القول النفيس في التحذير من خديعة إبليس مصلحة الدعوة للشيخ أبي محمد المقدسي

)0( منرب التوحيد واجلهاد

القول النفيس

القول النفيس يف التحذير من خديعة إبليس

"مصلحة الدعوة"

للشيخ

حممد املقدسيأيب

حيد واجلهادمنرب التو* * *

http://www.tawhed.ws http://www.almaqdese.net http://www.alsunnah.info http://www.abu-qatada.com http://www.mtj.tw



تقدميإن احلمد هللا حنمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهللا من شرور أنفسنا ومن سيئات

ه أعمالنا من يهده اهللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أن ال إله إال اهللا وحد .ال شريك له وأشهد أن حممدا عبده ورسوله

:وبعد

وخري اهلدي هدي حممد صلى اهللا عليه وسلم، .فإن أصدق احلديث كتاب اهللا تعاىل .وشر األمور حمدثاا، وكل حمدثة بدعة، وكل بدعة ضاللة، وكل ضاللة يف النار

].3: املائدة[} اليوم أكملت لكم دينكم{: تعاىليقول اهللا

].38 :األنعام[} ما فرطنا يف الكتاب من شيء{: ذكرهل ويقول ج

وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، وال تتبعوا السبل فتفرق بكم ( :ويقول سبحانه ].153: األنعام[} عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون

} اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم وال تتبعوا من دونه أولياء( :ويقول جل وعال ].3: فاألعرا[

فهذه آيات صرحية حمكمة يف إبطال االبتداع واالختراع يف الدين، ويف إلغاء الرأي .واالستحسان واالستصالح الشهواين القائم على غري دليل من الشرع

مل يرفع بدالالا كثري من رويبضة املتأخرين رأسا، وراموا هدم عرى اإلميان ودعائم وتطاولوا ببنيام اهلش الذي مل يؤسس على تقوى من اهللا .. الدين فتالعبوا به أصال وأسا

ورضوان، فأمسوا يتكلمون يف دين اهللا مبا ال يعلمون، ويهرفون مبا ال يعرفون، نصبوا .أنفسهم مشرعني يستحسنون ويستصلحون يف دين اهللا ودعوته ما يهوون ويشتهون

سدا من غري ضوابط وال وكأم بلسان حاهلم يظنون أن اهللا قد ترك هذا الدين هلم .حدود ليعبثوا فيه كيف شاؤوا، بأهوائهم واستحسانام الفاسدة الباطلة

].115: املؤمنون[} أفحسبتم أمنا خلقناكم عبثا{: مع أنه تعاىل قد قال منكرا



].36: القيامة[} أحيسب اإلنسان أن يترك سدى( :وقال عز وجل

ه بغري علم ال يزال من الكاذبني حىت يأيت وبني أن القائل يف دين اهللا اخلائض في :النمل[} قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقني( :بالربهان الصحيح على دعواه فقال

64.[

وهذه ورقات كنت قد سطرا قبل سنني، درست فيها موضوع االستصالح ك يف لعموم البلوى بذل .واالستحسان وبينت فساد الطريقة اليت يتناوله ا أهل األهواء

.زماننا وحلوق فئات من الناس باملشركني ودخوهلم يف سبلهم من هذه األبواب

وقد تناولت يف آخرها فتوى لطيفة لشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهللا، متعلقة ذا .الباب، استللتها من جمموع فتاواه، اختصرا وهذبتها وعلقت عليها

ضع آذانا صما وأعينا عميا وقلوبا غلفا، أسأل اهللا تعاىل أن يفتح ذا اجلهد املتوا .وأن جيعل أعمالنا صاحلة خالصة لوجهه الكرمي، إنه ويل ذلك والقادر عليه

فمن يرد اهللا أن يهديه يشرح صدره لإلسالم، ومن يرد أن يضلله جيعل صدره ( }ضيقا حرجا كأمنا يصعد يف السماء كذلك جيعل اهللا الرجس على الذين ال يؤمنون

].125 :األنعام[

أبو حممد عاصم املقدسي



دعاة ميكافيليونم، وانتظم 1469، إيطايل كافر ولد سنة ]Niccola Macchiavelli[نيقوال ميكافيلي

يف السلك السياسي مدة أربعة عشر عاما مث عزل عن منصبه السياسي بعد ذلك، وانزوى ن خالصة جتاربه السياسية ومطالعاته فدو .يف بيته الريفي، وعكف على دراسة التاريخ

م، وخلف ذلك الكتاب 1527، وهلك ميكافيلي عام )األمري(املختلفة يف كتاب بعنوان الذي يعتربه السياسيون املعاصرون أعظم هدي هلم، ويرى النقاد والباحثون أن كتابه هذا

ه يف احلقيقة مل مع أن .مدرسة خترج منها والتزم مبنهجها جل الساسة يف العصر احلديثيأت فيه جبديد، لكن كل ما فعله أن مجع ما تفرق من تصرفات أمراء الغرب وقادم يف القرون الوسطى ودون وأظهر ما كانت تكنه نفوسهم ووضعه بني يدي السياسيني، فهو يعرض فيه ما يعتربه قواعد عظيمة تساهم يف جناح األمري يف حكمه، وتثبت أركان عرشه

.1يتقيد بأي اعتبار أخالقي أو ديين إذ قد فصل السياسة عن األخالق متامادون أن

:فمن قواعده وأسسه تلك

.سوء الظن بالرعية -

.ترك األخالق الفاضلة والسلوك املستقيم -

أال يعبأ باملعايب سواء كانت ظلما أو تآمرا أو خيانة أو سفك دم أو خنق - .حريات

.من له استمرار البقاء يف السلطةاالتصاف بالنفاق ألنه يض -

.الغدر؛ فال ينبغي لألمري أن حيفظ العهود إذا تعارضت مع بعض مصاحله -

.اخلبث -

.البخل -

اختاذ واجهة من الرجال تقيه غضبة الشعب بأن يكل إليهم القيام بالواجبات اليت - ا كان من شر تكرهها وال ترضى عنها الرعية فما كان من خري أسندت أفضاله إليه وم

.وهي مقارنة بني الفاروق وميكافيلي حملمد رواس قلعهجي) أمرينا وأمريهم( انظر كتيب 1



ألصق م، وال بد أن يرضي هذه الواجهة بأن يتساهل معهم وييسر هلم سبل الرفاهية وال مانع عند األخطار والضرورات أن يلعب هو دور املنقذ لشعبه فيقوم بتبديلهم .والغىن

.2أو إقصائهم عندما يتحتم األمر، فذلك غاية الذكاء

ر إىل األهداف والوسائل شريفة أو غري ومن أهم ذلك كله عدم االهتمام أو النظومهما بلغت من السوء .ألنه مادام األمري هو الذي يقوم ا فإا ستصبح فضيلة .شريفة

.فسيبقى الناس يصفقون هلا طاملا أن األمري الذي صنعها متربع على العرش

وكل ما يتبعه األمري من وسائل للوصول إىل اهلدف فهو مشروع وإن كان يف .ته اية اخلسة والدناءةحقيق

.)الغاية تربر الوسيلة: (وهذا ما يعبر عنه بعبارة

هلك ميكافيلي وترك كتابه هذا الذي حوى هذه املبادئ املنتنة والوسائل املنحرفة .املتجردة عن األخالق والعارية من الدين فأصبحت قبلة القادة والسياسيني املنحرفني

وليس هذا بغريب على من ليس هلم دين حيدهم .على ذلكوواقعنا املعاصر أكرب شاهد حبدوده، أو خلق يضبطهم بضوابطه، وإمنا العجيب الغريب أن يصبح، مكافيلي ذلك

شعروا .الكافر، قدوة وأسوة لكثري من املنتسبني لإلسالم بل للدعوة إليه واجلهاد يف سبيله .أو من حيث ال يشعرون

يتورعون من سلوك أي سبيل ولو كان سبيل فأصبحنا نسمع بفئام من الناس ال .ارمني اليت حذر اهللا منها وأمرنا باجتناا

مصلحة .حبجة املصلحة. وال يتحرجون باألخذ بأي وسيلة ولو كانت جنسه معوجة !زعموا... الدعوة أو مصلحة اجلماعة أو مصلحة الدين

للطاغوت الذي أمرهم اهللا فال يضر عندهم إن أصبحوا جندا أو أعوانا وأنصارا .فذلك جائز بزعمهم ملصلحة الدعوة .باجتنابه بل وجبهاده

وال ضري إن أقسموا على احترام الدساتري األرضية والقوانني الوضعية ورضوا بأن يكونوا مشرعني وفقا ملوادها ونصوصها الطاغوتية اليت أمرهم اهللا أن يكفروا ا ويتربؤوا

!فذلك جائز عندهم ملصلحة الدينمنها ومن أوليائها،

.ت العصر، ترى العجب العجابتدبر هذا، مث انظر يف واقع طواغي 2



وال ضري عندهم إن أظهروا تويل الطواغيت وأعلنوا الكفر البواح، فذلك جائز !من املصاحل املرسلة عندهم وفقا الستحسانام الفاسدة إذ هو عندهم

وال يضر إن تنازلوا عن كل أمر من أمور دينهم وباعوه بأقل من مثن العنز، ماداموا !صقوا ذلك مبصلحة الدعوةيستسيغون أن يل

.ومن يرد اهللا فتنته، فلن متلك له من اهللا شيئا

؟أهم أعلم مبصلحة دين اهللا من اهللا

تاهللا لقد تالعب م الشيطان كما تتالعب اجلارية بلعبتها، وجتارت م األهواء إال عباد اهللا .ظنه فاتبعوه+ ولقد صدق عليهم إبليس .كما يتجارى الكلب بصاحبه

.ملخلصنيا

هذا مع أم يتلون آيات اهللا آناء الليل وأطراف النهار ويسمعون كالمه سبحانه إذ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك وال تطغوا إنه مبا تعملون بصري، وال تركنوا ( :يقول

: هود[} إىل الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون اهللا من أولياء مث ال تنصرون112.[

وقد نزل عليكم يف الكتاب أن إذا مسعتم آيات اهللا يكفر ا ويستهزأ {: اىلتعوقوله ا، فال تقعدوا معهم حىت خيوضوا يف حديث غريه إنكم إذا مثلهم إن اهللا جامع املنافقني

].140 :النساء[} والكافرين يف جهنم مجيعا

أو على ) معهإبراهيم والذين (اهللا جل ذكره يريد لنا أسوة جليلة وقدوة عظيمة قد كانت لكم أسوة { :طريقته من األنبياء واملرسلني والصديقني والصاحلني والشهداء

حسنة يف إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برؤاؤ منكم ومما تعبدون من دون اهللا .}كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حىت تؤمنوا باهللا وحده

ن يتبعون الشهوات من املنحرفني عن هذه امللة العظيمة ويتطلعون، إىل ويريد الذي :أسوة ساقطة حقرية فتقول أهواؤهم واستحسانام واستصالحام

" !الغاية تربر الوسيلة: يف نيقوال ومن على شاكلته يف قوهلم قد كانت لكم أسوة" .فإا ال تعمى األبصار ولكن تعمى القلوب اليت يف الصدور



واعلم أن كثريا من األلفاظ اليت يتعامل ويستدل ا كثري من الناس اليوم هذا) مصلحة الدعوة(و ) املصلحة املرسلة(و ) االستصالح(و ) االستحسان(و ) كالرأي(

إن كانت فيما ال نص فيه من الشرع، فمعناها يف واقعهم واحد متقارب، .وحنوها .ال سبب ضالل كثري من اخللقومردها مجيعها إىل اهلوى، وهي على هذه احل

فهذه الطريقة (): 343/11) (املصاحل املرسلة(يقول شيخ اإلسالم وهو يتكلم يف " الرأي"ومنهم من يسميها ).املصاحل املرسلة"فيها خالف مشهور فالفقهاء يسموا

فإن " ذوق الصوفية ووجدهم وإهلامام"وقريب منها " االستحسان"وبعضهم يقرب إليها ).لها أم جيدون يف القول أو العمل مصلحة يف قلوم وأديام ويذوقون طعم مثرتهحاص

وهذا فصل عظيم ينبغي االهتمام به فإن من جهته حصل يف الدين ( :إىل قولهاضطراب عظيم وكثري من األمراء والعلماء والعباد رأوا مصاحل فاستعملوها، بناء على هذا

وسيأيت إىل آخر كالمه يف الفتاوي) ... ظور يف الشرعحم األصل، وقد يكون منها ماهو .أكثره

وألجل هذا ارتأينا ضرورة أن نبني يف هذه الورقات، معاين تلك األلفاظ واملسميات اليت يتالعب ا كثري من الرويبضة يف زماننا حتت مسمى االستحسان أو االستصالح أو

خرفوه من األهواء واآلراء اليت اختذوها املصلحة املرسلة أو مصلحة الدعوة، وحنوها مما ز .مطية ملعارضة الوحي وهدم الدين وتقويض أركانه شعروا أو من حيث ال يشعرون



أوال الستحسانا

.عد الشيء حسنا :هو لغة

:أما اصطالحا، فيطلق االستحسان ويراد به معان ثالثة

ن كتاب أو سنة أو العدول حبكم املسألة عن نظائرها لدليل خاص م :األولفهذا ال اعتراض عليه .3الرجوع عن حكم دليل خاص إىل مقابله بدليل طارئ أقوى منه

.وإن نوزع يف تسميته استحسانا، فال مشاحة باالصطالح

.4وقد محل أصحاب أمحد ما نسب إليه من القول باالستحسان على هذا املعىن -

حسان فقد أنكره القرطيب، ونقل وكذا ما ينسب إىل مالك من القول باالست - أن االستحسان الذي ذهب إليه ( :عن الباجي 241الشوكاين يف إرشاد الفحول ص

).... أصحاب مالك، هو القول بأقوى الدليلني

.ـأه )وهذا هو الدليل، فإن مسوه استحسانا فال مشاحة بالتسمية( :وقال

.يطلق على ما يستحسنه اتهد بعقله :الثاين

.دليل ينقدح يف نفس اتهد ال يقدر على التعبري عنه :لثالثا

وبطالن هذين النوعني ظاهر ألن اتهد ليس له االستناد إىل جمرد عقله يف حتسني .شيء، وما مل يعرب عنه ال ميكن احلكم له بالقبول حىت يظهر ويعرض على الشرع

من الشهوة واهلوى حىت قال النوعني األخريين واعتربومها 5وقد أنكر مجهور العلماء ).من استحسن فقد شرع( :الشافعي

).4/213( أصول األحكام لآلمدي 3 .167أو مذكرة األصول للشنقيطي ص 147انظر روضة الناظر البن قدامة ص 4 .240إرشاد الفحول 5



إن كان ( :عن السمعاين قوله 241ونقل الشوكاين يف إرشاد الفحول ص .6)االستحسان هو القول مبا يستحسنه ويشتهيه من غري دليل فهو باطل وال أحد يقول به

فعرفت مبجموع ما : (مث قال الشوكاين بعد أن ساق أقاويل العلماء يف هذا الباب، ال فائدة فيه أصال؛ ألنه إن كان راجعا إىل 7ذكرنا أن ذكر االستحسان يف حبث مستقل

