مئ ية احلرب العاملية الأوىل 2014 - 1914

فـ�شـلــيـة فـكريـة ثـقافيـة تـعنى ب�شــ�ؤون امل�شــرق العدد رقم 3 - اآذار 2014

مئ�ية احلرب العاملية الأوىل 1914 - 2014من املجاعة والتق�سيم اإىل تق�سيم التق�سيم

اأمني البا�شاعن احلرب العاملية والفن وبريوت

حممود حيدرث�رات م�شتباحة

اإميل عكراالبعد الجتماعي لتك�ن املدينة

حيدر حاج ا�شماعيلالفردية والنزعة الفرديةمقابل حمبة الآخر )فيليا(

وفيق غزيزيامل�شاألة الفل�شفية يف �شعر ج�زف حرب

تقف �للجان بني �أخذ ورد وتقتل �أوقاتها مبناق�شات عقيمة وجمادالت �شقيمة و�ملوت يح�شد يف خالل هذه �لفرت�ت �لذهبية �شفوفه ح�شد�، ومتى �تفقت �آر�وؤهم قد ال يبقى من لزوم لر�أي على �الإطالق، و�ختلفت �للجان �أقيمت �أجلهم من �لذين الأن

�الآر�ء يكونون قد رحلو� �إىل ديار �الأبديةالدكتور خليل �سعاده

درا�سات واأبحاث

عمارة

حتوالت اأدبية

وقائع م�سرقية

راأي

املحتويات

خطب لبنان و�ش�رياالدكتور خليل �شعاده

يف وداع املا�شي وامل�شتقبل جنيب ن�شري

حت�لت الفكرة الق�مية يف امل�شرق العربي قبيل احلرب العاملية الأوىل وبعدها

اأ�شامة �شمعان

انعكا�شات نتائج احلرب العاملية الوىل على امل�شرق علوان نعيم اأمني الدين

عن احلرب العاملية والفن وبريوتاأمني البا�شا

ال�جه الثقايف امل�شرقي يف احلرب الأوىللوؤي زيتوين

ال�شعر العربي احلديثحممود �شريح

مائة عام على »دمعة وابت�شامة« جلربان�شليمان بختي

العالم: ال�شت�شراق اجلديدو�شام عبد اهلل

ث�رات م�شتباحة حممود حيدر

الفردية والنزعة الفردية مقابل حمبة الآخر )فيليا(

حيدر حاج ا�شماعيل

من التق�شيم اإىل التفتيت�شليمان بختي

فـ�شـلــيـة فـكريـة ثـقافيـة تـعنى ب�شــ�ؤون امل�شــرق

مئوية احلرب العاملية االأوىل 1914–2014

البعد الجتماعي لتك�ن املدينةاإميل عكرا

ق�شة جمم�عة الفيك�نت فيليب دي طرازي ال�شحافية

جنيب البعيني

امل�شاألة الفل�شفية يف �شعر ج�زف حربوفيق غزيزي

امل�شيحية امل�شرقية... حتديات وحل�لو�شام عبد اهلل

العدد رقم 3 - اآذار 2014

391

117

129

141

149

157

7

11

17

41

51

55

67

83

87

هيئة التحريرفاتن املر

عاطف عطيةح�سن حماده

ن�سري ال�سايغ

حتوالت م�رشقيةف�سلية، فكرية، ثقافية، تعنى ب�سوؤون امل�سرق واملنطقة

ت�سدر بالتعاون مع م�ؤ�س�سة �سعاده للثقافة

بناية ر�سامني، �سارع احلمرا، راأ�س بريوت، �سندوق بريد: 5557-113 بريوت - لبنان.

