان، والرشلوة، واستغال النفوذ، والرسقة،

والغصب، وغري ذلك مما يرض باحلياة االقتصادية، تبني لنا دور القيم واألخاق يف

اسلتقرار احلياة االقتصادية وتنمية اإلنتاج وإتقانه، يف ظل جمتمع مرتابط متامسك،

يسوده احلب والوئام.

)�( رواه الرتملذي يف سلننه يف كتلاب التجلارات، بلاب احلث عىل املكاسلب، برقم ��39، .7�4/�

)�( رواه البخاري يف صحيحه يف كتاب البيوع، باب ما يمحق الكذب والكتامن يف البيع، برقم .733/� ، �976

)3( رواه البيهقلي يف السلنن الكربى، يف باب من سللف يف يشء فلا يرفه، برقم �0934، .30/6

Page 142: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

142

املطلب الرابع: عالقة الصناديق الوقفية بالصناديق االستثمارية.

يمكلن أن نشلري إىل أهلم ملا تتميلز بله الصناديلق الوقفيلة علن الصناديلق

االستثامرية بام يي:

�- غايلة إنشلاء الصناديلق الوقفية غاية أخرويلة يرجو الواقلف فيها األجر

والثلواب ملن اهلل عز وجل، يف حلني أن غاية املشلاركة يف الصناديق االسلتثامرية

دنيوية، يرجو املشارك فيها عائدا ماليا ينتفع به يف أمور معاشه.

�- كذللك فلإن غاية الصناديلق الوقفية تتمثل بإجياد مشلاريع تنموية تصب

يف خدملة اإلنسلان وبنائله الروحي واجلسلدي والنفليس كاملؤسسلات التعليمية

والصحية واالجتامعية وما إىل ذلك.

يف حلني غايلة الصناديق االسلتثامرية تتمثلل بتجميع املدخرات واسلتثامرها

بمشاريع مضمونة رسيعة العائد، غالبا ما تتمثل باألسواق املالية ومن ثم املجاالت

االقتصادية األخرى.

3- اهلدف املتوخلى من الصناديق الوقفية يتمثل بتحقيق عائد مايل من الريع

للجهة املوقوف عليها.

يف حني اهلدف املتوخى من الصناديق االستثامرية يتمثل بتحقيق عائد مايل من

أرباحه يعود عىل املسامهني أنفسهم.

Page 143: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

143

4- ال يسلتطيع صاحلب السلهم الوقفلي الرجلوع علن وقفله، وال يمكلن

للمؤسسلة من تصفية الصندوق الوقفي إال من خال ترشيع من اجلهة القائمة يف

البلد بشؤون الوقف، وفق رشوط استبدال الوقف التي يصدرها القايض.

يف حني يمكن لصاحب السلهم املشلارك يف الصناديق االسلتثامرية بيع ونقل

ملكيته واخلروج من الصندوق متى شلاء، وفق سلعر السلهم اليومي يف األسواق

املالية يف ذلك الوقت.

املطلب اخلامس: أهداف الصناديق الوقفية:

تعلد فكرة إجياد الصناديق الوقفية - من وجهة نظري - من خال املشلاريع

املطروحلة وما متثلله من حتريك لعواطف النلاس فكرة تنظيميلة بالدرجة األوىل،

إذ تتلوىل توجيله النفقلات والصدقلات والتربعات التلي يقدمها النلاس طمعا يف

ثلواب اهلل علز وجل إىل طريق نافع ومفيد عىل مسلتوى األفلراد واملجتمعات من

خال إجياد القنوات املائمة لرفها من أجل تصحيح مسلار هذه األموال، بدال

من تقديمها يف غري قنواهتا الصحيحة.

وقد أثبت الواقع العمي يف تطبيق فكرة الصناديق الوقفية واجلمعيات اخلريية

أهنلا أدت إىل احللد من الكثري من الظواهر السللبية للحاالت املصاحبة للتكسلب

باالستجداء والشحاذة يف الدول التي أقدمت عىل تطبيقها، يف حني ال تزال بعض

م كثري من الناس اخلري للغري رغم اللدول تعلاين من كثرة هذه الظواهر فيها، إذ يقد

Page 144: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

144

ثقلله علىل النفس يف بعض األحيان، ولكن غالبا ملا يكون هذا اإلنفاق غري موجه

وغري مدروس، فغاية ما يقوم به املرء تقديم املال ألي شخص ياقيه يدعي الفقر،

يف طريقة أشبه ما تتمثل بمجرد التخلص من املال، دون التفكري بالطريقة املناسبة

لتحديد مسلار هذا اإلنفاق. وهذا الترف يف حد ذاته قد يكون تشلجيعا من قبل

املتصلدق - بقصلد منه أو غري قصد - ملن يقوم بعملية سلؤال الناس املال، وذلك

خماللف للهدي النبوي الرشيلف إذ يقول النبي ملسو هيلع هللا ىلص فيام رواه البخاري بسلنده عن

الزبلري بلن العوام ريض اهلل عنه، عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال: »ألن يأخذ أحدكم حبله فيأيت

بحزمة احلطب عىل ظهره فيبيعها فيكف اهلل هبا وجهه خري له من أن يسلأل الناس

أعطلوه أو منعلوه«)�(، فهلو تقبيلح وتوبيخ من النبلي ملسو هيلع هللا ىلص هلذا األمر ومللن يقوم به

السليام إذا كان قلادرا عىل العمل، وإن كان هذا العمل شلاقا، كام يف الصورة التي

بينها النبي ملسو هيلع هللا ىلص.

وملع انتشلار ظاهرة التسلول والكسلب عن طريقهلا، وتعدد أشلكال احليل

والتفنلن يف النصلب واالحتيلال ملن خال شلبكات منظملة تدير هلذه الظواهر

وترعاهلا من أجل اسلتاملة عاطفلة املتصدق، وإجبلاره عىل التصدق مللا يرى من

حاالت بعضها مفتعلة، سلواء أكانلت مرضية أو اجتامعيلة أو اقتصادية وغريها،

جاءت فكرة الصناديق الوقفية للحد من هذه الظواهر السلبية، ومن أجل تصحيح

مسارها بالطريقة النافعة، واهلل تعاىل أعلم.

)�( رواه البخاري يف كتاب الزكاة، باب االستعفاف عن املسألة برقم ��40، �/��3.

Page 145: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

14�

وقد ذهبت أغلب املؤسسات الوقفية)�( إىل أن اهلدف من الصناديق الوقفية هو

املشلاركة يف اجلهود التي ختدم إحياء سلنة الوقف عن طريق مرشوعات تنموية يف

صيغ إسامية تلبي احتياجات املجتمع املعارص،عن طريق الوقف عليها، والعمل

علىل إنفاق ريع األملوال املوقوفة لتلبيلة االحتياجات االجتامعيلة والتنموية التي

حيتاجهلا املجتملع من خال برامج عمل تراعي حتقيق أعلىل عائد تنموي، وحتقق

الرتابلط بني املرشوعات الوقفية، وتتجمع كلها لتعضد املرشوعات األخرى التي

تقوم هبا األجهزة احلكومية ومجعيات النفع العام. فمع تنامي احتياجات املجتمع

وانحسار دور الدولة يف تلبية حاجات املجتمع يف وقتنا احلارض، ينبغي البحث عن

مصلادر جديدة وبدائل حديثة لسلد النقص احلاصل من ذلك االنحسلار، بدعوة

أصحلاب اخللري واألثرياء خاصة، ورجلال األعامل إىل املسلامهة يف وقف أمواهلم

بالتلربع والتصدق بمبالغ نقدية مهام بلغ مقدارها، للحصول عىل رأس مال يوجه

نحو سد حاجة حتقق املصلحة العامة.