األدلة املتقدمة فهو تكرار، وإن كان خارجا عنها فليس من الشرع يف شيء بل هو من .ـأه) التقول على هذه الشريعة مبا مل يكن فيها تارة ومبا يضادها أخرى

حاب االستحسانات العقلية والشهوانية بنصوص سوغوا ا هذا وقد احتج أص .لكن مجيعها عند التحقيق ال تعينهم على ذلك وال تسوغ هلم ما أرادوا .استحسانام،

.}الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه{: تعاىلفمن ذلك قوله

فهذا يف احلقيقة حجة عليهم ال هلم ألن أحسن القول واحلديث هو ما كان يف اهللا نزل أحسن احلديث { :كتاب اهللا أو سنة رسوله صلى اهللا عليه وسلم كما قال تعاىل

كتابا متشاا مثاين تقشعر منه جلود الذين خيشون رم مث تلني جلودهم وقلوم إىل ذكر ].الزمر[} اهللا ذلك هدى اهللا يهدي به من يشاء ومن يضلل اهللا فما له من هاد

وهذا االحتجاج عليهم ( ):2/196(حزم يف كتابه األحكام قال أبو حممد علي بن فيتبعون { :ال هلم، ألن اهللا تعاىل مل يقل فيتبعون ما استحسنوه وإمنا قال عز وجل

واحسن األقوال ما وافق القرآن وكالم الرسول صلى اهللا عليه وسلم هذا هو .}أحسنه .اإلمجاع املتيقن من كل مسلم

فإن تنازعتم { :ما، وهو الذي بينه عز وجل إذ يقولومن قال غري هذا فليس مسلومل يقل تعاىل ،}يف شيء فردوه إىل اهللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهللا واليوم اآلخر

فردوه إىل ما تستحسنون ومن احملال أن يكون احلق فيما استحسنا دون برهان، ألنه لو احلقائق ولتضادت الدالئل، كان ذلك لكان اهللا تعاىل يكلفنا ما ال نطيق، ولبطلت

وتعارضت الرباهني، ولكان تعاىل يأمرنا باالختالف الذي انا عنه، وهذا حمال ألنه ال جيوز أصال أن يتفق استحسان العلماء كلهم على قول واحد على اختالف مهمهم

أما الرويبضة الذين يهرفون مبا ال يعرفون .املعتد م من أهل العلم والفهم :هنا) باألحد( يقصد 6

لمون ممن تصدروا اليوم للكالم يف أخطر أمور الدين فقد جترأوا على القول مبا هو ويتكلمون مبا ال يع .شر من ذلك وأخبث

.يقصد يف أصول الفقه وأبواب أدلة األحكام 7



، وطبائعهم وأغراضهم، فطائفة طبعها الشدة، وطائفة طبعها اللني، وطائفة طبعها التصميموطائفة طبعها االحتياط، وال سبيل إىل االتفاق على استحسان شيء واحد مع هذه الدواعي واخلواطر املهيجة، واختالفها واختالف نتائجها وموجباا، وحنن جند احلنفيني قد استحسنوا ما استقبحه املالكيون، وجند املالكيني قد استحسنوا قوال قد استقبحه احلنفيون،

حلق فبطل أن يكون ا

-يف دين اهللا عز وجل مردودا إىل استحسان بعض الناس، وإمنا كان يكون هذا لو كان الدين ناقصا، فأما وهو تام ال مزيد فيه، مبين كله منصوص عليه، - وأعوذ باهللا

أو جممع عليه فال معىن ملن استحسن شيئا منه أو من غريه، وال ملن استقبح أيضا شيئا منه .أو من غريه

واحلق حق وإن استقبحه الناس، والباطل باطل وإن استحسنه الناس فصح أن .ـأه) االستحسان شهوة واتباع للهوى وضالل وباهللا تعاىل نعوذ من اخلذالن

).ما رآه املسلمون حسنا فهو عند اهللا حسن: (واحتجوا حبديث

ليس يف و 8هذا ليس مبرفوع بل موقوف على ابن مسعود رضي اهللا عنه :فيقال هلمقول أحد بعد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، يف ديننا حجة، ولو كان يف ذلك حجة، ملا كان يف هذا الدليل خاصة حجة أو وجه للداللة على ما موهوه، إذ هو إشارة إىل اجتماع

، وليس فيه داللة على أن ما رآه آحاد 9املسلمني، واإلمجاع ال يكون إال عن دليل .10ض مجاعام وطوائفهم حسنا، أنه يكون حسنا عند اهللاملسلمني أو بع

أخرجه موقوفا عن ابن مسعود أبو داود الطيالسي والبزار والطرباين وغريهم، وروي مرفوعا عن أنس 8

).2214( ء ومزيل اإللباس حديث رقمبإسناد ساقط، انظر كشف اخلفا .انظر مبحث اإلمجاع يف إرشاد الفحول على سبيل املثال 9

).2/197( واإلحكام يف اصول األحكام البن حزم) 4/5/2( انظر أصول األحكام لآلمدي 10 .وانظر فتاوى سلطان العلماء العز بن عبد السالم



أقوال مضيئة للعلماء يف االستحسان : )ـه204 - 150(اإلمام حممد بن إدريس الشافعي

.)1/274(من املستصفى ـأه )من استحسن فقد شرع( :قال رمحه اهللا تعاىل

.11)1464(الرسالة فقرة 507ص )إمنا االستحسان تلذذ: (قالو

وال يقول .ليس ألحد دون الرسول صلى اهللا عليه وسلم أن يقول إال باالستدالل(الرسالة ) 25(ص )مبا استحسن، فإن القول مبا استحسن شيء حيدثه ال على مثال سبق

).70(فقره

وهذا يبني أن حراما على أحد أن يقول باالستحسان، إذا خالف : (قالومعناها اتهد ليصيبه كما 12عني يتأخى .تاب والسنةاالستحسان اخلرب واخلرب من الك ) 1456(الرسالة فقرة ) 504(ص )البيت يتأخاه من غاب عنه ليصيبه

).القول باالستحسان باطل( :ويف رواية عنه أنه قال

ولو جاز ألحد االستحسان يف الدين جلاز ذلك ألهل العقول من غري أهل العلم ( .13ـأه) ل باب وأن خيرج كل أحد لنفسه شرعاوجلاز أن يشرع يف الدين يف ك

فلو جاز لكل مفت أو حاكم أو جمتهد أن يستحسن فيما ال نص فيه، ( :ويقوللكان األمر فرطا، والختلفت األحكام يف النازلة الواحدة على حسب استحسان كل

ق ضروب من الفتيا واألحكام ال ضابط هلا وال مقاييس تبني احل :مفت، فيقال يف الشيء

واضح بأنه يعين القياس، ولذا ) اد عاقل للتشبيه عليهاوال يقول فيه إال عامل باالجته( وقوله بعد ذلك 11

وإذا كان هذا هكذا كان على العامل أن ال يقول إال من جهة العلم، وجهة العلم اخلرب ( قال بعد ذلكالالزم بالقياس بالدالئل على الصواب، حىت يكون صاحب العلم أبدا متبعا خربا، وطالب اخلرب

.أهـ) …بيت بالعيان وطالب قصده باالستدالل باألعالم جمتهداكما يكون متبع ال .بالقياسوكما البيت يتأخاه من غاب عنه ليصيبه، يقصد الكعبة والقبلة فاتهد .. حتراه :تأخى الشيء 12

يتحرى يف حكمه األدلة من الكتاب والسنة ليتبعها، كما يتحرى املصلي الذي ال يرى الكعبة جهة .القبلة فيصلي إليها

).240( عن إرشاد الفحول ص 13



ـأه) فيها وال معرفة وجه الصواب منها وما هكذا تفهم الشرائع وتفسر األحكام الدينية .من األم

:)ـه 456 - 384(أبو حممد علي بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري

احلق حق وإن استقبحه الناس، والباطل باطل وإن استحسنه : (يقول رمحه اهللاع للهوى وضالل، وباهللا تعاىل نعوذ من الناس، فصح أن االستحسان شهوة، واتبا

.من اإلحكام يف أصول األحكام) 196/2( )اخلذالن

وقوله ، ]53: يوسف[} إن النفس ألمارة بالسوء{: تعاىلوبعد أن ذكر قول اهللا ومن ( :وقوله سبحانه، ]29 :الروم[ )بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغري علم( :عز وجل

ويف هذه : (قال رمحه اهللا تعاىل، ]50: القصص[} هدى من اهللاأضل ممن اتبع هواه بغري اآلي إبطال أن يتبع أحد ما استحسن بغري برهان من نص أو إمجاع، وال يكون أحد

من اهللا خالقهم ورازقهم، وباعث الرسل إليهم، واالحتياط كله أحوط على العباد املؤمنني ).198/2( ص )لفتهاتباع ما أمر اهللا تعاىل به، والشناعة كلها خما

ما الفرق بني ما استحسنت أنت :وحنن نقول ملن قال باالستحسان: (ويقولواستقبحه غريك، وبني ما استحسنه غريك واستقبحته أنت؟ وما الذي جعل أحد السبيلني

).200/2( ص) وهذا ما ال انفكاك منه، وباهللا تعاىل التوفيق أوىل باحلق من اآلخر؟

لنفس ووافقها، هو ما اشتهته ا :االستحسان: ()45/1(ه ص ويقول يف املرجع نفس ـأه )كان خطأ أو صوابا

فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك {عند قوله تعاىل ) 97/1(ويقول أيضا ص :النساء[ }فيما شجر بينهم مث ال جيدوا يف أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما

واليوم اآلخر وأيقن أن هذا العهد عهد ربه هذه كافية ملن عقل وحذر وآمن باهللا: (]65تعاىل إليه ووصيته عز وجل الواردة عليه، فليفتش اإلنسان نفسه، فإن وجد نفسه غري مسلمة ملا جاءه عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ووجد نفسه مائلة إىل قول فالن

يه أحدا دون رسول وفالن، أو إىل قياسه واستحسانه، ووجد نفسه حتكم فيما نازعت فاهللا صلى اهللا عليه وسلم من صاحب فمن دونه، فليعلم أن اهللا تعاىل قد أقسم وقوله احلق

)أنه ليس مؤمنا وصدق اهللا تعاىل، وإذ مل يكن مؤمنا فهو كافر وال سبيل إىل قسم ثالث .باختصار يسري ـأه



:)ـه 620 - 541(اإلمام موفق الدين عبد اهللا بن أمحد بن قدامة املقدسي

إنا لنعلم بإمجاع األمة : ()148 - 147ص(قال يف روضة الناظر وجنة املناظر .14قبلنا على أن العامل ليس له احلكم مبجرد هواه وشهوته من غري نظر يف األدلة

فهو كاستحسان العامي، وأي فرق بني .واالستحسان من غري نظر، حكم باهلوى اردولعل مستند .رفة األدلة الشرعية ومتييز صحيحها عن فاسدهاالعامي والعامل غري مع

).... استحسانه، وهم وخيال إذا عرض على األدلة مل حيصل منه طائل

:يلزمهم استحسان العوام والصبيان، فإن فرقوا بأم ليسوا أهال للنظر، قلنا( :وقال هـأ )؟إذا كان ال ينظر يف األدلة، فأي فائدة يف أهل النظر

.فكيف بالرعاع الذين مل يشموا رائحة العلم وال دروا ما طعمه!! تأمل فهذا يف العامل 14



ثانيا االستصالح أو املصاحل املرسلة

اليوم أكملت لكم {: تعاىلاعلم أن األصل أن اهللا تعاىل قد أكمل لنا الدين فقال وبذلك مل يتركنا سدا نستصلح أو نستحسن .]3: املائدة[} دينكم وأمتمت عليكم نعميت

سب اإلنسان أن يترك أحي{ :أو نتخري ما تشتهيه أنفسنا من الشرع والدين قال تعاىل ].القيامة[} سدى

وبالتايل فكل ما مل يرشد اهللا تعاىل إليه من املصاحل املزعومة فهو باطل وإن وكل ما نص على أنه مصلحة هلم فهو حق حمض .استصلحته واستحسنته عقول اخللق

.وإن استقبحته عقوهلم

:حل إىل ثالثة أنواعولذا فإن خالصة كالم العلماء يف هذا الباب أن يقسموا املصا

.فنقول مسعنا وأطعنا .أن يشهد الشرع باعتبار تلك املصلحة :األول

فهذا ال خالف يف بطالنه (أن يلغي الشرع تلك املصلحة وال ينظر إليها :الثاين .15)ملخالفته النص، وفتح هذا يؤدي إىل تغيري حدود الشرع

ها وال باعتبارها، وهذا الذي أن ال يشهد الشرع لتلك املصلحة ال بإلغائ :الثالثيشري إليه أكثر الناس حني يذكرون املصلحة املرسلة، ومسوه كذلك الشتماله بزعمهم على

.مصلحة مطلقة مرسلة، غري حمكوم يف الشرع على اعتبارها وال على إلغائها

واحلق الذي نعتقده وندين هللا تعاىل به أنه ال وجود ملثل هذا النوع األخري، ومن ، وخالف بذلك نص قول اهللا وجوده فقد ام الشرع بالنقصان والكتاب بالتفريطزعم اليوم أكملت لكم دينكم وأمتمت { :وقوله ،}ما فرطنا يف الكتاب من شيء{ احملكم

بل كل . فلم يفرط اهللا تعاىل يف الكتاب وال أنقص ذكر مصلحة .}اآلية.. عليكم نعميتأو باعتبارها إما بالنص أو بظاهره أو باإلشارة مصلحة فقد شهد الكتاب إما بإلغائها

ومن زعم خالف ذلك فقد زعم أن اهللا قد تركنا .واإلمياء أو غري ذلك من وجوه الداللة

).149( روضة الناظر وجنة املناظر ص 15



قال اهللا تبارك .سدى يستصلح بعضنا ما يستقبح آخرين دون ضابط من الشرع أو حد .]لقيامةا[} أحيسب اإلنسان أن يترك سدى{ :وتعاىل منكرا مثل هذا الظن

ال جيوز إثبات األحكام ( :ولذا قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف كتابه الصارم املسلول: تعاىلمبجرد االستحسان واالستصالح، فإن ذلك شرع للدين بالرأي وذلك حرام لقوله

.)}أم هلم شركاء شرعوا هلم من الدين ما مل يأذن به اهللا{

صاحل املرسلة يشرع من الدين ما مل يأذن القول بامل( ):344/11(وقال يف الفتاوي وهي تشبه من بعض الوجوه مسألة االستحسان والتحسني العقلي - غالبا - به اهللا

.)... والرأي وحنو ذلك

والقول اجلامع أن الشريعة ال مل مصلحة قط، بل اهللا تعاىل قد ( :إىل أن قالإىل اجلنة إال وقد حدثنا به النيب أكمل لنا الدين وأمت علينا النعمة، فما من شيء يقرب

وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها بعده إال هالك، .صلى اهللا عليه وسلملكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع مل يرد به فأحد األمرين الزم إما أن الشرع

ده مصلحة، ألن دل عليه من حيث مل يعلم هذا الناظر أو أنه ليس مبصلحة وإن اعتقاملصلحة هي املنفعة احلاصلة أو الغالبة، وكثريا ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع يف الدين

قل فيهما : (والدنيا ويكون فيه منفعة مرجوحة باملضرة، كما قال تعاىل يف اخلمر وامليسر ).إمث كبري ومنافع للناس وإمثهما أكرب من نفعهما

