الدكتور طيب تيزيني- فلاسفة العرب

www.arabphilosophers.com فالسفة العرب

تيزيني الدكتور طيب

مفكر سوري، من أنصار الفكر القـومي الماركـسي، ) 1934م (الدكتور طيب تيزيني

يعتمد على الجدلية التاريخية في مشروعه الفلسفي إلعادة قراءة الفكر العربي منذ ما قبـل

.اإلسالم حتى اآلن

نشأته ودراسته

تركيا بعد أن أنهـى تلقى علومه في حمص ثم غادر إلى . 1934ولد في حمص عام

دراسته األولية ومنها إلى بريطانيا ثم إلى ألمانيا لينهي دراسته للفلسـفة فيها ويحصل على

أوال، والدكتوراه في العلوم الفلـسفية ثانيـا عـام 1967شهادة الدكتوراه في الفلسفة عام

.آلنعمل في التدريس في جامعة دمشق وشغل وظيفة أستاذ في الفلسفة حتى ا. 1973

نشاطه السياسي

شارك الدكتور طيب تيزيني في العمل السياسي قبل سفره خارج سوريا للتعليم، يوجز

هذه المشاركة في حوار له بجريدة الراية كما يلي،

في الحقيقة هنالك بعض الجذور التي تشدني إلي السياسة فكـرا وممارسـة، فلقـد

وريا لفترة زمنية كنـت بعـدها أسهمت في بعض األحزاب اليسارية التي نشأت في س

أعود إلي العمل الفكري خصوصا بصيغة الفكر السياسي، لذلك فالتجارب التي عشتها

في أحزاب سياسية معينة كانت تقدم لي تجربة عميقة، سعيت وأسعى إلي التنظير لها

وقد تعمق هذا االتجاه لدي حين الحظـت ضـرورة . في إطار الفكر السياسي العربي

لي الفكر السياسي العربي في التاريخ العربي علي نحو العموم، فكتبت مـثال العودة إ

-حـوار . (بعض كتاباتي التي امتزجت باهتمام عميق بالسياسة وبالفكر الـسياسي

)الراية

مساره الفكري

في أطروحة 1967حصل الدكتور طيب تيزيني على درجة الدكتوراه من ألمانيا، عام

ثم حـصل . 1972والتي نشرت باأللمانية عام " سفة العربية الوسيطة تمهيد في الفل "معنونة

يزينيالدكتور طيب ت

2-فالسفة العرب

وقد تبلـورت أطروحتـه باعتبارهـا نـواة . 1973على الدكتوراه في العلوم الفلسفية عام

مشروع رؤية جديدة للفكر العربي "لمشروع فلسفي عند نشر كتابه األول باللغة العربية وهو

. عد ذلك خمس طبعات الذي طبع ب1971عام " في العصر الوسيط

12حول الدكتور تيزيني بعد ذلك أطروحته إلى مشروع متعدد المراحل مكـون مـن

" الفكر العربـي فـي بـواكيره وآفاقـه األولـى "في هذه المرحلة أنجز أعماال منها . "جزءا

" مقدمات أولية فـي اإلسـالم المحمـدي البـاكر "، و)1985" (من يهوه إلى اهللا "، و )1982(

)1994.(

د أنجز الدكتور تيزيني ستة أجزاء من هذا المشروع قبل أن يتحول إلـى التركيـز وق

وتركزت المرحلة الثانية في فكر الدكتور تيزيني، والتي بـدأت تقريبـا . على قضية النهضة

، على معالجة عوائق النهضة العربية سواء في فكر الذات أو تلك الناتجـة عـن 1997عام

مـن االستـشراق الغربـي إلـى "المرحلة أنجز أعماال منهـا وفي هذه . الحضارة الغربية

من "، و )1997" (النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة "، و )1996" (االستغراب المغربي

).2001" (ثالثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني

ويمكن القول بوجود سميتين هامتين أساسيتين للتحول الفكري فـي مـسار الـدكتور

األولى هي التخلي عن . زيني، على الرغم من احتفاظه بالفكر الماركسي كمرجعية فلسفية تي

الطرح الماركسي التقليدي القائل بأن عملية التحول المجتمعي تقوم على صـراع الطبقـات،

والثانية هي استبدال استبعاد الفكـر . واستبدالها باالعتماد على الطيف الواسع للمجتمع ككل

مي من عملية التحول المجتمعي، الذي هو جزء طبيعي من الفكر الماركـسي، الديني اإلسال

.بأهمية فهم التجربة الدينية اإليمانية من الداخل وتأثيرها في إنجاز التحول المجتمعي

فلسفته

يرتكز الفكر الفلسفي للدكتور طيب تيزيني على فكرة أساسية يمكن القول بأنها تمثـل

يحاول الدكتور تيزيني بـصور . ور حولها مشروعه الفكري جميعه الفكرة المركزية التي يد

متعددة أن يثبت أن الفكر العربي، ويشمل ذلك ما قبل ظهور اإلسالم، هو جزء مـن تطـور

وهذا يستتبع نتيجتين، األولى هي أن هذا الفكر ينطبـق . تاريخ الفكر اإلنساني بالمعنى العام

من أنه، أي الفكر العربي، قد تطور وازدهر في ظل عليه المنهج الجدلي المادي على الرغم

والثانية هي أنه ال يمكن قبول فكرة المركزية األوروبية التي تنزع عن . الحضارة اإلسالمية

.أصالته الخاصة به وتجعله مجرد حامل للفكر اليوناني القديم) اإلسالمي(الفكر العربي



لتاريخي للفكر العربي علـى أنـه تظهر مركزية هذه الفكرة بشكل واضح من تحقيبه ا

. ، حيث يقسم الفكر اإلنساني إلى فكر قديم ووسيط وحـديث "العصر الوسيط "فكر ينتمي إلى

قبل اإلسالم اعتمادا " بواكيره األولى "كما يظهر ذلك أيضا في تحليله للفكر العربي ابتداء من

.بعدهعلى المعطيات االجتماعية واالقتصادية والسياسية قبل اإلسالم و

تيزيني أن هذا الموقف يحرر الفكر العربي المعاصر من . وبالتأسيس على ذلك يرى د

سيطرة الفكر الغربي، حيث يمكن في هذه الحالة استئناف الفكر العربي كجزء مـن تطـور

كما يمثل ذلك الموقف، من جانب آخر، وسيلة للخروج من سـيطرة الفكـر . الفكر اإلنساني

وبالتالي . ادة قراءة الفكر العربي باعتباره جزءا من التاريخ اإلنساني التقليدي حيث يمكن إع

ستمثل إعادة القراءة التاريخية هذه دافعا آخر نحو استئناف الفكر العربي كجزء من تطـور

.الفكر اإلنساني

مشروعه الفلسفي

يتركز المشروع الفلسفي للدكتور طيب تيزيني في إعادة قراءة الفكـر العربـي عبـر

يخه في إطار الظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية المحيطة بـه اعتمـادا علـى تار

وترجع بداية هذا المشروع إلى أطروحته للدكتوراه التي حصل عليها . المنهج المادي الجدلي

تحولت أطروحته بعد ذلك إلى ". تمهيد في الفلسفة العربية الوسيطة " من ألمانيا، والمعنونة

مشروع رؤية جديدة للفكر العربي "وذلك في عمله المعروف تعدد المراحل مشروع فلسفي م

ناتج عن كون عمله هذا يعد أول محاولة في " رؤية جديدة "والتوصيف . "في العصر الوسيط

قراءة الفكر العربي انطالقا من تاريخيته وعالقاته المادية، وباعتباره جـزءا مـن التـاريخ

.اإلنساني

يزيني ستة أجزاء من هذا المشروع قبل أن يتحول إلـى التركيـز وقد أنجز الدكتور ت

وتركزت المرحلة الثانية في فكر الدكتور تيزيني، والتي بـدأت تقريبـا . على قضية النهضة

، على مواجهة ثالث قضايا أساسية تمثل بالنسبة إليـه عوائـق أمـام تحقيـق 1997عام

الذي يصدر أحكاما غير تاريخيـة علـى األولى، هي الفكر البنيوي غير التاريخي . النهضة

والثانية، هـي قـضية . العقل العربي ويدفع، من وجهة نظره، إلى التخلي عن فكر النهضة

حيث يرى أنـه يمكـن قـراءة . قراءة وفهم الفكر الديني عموما، والنص القرآني خصوصا

وبـذلك . لنهضةالنص القرآني قراءة جدلية تاريخية وبالتالي االرتكاز عليه لطرح تصورات ا

يتم حل إشكالية العالقة بين فكر النهضة، المرتكز على العقل، وبين فكر الذات، المرتكز على



أما القضية الثالثة، فهي قضية فساد الواقع المجتمعي سواء على المستوى السياسي . النقل

لغربيـة أو االجتماعي أو الثقافي، من ناحية، والتحديات الحضارية التي تفرضها الحضارة ا

.من ناحية أخرى

ويمكن تقسيم الفكر الفلسفي للدكتور تيزيني، الذي يهدف إلى تحقيـق هـذه الفكـرة

فعلى المستوى النظري، ينقسم فكـره إلـى . المركزية، إلى تصورات نظرية وأخرى عملية

تصوراته عن المنهج الفلسفي الذي يرتكز على المادية الجدلية، ثم تصورات أنطولوجية عن

يعة والوجود، ثم إلى التحليالت التاريخية للفكر العربي وللعالقة بين هذا الفكر والـدين الطب

وعلى المستوى العملي ينقسم فكره الفلسفي إلى تصوراته عن كيفيـة معالجـة . اإلسالمي

النص القرآني وشروط فهمه باتساق مع المادية الجدلية، وإلى تـصوراته عـن الـشروط

ة، وإلى تصوراته عن العالقة بين المجتمعات العربية واإلمبرياليـة المجتمعية لتحقيق النهض

.العالمية

منهجه

على طريق الوضوح المنهجي الـسمات "يستعرض تيزيني في الصفحات األولى لكتابه

األساسية للمنهج الصحيح في معالجة الفكر العربي ويبرز فيه سمتين عـامتين أساسـيتين،

على المستويين المنهجي والنظري، فليس هناك مـن يملـك األولى هي االعتراف بالتعددية

.والثانية هي الضرورة الموضوعية لالعتماد على المنهج التاريخي الجدلي. الحقيقة المطلقة

فيما يخص مفهومه للتعددية يذكر،

وسوف نتبين في مساق هذه الكتابات ضرورة التحفظ المنهجي حيال مجموعـة مـن

ريع الفكرية التي يقدمها أصحابها على البـديل أو البـدائل اآلراء والتوجهات والمشا

الجديدة عن الوضعية الفكرية العربية المهيمنة؛ هذا مع العلم أن إبـراز مثـل ذلـك

يل لعلنا نكاد نقـول . التحفظ يخضع، هو نفسه، لمقتضيات الحوار العلمي الديمقراطي

رة الدفاع عن حرية الحـوار إننا، قبل إبراز ذلك التحفظ، مدعوون إلى اإلقرار بضرو

ال يمكن أن تنبثق على يد نظرية أو " الحقيقة"ذلك ألن . العلمي الديمقراطي قوال وفعال

منهجية ما على نحو كلي ومطلق أوال، وألن الوضعية الفكرية العربية، بالـذات، مـا

، دون الوقوع "الخطأ والصواب "زالت وستبقى ألمد غير قصير تحتمل حدا من منهجية

على طريق الوضوح المنهجي . (ي مزالق نزعة تجريبوية زائفة معرفيا، من األساس ف

)6ص



الفكريـة، وضرورة المنهج المادي الجدلي، في إطـار التعدديـة أما بالنسبة ألهمية

فيوضحها كما يلي،

إن من شأن هذا أن يقودنا إلى القول بأن المنهج المادي الجدلي الذي يختـرق هـذا

طحا هو ذاته موضع الحوار النقدي، مع اإلشارة المبدئيـة إلـى أن الكتاب عمقا وس

المنهج المذكور حتى لو جرد من معظم معطياته ومقوماته، فإنه يظل محتفظا بركيزته

الكبرى الحاسمة، تلك هي كونه منهج التجاوز والتخطي الجدليين المـاديين، وكونـه

.المنهج الذي يخضع لهذا التخطي وذاك التجاوز

لفكر العربي، بأنساقه المستنيرة، مدعو إلى خوض اختبار عميق ومركب ومعقـد إن ا

يتمثل باكتشاف الطريقة الحقيقية للمزاوجة بين الواقـع العربـي المـشخص وأكثـر

المناهج المعاصرة نجاعة في بعديها المعرفي واأليديولوجي، وذلك بعيدا عن هـوس

ونحن نرى أن مثل هذا الطمـوح . امةاإلنجاز المتسرع والالهث وراء نتائج قطعية وت

أن يتجاوز اللحظة الجوهرية فـي مـنهج التجـاوز – في كل األحوال –ال يستطيع

على طريق الوضوح المنهجي ص ... (والتخطي ذاك، المنهج المادي الجدلي التاريخي

وكذلك،، )7

فـي –تلك إن المنهجية الجدلية المادية التاريخية، بعناصرها البنيوية والوظيفية، تم

االحتماالت األكثر رحابة باتجاه اكتـشاف الحقيقـة فـي وحـدتها الجدليـة –رأينا

ولكن التحقق من ذلك مرتهن بالفعل العلمـي وبمـا . اإلبستيمولوجية واإليديولوجية

على طريق الوضوح المنهجي . (يخترقه من أبعاد وسمات اجتماعية وسياسية وثقافية

)255-254ص

ألهمية الجوهرية للمنهج التاريخي للفكر العربي، خصوصا في ظل كما يوضح تيزيني ا

مشروع رؤية جديدة للفكـر "ظهور النظريات الالتاريخية مثل البنيوية والوظيفية، في مقدمة

، كما يلي،"العربي

إن تشكيل وتطوير نظريات وفرضيات ومقوالت ومفاهيم علمية ال يمكن أن يـستجيب

طالقا من البناء المنطقي لهـذه النظريـات والفرضـيات لمستلزمات الدقة العلمية ان

إن عملية التشكيل والتطوير تلك ينبغي، اسـتجابة لـذلك . والمقوالت والمفاهيم فقط

. المبدأ العلمي، أن تردف وتعمق من خالل بحث تلك الركائز العلمية فـي تاريخيتهـا

ريخ في منطقـه، بكلمة أخرى، أن المنطق ينبغي أن يرى ويمارس في تاريخه، والتا

فاللحظة المنطقية الجدلية في مفهوم ما يمكن اسـتنطاقها . وذلك بشكل عضوي وثيق



واستخراجها بشكل أدق وأكثر شمولية، حين تبحث في وحدتها العميقة مع تاريخهـا،

.أي مع تاريخ المفهوم نفسه

إلـى إن األهمية الكبيرة لهذه المسألة تظهر بشكل خاص في الوقت الراهن بالنـسبة

فليس من النادر أن نلقى . قضايا جديدة في العلوم الطبيعية والتكنولوجية واالجتماعية

، "التقـدم "أو " النظام"أو " الشكل"أو " البنية"آراء ونظريات تعالج بعض المفاهيم، مثل

وذلك انطالقا من اعتبارات تتعلق بمستوى تطور هذه المفاهيم الراهن فقط، ولكن من

أن التـاريخ والمنطـق . جانب أساسي هام من جوانب تلك المفـاهيم خالل ذلك يهمل

. يكمالن بعضها في وحدة جدلية، وهذا يعني أن أحدهما ال ينفـي أو يـستنفد اآلخـر

للتاريخ، فإن كليهما جوهري من ) األنطولوجية(فبغض النظر عن األولوية الوجودية

ـ . أجل وضع وتطوير مفاهيم علمية فلسفية ما ساواة فـي الجوهريـة ولكن هذه الم

واألهمية ال تعني، بطبيعة الحال، إغماض العين تلقاء الحالة العيانية الخاصـة التـي

يمكن أن تعرض لنا، بما فيها من تعقيدات وبما لها من جوانـب جوهريـة وأخـرى

)6مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ص . (ثانوية

، وبخصوص عالقة الفكر العربي بالفكر اليونـاني، وفي هذا اإلطار المنهجي التاريخي

يجب قراءة الفكر العربي اإلسالمي باعتباره جزءا من تاريخ الفكر اإلنـساني لـه سـماته

الخاصة، وبالتالي ال يجب تصوره كامتداد للفكر اليوناني، كما يفعل الكثير مـن المفكـرين،

ويعبر عن ذلك كما يلي،

فكر الفلسفي المادي لدى الفالسفة العرب اإلسـالميين ونحن حين نحاول هنا دراسة ال

في العصر الوسيط في عالقاته الوثيقة قليال أو كثيرا بالفكر الفلسفي اليوناني، فإننا ال

نعمل على إقحام ذلك الفكر العربي اإلسالمي ضمن إطار تلك المنهجية إقحاما وال على

يعدو أن يكـون عمليـة هجينـة تطويعه لها بشكل تعسفي، ذلك أن مثل هذا األمر ال

على عكس ذلك، نحن نطمح هنا إلى أن نبحـث . غريبة عن العلم التاريخي والفلسفي

تاريخ الفكر ذاك من خالل منظار جديد يؤكد في الخـط األول علـى وحـدة التـاريخ

اإلنساني وعلى عملية النمو الذاتي لهذا التاريخ، وبالتالي على كون المنهجية العلمية

صرة قادرة على تمثل التاريخ ذاك واستيعابه بشكل أعمق وأكثر غنى ودقة ممـا المعا

مشروع رؤية جديدة للفكر . (فعلته المنهجيات السابقة التي تكونت ضمن هذا التاريخ

)7العربي في العصر الوسيط ص



وبخصوص العالقة المنهجية بين الفلسفة والدين، يقرر تيزيني بأنه ال يستبعد الـدين

بينهما وبأهمية احترام كل مجال منهما لآلخر، يعبر عن ذلـك " بالتمايز النسقي "يقرر وإنما

في النص التالي من حواره مع الدكتور أبو يعرب المرزوقي،

وفي ناتج الموقف يبرز أمران، يتمثل أولهما في ضرورة اإلقرار بالتمـايز النـسقي

ا طريقا ينبغي احترامـه مـن والتمايز المنهجي بين الفلسفة والدين، وبأن لكل منهم

كليهما معا؛ في حين يفصح الثاني عن نفسه بصيغة محددة تقـوم علـى أال يتـدخل

الواحد منهما في آليات اآلخر ومساره، والنتائج التي تنجم عن نـشاطه البحثـي أو

ومع هذا كله، تبقى المسألة مفتوحة عقليا في ضـوء الـسؤالين التـاليين . التأملي

هل نعرف اآلن كل شيء، ويجاب بالنفي، أوال، : ظرية المعرفة، وهما المتحدرين من ن

وهل هنالك عائق إبيستيمولوجي معرفي أولى يحول دون إمكانية أن نعرف كل شيء،

ويجاب كذلك بالنفي؟

إن االحترام المتبادل والندية التنافسية والتسامح العميق في العالقـة بـين الطـرفين

ين كل األنساق النظرية والثقافية واإليديولوجية العامـة المذكورين، وكذلك بينهما وب

ضمن الواقع العربي المعاصر، باحتماالته وميوله النهضوية التقدمية، إن ذلك مجتمعا

)212آفاق فلسفية عربية معاصرة ص . (هو الطريق إلى إثمارها وإخصابها

والوجود تصوراته عن الطبيعة

ف إلى وضع الفكر العربي في إطار تطـور الفكـر بالنظر إلى أن الدكتور تيزيني يهد

اإلنساني، وبالنظر إلى أن هذا الفكر هو في الواقع فكر إسالمي يعبر عن ظهـور الحـضارة