كذلك متثل فكرة الصناديق الوقفية فرصة طيبة ألكرب قدر ممكن من املسلمني

ملن أصحلاب الدخل املحدود لتحقيق سلنة الوقف - التي تلكاد تكون حمصورة

باألغنيلاء -، فهلم كأفراد ال يمكن هلم القيام هبلا باعتبارهم من حمدودي الدخل،

مع متتعهم بمسلتوى متوسلط أو جيد يف املعيشلة، ومع وجود دخول منتظمة هلم

)�( مثلل األمانة العاملة لألوقاف بالكويت، كام يظهر ذلك من خال موقع اهليئة اإللكرتوين الرسمي.

Page 146: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

14�

متكنهم من ادخار نسبة منها، وهم كسائر املسلمني يف كل عر ومر حيبون فعل

اخللريات، ولو بمباللغ قليلة، هذه املباللغ القليلة من شلأهنا أن تتجمع بالصناديق

الوقفيلة فتكلون مباللغ كبلرية تسلهم يف إنشلاء مشلاريع خمتلفلة تصلب يف وجوه

اخلري املختلفة.

• • •

Page 147: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

14�

املبحث الرابع

القروض من أهم آفات وموانع االدخار

الشلك بأن القرض احلسلن خلق إسلامي رفيع أكده اإلسام وحث عليه،

فاإلسلام حينام رشع أمر القرض والدين)�(، إنام رشعه لسلد حاجة ما، فالقرض

هو املال الذي يقدمه صاحبه ملن يطلبه منه مقابل إرجاعه إليه، عند األجل املتفق

عليه بينهام، أو حينام ييرس اهلل تعاىل عىل املقرتض ليسد ما بذمته قبل األجل. حيث

يقلوم مبدأ القرض، عىل مبدأ التخفيف والتيسلري عىل املقرتض الذي ال يسلتطيع

سلداد دينه ألسلباب قهريلة، إذ يقلول تعلاىل: ﴿ې ى ى ائ ائ ەئ

ەئ ﴾)�( ويف احلديلث الرشيلف علن أنس بلن مالك ريض اهلل تعلاىل عنه قال:

قلال رسلول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »رأيت ليلة أرسي يب عىل باب اجلنلة مكتوبا: الصدقة بعرش

أمثاهلا والقرض بثامنية عرش، فقلت: يا جربيل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟

قال:ألن السلائل يسأل وعنده، واملستقرض ال يستقرض إال من حاجة«)3(. وعن

)�( الفلرق بلني الدين والقرض أن القرض أخص من الديلن، فالقرض أن تأخذ �00 درهم لرتد �00 درهم مثلها، والدين قد يكون يف بيع مؤجل، كأن تشلرتي عقارا أو سليارة أو آللة أو طعاملا، فتأخذ ما اشلرتيت عىل أن تدفلع ثمنه دفعة واحدة يف أجلل حمدد، أو عىل أقسلاط معلومة اآلجال، وال حيسلن االقرتاض إال حلاجة، ألن القرض فيه منة، بخاف الدين املؤجل يف البيع، ليس فيه منة، ألن للزمن فيه حصة من الثمن، أي جيوز يف البيع أن يلزاد ألجلل التأجيل، وال جيوز هذا يف القرض. ينظر: املجموع يف االقتصاد اإلسلامي،

أ.د. رفيق املري، دار املكتبي، دمشق، �4�6هل-�006م، ص304. )�( سورة البقرة جزء من اآلية �80.

)3( رواه ابن ماجه يف سننه، يف باب القرض،برقم ��43، �/��8 .

Page 148: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

14�

حذيفة قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »تلقت املائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا:

أعملت من اخلري شيئا قال: ال، قالوا: تذكر، قال: كنت أداين الناس فآمر فتياين أن

ينظروا املعرس، ويتجوزوا عن املورس، قال: قال اهلل عز وجل: جتوزوا عنه«)�( .

وعن سلليامن بن بريدة عن أبيه قال: سمعت رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص يقول: »من أنظر

معرسا فله بكل يوم مثله صدقة«. قال: ثم سمعته يقول: »من أنظر معرسا فله بكل

يوم مثليه صدقة. فقلت: سمعتك يا رسول اهلل تقول من أنظر معرسا فله بكل يوم

مثله صدقة، ثم سلمعتك تقول من أنظر معرسا فله بكل يوم مثليه صدقة، قال له:

»بلكل يلوم صدقة قبلل أن حيل الدين، فإذا حلل الدين فأنظره فله بلكل يوم مثليه

صدقلة«)�(. لذلك فقد يمر املرء دون رغبة منه يف حياته يف شلدة تدعوه القرتاض

)�( رواه مسللم يف صحيحله، كتلاب املسلاقاة، بلاب فضلل إنظلار املعلرس، برقلم ��60، .��94/3

)�( رواه اإلمام أمحد يف مسنده عن بريدة األسلمي ريض اهلل عنها، مسند اإلمام أمحد بن حنبل، مؤسسة قرطبة، مر، برقم �3096، �/360. قال اهليثمي يف جممع الزوائد: روى ابن ماجه طرفا منه ورجاله رجال الصحيح، �3�/4.. جاء يف حتقيق طبعة مؤسسة الرسالة ملسلند اإلمام أمحد أيضا: إسلناده صحيح عىل رشط مسللم،رجاله ثقات رجال الشيخني غري سلليامن ابن بريدة. وأخرجه ابن أيب شليبة يف مسلنده كام يف ختريج أحاديث الكشاف للزيلعي�/�66 ومن طريقه احلاكم�/�9 عن عفان بن مسلم هبذا اإلسناد،ولفظه )من أنظلر معلرسا، فله بكل يوم صدقة قبل أن حيل الديلن، فإذا حل الدين، فأنظره بعد ذلك، فله بكل يوم مثله صدقة( وأخرجه إسلحاق بن راهوية يف مسلنده كام يف ختريج الكشاف �/�66وأبلو يعىل يف مسلنده الكبلري كام يف ختريلج أحاديث الكشلاف �/�66وجامع املسلانيد �/��8 والطحلاوي يف أحاديلث حمملد بلن جحلادة كلام يف ختريلج أحاديلث الكشلاف�/�66 وأبو نعيم يف أخبار أصبهان�/�86 والبيهقي يف السنن�/3�7 ويف شلعب اإليامن����6 و����6، وابن عسلاكر يف تاريخ دمشلق778/�4 وقوله: يف احلديلث: إن لله بكل يوم مثله صدقة قبل أن حيل الدين، وله بكل يوم مثليه صدقةبعد =

Page 149: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

14�

مبلغ ما، ولكن عىل أن ال يكون ذلك معلام يف حياته، إذ جاء التحذير الشلديد من

قبل النبي ملسو هيلع هللا ىلص من الوقوع يف مثل هذا األمر، حينام كان يستعيذ باهلل تعاىل يف صباح

ومسلاء كل يلوم وليلة من أملور، وعد منها ضللع الدين وقهر الرجلال)�(، ملا فيه

ملن رضر نفيس ومادي عىل الفرد، يشلعره باملهانة واهلزيملة الداخلية، إذ بلغ من

تفظيع أمر الدين، أن اهلل تعاىل يغفر للشهيد كل يشء باستثناء الدين، بل كان النبي

ملسو هيلع هللا ىلص، ال يصلي صلاة اجلنازة أصا عىل من مات ويف ذمته دين، إال أن يتكفل أحد

احلارضيلن بالوفاء علن املتوىف)�(، حتى قال عليه الصاة والسلام: »نفس املؤمن

معلقة بدينه حتى يقىض عنه«)3(.