لعقائد واألعمال من بدع أهل الكالم وأهل التصوف وكثري مما ابتدعه الناس من اوأهل الرأي وأهل امللك، حسبوه منفعة أو مصلحة نافعا وحقا وصوابا ومل يكن كذلك، بل كثري من اخلارجني عن اإلسالم من اليهود والنصارى واملشركني والصابئني واوس

والعبادات مصلحة هلم يف حيسب كثري منهم أن ما هم عليه من االعتقادات واملعامالتيا وهم حيسبون أم حيسنون ضل سعيهم يف احلياة الدن{فقد .الدين والدنيا، ومنفعة هلم

.وقد زين هلم سوء عملهم فرأوه حسنا ،}صنعا

ستصالحه قد يكون فإذا كان اإلنسان يرى حسنا ما هو سيء، كان استحسانه وا ).345/11( ـهأ) من هذا الباب



قرر أهل املذاهب أن املصلحة املرسلة ليست حجة يف دين اهللا كما ولذا : (قلتوإمنا يعملون باملصلحة عند ورود شاهد من الشرع .16)أوضحه القرايف يف التنقيح

. باعتبارها

.17وذكر الشوكاين أن اجلمهور منع من التمسك ا مطلقا

ضرورية، :هذا واعلم أن العلماء يقسمون املصاحل عموما إىل ثالثة أقسام .وحاجية، وحتسينية

ولذلك قال ابن قدامة ،فباب واسع عند العلماء ؛أما احلاجيات والتحسينياتال نعلم خالفا يف أنه ال جيوز التمسك ما من غري أصل فإنه لو جاز ذلك ( :املقدسي

لكان وصفا للشرع بالرأي وملا احتجنا إىل بعثة الرسل ولكان العامي يساوي العامل يف .18ـأه )نفسه لك، فإن كل أحد يعرف مصلحةذ

:وهي ستة ،فهي ما يسميها العلماء مبصلحة درء املفاسد عنها ؛وأما الضروريات .والعقل واملال 19الدين والنفس والنسب والعرض

ومل يترك الشرع وسيلة حفظ هذه الضروريات تبعا ملا يهوى اخللق وما يشتهون بل وحبد فاظا على الدين، وبالقصاص حفاظا على األنفسفقضى بقتل املرتد ح .حد حدودا

الزنا وبالعدة على املتوىف عنها زوجها واملطلقة وحنو ذلك حفظا للنسل والنسب كما وحرم الربا وبعض ،شرع حد القذف حفظا لألعراض وحد اخلمر حفاظا على العقول

ع متضافرة على اعتبار وشرع حد السرقة حفظا للمال، ولذلك فأدلة الشر أنواع البيوع، .هذه املصاحل واحملافظة عليها

ومادام الشرع قد قضى بوسائل حمددة للحفاظ على هذه املصاحل فال حيل ابتداع وسائل مل ينص عليها الشرع أو ليس هلا أصل فيه، والتشريع مبحض اهلوى حبجة احلفاظ

-افظة على الدماء ألنه ما عرف من الشارع احمل(وليس حبجة .على هذه املصاحل باطل

).170( انظر مذكرة األصول للشنقيطي ص 16 ).242( إرشاد الفحول، ص 17 ).149( روضة الناظر وجنه املناظر ص 18 ء جيعل النسب والعرض، شيئا واحدا فيكون اموع مخسة، وقد بينا يف كتابناوبعض العلما 19كيف أن الشريعة جاءت للحفاظ على هذه الضروريات، وأن ) كشف النقاب عن شريعة الغاب(

.القوانني الوضعية اليت شرعها الطواغيت تعمل على هدمها ليل ار



بكل طريقة ولذلك مل يشرع املثلة وإن كانت أبلغ يف الردع والزجر، ومل يشرع - مثالالقتل يف السرقة وشرب اخلمر، فمن أثبت حكما ملصلحة من هذه املصاحل ومل يعلم أن

على تلك املصاحل بإثبات ذلك احلكم املبتدع، كان ذلك وصفا للشرع الشرع حافظ .20ـأه) حكما بالعقل اردبالرأي، و

أن اهللا تعاىل مل يتركنا سدا وال خلقنا عبثا بل قد ؛وهكذا فخالصة هذا البابحدد لنا املصاحل واملقاصد الشرعية وليس هذا وحسب، بل قد حدد سبحانه أيضا السبل

كل وسيلة وطريقة قد يظنها الظان موصلة والوسائل املشروعة املوصلة إليها فسد وابطلإىل املصلحة أو املقصد ومل يترك لنا إال وسيلة وسبيال وطريقا واحدا هو طريق خامت النبيني، فالوسيلة هلا حكم املقصد من حيث أا جيب أن تكون مشروعة ونظيفة وطاهرة

.كاملقصد

).الوسائل تعطي أحكام املقاصد( :ولذا يقول الفقهاء

:وقالوه منظوما

21واحكم ذا احلكم للزوائد وسائل األمور كاملقاصد

وهذا فصل عظيم ( ):343/11(يقول شيخ اإلسالم بان تيمية يف املصاحل املرسلة ينبغي االهتمام به فإن من جهته حصل يف الدين اضطراب عظيم، وكثري من األمراء والعلماء والعباد رأوا مصاحل فاستعملوها بناء على هذا األصل وقد يكون منها ما هو

املصاحل املرسلة كالما خبالف النصوص، 22يف الشرع ومل يعلموه ورمبا قدم علىحمظور وكثري منهم من أمهل مصاحل جيب اعتبارها شرعا بناء على أن الشرع مل يرد ا ففوت

.ـأه) ... واجبات ومستحبات

).150( صانظر روضة الناظر وجنة املناظر البن قدامة 20عن منظومة القواعد الفقهية لعبد الرمحن بن ناصر السعدي وقد كنت قد درستها وهذبت شرحها 21

.وزدت على أصلها فوائد متنوعة يف أول الطلبكما هو واضح من السياق إذ الكالم يف ) يف( هكذا يف املطبوع من جمموع الفتاوى ولعل الصواب 22

.ذم املصاحل العارية من األدلة



يظهر لك بطالن ما قعده الشيخ عبد الرمحن عبد اخلالق يف كتابه ومما تقدماملصاحل واملفاسد هي األساس :ثالثا) (39(حني قال ص 23)والعمل السياسيمون املسل(

الشك أن طريق احلكم على وسيلة ما بأا صاحلة أو ال :والطريق للحكم على الوسائلهو مبقدار ما حتققه من املصاحل الشرعية، أو ختلقه من األضرار واملفاسد، فالنظر يف

رباح واخلسائر الدينية، هو ما جيب النظر إليه العواقب، وتدبر األمور، وحساب األ ).... والتعويل عليه

وهكذا جيب أن يكون النظر يف كل خطوة من ( :فقال) 40( وأكد ذلك صكم حيقق من املنافع لألمة .. خطوات الدعوة، ووسيلة من وسائلها، وأسلوب من أساليبها

ان النفع أعظم والتضحيات وكم حيقق من املفاسد الشرعية، فإن ك.. والدين واإلسالمواملفاسد أقل، كان العمل مشروعا بل واجبا أحيانا، وأما إن كانت املفسدة أكرب

ـأه )... واألضرار أعظم من املنافع فإن الواجب األحجام

لكن - وال نقول الوحيد - فاحلق الذي ال مرية فيه أن األساس والطريق األولئل مشروعة أم غري مشروعة، ومعتربة أم غري معتربة، األول واألهم يف احلكم على الوسا

.كما عرفت من قبل .هو الشرع والربهان والدليل

ال حاكما ومهيمنا عليه، كما .مث بعد ذلك يأيت ميزان املصاحل واملفاسد تبعا للدليل؛ ولذلك أدخلوا على أهل اإلسالم شرا عظيما وباطال مبينا .هو حال كثري من دعاة العصر

مضبوطا وحمكوما بكالم اهللا وكالم رسوله صلى ألن ميزان املصلحة واملفسدة إن مل يكناهللا عليه وسلم، فسيكون دون شك أو ريب حمكوما باألهواء واالستحسانات والعقول

.ولذلك حيصل التناقض واالختالف والتخبط يف دين اهللا .القاصرة املختلفة

ه اهللا وكثري ممن هم على طريقته حبجة ولذلك، فقد جوز الشيخ املذكور هدااالستصالحات الدعوية املشاركة بكثري من الباطل العظيم واإلفك املبني كالربملانات

.التشريعية وغريها من املؤسسات الكفرية للطواغيت

حىت بلغ به األمر إىل أن ضرب على ذلك مثال باجلزائر حني خرج املستعمر اقتصادها كان آنذاك مبنيا على صناعة اخلمور، فأخذ يسفه الفرنسي منها، فزعم أن أغلب

بعة الدار السلفية يف الكويت، وليس هذا هو املوضع الوحيد املنتقد عليه فالكتاب صنف أساسا ط 23

لتسويغ املشاركة يف الربملانات التشريعية وحنوها من وسائل الدعوة العصرية املوافقة لسبيل ارمني .واملناقضة لسبيل املؤمنني كما هو واضح يف مقدمته



عقول القائلني بإغالق تلك املصانع فورا ويصفهم باجلمود مع النصوص وعدم فهم خشية من .روحها وأن املصلحة تقتضي إقرار تلك املصانع والتدرج مدة يف إلغائها

د ألغى مثل هذا االستصالح مع أن اهللا تعاىل ق .24مفسدة ايار االقتصاد وتضرر الشعبيوم أن قضى مبنع املشركني من دخول احلرم، وقد علم سبحانه خبوف بعض املؤمنني وبني

من مفسدة ضعف االقتصاد وكساد التجارة اليت قد تنتج عن ذلك املنع املفاجئ، فقال } وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اهللا من فضله إن شاء إن اهللا عليم حكيم{ :سبحانه

].28: لتوبةا[

وهكذا فقد بلغ األمر بأصحاب هذه االستصالحات أن يسموا الوقوف مع األدلة .الشرعية وعدم تعدي حدود اهللا مجودا مع النصوص

أن كان هذا مجودا عندكم فنحن نعلنها بأننا فخورون ذا اجلمود :فنقول هلمئا لكم باالحنالل عن النصوص وهني .معتزون به ونسأل اهللا تعاىل أن حييينا ومييتنا عليه

. املتهافتة والتحرر من األدلة وتعدي حدود اهللا يف ظل استصالحاتكم واستحساناتكم

أعدم يف احلجاز على إثر ( سألة الشيخ علي اجلعفان اليماين رمحه اهللا تعاىلوقد رد عليه يف هذه امل 24 ).كشف احلقائق( يف رسالة مساها هـ،1400حادث احلرم سنة



املصاحل املرسلة ومثال الترس

.والستكمال الكالم يف هذا املوضوع ولكي ال نبقي للمتالعبني يف دين اهللا ثغره :ملصلحة إن اجتمعت فيها شروط ثالثاعلم أن بعض العلماء قد تكلموا يف قبول ا

.أن تكون مصلحة حقيقية وليست مصلحة ومهية :أوهلا

.أن تكون مصلحة عامة وليست شخصية :ثانيها

.أن ال تعارض هذه املصلحة حكما أو دليال شرعيا :ثالثها

قطعية، ،إن كانت تلك املصلحة ضرورية): (242(جاء يف إرشاد الفحول ص أن تكون من :واملراد بالضرورية .ة فإن فقد أحد هذه الثالثة مل تعتربكلية، كانت معترب

أن تعم مجيع املسلمني ال لو كانت لبعض الناس دون :وبالكلية .الضروريات اخلمسواختار هذا الغزايل والبيضاوي ومثل الغزايل .بعض أو يف حالة خمصوصة دون حاله

.ـأه) ألة الترسمبس - هلذه الشروط :أي -للمصلحة املستجمعة

وذلك بعد أن ) 4/216( قال أبو احلسن اآلمدي يف اإلحكام يف أصول األحكام ذكر تقسيم املصاحل إىل ما هو معترب وما هو ملغي وما مل يشهد الشرع له باعتبار وال

وقد اتفق الفقهاء من الشافعية واحلنفية ( :قال، ء، وهو ما يعرف باملصلحة املرسلةإلغاامتناع التمسك به، وهو احلق، إال ما نقل عن مالك أنه يقول به مع إنكار وغريهم على

أصحابه لذلك عنه، ولعل النقل إن صح عنه فاألشبه أنه مل يقل بذلك يف كل مصلحة، بل فيما كان من املصاحل الضرورية الكلية احلاصلة قطعا، ال فيما كان من املصاحل غري

ذلك كما لو تترس الكفار جبماعة من املسلمني، ضروري، وال كلي وال وقوعه قطعي، وحبيث لو كففنا عنهم، لغلب الكفار على دار اإلسالم، واستأصلوا شأفة املسلمني، ولو رمينا الترس وقتلناهم اندفعت املفسدة عن كافة املسلمني قطعا، غري أنه يلزم منه قتل مسلم

رة، واملصلحة ضرورية كلية قطعية، ال جرمية له، فهذا القتل وإن كان مناسبا يف هذه الصو .غري إنه مل يظهر من الشرع اعتبارها وال إلغاؤها يف صورة

وإذا عرف ذلك، فاملصاحل على ما بينا منقسمة إىل ما عهد من الشارع اعتبارها، .وإىل ما عهد منه إلغاؤها



تنع وهذا القسم متردد بني ذينك القسمني وليس إحلاقة بأحدمها أوىل من اآلخر فام ـأه )دون امللغى االحتجاج به دون شاهد باالعتبار، يعرف أنه من قبيل املعترب

هذه على خطورا )مسألة الترس(وتأمل هذا الكالم األخري لتعرف أنه حىت :قلتخالف وليست هي حمل إمجاع كما يزعم كثري من املتعاملني يف هذا وضرورا فيها

.الزمان

.العلماء قد قيدها بقيود ثقال ملا فيها من استحالل احلرام هذا مع أن من قال ا من

:ومن تلك القيود

أن ال يوجد سبيل إىل قتل الكفار وصدهم إال بقتل الترس فإن وجد غري هذا السبيل .مل حيل قتل الترس حبال

أن يتيقن بأن ترك الكفار وعدم قتلهم ألجل الترس فيه هالك حقيقي للمسلمني .وللترس أيضا

ن يتق املسلمون اهللا يف قتاهلم هذا ما استطاعوا فال يقتلوا من الترس إال ما اضطروا أ .حقيقة إىل قتله

ومع هذا فإن كثريا من املفتونني يف هذا الزمان حيتجون مبسألة الترس هذه وينزلوا بال مباالة وبكل سهولة ويسر على أبواب خطرية خترج من دائرة اإلسالم وتفضي إىل

كالولوغ يف كثري من أعمال الكفر ووظائفه وخذ على سبيل ... ة من ملة التوحيدالرباءفقد استدل هلا كثري من ... املثال ال احلصر قضية املشاركة يف احلكم والربملانات التشريعية

دون اعتبار لتك القيود الثقال ... أنصارها مبسألة الترس هذه وتعسفوا يف ذلك تعسفا بالغا .25لني باملسألة أقواهلم االيت قيد القائ

فكأن دين اهللا تعاىل ال يقام إال باالشتراك باحلكم الكفري أو الربملانات التشريعية !الشركية