" المـادي "والجانب " اإلسالمي"اإلسالمية، بالنظر إلى ذلك تصبح إشكالية العالقة بين الجانب

تنظيريا كبيرا إلنـشاء تـصور جـدلي لذلك يبذل تيزيني جهدا . لهذا الفكر إشكالية مركزية

لكال الجانبين، ويعطي في نفس الوقت للتحليل المادي لهذا " الظاهري"للوجود يحتفظ بالوجود

لذلك يستهل تيزيني مشروعه الفكري باستعراض تصوره الجدلي . الفكر مشروعيته النظرية

،"المثالي"جريد في صورة الت" اإلسالمي"لهذين الجانبين للفكر، ويظهر هنا الجانب

هذه الخاصية تكمن في عملية تكون معقدة . إن تاريخ الفكر النظري له خاصيته الذاتية

التجاهين فلسفيين، يكتسب كل منهما طابعا متعارضا مع اآلخر وبشكل آخذ في العمق

أنهما لم يتكونا دفعة واحدة كشكلين . هذان االتجاهان هما المادي والمثالي . والوضوح

فهما قد اجتازا تاريخا خاصا بهما، وال يـزاالن يمارسـان . الفكر الفلسفي من أشكال

وقد تم هذا، ويتم في عـصرنا، لـيس . وجودهما ويتابعان بالتالي سيرهما التاريخي



بمعنى أنهما يضعان لنفسيهما غايات بعيـدة أو قريبـة بـشكل قبلـي ميتـافيزيقي

"teleologic ." قا مع الوقائع التاريخية العيانية، بل إن األخذ بهذا الرأي ال ينسجم إطال

.يقوم على مصادرة دينية تنطلق من عملية خلق إلهي للتاريخ وللعالم عموما

من طرف آخر ينبغي إبراز واقع كون عملية التطور الفكري هذه، المميـزة بتـشكل

. اتجاهين أو ميلين فلسفيين رئيسيين، لم تأخذ مجراها بشكل محايد، أي دون نـزاع

ادية والمثالية لم تتطورا بعيدا عن بعضهما أو إلى جانب بعضهما، بل من خـالل فالم

لقد أكدتا نفسيهما وأرستا قواعدهما ليس من . بعضهما، وبشكل خاص، ضد بعضهما

وفـي . خالل تطور منسجم ناجز، بل إن النزاعية والعدائية هما ما يميز ذاك التطـور

ة، ينسجم مع الميل الجوهري الذاتي لكـال الحقيقة، أن هذا، انطالقا من جوهر القضي

.االتجاهين الفلسفيين الرئيسيين، هذا الميل الذي يمتلك القانونية التطورية الخاصة

إن هذا يتم التأكيد عليه هنا بإلحاح، ألنه ذو أهمية مبدئية بارزة بالنسبة إلى القضايا

.المطروحة في هذا الكتاب

ار هذه الرؤية المنهجية للمضمون الداخلي لتـاريخ وبالطبع فإننا، آخذين بعين االعتب

الفكر اإلنساني النظري، سوف نفهم هذا التاريخ على أنه تاريخ لقطبين نشآ وتطـورا

ونحـن إذ نقـول . على أساس معطيات الفعالية النظرية والعملية لإلنسان االجتماعي

الدماغ اإلنساني، بل ، ال نعني أنهما الوحيدان اللذان يتمتعان بوجود نظري في "قطبين"

ذينـك القطبـين " قطبيـة "غيـر أن ". جانبية"إلى جانبهما وحولهما تتواجد عناصر

العناصر تلك ليستا مطلقتين، بل هناك عالقة وثيقة متبادلة بينهما، لها طابع " جانبية"و

جدلي، وذلك بمعنى أن العناصر الجانبية ال تزال بعد على طريـق نـضجها الـذاتي

وية واضحة متميزة، أي أنها ال تزال بعد في طريقها إلى أن تتحول إلـى واكتسابها ه

.جزء ال يتجزأ من واحد من القطبين، بحيث يجري تمثلها منه ضمن فعالية ذاتية

والمسألة هذه، مسألة العالقة الوثيقة ذات الطابع الجـدلي والقائمـة بـين القطبـين

نفسيهما نتاج تطور طويل وبطـيء والعناصر الجانبية، تتبدى من خالل كون القطبين

ولكن هذا ال يعني أنهما يفهمان فقط من زاوية كونهما . ومعقد للغاية للعناصر الجانبية

نتاج ذاك التطور، ذلك ألن وجود العناصر الجانبية المتناقضة بشكل خفي وجود نسبي

لقطبـين عميقة مع ا ) أنطولوجية(تماما وهذا يرتد إلى أنها تقوم على عالقة وجودية

الجـوهري، " tendentious"المومئ إليهما، وإلى أنهما، من حيث مضمونها الميلي

تخص الواحد أو اآلخر من القطبين، كما هو الحال مـثال بالنـسبة إلـى الالأدريـة

"Agnosticism" فهذه، أي الالأدرية تبـدو ظاهريـا . ، بموقعها من المادية والمثالية



إال أنهـا، فـي حقيقـة . عن المادية وعن المثالية وكأنها تشكل قطاعا خاصا متميزا

–وظهورهـا كـشيء مجانـب . األمر، ما هي إال نمو طبيعي للفكر الفلسفي المثالي

للمادية والمثالية اللتين تشكالن القطبين المتميزين، ال يخفي حقيقتها القائمة –جانبي

ربي في العصر الوسيط مشروع رؤية جديدة للفكر الع . (على عالقة داخلية مع المثالية

)11-9ص

ولكي يؤسس تيزيني للطابع الجدلي لهذه العالقة بين الجانبين ويبرر الظهور المستقل

لكليهما في الفكر العربي اإلسالمي يطرح فكرة األسطورة كنقطة بداية يندمج فيها الجانبـان

ثم تتطور إلى عالقة جدلية بينهما،

، أساسيين انطالقا من العالقـة التاريخيـة هنا يتوجب الكشف عن عنصرين أساسيين

أما العنصر األول فإنه يقوم على الرابطـة األوليـة البدائيـة بـين . األولية األصلية

إن هذه ". Myth"، هذه الرابطة التي تأخذ شكل وطابع األسطورة "المثالية"و" المادية"

نشوء الفكـر الفرضية، كما سنرى في هذه الدراسة القصيرة حول الخطوات األولى ل

المادي والفكر المثالي، سوف يكون تقبلها واألخذ بها في خطوطها األساسية العامـة

.أكثر معقولية واقترابا من الموقف العلمي من رفضها

ففي البدء نجد رابطة أولية توحد نسبيا بين بذور االتجاهين الفكريين المومئ إليهمـا

حديث هنا يدور بالضبط حـول البـذور بيد أنه من الضروري التأكيد على أن ال . فوق

األولى الجنينية للمادية وللمثالية، هذه البذور التي وجدت تعبيرها بشكل جوهري في

غيـر أن . الموقف العملي المباشر لإلنسان تلقاء العالم المادي وتلقاء ذاته هو نفسه

ن الميـل هذا ينبغي أن يفهم بمعنى أنه ال يمكن التحدث هنا بعد عن تناقض متميز بي

إال أنه . المادي واآلخر المثالي على الصعيد النظري في تلك المرحلة التاريخية البدائية

ذلك ". النظري"يمكن، بل يجب التحدث في هذا اإلطار عن وجود حد أدنى من التفكير

ألن العامل الحاسم في عملية االنتقال أو االنفصال النهائية للكائن اإلنساني عن العالم

ي قد كمن في نشاطية وفعالية هذا الكائن المكتسبة اجتماعيا، والتي تبلـورت الحيوان

...في صنع واستعمال أدوات عمل وفي خلق وسيلة مشتركة للتفاهم، أي بتكوين لغة

" التنظيريـة "ضمن هذا اإلطار الضيق للوجود الضروري لحد أو قدر ما من الفعاليـة

الالواقعـي أو (والعنصر المثالي ) الواقعي (لدى اإلنسان البدائي، تنسم العنصر المادي

خيوط وجودهما األولي وتحركا، ولكن، بعد، ليس في شكل تناقض متميز ) الماورائي

...بوضوح ضمن ذلك الوعي



أما العنصر الثاني فإنه يستبين من خالل ديالكتيك الرؤية لتلك العالقة البدائية اآلليـة،

د في صيرورة وتحول دائمين، وأن ميل هذه وذلك على أساس من أن هذه العالقة توج

للعنـصر " regular"الصيرورة وهذا التحول يقوم على عملية تشكل ونمـو قـانوني

ولقـد . المادي من الطرف األول وعلى إقصاء العنصر المثالي مـن الطـرف اآلخـر

وضعت الفعالية العملية لإلنسان، أي العمل، الحجر األساسي لنشوء األسطورة، وفـي

الالواقعـي أو (والعنصر المثالي ) الواقعي(الوقت النحاللها إلى العنصر المادي نفس

)15 -13مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ص ). (الماروائي

بين المظهرين المثالي والمادي للفكر عمومـا " الصراعية"بعد تأسيس العالقة الجدلية

لعالقة وصياغة الكيفية التي ستتم من خاللها القـراءة تيزيني في البناء على هذه ا . ينطلق د

للفكـر " منعطـف نـوعي "الجدلية المادية للفكر العربي اإلسالمي، من ناحية، وتبرير وجود

العربي اإلسالمي كجزء من تاريخ الفكر،

ونحن إذ أوردنا ما تقدم، فإننا لم نطمح بذلك إلى أن نشير إلى النوعيات الجديدة فـي

حديثة أو المعاصرة، بل إن المسألة تدور هنا حول اكتشاف وتعرية وعرض الفلسفة ال

الجوانب الجديدة نوعيا في تطور الفكر الفلسفي لدى الفالسفة اإلسـالميين العـرب،

تقريبا من القرن الثامن حتى القرن الثاني عشر، وخصوصا فيما يتعلق بالميل المادي

المحاولة سوف نكتـسب اليقـين بـأن ومن خالل إنجاز هذه . في أنظمتهم الفلسفية

االستمرارية في التطور النظري اإلنساني بمجموعه ال تنفي وال تستنفد الالاستمرارية

على أن تينك اللحظتين أو ...النوعية الخاصة، المتمثلة بواحدة من فترات ذلك التطور

الن وحدة في التطور النظري المعني يشك ) أي االستمرارية والالاستمرارية (المنحيين

جدلية عميقة نسبية، ال يمكن بمعزل عنها فهم واستيعاب تاريخ الفلسفة فـي خطـه

إن نتـائج أبحـاث فـي ...العام وفي دقائقه وتفرداته فهما واستيعابا علميين عميقي

الحقول النظرية والتجريبية واالجتماعية السياسية واالقتصادية، وإن كانت حتى اآلن

كبرهان واضح على وجود منعطفات نوعية في تـاريخ الفكـر قليلة، تقدم مادة كافية

النظري لدى الشعوب المختلفة، ومن ضمنها وال شك، الشعوب العربية اإلسالمية في

)12-11مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ص . (العصر الوسيط



معارضة المركزية األوروبية

لفكر العربي كجزء من تطور الفكر اإلنساني له يعتمد تيزيني على موقفه الذي يضع ا

سماته المميزة وخصوصيته الذاتية لتدعيم رفضه لفكرة المركزية األوروبية، ويوضح ذلـك

كما يلي،

واآلن، إذا أردنا أن نستوعب الخطوط األساسية لتاريخ اإلنسانية الفكري الثقافي، فإن

طة في هذا الحقل الفكري تـشكل اإلسالمية الوسي -دراسة وتقصي المكتسبات العربية

هذه الحقيقة التاريخية تتناقض على نحو واضح مع اآلراء ووجهـات . شيئا جوهريا

.النظر الالعلمية حول تاريخ الفكر اإلنساني

مكانا مرموقا، أما ممثلو هذه " المركزية األوروبية "في طليعة هذه اآلراء تحتل نظرية

إنهـم يفهمـون التـاريخ : ون في نقطة مركزية النظرية فهم كثير ولكنهم جميعا يلتق

بدءا بالعهـد " األوروبي"على أنه تاريخ للفكر ) والحضاري عموما (اإلنساني الفكري

. اليوناني القديم، ومرورا بعصر النهضة والتنوير، ومنتهيا بالعصر الحديث والمعاصر

عنـصرية -1ها إن هذه الرؤية لمسيرة الفكر اإلنساني التاريخية يمكن تحديدها بكون

. العلمية مناهضة للنتائج التاريخية العيانية التي تحققت في هذا الحقـل -2رجعية، و

)405مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ص (

القديم موقفه من الفكر العربي اإلسالمي

من خالل هذه التصورات النظرية يكون الدكتور تيزيني قد أنشأ أساسا نظريـا يمكنـه

فالفكر العربي اإلسالمي هو جزء من تـاريخ الفكـر . من التعامل مع الفكر العربي اإلسالمي

فيه يمكن وضعه في إطـار " الديني"والجانب المثالي و . اإلنساني يقبل التعامل التاريخي معه

تأسيسا على هذه األسس النظرية يطرح تيزني، بنـاء علـى . جدلي مع الجانب المادي فيه

لية المستفيضة، موقفه التفصيلي من الفكر العربي اإلسالمي القديم، ويظهر هذا تحليالته الجد

في البداية يكشف عن أن الفكـر العربـي . الموقف بوضوح في عدد من المقتطفات التالية

للفكر العربي، كما يلي،) تاريخية جدلية(المعاصر لم يقدم أي معالجة علمية

تشرقين والبـاحثين العـرب فـي اسـتخراج في الحقيقة، إن فشل الكثيرين من المس

اإلسـالمي الفكـري -وتطوير وتعميق وجهة نظر علمية موحدة حول العصر العربي

فهو يكمن في كونهم لم يدرسوا هذا العصر الفكري في . الوسيط لهو ذو داللة عميقة

لقد انطلقـوا، فـي آخـر تحليـل، مـن . االقتصادية والسياسية -عالئقه االجتماعية



، فعجزوا، علـى هـذه "الواقع االجتماعي المادي "تلقاء " الفكر"استقاللية موضوعية

الطريق، عن فهم استمرارية الفكر، أي خاصية الفكر في كـل مـن فتـرات تطـوره

إن الفكر يتضمن في ذاته ليس فقط استقاللية نسبية تلقاء الواقع االجتماعي . التاريخي

وبذلك فهو يحتوي، في . بهذا الواقع ) دياوجو(المادي، وإنما أيضا ارتباطا أنطولوجيا

فمن أجل بحث العصر الفكري المـشار إليـه، . نفس اآلن، استمرارية والاستمرارية

االقتصادية، التي ترعرع -تتبين األهمية القصوى لكشف األطر التاريخية واالجتماعية

.وشب فيها العصر ذاك

ومتوسـط، إمكانيـة نـشوء إننا نقول بكون هذه األطر قد هيأت، بشكل غير مباشر

أما تحول هذه اإلمكانيـة . اإلسالمي الفذ، وال نقول ضرورة ذلك -وتطور الفكر العربي

إلى ضرورة، فقد كان نتاج المنطق والبنية الداخليين الخاصين بالفكر اإلنساني منـذ

مشروع . (اإلسالمي حتى هذا العصر األخير -الحضارات الكالسيكية قبل العصر العربي

)126ديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ص رؤية ج

باإلضافة إلى نقد تيزيني وجهات نظر المجددين اإلسـالميين لعـدم اعتمـادهم علـى

المنهج التاريخي ينقد أيضا المفكرين العلمانيين لنفس السبب وهو عدم االعتماد على المنهج

ورفض التـراث العربـي التاريخي واالعتماد فقط على المنطق المجرد المنقطع عن الواقع

إلى سوء قراءة تراثنا الفكري،اإلسالمي، ويرد ذلك

كان هنالك تيار فكري تجديدي قد أخذ منحى متميزا بشكل واضح عن منحى المجددين

إن هذا التيار، الذي يعتبر سالمه موسى من أبرز ممثليه، يقوم فـي أساسـه . أولئك

إن تجاوزا من هذا النـوع كـان . مياإلسال-على محاولة تجاوز شامل للتراث العربي

في الحقيقة، نحـن ...يتضمن رفضا للتراث هذا، من حيث هو كذلك، والبدء من جديد

نستطيع تقصي هذا القصور في فهم قضية تراثنا فهما علميا تاريخيا دقيقا مـن قبـل

–األول هـو أن تراثنـا الفكـري : سالمه موسى والذين تأثروا به من خالل سببين

قدم إلينا بشكل مشوه ممسوخ، بحيث أبـرزت منـه الجوانـب –ي عموما والحضار

السلبية الغيبية والمناهضة للتقدم العلمي واالجتماعي إبرازا بدائيا ممال فـي طريقـة

أما السبب الثاني فقد كمن في كون أولئك لـم يـستوعبوا المـنهج المـادي . تقديمه

.التاريخي بشكل جدلي حي

فهم فهموا الثورة الفكرية الثقافية واالجتماعية علـى أنهـا . لقد وقعوا في التبسيطية

إن مفهوم نفي النفي الجدلي . جديدة كليا " بداية"نفي كلي للتراث، بحيث ينبغي تكوين



.( فهم من قبلهم من حيث هو رفض دون تمثل ودون استعادة جدليـة لـذاك التـراث

)132-131مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ص

ولتجنب هذا الخطأ يشدد على قراءة تراثنا الحضاري قراءة موضوعية إنسانية غيـر

ميكانيكية، أي غير سطحية، ويعارض في هذا كافة التصورات الغربية ويشمل ذلك اشبنجلر

وتوينبي،

ولكن بالرغم من هذا فإننا سوف لن . لقد ترك لنا أسالفنا العظام إرثا حضاريا عمالقا

إن . ن وصادقين مع تراثنا إذا انكفأنا راجعـين إليـه رجوعـا ميكانيكـا نكون علميي

اإلنسانية الحديثة والمعاصرة قد اكتشفت حقائق وأبدعت مكتسبات ضخمة أيضا فـي

مجال العلوم والتقنية والعالقات االجتماعية، فهل يحق لنا إنكار هذا انطالقا من أخذنا

توي مـع المتعـصبين العـرقيين مـن ؟ إن من ينكر ذلك، يـس "القمقم األصل "بذلك

فالحضارة اإلنسانية تشكل وحـدة . األوربيين، المنكرين لمنجزاتنا في العصر الوسيط

جدلية عميقة لم يستطع طرحها توينبي أو شبنجلر وغيرهما من المؤرخين المثـاليين

)134مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ص . (بالمعنى الفلسفي

د التصورات السابقة سواء في الفكر العربي المعاصر، أو فكر المستشرقين، أو بعد نق

الفكر الغربي الحديث والمعاصر، يستهل تيزيني طرح وجهة نظـره فـي شـروط القـراءة

ويتمثل الشرط األول في التأكيد على أهمية العامل االقتـصادي فـي . الصحيحة لهذا التراث