= حلوله، قال: يف األوىل)مثله( ويف الثانية: )مثليه( تفرد أمحد بروايته هبذا اللفظ، فقد رواه ابن أيب شليبة عن عفان، فقال: )فله بكل يوم صدقة قبل أن حيل الدين، فإذا حل،فأنظره بعد ذلك، فله بكل يوم مثله صدقة( أطلق الصدقة يف األوىل، وجعلها بمقدار القرض يف الثانية. املوسلوعة احلديثية مسلند اإلمام أمحد بن حنبل، مؤسسة الرسالة، الطبعة األوىل،

���4هل- ��00م. )�(اللهم إين أعوذ بك من اهلم واحلزن والعجز والكسل والبخل واجلبن وضلع الدين وغلبة الرجال، جزء من حديث رواه البخاري يف كتاب التعوذ، باب: التعوذ من غلبة الرجال،

عن أنس بن مالك ريض اهلل عنه، برقم �600، �/�340.)�( مع وجود خاف بني العلامء بأن هذا كان يف بداية األمر، ثم نسلخ، حلديث البخاري )أنا أوىل باملؤمنلني من أنفسلهم فمن ترك ملاال فلورثته، ومن ترك دينا فعلي قضاؤه( عن أيب هريرة ريض اهلل عنه، وقد قال بعض رشاح احلديث: هذا خاص به عليه الصاة والسام يدفعله ملن بيت مال املسللمني، فتلح الباري، البلن حجر، بلاب من ترك ملاال فألهله،

9/��)3( رواه الرتملذي يف بلاب ملا جاء النبي ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال نفس املؤمن معلقلة بدينه، عن أيب هريرة برقلم�087، 389/3. قلال العجلوين: رواه اإلمام أمحد والرتمذي وحسلنه عن أيب =

Page 150: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�0

ومن هنا ندرك تلك املكانة السامية التي أوالها اإلسام للقرض، هذا اخللق

العظيم، الذي قد يسلد عجزا أو يمنع عوزا طارئا حيل بأحد من الناس فا جيد ما

يسد عوزه، فيعمد إىل أحد اخلريين ليطلب منه قرضا، يبقى يف ذمته، عىل أن يوفيه

يف أجل ما، يتفقان عليه يف احلال كتابة.

وقد تبنت هذا اخللق اإلسلامي األصيل جهات ومؤسسلات مالية إسامية

- جزاهلا اهلل خري اجلزاء - فقدمت قروضا حسلنة من غري فائلدة أو زيادة، لكنها

وقعت يف مشكلة اسرتداد املال، األمر الذي جعل تلك املصارف تضيق وحتد من

تلك القروض احلسلنة إىل حد كبري، فا تقدم القرض احلسلن اخلايل من أي فائدة

إىل املتعامل إال إذا كان راتبه حموال عىل املرف نفسه أصا، كي يتمكن - املرف

- من اسرتداد القدر املتفق عليه سلفا، مع بداية نزول الراتب الشهري للمتعامل،

إىل جانب وجوب تقديم املتعامل للمرف - اجلهة التي تقدم القرض احلسلن -

ما يثبت حاجته املاسلة هلذا القرض، إذ قيدوها يف الغالب بأمرين، جيب أن يثبت

أحدمها بام يؤيده يف ذلك:

األول: مستشفى يتعالج هبا هو أو أحد أفراد أرسته.

الثاين: مدرسة خاصة لتعليم األوالد .

= هريرة رفعه، قال املناوي: إسلناده صحيح، وقال: املراد إن اسلتدانه يف فضول أو حمرم، ينظر: كشلف اخلفاء ومزيل اإللباس إلسلامعيل بن حممد العجلوين، مؤسسلة الرسلالة،

الطبعة السادسة، �4�7هل- �996م،�/4�9.

Page 151: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�1

ورغلم كل اإلجلراءات الازمة التي اختذهتا املصارف اإلسلامية، من أجل

تقديم قروض حسنة وضامن اسرتدادها، بعد تقديمها للعميل دون أي فائدة تعود

علىل املرف، فإن ثمة مماطات وجدت عند بعلض املتعاملني)�(، مما خلط األمر

بني املدين املؤرس واملعرس)�(.

هلذا يف حالة ملا إذا كان االقرتاض مربرا، أما يف حاللة االقرتاض غري املربر،

فللم يعد خيفى عىل أحد تلك املشلاكل املرتتبة عىل حقيقلة هذه الديون والقروض

التي أتعبت أصحاهبا، بعد أن عجزوا عن السداد، بسبب أن أغلب هذه الديون قد

تم اقرتاضها من مؤسسات تقليدية ربوية، وأساس عملها قائم عىل جتارة الديون،

فهي تقدم القرض ال عىل أساس أنه قرض حسن، وإنام تقدمه عىل أساس الفائدة

املحسلومة مسلبقا وهذا ما أصبلح يعرفه القايص واللداين، والصغري والكبري، فا

عذر ألحد عىل أن يثقل نفسله بقروض ثقيلة قد ال يسلتطيع سلدادها العمر كله،

السيام وأن حقيقة هذه القروض مل تكن عىل أمور رضورية أو حاجيه، وإنام كانت

معظمها عىل أمور حتسينية وكاملية)3(.

)�( دراسلة هليئلات الفتلوى والرقابة الرشعية يف املؤسسلات املالية اإلسلامية تقييام وواقعا، تعلارض الفتوى أنموذجا، للمؤلف، بحث مقدم ملؤمتر املصارف اإلسلامية بني الواقع واملأملول، اللذي أقامتله دائرة الشلؤون اإلسلامية والعملل اخلريي بديب ملن �3/�-

�009/6/3م.)�( رسلالة للباحلث مطبوعلة بعنلوان: )إنظار املعلرس ورضورة التفريق بلني املعرس احلقيقي

واملامطل(، ���0م.)3( سلبق للباحث وأن فصل بعض األمثلة املعارصة حلاالت االقرتاض غري املربر يف كل من

الدراستني السابقتني املشار إليهام يف اهلامشني السابقني.