حكم ( ، جلاسم املهلهل الياسني، وكتاب231ص ) للدعاة فقط( انظر على سبيل املثال، كتاب 25

.91، ص)املشاركة يف الوزارة واالس النيابية



أو أن يف ترك املشاركة ا هالك مجيع املسلمني أن حنوه، مما يلزم احملتج لذلك !بأقاويل أهل العلم يف تلك املسألة

عب يف دين اهللا والتشريع مبحض االستحسان ولكنه اتباع اهلوى والتال... كال ولو كان قائد القوم هو الربهان والدليل ال حييدون عنه وال ... واالستصالح العقلي

إىل األهواء املضلة ... ولكنها مثرة اإلعراض عن األدلة والرباهني... يدينون بسواه الهتدواعرضني اليت ذكرها اهللا تعاىل واآلراء الفاسدة، فليحذر كل من سلك هذه السبل عقوبة امل

ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فاعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا { :يف قوله }على قلوم أكنة أن يفقهوه ويف آذام وقرا وإن تدعهم إىل اهلدى فلن يهتدوا إذا أبدا

].57الكهف [

الرشد ال يتخذوه وإن يروا كل آية ال يؤمنوا ا وإن يروا سبيل{: وقال سبحانه} سبيال وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيال ذلك بأم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلني

.]146: األعراف[

:تنبيه

أعظم مصلحة يف الوجود ال جيوز :اىل أصل عظيم وقاعدة مهمة أغفلها أكثر الناس .تعطيلها و معارضتها بأي مصلحة دوا

والنفس الدين :ورية اليت اعتربها الشارع ستة هيقد علمت أن املصاحل الضر .واملال والعقل والعرض والنسب

وأعظم هذه املصاحل كلها على اإلطالق هو الدين، ألنه إذا كانت الضروريات فإن الدين .األخرى قد اعتربها الشارع ألا حتفظ على الناس دنياهم وأمور معاشهم

ولذلك كان أشد احلدود ما وضعه اهللا .النجاةحيفظ عليهم دنياهم وآخرم وبه وحده وحنوه، ) من بدل دينه فاقتلوه(تعاىل حلفظ جناب الدين، وهو القتل كما يف حديث

.خصوصا وقد جعله اهللا حقا حمضا له تعاىل ال يشاركه فيه أحد

إذ ما خلق اهللا اخللق إال ،)الشرك(الذي هو ضد ).التوحيد(وأعظم ما يف الدين .ل حتقيقه واجتناب نقيضه وضدهمن أج

.ليعبدونين وحدي :أي .}وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون{: قال تعاىل



ولقد بعثنا يف {: تعاىلوما ارسل سبحانه الرسل وال أنزل الكتب إال من أجله، قال .}أن أعبدوا اهللا واجتنبوا الطاغوتكل أمة رسوال

فى صلوات اهللا وسالمه عليه خترب بأن وقد تضافرت األحاديث أيضا عن املصط مدار دخول اجلنة والنجاة من النار موقوف على حتقيق التوحيد واجتناب الشرك والتنديد،

.وما بقية الشرائع إال متممات ومكمالت ومثبتات هلذا األصل األصيل

كل آية يف القرآن متضمنة للتوحيد شاهدة به، داعية إليه، (ولذلك ذكر العلماء أن وإما .إما خرب عن اهللا وأمسائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي اخلربي :فإن القرآن

دعوة إىل عبادته وحده ال شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه فهو التوحيد اإلرادي وإما خرب عن كرامة اهللا ألهل .وإما أمر وي، فهي حقوق التوحيد ومكمالته .الطليب

وإما خرب .م يف الدنيا، وما يكرمهم به يف اآلخرة فهو جزاء توحيدهتوحيده، وما فعلعن أهل الشرك، وما فعل م يف الدنيا من النكال وما حيل م يف العقىب من العذاب، فهو

فالقرآن كله يف التوحيد وحقوقه وجزائه، ويف شأن .خرب عمن خرج عن حكم التوحيد .26ـأه) الشرك وأهله وجزائهم

.لحة يف الوجود إذن هي توحيد اهللا تعاىلفأعظم مص

ومن أجل ذلك شرع اهللا اجلهاد واالستشهاد فكانت هذه املصلحة مقدمة على كل املصاحل األخرى من نفس أو مال أو عرض أو غريها إذ شرعة اجلهاد حقيقتها بذل مجيع

: عاىلتويبني ذلك قوله .املصاحل والضرورات من أجل حفظ جناب هذه املصلحة الكربى ].217: البقرة[} والفتنة أكرب من القتل{

كما وأن أعظم مفسدة يف الوجود هو الشرك الذي يناقض التوحيد، ألن ما دونه قد يغفر للموحد أو يشفع فيه شفيع مطاع أو يعذب بقدره مث يكون مصريه مصري

.املوحدين

فقد حرم اهللا إنه من يشرك باهللا{ :أما من مات وهو مشرك باهللا فقد قال تعاىل فيه .}أن اهللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء{ :وقال سبحانه، }عليه اجلنة

.رواه البخاري) من مات وهو يدعو هللا ندا دخل النار( :وقال صلى اهللا عليه وسلم

.كالم ابن القيم وذكره أيضا ابن أيب العز يف شرح الطحاوية من 26



مل جيز له أن يقدم على مصلحة التوحيد أي مصلحة يف .وعرفه املرءفإذا تقرر هذا كما وليس له أن يعظم، إىل جنب مفسدة الشرك أي مفسده يف الوجود، ألن .الوجود

وهذا إمنا مرده إىل .الشرع قد قرر أن التوحيد أعظم مصلحة وان التنديد أعظم مفسدة .الشرع، ال للعقل أو اهلوى واالستحسان كما هو مقرر يف دين اهللا

ري ومسلم وغريمها أنه وقد صح عن النيب صلى اهللا عليه وسلم فيما رواه البخا ).أن جتعل هللا ندا وقد خلقك( :فقال) أي الذنب أعظم؟: (سئل

وإذا تقرر هذا فإن املرء جيب عليه أن يفهم كل نص أو كالم للعلماء احملققني .واألئمة الربانيني وفقا له وعلى ضوئه

أن ومن ذلك قول شيخ اإلسالم ابن تيمية الذي يستشهد به كثري من الناس، دون إذا تعارضت املصاحل واملفاسد ( :يربطوه ذا األصل ودون أن يفقهوه وفقا له، حيث يقول

واحلسنات والسيئات أو تزامحت، فإنه جيب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدمحت املصاحل واملفاسد، وتعارضت املصاحل واملفاسد فإن األمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل

ينظر يف املعارض له، فإن كان الذي يفوت من املصاحل أو حيصل مصلحة ودفع مفسدة فمن املفاسد أكثر، مل يكن مأمورا به، بل يكون حمرما إذا كانت مفسدته أكثر من

.27ـهأ) واملفاسد هو مبيزان الشريعةمصلحته لكن اعتبار مقادير املصاحل

التوحيد ملا قدم فلو عقل املتكلم أو الكاتب وفهم أن أعظم مصلحة يف الوجود هي وكذا لو عقل أن أعظم مفسده يف الوجود .28عليها أي مصلحة مرجوحة مزعومة أخرى

هي الشرك باهللا، ملا ترك درأها، وال احتملها ألجل مفسدة هي أدىن منها واصغر، مهما بالغ يف وصفها أصحاا كما هو شأن املدافعني عن املشاركة يف كثري من أبواب الكفر

احلكم بغري ما أنزل اهللا حني يستدركون لباطلهم ذاك مبيزان املفاسد واملصاحل والتشريع و .فيطففون جهال منهم أو جتاهال

* ويل للمطففني، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون{ :واهللا يتوعدهم فيقولقوم يوم ي * مليوم عظي * أال يظن أولئك أم مبعوثون * رونوإذا كالوهم أو وزنوهم خيس

.}الناس لرب العاملني

).28/129( جمموع الفتاوي 27من كتاب حكم املشاركة يف الوزارة والربملانات التشريعية لعمر األشقر وفيه ) 88( انظر ص 28

فلة مع الغ .االستدالل بكالم شيخ اإلسالم ابن تيمية يف باب حتصيل أعظم املصلحتني بتفويت أدنامها .عن أن أعظم مصلحة يف الوجود هي حتقيق التوحيد والكفر بالطواغيت



مثال من ختبط بعض دعاة العصر يف باب املصلحة

فصول من السياسة الشرعية يف الدعوة ( :لشيخ عبد الرمحن عبد اخلالق كتاب مساهلأغلبه قائم على باب مصلحة الدعوة، ذلك املعول الذي هدم به كثري من الدعاة ) إىل اهللا

هل تتعارض - 11(عقد فيه فصال بعنوان . الرواسي أصوال وقواعد هي يف ديننا كاجلبالمستدال ) 128( استفتح الكالم فيه ص!) ؟ - أحيانا - املصلحة الشرعية والنص الشرعي

للجواب على هذا العنوان باإلجياب، مبا تبيحه الضرورات ورخص املريض واملسافر بليد ( :له بقوله اصفالعنوان وواألعرج واألعمى، رادا على من قد يستهجن مثل هذا ا

، وغفل أو تغافل عن أن ما تبيحه الضرورات وتلك الرخص ليست )الذهن وقاصر العلمباحلقيقة معارضات للنصوص الشرعية، وإمنا هي نصوص أخرى شرعية قيدت نصوصا

أو خصصتها يف حاالت معينة، والكل من عند اهللا، ومادام كذلك؛ فلن جتد بينه . عامة .}ولو كان من عند غري اهللا لوجدوا فيه اختالفا كثريا{: تعاىلقال .ختالفاتعارضا وال ا

فال تعارض قطعا بني املصاحل الشرعية اليت نص اهللا تعاىل عليها وبني األوامر الشرعية كلها ألن الكل من عند اهللا احلكيم العليم، وإمنا حيصل التعارض والتضاد واالختالف إذا

حات من عند غري اهللا، ومما مل ينزل اهللا ا سلطانا، كما هو شأن كانت تلك االستصال .كثري مما رف به استحسانات واستصالحات املتعاملني يف زماننا

هل تتعارض املصلحة( :ولذا فاألوىل واألجدر أن يعنون ملثل هذا الفصل بقولهفال حرج عليه إن ومن مث ). الشخصية أو الشهوانية واملعيشية مع النص الشرعي أحيانا

إذ هذا هو واقع كثري من الدعاة اليوم، نسأل اهللا السالمة ،أجاب على ذلك باإلجياب .والعافية

وعلى كل حال فاالحنراف الناتج عن االنزالق يف باب االستصالحات واالستحسانات دون ضوابط من الشرع أو أصول، ال يقف عند حد، لذلك فقد زعم

أن 129الق يف ذلك املوضع وبعد تلك املقدمة مباشرة ص الشيخ عبد الرمحن عبد اخلالنيب صلى اهللا عليه وسلم ترك تطبيق بعض حدود اهللا وترك قتل املنافقني الذين أعلنوا الكفر أو وقعوا ببعض املخالفات اليت تستحق حدا، كعبد اهللا بن أيب واملستهزئني بالقراء

اتباعا للمصلحة وتقدميا ،}د كفرمت بعد إميانكمال تعتذروا ق{: تعاىلالذين نزل فيهم قوله .هلا على احلدود الثابتة حبق أصحاا



من بدل دينه : (وهذا ترك إلعمال نص، وهو قوله صلى اهللا عليه وسلم: (قالأخذا بتلك املصلحة الشرعية، أو باألحرى خوف مفسدة شرعية وهي تكلم ،"فاقتلوه

.)هذا تنفري عن الدينالناس أن حممدا يقتل أصحابه ويف

وكذلك ترك رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم تنفيذ حد القذف الثابت يف القرآن (ورأس املنافقني وذلك حذرا من إعالن الردة .على عبد اهللا بن أيب ابن سلول رأس اإلفك

.ـأه )ومتزيق مجاعة املسلمني وانتقاض أحوال املدينة على الرسول

نه وجرأة، حيث أدى به ذلك إىل اام النيب صلى اهللا عليه وهذا يف احلقيقة ور م . وسلم بتعطيل بعض احلدود وترك إعمال بعض النصوص

أن يفرط مبا شاء من احلدود أو يترك ما اشتهى تركه من ومن مث فلكل متبع هلواهوهذه يف احلقيقة شبهة شهرية ملرجئة العصر يروجوا .النصوص حبجة مصلحة الدعوة

ا لتسويغ استصالحام واستحسانام الشهوانية اليت يعارضون ا النصوص أحيان فيجوزون سلوك سبيل ارمني،

واالحنراف عن منهاج النبوة وسبيل املؤمنني، حبجة مصلحة الدعوة املزعومة، أو .للترقيع للطواغيت املعطلني حلدود اهللا تعاىل واملشرعني مع اهللا، أحيانا أخرى

كل حال شبهة قدمية قد تلقفها هؤالء عن أشياخ هلم قدامى رد عليهم وهي على فيها ويف أمثاهلا علماء اإلسالم من األئمة الراسخني يف العلم كاإلمام ابن حزم وشيخ

.اإلسالم ابن تيمية رمحهما اهللا تعاىل

مسألة يرد فيها على ) 2199(حتت رقم ) 11/201(فقد عقد ابن حزم يف حمالة أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عرف واطلع على أن املنافقني قد ارتدوا كل من زعم

أو حنوه .وكفروا علنا بعد إظهارهم لإلسالم، ومع هذا مل يقتلهم وال أنفذ فيهم حد الردة .من احلدود اليت استحقوها

:فبعد أن بين أن املنافقني الذين يحتج ببعض خمالفام يف هذه الشبهة على قسمني .وقسم آخر افتضحوا فعرفهم فالذوا بالتوبة .قسم مل يعرفهم عليه السالم قط

أخذ بعد ذلك يورد ما احتج به املخالفون يف هذا الباب آية آية وحديثا حديثا، ورد على استدالالم مجيعها ردا علميا نفيسا جديرا بالقراءة والتدبر لقمع هذه الشبهات اليت

.}أتواصو به بل هم قوم طاغون{ عن أشياخهم األوائل وروجوها تلقفها مرجئة عصرنا



أن املنافقني الذين استهزؤوا بالقراء يف غزوة تبوك قد ) 207(ومن ذلك أنه بين ص ولكن عدم إقامة الرسول صلى اهللا عليه وسلم للحد عليهم مل .كفروا بعد إميام فعال

إلنفاذه حبجة املصلحة املزعومة، بل تعطيال للحد أو تركا - كما زعم هؤالء - يكنكما روى ذلك أهل احلديث - ألم الذوا بالتوبة مجيعا واظهروا الندامة واعترفوا بذنبهم

وكما ذكر اهللا تعاىل، فمنهم من قبل اهللا توبته، لعلمه سبحانه بصدق - يف سبب النزوليف الظاهر قد أظهر مجيعهم لكن .ومنهم من مل يعف عنهم لعلمه بكذم يف الباطن باطنه،

فعصم هذا .}إن نعف عن طائفة نعذب طائفة بأم كانوا جمرمني{ :التوبة بنص اآلية .الظاهر دماءهم يف الدنيا

أن عبد اهللا بن أيب بعد أن كفر هو ومن ساعده على ذلك 218وذكر أيضا ص مل يعلم باطنهم على أظهروا التوبة واإلسالم فقبل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم منهم و