ره العامل األوحد،قراءة التراث العربي، بدون اعتبا

، التي تمنح العامل االقتصادي الـدور "االقتصادية الميكانيكية "بدون الوقوع في مزالق

الحاسم والوحيد في عملية النمو االجتماعي اإلنساني، نرى أنه من الالزب اإلشـارة

إلى أهمية هذا العامل في العملية تلك، بمعنى أنه خطأ فاحش أن نبحـث عـن نمـو

–الفكر نفسه بمعزل عن اإلمكانات التي خلقتها له الجوانـب االجتماعيـة في " الفكر"

إنما نود هنـا، . ولقد بحثنا هذه المسألة في السابق . االقتصادية والسياسية والتكنيكية

على ضوء ما سبق، التأكيد على أن المنهجية هذه هي القادرة فعال على طرح قـضية

هذا التراث حقوقه وجوانبه المشرقة اإليجابية اإلسالمي بشكل يعيد ل -العربي" التراث"

الغيبية في الحقل التاريخي، وكذلك مـن -المسلوبة من قبل ممثلي الذهنية اإلقطاعية

–قبل األطر الضيقة الهجينة لممثلي الجديد، المنطلقين مـن الذهنيـة البورجوازيـة

لك المنهجية التاريخية إن ذلك التأكيد يقوم على كون ت . اإلقطاعية المتخلفة واالنتقائية

مشروع رؤية . (توحد في أثنائها األيديولوجيا بالعلم، فتتحول بذلك إلى منهجية علمية

)136جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ص



اجتماعيـة " حركة"ويتمثل الشرط الثاني في اعتبار ظهور اإلسالم في المجتمع العربي

وهذا يستتبع بداهـة دراسـة الظـروف . جتماعيةتخضع لكافة الشروط العلمية ألي حركة ا

االجتماعية قبل ظهور اإلسالم واستخالص الظـروف والـدوافع االقتـصادية واالجتماعيـة

،"الحركة"والسياسية التي أدت إلى ظهور هذه

، فإننـا ال نعنـي "مـا بعـده "و" ما قبل اإلسـالم "حينما نصنف مرحلة بحثنا هذا إلى

فقط، بل أيضا، وبشكل أساسي، حركة اجتماعية جلبت معهـا عقيدة دينية " اإلسالم"بـ

وسوف لن نستطيع استيعاب المرحلة الثانية الالحقة بمعزل عن المرحلة . نتائج عميقة

إحاطة سريعة، – الجاهلي –وهذا يقتضي اإلحاطة بالوضع االجتماعي العربي . األولى

-138الوسـيط ص مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العـصر . (ولكن واضحة

139(

ويعتمد في ذلك " الحركة"ويحلل تيزيني الظروف االجتماعية التي أدت إلى ظهور هذه

على كالسيكيات الفكر الماركسي، من ذلك تحليالته المعتمدة على جدلية السادة والعبيد، وأثر

هذه الجدلية على التحوالت االقتصادية في هذا المجتمع،

جة هامة حتى الحد األقصى، تمس قضية العوامل العميقـة الدفينـة وهنا نجد أنفسنا أمام نتي

على أساس تلك الرابطـة الوثيقـة : التي مهدت لنشوء الحركة اإلسالمية بجانبها االجتماعي الهام

والعوام األحرار ونصف األحرار، تكونـت ) الرقيق(والمشروط وجودها بشكل موضوعي بين العبيد

مشروع رؤية جديدة للفكر العربي فـي العـصر . (البعيدة للحركة تلك وتبلورت الدوافع االجتماعية

)150الوسيط ص

كما يعتمد أيضا على التحليل االقتصادي لهذا المجتمع وأثر ظهور الرأسمال الربـوي

في هذا المجتمع وتضاعف أعداد العبيد، فأصبح ظهور اإلسالم مخرجا مـن هـذا التحـول

الدرامي في المجتمع،

-ترعرعت الحركة اإلسالمية في فترة زمنية بلغ فيها الرأسمال التجاري لقد تكونت و

وقد أصـاب . الربوي درجات مرموقة، وتضاعف فيها بالتالي استغالل األرقاء والعوام

هذا االستغالل أعضاء القبيلة الواحدة من قبل أغنيائها وأغنياء قبائل أخرى على حـد

رابة الدم والعصبية والـذي كـان فيـه ، الذي سيطرت فيه ق "الذهبي"فالعصر . سواء

الواحد من أجل الكل والكل من أجل الواحد ضمن القبيلة الواحدة، هـذا العـصر قـد

كمخـرج : من ذلك كله يمكن صياغة النتيجة األساسية التاليـة ...تالشى بدون رجعة

–عفوي وضروري لجمهور األرقـاء والعـوام الحجـازي المـضطهد والمـستثمر

وكتعبير عن الطموح االجتماعي المـشروع تاريخيـا –المدينة وخصوصا في مكة و



لخلق شعب موحد في الحقول االجتماعية واالقتصادية والثقافية وبعيدا عن الحـروب

المبيدة بين القبائل العديدة، نشأت وتكونت المالمح األولية األساسية للحركة اإلسالمية

)153بي في العصر الوسيط ص مشروع رؤية جديدة للفكر العر. (في القرن السابع

وفي نهاية األمر، حسب تحليالت تيزيني االجتماعية واالقتـصادية أصـبحت القبائـل

بين العوامل " الظاهري"وهنا يظهر بوضوح الجدل . العربية مهيأة الستقبال الرسالة المحمدية

. ينيفي فكر تيز) الدينية(، والعوامل المثالية )االقتصادية واالجتماعية(المادية

حسب روايات إسالمية وغير إسالمية، كان الوضع في مكة وفي مدن عربية أخـرى

جديـد للنـاس مـن البـؤس " مخلـص "قبل بدايات الحركة اإلسالمية مهيأ الستقبال

فلدى مجموع القبائل العربيـة، التـي . الوثنية" األوهام"االجتماعي واالقتتال القبلي و

وفي هذا الحقل ". المرسل"يرا، توقع المرء مثل هذا دخلت حياتها المسيحية قليال أو كث

.أضفى المرء على هذا التوقع شغافا أسطوريا متعدد األلوان واألشكال

وكذلك من الوجهة التاريخية كان واردا أن يتكون ويتطور األمل والطموح في مجيء

التوقـع بل أكثر من ذلك، إذا وجد ذلك . مثل ذلك المحرر للقبائل المتشتتة المتصارعة

االقتـصادي -وذلك الطموح فعال، فإنهما برهان واضح على توتر الوضع االجتمـاعي

والسياسي والفكري في مكة ومدن عربية أخرى في مطلع القرن السابع، هذا التـوتر

الذي أدى إلى تواجد العوامل الضرورية لنشوء وتبلور الحركة اإلسالمية التي لعبـت

لبني االجتماعية واالقتصادية والقيمية للمجتمع العربي دورا كبيرا في تغيير وتحويل ا

)154مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ص . (الجاهلي

االجتماعي اإلسالم والتحليل

العالقـات الماديـة (والمادي ) اإلسالم(يحرص تيزيني في تحليله الجدلي بين المثالي

ال الجانبين وأثرهما في تطور األحـداث، وذلـك على إبراز مشروعية ك ) للمجتمع اإلسالمي

بطبيعة الحال في إطار تحليله األولي للكيفية الطبيعية التي نشأت بها هذه العالقـة الجدليـة

فالجانب المادي يؤدي إلى نشوء الجانب المثالي، والجانب المثالي يؤدي إلى دفـع . تاريخيا

ية على تجنب الوقوع فـي التفـسيرات ويحرص تيزيني في إطار هذه الجدل . الجانب المادي

فالتغيرات االجتماعية، رغم هذه الجدلية، يمكن تفسيرها تماما مـن . الغيبية أو الميتافيزيقية

ونورد هنا أهم المواضع التي توضح جوهر تحليالتـه . خالل العوامل المادية الجدلية وحدها



العوامل المجتمعية التي صاحبت الجدلية للعالقة بين اإلسالم كظاهرة اجتماعية ودينية وبين

ظهوره،

" االنسالخ عـن العـالم المـادي "فالحركة اإلسالمية قد قدمت مخرج من خالل فكرة

وحققت بذلك الحرية للعوام والرقيق، ولكن في نفس الوقت ال يجوز أن نرجـع هـذا

التحول الكبير إلى عوامل خارقة للعادة،

حقبة من وجودهـا عـن البـؤس المكثـف إن الحركة اإلسالمية قد عبرت في تلك ال

لجماهير العوام األحرار ونصف األحرار والرقيق المكيين وغير المكيين على طريقتها

إن هذه الطريقة الخاصة في التعبير، التي يحتل فيها االنسالخ عـن العـالم . الخاصة

ية المباشرة مكانا رئيسيا، ال تعني أبدا نفي النتائج العمل ) الطبيعي واالجتماعي (المادي

واإليجابية التي انعكست في حياة المعدمين، بل تعني نفي وجود ارتباط مباشر بينهـا

. وبين المعطيات االجتماعية والسياسية واالقتصادية التي كانت وراء تكونها وتطورها

ترجع التحول الكبيـر – أي تلك الطريقة الخاصة في تمثل األمور واستيعابها –فهي

فاللحظـة . ي المجتمع العربي الجاهلي إلى عوامل خارقة ومفارقـة الذي حدث في بن

.التاريخية تفقد هنا كيانها من خالل ذلك التصور الالتاريخي

وإنه من الخطورة الجدية أن ال يستطيع الباحث تقصي وكشف تلك اللحظة التاريخية،

ات حيث يقع في متاهات المثالية الفلسفية الموضـوعية، أو فـي متاهـات التـصور

ولكن في حال انفالت الخط األساسي للمسار التاريخي الحقيقي من يد الباحث . الغيبية

في تاريخ األديان والحضارات أو تعقد هذا األمر بالنسبة إليه، يمكن ضبط هذا الخـط،

بشكل مباشر ومتوسط، من خالل النتائج العملية التي اتكـأت عليهـا تلـك األديـان

.والحضارات

بالطبع ضمن أطـر خاصـة -مية، كأية حركة دينية أخرى، تضمنت والحركة اإلسال

ذلك التقاطب بين كونها مرتبطة بنتائج عميقة في المجال االجتماعي العملي –ونوعية

وهذا . وكونها تلحق المجتمع والطبيعة واإلنسان بمحرك أو بمحركات مفارقة وخارقة

نـشوء الفلـسفة المثاليـة التقاطب كان شيئا طبيعيا، كما كان فـي حينـه، أيـضا،

على ) القائلة بوجود وعي أو عقل ال إنساني يوحد ويحرك العالم المادي (الموضوعية

يد أفالطون شيئا طبيعيا، نتيجة لتقسيم العمل اإلنساني إلى جانب فكري وأخر يـدوي

فاإلنسان في هذا المجتمع يحقق أشياء ومكتـسبات . الطبقي –في المجتمع الحضاري

ضمن األطر النظرية للمثاليـة –ولكنه . العملي-على المستوى االجتماعي هامة جدا



يجتزئ هذه األشياء، التـي –الفلسفية الموضوعية وضمن التصور الالهوتي الغيبي

.حققها، من إطارها االجتماعي الحي، ويلحقها بفعل مفارق خارق

ـ فكرية والدينية، أي البني االجتماعية وال" تاريخية"ال شك أنه من الضروري التمسك ب

التأكيد على أن هذه البني وجدت نتيجة تطور تاريخي سابق وطويل كثيرا أو قلـيال،

الدينية تتضمن شرطيا محاولة " التصورات"ولكن من الضروري أيضا اإللحاح على أن

االنسالخ من التاريخي العياني المشخص، بحيث تنشأ، عبر ذلك، هوة بين ما يعتقـد

بـشكل –فما يمكن أن يكون، في هذا اإلطار، إيجابيا، يكمـن . يفعلهالمرء وبين ما

أما هـذه . في الممارسة العملية التي يحققها المرء اآلخذ بتلك التصورات –جوهري

التصورات نفسها، فإنها طريق معبد النسالخ اإلنسان عن اللحظة التاريخية العيانيـة

)156-155 في العصر الوسيط ص مشروع رؤية جديدة للفكر العربي. (التي يعيشها

اإلسالمي ويوضح " المثالي"وتطبيقا لجدلية المثالي والمادي يحلل تيزيني طبيعة الفكر

ويرصد بشكل . جوانبه اإليجابية التي أدت إلى تحقيق هذا التحول الكبير في المجتمع الجاهلي

الـسمات مقارنـة أساسي سمات التقدمية والدنيوية التي تميز بها اإلسالم، ويحلـل هـذا

بالمسيحية واليهودية،

" الجدة"و. مع نشوء اإلسالم وتبلور آفاقه نجد بدايات حياة فكرية قد أخذت في التكون

إن هـذه التقدميـة . الحقيقية التي جسدها اإلسالم نفسه كمنت في تقدميته التاريخية

نا نرى ونحن ه . التاريخية كانت قد برزت في تعارض واضح مع المسيحية واليهودية

هذا يظهر بنا بشكل متميز عبر مقارنـة مـع المـسيحية ". دنيويته"أن ذلك يكمن في

.األرثوذكسية

إذا كانت العالقة بين اإلنسان واإلله في إطار فكرة التثليث لدى األشـكال األساسـية

السائدة آنذاك في الكنيسة المسيحية، وهي اليعقوبية والملكانية والنسطورية، قائمـة

معين ما بين اإلله واإلنسان، واإلنسان واإلله، فإنها " أنطولوجي"باط وجودي على ارت

على أساس هذه العالقة نرى أن . األب واالبن والروح القدس : تكتسب الصيغة التالية

هو على نحو ) أي المسيح (فاإلنسان . ليس هنالك من هوة ال تعبر بين اإلنسان واإلله

.ه حسب الزمان والذاتما جزء من اإلله، أو شيء مشابه ل

ففيه تكمن هوة ال تتجاوز بين اإلله . أما األمر في اإلسالم فإنه يختلف في نقاط معينة

وليس من مـادة ) أي من ذات اإلله (فاإلله هنا خلق اإلنسان ليس من ذاته . واإلنسان

إن مثل عيسى عند اهللا كمثل آدم خلقه : "فالقرآن يؤكد . ما، وإنما من عدم سلبي مطلق

.)31:سورة آل عمران اآلية("من تراب ثم قال له كن فيكون



ولقد توجب، انطالقا من واقع الهوة تلك، على الفالسفة والمتصوفين في إطار الدولة

العربية اإلسالمية الوسيطة أن يكافحوا من أجل أنسنة العالقة بين اإللـه واإلنـسان

المادي، وإنما أيضا فـي العـالم بغاية إبراز اإلنسان كعنصر فعال ليس فقط في العالم

قد " نظرية الفيض "و" وحدة الوجود "ولهذا السبب بالضبط كانت فلسفة . اآلخر، اإللهي

.احتلتا مكانا بارزا في الحياة الفكرية للدولة تلك

إن االرتفاع إلى اإلله من قبل اإلنسان قد حل ضمن المسيحية حسب كـل مـن اآلراء

العربية فقد –أما في الصوفية اإلسالمية . المختلفة التي طرحت لدى الفرق المسيحية

برزت مسألة االرتفاع ذاك في محور ومركز المشكلة، وكذلك أيضا إلى حد مـا فـي

.الفلسفة آنذاك

إن هذا الموقف الفكري النظري للمسيحية واإلسالم انتصب بشكل معارض للممارسـة

ة المسيحية تبرز سلبية العالقة ففي الممارس . لدي اإلنسان المسيحي واإلنسان المسلم

إنها غربة . بين اإلله السلبي واإلنسان المعذب، أو سلبية اإلله واإلنسان في آن واحد

في المـسيحية " الفرد"ولكن من المالحظ أن التأكيد على . تجاه العالم المادي الواقعي

مـن موقـف ففي الحقيقة، ليس ذلك اإلبراز لدور الفكر أكثر . وإبرازه إنما هو شكلي

إنها . ذاتي تأملي يسهم في عملية اغتراب هذا الفكر تلقاء واقعه الموضوعي الحقيقي

العـالم التعـيس " هـذا "اإلنسان الفرد مـن " تخليص"ذاتية سلبية تكمن مهمتها في

لقد كان هذا وال يزال جانبا جوهريا من . الملعون، أي إخضاعه وتبييئه مع هذا العالم

.حول عالقة اإلنسان باإللهجانب التصور المسيحي

فالفرد هنا يرى نفسه أمام مهمات كثيرة . بيد أننا نالحظ المسألة مختلفة لدى اإلسالم

إن الخطيئـة . يتعلق به نفسه إلـى حـد متميـز " خالصه"و. وعميقة تجاه نفسه هو

األصلية، التي يمكن إزالتها أو التخفيف من تأثيرها ضمن المسيحية من خالل تضحية

، ولكن سلبية، إن هذه الخطيئة تضع أمام اإلنسان المسلم وجائب ومهمـات شخصية

السلبي هـو طريـق إلـى " العذاب"وهكذا فليس . دنيوية وملموسة من أجل تجاوزها

الدنيوية المغلفة بأغلفة دينية " الكفاحية"الخالص، كما هو الحال في المسيحية، وإنما

.هي محتوى الخالص في اإلسالم

يؤكد علـى ) أي اإلسالم ( يكتسب ضمن اإلسالم مضمونا آخر، حيث أنه "الخالص"إن

ومن األمور التي تحتاج إلى التقصي والبحث الـدقيقين . اإلنسان المشخص االعتيادي

، الذي نشأ في القرن السابع ضمن ظروف حرجة اجتماعيا واقتـصاديا "اإلسالم"كون

تجـاوز األطـر الماورائيـة وثقافيا، قد جسد مرحلة جديدة هامة من مراحل عمليـة



ففيه لم يتكون جهاز كهنوتي مـستقل عـن البنيـة . الموغلة في انغالقها الماورائي

االجتماعية السائدة فالشيخ أو اإلمام أو الفقيه لم يكن وظيفة دينية من حيث هو كذلك

، بل كان يمارس في نفس الوقت مهنة ما، كـأن )في وقت الحق تكونت هذه الوظيفة (

.الخ..اما أو فالحا أو طباعا، تاجرايكون لح

المسلمين قد لعب دورا " المؤمنين"االجتماعي الطبقي في بنية " التوزع"ال شك أن هذا

إن . اإلسـالمي -خطيرا في التطور الفكري آنذاك، والحقا ضمن المجتمـع العربـي

ني ضمن للتوزع الفكري والدي " االجتماعية"التوزع االجتماعي الطبقي ذاك كان الخلفية

والجدير باالهتمام العميق أن نشوء الفرق والتيارات واالتجاهات الدينيـة . المسلمين

والفكرية انطالقا من اإلسالم كان قد رافقه عملية تأويل عميقـة الجـذور مـن قبـل

.المسلمين المتميزين اجتماعيا وطبقيا وفكريا وثقافيا

دولة تلك، يمكن أن نذكر أيضا إلى جانب ذلك العنصر الثوري المحرك، طوال وجود ال

. كجانب محرك آخر منه في اتجاه تعميق آفاقه الدنيويـة " الوسيط"تنكر اإلسالم لفكرة

وقف الخليفة األول ابوبكر الـصديق 632 حزيران عام 8في " الرسول"بمناسبة موت

من يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن يعبد اهللا، فإن اهللا حي ال : "يخطب في الناس