Page 152: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�2

أما عن دور القروض يف تعطيل االدخار فتتمثل باآلثار املرتتبة عىل املقرتضني،

ورضورة إجياد القسلط الشلهري الدوري املتفق عليه مع املؤسسلة املانحة، السيام

التقليديلة منها إذ يرتتب عىل التأخري يف دفع القسلط الشلهري، فائلدة نقدية متفق

عليهلا بلني الطرفني مسلبقا، وعليه فلإن التأخري يرض باملقلرتض يف كل احلاالت،

بحيث يدور املقرتض يف فلك الوفاء بااللتزامات السلابقة خوفا من تراكمها، وال

شلك بلأن هذه القروض يف حلد ذاهتا موانع مهمة من موانلع االدخار، فضا عن

الفوائد املرتتبة عليها.

وكام نعلم فإن رأس املال إنام يزداد باالدخار، ويتناقص باهلدر وسوء اإلدارة.

وسلوء اإلدارة يعنلي عدم التخطيلط الصحيح لكل يشء بام يف ذللك املال وكيفية

املحافظة عليه، فضا عن احلصول عليه وهدره بالطرق غري املحسلوبة مسلبقا. إذ

متثلت عملية سلوء اإلدارة يف العديد من الصور التي تم عىل أساسلها هدر نسلبة

عاليلة من األموال عىل مسلتوى األفلراد واملجتمعات كان بإمكاهنا أن تسلاهم يف

حتسلني خطلط التنميلة، إذ ال يعني جمرد زيلادة االدخار ازدهارا وتنميلة اقتصادية

ونموا مطردا إال إذا كان هذا االدخار مسلتخدما يف وجوه استثامرية منتجة يف ظل

رؤية تنموية وسلوق اقتصادي واسلع يستوعب مجيع املشاريع املجدية، فا بد من

اخلطلوة التي تعقب االدخلار والتي توجه هذا املال املدخر نحو االسلتثامر، وهذا

كله مهدد يف ظل وجود القروض غري مدروسة السداد، سواء عىل مستوى األفراد

أو الدول عىل حد سواء.

Page 153: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�3

ويمكن تقسيم القروض إىل قسمني:

أ- القروض الداخلية

ب- القروض اخلارجية.

فأما القروض العامة الداخلية فهي األداة التي يلجأ إليها بسبب شح االدخار

غ االقرتاض الداخي احللر وقصور االدخلار اإلجباري ممثا يف الرضائب. ويسلو

يف اللدول الناميلة غالبلا بتفليش ظاهلرة االكتناز وانتشلار ظاهرة اإلنفلاق الكاميل

واملظهلري والتفاخلري وتدفلق االسلتثامرات إىل امليادين غري املنتجة، إذ يسلاعد

احلصول عىل القروض وتوجيهها وفقا ألهداف اخلطة العامة للدولة وعىل أساس

معايري االستثامر مساعدة كبرية يف دعم جهود التنمية االقتصادية.

وتعرتض سبيل االقرتاض الداخي يف الدول النامية مصاعب منها عدم توافر

سلوق نقدية منتظمة لتداول القروض القصرية األجل، وعدم نضج سلوق رأس

امللال للتعامل يف السلندات احلكومية وسلندات الرشكات التجاريلة والصناعية،

وعدم نامء العادة االدخارية املرفية وضعف كفاية أجهزة تعبئة املدخرات وصغر

حجم القطاع الصناعي.

أملا القلروض اخلارجيلة فهلي األداة التلي تلجأ إليهلا الدولة بسلبب قصور

التمويلل املحلي ورغبتها يف جتنب بعض املخاطر االقتصاديلة الداخلية كالتدهور

النقدي أو عدم الرغبة يف حتمل رضائب أعىل.

Page 154: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�4

وتساعد القروض اخلارجية، إذا أحسن استخدامها، عىل زيادة الناتج وتنمية

الصادرات وبدائل املسلتوردات، مما يسلهم يف زيادة الدخلل الوطني واملدخرات

الوطنية وحتسلني امليلزان التجاري، كام تسلاعد عىل منع التضخلم وجتنب تدهور

العملة الوطنية.

• • •

Page 155: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1��

اخلامتة

بعد االنتهاء من هذه الدراسلة املتشعبة، يتبني لنا أن االدخار مفيد ونافع بكل

صلوره، ويعلود بالفائدة عىل األفراد واملجتمعات بصلورة عامة، ولكن هذا النفع

يبقى حمدودا إن مل يفعل عن طريق االستثامر، ولعل ما تم استعراضه من التطبيقات

العمليلة املعلارصة من صور االدخار املؤسليس التي تم التطرق إليهلا يف ثنايا هذه

الدراسلة واملتمثلة باحلسابات أو الودائع املرفية يف املؤسسات املالية اإلسامية،

و بالصناديق االسلتثامرية اإلسلامية وغريها، يشري بوضوح إىل أن فكرة االدخار

تنملو وتزدهلر يف ظل هذه الصور املعارصة التي شلهدت إقباال يف اآلونة األخرية

بسلبب الثقة التي اكتسلبتها هذه املؤسسلات من املتعاملني معها. ملع التذكري بأن

هلذه الثقة ليسلت عىل إطاقها بام يعنلي أهنا يمكن أن تزيلد ويمكن أن تنقص يف

نفوس املتعاملني معها، السليام بعد ما حققته هذه املؤسسلات من النجاحات وما

شهدته من التطور والتقدم، مما جيعل املنافسة بينها وبني املؤسسات املالية التقليدية

األخلرى تزداد، مملا حيتم عليها الثبات عىل املبادئ والقيلم التي قامت عليها، ألن

ما يتم العمل به اليوم مرهون بسلامة التطبيق، الذي ال يتحقق إال إذا تم االلتزام

الكامل بام نصت عليه عقود تأسليس هذه املؤسسلات املالية اإلسلامية وأنظمتها

الداخليلة كرشط أسلايس يف مجيع مرافقهلا وهياكلها العاملة، وتعهدت بتصحيح

املسلار كلام بدا هلا تقصري أو انحراف يف التطبيق عن املنهج الذي اختطته لنفسلها

وأعلنت التزامها به.

ومن جهة ثانية، أدرجت هذه الدراسة مفهوما ادخاريا قد يبدو بعض اليشء

بعيلدا عن االسلتثامرات االدخارية الرفة وملا يمكن أن حتققه ملن عوائد مالية

Page 156: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1��

حقيقية ملموسة يف دنيا املال واألعامل، ولكن ملا كان مفهوم االدخار بمعناه العام

عبلارة عن إخفلاء يشء لانتفاع به يف وقلت احلاجة إليه، أصلت الدراسلة لفكرة

الصناديلق الوقفيلة وأمهيتهلا التي ظهرت إسلهاماهتا يف اآلونة األخرية ملموسلة

بشكل ملفت النسجامها التام من حيث الفكرة يف تفعيل املال املدخر وتنميته مثل

بقية الوسلائل األخرى، لكنهلا ختتلف معها من حيث املضملون األخروي الذي

يمثله مفهوم الوقف بصورة عامة.