ولكن اهللا تعاىل عليم بذلك وهو ما كانوا عليه من الكفر أم على ما أظهروا من التوبة؟ .أما يف الدنيا فيعاملون مبا يظهرون .بالشك اازي عليه يوم القيامة

حول ) الصارم املسلول(وكذلك فعل شيخ اإلسالم ابن تيمية فقد ذكر يف كتابه حيلفون باهللا {قوله تعاىل ) 346(يبا من كالم ابن حزم فسرد ص ذلك كالما نفيسا قر

:وقوله، }...سيحلفون لكم إذا انقلبتم إليهم لترضوا عنهم{ :وقوله ،}..لريضوكموحنوها من اآليات، مث ،}...اختذوا أميام جنة{: تعاىلوقوله ،}...حيلفون باهللا ما قالوا{

نوا يرضون املؤمنني باألميان الكاذبة، وينكرون ما ذكر أا دلت كلها على أن املنافقني كا .وحيلفون أم مل يتكلموا بكلمة الكفر .يقعون فيه من الكفر وحنوه

وأن البينة مل تكن تثبت على مقاالم ورمبا ) 355(وذكر مثل ذلك أيضا ص عليه وسلم مسعها منهم الرجل املؤمن الواحد أو املرأة أو الصيب فينقلها إىل النيب صلى اهللا

ومثل هذا يتنزل .فيحلفون باهللا أم ما قالوها، وال يتوفر من يكمل نصاب الشهادة معهموال يقال إن القرآن قد شهد عليهم بذلك ألن .على حد القذف املذكور يف حادثة اإلفك

ا القرآن مل يعني أمساء ومل يكن النيب صلى اهللا عليه وسلم يعامل املنافقني بأحكام الدنيا مب .يعلمه عنهم بالغيب عن طريق الوحي، بل مبا يظهرون أو يثبت عليهم بالبينة

ومن أجوبته أيضا رمحه اهللا تعاىل، ما تقرر من أنه إذا اجتمع يف اجلرمية حقان حق أن له صلى اهللا عليه وسلم اهللا وحق آدميني، غلب يف أحكام الدنيا حق اآلدمي فكان

ل ومن ذلك القذف الذي خاض فيه املنافقون انظر ص يعفو وذلك مثل القود يف القت .)300(وص ) 296(



أن لألنبياء كذلك حق اآلدمي ولذلك جعل اهللا هلم أن يعفوا ( :)234(وقال ص عن مثل هذا النوع، ووسع عليهم ذلك ملا فيه من حق اآلدمي تغليبا حلق اآلدمي على حق

عن القاتل والقاذف، وهم أوىل ملا يف اهللا، كما جعل ملستحق القود وحد القذف أن يعفوجواز عفو األنبياء وحنوهم من املصاحل العظيمة املتعلقة بالنيب صلى اهللا عليه وسلم وباألمة

.)والدين

خبالف ما الحق له فيه من زنا أو سرقه أو ظلم لغريه، فإنه جيب ( :235وقال ص .ـأه) عليه القيام به

عقلي شهوايت للدعاة أن يقرروه مبحض هواهم إذن فاملسألة ليست جمرد استصالح بل ذلك كله من املصاحل املعتربة شرعا واليت نصت عليها األدلة الشرعية فما كان من هذا

.الباب فهو معترب ومقبول وما كان من غريه فمطروح مردود

هذا وقد أجاب شيخ اإلسالم عن كثري من احلوادث اليت وقعت من املنافقني يف من كتابه املذكور بأجوبة أخرى كثرية غري هذه بعضها من كالمه وبعضها مواضع شىت

لتعرف الفرق بني .وتأمل كالمهم املدعم بأدلته. فراجعها .نقله عن غريه من العلماءفأهل االستدالل .مقاالت أهل االستدالل ومقاالت أهل االستصالح، واالستحسان

وسلم قدره ويوقرونه ويعزرونه ويذبون عنه بالكتاب والسنة يعرفون للنيب صلى اهللا عليهالنيب أما اآلخرون فإن استصالحام تزري م وتوقعهم يف التشنيع على... وعن سنته

.صلى اهللا عليه وسلم، وتنسبه إىل تعطيل الشرع شعروا أو من حيث ال يشعرون

ل اهللا ومن ظن أن رسو( ):218/11(لذا قال ابن حزم يف املوضع املشار إليه آنفا صلى اهللا عليه وسلم ال يقتل من وجب عليه القتل من أصحابه فقد كفر وحل دمه وماله

واهللا لقد قتل رسول .لنسبته إىل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم الباطل وخمالفة اهللا تعاىلاهللا صلى اهللا عليه وسلم أصحابه الفضالء املقطوع هلم باإلميان واجلنة إذ وجب عليهم

كماعز والغامدية واجلهنية رضي اهللا عنهم فمن الباطل املتيقن والضالل البحت القتل والفسوق ارد بل من الكفر الصريح أن يعتقد أو يظن من هو مسلم أن رسول اهللا صلى

مث ... اهللا عليه وسلم يقتل مسلمني فاضلني من أهل اجلنة من أصحابه أشنع قتله باحلجارةيف قتل املرتد على كافر يدري أنه ارتد مث ال يقنع ذا حىت يعطل إقامة احلق الواجب

وقد تقدم ي اهللا تعاىل له عن االستغفار .يصلي عليه ويستغفر له وهو يدري أنه كافرنشهد بشهادة اهللا تعاىل أن من دان ذا واعتقده، فإنه كافر مشرك مرتد وحنن .للكفار

. خمتصرا ـأه) حالل الدم واملال نربأ إىل اهللا تعاىل منه ومن واليته



أقوال ومواقف مضيئة للعلماء والدعاة وأئمة اهلدى وامللوك الصاحلني

يف املصلحة العارية عن الدليل ):ـه101(عزيز رمحه اهللا تعاىل اخلليفة الراشد عمر بن عبد ال

ملا والين عمر بن عبد العزيز املوصل قدمتها فوجدا من أكثر ( :قال حيىي الغساينآخذ الناس بالظنة، وأضرم على :البالد سرقة ونقبا، فكتبت إليه أعلمه حال البلد وأسأله

الناس بالبينة وما أن آخذ ،فكتب ايل أو آخذهم بالبينة وما جرت عليه السنة؟ 29التهمة؟ .)جرت عليه السنة فإن مل يصلحهم احلق فال أصلحهم اهللا

ففعلت ذلك، فما خرجت من املوصل حىت كانت من أصلح البالد ( :قال حيىي .30)وأقلها سرقة ونقبا

:)ـه161(أبو عبد اهللا سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري

ني يف زمانه وأمري املؤمنني هو شيخ اإلسالم وإمام احلفاظ وسيد العلماء العامل .باحلديث بشهادة اجلهابذة

لن ترى بعينيك مثل سفيان الثوري حىت ( :قال اإلمام أمحد قال يل ابن عيينة ).متوت

أتدري من اإلمام؟ اإلمام سفيان الثوري، ال ( :وروى املروذي عن اإلمام أمحد قوله .)يتقدمه أحد يف قليب

لف أحد سفيان يف شيء، إال كان القول قول ما خا( :وقال فيه حيىي بن معني .)سفيان

ومع هذا فما كان هذا اخلليفة .وحال البلد كما قد ذكر!! فهذه مصلحة عامة وضرورية :تأمل 29

.الراشد ليستصلح ما خيالف السنة واحلقيع ما قدمته أبو أسند مج( )241( وقد قال بعد ذلك ص) 237( عن تاريخ احللفاء للسيوطي، ص 30

).2/15( وانظرها يف الشفا للقاضي عياض ).نعيم يف احللية



ما جلست مع سفيان جملسا إال ذكرت املوت، ما رأيت أحدا كان ( :وقال قبيصة ).أكثر ذكرا للموت منه

ما رأيت مثل سفيان أقبلت الدنيا عليه، فصرف وجهه ( :ويقول حيىي بن اليمان ـأه) عنها

.اخلوف والورع واحلفظ والفقه ومعرفة اآلثاركان رمحه اهللا تعاىل رأسا يف الزهد وإال أنه مل .ورغم أنه مل يكن يرى اخلروج على أمراء زمانه ألم مل يظهروا كفرا بواحا

يكن خياف يف اإلنكار عليهم لومة الئم، فكان ال يأيت أبوام، وإذا ما لقيهم أظهر عدم وعن حترقه لألمر باملعروف .الرضى بأعماهلم وأنكر عليهم ما أظهروه من ظلم ومعاص

إين ألرى الشيء جيب علي أن أتكلم فيه، ( :والنهي عن املنكر، روي عنه أنه كان يقول ).فال أفعل، فأبول دما

.)ما رأيت األمري والغين أذل منه يف جملس سفيان( :وكان بعض أصحابه يقول

).اتركوا هلم الدنياإن هؤالء امللوك قد تركوا لكم اآلخرة، ف: (وكان سفيان يقول

ولكثرة إنكاره وعدم مداهنته أو دخوله على األمراء وفراره من توىل القضاء طلب للسلطان وانفذ أمر إىل الوالة بطلبه، فخرج إىل مكة ومكث فيها متخفيا متواريا، مطلوبا للصلب، ال يظهر إال ألهل العلم ومن ال خيافه، وكان ينادى من جاء بسفيان فله كذا

ذا، وقيل هرب إىل اليمن، وملا خاف من اشتداد الطلب عليه مبكة خرج إىل البصرة وكونزل قرب منزل حيىي بن سعيد مث حوله إىل جواره وفتح بينه وبينه بابا، فكان يأتيه مبحدثي أهل البصرة يسلمون عليه ويسمعون منه، مث ملا عرف واشتهر مكانه ومقامه حتول

إىل أن مات فأخرجت جنازته على أهل البصرة فجأة، فشهده .رإىل منزل اهليثم بن منصواخللق، وصلى عليه عبد الرمحن بن عبد امللك بن أجبر الكويف بوصيه من سفيان لصالحه،

.31ودفن هناك سنة إحدى وستني ومئة رمحه اهللا تعاىل

:ومن أقواله رمحه اهللا تعاىل يف هذا الباب

وشنجي مسعت أبا صاحل الفراء مسعت يوسف مسعت العنربي مسعت الب :قال الذهيبإذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص، وإذا ( :بن أسباط يقول قال يل سفيان

.وغريها) 356/6( وحلية االولياء) 203/1( وتذكرة احلافظ) 229/7( سري أعالم النبالء أنظر 31



ترد مظلمة، وتدفع عن : رأيته يلوذ باألغنياء فاعلم أنه مراء، وإياك أن ختدع، ويقال لك ).13/586( أعالم النبالء سري ـأه )مظلوم، فإن هذه خدعة إبليس، اختذها القراء سلما

إياك واألمراء أن تدنو منهم أو ( :وكان يف كتابه... وكتب سفيان إىل عباد بن عبادختالطهم يف شيء من األشياء وإياك أن تخدع ويقال لك لتشفع وتدرأ عن مظلوم أو ترد

ة أليب نعيم احللي ـأه )...مظلمة، فإن ذلك خديعة إبليس، وإمنا اختذها فجار القراء سلما)6/376 - 377.(

:)ـه 421(امللك حممود سبكتكني

هو صاحب بالد غزنة متلك بعد أبيه فسار يف رعاياه سرية عادلة وقام يف نصر اإلسالم وفتح فتوحات كثرية وعظم شأنه واتسعت مملكته فكان خيطب يف سائر ممالكه

مصر بالكتب واهلدايا ألجل وكانت رسل العبيديني تفد عليه من ،للخليفة القادر باهللااستمالته إىل جهتهم فكان حيرق كتبهم وهداياهم، وفتح يف بالد الكفار من اهلند فتوحات هائلة مل تتفق لغريه وكسر كثريا من أوثام وأصنامهم ومن مجلة ما كسر صنم يقال له

د الناسسومنات هو صنم اهلند األعظم الذي كانوا يفدون إليه من كل فج عميق، كما يفإىل الكعبة البيت احلرام وأعظم، وينفقون عنده النفقات واألموال الكثرية، اليت ال توصف وال تعد، وكان عليه من األوقاف عشرة آالف قرية ومدينة مشهورة، وقد امتألت خزائنه أمواال، وعنده ألف رجل خيدمونه فثلثمائة رجل حيلقون رؤوس حجيجه، وثلثمائة رجل

ون على بابه، ملا يضرب على بابه الطبول والبوقات، وكان عنده من يغنون ويرقصااورين ألوف يأكلون من أوقافه، وقد كان البعيد من اهلنود يتمىن لو بلغ هذا الصنم،

.وكان يعوقه طول املفاوز وكثره املوانع واآلفات

اهلنود يف فاستخار اهللا السلطان حممود ملا بلغه خرب هذا الصنم وعباده، وكثرة طريقه، واملفاوز املهلكة، واألرض اخلطرة يف جتشم ذلك يف جيشه وأن يقطع تلك األهوال إليه، وقد كان اهلنود كلما فتح السلطان حممود يف اهلند فتحا وكسر صنما من أصنامهم

إن هذه األصنام قد سخط عليها سومنات ولو أنه راض عنها ألهلك من تقصدها : (قالواما بلغ ذلك السلطان، زاد من عزمه على غزوه فندب جيشه لذلك فانتدب معه ، فل)بسوء

ثالثون ألفا من املقاتلة ممن اختارهم لذلك سوى املتطوعة وسار من غزنة عاشر شعبان من .ظنا منه أن اهلنود إذا فقدوه ورأوا كذب أدعائهم فيه دخلوا يف اإلسالم ـه 418سنة

ذلك الوثن ونزلوا بساحة عباده فإذا هو مبكان بقدر فلما انتهى هو وجيشه إىل بلداملدينة العظيمة، ورأى اهلنود من املسلمني، قتاال مل يعهدوا مثله، وقاتل اهلنود على باب



الصنم أشد القتال وكان الفريق منهم بعد الفريق يدخلون إىل سومنات فيعتنقونه ويبكون املسلمون مخسني ألفا وما كان أسرع من أن فقتل منهم .وخيرجون فيقاتلون إىل أن يقتلوا

وقد كان اهلنود بذلوا للسلطان حممود أن يأخذ .ملكوا الصنم فقلعوه وأوقدوا حتته النارإين فكرت ( :حىت استخري اهللا عز وجل، فلما أصبح قال :أمواال ويبقى الصنم هلم، فقال

ين حممود الذي كسر الصنم؟ أ؛ يف األمر الذي ذكر، فرأيت أنه إذا نوديت يوم القيامة، مث عزم فكسره رمحه )الذي ترك الصنم، ألجل ما يناله من الدنيا؛ أحب إيل من أن يقال

اهللا فوجد عليه وفيه من اجلواهر والآليل والذهب واجلواهر النفيسة ما ينيف على ما بذلوه البن ) ية والنهايةالبدا( .له بأضعاف مضاعفة، ونرجو من اهللا له يف اآلخرة الثواب اجلزيل

.ـه 416وانظر الكامل يف التاريخ البن األثري يف حوادث سنة ) 22/12(كثري

لو أن بعض من يتصدرون للدعوة ومصلحتها يف زماننا هذا كانوا يف :وأقول هناموقفة ذاك جلادلوا واستحسنوا واستصلحوا بأفكارهم وعقوهلم، أن أخذ املال املعروض