هاتف: 753363 )00961-1(فاك�س: 753364 )00961-1(

[email protected] :الربيد الإلكرتوينwww.saadehcf.org :املوقع الإلكرتوين

ت�سدر مبوجب قرار رقم 82 تاريخ 1981/7/6 �سادر عن وزارة العالم اللبناين

املواد املن�سورة تعرب عن راأي كاتبها

اال�سرتاك ال�سنوي - لبنانلالأفراد: 50 دولرا اأمريكيا

للموؤ�س�سات: 100 دولر اأمريكي

اال�سرتاك ال�سنوي - خارج لبنانلالأفراد: 100 دولر اأمريكي

للموؤ�س�سات: 200 دولر اأمريكي

ت�سدر يف طبعتني من فل�سطني ولبنانمدير عام طبعة فل�سطني: �سعاده م�سطفى اأر�سيد

هاتف: 0599305248�سندوق بريد: 41 جنني - فل�سطني

�سعاده م�سطفى اأر�سيد�سليمان بختي

�سركي�س اأبو زيد

املدير امل�سوؤول: �سركي�س اأبو زيد[email protected] :الربيد الإلكرتوين

هاتف: 751541 )00961-1(�سندوق بريد: 7179-113 بريوت - لبنان.

االخراج الفني: عالء �سقر

توزيع: النا�رشونبريوت - امل�سرفية، �سنرت ف�سل اهلل - طابق 4هاتف وفاك�س: 277088 - 277007 )00961-1(

خليوي: 975033 )00961-3(

3

راأي

مائة عام م�ست على احلرب العاملية الأوىل وما زال العامل يعي�س اأ�سبابها ونتائجها وتداعياتها. وما زالت احلروب تولد يف عقول الرجال والن�ساء ومتوت فيها. مائة عام وما زلنا نحلم بعامل بال حروب، بنظام عاملي بال ظلم، مبجتمعات بال عنف، بعامل عربي م�ستقر، ول يزال الـدرب

جمهول.اأ�ستاذ التاريخ يف اجلامعة المريكية يف بريوت روى لنا غري مرة الدكتور زين نور الدين زين اأنه كان يف زيارة اإىل اأحدى املتاحف يف النم�سا ووجد هناك العربة التي اغتيل فيها ويل عهد النم�سا الر�سيدوق فردنياند وزوجته يف حزيران 1914 على يد �سبان متمردين من ال�سرب. يتلم�س وراح ونتذوقه، ون�سمه ونح�سه نلم�سه التاريخ اإن القول ي�ستعذب زين زين وراح با�سابعه اآثار الر�سا�سات يف العربة ويقول »تلك الر�سا�سات اأ�سعلت احلرب العاملية الوىل«. ولكنه وجد ر�سا�ستني وراح يفت�س منهمكا عن الر�سا�ستني الباقيتني م�ستذكرا اأنهم اأطلقوا عليه اأربع ر�سا�سات. ولبث يفت�س ومل يجد حتى قالت له زوجته الر�سا�سة الثالثة والرابعة

اأ�سابته واأ�سابت زوجته واأردتهما.يف كانت العمق الأ�سباب ولكن للحرب مبا�سرا �سببا كانت احلادثة تلك اأن وال�سحيح ال�سباق اإىل الت�سلح والتحالفات والمربيالية والقوميات. وكل هذه املفاهيم ل تزال �سارية يف القرن احلادي والع�سرين واعادت ت�سكيله ولو مع فوارق على ما يقول الإجتهاديون. ولكن ماذا كان يحدث يف بالدنا؟ كانت املنطقة مع ظل احلكم العثماين )رجل ال�سرق املري�س( وكان التململ يف اأوجه والبحث عن م�ساريع قومية �سورية وعربية خارج اإطار تركيا وغالبا مب�ساعدة

قوى اأوروبية ) فرن�سا اأو بريطانيا( قيد التح�سري والتداول.بريوت. ولية يف الزراعية احلياة تطوير اإىل جهوده يوجه بك عزمي الوايل كان بريوت يف تاأ�سي�س مكتب تقرر بعدما 1914 لولية بريوت يف عام الزراعة اخل�سو�سية ميزانية وتقررت زراعي يف كل لواء من األوية بريوت. واأ�سدر الوايل امره بافتتاح مكتب اللبان يف ني�سان 1914 وكانت ولية بريوت ت�سدر اإىل اأوروبا حوايل خم�سة ماليني بي�سة يف ال�سنة. ونالت م�سنوعات