ومن حيث اإلمجال فإننا ندرك يف هذه الدراسلة أمهية االدخار املؤسليس وما

يمكلن أن حيدثه يف مسلتقبل األمم واألفراد، ملا يمثله من خمزون اسلرتاتيجي مايل

يمكن أن يؤسلس ملشلاريع تنموية ختلدم اجلميع، إذ يمكن هللذه األموال املدخرة

- بجميع صورها التي تم اسلتعراضها يف هذه الدراسلة بام فيها الصناديق الوقفية

حسلب رشوطها - حينام جتمع بوعاء واحد و توظف توظيفا مدروسلا، أن تعود

بالنتائلج اإلجيابية واملتمثلة يف زيادة تشلغيل األيدي العامللة العاطلة، وبذلك حتد

وختفلف من شلبح البطالة، فضا علام يقدمه املرشوع املنجز يف حد ذاته من سللع

وخدمات لعموم املجتمع، بينام يبقى تأثري املال املدخر الذي مل يأخذ دوره احلقيقي

يف االسلتثامر والتنميلة حملدودا إن مل يكلن منعدملا، يف حال ظل حبيلس األدراج

وخزانلات النقود يف البيلوت، وبذلك ندرك الفرق الدقيق بلني مفهومي االكتناز

واالدخلار يف الرشيعة اإلسلامية، إذ بينت لنا النصوص اللواردة يف كا األمرين

الفلرق الواضح بينهام، فمتى ما تعطل املال علن دوره احلقيقي ومل تؤد زكاته صار

كنزا معطا عن أداء الدور املناط به خدمة املجتمع، لذلك توعد اهلل سبحانه وتعاىل

أصحلاب األملوال املكنوزة بالوعيد الشلديد يف صلور مفزعة مرعبلة فقال فيهم

Page 157: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1��

ڃ ڃ ڃ ڃ ڄ ڄ ڄ ڄ ڦ ﴿ عز وجلل: ڍ ڍ ڇڇ ڇ ڇ چ چ چ چ ک * ڑ ڑ ژ ژ ڈ ڈ ڎ ڎ ڌ ڌ ڱ ڱ ڳڱ ڳ ڳ ڳ گ گ گ گ ک ک ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ﴾)�(، بينلام ملر معنلا يف ثنايا هذه الدراسة النصوص التي حثت عىل االدخار وشجعت عليه منها ما رواه البخاري بسلنده »أن النبلي ملسو هيلع هللا ىلص كان يبيع نخل بني النضري وحيبس ألهله قوت سلنتهم«)�(،

وإن كان يف املوضوع بعض اللبس الذي أرشنا إليه وأزلناه يف موضعه.

وملن هنا تأيت أمهية االدخار ورضورة تفعيله باالسلتثامر، باعتباره مسلؤولية مشلرتكة بلني األفراد واملجتمعلات، مع االنتباه واحلذر الشلديد ملن االنزالق يف موانلع االدخلار ورشاكله املتمثلة بالقلروض والديون، التي أصبحلت اليوم متثل

العائق األكرب لفكرة االدخار من األساس.

ويف اخلتام نسلأل اهلل العظيم أن جيعلنا ممن يدخر ماله وال يكنزه، حتى ال يقع يف رذيلة البخل والشلح والطمع، وينميه بام ينفعه وينفع جمتمعه، بالصالح الطيب من السلع واخلدمات واملنافع األخرى، ويدخر عند اهلل عز وجل من احلسنات ما

يقيه الرشور والفتن، ما ظهر منها وما بطن، إنه سميع جميب.

وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني.

• • •

)�( سورة التوبة، اآليتان 3�-34.)�( رواه البخاري يف صحيحه برقم ��04.

Page 158: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1��

دور االدخار يف العملية االدخار يف السنة املطهرةاالدخار يف القرآن الكريممفهوم االدخارالتنموية عند علامء املسلمي

ما ذكر كنايةما ذكر رصاحة

ما ورد من النهي عن االدخار

ما ورد من احلث عىل االدخار من دون ترصيح

ما ورد من النهي عن ادخار األضاحي ثم إباحته

من دون ترصيحرصاحة

نامذج من االدخار عند علامء املسلمي

رؤية علامء املسلمي لادخار

ابن خلدون الدمشقي حممد بن احلسن الشيباين

االدخــار: مشروعيته وثـمـراته

) أ (

الفصل األولاالدخار يف النظام االقتصادي اإلسامي

Page 159: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1��

أنواع االدخار

الودائع املرصفية البنكية

الصناديق االستثامرية

الصناديق الوقفية

القروض من أهم آفات

وموانع االدخار

اإلجبارياالختياري

الصناديق االستثامرية

يف املؤسسات التقليدية

صناديق االستثامر اإلسامية

التخريج مفهوم الوديعةالرشعي

لعملية اإليداع

كيفية ختريج عقد الوديعة

)أمانة، قرض، إجارة(

نظرة عامة إىل الودائع

أنواع الودائع واحلسابات العامة

االدخارية االستثامرية حتت الطلب

اإلطار مفهومهاالفقهي هلا

عاقتها بمفهوم االدخار

عاقتها بالصناديق االستثامرية

أهدافها

االدخــار: مشروعيته وثـمـراته

) ب (

الفصل الثاينمن التطبيقات املعارصة لادخار يف االقتصاد اإلسامي

Page 160: كتاب الادخار

مت حبمد اهلل وتوفيقه

Page 161: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�1

املصادر واملراجع

العلريب، الفكلر دار اخلفيلف، علي للشليخ الرشعيلة املعاملات أحلكام -�

القاهرة،الطبعة األوىل، �4�7هل-�996م.

�- أحلكام الوقلف، مصطفلى أمحلد الزرقلا، دار علامن، األردن، الطبعلة األوىل،

�4�8هل-�997م.

3- إحياء علوم الدين أليب حامد الغزايل، دار املعرفة، بريوت.

4- إدارة األزمات يف ظل األزمة املالية العاملية، حمارضة للدكتور بكر تركي العزي،

الذي أقامها برنامج وطني بدولة اإلمارات العربية املتحدة، بجمعية أم املؤمنني، عجامن،

� مارس �009 م.

�- أدب الدنيلا والديلن، أليب احلسلن علي بلن حممد البلري امللاوردي، حتقيق

مصطفى السقا، دار الفكر للطباعة والنرش.

6- أساس الباغة، أليب القاسم حممود بن عمر الزخمرشي، دار الفكر، �399هل-

�979م.

7- اإلسلام والتنمية االقتصادية، د. شلوقي أمحد دنيا، دار الفكر العريب، الطبعة

األوىل، �979م.

8- اإلشلارة إىل حماسلن التجارة، البرشي الشلوربجي، مكتبة الكليات األزهرية،

القاهرة، �397هل- �977م.

9- اشلرتاكية اإلسلام، مصطفى السلباعي، الطبعة الثانية، موقع مكتبة املصطفى

اإللكرتونية.

Page 162: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�2

�0- أصلول الرسخليس، حمملد بلن أمحد بن أيب سلهل الرسخليس أبو بكلر، دار

املعرفة، بريوت.

��- إعلام املوقعلني عن رب العاملني، أبو عبد اهلل شلمس الديلن حممد الزرعي

املعروف بابن قيم اجلوزية، حتقيق طه عبد الرؤوف، دار اجليل،�973، بريوت .

��- اقتصاديلات النقلود رؤية إسلامية، د. عبد الفتاح عبد الرمحلن عبد املجيد،

سنة �996م.

�3- اإلمام الغزايل بني مادحيه وناقديه، د.يوسلف القرضاوي، مؤسسة الرسالة،

بريوت، الطبعة األوىل، �4�4هل-�994م

�4- إنظلار املعلرس ورضورة التفريلق بلني املعلرس احلقيقي واملامطلل، د. إبراهيم

عبد اللطيف العبيدي، دائرة الشؤون اإلسامية والعمل اخلريي بديب، ���0م.