.وبعد وبعد .ومصاحلهم من كسر الصنم خصوصا مع هزمية اهلنودأوىل وأنفع للمسلمني إىل غري ذلك من سفسطام السمجة، واستحسانام .. وعسى ولعل.. وألن ولكن

.}ومن يرد اهللا فتنته فلن متلك له من اهللا شيئا{، ومصاحلهم الشهوانية

:صاحب الشام) ـه 569(نور الدين حممود بن زنكي

من املوصل، وكان نور الدين قد أمر الوالة ) مر بن املالع(كتب إليه الشيخ واألمراء فيها أن ال يفصلوا ا أمرا حىت يعلموا املال به، فما أمرهم به من شيء امتثلوه،

.وكان من الصاحلني الزاهدين

إن املفسدين قد كثروا، وحيتاج إىل سياسة ( :ومع هذا فقد كتب إىل نور الدينإال بقتل وصلب وضرب، وإذا أخذ إنسان يف الربية من جييء يشهد ومثل هذا ال جييء

إن اهللا خلق اخللق وشرع هلم شريعة ( :فكتب إليه امللك نور الدين على ظهر كتابه ،)له؟وهو أعلم مبا يصلحهم، ولو علم أن يف الشريعة زيادة يف املصلحة لشرعها لنا، فال حاجة

ىل، فمن زاد فقد زعم أن الشريعة ناقصة فهو يكملها بنا إىل الزيادة على ما شرعه اهللا تعابزيادته،وهذا من اجلرأة على اهللا وعلى ما شرعه، والعقول املظلمة ال تدي، واهللا سبحانه

).يهدينا وإياك إىل صراط مستقيم



فلما وصل الكتاب إىل الشيخ عمر املال مجع الناس باملوصل، وقرأ عليهم الكتاب، .32وكتاب امللك إىل الزاهد .إىل كتاب الزاهد إىل امللكانظروا :وجعل يقول

:33احلافظ أبو الفرج عبد الرمحن ابن اجلوزي

خمالطتهم .ومن تلبيس إبليس على الفقهاء( ):121(قال يف كتابه تلبيس إبليس ص ورمبا رخصوا .األمراء والسالطني ومداهنتهم وترك اإلنكار عليهم مع القدرة على ذلك

:فيقع بذلك الفساد لثالثة أوجه .رخصة هلم فيه لينالوا من دنياهم عرضاهلم فيما ال

األمري يقول لوال أين على صواب ألنكر علي الفقيه وكيف ال أكون مصيبا : األول .وهو يأكل من مايل

ا لعامي، أنه يقول ال بأس ذا األمري وال مباله وال بأفعاله فإن فالنا الفقيه ال : والثاين .هيربح عند

.34الفقيه فإنه يفسد دينه بذلك :والثالث

)وقد لبس إبليس عليهم يف الدخول على السلطان فيقول إمنا ندخل لنشفع يف مسلم .ـأه

.هي ،هي.. فهي خديعة إبليس: قلت

:سيد قطب

من الصعب علي أن أتصور كيف ميكن ( :35يقول رمحه اهللا تعاىل يف أفراح الروحإن الغاية النبيلة ال حتيا إال يف قلب ! ؟ستخدام وسيلة خسيسةأن نصل إىل غاية نبيلة با

).283-12/282( البداية والنهاية 32 ).ه، ليته مل خيض يف التأويلرمحه اهللا وساحم( ):21/368( قال الذهيب يف سري أعالم النبالء :تنبيه 33ويف اجلملة فالدخول على السالطني خطر عظيم ألن النية قد حتسن يف أول " :122وقال ص 34

الدخول مث تتغري بإكرامهم وإنعامهم، أو بالطمع فيهم وال يتماسك عن مداهنتهم وترك اإلنكار عليهم، انتهم يل إمنا أخاف من إكرامهم فيميل ما أخاف من إه( :وقد كان سفيان الثوري رضي اهللا عنه يقول

وقد كان علماء السلف يبعدون عن األمراء ملا يظهر من جورهم فتطلبهم األمراء حلاجتهم ).قليب إليهمإليهم يف الفتاوي والواليات فنشأ أقوام قويت رغبتهم يف الدنيا فتعلموا العلوم اليت تصلح لألمراء،

.أ هـ "ومحلوها إليهم لينالوا من دنياهم



فكيف ميكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة؛ بل كيف يهتدي إىل : نبيل !استخدام هذه الوسيلة؟

إن .حني خنوض إىل الشط املمرع بركة من الوحل البد أن نصل إىل الشط ملوثنيدامنا وعلى مواضع هذه األقدام، كذلك احلال حني أوحال الطريق ستترك آثارها على اق

إن الدنس سيعلق بأرواحنا، وسيترك آثاره يف هذه األرواح، ويف :نستخدم وسيلة خسيسة .ـأه )الغاية اليت وصلنا إليها

وما أرسلنا من قبلك من رسول وال نيب إال {ويقول عند قوله تعاىل يف سورة احلج ولقد تدفع : (}اآلية... ته فينسخ اهللا ما يلقي الشيطانإذا متىن ألقى الشيطان يف أمني

احلماسة واحلرارة أصحاب الدعوات بعد الرسل والرغبة امللحة يف انتشار الدعوات تدفعهم إىل استمالة بعض األشخاص أو بعض العناصر باإلغضاء يف أول األمر .وانتصارها

، وجمارام يف بعض أمرهم عن شيء من مقتضيات الدعوة حيسبونه هم ليس أصيال فيها .كي ال ينفروا من الدعوة وخياصموها

ولقد تدفعهم كذلك إىل اختاذ وسائل وأساليب ال تستقيم مع موازين الدعوة وذلك حرصا على سرعة انتصار الدعوة .الدقيقة، وال مع منهج الدعوة املستقيم

ة احلقيقية يف استقامتها ومصلحة الدعو" مصلحة الدعوة"واجتهادا يف حتقيق .وانتشارهاأما النتائج فهي غيب ال يعلمه إال اهللا، فال جيوز أن .على النهج دون احنراف قليل أو كثري

إمنا جيب أن ميضوا على ج الدعوة الواضح .حيسب محلة الدعوة حساب هذه النتائج .اية املطاف ولن تكون إال خريا يف .الصريح الدقيق، وأن يدعوا نتائج هذه االستقامة هللا

وها هو القرآن الكرمي ينبههم إىل أن الشيطان يتربص بأمانيهم تلك لينفذ منها إىل صميم الدعوة، وإذا كان اهللا قد عصم أنبياءه ورسله فلم ميكن للشيطان أن ينفذ من خالل رغبام الفطرية إىل دعوم، فغري املعصومني يف حاجة إىل احلذر الشديد من هذه الناحية،

والتحرج البالغ، خيفة أن يدخل عليهم الشيطان من ثغرة الرغبة يف نصرة الدعوة واحلرص جيب أن ترتفع من قاموس " مصلحة الدعوة"إن كلمة ."مصلحة الدعوة"على ما يسمونه

أصحاب الدعوات، ألا مزلة، ومدخل للشيطان يأتيهم منه، حني يعز عليه أن يأتيهم من .ناحية مصلحة األشخاص

وهي رسالة لطيفة بعث ا إىل أخته أمينة قطب نشرا ألول مرة جملة الفكر التونسية بعنوان 35مث طبع يف كتيب بعد ذلك ) م1959آذار ( وذلك يف العدد السادس، السنة الرابعة) أضواء من بعيد(

).26( منها ص) 15( والكالم أعاله فقرة .طبعات عديدة



إىل صنم يتعبده أصحاب الدعوة وينسون معه منهج " مصلحة الدعوة"ولقد تتحول الدعوة األصيل، إن على أصحاب الدعوة أن يستقيموا على جها ويتحروا هذا النهج دون التفات إىل ما يعقبه هذا التحري من نتائج قد يلوح هلم أن فيها خطرا على الدعوة

ب أن يتقوه هو خطر االحنراف عن النهج لسبب من فاخلطر الوحيد الذي جي! وأصحااواهللا أعرف منهم باملصلحة وهم ليسوا .األسباب، سواء كان هذا االحنراف كثريا أو قليال

أال ينحرفوا عن املنهج، وأال حييدوا عن .إمنا هم مكلفون بأمر واحد .ا مكلفني ).2435/4(ص ـأه )...الطريق



ممسك اخلتا "مصلحة الدعوة"فتوى لشيخ اإلسالم ابن تيمية يف

وهذه فتوى يسأل شيخ اإلسالم فيها عن أحد املشايخ املعروفني باخلري واتباع وقصد إىل .السنة، أراد أن يدعو مجاعة من القتلة وقطاع الطرق والسراق وشراب اخلمر

إال بأن جيمعهم - على زعم السائل - هدايتهم ومنعهم من ذلك فلم يتمكن من ذلكعلى مساع بالدف وغناء مباح، ففعل ذلك معهم إىل أن تاب منهم مجاعة وأصبحوا بعد أن كانوا ال يصلون وال يزكون بل يسرقون ويقتحمون الكبائر واملوبقات أصبحوا

.يتورعون عن الشبهات ويؤدون املفروضات وجيتنبون احملرمات

الفعل هلذا الشيخ ملا يترتب عليه من هل يباح مثل هذا ؛فسئل شيخ اإلسالم ؟املصاحل

:فكان ملخص جواب الشيخ أن بني

أن هذا السماع الذي جيتمع عليه الناس أو الصوفية إن اختذ قربه إىل اهللا تعاىل فهو .مساع بدعي

وأن السلف الصاحل من أهل القرون املفضلة مل يكونوا يعرفونه وإمنا كان مساعهم .ب اهللا تعاىل واالجتماع عليهاملفضل هو تالوة كتا

مث بين أن اهللا عز وجل قد أكمل لنا الدين فلم يبق فيه نقصا أو خلال حيتاج من أحد .سده أو تكميله

وابطل زعم السائل بأنه ال ميكن هداية اخللق أو نصرة الدين إال بأمثال هذه الطرق عية الكافية الشافية، اليت كان يدعو ألن اهللا تعاىل قد أعطانا الطرق والوسائل الشر .البدعية

ا النيب صلى اهللا عليه وسلم واهتدى ا وعليها من كانوا أشر من املسؤول عنهم .وأطغى

وبين رمحه اهللا تعاىل أنه ال يعدل أحد عن هذه الوسائل الشرعية إىل طرق ووسائل .بدعية إال جلهل أو عجز أو غرض فاسد



وجعل طريقة .إن ترتبت عليه تلك املصاحل املزعومةوبالتايل ذم فعل ذلك الشيخ ودعوته بدعية ووصفه بأنه شيخ جاهل بالطرق الشرعية اليت ا يدعى إىل اهللا أو عاجز

.عنها

وأكد على وجوب اتباع كالم اهللا وكالم الرسول صلى اهللا عليه وسلم يف الدعوة سدى نتخبط كيف نشاء يف الظلمات، إىل اهللا وهداية املنحرفني والعصاة فإن اهللا مل خيلقنا

بل مل يترك سبحانه خريا إال ودلنا عليه، وحدد لنا الوسائل الشرعية املوصلة إىل مقصوده .ورضاه جل وعال

هذا ملخص فتوى شيخ اإلسالم ابن تيمية وهي فتوى صغرية احلجم لكنها عظيمة بعون وسائل القدر خصوصا يف زماننا هذا حيث كثر أتباع ذلك الشيخ ممن يت

بل إن من .واستصالحات ما أنزل اهللا ا من سلطان زاعمني نصرة الدين وهداية اخللقفإنه وكما عرفت إمنا .دعاة زماننا من احنرف احنرافا بينا وتعدى ما فعله ذلك الشيخ

مجعهم على غناء لشعر مباح لكنه أراد أن جيعل ذلك الغناء قربة إىل اهللا تعاىل باختاذه .قا لدعوة الناس وهداية الضالني فكان بذلك مذموماطري

أما كثري من دعاة زماننا فإم اختذوا الكفر والشرك باهللا العظيم طريقة مجعوا كمن يقسم على احترام القوانني - زعموا - أتباعهم عليها إلقامة الدين ونصرته

أو يرضى بدين غري دين .الوضعية، أو يظهر تويل ونصرة عبيدها وسدنتها على املوحديناليت هي تشريع الشعب .كالدميقراطية - ويتخذه طريقا لنصر الدين بزعمه - اهللا ينتهجه

ومن يبتغ غري اإلسالم دينا فلن يقبل {: للشعب وليس تشريع اهللا للشعب، وقد قال تعاىل .}منه وهو يف اآلخرة من اخلاسرين

رغم بطالن - فعل ذلك الشيخفكان من الظلم الصراح أن يقاس ضالل هؤالء، بفإن من اجلور واحليف مساواة ومقايسة من فعل مباحا أو مكروها أو حىت - استصالحه

حمرما حبجة نصر الدين، مبن زعم نصر الدين عن طريق الشرك باهللا وابتغاء حكما ودينا مل يأذن غري دين اهللا، واتباع أرباب متفرقني وشركاء متشاكسني يشرعون له من الدين ما

.به اهللا

.فألمثال هؤالء ومقلدم الذين يتبعوم على غري بصريه وهدى نسوق هذه الفتوىمبا حوته من أدلة قاطعة وبراهني ساطعة علهم يرعوون عن ذلك الباطل املبين، ويهتدون

.إىل احلق املبني، الذي هو الطريقة الوحيدة لنصرة الدين أال وهي طريق األنبياء واملرسلني



).620(ص 11وموضع الفتوى من جمموع فتاوى شيح اإلسالم يف الد

هذا وقد قمت باختصار شيء من الفتوى ألن شيخ اإلسالم قد توسع فيها يف مسألة السماع، وعلقت على بعض املواضع منها بتعليقات تناسب املقام

.خري اجلزاء أسال اهللا العلي القدير أن يتقبل ذلك منا وأن جيزي شيخ اإلسالم عنا

دعوانا أن احلمد هللا رب العاملنيوآخر

* * * تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد .عالمة الزمان سئل شيخ اإلسالم

.رضي اهللا عنه السالم بن عبد اهللا بن أيب القاسم بن تيمية احلراين

ع الطريق، والسرقة، من القتل، وقط :جيتمعون على قصد الكبائر" مجاعة"عن مث إن شيخا من املشائخ املعروفني باخلري واتباع السنة قصد منع .وشرب اخلمر، وغري ذلك

املذكورين من ذلك، فلم ميكنه إال أن يقيم هلم مساعا جيتمعون فيه ذه النية، وهو بدف اعة، ، فلما فعل هذا تاب منهم مج37، وغناء املغين بشعر مباح بغري شبابة36بال صالصل

واصبح من ال يصلي ويسرق وال يزكي، يتورع عن الشبهات، ويؤدي املفروضات،

، ولكنه )بدف بال صالصل( رمحه اهللا تعاىل يف جوابه هذا لقول السائل هنامل يتعرض شيخ اإلسالم 36

كما رخص للنساء أن يضربن بالدف يف األعراس واألفراح، وأما الرجال يف …" :قال يف موضع آخرإمنا " :عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف وال يصفق بكف، بل قد ثبت عنه يف الصحيح أنه قال

ولعن املتشبهات من النساء بالرجال واملتشبهني من الرجال بالنساء، " سبيح للرجالالتصفيق للنساء والت .وملا كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء، كان السلف يسمون من يفعل ذلك خمنثا