من التق�سيم اإىل التفتيت

4

راأي

بريوت الف�سية والذهبية رغبة واقبال يف اأوروبا على ما يذكر د.ع�سام �سبارو يف كتابه »تاريخ لطه والعمران« واحل�سارة التاريخ يف »بريوت كتاب من اآخر خرب ويف .213 �س بريوت« الويل �س 111 انه كان هناك نزاع بني احلكومة العثمانية ميثلها مديراملالية )الدفرتدار( وبني بلدية بريوت على حرج ال�سنوبر )حرج بريوت( اإذا حاول مدير املالية ال�ستيالء على احلرج واعرت�س جمل�س اإدارة البلدية م�سجال اأن احلرج هو ملك الهايل ومتنزههم الوحيد. وهكذا

�سجل احلرج على اأنه من اأمالك البلدية.ويف بريوت �سدرت جملة »فتاة لبنان« يف كانون الثاين 1914 وهي جملة اأدبية علمية روائية

ملن�سئتها �سليمة اأبي را�سد.ويف العام 1914 كان جربان خليل جربان يكتب يف بو�سطن كتابه »دمعة وابت�سامة« ويكتب

الر�سائل اإىل مي زيادة وماري ها�سكل وير�سم الفنانة المريكية روث �سان دني�س. ويف العام 1914 اأنهى اأمني الريحاين روايته »زنبقة الغور« يف ماريدا - املك�سيك.

و�سفربرلك والهجرة اجلوع معاناة ا�ستفحلت احلرب تركيا دخول ومع و�سوريا لبنان ويف والت�سييق على احلريات.

ويف العام 1914 كانت القوى ال�ستعمارية تخطط وتدبر لزرع اإ�سرائيل يف املنطقة وال�ستيالء على النفط يف املنطقة وتق�سيم العامل العربي.

يف بداية القرن املا�سي كان هناك ثالثة م�ساريع ح�سارية بح�سب ما يقول د.حممد عابد اأين ال�سرائيلي« وامل�سروع الوروبي الغربي وامل�سروع العربي احل�ساري »امل�سروع اجلابري فيها ق�سيدة يو�سف �سعدي العراقي ال�ساعر كتب عام. مائة بعد امل�ساريع هذه اأ�سبحت الكثري مما حل يف العامل العربي »منذ العام 1916 وحتى اليوم مل تزل اللغام على ال�سكة احلديد / ومل يزل لوران�س يقلب النظر يف ال�سحراء العربية«. مر القرن ومل يحدث �سيء.

قرن من اأجل الال�سيء.

5

راأي

مئة عام على احلرب العاملية الوىل والعامل العربي ينتقل من التق�سيم والتجزئة اإىل التفتيت. والتاريخ بالزيف. واحلقيقة بالنفاق، واليقني بالنفط، ميتزج والدم اأين؟ اإىل التفتيت ومن

بالأوهام والأ�ساطري.وال�سوؤال، كيف ميكن اأن ن�ستعيد اإرادة التغيري؟ كيف نعيد بناء م�سروعنا احل�ساري ون�ستاأنف دورنا يف التاريخ؟ كيف نعيد بناء الن�سان - القيمة ودوره يف املجتمع ؟ كيف نعيد العتبار للعقل واحلرية والكرامة الن�سانية؟ كيف ننتقل من القبيلة اإىل املدينة؟ كيف ن�ساعد املا�سي

اأن مي�سي وامل�ستقبل اأن يولد؟ كيف نعيد ترتيب الولويات وحتديد الهداف والآليات ؟ ويف يوميا تبنى الهوية احل�سارية ل اإن قال زمني ولكن من اإىل مدى اأ�سئلة كثرية حتتاج

خ�سم الحداث التحولت التي جتبهنا.