إن المـسيح . إن محمدا لم يتمتع بتلك المواصفات التي أطلقت على المـسيح ". يموت

فـالخالص . ، يموت من أجل خالص اآلخـرين "ماسح العذاب من على األرض "هذا،

.المسيحي متجسد في فعل التضحية الذي حققه المسيح

يحي في المس" الخالص"المحمدية مع مفهوم " الشفاعة"ومن الخطأ البين وضع مفهوم

، الذي يحمل "الوسيط المخلص "المحمدية ال تتآخى مع فكرة " الشفاعة"إن . إطار واحد

فاإلنسان يقف أمـام أو ". نفس ما كسبت "على كتفيه أثقال اإلنسانية بمجموعها، فلكل

أما اإلله فهو، على . تحت اإلله وحيدا، دون وسيط، وبمعنى آخر، دون مؤسسة كنسية

وهذا يتـضمن فـي ذاتـه . الوجود، أيضا في داخل اإلنسان العكس من ذلك، في كل

باإلله لكي يحقق مطامحه ومثله " لالتحاد"نتيجة، هي أن اإلنسان المسلم ليس بحاجة

. إن مطامحه ومثله هذه يمكنه تحقيقها في عالمه اإلنساني الحقيقي. العليا

أي أن اإلنسان .والعكس ليس كذلك . إن اإلله اإلسالمي يستطيع الوصول إلى أي فرد

إلـى اإللـه " الوصول"بالطبع هو يستطيع . غير قادر للوصول إلى اإلله أو االتحاد به

اإلله المنصوص عليهـا فـي " أوامر"ينفذ ) أي اإلنسان (بالمعنى المجازي، بمعنى أنه

.وبذلك فهو قريب منه، محبب إليه". كتابه"



له واإلنسان المسلم ال يمكـن أن بيد أنه ضروري أن نشير إلى أن تلك العالقة بين اإل

إن تـصوري ". أنطولوجيـا "تؤدي إطالقا إلى اقتراب اإلنسان منه اقترابـا وجوديـا

، في الحال الذي يظل فيه ضمن "الذات"يتمتع بهما اإلله من حيث " العلوية"و" المفارقة"

ولكن ". ةالعناية اإللهي "العالم اإلنساني من حيث الفعل والتأثير وانطالقا من مقتضيات

كانت – منظورا إليها انطالقا من اإلله إلى اإلنسان –بالرغم من هذا فإن العالقة تلك

" وحدة وجـود "تشكل مالمح أولية غير صريحة وغير مباشرة لتصور كوني قائم على

عامال غيـر ) إنسان -إله(أو ربما يكون أدق إذا رأينا في جانب العالقة تلك . مثالية

. إسالمية في وحدة الوجود–شوء وتطور نظرية عربية مباشر من عوامل ن

فهو ينفـي، كمـا . والتصور اإلسالمي األولي هذا حول وحدة الوجود أحادي الجانب

) اإلنـسان (ذلك ألن هذا األخيـر . رأينا، كل عالقة متبادلة نشيطة بين اإلله واإلنسان

السلبية، " الهيولي"يشكل بل إنه . يعتبر، ضمن هذه الرؤية للمسألة، نتاجا سلبيا لإلله

وفـي . وهو بالتالي ال يملك سوى حاضره المفرد المتعـين . التي تحدث عنها أرسطو

الوقت الذي تشغل فيه الهيولى لدى أرسطو مكانا أبرز تاريخيا من اإلنسان اإلسالمي

أي (، فإنـه )ذلك ألنها خالدة في الزمان، بينما يخلق اإلنسان ذلك من عدم محـض (

إن . من نطاق فعالية اإلله، بحيث يجعل منه في الخط األول محركـا أول يحد) أرسطو

وهذا يعني أن . لكنه ال يتدخل في جزئيات العالم . هذا اإلله األرسطي خالد، وال نهائي

على العكس من ذلـك، تكـون . عن اإلله " العناية اإللهية "أرسطو أسقط صفة وقدرة

. اإلله اإلسالميجزءا جوهريا من مفهوم " العناية اإللهية"

والحقيقة، أن تصور اإلله المطلق، المحيط بالعالم والمسير له كله نشأ كتعبيـر عـن

. رفض اإلله المسيحي المؤنسن واإلله اليهودي المحدود األفق والفاعلية فـي العـالم

حيث تكونت، فإنها كانت بذلك تعبيرا عن النشاطية العملية غير ) أي تلك الفكرة (وهي

للمكيين، الناحية منحـى توحيـديا فـي الحقـول االجتماعيـة والثقافيـة المباشرة

– 204مشروع رؤية جديدة للفكر العربي فـي العـصر الوسـيط ص . (واالقتصادية

208 (

ويطرح تيزيني موقفه في الجدل بين المثالي والمادي بشكل أكثر صراحة فيما يخـص

" مثاليـة "رآن كوثيقة روحيـة دينيـة حيث يرى أنه يمكن النظر إلى الق . الموقف من القرآن

ويـرى أن اسـتيعاب تـأثير ". ماديا"وكذلك كوثيقة تحمل تراثا حقوقيا وأخالقيا واجتماعيا

الجانب المثالي يجب أن يتم من خالل قوانين الجانب المادي،



وحين يرى بعض المؤرخين اإلسالميين كتاب القرآن ليس فقط كوثيقة دينية، بل كذلك

وأخالقي واقتصادي واجتماعي، فإن هذا صحيح إذا أخذنا بعين االعتبار كتراث حقوقي

قد أثـر آنـذاك " الروحي"وال شك أن الجانب . الجانبين، الروحي والعملي في اإلسالم

أما استيعاب هذا التأثير فيكمن في تفهم الوضع االجتماعي الحـضاري . بشكل إيجابي

مـا مـن التـصورات تكتـسب دالالت إن فكرة أو تصورا . في تلك الحقبة التاريخية

هذا يعني أن المشكلة . اجتماعية ونظرية مختلفة باختالف الحاالت التاريخية المتعاقبة

وقـد تعرضـنا لهـذه ". الحقيقة المعرفيـة "و" المشروعية التاريخية "تتحدد من خالل

هاهنا يجدر بنا التأكيد فقط علـى أن . المسألة في موضع آخر من فصول هذا الكتاب

الفكر المثالي والفكر المادي، والعلم والدين، ظاهرات مشروعة تاريخيا، وإن لم تكـن

مشروع رؤية جديـدة للفكـر . (جميعها صحيحة من وجهة نظر علمية معرفية دقيقة

)211العربي في العصر الوسيط ص

في إطار هذا التصور للعالقة بين المثالي والمادي أو بين الدين اإلسـالم والعالقـات

لمجتمعية يطرح تصوره لمفهوم العلمانية كما يلي،ا

دعاة العلمانية العرب نظروا إلى المسألة من موقع التمييز بين جـانبين فـي الـدين

ذينـك الجانبـان همـا . المهيمن وفي كل دين له تأثير ما في المجتمع الذي نشأ فيه

صـح أن الوظيفـة فإذا. العقيدة والحضارة؛ أو الوظيفة العقيدية والوظيفة الحضارية

الحضارية للدين يمكن أن تكون أمرا مشتركا بين مجموعة من الناس المنتمين إلـى

أديان مختلفة، فإن الوظيفة العقيدية تتصل بالموقف أو بالعالقة بين المـؤمن واإللـه

وبذلك، يمكن أن تبرز الوظيفة الحضارية للدين المهيمن في المجتمع . الذي يؤمن به

وهذا ما عبر عنه بالـضبط . تكون مقترنة بهذا الدين كموقف عقيدي العربي دون أن

فالدين، هنا، يتحـول ). الدين هللا والوطن للجميع (بالشعار، الذي أتينا عليه آنفا، وهو

وكذلك فإن التعامل معه، هنا، يغدو . إلى وجه مدني من الوطن المدني والدولة الوطنية

إذ أن األمر يتصل في هذه الحال، . ة البشرية خاضعا لقوانين التطور والتقدم في الحيا

، التي من شأنها أن ...بمجموعة من التشريعات القانونية واالقتصادية والسياسية الخ

علـى حـد تعبيـر " الموقف من اهللا "أما الموقف العقيدي، أو . تخضع لتلك القوانين

الوضـوح على طريـق . (الشعار، فقد اعتبر شخصيا بقدر ما اعتبر محترما ومصونا

)53-52 العلمانية في الفكر العربي، ص -المنهجي



التحول الفكري

بالنسبة للدكتور تيزيني كان هذا التحليل المادي للتراث اإلسالمي جديدا بـشكل يمثـل

ولكن في منتصف التسعينيات مـن القـرن الماضـي، ". ثورة على النظرة التقليدية للتراث "

ة التي حدثت سواء في الساحة العالميـة، تفكـك االتحـاد تقريبا، وبتأثير التحوالت العالمي

السوفييتي، أو في الساحة المحلية، تراجع المشروع الثوري القومي، حدث تحول جذري في

.المشروع الفكري للدكتور تيزيني

يشرح تيزيني طبيعة هذه التحوالت في حوار منشور بجريدة الحياة كما يلي،

وأبـدأ مـن . عض الصيغ التي أراها أولية واحتماليـة وجوابا عن السؤال، سأقول ب

كـان العنـوان . مالحظة تتعلق بعنوان أول كتاب لي، في المشروع الذي تتحدث عنه

والذي أراه اليوم إن أحداث العـالم . 1976، وهو صدر في »من التراث الى الثورة «

. انه تخصيصا العربي وتطوراته تضطرني وبإلحاح إلى أن أبدأ النظر إلى الكتاب وعنو

هل ما زال هذا العنوان صالحا بعدما تفككت أفكار كثيـرة وتفكـك االتحـاد : تساءلت

السوفيتي، واألفكار التي كانت مهيمنة في ذلك الحين على فكر تقدمي مهـيمن فـي

الساحة العربية؟ بعد رصد ما حدث والتطورات المتالحقة وضعت يدي علـى مـسألة

فكلمـة : ة إلي، مدخال الكتشاف ما علي أن أنجزه مجددا أظن اآلن أنها كانت، بالنسب

الواردة في العنوان لم تعد ذات وجود، بصرف النظر عن التسويغات التـي » الثورة«

ومن هنا رحت أفكر في كتـابي، . لغة العصر لم تعد تتسع لهذه الكلمة . يمكن أن تقدم

وفهمت أن مشروع ... لواقعمن ثم انطلقت من الواقع إلى الكتاب ثم من الكتاب إلى ا

من هنا، ومن خالل قراءاتي الدءوبة في الفكرين . الثورة ذاته بات يعيش اختناقا قاتال

العربي واألوروبي، أدركت ما يخيل إلـي انـه البـديل المناسـب لمفهـوم الثـورة

...ومشروعها، وهو مفهوم النهضة ومشروعها

ي حياتي الفكرية والـسياسية ألدرك أن ما أن توصلت إلى هذه الفكرة حتى تعاظمت ف

إنمـا ) وأعني هنا الثورة الحقيقيـة (أهم عنصر من عناصر مشروع الثورة والنهضة

وهكذا فكرت مليا فـي . يتمثل في فهم كينونة الحامل االجتماعي ألية ثورة أو نهضة

األمر حتى توصلت إلى أن الحامل االجتماعي ألي تحرك في المجتمـع العربـي هـو

بدال منه، كنا في الماضي نعتبر الحامـل االجتمـاعي . المجتمع كله ... جتمع ذاته الم

. حامال طبقيا ونتحدث عن الصراع الطبقي واإلشكالية الطبقية، هذا لـيس واردا اآلن

حامل المشروع الجديد، النهضوي، ال يمكن اآلن إال أن يكون تحالفا طبقيا أو سياسيا

لعالم اختلف كثيرا، منذ تفكك االتحاد السوفيتي وبروز عـالم ا. يضم كل فئات المجتمع



وتبين لي من موقع علم االجتماع الـسياسي أن . جديد تقوده الواليات المتحدة وحدها

الحامل الحقيقي االجتماعي لمشروع نهضوي ما يتمثل في األمة كلها من أقصاها إلى

الجتماعي ألي مشروع مستقبلي وبتحديد أيديولوجي أكثر، وجدت أن الحامل ا . أقصاها

يتمثل في مروحة تنطلق من أقصى اليمين القومي الديمقراطي إلـى أقـصى اليـسار

أخذت أالحق هذه المسألة السوسيولوجية الثقافية والسياسية ليتبين لـي أن . الوطني

، ليس مضلال فقط، بل هو خطير أيضا، وهكذا انتقلت »المشروع الثوري «حديثنا عن

... ف الجديد، وفكرت في أن أعيد النظر فـي مـشروعي النظـري القـديم إلى الموق

ثم تركتـه جانبـا، ... وأصيغه حتى في عنوان جديد، معيدا بناء ما يتعين علي بناءه

حوار جريدة . (»من التراث إلى النهضة «ألصيغ بدال منه مشروعا آخر تماما، عنوانه

)الحياة

إلى النهضة ومن الحامل االجتماعي الطبقي إلـى وقد صاحب هذا التحول من التراث

الحامل المجتمعي الشامل للمشروع، تحول مساوق في العالقة بين الدين عمومـا والـنص

فبدال من االعتماد التام على التفسير المادي أصبح من الالزم الدخول إلى . القرآني خصوصا

ة هو مجموع المؤمنين بالـدين الديني ألن الحامل األساسي لمشروع النهض " اإليمان"جوهر

اإلسالمي، يوضح ذلك كما يلي،

اكتشفت أن المسألة الدينية أهملت إهماال مرعبا من . أتحدث هنا عن تجربتي الخاصة

واكتـشفت أن الخطـورة . جانب النخب الثقافية، ماركسية أو قومية أو حتى ليبرالية

انـه نـص . الب هو ذاته بها تكمن في حقيقة أن النص الديني يقرأ بطرق متعددة يط

من هنا جاء ذلك الموقف الفظ الذي وقفته الماركسية والوضعية والفكر القومي . مرن

لم ندرك في الماضي أن الحامل االجتماعي ألي تغيير تعيش نسبة . حيال الفكر الديني

عظيمة من أفراده تبعا للفكر الديني، ما كان ينبغي له أن يحضنا على قـراءة جديـدة

ومع . النية ومنطقية للفكر الديني، أي الفكر الحقيقي الذي يتغذى منه المجتمع حقا عق

، باتت هناك اآلن مسوغات كثيرة أصبح )النهضة(بروز هوية جديدة لمشروع التغيير

ومن هنا أرى أن من المستحيل الوصول إلـى . من الضروري امتالك أدواتها الفكرية

م، من دون إعادة قراءة الفكر الديني والـدخول أي فكر نهضوي تغييري حقيقي اليو

وهذا ما يدفعني إلى التـشديد مجـددا علـى أن الحامـل . إلى روح الوسط اإليماني

الثقافي الذي يمكنه وحده اليوم مساندة الفكر التغييري، يمتد من أقصى –االجتماعي

. اليمين الوطني والديمقراطي إلى أقصى اليسار التقدمي



منذ عقـود، » غابت«ا تعيد األمور إلى مستوى وجود الطبقة الوسطى التي كأنك بهذ

علينا أن نواكب فكريـا إعـادة ... على رغم أنها هي بانية األوطان والحضارات عادة

اليـسر ): لبنـاء المجتمعـات (إنتاج الفئات االجتماعية التي تتسم بسمتين أساسيتين

ن عملية واسعة هدفها إعادة التوازن إلى وهذا يأتي ضم . االقتصادي والتنوير الفكري

وبطريقة تزيد خبثا ... المجتمعات العربية، وسط زمن عولمي يكاد أن يلتهم كل شيء

)حوار جريدة الحياة. (وقوة عما فعلت الدولة األمنية حتى اآلن

الواقع الموقف النقدي من

مشروع الذي كـان كان من نتيجة هذا التحول الفكري أن تحول تيزيني من استكمال ال

المادي إلى العصر الحالي من خالل اثني عشر جزءا، إلـى " الثوري"يهدف أن يصل بتحليله

وفي هذه المرحلة تبرز قضايا أساسية ثالث، أوال مواجهـة فكـر . مواجهة مشكالت الواقع

ثانيـا، . العولمة الذي يهدد بتفكيك الهوية العربية وبالتالي إجهاض أي احتماالت للنهـضة

بما يهـدد أيـضا " العقل العربي "واجهة الفكر العربي الذي يتسم بنظرة سلبية بنيوية تجاه م

ثم مواجهـة المـشكالت . بإجهاض مشروع النهضة نتيجة إلفراغها من خصوصيتها الذاتية

.الواقعية المجتمعية التي تهدد من زاوية ثالثة مشروع النهضة

الت التي تهدد مشروع النهضة كما يلي،ويعبر تيزيني عن هذه النظرة الثالثية للمشك

اإلقطاعي ومـا –في هذا السياق، ضروري أن نقول بأن التواطؤ اإلمبريالي العربي

بما رافقه من قسر وعنف وشراسة، ظل، في أساس األمر، محكوما –قبله وما بعده

ل فعلها فلقد استطاعت اإلمبريالية أن تفع . بقانون العالقة الجدلية بين الداخل والخارج

في الوضعية العربية انطالقا من عدم التكـافؤ التـاريخي فـي البنـي االقتـصادية

واالجتماعية والسياسية والثقافية، أي بسبب من التوقيت الذي حـدث بـين بـدايات

الرأسمالية البرجوازية العربية من طرف وبين نهايات الرأسـمالية اإلمبرياليـة مـن

.طرف آخر

وإذا وضـعنا . ر تلك العالقة من موقع أوروبا تلك ولصالحها ومن ثم، فقد جرى تزوي

في االعتبار البنية اإلصالحية والهجينة والقاصرة للفكر العربي النهضوي، تلك البنية

التي تولدت في وضعية اإلخفاق المحكوم بالتواطؤ المأتي عليه سابقا، استبان أمامنـا

عملية التزوير تلـك للعالقـة بـين أمر على غاية األهمية المنهجية؛ ذلك هو انطالء

والمهـم . أوروبا والعرب، أو كما يقال، بين الغرب والشرق، على العرب النهضويين

بقدر ما تمثل في إحـداث – الغرب –في ذلك هو بالدرجة األولى ليست تأثيراته على



إن ذلك كلـه . بعثرة كبرى وعميقة في البنية الفكرية النهضوية إزاء نفسه هو نفسه

لق للفكر العربي مشكالت زائفة أخذ يبحث فيها ومن مواقعها عن حلـول لقـضاياه خ

لكن هذه األخيرة . وفي الحق بإمكاننا التعبير عن هذا الموقف بأنه إشكالية . المستجدة