انظر الرسالة الثالثة عشر يف .أ هـ" ويسمون الرجال املغنيني خمانيث، وهذا مشهور يف كالمهم ).2/301( والرقص من جمموعة الرسائل الكربىالسماع

هل يرضى مبثل هذا الوصف أولئك الذين ينشرون أناشيدهم بالدفوف بني شباب املسلمني حبجة إجياد وقد صدق إبليس عليهم ظنه فخدعهم ذه التلبيسات )!! مصلحة الدعوة( بديل لألغاين املاجنة

ا؛ أهم أفطن وأحكم من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ولو أم رجعوا إىل أنفسهم وتفكرو .الباطلة .ومن مث فلو كان خريا ملا فوته، وملا سبقوه إليه وأحرص على هذه الدعوة؟

الزمارة ، آلة :والشبابة .ترقيقه بذكر النساء :شبابة؛ من شبب يشبب، وهو الغزل، وتشبيب الشعر 37 .من آالت السماع



فهل يباح فعل هذا السماع هلذا الشيخ على هذا الوجه، ملا يترتب عليه .وجيتنب احملرمات مع أنه ال ميكنه دعوم إال ذا؟ من املصاحل؟

:فأجاب

.احلمد هللا رب العاملني

أن يعلم أن اهللا بعث حممدا صلى اهللا عليه :أشبههااصل جواب هذه املسألة وما . وسلم باهلدى، ودين احلق ليظهره على الدين كله، وكفى باهللا شهيدا

اليوم أكملت لكم دينكم، وأمتمت {: تعاىلوأنه أكمل له وألمته الدين، كما قال ].3: املائدة[} عليكم نعميت، ورضيت لكم اإلسالم دينا

ومن يطع اهللا {: تعاىلادة ملن أطاعه والشقاوة ملن عصاه، فقال وأنه بشر بالسعداء والصاحلني والرسول فأولئك مع الذين أنعم اهللا عليهم من النبيني والصديقني والشه

نار ومن يعص اهللا ورسوله فإن له{: تعاىلوقال ،]69: النساء[} وحسن أولئك رفيقا ].23: اجلن[} جهنم خالدين فيها أبدا

يا {: تعاىلر اخللق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إىل ما بعثه به، كما قال وأمفإن تنازعتم يف شيء فردوه أيها الذين آمنوا أطيعوا اهللا وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم

: النساء[} ليوم اآلخر ذلك خري وأحسن تأويالإن كنتم تؤمنون باهللا وا إىل اهللا والرسولقل هذه سبيلي {: تعاىلنه يدعو إىل اهللا وإىل صراطه املستقيم، كما قال واخرب أ .]59

وإنك لتهدي {: تعاىلوقال ،]108: يوسف[} أدعو إىل اهللا على بصرية أنا ومن اتبعينصراط اهللا الذي له ما يف السموات وما يف األرض أال إىل اهللا تصري * إىل صراط مستقيم

.]53 - 52 :الشورى[} األمور

كما . أنه يأمر باملعروف، وينهى عن املنكر، وحيل الطيبات، وحيرم اخلبائثوأخربورمحيت وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم {: تعاىلقال

الذين يتبعون الرسول النيب األمي الذي جيدونه مكتوبا عندهم يف التوراة * بآياتنا يؤمنون .وحيرم عليهم اخلبائث وحيل هلم الطيبات روف وينهاهم عن املنكريأمرهم باملع * واإلجنيل

فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا واألغالل اليت كانت عليهم ويضع عنهم إصرهم .]157 - 156 :األعراف[} النور الذي أنزل معه أولئك هم املفلحون



وأحل .كل منكر بكل معروف وى عن صلى اهللا عليه وسلم وقد أمر اهللا الرسولما : (يف الصحيح أنه قال صلى اهللا عليه وسلم وثبت عنه .وحرم كل خبيث .كل طيب

بعث اهللا نبيا إال كان حقا عليه أن يدل أمته على خري ما يعلمه هلم، وينهاهم عن شر ما وعظنا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : (، وثبت عن العرباض بن سارية قال38)يعلمه هلم

قال فقلنا يا رسول اهللا كأن هذه .وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون موعظةأوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم :فقال .موعظة مودع فماذا تعهد إلينا

فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني من بعدي، .بعدي فسريى اختالفا كثريا .39)فإن كل بدعة ضاللة .، وإياكم وحمدثات األمورمتسكوا ا وعضوا عليها بالنواجذ

ما تركت من شيء يبعدكم عن النار إال وقد : (وثبت عنه صلى اهللا عليه وسلم أنه قالتركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها بعدي إال : (وقال .40)حدثتكم به

.41)هالك

كثرية وترجم عليه أهل من الكتاب والسنة " األصل العظيم اجلامع"وشواهد هذا كما ترجم عليه البخاري والبغوي " كتاب االعتصام بالكتاب والسنة" .العلم يف الكتب

وحزبه املفلحني، وجنده .فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من أولياء اهللا املتقني .وغريمهاا، السنة كسفينة نوح، من ركبها جن(: يقولون - كمالك وغريه - وكان السلف. الغالبني

االعتصام :كان من مضى من علمائنا يقولون( :، وقال الزهري)ومن ختلف عنها غرق .)بالسنة جناة

إذا عرف هذا فمعلوم أن ما يهدي اهللا به الضالني ويرشد به الغاوين ويتوب به على ، وإال فإنه لو كان 42العاصني، البد أن يكون فيما بعث اهللا به رسوله من الكتاب والسنة

ال يكفي يف ذلك، لكان دين الرسول ناقصا، صلى اهللا عليه وسلم اهللا به الرسولما بعث . حمتاجا تتمة

إنه مل يكن نيب قبلي إال كان ( عن عبد اهللا بن عمرو بن العاص بلفظ )46اإلمارة ( رواه مسلم 38

وعليه حيمل قول شيخ اإلسالم ثبت عنه يف الصحيح وليس على البخاري، وكذا ) احلديث… حقا ).2/191( وأمحد) 3956( وابن ماجة رقم) 7/153( رواه النسائي

وقال حديث ) 16اب العلم كت( والترمذي) 5سنة ( وأبو دوز) 127-4/126( مسند أمحد 39 .وغريهم) 16مقدمة ( والدارمي) 6املقدمة ( حسن صحيح وابن ماجة

.عن عمران صاحب ملعمر) 20100( جزء من حديث مرسل رواه عبد الرزاق يف مصنفة 40من حديث العرباض بن سارية ) 43( وابن ماجة يف املقدمة برقم) 4/126( مسند اإلمام أمحد 41

.5حنو هذا اللفظ عن أيب الدرداء مرفوعا ذكره يف املقدمة حديث رقم - ةوالبن ماج .املتقدم .وهذه هي خالصة اجلواب على سؤال السائل 42



واألعمال .وينبغي أن يعلم أن األعمال الصاحلة أمر اهللا ا أمر إجياب أو استحباب .الفاسدة ى اهللا عنها

ه والعمل إذا اشتمل على مصلحة ومفسدة، فإن الشارع حكيم فإن غلبت مصلحتكما .43على مفسدته شرعه، وإن غلبت مفسدته على مصلحته مل يشرعه؛ بل ى عنه

كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خري لكم، {: تعاىلقال ، وقال ]216: البقرة[} واهللا يعلم وأنتم ال تعلمون .وعسى أن حتبوا شيئا وهو شر لكم

فع للناس وإمثهما أكرب من فيهما إمث كبري ومنا: مليسر، قليسألونك عن اخلمر وا{: تعاىل .، وهلذا حرمهما اهللا تعاىل بعد ذلك]219: البقرة[} نفعهما

وهكذا ما يراه الناس من األعمال مقربا إىل اهللا، ومل يشرعه اهللا ورسوله؛ فإنه ال بد ره مل يهمله وإال فلو كان نفعه أعظم غالبا على ضر .أن يكون ضرره أعظم من نفعه

حكيم، ال يهمل مصاحل الدين، وال يفوت املؤمنني ما صلى اهللا عليه وسلم الشارع؛ فإنه .يقرم إىل رب العاملني

:إذا تبني هذا فنقول للسائل

إن الشيخ املذكور قصد أن يتوب اتمعني على الكبائر، فلم ميكنه ذلك إال مبا هل بالطرق الشرعية اليت ا تتوب العصاة، أو ذكره من الطريق البدعي، يدل أن الشيخ جا

والصحابة والتابعني كانوا يدعون من هو صلى اهللا عليه وسلم عاجز عنها، فإن الرسولشر من هؤالء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية، اليت أغناهم اهللا ا عن

.الطرق البدعية

رعية اليت بعث اهللا ا نبيه ما يتوب به إنه ليس يف الطرق الش :فال جيوز أن يقالالعصاة، فإنه قد علم باالضطرار والنقل املتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من ال حيصيه إال اهللا تعاىل من األمم بالطرق الشرعية، اليت ليس فيها ما ذكر من االجتماع

وهم - والذين اتبعوهم بإحسان البدعي؛ بل السابقون األولون من املهاجرين واألنصارتابوا إىل اهللا تعاىل بالطرق الشرعية، ال ذه الطرق - خري أولياء اهللا املتقني، من هذه األمة

وأمصار املسلمني وقراهم قدميا وحديثا مملوءة ممن تاب إىل اهللا واتقاه، وفعل ما . البدعية .دعيةحيبه اهللا ويرضاه بالطرق الشرعية ال ذه الطرق الب

إمنا هو للشارع احلكيم وليس للهوى وقد عرفت فيما تقدم أن مقياس املصاحل واملفاسد؟ 43

.واالستحسان



:أن العصاة ال متكن توبتهم إال ذه الطرق البدعية، بل قد يقال :فال ميكن أن يقالأن يف الشيوخ من يكون جاهال بالطرق الشرعية، عاجزا عنها، ليس عنده علم بالكتاب والسنة، وما خياطب به الناس، ويسمعهم إياه، مما يتوب اهللا عليهم، فيعدل هذا الشيخ عن

إن كان له دين وإما أن يكون .إما مع حسن القصد .ة إىل الطرق البدعيةالطرق الشرعييا أيها الذين آمنوا إن {: تعاىلغرضه الترأس عليهم، وأخذ أمواهلم بالباطل، كما قال

} ناس بالباطل ويصدون عن سبيل اهللاكثريا من ا ألحبار والرهبان ليأكلون أموال الرق الشرعية إىل البدعية إال جلهل، أو عجز، أو فال يعدل أحد عن الط ،]34: التوبة[

.44غرض فاسد

قال تعاىل .وإال فمن املعلوم أن مساع القرآن هو مساع النبيني، والعارفني، واملؤمننيأولئك الذين أنعم اهللا عليهم من النبيني من ذرية آدم وممن محلنا مع نوح، {: يف النبيني

ا واجتبينا، إذا تتلى عليهم آيات الرمحن خروا ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل، وممن هدين .]58: مرمي [} سجدا وبكيا

وإذا مسعوا ما أنزل إىل الرسول ترى أعينهم تفيض من { :وقال تعاىل يف أهل املعرفةإن الذين أوتوا { :وقال تعاىل يف حق أهل العلم. ]83: املائدة[} الدمع مما عرفوا من احلق

سبحان ربنا إن كان وعد ويقولون * ليهم خيرون لألذقان سجداتلى عالعلم من قبله إذا ي .]109 - 107 :اإلسراء[} وخيرون لألذقان يبكون ويزيدهم خشوعا * ربنا ملفعوال

إمنا املؤمنون الذين إذا ذكر اهللا وجلت قلوم وإذا تليت عليهم آياته { :وقال يف املؤمننيأولئك هم .يقيمون الصالة ومما رزقناهم ينفقون الذين .زادم إميانا وعلى رم يتوكلون

اهللا نزل أحسن احلديث كتابا متشاا {: تعاىل، وقال ]4 - 2 :األنفال[} املؤمنون حقاذلك وقلوم إىل ذكر اهللا مث تلني جلودهم مثاين تقشعر منه جلود الذين خيشون رم

.]23: الزمر[} هدى اهللا

وبه بعث الرسول .، واصلح هلم أمر املعاش واملعادوذا السماع هدى اهللا العبادوعليه كان .وبه أمر املهاجرين واألنصار والذين اتبعوهم بإحسان .صلى اهللا عليه وسلم

كلية يف أحوال الناس عموما، والدعاة على تأمل هذه املقالة الذهبية، فإا تكاد تكون كالقاعدة ال 44

وجه اخلصوص، واملتدبر يف أحوال دعاة زماننا املتأمل يف واقعهم يعرف صدق مقالة شيخ اإلسالم هذه وفراسته؛ فإن إعراض الدعاة عن منهاج األنبياء أو تفريطهم يف تطبيق ملة إبراهيم عمليا يف واقع الدعوة

من هذه األسباب الثالثة، إما جهل حبقيقتها، أو عجز عن حتمل تكاليفها إىل اهللا، إمنا يكون لواحد الثقال وما حيف ا من مكاره ومشاق وبالء، أو لغرض فاسد من رياسة أو منصب أو إمارة أو نيابة أو

.فرحم اهللا شيخ اإلسالم، فإنه كان ينظر بنور الشريعة وفرقان التقوى وفراسة املؤمن .مال



جيتمع السلف، كما كان أصحاب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا اهللا عنه يقول أليب رجال منهم أن يقرأ وهم يستمعون، وكان عمر بن اخلطاب رضي

.فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون .)ذكرنا ربنا( :موسى

ويف الصحيح عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه مر بأيب موسى األشعري وهو يقرأ، : وقال .45)لقد أويت هذا مزمارا من مزامري آل داود: (فجعل يستمع لقراءته، وقال

لو علمت أنك تسمعين :لقراءتك، فقالمررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع ( .أي حلسنته لك حتسينا .46)حلربته لك حتبريا

:اقرأ علي القرآن، فقال: (ويف الصحيح أنه صلى اهللا عليه وسلم قال البن مسعودفقرأت عليه :قال .إين أحب أن أمسعه من غريي :فقال! أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟

هيد، وجئنا بك فكيف إذا جئنا من كل أمة بش{ :ه اآليةسورة النساء حىت وصلت إىل هذوعلى 47)حسبك، فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان من البكاء: قال يل }على هؤالء شهيدا؟

: هذا السماع كان جيتمع القرون الذين أثىن عليهم النيب صلى اهللا عليه وسلم، حيث قال .48) الذين يلومخري القرون الذين بعثت فيهم، مث الذين يلوم، مث(

ال باحلجاز، وال .ومل يكن يف السلف األول مساع جيتمع عليه أهل اخلري إال هذاوإمنا حدث السماع املبتدع .باليمن، وال بالشام، وال مبصر، والعراق؛ وخراسان واملغرب

واخرب أنه .وذم املعرضني عنه .بعد ذلك وقد مدح اهللا أهل هذا السماع، املقبلني عليه )وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترمحون{: تعاىلفقال .الرمحة سبب

م مل خيروا عليها صما والذين إذا ذكروا بآيات ر{: وقال تعاىل .]204 :األعراف[أمل يأن للذين آمنوا أن ختشع قلوم لذكر اهللا {: تعاىل، وقال ]73: الفرقان[} وعميانا