��- البحلر الرائق رشح كنلز الدقائق، زين الدين ابن نجيلم احلنفي، دار املعرفة،

بريوت.

�6- بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع، عاء الدين الكاساين، دار الكتاب العريب،

بريوت، ��98م.

�7- البعد القيمي يف السلوق اإلسلامية، د.جاسلم الفارس، جملة فصلية تصدر

علن احتلاد غرف التجارة والصناعلة يف دولة اإلمارات العربية املتحلدة، مركز البحوث

والتوثيق، املجلد �3، العدد89 السنة ���4هل.

�8- بنلك فيصلل اإلسلامي السلوداين، خصائصله ومعاماتله، رقلم 3، ينايلر

��98م.

Page 163: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�3

�9- البنوك اإلسامية بني احلرية والتنظيم والتقييد واالجتهاد والنظرية والتطبيق،

مجال الدين عطية، كتاب األمة، العدد�3، مطابع الدوحة احلديثة، قطر، الطبعة األوىل،

�986م.

�0- البنوك اإلسامية التجربة بني الفقه والقانون والتطبيق، د. عائشة الرشقاوي

املالقي، املركز الثقايف العريب، الرباط، ص�30.

��- البنلوك اإلسلامية التجربة بني الفقه والقانون والتطبيق، عائشلة الرشقاوي

املالقي،الطبعة األوىل،�000املركز الثقايف العريب، الدار البيضاء، اململكة املغربية.

��- البنوك اإلسامية التجربة بني الفقه والقانون والتطبيق، عائشة املالقي.

�3- بورصلات األوراق املالية وصناديق االسلتثامر، نشلأت عبد العزيز معوض،

كتاب األهرام االقتصادي، العدد �7، فرباير �994م.

�4- تاريلخ الطلربي، أليب جعفلر حممد بن جرير الطلربي، دار الكتلب العلمية،

بريوت.

��- حتفلة األحوذي برشح جامع الرتمذي، ملحمد عبد الرمحن املباركفوري، دار

الكتب العلمية، بريوت .

�6- تلراث املسللمني العلملي يف االقتصلاد، األسلتاذ الدكتور رفعلت العويض،

طبعة دار البحوث للدراسلات اإلسلامية وإحياء الرتاث بديب، دولة اإلمارات العربية

املتحدة، �4�6هل-��00م.

�7- تفسلري التحرير والتنوير، حممد بن الطاهر بن عاشلور،الدار التونسية للنرش،

والدار اجلامهريية للنرش وا لتوزيع واإلعان.

Page 164: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�4

�8- تقييلم جتربة صناديق االسلتثامر يف ملر، عصام خليفة، بحلث مقدم لندوة

صناديق االستثامر يف مر الواقع واملستقبل.

�9- هتذيلب اآلثلار وتفصيلل الثابلت ملن األخبلار،أليب جعفر حممد بلن جرير

الطربي، حتقيق حممود حممد شاكر، مطبعة املدين، القاهرة.

30- اجلامع الصحيح سنن الرتمذي، حممد أبو عيسى الرتمذي، حتقيق أمحد حممد

شاكر وآخرون، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت.

�3- اجلاملع الصحيح املختلر، حتقيق د. مصطفى البغلا، دار ابن كثري والياممة،

سنة �407هل- �987م، بريوت.

�3- اجلاملع ألحكام القلرآن، أليب عبداهلل األنصاري القرطبي، الشلهري بتفسلري

القرطبي، دار الشعب، القاهرة،.

33- حاشلية ابلن عابديلن، دار الفكلر للطباعلة والنلرش، بلريوت، ���4هلل-

�000م.

34- حاشلية الدسلوقي علىل اللرشح الكبلري، حتقيلق حمملد عليلش، دار الفكر،

بريوت.

�3- احلكم الفقهي للمسائل الواردة يف احلوار الذي دار حول كتاب )نحو اقتصاد

إسامي( جملة أبحاث االقتصاد اإلسامي، العدد �، �984.

36- حكلم ودائلع البنلوك وشلهادات االسلتثامر يف الفقله اإلسلامي، عي أمحد

السالوس، مؤسسة روز اليوسف، شعبان ��40هل.

Page 165: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1��

37- اللدر املنثلور، عبلد الرمحن بن الكلامل جال الديلن السليوطي، دار الفكر،

�993، بريوت.

38- دراسة هليئات الفتوى والرقابة الرشعية يف املؤسسات املالية اإلسامية تقييام

وواقعلا، تعارض الفتلوى أنموذجا،للمؤلف،بحلث مقدم ملؤمتر املصارف اإلسلامية

بلني الواقع واملأمول، الذي أقامته دائرة الشلؤون اإلسلامية والعملل اخلريي بديب من

�3/�-�009/6/3م.

39- دليل املدخر لاسلتثامر يف األوراق املالية)صناديق االسلتثامر( د. أمحد رشف

الدين، كتاب األهرام االقتصادي، العدد �8، سنة �994م.

40- روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين، أبو الفضل شهاب الدين

السيد حممود األلويس البغدادي، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت.

�4- روح املعاين يف تفسلري القرآن العظيم)تفسلري األلويس(أليب الفضل شلهاب

الدين حممود األلويس، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت.

�4- سلنن أيب داود، سلليامن بن األشلعث أبلو داود السجسلتاين األزدي، حتقيق

حممد حمي الدين عبد احلميد، دار الفكر.

43- سنن الرتمذي، أليب عيسى الرتمذي، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت.

44- السنن الكربى، أمحد بن شعيب بن عبد الرمحن النسائي، حتقيق د. عبد الغفار

سليامن البنداري، دار الكتب العلمية، بريوت، ���4هل-��99م.

�4- السلرية النبوية، عبد امللك بن هشلام بن أيوب احلملريي املعافريي املعروف

بابن هشام، دار اجليل بريوت.

Page 166: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1��

46- رشح اخلريش عىل خمتر خليل، دار الفكر للطباعة، بريوت.

47- رشح منتهلى اإلرادات،منصلور بلن يونلس البهويت، عامل الكتلب، �996،

بريوت.

48- رشح النلووي علىل صحيح مسللم، أبلو زكريا حييى بلن رشف النووي، دار

إحياء الرتاث العريب، ��39هل، بريوت .

49- رشكات االسلتثامر يف االقتصلاد اإلسلامي، د. خلف بن سلليامن النمري،

مؤسسة شباب اجلامعة،اإلسكندرية،�000م.

�0- شلعب اإليلامن أبوبكلر أمحلد بلن احلسلني البيهقلي، دار الكتلب العلميلة،

بريوت،�4�0هل.

��- صحيح مسللم، مسللم بن احلجاج أبو احلسني القشريي النيسابوري، حتقيق

حممد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت.

��- صناديق االسلتثامر اإلسلامية، عز الدين خوجه، دلة الربكلة، إدارة التطوير

والبحوث، الطبعة األوىل، �4�4هل.

�3- صناديق االستثامر اإلسامية والرقابة عليها، عصام خلف العنزي، أطروحة

دكتوراه مقدمة إىل كلية الرشيعة يف اجلامعة األردنية، سنة �004م.