�سليمان بختي

دار كتب للن�سر �س.م.ل.بناية الربج، الطابق الرابع، �ساحة ال�سهداء الو�سط التجاري، بريوت، لبنان

�سندوق بريد: 4353-11، بريوت - لبنان.هاتف: 9/ 983008 )961-1(

فاك�س: 980630 )961-1( [email protected] :الربيد الإلكرتوين

www.kutubltd.com :املوقع الإلكرتوين

�سدر حديثا

ىلالأو

ية امل

لعاب ا

حلرية ا

مئو20

14 –

191

4

7

خطب لبنان و�سوريا1الدكت�ر خليل �شعاده

ل تزال الأنباء الواردة اإلينا من اأنحاء �ستى تدل على مبلغ ال�سيق وال�سقاء النازلني بوطننا التع�س، ومع اأن الأخبار التي وردتنا �سابقا فيها غلو ومبالغة، فاحلقيقة اأن كثريين من ال�سوريني على نوع

عام واللبنانيني على نوع خا�س ميوتون جوعا.اأطلعنا منذ ب�سعة اأيام اأحد اأ�سدقائنا من م�ساهري جتار العا�سمة على كتاب ورده حديثا من اأخيه

يف املتني من قائم مقامية املنت يف لبنان جاء يف عر�سه ما ياأتي:»كل من يقدر على اإر�سال نقود اإىل اأهله ينقذهم من املوت جوعا، فالذي يحدث يوميا يف لبنان

خا�سة، ب�سبب اجلراد الذي اأتى �سابقا وقلة الأمطار« وقد ق�س املراقب ب�سع كلمات منه.فمرور هذا الكتاب على يد املراقب، وبقاء هذه ال�سذرة فيه دليل وا�سح على مبلغ ال�سقاء الذي

حل بالوطن، وتاأييد لالأنباء التي وردتنا من اأنحاء �ستى على ما اأملعنا اإليه يف حينه.فاملوت الأبي�س حل ب�سوريا دون م�ساحة، ول يزال يفتك بها فتكا ذريعا وكل من يرمي اإىل ت�سكني الأفكار الثائرة واخلواطر امل�سطربة �سرب من الت�سكني الذي ل يجوزه �سرع اأو عقل، فالعاقل من ت�سع كالنعامة فيكون اأغم�سهما من اتقائه لمن بو�سائل اأعرف يكون للخطر حتى عينيه فتح

راأ�سها يف الرمال ل تب�سر ال�سياد الذي يجري لقتنا�سها.ولقد كتبنا مرارا بهذا املو�سوع، ويف املرة الأخرية اأن اإر�سال املال اإىل الوطن هو الو�سيلة الوحيدة الآن لإنقاذ مواطنينا من املوت جوعا، فكل من يغرر باللبنانيني وال�سوريني ويزين لهم اأن ل جماعة

ال�سورية يف اجلالية اأبناء اإىل 1916 �سنة الأول ت�سرين �سعاده يف الدكتور خليل وجهه الذي الرابع النداء 1الأرجنتني يحثهم فيها بو�سفه رئي�سا للجامعة ال�سورية على تقدمي العون وامل�ساعدة ملنكوبي املجاعة يف الوطن.ن�سر هذا النداء يف »املجلة«، اجلزء الثامن، ال�سنة الثانية، بون�س اأير�س، يف 1 ت�سرين الأول �سنة 1916. وي�سدر

قريبا يف املجلد الأول من كتابات الدكتور �سعاده بعنوان »�سورية من احلرب واملجاعة اإىل موؤمتر ال�سلح«.

8

يف الوطن يرتكب اإثما نحو مواطنيه، وكذلك كل من يقول اإن بعدم و�سول الإعانات خ�سو�سية كانت عمومية.