ولو علم اهللا فيهم خريا ألمسعهم، ولو {: تعاىلوقال .]16: احلديد[ )وما نزل من احلقفما هلم عن التذكرة (، وقال تعاىل ]23: األنفال[ }أمسعهم لتولوا وهم معرضون

: تعاىل، وقال ]51 - 49: املدثر[} كأم محر مستنفرة، فرت من قسورة .معرضني، ]57 :الكهف[}اهومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يد{

وقد ) 236( رقم 34باب )صالة املسافرين( ومسلم)9/92( )فضائل القرآن( انظر البخاري 45

.أخرجه أيضا اإلمام أمحد وأصحاب السنن ).3/466( أخرجه احلاكم يف مستدركه 46 .وغريمها) 40( باب) صالة املسافرين( ومسلم) 8/250( )كتاب التفسري( رواه البخاري 47 ، ومسلم10، واإلميان 7، والرقاق 1الصحابة ، وفضائل 9انظر البخاري، كتاب الشهادات 48 .وغريمها 210، )فضائل الصحابة(



فإما يأتينكم مين هدى فمن اتبع هداي فال يضل وال يشقى، ومن أعرض {: تعاىلوقال مل حشرتين أعمى :عن ذكري فإن له معيشة ضنكا وحنشره يوم القيامة أعمى، قال رب

- 123: طه[}آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسىوقد كنت بصريا؟ قال كذلك أتتك القرآن كثري يأمر الناس باتباع ما بعث اهللا به رسوله من الكتاب ومثل هذا يف .]126

.واحلكمة، ويأمرهم بسماع ذلك

: تعاىلقال .يف املغرب، والعشاء، والفجر :وقد شرع اهللا تعاىل السماع للمسلمنيوذا مدح عبد اهللا بن .]78: اإلسراء[} الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداوقرآن {

:اهللا عليه وسلم حيث قال رواحة النيب صلى

إذا انشق معروف من الفجر ساطع وفينا رسول اهللا يتلو كتابه إذ استثقلت بالكافرين املضاجع يبيت جيايف جنبه عن فراشه

به موقنات أمنا قال واقع أتى باهلدى بعد العمى فقلوبنا

ودمع العيون، وأحوال أهل هذا السماع مذكورة يف كتاب اهللا، من وجل القلوب، :وإمنا حدث مساع األبيات بعد هذه القرون، فأنكره األئمة، حىت قال .واقشعرار اجللود

خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة، يسمونه التغبري، يزعمون أنه يرقق رمحه اهللا الشافعي( .)القلوب، يصدون به الناس عن القرآن

ال جيلس ( :أجنلس معهم فيه؟ فقال :له، فقيل )حمدث( :وسئل اإلمام أمحد عنه فقال .)معهم

والنهي إمنا يتوجه إىل االستماع دون السماع، وهلذا لو مر الرجل بقوم يتكلمون بكالم حمرم مل جيب عليه سد أذنيه؛ لكن ليس له أن يستمع من غري حاجة، وهلذا مل يأمر

ألنه مل يكن ،49اعيالنيب صلى اهللا عليه وسلم ابن عمر بسد أذنيه ملا مسع زمارة الر .مستمعا بل سامعا

أو حرام؟ لفظ جممل فيه تلبيس، يشتبه احلكم هل هو حالل؟ :وقول السائل وغريهفيه، حىت ال حيسن كثري من املفتني حترير اجلواب فيه؛ وذلك أن الكالم يف السماع وغريه

:من األفعال على ضربني

).باب كراهية الغناء والزمر( رواه أبو داود يف سننه، كتاب األدب 49



ل كما يفعل سائر األفعال اليت تلتذ أو غري حمرم؟ بل يفع أنه هل هو حمرم؟ :أحدمهامما يفعله .كسماع األعراس، وغريها، إن كان فيها نوع من اللهو واللعبا النفوس، و

. الناس لقصد اللذة واللهو، ال لقصد العبادة والتقرب إىل اهللا

أن يفعل على وجه الديانة، والعبادة، وصالح القلوب، وجتريد حب :النوع الثاينووأن حترك من القلوب اخلشية، واإلنابة، .م، وتزكية نفوسهم، وتطهري قلومالعباد لر

واحلب، ورقة القلوب، وغري ذلك مما هو من جنس العبادات، والطاعات، ال من جنس .اللعب وامللهيات

فيجب الفرق بني مساع املتقربني، ومساع املتلعبني، وبني السماع الذي يفعله الناس راح، وحنو ذلك من العادات، وبني السماع الذي يفعل لصالح يف األعراس، واألف

وهل هو هل هو قربة وطاعة؟ :القلوب، والتقرب إىل رب السموات فإن هذا يسأل عنهطريق إىل اهللا؟ وهل هلم بد من أن يفعلوه ملا فيه من رقة قلوم، وحتريك وجدهم حملبوم،

و ذلك من املقاصد اليت تقصد بالسماع؟ وتزكية نفوسهم، وإزالة القسوة عن قلوم، وحنكما أن النصارى يفعلون مثل هذا السماع يف كنائسهم على وجه العبادة والطاعة، ال

.على وجه اللهو واللعب

: هل يباح للشيخ أن جيعل هذه األمور اليت هي :إذا عرف هذا فحقيقة السؤالطريقة إىل اهللا يدعو ا إىل أو مباحة؟ قربة وعبادة وطاعة، و أو مكروهة؟ إما حمرمة؟

.اهللا، ويتوب العاصني، ويرشد به الغاوين، ويهدي به الضالني

فال دين إال ما شرع اهللا، وال حرام إال ما حرمه " أصالن"ومن املعلوم أن الدين له واهللا تعاىل عاب على املشركني أم حرموا ما مل حيرمه اهللا، وشرعوا دينا مل يأذن به .اهللا .اهللا

إنه :نعم، فإذا قيل :قال هل يباح له ذلك؟ :ولو سئل العامل عمن يعدو بني جبلنيإن فعله على هذا الوجه حرام :على وجه العبادة كما يسعى بني الصفا واملروة، قال

.50منكر، يستتاب فاعله، فإن تاب وإال قتل

إذا كان هذا قول شيخ اإلسالم فيمن جيعل بعض املباحات عبادة وقربة إىل اهللا تعاىل، فكيف :اقول 50

، فيتقرب اىل اهللا بالكفر البواح أو بالشرك الصراح ، كمن يقسم على مبن جيعل احلرام أو الكفر كذلكاحترام دساتري الشرك وقوانني الكفر ويظهر نصرة أوليائها ويقبل أن يكون مشرعا وفقا هلا زاعما أن يف

.نسأل اهللا العافية والسالمة ذلك نصر الدين ومصلحة الدعوة؟



:ذا قيلأفىت أن هذا جائز، فإ: عن كشف الرأس، ولبس اإلزار، والرداء :ولو سئل .إن هذا حرام منكر :قال .كما حيرم احلاج .إنه يفعله على وجه اإلحرام

إنه يفعله على وجه :فإذا قيل .هذا جائز :قال .عمن يقوم يف الشمس :ولو سئلأن رسول ؛رضي اهللا عنهما كما روى البخاري عن ابن عباس .هذا منكر :قال .العبادة

هذا أبو :قالوا ،)من هذا؟( :فقال .ئما يف الشمساهللا صلى اهللا عليه وسلم رأى رجال قاإسرائيل يريد أن يقوم يف الشمس، وال يقعد، وال يستظل، وال يتكلم، فقال النيب صلى اهللا

؛ فهذا لو فعله لراحة، أو 51)مروة فليتكلم، وليجلس، وليستظل وليتم صومه( :عليه وسلم .ادة ي عنهلكن ملا فعله على وجه العب :غرض مباح مل ينه عنه

وكذلك لو دخل الرجل إىل بيته من خلف البيت، مل حيرم عليه ذلك، ولكن إذا كان أحدهم إذا أحرم مل يدخل : كما كانوا يفعلون يف اجلاهلية .فعل ذلك على أنه عبادة

الرب بأن تأتوا البيوت من ظهورهاليس {: تعاىلحتت سقف، فنهوا عن ذلك، كما قال فبني سبحانه أن هذا ليس برب، وإن مل يكن ،}أتوا البيوت من أبوااو ولكن الرب من اتقى

حراما، فمن فعله على وجه الرب والتقرب إىل اهللا كان عاصيا، مذموما، مبتدعا، والبدعة أحب إىل إبليس من املعصية؛ ألن العاصي يعلم أنه عاص فيتوب، واملبتدع حيسب أن

.الذي يفعله طاعة فال يتوب

ن حضر السماع للعب واللهو ال يعده من صاحل عمله، وال يرجو به وهلذا مالثواب، وأما من فعله على أنه طريق إىل اهللا تعاىل فإنه يتخذه دينا، وإذا ى عنه كان

.، ورأى أنه قد انقطع عن اهللا، وحرم نصيبه من اهللا تعاىل إذا تركه52كمن ى عن دينهإن اختاذ هذا دينا :ني، وال يقول أحد من أئمة املسلمنيفهؤالء ضالل باتفاق علماء املسلم

وطريقا إىل اهللا تعاىل أمر مباح؛ بل من جعل هذا دينا وطريقا إىل اهللا تعاىل فهو ضال،

مفتر، خمالف إلمجاع املسلمني، ومن نظر إىل ظاهر العمل وتكلم عليه، ومل ينظر إىل .الدين بال علمفعل العامل ونيته كان جاهال متكلما يف

هل ما يفعله هؤالء طريق وقربة وطاعة هللا تعاىل :فالسؤال عن مثل هذا أن يقالوإذا مل يكن هذا قربة وطاعة وهل يثابون على ذلك أم ال؟ حيبها اهللا ورسوله أم ال؟

.ورواه أيضا أبو داود وابن ماجة، وغريمها) 11/586( انظر البخاري كتاب األميان والنذور 51كما هو حال كثري من الدعاة الذين يتخذون من السبل املعوجة، املنحرفة عن سبيل األنبياء دينا، 52

ويرمونه بصفات فإم يدافعون وينافحون عنها كمن يدافع عن دينه، ولذا يبدعون من خالفهم فيها، !خبالف من اختذ ذلك عمال دنيويا حبتا .خلوارج وحنوهم من أهل البدعاملروق عن الدين أو مبسمى ا



هل حيل هلم هذا .وعبادة هللا، ففعلوه على أنه قربة وطاعة وعبادة وطريق إىل اهللا تعاىل ؟ وهذا العمل على هذا الوجه؟االعتقاد

وإذا كان السؤال على هذا الوجه مل يكن للعامل املتبع للرسول صلى اهللا عليه وسلم العبادات، وأنه من سبيل اهللا تعاىل وأنه من أنواع .إن هذا من القرب والطاعات: أن يقول

ال أمر إجياب، وال :وطريقه الذي يدعو به هؤالء إليه، وال أنه مما أمر اهللا تعاىل به عبادهأمر استحباب، وما مل يكن من الواجبات واملستحبات فليس هو حممودا، وال حسنة، وال

.طاعة، وال عبادة، باتفاق املسلمني

فمن فعل ما ليس بواجب وال مستحب على أنه من جنس الواجب أو املستحب من هؤالء الذين ال سيما كثري .53فهو ضال مبتدع، وفعله على هذا الوجه حرام بال ريب

ورمبا قدموه .يتخذون هذا السماع احملدث طريقا يقدمونه على مساع القرآن وجدا وذوقاعليه اعتقادا، فتجدهم يسمعون القرآن بقلوب الهية، وألسن الغية، وحركات مضطربة،

54"التصدية"و" املكاء"وأصوات ال تقبل عليه قلوم، وال ترتاح إليه نفوسهم، فإذا مسعوا أصغت القلوب، واتصل احملبوب باحملب، وخشعت األصوات، وسكنت احلركات، فال سعلة، وال عطاس، وال لغط، وال صياح، وإن قرؤوا شيئا من القرآن، أو مسعوه كان على

يسمع اإلنسان ما ال حاجة له به، وال فائدة له فيه، حىت 55وجه التكلف والسخرة، كما .أحبوا ذلك، وأقبلوا عليه، وعكفت أرواحهم عليهإذا ما مسعوا مزمار الشيطان

فهؤالء جند الشيطان، وأعداء الرمحن، وهم يظنون أم من أولياء اهللا املتقني، وحاهلم أشبه حبال أعداء اهللا املنافقني؛ فإن املؤمن حيب ما أحبه اهللا تعاىل، ويبغض ما

، وهؤالء حيبون ما أبغض اهللا، أبغض اهللا تعاىل، ويوايل أولياء اهللا، ويعادي أعداء اهللا، وهلذا حيصل هلم تنزالت 56ويبغضون ما أحب اهللا، ويوالون أعداء اهللا، ويعادون أولياءه

فكيف مبن يفعل ماهو حمرم أوكفر على انه واجب من واجبات الدين ومصلحة الدعوة ؟؟ 53وما كان صالم عند البيت ( التصفيق، وهو من قوله تعاىل عن املشركني :الصفري والتصدية: املكاء 54

فيه إشارة إىل مشاة أهل هذا السماع املذكور ألولئك املشركني بشيء من ، و)إال مكاء وتصدية .عبادام

.والسياق يقتضي حذفها] ال[يف املطبوع 55ما أشبه انطباق كالم شيخ اإلسالم هذا على كثري من املنتسبني للدعوة والدين من مجاعات التجهم 56

املعادين للطواغيت املتربئني من باطلهم، ويبغضون واإلرجاء يف هذا الزمان، فإم يبغضون أهل التوحيدطريقتهم ويسفهوم ويطعنون يف دعوم، يف الوقت الذي يظهرون فيه نصرة الطواغيت، أو جيادلون

كمدحهم الدميقراطية ودفعهم عن - عنهم ويرقعون لباطلهم ويقيمون الشبهة الباطلة على تسويغهمون الشبهة ألجل وين ذلك الباطل بزعمهم أا وإن كانت باطلة أو يقي -القوانني والدساتري الوضعية



ما فعلوه من مزامري الشيطان، وكلما بعدوا عن اهللا ورسوله وطريق شيطانية حبسب .املؤمنني قربوا من أعداء اهللا ورسوله، وجند الشيطان

اء والشيطان طائر به، ومنهم من يصرع احلاضرين وشياطينه ففيهم من يطري يف اهلو .وميأل اإلبريق من اهلواء والشياطني فعلت ذلك .تصرعهم، وفيهم من حيضر طعاما، وإداما

فيحسب اجلاهلون أن هذه من كرامات أولياء اهللا املتقني، وإمنا هي من جنس أحوال بني األحوال الرمحانية والنفسانية الكهنة والسحرة وأمثاهلم من الشياطني، ومن مييز

.والشيطانية ال يشتبه عليه احلق بالباطل

.وباهللا التوفيق

واهللا أعلم ى اهللا على حممد وآله وصحبه وسلموصل

فإا ال تصل إىل الشرك والكفر املخرج من امللة بل هي كفر دون كفر، فإا ال تعمى األبصار ولكن

.تعمى القلوب اليت يف الصدور

منرب التوحيد واجلهاد* * *

http://www.tawhed.ws http://www.almaqdese.net http://www.alsunnah.info http://www.abu-qatada.com http://www.mtj.tw

Documents

القول النفيس في التحذير من خديعة إبليس مصلحة الدعوة للشيخ أبي محمد المقدسي