�4- صناديق االستثامر دراسة وحتليل من منظور االقتصاد اإلسامي، د. أمحد بن

حسن احلسني، مؤسسة شباب اجلامعة، اإلسكندرية، �999م.

��- صناديلق االسلتثامر يف خدمة صغار وكبلار املدخرين، منلري إبراهيم هندي،

منشأة املعارف، اإلسكندرية، �994م.

Page 167: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1��

�6- صناديق الوقف االسلتثامري دراسة فقهية -اقتصادية،أ.د. أسامة عبد املجيد

العاين، دار البشائر اإلسامية، بريوت، الطبعة األوىل، ��43هل- �0�0م.

�7- الصناديق الوقفية املعارصة، تكييفها، أشلكاهلا، حكمها، مشكاهتا، األستاذ

الدكتلور حممد مصطفى الزحيلي، بحث مقدم إىل أعامل مؤمتر األوقاف الثاين يف جامعة

أم القرى للمدة �8-�0ذي القعدة.

�8- الطبقات الكربى، )طبقات ابن سلعد( حممد بن سعد البري الزهري، دار

صادر، بريوت.

�9- عمليلات البنوك من الوجهة القانونية، عي مجال الدين عوض، القاهرة، دار

االحتاد، ��98م.

60- عمليلات البنوك من الوجهة القانونية، عي مجال الدين عوض، دار النهضة،

القاهرة، �969م.

�6- عمليلات البنوك من الوجهة القانونية، موسلوعة الفقه والقضاء مجال الدين

عوض، الدار العربية للموسوعات رقم ��8 ،��98م.

�6- الفاروق، د. حممد حسني هيكل، مكتبة النهضة املرية .

63- فتح الباري رشح صحيح البخاري، أمحد بن عي بن حجر العسقاين، حتقيق

حمب الدين اخلطيب، دار املعرفة، بريوت.

64- فتوح البلدان لإلمام أيب العباس أمحد بن حييى الباذري، مؤسسلة املعارف،

بريوت،�407هل- �987م.

�6- قرارات مؤمتر املرف اإلسامي �979م.

Page 168: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1��

66- القرارت والتوصيات، الدورة التاسعة عرشة ملجمع الفقه اإلسامي الدويل،

إملارة الشلارقة )دولة اإلمارات العربية املتحدة( �-� مجلادى األوىل �430هل- �6-

30 نيسان أبريل �009م.

67- كتاب الكسب لإلمام حممد بن احلسن الشيباين، حتقيق وتقديم د. سهيل زكار،

نرش وتوزيع عبد اهلادي حرصوين، دمشق، الطبعة األوىل، �400هل- �980م.

68- كشلف اخلفلاء ومزيلل اإللبلاس إلسلامعيل بلن حمملد العجلوين، مؤسسلة

الرسالة، الطبعة السادسة، �4�7هل- �996م.

69- لسان العرب، البن منظور، دار صادر، بريوت، مادة )ذخر( 30�/4.

70- املبسوط، شمس الدين الرسخيس، دار املعرفة، بريوت، �406.

�7- جملة جممع الفقه اإلسلامي التابع ملنظمة املؤمتر اإلسلامي، الدورة الرابعة،

العدد الرابع، اجلزء الثالث سنة �408هل-�988م، قرار رقم )�( ص���6.

�7- جممع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي، دار الريان ودار الفكر العريب، القاهرة

وبريوت،�407هل.

73- املجملوع يف االقتصاد اإلسلامي، أ.د. رفيق املري، دار املكتبي، دمشلق،

�4�6هل-�006م.

74- خمتار الصحاح، حممد بن أيب بكر الرازي، مكتبة نارشون، بريوت، ���4هل

.�99�

�7- مرقاة املفاتيح رشح مشلكاة املصابيح، عي بن سللطان حممد القاري، حتقيق

مجال عيتاين، دار الكتب العلمية، ���4هل - ��00م، بريوت.

Page 169: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1��

76- املستدرك عىل الصحيحني، أليب عبداهلل احلاكم النيسابوري، حتقيق مصطفى

عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بريوت، ���4هل-�990.

77- مسند اإلمام أمحد بن حنبل الشيباين، مؤسسة قرطبة، مر.

78- املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري للرافعي، املكتبة العلمية، بريوت.

79- معاملات البنلوك احلديثلة يف ضوء اإلسلام سلسللة معاماتنلا املعارصة،

أ.د. عي أمحد السالوس، رقم �، دار احلرمني، الدوحة، قطر، الطبعة األوىل، �983م.

80- املعجم الكبري، سلليامن بن أمحد الطرباين، حتقيق محدي عبد املجيد السللفي،

مكتبة الزهراء، املوصل، �404هل- �983م.

�8- معجلم لغة الفقهاء - عريب انكليزي، د. حمملد رواس قلعجي، دار النفائس

للطباعة والنرش والتوزيع، بريوت - لبنان الطبعة الثانية: �408هل - �988 م.

�8- معجلم املصطلحات االقتصادية يف لغلة الفقهاء، د.نزيه محاد، املعهد العاملي

للفكر اإلسامي، فرجينيا، الواليات املتحدة األمريكية، الطبعة األوىل،�993م.

83- معرفلة السلنن واآلثلار، أليب بكر بن احلسلني بن علي البيهقلي، دار الكتب

العلمية، بريوت.

84- املغني، موفق الدين بن قدامة املقديس، دار الفكر، بريوت.

�8- مقدمة ابن خلدون، عبد الرمحن بن حممد بن خلدون، دار هنضة مر للطباعة

والنرش، القاهرة، الطبعة الثالثة.

86- مقدملة يف النقلود والبنلوك، حمملد زكي شلافعي، مكتبلة النهضلة املرية،

القاهرة.

Page 170: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�0

87- املوسلوعة احلديثيلة مسلند اإلمام أمحد بن حنبل، مؤسسلة الرسلالة، الطبعة

األوىل، ���4هل- ��00م.

88- املواعلظ واالعتبار بذكر اخلطط واآلثار املعلروف باخلطط للمقريزي، لتقي الدين أمحد بن عي املقريزي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة.

89- املوسلوعة العلميلة والعملية للبنوك اإلسلامية، اجللزء الرشعي، األصول

الرشعيلة واألعلامل املرفيلة يف اإلسلام، االحتلاد اللدويل للبنلوك اإلسلامية، اجلزء

اخلامس، الطبعة األوىل، �989م.

90- املوسوعة الفقهية، وزارة األوقاف والشؤون اإلسامية- الكويت

�9- املوضوعلات، البلن اجللوزي، حتقيلق توفيلق محلدان، دار الكتلب العلمية،

بريوت، ���4هل-��99م.

�9- موقلف الرشيعة من املصارف اإلسلامية املعلارصة، د. عبد اهلل عبد الرحيم

العبلادي، دار السلام القاهلرة، ودار الثقافلة الدوحلة، الطبعلة الثانيلة، ���4هلل-

�994م.

93- نظلام احلكومة النبوية املسلمى الرتاتيب اإلدارية، الشليخ عبد احلي الكتاين،

دار الكتاب العريب، بريوت.