ومـن . وهذا أمر مفهوم بذاته . لم تجد أدوات البحث القادرة على تشخيصها وضبطها

تها أفعاال وردود أيديولوجية، أي بمثابتها مواقف هنا، فقد ظهرت المواقف منها بمثاب

أطروحات في قضية تحديث الفكـر –على طريق الوضوح المنهجي . (وهمية إيهامية

)21-20العربي، ص

في إطار معالجته للمشكالت التي تواجه مشروع النهضة ينقد تيزيني الحداثة الغربيـة

ار نقده لتأثير تدخل هذه المجتمعـات فـي والمجتمعات الرأسمالية اإلمبريالية، وذلك في إط

مجتمعات العالم الثالث، عموما، والمجتمعات العربية خصوصا،

بيد أن النظر إلى المسألة من الموقع اآلخر، موقع التقدم التاريخي، يـدعونا إلـى أن

نأخذ بعين االعتبار أمرا ذا أهمية خاصة في هذا اإلطار، ذلك هو أن التقدم العاصـف

تمعات الرأسمالية اإلمبريالية هو، من حيث األسـاس، تقـدم فـي الجانـب في المج

أما الجانب االجتماعي فيعاني من أزمة عميقـة . الصناعي والتقني والعلمي الطبيعي

وشاملة، بحيث أنه أخذ يؤثر تأثيرا مباشرا على ذلك الجانب األول، ويخلق في وجهه

تمارسه الجمـاهير العاملـة هنـاك والمالحظ أن الصراع الطبقي الذي . كوابح جدية

األولى تكمن في اتساع جهاز القمع . يصطدم بصعوبات كبيرة تبرز في طليعتها اثنتان

فالتطور العلمي التقني يقدم إمكانات متزايدة تتيح للسلطة مواجهـة . هناك كما ونوعا

التي تنجزها تلـك الجمـاهير فـي كفاحهـا الـسياسي – غير المتوقعة –المواقف

فاألجهزة االلكترونية المتطورة أصبحت قـادرة علـى تجهيـز . قتصادي والثقافي واال

مؤسسات المخابرات العليا بالمعلومات الخاصة بكل عائلة في بعض البلدان الرأسمالية

.اإلمبريالية

أما الصعوبة األخرى فتكمن في التعقيد الواسع، الذي طرأ على الحياة العامة، وجعـل

كشف عن مواطن الخراب االقتصادي واالجتماعي الذي يلحـق من الصعوبة بمكان ال

بتعبير آخر، أضحت عملية الكـشف عـن آليـة االسـتغالل . بمجموع العاملين هناك

فـالنظريون ". غير مباشرة "واالضطهاد في المجتمعات اإلمبريالية الرأسمالية معقدة و

لمـوظفين مجتمعـات المـدراء وا "الذين يدافعون عن هذه األخيرة، من حيـث هـي

، يعلنون أن االستغالل واالضطهاد "المجتمعات العظيمة "، أو من حيث هي "والمهندسين

يعيشون فـي مجتمـع الرفـاه – تقريبا –فلقد أصبح الجميع . لم يعد لهما وجود هنا



علـى ". (المجتمع االستهالكي المتطـور "وهذا ما يطلقون عليه اسم . والدخول العالية

الفكر العربي من موقع النقد، التدخل اإلمبريالي ومظـاهر –طريق الوضوح المنهجي

)176-175الفكر األوروبي، ص

العربي موقفه من القراءة الجابرية للفكر

يخصص الدكتور تيزيني مؤلفا كامال لنقد التصورات البنيوية للعقل العربي، عمومـا،

ربـي إلـى مـن االستـشراق الغ (ولتصورات الدكتور محمد عابد الجابري خصوصا، هـو

وذلك ). بحث في القراءة الجابرية للفكر العربي وفي آفاقها التاريخية –االستغراب المغربي

ألنه يعتبر أن هذه التصورات، نظرا لشيوعها وانتشارها، تمثل أحد العوائق األساسية لفكـر

ية وهو ينقض أساسها الفكري والمتمثل في التصورات البنيوية غير التاريخ . النهضة العربية

كمـا يـنقض . للعقلية العربية المبنية على تصورات صورية منطقية منقطعة عـن الواقـع

. تحليالتها المتعددة

وبالنظر ألهمية هذا الحوار للفكر العربي نستعرض هنا أهم التصورات النقديـة التـي

ويستهل تيزيني مؤلفه باستعراض مـا يطرحـه . طرحها تيزيني في معارضة الفكر الجابري

ري واآلراء المختلفة التي طرحت حوله،الجاب

أهمية خاصة نظرا إلـى أنهـا وإذا أخذنا برأي الجابري نفسه، فإن كتاباته تتجلى في

وهو يـرى أن ذلـك . في الثقافة العربية عموما وخصوصا " عصر تدوين جديد "تفتح

تكـوين العقـل "يفصح عن نفسه في الخالصة المركزة التالية، التي يختم بها كتابـه

":العربي

أدى بنا رصد األسس اإلبستيمولوجية إلنتاج المعرفة داخـل الثقافـة العربيـة إلـى "

يف ال يؤخذ فيه بعين االعتبار سوى البنية الداخلية للمعرفة، أي آلياتها ووسائلها تصن

–ومفاهيمها األساسية، تصنيف يطرق أفاقا جديدة تماما هي من الخصوبة والعمـق

بمثل اآلفاق التي فتحها أمام علـم البيولوجيـا التـصنيف الحـديث –فيما يبدو لي

هكذا أمكن تصنيف العلوم وجميع أنواع المعارف ...للحيوانات إلى فقريات وال فقريات

وعلـوم ... علـوم البيـان : في الثقافة العربية اإلسالمية إلـى ثـالث مجموعـات

".وعلوم البرهان...العرفان

الذي دشنه الجابري باحتفاء يقارب، كما ورد في حوار معـه، " الفتح الجديد "إن هذا

لحديث، استقبل بترحاب حـار مـن قبـل االحتفاء بالفتح الذي دشنه علم البيولوجيا ا

فقد أعلن أحد الكتاب المحتفـين بالجـابري أن الـدارس . أوساط ثقافية عربية معينة



للتراث العربي اإلسالمي صار لديه، عبر ما حققه هذا الباحث على الصعيد المعنـي،

كما رأي كاتب آخر أن الجابري قدم مـن اإلنتـاج . خريطة تضبط له منطلقه ورؤيته

".صاحب مقالة"كري ما يجعله جديرا بلقب الف

، التي ترتبت "وتلك اإلنجازات " الفتح"بيد أن أوساطا ثقافية عربية أخرى رأت في ذلك

عليه، تراجعا إلى وراء ووجها مكرورا من أوجه إشكالية قديمة مأزومة على صـعيد

تفصح عـن قد " أنساق مغلقة"البحث في الفكر العربي المعاصر، أو دعوة إلى صياغة

التاريخية فاضحة، في حين أعلن البعض أن الجابري لم يقـدم أكثـر مـن تـصنيف

بلسان بعض آخـر –أكاديمي لما قاله سابقوه، مع إفادته من المناهج الغربية، أو أنه

–، دون أن نهمل ما أعلنـه آخـرون ...، الخ "تعاطيا تشطيريا مع التراث " مارس –

في بحثه حول إشـكالية ( من أن الجابري –بدئية ولكن كذلك دون أن نمنحه أهمية م

اكتفى بالحديث اإلنشائي المعتاد ونعتقد أن هذا قـد آن لـه أن ) "األصالة والمعاصرة

: أخيرا يأخذ طه عبد الرحمن المآخذ التالية على الجابري ". ينتهي في تحليلنا لمشاكلنا

د التعريف، وفـساد تقويل الكتاب ما لم يقولوا، وسوء التصرف في النصوص، وفسا "

التصور، والسقوط في التناقض، وعدم تحصيل الملكة في العلوم الصورية والمنهجية،

"...والعجز عن نقد وتمحيص اآلليات االستهالكية

واآلن إذا أخذنا ذلك باالعتبار في سياق المشكالت والتحـديات فـي الحقـل العربـي

بات الجابري تغدو أكثر وضوحا الراهن، وخارجه، فإن دواعي وموجبات البحث في كتا

بـل إن . حيال ذلك كله " إرجائية"وال " فاترة"فهذه األخيرة ليست محايدة وال . وبروزا

وهو يلحـف، فـي . صاحبها يعلن أنها أتت إجابة على معظم مشكالت الثقافة العربية

عـصر "وتقـديم " العقل العربي "وتفكيك " الخطاب العربي "ذلك، كثيرا في سياق تفتيت

أن " خـصوصيته "ولعله من طرائف الموقف الجـابري و . للثقافة العربية " دوين جديد ت

نضيف، حيث يدور حديثنا على مسوغات البحث في كتاباته، مسوغا آخر قـد يلقـي

ضوءا على سيكولوجيته الشخصية وعلى بعض أوجه تلـك الخـصوصية للموقـف

فـي أن الباحـث –ه برأي الجـابري نفـس –أما المسوغ المعني، فيتمثل . المذكور

ذو شخصية مرهفـة دقيقـة، " الكاتب المشرقي المرتزق "هو، بالقياس إلى " المغربي"

:؛ هكذا بتعبير الكاتب نفسه)العلمي(ومستقلة، وتتمتع بشرائط العمل الفكري النقدي

وهذه خصلة ربمـا . ال بد من الثقة بالنفس ). االستقالل(في مرحلة الكتابة ال بد من "

فمعظم الكتب التي تؤلف في المشرق . نحن المغاربة عن إخواننا المشارقة تميزنا بها

أمـا . أي أجرته – حسب تعبيرهم –هي دروس للطلبة يطبعها األستاذ ليكمل ماهيته



على تأليف كتاب وطبعـه ...وال يجرؤ الواحد منا...نحن في المغرب فلم نعتد على هذا

."يء يستحق أن يكون كتاباونشره إال إذا كان حقا يعتقد أنه سيأتي بش

الجابري، كما يطرحها صاحبها، تعلن عن نفـسها بمثابـة " مغربية"المهم في ذلك أن

الخطـاب العربـي "و" نحن والتـراث "كمنت وراء إنجازه " بنية خفية ومعلنة "أو" سر"

الخ، ومن ثم بمثابة مسوغ يدعو الباحثين لالهتمام بها، خصوصا إذا مـا "...المعاصر

المغاربة المتواضعين، الذين ال يبدأون في التـأليف " صاحب العالقة أنه من علمنا من

من االستـشراق الغربـي إلـى ". (إال عندما يأنسون من أنفسهم أنهم سيقولون شيئا

)24 -21االستغراب المغربي ص

ينتقل تيزيني بعد ذلك إلى نقد المنهج الجابري الـصوري، ويـستخلص أن المـنهج

ا معرفيا إنما هو منهج إيديولوجي أساسا ولكنه مطـروح فـي صـورة الجابري ليس منهج

معرفية، كما يلي،

– من حيث األساس –الفكر النظري، على خصوصيته المرهفة في سلم التجريد، يظل

إذ لما كان الفكـر ...ومستوى من مستوياته المتعددة " الوعي االجتماعي "إحدى صيغ

وضعية أو وضعيات اجتماعية مشخصة ما، نتاجا بشريا في - في أساسه –النظري

ـ يظل بمقتضاها حاضـرا ... بشري ما، " حامل اجتماعي "فإن وجوده سيبقى مرتهنا ب

ومن هنا كان مـن قبيـل ...في بنية ذلك الفكر ومحددا بذلك هويته االجتماعية العامة

ذا، وعلى ه ...االلتباس والتلبيس أن يفصل بين كلتا الهويتين المذكورتين فصال مطلقا

إذا ما اعتقد أن االجتماعي غائب عن الفكري النظري أو مستل منه، فاعلم أنه مغيب

مـن هـذا المطلـب األنطولـوجي ...بواسطة أيديولوجيا فاسدة أو قاصرة أو متخلفة

والمعرفي لجدلية االجتماعي والفكري النظري، ننطلق في مناقشتنا لكتابات محمد عابد

فهو صريح واضـح . خير أن يعتبره نقضا لهذه الجدلية الجابري، أي مما يريد هذا األ

لتفـسير " نظرية بنات األفكار "في مطلبه ذي الوجه الفلسفي المثالي، حين ينطلق من

بروز األفكار، أي حين يرى في القضايا النظرية المجـردة، واأليـديولوجيا الدينيـة،

اللها عـن الواقـع مستويات فكرية يميل استق " والمضمون األيديولوجي للتراث عامة

فالقضايا : "وبتعبير الكاتب نفسه، نقرأ ما يلي ". االجتماعي الطبقي نحو المائة بالمائة

) الواقـع (النظرية المجردة، كالقضايا المنطقية والفلسفية والرياضية تفـصلها عـن

مسافات على سلم التجريد يصعب معها، إن لم يكن يستحيل ربطها بأي واقع اجتماعي

كما أن األيديولوجيا الدينية، وبصورة عامة المضمون األيديولوجي . ي معين أو فيزيائ

للتراث، يبقى هو هو على مدى مسافات زمنية طويلة وحقب تاريخية مختلفة فيعتنقه



الناس بعد أن يكون األساس الطبقي االجتماعي الذي أنتجه أو ساهم في إنتاجـه قـد

إلى عقيدة أو مذهب فكـري مـستقل ) لفيتحو...(تغير تماما عبر العصور واألحقاب

ال تعبر عن الواقع االجتماعي الطبقي الـذي يـؤطر ) أي العقيدة (بنفسه، بمعنى أنها

هنا يكون االسـتقالل النـسبي . معتنقيها اليوم، وال تعكس بالتالي أية مصالح طبقية

ن في بفعل ما يكم " حيص بيص "إن الجابري يقع في "...للفكر يميل نحو المائة بالمائة

إنها الرؤية األيديولوجية : موقفه خفية من طرف، وما رفضه إفصاحا، من طرف آخر

، أما هذه فتقوم على تغييـب النـسيج "الالأدلجة"التي ينطلق منها باتجاه الدعوة إلى

األيديولوجي ذي الحضور الموضوعي، حقا، من حقل معرفي ما وعلى السكوت عنـه

، ال وجود "صافية"بأنساق نظرية فكرية مجردة و وكذلك على إدانته لصالح هوس كلف

أو القـراءة " العقالنيـة النقديـة "هل مـن قبيـل ...لها إال في ذهن الباحث المتوحد

، اللتين يجعل منهما المؤلف ركيزتين منهجيتين له، أن ينظر إلى الفكـر "التشخيصية

يفكـره مـن النظري من داخله فحسب، فكريا نظريا، دون نوافذ تجمع بينه وبين من

.38-25 في انتماءات اجتماعية طبقية ما؟ ص –البشر، المنخرطين شاءوا أم أبوا

على هذا نرى في تصور الجابري، المعني هنا، شططا منهجيا واعتباطا أيـديولوجيا،

ويالحظ أن هـذه العناصـر الثالثـة تتحـدد . وربما كذلك امتهانا ساديا للفكر العربي

ور قائما على امتهان السياقات الثالثة الكبـرى للحـدث معرفيا، بكون التصور المذك

فهو يرفض مفهوم العالقة بين الفكر . موضوع البحث، االجتماعي والجدلي والتاريخي

النظري وواقعه االجتماعي البشري، كما يجهل آلية الفعل الناظم للعالقـة بـين فكـر

من جهة أخـرى، آخر سابق عليه أو معاصر ) أو فكر (ينتمي لواقع من جهة وواقع

46ص . وأخيرا يفرط بما يربط بين السابق والالحق، وبما يفصل بينهما

التي يعنيها صـاحبها بمثابـة تكونـات " القطاعات الثالثة "ودون التوقف، اآلن، عند

كيـف أتـيح : ، نطرح التساؤل التالي)وهي البيان والعرفان والبرهان (الثقافة العربية

مـن طـرف –من طرف، وأن يميز فيها " افة العربية ككل ينظر إلى الثق "للجابري أن

كيـف " يشكل كل منها حقال معرفيا متميزا يكفي نفسه بنفسه؟ " ثالثة قطاعات –آخر

استطاع الكاتب أن يخترق الجزئيات الثالث المستقل بعضها عن بعض استقالال تامـا

ملية االختراق مـن بل، ما هو المسوغ المنطقي لع " كال واحدا؟ "باتجاه ما يجعل منها

موقع ثالث بنيات تتقوم، أساسا وبرأي الجابري، بأنها مستقلة ومتفردة على نحو تام،

يوحد بينهـا؟ إن " عنصر ما "يراد له أن يكون ناظما وضابطا عبر " كل واحد "وباتجاه

تكئة منهجية له، تقوده إلى تناقض - هنا –البنيانية التي يجعل منها الكاتب الجابري



وأنطولوجي ينطوي على اضطراب وقلـق فـي كيفيـة اسـتخدام المفـاهيم منطقي

47-46ص . والمقوالت والحدود

وإذا . إن الخطاب الجابري المقدم هنا، هو خطاب أيديولوجي سياسي وكذلك معرفـي

بمثابـة ) ويسهم في ذلك رهط من الكتاب والنقاد ( يظهر – في بنيته السطحية –كان

في بنيته الخفية وما يقترب مـن بنيتـه – نقدي، فإنه خطاب معرفي أو حتى معرفي

ولذا، كان من مهمات . خطاب أيديولوجي ممعرف وخطاب معرفي مؤدلج –السطحية

البحث النقدي، الذي ننجزه هنا، أن نخضع ذلك الخطاب بوجهيه المتضايفين لمبـضع

كورتين، بـين البنيتـين المـذ – تجريدا –تفكيكي جدلي تاريخي صارم يفك االرتباط

في نـسيج المعرفـي؛ - بقوة –ويضع يده على عملية تسلل األيديولوجي السياسي

. بحيث إننا قد نرى في المعرفي الجابري هنا منزعا من منازع التلبس األيـديولوجي

)49 – 25من االستشراق الغربي إلى االستغراب المغربي ص (

ويرتكـز . ي للعقل والعقلية العربيةبعد نقده المنهجي يقوم تيزيني بنقد المفهوم الجابر

والتفرقـة اإلثنيـة بـين العقليـة ". للعقل"نقده على أساس االنزالق إلى المفهوم العنصري

واالعتماد على المفهوم االستشراقي للمركزية األوروبية الـذي . المشرقية والعقلية المغربية

الي غيـر عقالنـي والثـاني يفرق بين العقلية الشرقية والعقلية الغربي، وأن األول هو خي

منطقي عقالني،

وضع الجابري نفسه أمام مهمة وإن لم تكن جديدة، فقد كانت صـعبة ومعقـدة إلـى

وصعوبتها تكمن في أنها محكومة بمفارقة يكاد يكون حـضورها فـي . درجة قصوى

العقـل "هذه في دراسة " المهمة"وتتحدد . الفكر العربي المعاصر الراهن كثيفا وواسعا

ميدانا واحدا لـم تتجـه إليـه "فالرجل يعلن أن هناك . وضبطه إبستيمولوجيا " ربيالع

أصابع االتهام بعد، وبشكل جدي صارم، هو تلك القوة أو الملكة أو األداة التـي بهـا

أمـا . ذاتـه ) العقل العربـي (إنه )...يحاكم(و) يفكر(و) يحلم(و) يرى(العربي و ) يقرآ(