94- النظلام امللريف اإلسلامي، حمملد أمحلد اللرساج، دار الثقافلة، القاهلرة،

�989م.

�9- النظلام النقلدي وامللريف يف اقتصلاد إسلامي، د.حمملد عمر شلابرا، جملة

االقتصاد اإلسامي، العدد�، �404هل-�984م.

Page 171: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�1

96- نظلم الدرر يف تناسلب اآليات والسلور، برهان الدين أيب احلسلن البقاعي، الطبعة األوىل، ��39هل-��97م.

97- النقود والبنوك، حممد عزيز، مطبعة املعارف، بغداد، الطبعة الثانية، �986.

98- هناية املحتاج إىل رشح املنهاج، شلمس الدين حممد الرمي، الشهري بالشافعي الصغري، دار الفكر، بريوت.

99- هل تؤدي أسلاليب التمويل اإلسلامي إىل التوسلع النقدي، جملة االقتصاد اإلسامي، العدد �9مايو �989م.

�00- الوجيز عبد الكريم زيدان،مؤسسة الرسالة، بريوت، الطبعة األوىل.

��0- ودائع أكثر من الازم، بيت التمويل الكويتي، جملة األموال، يوليو �983، ال يوجد رقم العدد.

��0- الوديعلة يف الفقله اإلسلامي، منري محود الكبييس، رسلالة دكتلوراه، كلية العلوم اإلسامية، جامعة بغداد، �999م.

�03- الوسليط يف رشح القانلون امللدين اجلديلد، د. عبلد اللرزاق السلنهوري،

منشورات احللبي احلقوقية، بريوت، الطبعة الثالثة، �998م.

املواقع اإللكرتونية:

�04- ندوة يوم األربعاء: تعظيم اجلوع عند الغزايل:

www.islamiccenter.kau.edu.sa/Arabic

��0- املحاسب العري، أسباب األزمة املالية العاملية:

www.cma.biogspot.com

Page 172: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�2

�06- أنلواع ومزايلا الصناديلق االسلتثامرية، شلبكة املعلوملات الدوليلة، موقع

عيون العرب:

www.vb. Arabseyes.com

www.an-aour.com -�07

www.bamjhome.com -�08

�09- املوقع اإللكرتوين الرسمي لألمانة العامة لألوقاف بدولة الكويت، تعريف

الصناديق الوقفية.

��0- صناديلق االسلتثامر، د.أمحد العثيم، موقع اجلزيلرة للصحافة والنرش، أول

صحيفة سعودية عىل اإلنرتنت �006/4/�6، العدد ��6�8.

���- املوقلع الرسلمي ملجملع الفقله اإلسلامي اللدويل، املنبثلق علن منظملة

املؤمتر اإلسامي:

www.fiqhacademy.org.sa

• • •

Page 173: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�3

فهرس املوضوعات

االفتتاحية .................................................................................................................مقدمة .......................................................................................................................الفصل األول: االدخار يف النظام االقتصادي اإلسامي ....................................متهيد: مفهوم االدخار ............................................................................................ املبحث األول: االدخار يف القرآن الكريم ..........................................................

املطلب األول: ما ورد من ذكر لفظ االدخار رصاحة يف القرآن الكريم ......... املطلب الثاين: ما ذكر كناية يف القرآن الكريم بمعنى االدخار دون التريح بهاملبحث الثاين: االدخار يف السنة النبوية املطهرة ..................................................

املباركة، النبوية السنة يف االدخار عن النهي من ورد ما األول: املطلب نفيا وإثباتا ................................................................................................................ املطلب الثاين: ما ورد بمعنى االدخار دون التريح به يف السنة النبوية املباركةاملطلب الثالث: ما ورد من النهي عن ادخار حلوم األضاحي ثم إباحته .........املبحث الثالث: دور االدخار يف العملية التنموية عند علامء املسلمني .............املطلب األول: رؤية علامء املسلمني لادخار .....................................................املطلب الثاين: نامذج من االدخار عند علامء املسلمني ........................................النموذج األول: االدخار عند حممد بن احلسن الشيباين ...................................

النموذج الثاين: االدخار عند الدمشقي .............................................................النموذج الثالث: االدخار عند ابن خلدون .........................................................الفصل الثاين: من التطبيقات املعارصة لادخار يف االقتصاد اإلسامي ...........متهيد: أنواع االدخار ..............................................................................................

الفرع األول: االدخار االختياري ...................................................................

�7

���7�����4�9

�93�404�47�������76�63

63

Page 174: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1�4

الفرع الثاين: االدخار اإلجباري ......................................................................

املبحث األول: الودائع املرفية والبنكية ............................................................

املطلب األول: مفهوم الوديعة ..............................................................................املطلب الثاين: اإلطار الرشعي لعملية اإليداع املريف .....................................

املطلب الثالث: مناقشة ختريج عقد الوديعة املرفية البنكية عىل أساس أنه عقد أمانة )وديعة عادية( أو عقد إجارة أو عقد قرض ......................................املطلب الرابع: نظرة إىل أنواع الودائع يف املصارف اإلسامية وحساباهتا .......املطلب اخلامس: أنواع الودائع .............................................................................

أو اجلارية الودائع أو الطلب أو احلسابات حتت الودائع الفرع األول: احلساب اجلاري ................................................................................................. الفرع الثاين: الودائع أو احلسابات االستثامرية ............................................... الفرع الثالث: الودائع أو احلسابات االدخارية ..............................................املبحث الثاين: الصناديق االستثامرية اإلسامية .................................................املطلب األول: صناديق االستثامر يف املؤسسات املالية التقليدية ...................... الفرع األول: مفهوم صناديق االستثامر يف املؤسسات املالية التقليدية ........

الفرع الثاين: النشاط االستثامري لصناديق االستثامر يف املؤسسات املالية التقليدية .............................................................................................................. الفرع الثالث: خصائص صناديق االستثامر ...................................................املطلب الثاين: صناديق االستثامر اإلسامية .......................................................

الفرع األول: مفهوم صناديق االستثامر اإلسامية ........................................والودائع اإلسامية االستثامر صناديق بني الفرق حقيقة الثاين: الفرع

االستثامرية يف املصارف اإلسامية ..................................................................

6467687�

737679

798793999999

�0��03�0��0�

�08

Page 175: كتاب الادخار

االدخار: مشروعيته وثـمـراته

1��

الفرع الثالث: مراحل النشاط االستثامري لصناديق االستثامر اإلسامية .. الفرع الرابع: أنواع الصناديق االستثامرية اإلسامية .................................... الفرع اخلامس: اإلطار الرشعي للصناديق االستثامرية اإلسامية .............املبحث الثالث: الصناديق الوقفية ........................................................................املطلب األول: مفهوم الصناديق الوقفية .............................................................املطلب الثاين: اإلطار الفقهي للصناديق الوقفية ................................................

املطلب الثالث: عاقة الصناديق الوقفية بمفهوم االدخار ................................

املطلب الرابع: عاقة الصناديق الوقفية بالصناديق االستثامرية ........................املطلب اخلامس: أهداف الصناديق الوقفية ........................................................املبحث الرابع: القروض من أهم آفات وموانع االدخار ..................................اخلامتة .......................................................................................................................املصادر .....................................................................................................................

• • •

�����4��8��3��3��6�3��4��43�47����6