تاريخي ال تاريخيا، ومن ثم الوقوف أمام حالة مـن المفارقة فتقوم على تناول ما هو

الثنائية الميتافيزيقية طرفاها ينحدران من نـسقين أنطولـوجيين متمـايزين تمـايزا

.ماهويا

– في تناول ذلـك –ويمكن القول، على مستوى ما نحن بصدده، إن انطالق الجابري

، أفـصح )المنهج التاريخي رغم الجلبة التي أحدثها باسم (من البنيانية تطبيقا ونظرا

المـسألة األولـى ". منزوع الـسالح "عن نفسه في مسألتين تعين عليه أن يواجههما

أما المسألة ". العقلية العربية "إلى " العقل العربي "تبلورت في انزالق القلم الجابري من



الثانية فقد أخذت تتضح في المعجمية الجابرية بصيغة حالة غير متوقعة نشأت علـى

، تلك المعركة التي استمدت شخصيتها من اإلجابة عن "معركة منهجية خاسرة "اض أنق

أم " من الخارج "، أم "من الداخل "كيف نقرأ الحدث التاريخي أو التراثي، : السؤال التالي

85ص . من موقع آخر

قد شهدنا على أن الكاتب الجابري أخذ علـى عاتقـه أال – في نص سابق –فإذا كنا

عربية فطرية وراسخة رسـوخ " عقلية" العربي من موقع اإلقرار بوجود يتناول العقل

فالرجل يحـل ". شهادة زور " نكتشف أن شهادتنا هذه هي – اآلن –البيولوجيا، فإننا

فهـو يتحـدث عـن . نفسه من ذلك التعهد النظري، حيث يأخذ عمليا بما ينفيه هناك

هاهنا، يفقد الكاتـب ". ج الزمان ال تستسيغ حدوث شيء خار ) التي(العقلية اليونانية "

نعم، الجابري ينطلق في : الفكرية في طرح األشياء بمسمياتها " شجاعته"و" مصداقيته"

، التي تجد أحد )المركزوية األوروبية (كتاباته من المرجعية األوروباوية االستشراقية

– عقليـة غربيـة "وفي الثنائية الجبريـة بـين " العقلية"أسسها الكبرى في مصطلح

وهذا من شأنه أن يشكك في أن الجابري ينـتج ". شرقية –عقلية الغربية "و" أوربية

97ص . نصا متسقا بالمعنى المنطقي التوثيقي المخترق من معجمية أساسية موحدة

" الفكر والعقل العربـي "أما في النقطة الثانية، فإن محاوالت الجابري تقديم كتاباته في

" عملية النهوض العربي " في تاريخ هذين األخيرين وفي "تدشين عهد جديد "على أنها

: المطروح على بساط البحث العربي الراهن، توضع في موقعها الحقيقي وفي حدودها

فـي التأسـيس – فيمـا يخـصنا منهـا فـي هـذا المبحـث –إنها كتابات تندرج

ي التمييـز اإلبيستيمولوجي للثنائية الجبرية المنوه بها وفي إظهار أنها فصل المقال ف

وكذلك بين المشرق والمغرب كما يتضح معنا على مدار مبحثنـا (بي الشرق والغرب

هاهنا، تظهر خطورة الفكـر . ، ومن ثم في اإللحاف على دونية األول إزاء الثاني )هذا

وسوف نالحظ أن الحديث . الجابري على الفكر العربي، ألنه يتحدث من داخله وباسمه

سيكرس من قبل الجـابري " ستسيغ حدوث شيء خارج الزمان عقلية يونانية ال ت "عن

، مقابل الحـديث عـن "عقلية يونانية تكرس العدل والحرية والديمقراطية "بحديث عن

تقـوم علـى الـسطو "و" عقلية عربية تستـسيغ حـدوث شـيء خـارج الزمـان "

يره، ، وغ "المصادرة على المطلوب "و" غياب التوثيق "و" الخداع"نعم، إن "...واالستبداد

والدفاع عنه وتـسويقه عربيـا فـي " العقلية"تمثل عناصر في عملية تسويغ مفهوم

إنها عـودة مـؤزرة لأليـديولوجيا : مرحلة االنهيارات والهزائم واالختراقات العظمى

فـي الـسياق –الجبرية الجيوبولوتيكية، مع اإلشارة إلى أن المفهوم المذكور يـأتي

أسس لها عتاة المستـشرقين العـرقيين، وهـي بصيغة محددة، هي التي –الجابري



أما الخصوصية الجابريـة . صيغة التقابل بين الشرق والغرب، العقالنية والالعقالنية

ومغربا " الشرق القح "شرقين، مشرقا عربيا ينتمي إلى " الشرق"فتكمن، هنا، في جعل

100-98ص ". الغرب"، إلى "العقالنية النقدية"عربيا ينتمي إلى حضارة

بمـلء فيـه وبحماسـة يعوزهـا –السيد الجابري يتمثل في أنه يعلن " جديد"ولكن

في الثقافة العربية، وفي الخطـاب " تدشين عهد جديد "–التواضع العلمي غير المفتعل

بيد أن نقطة . العربي المعاصر، والرؤية التاريخية للفلسفة العربية اإلسالمية وللتراث

يكتبه السيد الجابري تكمن في أنه أوجد سـابقة رديئـة الضعف الفائقة الطرافة فيما

يمكن أن تطاله هو نفسه راهنا والحقا، وهي أنه اعتقد أنه قادر على االنطـالق مـن

الصفر في الفكر العربي الحديث والمعاصر، زاعما أنه سيضع حدا لثقافة تقوم علـى

–ي التـي يكتـب بهـا ه –االجترار، ولعقل يكرر ذاته منذ مائة عام أو أكثر، وللغة

تاريخية – بذلك –حسية وال تاريخية وليس بوسعها أن تكون لغة ثقافة وفكر، مدمرا

، )إن أخذنا بهذه القولـة النغلـة ( الثقافة المذكورة وتاريخية عملية اجترارها نفسها

، )إن لم نعلق هذا الزعم منطقيـا وتاريخيـا (وتاريخية العقل المذكور وعملية تكراره

دشـن عهـدا "ية حسية وال تاريخية اللغة العربية التي يكتب بها ويعلن أنـه وتاريخ

إذا منحنا هذا الهوس الالتاريخي (يبشر بها عبرها وبمقتضى منطقها الداخلي " جديدا

129ص ). شيئا من المصداقية

إذا كان مفهوم العقل في الثقافة اليونانية والثقافـة األوروبيـة الحديثـة "ومن هنا،

ـ والمعا فـي اللغـة ) العقل(، فإن معنى ...أي المعرفة ) إدراك األسباب (صرة يرتبط ب

ولكن فرق كبير ...العربية، وبالتالي في الفكر العربي يرتبط أساسا بالسلوك واألخالق

فـي الحالـة . بين االتجاه من المعرفة إلى األخالق واالتجاه من األخالق إلى المعرفة

األوروبي تتأسس األخالق على المعرفة، أما فـي –ي األولى، وهي حالة الفكر اليونان

) العقل العربي (إن ...الحالة الثانية حالة الفكر العربي، فتتأسس المعرفة على األخالق

أمـا ...وهذا في مقابل النظـرة الموضـوعية ...تحكمه النظرة المعيارية إلى األشياء

ا في تلمـس خـصوصية لقد انطلقن ...النظرة الموضوعية فهي نظرة تحليلية تركيبية

)" العصر الجاهلي (نحن إذن لم نخرج عن ...:لغة عرب الجاهلية ...من) العقل العربي (

]... 39-38تكوين العقل العربي ص [

خطاب الجابري في نصوصه األخيرة هو خطاب الهيمنة المركزوية األوروبيـة فـي

الغـرب –لـشرق إنه خطاب يعكس، بامتياز، تغلغل ثنائية ا . صيغته الخفية والمعلنة

وكـذلك داخـل الوجـدان . ، كما يكتب صاحب العالقة نفسه "داخل الوجدان األوروبي "



العربي المستغرب، أي الذي تكون ضمن دائرة التهيمن الفكري الغربـي فـي الفكـر

)210 – 85من االستشراق الغربي إلى االستغراب المغربي ص . (العربي المعاصر

دكتور تيزيني هي كيفية قراءة الفكر الـديني عمومـا، القضية الثانية التي واجهها ال

باالشـتراك مـع " تحديات وآفـاق –اإلسالم والعصر "في حوار بعنوان . والقرآن خصوصا

فيطـرح أوال، . الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، يطرح تيزيني موقفه من هذه القـضية

تصوره وتحليالته للتعددية في قراءة القرآن وفهمه كما يلي،

نواجـه إصـرار علـى – وغيرهما مما يدخل في حقلهما كثير –في هذين النصين

االعتقاد بأن التاريخ ال يحتمل والدة مراحل نوعية من التطور والتقـدم والتغيـر أو

وبالتالي، فإن ما يأتي بعد مرحلـة إنـسانية معينـة . تشكيكا في نوعية هذه المراحل

طة انطالقه التاريخية، أو المنهجية، ال يحمـل يعتبرها هذا الكاتب اإلسالمي أو ذاك نق

في طياته ما يعتبر جديدا حقا بالنسبة لمرحلة سابقة منصرمة، بما تنطوي عليه مـن

مشكالت وإشكاليات ومعضالت اجتماعية واقتصادية وسياسـية ومعرفيـة وأخالقيـة

ي الجدة وحيث يكون األمر بهذه الصيغة من نف ). طبيعية واجتماعية وإنسانية (وعلمية

التاريخية والمنطقية، فإن حالة من االغتراب الواقعي والذهني ال بد أن تحيط بنا حيال

ولقد سبق النبي الكريم عليـه ... أنفسنا وما يحيط بنا من تدفق في الزمان التاريخي

الصالة والسالم هؤالء، من الصوفية ومن يدخل في نطاقهم، حين أعلن فـي سـياق

القـرآن ذو وجـوه : " أهم خصائص النص القرآني الكـريم وضع يده على واحدة من

)"!!أو األحسن(متعددة، فخذوا بوجهه الحسن

للقرآن الكريم ليس مهمة نصية ذاتيـة يتفـق ) الوجه الحسن (ولعلنا نالحظ أن تحديد

عليها الفقهاء أو يختلفون، دونما أخذ الجديد الفتي الوعي والعتيق الهرم من التطور

في حركيتـه –ومن ثم، فإن الواقع المشخص يمثل . ري بعين االعتبار التاريخي البش

طرفا في تحديد كيفية تناول النص الكريم، خصوصا –المتدفقة أو في جموده المتثاقل

حين نضع يدنا على التطور الكمي والنوعي الهائـل لمنـاهج البحـث فـي العلـوم

. فرعيةاالجتماعية واإلنسانية وما يقترن بها من أنساق علمية

حين يكون الواقع مناقضا لإلسالم فإنه ال يجوز "إنه : ومن شأن ذلك أال يسمح بالقول

القطعـي "، أوال؛ بـأن "تأويل اإلسالم حتى يتفق مع الواقع ألن ذلك تحريف لإلسـالم

والظني في اإلسالم كفيالن بتحقيق التغطية الشاملة لكل المـستجدات، وسـعة دالالت

مع –، ثانيا، ولعل السيوطي قد وضع يده " استيعاب كل شيء ألفاظ النص قادرة على

على واحد من أهم المسوغات للنظر في المسألة على نحو آخر، وهو األخـذ –غيره



لمعرفـة أسـباب النـزول : " فقد كتب ما يلي . بأسباب النزول، نزول اآليات القرآنية

فوائـده الوقـوف علـى ومن . فوائد، وأخطأ من قال ال فائدة لجريانه مجرى التاريخ

وهنا يفـصح عـن نفـسه (ومن بالغ األهمية أن نالحظ "... المعنى أو إزالة اإلشكال

أن القرآن أتى، في حينـه، ليخاطـب ) اإلسهام الذي نعمل على تقديمه في هذا البحث

بشرا في سياق تاريخي ومجتمعي معين مشخص، ومن ثم ليجيب عما كان لديهم من

وذلك جنبا إلى جنب مع التبشير بمبـادئ اعتقاديـة ذات أسئلة ومشكالت ومعضالت؛

.طابع عمومي شمولي ومجرد

ليس منها ممـا "وإذا وضعنا في اعتبارنا أن في القرآن الكريم حوالي ستة آالف آية

بعض ما عده الفقهاء، آيات أحكام ال يظهر أنها ) وأن(يتعلق باألحكام إال نحو مائتين

كتـاب هـدى "– في أساس األمر –هو ) أي القرآن (تاب ، اتضح لنا أن هذا الك "كذلك

إنه كتاب مودة وأخالق، يقـول كـل "...ورحمة وبشرى وموعظة واطمئنان للمسلمين

شيء وال يقول شيئا، ولكنه يترك للبشر أن يـضبطوا مفهـومي المـودة واألخـالق

ـ ام ويجعلوا منهما حالة تعج بالحياة البشرية المشخصة؛ وإنه كتاب معـامالت وأحك

ذلك ويدرجونه – بالمعنى الداللي –وعقائد، ولكنه ال يملي على البشر كيف يفهمون

في منظوماتهم األيديولوجية والقيمية إدراجا وظيفيا، وبحدود العالقـات االجتماعيـة

السائدة، وتحت مفعول اإلرث السوسيوثقافي واالعتقادي والجمالي والنفسي، إضـافة

والحضاري الفاعل في حينه؛ وإنه كتاب عدالة ومساواة، ) األقوامي(إلى الشرط اإلثني

ولكنه يترك للناس أن يحددوا ذلك ويضبطوه وفق شروطهم االجتماعيـة التاريخيـة

في ضـوء –والمعرفية؛ وهو كتاب يحث على التقدم االجتماعي والعلمي، ولكنه يقر

علماء والمختـصين بآليات وقانونيات هذه العملية الخاصة ويدع ال –قراءة محددة له

...ألخ..أسيادا في مجالهم هنا

أمـا األول منهمـا . إن الحديث، هنا، يدور على أمرين اثنين كالهما يفضي إلى اآلخر

فيتمثل في اإلقرار بوجود مراحل تاريخية مختلفة الواحدة منها عن األخريات اختالفـا

ه بصيغة التأكيد على ؛ في حين يفصح األمر الثاني عن نفس )الجدة النوعية (يقوم على

ومع . أن المشكالت المتحدرة من تلك المراحل هي، كذلك، تقوم على االختالف النوعي

فـي حقـل – إلى جانب االنفصال –هذا، يظل الحديث واردا وضروريا على االتصال

ـ . المراحل والمشكالت المذكورة جدليـة االتـصال (وهذا بدوره، يدعو إلى صوغه ب

).لية االتصال منفصال واالنفصال متصالجد(، أو )واالنفصال



وإذا كان األمر كذلك، فما أحرانا أن نستعيد القاعدة الفقهية الجدلية التاريخية الدقيقة

... تتغير األحكام بتغير األزمان: في ضبطها لما نحن بصدده؛ تلك هي

وج بهما ، فإن الخر )القرآن والسنة (ولما كان األمر متصال باإلسالم وبنصيه الكريمين

من المأزق التاريخي الراهن لعله يقتضي األخذ بالعناصر الناظمة التالية مدخال أوليـا

الحرية في البحث العلمي وفيما يتطلبـه مـن : للتصدي لهذه األمور المركبة والمعقدة

حوار علمي مفتوح وملتزم؛ والعقالنية، وما تشترطه من رؤيـة متبـصرة نقديـة؛

حدث ضمن كيفية تجليه بشريا على نحـو مفتـوح أفقيـا والتاريخية، في ضبطها لل

وعمقيا؛ والجدلية، في اشتراطها النظر إلى األشياء والظواهر واألحداث فـي الكـون

الطبيعي والوجود االجتماعي البشري ضمن سياقاتها وعالئقها ونموها واضمحاللها،

ـ ة التحـول ومن موقع فواعلها الرئيسة الحاسمة والثانوية، على نحو يكـشف عملي

)109 -101اإلسالم والعصر تحديات وآفاق ص . (والتغير فيها

ثم يطرح المصدر األساسي لهذه التعددية وهو وجود بنية معينة للنص القرآني، كمـا

يلي،

ليس في ذلك كله غضاضة، فهو متحدر من واقع الحال المشخص القائم على تعدديـة

ي يجري الحـديث باسـمه وتتـصارع فالنص الديني، الذ . واسعة في مختلف الحقول

، )يتكلم بلغة الرجـال ...حمال أوجه (األطراف وتشهر السيوف تحت دريئته، هو نص

إن هذه األوجه، التي تحدث الرسول الكـريم . كما يؤثر عن اإلمام على ابن أبي طالب

هي من خصائص بنيته الداخليـة، ممـا يـسمح ...عن نظائره لها في القرآن الكريم

.هو هذه البنية ذاتها) التعددية القرائية القرآنية( مصدر آخر حاسم لـبالتحدث عن

:أما أهم خصائص البنية المذكورة فلعلها تقع في التالية

.إجمالية هذه البنية وعموميتها_ أوال

.كونها ذات طابع إشكالي عبر إشكالية المحكم والمتشابه-ثانيا

أي هي نفسها تحفز علـى (هة، ومفهوما هي بنية تأويلية احتمالية متنا من ج –ثالثا

.من جهة أخرى) مطالبة أن تقرأ هكذا

، )ظاهرها(الكامن وراء ) باطنها( هي بنية تثير في قارئها هاجس التوغل في -رابعا

).خافيته(أو في

.، أي أتت ضمن سياق تاريخي وبلغت كذلك)نزلت نجما نجما( إنها بنية –خامسا



، أي بمقتضى الحاجة إلى إيضاح طريق )أسباب نزولها ( إنها بنية أتت بحسب-سادسا

.أمام البشر) الهدي والرحمة والموعظة والبشرى واالطمئنان(

إن ذلك كله، مفردا ومجتمعا، يفضي إلى اإلقرار بإمكانية بروز تعددية قرائية للـنص

ويبقى القول ضروريا بأن مصدري هـذه التعدديـة االثنـين . الديني، من موقعه ذاته

يفصحان عن نفسيهما ) الواقع المجتمعي المشخص والنص الديني (لمأتي عليهما توا ا

إن فعل القـراءة . عبر من يتلقى هذا النص قراءة أو إنصاتا أو استذكارا – عمليا –

واإلنصات واالستذكار هذا هو نفسه يمر عبر قناتين اثنتين تلخصان شخصية المتلقي

ـ القناة األ . إياه، على هذا الصعيد ، الذي يتحدد بدوره وينضبط )المعرفي(ولى تتحدد ب

أمـا القنـاة الثانيـة فتعبـر عـن نفـسها . بالمستوى المعرفي الذي حصله المتلقي

، الذي قد نكثف القول فيه بأنه كل مـا يتـصل بالمـصالح الماديـة )األيديولوجي(بـ

واالتجاهات السياسية والرغبات المتحدرة من هـذه وتلـك، كمـا مـن الـصراعات

إن : وبصيغة أخرى نقـول . االجتماعية والفئوية والطبقية والوطنية والقومية وغيرها

كيفيـة ظهـور – استضمارا أو علنا أو كليهمـا –هاتين القناتين هما اللتان تمليان

التعددية في واقع المتلقي المجتمعي المشخص أوال، وكيفية تناول التعددية في النص

اإلسالم والعصر تحديات وآفاق ص . (المتلقي ثانيا من هذا ) ونصوص أخرى (الديني

114- 116(

وعلى هذا األساس يرى تيزيني ضرورة أن يكون لكل قراءة قرآنية خلفية أيديولوجية

تمتلك مشروعيتها الخاصة،

مـشروعية (– بصيغة أو بأخرى –تمتلك ) القراءات(وكما هو بين من ذلك، فإن كل

، وإنما أنتجها وأعـاد إنتاجهـا أو )فراغ اجتماعي (أ في ذلك ألنها لم تنش ). اجتماعية

وهذا ما يطمح . أنتج غيرها بشر ذوو مواصفات محددة تنتمي لعصر أو مجتمع معين

إلى تقصيه وضبطه، عادة، مؤرخون وباحثون في تاريخ اإلسالم، بمختلـف أوجهـه

تعددة، منها ، تحت عناوين م)السند واإلسناد(ويظهر ذلك، على صعيد نظرية . وحقوله

الخ؛ كما يظهر في إطار علم التاريخ العام بصيغة )..الجرح والتعديل (و) تاريخ الرجال (

للحدث التاريخي أو للوثيقـة التاريخيـة، دينيـة كانـت أم " النقد الخارجي والداخلي "

.الخ...سياسية أم اقتصادية

ة مـن سـمات ولعلنا إذ بلغنا هذا المنعطف الدقيق من البحث، أن نكتشف سمة بارز

، وهي أنهـا قـراءات )أو األخالقية أو الجمالية أو األدبية وغيرها (القراءات الدينية

بحكم التركيب السياسي للعصر المنتجـة –، وكذلك )سوسيولوجية(نظرية اجتماعية



إن جدلية السلطة السياسية المهيمنة وغير المهيمنة والثقافـة ال . سياسية –فيه تلك

وهذا يصدق أكثر وأعمـق . وشمها أية قراءة من تلك المذكورة تسمح بأن تنفلت من

تتدخل فيه وتخترقه فواعل وآليات متحدرة ) خطاب(على تلك القراءة، التي تتحول إلى

من حـرارة وحيويـة الـصراع أو الجـدال – بدرجة ما من المباشرة واإلفصاح –

في ذلـك ) التقية(ر السياسي والديني والفلسفي بين األطراف المتعددة، كما من حضو

.الخطاب أو من غيابها، حسب واقع الحال المشخص

على صـعيد الفكـر ) بريء(أو بخطاب ) بريئة(ومن أجل ذلك، ال يصح القول بقراءة

فهذا القول يمثل خطال معرفيا، كما قد يتحدر من موقع إيديولوجي وهمـي . اإلسالمي

القراء الـسلفوية (لم إحدى سمات وفي كلتا الحالتين، يتبين الباحث أحد معا . إيهامي

، وهي االعتقاد بإمكانية العودة إلى الماضي اإلسالمي البـاكر، أو )المثالية الطوباوية

إلى الحاضر عقيدة وتـشريعا وفقهـا، وربمـا كـذلك – في بكارته النبوية –إعادته

م، فإذا كنا نجل أسالفنا العظـا . مؤسسات، وبالصيغ ذاتها التي هيمنت هناك في حينه

فإننا نتحفظ حيال السلفويين في اعتقادهم بتخطي القرون، دون المـرور بمقتـضيات

. وضوابط العصر المعاش إيديولوجيا ومعرفيا

من الواقـع اسـتحالة ) اإلسالمي وغيره (وبذلك، تظهر استحالة انفالت الفكر الديني

لسنة النبوية على ا – دون خالف –وإذا كانت هذه االستحالة تنطبق . منطقية وواقعية

، )كتـاب تأويـل (وعلى القرآن الكريم حيث يتموضع اجتماعيا وبشريا أي حيث يغدو

في إطار القرآن نفسه وفي سياقين اثنين أومأنا إليهمـا تـوا، – كذلك –فإنها تظهر

إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ) القرآن(أن أنزل "األول منهما يفصح عن نفسه، بعد

على النبي آية آية، وكان بين أول ما نزل منه وآخره عـشرون ) كبعد ذل (أنزل "حيث

".سنة

: القـرآن ) حركية(ففيه نتبين مستويين اثنين لـ. لنتمعن في هذا النص الفائق األهمية

اإلنزال إلى السماء الـدنيا (، تتحدد بـ) ميتافيزيقية–طبيعة إلهية (المستوى األول ذو

، تتجلى في تصير القرآن حـدثا تاريخيـا، )ريخيةطبيعة تا (، والثاني ذو )جملة واحدة

وبذلك جاء التقاطع بين الميتافيزيقا والتاريخ إيذانا بتاريخ الفكر اإلسـالمي، . متورخا

اإلسالم والعـصر تحـديات . (ليس بعد تلقف الرسول للقرآن، بل في سياق ذلك نفسه

)134-128وآفاق ص

زيني فهي الشروط الالزم تحققها لتحقيـق أما القضية الثالثة التي يعالجها الدكتور تي

وألن أحد هذه الشروط، من وجهة نظره، ظهور إنتاج فلسفي عربي جديد، يطـرح . النهضة



باالشتراك مع الدكتور أبو يعرب المرزوقي " أفاق فلسفية عربية معاصرة "الدكتور تيزيني في

.تصوراته بخصوص احتماالت مثل هذا اإلنتاج الفلسفي العربي

، من الضروري البعد عن اتجاهين فكريين كالهما يلغي احتمال ظهور فكر فلسفي أوال

األول هو االتجاه الكوسمولوجي الذي يلغي الخصوصية العربية، والثاني هـو . عربي جديد

ويعبر عن ذلك كما يلي،. النزعة الذاتية التي تعزل الفكر العربي عن محيطه اإلنساني

لنقاب عن نزعتين لهمـا حـضورهما فـي التفكيـر إن ذلك يقود بدوره إلى كشف ا

المنهجي الفلسفي، وينبغي الحذر منهما في سياق التفكير في إنتاج فلـسفي عربـي

النزعة األولى تتمثل في النظر إلى الفلسفة بمثابتهـا نـشاطا نظريـا ذا بعـد . راهن

ـ ) كوني(كوسمولوجي ة فحسب، في حين تقلص النزعة الثانية إلى حدودها الجغرافي

فإن كلتا النزعتين قاصرة معرفيا حيال – ضمنا على األقل –وكما هو واضح . القومية

من هنا نتبين إحـدى ... ضبط التجادل بين الخصوصية والعمومية في الحقل الفلسفي

تدعو لوحدة البشرية في نطاق – في بنيتها واتجاهاتها –وظائف الفلسفة، وهي أنها

وعلى هذا األساس، يمكن النظر . ية وثقافية وتاريخية اختالفها، باعتبارات سوسيولوج

إلى موضوعات الفلسفة ومهماتها على نحوين متقاطعين متعاضدين، واحد تـاريخي

).أفقي(، وآخر مجتمعي )عمودي(

وعلى هذا النحو، لم يعد في وسع الباحث أن يتجنب الحديث على ما أنتجـه تـاريخ

، )األنطولوجيـا (ي مقدمتها قضايا الوجـود الفلسفة من قضايا محورية كبرى، تبرز ف

فهذه الفئات الثالث ليس هنالك من القضايا والمشكالت الفلسفية . والمعرفية، والقيمية

وفـي ... المعاصرة ما يجبها، أو ما يجعلها زائفة غير ذات مدلوالت فلسفية محورية

بنحو –غ الحديث عن تأسيس راهن لفلسفة عربية متقدمة، لن يكون بوسعنا أن نسو

ولكن سيبقى هاما وحاسـما أن . أية عملية إلقصاء تلك القضايا المحورية –أو آخر

وهذا، بدوره، يقتضي القيام . نكتشف صيغا مناسبة دقيقة لتخصيصها وتوطينها عربيا

بمهماته في ضوء قراءة فلسفية تاريخية للتراث الفلسفي العربي، ولمن أنتجـه مـن

مرجعيات إسالمية ومسيحية وغيرها من طرف، وللفكر مفكرين وفالسفة، تحدروا من

-193آفاق فلسفية عربية معاصـرة ص . (الفلسفي العالمي المعاصر من طرف آخر

196(

ولكي يتحقق النجاح في تحقيق شرطي الخصوصية والعمومية في نفس الوقت يجـب

يلي،العمل على تأسيس وتحقيق مجموعة من المفاهيم األساسية يوجزها تيزيني كما



واآلن، إذا حاولنا وضع اليد على ما هو أكثر خصوصية وأقل عمومية، على صـعيد

الموضوعات والمحاور والوظائف التي تناط أو ستناط باإلنتـاج الفلـسفي المعاصـر

المحتمل، فإنه ال سبيل إلى تجاوز ما اعتبرناه إطارا سوسيوحضاريا وثقافيا سياسـيا

في سـبيل . وهو مشروع نهوض وتنوير عربي جديد راهنا لعملية اإلنتاج المذكورة،

إنجاز ذلك، ينبغي اإلشارة إلى مجموعـة مـن المـصطلحات والمـسائل والمفـاهيم

الفلسفية، التي فقدت أو هي في طور فقدانها مصداقيتها المعرفية والتاريخية بالنسبة

من تلك يمكن االنطالق، على هذا الصعيد من مجموعة ... إلى خصوصية الفكر العربي

القضايا والمسائل والمعضالت، التي ال سبيل إلى تحاشيها في سبيل التأسيس لفلسفة

عربية معاصرة متقدمة، نظرا لكونها حاسمة في ضبط نشوء فكر فلسفي وتحفيـزه،

ولعلهـا . واإلفصاح عن نفسه بانبساط وتميز واستمرارية ذات بعد تاريخي تراكمـي

:تبرز مجسدة بهذه التالية منها

ونعني بها حرية اإلنتاج الفلسفي المبدع، وكل إنتاج ثقافي وأدبـي : مسألة الحرية ) 1

.وفني وجمالي وغيره، بعيدا عن اإلكراهات المتحدرة من األطر السياسية والمجتمعية

إن إقرارا بهذا المبدأ يتضمن احتراما مفتوحا وغير مشروط لمـن : مسألة الذاتية ) 2

يث ال يغدوا واردا، بأي اعتبار، انتهاك حريتـه، التـي ينتج الفلسفة، الفيلسوف، بح

.تتماهى هنا بذاتيته

هاهنا تبرز هذه األخيرة بمثابتها مدخال إلى الفلسفة وناتجـا : مسألة الديمقراطية ) 3

.متجددا عنها، وداعيا إلعادة إنتاجها

ؤية مسوغ ذلك فيقوم على االعتقاد بأن كل مجموعة سياسية أو ر : مسألة الحقيقة ) 4

فلسفية أو كل تيار فكري أو مذهب أيديولوجي، ناهيك عن أن كل تيار ديني يـرى أن

.بحوزته) الحقيقية(

تكونت حالة طريفة ومعقدة من النقد اإليـديولوجي، : مسألة الفلسفة واأليديولوجيا ) 5

) شـرك (تسعى إلى تهديم اإليديولوجيا حيث تعتبرها مسألة فكرية زائفة تحولت إلـى

ووصل . لمعرفة الفلسفية المؤسسة إبستيمولوجيا، وينتهك خصوصيتها النقية يحاصر ا

إن الفكر العربي المعاصر يجد . األمر لدي بعض الكتاب العرب إلى إدانة الفكر العربي

نفسه مدعوا إلى ضبط العالقة الناظمة بين األيديولوجيا والفلسفة، وليس إلى التفريط

.باألولى لصالح الثانية



أوال، نرى العالقة بينهما قائمة علـى التمـايز : العالقة بين الدين والفلسفة مسألة) 6

فعلى هذا الصعيد يتضح ببساطة أن الفلسفة هـي . النسقي، باالعتبار اإلبيستيمولوجي

وجـدير باالهتمـام والتبـصر أن التمـايز النـسقي . فلسفة، وأن الدين هـو ديـن

الضروري والقطعـي أن يفـضي إلـى اإلبيستيمولوجي بين الدين والفلسفة ليس من

وثانيا، التمـايز القـائم . صراع بينهما، إذا ما احترم كل منهما اآلخر وعرف حدوده

فهنا يظهر التمايز في منهج النظر إلى الوجود والمعرفة . بينهما، على صعيد المنهج

.والقيم

مشروع وهي الحامل النظري والسوسيوسياسي لل : مسألة النهضة والتنوير العربي ) 7

الفلسفي العربي المعاصر؛ في حين يجد مشروع النهضة والتنوير هـذا فـي األمـة

هاهنا تجدر اإلشارة الضرورية إلـى أن القـوى . العربية حاملها االجتماعي التاريخي

، هي )الكتلة النهضوية (الحية والفاعلة في هذه األمة أو ما قد يتمثل فيما نطلق عليه

صيغة مكـررة ) القوى الحية (التاريخي؛ دون أن نعني بهذه التي ينعقد عليها الرهان

آفاق . (من نخب سياسية ثقافية، أوال، ودون الوقوع، كذلك، في أوهام الشعبوية ثانيا

)204- 197فلسفية عربية معاصرة ص

ويتبلور موقف الدكتور تيزيني في مواجهة قضية النهضة العربية في كتيـب بعنـوان

في هذا العمل يطرح ما يمكن أن نسميه بشروط النهضة ". وير العربي بيان في النهضة والتن "

وهو يقسم هذه الشروط إلى عدة مستويات، أوال، . العربية انطالقا من تجربته الفكرية الذاتية

ثانيا، العوائق المجتمعية والحضارية . األسس الفكرية التي يجب أن يقام عليها فكر النهضة

رابعـا، الـشروط . ا، األسس النظريـة والمفاهيميـة للنهـضة ثالث. التي تحول دون تحققه

.المجتمعية الالزمة لتحقق النهضة

يبدأ تيزيني طرح جماع تصوراته لشروط النهضة بطرح تقليدي هو التساؤل عمـا إذا

والهدف من ذلك، بطبيعة الحال، مواجهة الفكـر . كان سؤال النهضة العربية مشروعا أم ال

فكرة النهضة، وفي نفس الوقت طرح األسس العامة التي يقوم عليها الذي يعمل على إحباط

مفهوم النهضة باعتبارها من مسوغات المشروع نفسه، وذلك كما يلي،

أن يطرح العرب في مرحلة ...قد يبدو أنه من البالهة الثقافية المعرفية واإليديولوجية

ى تحررهم مما هـم مشروع نهوض وتنوير يجعلون هم منه مدخال ومتنا إل ...تفككهم

بيد أن المفارقات من ذلـك الـنمط ...فيه، ويضعهم أمام آفاق ومداخل تاريخية جديدة

هاهنا "...مفاجآت"غالبا ما تخفي وراءها وفي ثناياها أوضاعا واحتماالت قد تستبطن

الالهوتي والتاريخي المراوغ الماكر، على نحو ما جـاء " العقل"يطل برأسه نمط من



أن التاريخ ماكر مـراوغ فـي .. القرآن، وعقليا جدليا بقلم هيجل، معلنا الهوتيا بلسان

كيفية تجليه وأنه في هذا يبقى سياقا مفتوحا ال سبيل إلى أن يفضي إلى دائرة نهائية

مـا بعـد "مغلقة، يجري الحديث عليها بما يـصطلح عليـه، اآلن، تحـت عنـوان

ل بأن الحدث االجتماعي أكثـر وفي ضوء مقاربة نظرية معرفية يصح القو "...التاريخ

ومن ثم، ليس في الغالب إال مـن قبيـل إيـديولوجيا ...غنى وثراء من أي تنظير له

تسويغية زائفة أن يقرر البعض أن الواقع العربي الراهن انتهى إلى التحول إلى دائرة

وفي كل األحوال، سنتتبع ذلك في ضوء النظـر ...أحكم إغالقها بفعل التغيرات الهائلة

ليه من موقع التساؤل عما إذا كان األمر يحتمل، أو ال يزال يحتمل نـشوء مـشروع إ

)11-9ص . (عربي جديد في النهضة والتنوير

لمشروع النهضة أمرا زائفا " المسوغات"هنالك من المحاذير ما قد يجعل الحديث عن

عض من أن منها ما يراه الب . أو نافال، مما يؤدي إلى إحباط العمل على المشروع إياه

التي تطرح في هـذه الحـال " اإلنسان العربي "مثل هذا المشروع يقوم على شخصية

في هذه الحال نكـون أمـام . كبنية فريدة فذة ال تخضع للتاريخ بل تقف ببساطه فوقه

نزوع إيديولوجي يقوم على النظر إلى اإلنسان المذكور بمثابته تلك البنيـة المغلقـة

قصور منهجي معرفي يتمثل في تعميم مرحلة من مراحـل والقطعية، مما يضعنا أمام

.التاريخ العربي تعميما فاحشا

دون "على أنه " اإلنسان العربي "أما الوجه اآلخر لهذه المحاذير فيقوم على النظر إلى

وهذا الوجه يفضي إلى أن العرب . باالعتبارات الفكرية واإلبداعية والحضارية " التاريخ

هم دون مفهوم التقدم التاريخي وآلياته واسـتحقاقاته، " ل العربي العق"بما فيه عقلهم

. وكال الوجهين يخرج العرب من التاريخ

إن اإلجابة األولية على سؤال مسوغات البحث في مشروع عربي للنهوض والتنـوير

ما " تاريخية"عبر األولى نضع يدنا على . يجب أن تنطلق من مقولتي التاريخ والتأريخ

ـ نصطلح عليه ، أي على أن هذا األخير ليس حالة مطلقـة "الحطام العربي المفتوح " ب

قاطعة، وإنما هو حالة تاريخية، ينبغي التشديد على أن تجاوزها أمر محتمل، ولـيس

أما عبر المقولة الثانية، فيمكن الوصـول . أمرا يجد مرجعيته خارج السياق التاريخي

ويجعل منـه موضـوعا للمعرفـة " حطامال"إلى أن الوعي الذي يمكنه أن يحيط بذلك

)16-13ص ". (الوعي التاريخي النقدي"ومسألة معرفية هو

جديد فـي النهـضة والتنـوير " مشروع"هكذا وعلى نحو ما قدمنا، يتضح أن قضية

العربي ناهيك عن أنها تعيش حالة من االرتباك والنكوص منذ ظهورها فـي أواخـر



التحاد السوفيتي فإنهـا مـع اتـضاح الوليـد القرن الثامن عشر حتى مرحلة تفكك ا

دخلت مرحلة عظمـى – في بداية العقد األخير من القرن العشرين –العولمي الجديد

من القلق والنوسان ومحاوالت التغييب والتهميش والتشكيك الجذري، ومعها محاوالت

ـ . إخراج العرب من تاريخهم الخاص وإدخالهم في التاريخ العمومي كلقطـاء ن إن م

ـ جديد للنهوض والتنوير في الواقع " مشروع"شأن ذلك وغيره أن يحفز على التفكير ب

. العربي

في ضوء ذلك وبالتساوق معه منهجيا ومعرفيا وإيديولوجيا سياسيا يغـدو القـول أو

على األقل االفتراض بأن البحث في ذلك المشروع قد يعني بحثا في مرحلـة جديـدة

قياسـا " ركة النهضة الوطنية والقومية في العالم الثالث ح"يمكن أن ندرجها في إطار

حركة التحرر الوطني والقومي في العالم "على ما ظهر في عقود منصرمة تحت إطار

.، مع االحتفاظ بشخصية وخصوصية كل من الحركتين"الثالث

بيد أن ذلك يتضمن إقرارا بأولوية االنطالق من شرطين اثنين ينتميان إلـى مرجعيـة

ه هي نظرية المعرفة، هما منهجا مفتوحا وطرائق منهجية مفتوحـة، وحـوارا محدد

نقديا عقالنيا معمقا ال يستثني أحدا ممن يشتغلون على هـذا المـشروع، بـل ممـن

يحملون في العالم العربي اهتماما وهما يندرجان تحت هذا الحقل، وإن بصيغة وعـي

)48-9بيان في النهضة والتنوير العربي ص .( شعبي عملي

في الفصل الثاني يطرح تيزيني أهم العوائق الفكرية لمشروع النهضة، والهدف مـن

ذلك هو العمل على تجنب هذه العوائق واالستفادة من الماضي،

الوجه – الدولة الدينية –احتكار الحقيقة . (األصولية واإلسالم السياسي .1

).اآلخر لإلمبريالية

لتخلي عن المشروع النهضوي ومحاولـة اللحـاق ا(التطورية اإللحاقية .2

).بالعولمة، نهاية التاريخ

" أيديولوجيا"التوفيقية، أي المزاوجة بين تصور معين (البنيوية الوظيفية، .3

عن الذات وبين ما يتصور على أنه فكرا غربيا يونانيا ذا نسيج فلـسفي

).معرفي

وم القطيعـة اإلبيـستيمولوجية مفه(البنيوية التفكيكية وما بعد الحداثة، .4

). الذي يحصد ثمار إقصاء مفهوم االتصال التاريخي



تسويغ لنظرية االنهيـار للنمـوذج (نهاية التاريخ وأفول األيديولوجيا، .5

).االشتراكي

بيـان فـي ). (تفكيك وإنهاء الهويات الوطنية (العولمة وما بعد الصهيونية،

)84 -53النهضة والتنوير العربي ص

بعد هذا التمهيد الضروري الذي يستبعد كل التصورات التي تعيـق النهـضة يـشرع

ويطرح ذلـك . تيزيني في وضع التصورات األساسية التي يجب أن يقوم عليها فكر النهضة

في ثالثة محاور، المنظومة المفاهيمية، األطروحة المركزية واإلشكالية، ثم بنية المـشروع،

.أو هيكيليته

نظومة المفاهيمية من العناصر التالية،وتتكون الم

ثمة مالحظة تتعلق بإمكانية التداخل بين أربعـة : مشروع النهضة ومشاريع أخري

... الثورة، والنهضة، وحركة التحرر الوطني، واإلصالح : مفاهيم ذات حضور فيه هي

وإذا كان الحديث عن الحامل االجتماعي للثورة ولحركة التحـرر الـوطني والقـومي

يتصل بطبقات وبفئات وبشعب، فإن الحديث عن حامل النهضة االجتماعي يتجسد في

األمة كلها؛ مما يقتضي التنويه بأن مدخل المشروع النهضوي يتـضمن خـصوصية

. قومية عامة

الهوية : إذا حاولنا رصد مكونات المشروع البنيوية فتكون في مقدمتها : البنية الداخلية

، الذاكرة التاريخية، والوعي التـاريخي بأسـباب االنحطـاط الذاتية، العمق التاريخي

.وآلياته، إضافة إلى الوعي بضرورة النهضة وشروط تحققها

هناك ارتباط بين النهضة والتنوير بحيث ال يصح : المشروع وقضية النهضة والتنوير

أما لماذا ذلك، فـألن النهـضة فعـل . القول بمشروع نهضة بعيدا عن مسألة التنوير

ريخي ينجزه حامل اجتماعي مؤلف من رجال ونساء يدركون بوعيهم التاريخي، أن تا

. الخروج من واقع انحطاطه يقتضي امتالك آلية هذا الفعل وقانونياته وإدراك حدودها

فالنهضة بدون تنوير ستكون فعال يفتقد القدرة على مواجهة التحديات؛ كمـا سـيقف

مر يتطلب اإلقرار بالتعددية في المنابر الثقافيـة وهو أ . عاجزا أمام عملية النقد الذاتي

" العقالنيـة "واإلعالمية والتأكيد على مبدأ التداول السلمي للسلطة، واالعتمـاد علـى

.بإلزاماتها المعرفية واألخالقية

يرتبط تحقق المشروع بقيام المثقفين بدورهم المجتمعي : المشروع وإشكالية المثقفين

فهنـاك . لعنصر الجوهري في الحامل المجتمعـي للمـشروع المنوط بهم باعتبارهم ا



مجموعة من المثقفين تبث آراءهم في الدفاع عن قضايا وطنية واجتماعيـة وبيئيـة

وثقافية وسياسية تتعلق بالحرية والديمقراطية، كما يتصدى بعضهم لتأسيس مشاريع

ين تتعارض مع ولكن هناك أنماط مختلفة للمثقف. نهضوية وقومية وتنويرية وإصالحية

تحقق المشروع، فهناك مثقفي أجهزة األمن والمخابرات، وتلك التي تفتقد الـشفافية

واألخالقية تتغير والءاتها بتغير الظروف، وهناك مجموعة صامتة في الحياة الثقافية

.لضعف وعيهم السياسي والثقافي

نهجـي هـي المشكلة األساسية في الجانـب الم : مشروع النهضة وقضاياه المنهجية

ضعف وتيرة اإلنتاج النظري المعرفي في الفكر العربي وهيمنة اإلنتاج األيـديولوجي

هنا يصح اإلشارة إلى مفاتيح لها من األهمية ما يجعلها مرجعية منهجية لهذا . الزائف

، )الترشـيد العقلـي (المشروع؛ منها قضية توطين المنهج عربيا، ومنها العقالنيـة

، ومنهـا االنفتـاح النقـدي )لى الحدث في سـياقاته التاريخيـة النظر إ (والتاريخية

الديمقراطي، ومنها جدلية الواقع والممكنات، وجدلية الداخل العربي والخارج الدولي،

كما تفترض المنهجيـة . وجدلية الثابت والمتغير، وجدلية البنية والوظيفة أو القراءة

ب المعرفي، ولخطـاب الرغبـوي، هي الخطا : التمييز بين ثالثة أنماط من الخطابات

)129 -85بيان في النهضة والتنوير العربي ص (.والخطاب السياسي

وتتمثل األطروحة المركزية للمشروع العربي في إمكانية تحقيق ما هو بمثابة العمـل

اإلعجازي تاريخيا،

ولكننا في الوقـت ذاتـه . لسنا هنا بمعرض الحديث عن عمل إعجازي خارج التاريخ

مون لعمل تاريخي استثنائي من شأنه السماح باللعب على التاريخ عبر الـدخول متاخ

فيه بصيغة تقترب من الملحمة األسطورية، وحيث يكون األمر كذلك، نكون أمام حالة

من اإلعجاز، لكن اإلعجاز التاريخي، الذي يتجاوز النظر إلى هذا اإلعجاز بمثابة فعل

ل تاريخي يراهن على إمكانية اللعب على مراوغة يجد مرجعيته خارج التاريخ، إنه فع

.التاريخ واختراقه واكتشاف ما قد يمثل نقط ضعف أو تمزق فيه

في هذا اإلطار، يحسن بنا أن نستدعي حالتين من التاريخ العربي الوسيط والحـديث

بمثابتهما مثالين على ذلك اإلعجاز التاريخي، األولى تظهر في الرسالة التي بعث بها

. الكو إلى سلطان مصر والشام، المظفر قطز، الذي تمكن مـن هزيمـة هوالكـو هو

والثانية، في الزمن السوري القريب، ويتجسد في شخص يوسف العظمة وزير الدفاع

بيان في النهضة والتنـوير . ( حين دافع عن دمشق حتى الموت 1920السوري عام

)139 – 130العربي ص



شروع العربي فيما يلي،وتتمثل الهيكلية اإلجرائية للم

أوال، المشروع العربي وأسئلة الفعل النهضوي

إنه جدلية التحرير والتغيير، مشروع النضال في سبيل إنتاج إجماع في وسط الشعوب

العربية واألمة العربية على التحدي والمواجهة والنهوض عبر آليات سياسية وثقافية

.ينة عسكريةواقتصادية وتكنولوجية وعلمية وفي حاالت مع

حامل المشروع هو األمة من أقصى يمينها الوطني والقومي الديمقراطي إلى أقـصى

يسارها الوطني والقومي والديمقراطي، ليس هناك من هو متميز عن اآلخر إال بقـدر

.ما يسهم في التأسيس للمشروع العربي

ثانيا، المشروع العربي في المداخل المنطلقة منه والمفضية إليه

ثل مداخل هذا المشروع التطبيقية،إذا اتبعنا منظومة منهجية عامـة، فـي تنـاول تتم

الملف السياسي، والملـف العـسكري، والملـف : المداخل المعنية على النحو التالي

االقتصادي، والملف العلمي والتكنولوجي، والملف اإلعالمي، والملف الثقافي، والملف

.المعرفي اإلبيستيمولوجي

نسيق للملفات المذكورة نتبين قصدا رئيسا يبرز بمثابـة النـاظم الـذي وفي هذا الت

لمـاذا هـذا : داللة على اإلجابة عن الـسؤال التـالي – مجتمعة –ينتظمها ويمنحها

الترتيب، الذي وضعناه لها؟ ولعلنا نالحظ أن ذلك يمس فكرة األولوية، التي تحدد من

كتسب، هنا طابعا جدليا يجعل منها حالـة بيد أن فكرة األولوية هذه ت . أين البدء فيها

نسبية، أوال، ومتحركة ثانيا، وفق السياقات واألحوال والتحوالت التـي تطـرأ علـى

فهي نسبية ومتحركة مفتوحة يصوب بعضها بعضا في إطـار . الواقع العربي المعني

وفـي هـذا وذاك، . من الحراك السياسي والثقافي واالجتماعي الديمقراطي العقالنـي

لتمـنح " إصـماتها "في حياة المجتمع العربي قد انتزعت من " المنسية"كون الزوايا ت

على سبيل المثال –إجابات تصب في مجرى التيار النهضوي التنويري العرب، ومنها

بيـان . ( زوايا األقليات اإلثنية، والمرأة، والطفل، والبيئة، والثقافية الريفية، والعلم –

)147 -146بي ص في النهضة والتنوير العر



:مؤلفاته

دمـشق -مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسـيط ، دار دمـشق §

.، خمس طبعات1971

حول مشكالت الثورة والثقافة في العالم الثالث، الوطن العربي نموذجا، دار دمشق، §

.، ثالث طبعات1971دمشق

حة في التراث العربي، دار ابن خلـدون، حول نظرية مقتر -من التراث إلى الثورة §

.، ثالث طبعات1976بيروت،

.1973روجيه غارودي بعد الصمت، دار ابن خلدون،بيروت، §

.1980فيما بين الفلسفة والتراث، المؤلف نفسه، §

تاريخ الفلسفة القديمة والوسيطة، باالشتراك مع غسان فينانس، جامعة دمـشق، §

1981.

ـ : التفكير اإلجتماعي و السياسي § ، رأبحاث في الفكر العربـي الحـديث و المعاص

.1981جامعة دمشق،

12مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بداياته حتى المرحلـة المعاصـرة مـن §

.1982جزءا، دار دمشق،

فكر ، الجزء الثاني الفكر العربي في بواكيره وآفاقه األولى، مشروع رؤية جديدة لل §

.1982 دار دمشق، دمشق –

، مشروع رؤية جديدة للفكر العربي، الجزء الثالث، )في مجلدين ( من يهوه إلى اهللا §

. 1985دار دمشق، دمشق

.1988دراسات في الفكر الفلسفي في الشرق القديم، جامعة دمشق، §

تـأليف / مد عبده و فرح انطـون ابن رشد وفلسفته مع نصوص المناظرة بين مح §

.1988تيزيني، دار الفارابي، بيروت، طيب أنطون ؛ تقديم فرح

، حول بعض قضايا التراث العربي، منهجا و تطبيـق : في السجال الفكري الراهن §

.1989دار الفكر الجديد، بيروت،

ر الفـارابي، كتابات في الفلسفة والفكر العربي، دا –على طريق الوضوح المنهجي §

.1989بيروت،



.، طبعتين1989فصول في الفكر السياسي العربي ، دار الفارابي، بيروت، §

مقدمات أولية في اإلسالم المحمدي الباكر نشأة وتأسيسا، مشروع رؤيـة جديـدة §

.1994للفكر العربي، الجزء الرابع، دار دمشق، دمشق

بحث في القراءة الجابرية للفكـر –ستغراب المغربي من االستشراق الغربي إلى اال §

.1996العربي وفي آفاقها التاريخية، دار الذاكرة، حمص

النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة، مشروع رؤية جديدة للفكـر العربـي، §

.1997 دار الينابيع، دمشق –الجزء الخامس

.2001لمجتمع المدني، دار جفرا، دمشق، من ثالثية الفساد إلى قضايا ا §

من الالهوت إلى الفلسـفة العربية الوسيطة، منشورات وزارة الثقافة، سـوريا، §

2005.

.2002من ثالثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني، دار جفرا، §

.2005بيان في النهضة والتنوير العربي، دار الفارابي، §

األلمانيةب

Die Matemie auffassung in der islamischen Philosophie des Mittelalters ,

1972 Berlin.

:باالشتراك مع آخرين

.1998اإلسالم ومشكالت العصر الكبرى، مع بحث لباحث آخر، دمشق، §

تحديات وآفاق، باالشتراك مع محمد سـعيد رمـضان البـوطي، : اإلسالم والعصر §

سلسلة حوارات لقرن جديد، إعداد وتحرير عبد الواحد علواني، دار الفكر،دمـشق

1998.

الواقع العربي وتحديات األلفية الثالثة، مع آخرون، مراجعة وتقديم ناصيف نـصار، §

.2001المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت،

المرزوقـي، دار الفكـر، أبو يعرب . آفاق فلسفة عربية معاصرة، باالشتراك مع د §

.2001بيروت،

كتب عنه



مناقشة ألعمال حسين مروه والطيب تيزيني، : الماركسية والتراث العربي اإلسالمي §

.1982توفيق سلوم، دار الحداثة،

رد على كتاب النص القرآني أمام إشـكالية : ظاهرة النص القرآني تاريخ ومعاصرة §

يزيني، سامر اسـالمبولي، دار األوائـل، دمـشق، البنية والقراءة للدكتور طيب ت

2002.

، نبيل صالح، مركز الحضارة لتنمية الفكر " من التراث إلى النهضة –طيب تيزيني " §

.2008اإلسالمي، أغسطس

مشاركات في المحافل العلمية

.نشر مئات البحوث والدراسات حول قضايا الفكر العربي والعالمي §

.ارك في عشرات من المؤتمرات العربية واإلقليمية والدولية و العالميةش §

.أشرف على عشرات من طالب الدراسات العليا السوريين و العرب و األجانب §

– عضوا في لجنة الدفاع عن الحريات في الوطن العربي 2001جرى انتخابه عام §

.القاهرة

) سواسـية (أسيس المنظمة السورية لحقوق اإلنسان بت 2004ساهم في نهاية عام §

.وانتخب عضو مجلس إدارة فيها

20 – 19نظمت الجمعية الفلسفية المصرية و والمعهد السويدي باإلسكندرية يومي §

في اإلسكندرية بجمهورية مصر العربية لقـاء لمناقـشة أعمـال 2006ديسمبر

ة و المفكـرين والبـاحثين العـرب الدكتور تيزيني من قبل مجموعة من الفالسف

.واألجانب في إطار المشاركة في حوار األجيال



مراجع ونصوص

تمقاال

.، مجلة التراث العربي إشكالية ونقد–سفة العربية اإلسالمية الفل ·

، العلم والدين في يس لمشروع نهضوي عربي جديد؟ هل يمكن التأس ·

.اإلسالم

التحاد، جريدة ا"من داخلها"تحديات الثقافة العربية ·

، جريدة االتحاداستعادة الوعي العربي ·

، جريدة االتحادفي المشروع العربي" الدولة" ·

، جريدة االتحادالضمان األكيد..الديمقراطية ·

، جريدة االتحاد"الدين المتحرك"و" الدين الساكن" ·

اد، جريدة االتحالعرب بين الحداثة وما بعدها ·

، جريدة االتحادالعقالنية والتنوير في الفكر العربي المعاصر ·

، جريدة االتحادالفلسفة والمشروع العربي ·

، جريدة االتحادالمشروع السياسي العربي، وبناء الدولة ·

، جريدة االتحادالمنهجية في حوار الديمقراطية والشريعة ·

، جريدة االتحادالمواطنة في مجتمع متعدد الثقافات ·

لعرب اليوم، ا؟"اإلعراب"ومحل العرب من ..الفلسفة ·

، جريدة االتحادبين الحاكم الجائر والفوضى ·

النهضة العربية مشروطة بقراءة علمية متفتحة لإلسالم دون إهمال ·

، الرايةالقومية

، جريدة االتحادتردد بين الهوية والكونية ·

، جريدة االتحادسوريا نموذجا..توطين الفكر الليبرالي عربيا ·

، جريدة االتحادحوار حول النهضة ·

، جريدة االتحادمفهومان لإلصالح العربي ·

، جريدة االتحادمكانة الحضارة الغربية ·

، جريدة االتحادالعربي يبدأ بإقصائه من الفكر العربي) العقل(نقد ·



، جريدة االتحادهل ثقافتنا راكدة؟ ·

، جريدة االتحادةبين الظالمية والفلسف ·

، جريدة االتحادمحمد عبده بين اإلخفاق السياسي واإلصالح الديني ·

حوارات

نسعى لتأسيس مشروع نهـضوي : في حوار مع الدكتور طيب تيزيني ·

أحمد يساوي، الفرات– تنويري جديد

ابراهيم العريس، جريدة – طيب تيزيني . حوار مع المفكر السوري د ·

الحياة

وحيد تاجا، إسالم – االستبداد الرباعي يحاصر العرب : طيب تيزيني ·

أونالين

لست نادما علي نـشاطي الـسياسي : طيب تيزيني . المفكر السوري د ·

خالد األحمـد، الرايـة - لكني أعمل علي قراءة التجربة وتعميقها

األسبوعية

أعماله نصوص مختارة من

القسم –" الجذور التاريخية والمعرفية للفكر الفلسفي المادي والمثالي " ·

". رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط"االول من

الفصل األول مـن مقـدمات –" مدخل إلى معضلة محاصرة ومفتوحة " ·

.أولية في اإلسالم المحمدي الباكر

الفصل السابع من –" في الفكر العربي المعاصر " التراث"الصراع على " ·

". المغربيمن االستشراق الغربي إلى االستغراب"

في – "اإلسالم والتحديات المعاصرة "تعليق على بحث الدكتور البوطي ·

".عصر تحديات وآفاقاإلسالم وال"

مصادر

o اتحاد الكتاب السوريين والعرب

سمير أبو زيد: تحرير

Documents

الدكتور طيب تيزيني- فلاسفة العرب