ن�سرنا لقراء املجلة كتابا وردنا من ر�سل كارتر اأمني خزينة اجلمعية الأمريكية يف نيويورك يرى فيه املطالع بيانا �سافيا ملا حل بالأموال املر�سلة اإىل الوطن واأن هذه الأموال مل ت�سل بدون اأدنى �سبهة اأو معار�سة. وليكن ال�سوريون على ثقة من اأن الر�سالة الأمريكية التي وقفت نف�سها على عمل الرب ور�سيت اأن تقوم لل�سوريني بهذه اخلدمة اجلليلة �سفقة ورحمة بنا ل تر�سى حلظة واحدة اأن تكون اأعلنت باإعاناتنا لكانت اأموالنا ونهب مواطنينا، فلو راأت اإجحافا بحقوقنا وجمازفة و�سيلة لبتزاز اجلوايل ال�سورية طرا بعدم قبولها تويل اإر�سال الأموال �سواء ذكرت ال�سبب الذي يحدو بها اإىل ذلك اأم مل تذكره، كما فعلت جلنتها يف الأ�ستانة على ما جاءت تفا�سيله يف الكتاب امل�سار اإليه، فاإن هذه اللجنة التي كانت تتوىل توزيع الإعانات على الأرمن اأعلنت ا�سطرارها اإىل النقطاع عن

ذلك دون اأن تاأتي على تف�سيل ما بهذا ال�سدد.املوقف موقف موت اأو حياة والنكبة ل مثيل لها يف تاريخنا، وقد بداأت تت�سرب اإلينا اأنباء الأوبئة التي اأنباأنا بحدوثها قبل اأن يردنا �سيء من اأخبارها، فاحلمى التيفو�سية والتيفودية والدو�سنطاريا اإنها من م�ساحبات ونتائج احلروب واملجاعات فتكت ول تزال تفتك مبواطنينا التي قلنا حينئذ فتكا ذريعا، وكان من تعا�سة وطننا اأن اأ�سيف اإىل هذه الأوبئة وباءان اآخران هائالن هما الطاعون

والهواء الأ�سفر.

البلجيك فاأ�سيبت فعال من الأمم تنال عطفا اأن به �سوريا دون رزئت مبا رزئت اأن بالدا ل نظن برزايا عظيمة، وحلت بها نكبة قد تكون اأعظم نكبات العامل ولكن خطبها كان اأ�سبه بزوبعة هوجاء

�إر�شال �ملال �إىل �لوطن هو �لو�شيلة �لوحيدة �الآن الإنقاذ مو�طنينا من �ملوت جوعا، فكل من يغرر باللبنانيني و�ل�شوريني ويزين لهم �أن ال جماعة يف

�لوطن يرتكب �أثما نحو مو�طنيه

كان و�لعامل �شوريا بني �لطريق فتحت متى الأن �أ�شرة حد�د، مناحة ويف كل عائلة يف كل من مل يفقد �أبا �أو �أما �أو �أختا �أو �بنا فقد قريبا �أو

�شديقا، فاحلا�شر قامت و�مل�شتقبل مظلم

9

مئوية احلرب العاملية االأوىل 1914 – 2014

هدمت املنازل واقتلعت الأ�سجار ولكنها مل تلبث اأن هجعت وعاد من بقي حيا من اأهلها يتن�سق نوائب تذيب بال�سرب لأمرا�سه ودواء لإنعا�سه. حلت ال�سباح ويجد قوتا حلياته وطبيبا ن�سمات القلوب وتفتت الأكباد واجتاحتها احلمى التيفو�سية، ولكنها وجدت عطفا عليها من الغري فاأر�سلت الوباء براثن ميوتون بني اأهلها فاإن الطالع املنكودة �سوريا اأما تباعا. الأحمر ال�سليب بعثات اإليها

وخمالب املجاعة دون اأن ي�سمع العامل لهم �سوت ا�ستغاثة.ميوتون دون غذاء ول طبيب ول دواء.متى فتحت الطريق بني �سوريا والعامل كان يف كل عائلة مناحة ويف كل اأ�سرة حداد، لأن من مل

يفقد اأبا اأو اأما اأو اأختا اأو ابنا فقد قريبا اأو �سديقا، فاحلا�سر قامت وامل�ستقبل مظلم.وبني عاملي الرجاء والياأ�س يقف فريق كبري من اأفراد اجلوايل ال�سورية �سارفا وقته الثمني بالأ�سئلة

عن حقائق الأخبار وم�سادرها. مي�سك الرجاء �سماله وي�سل القنوط ميينه.اأوقاتها مبناق�سات عقيمة وجمادلت �سقيمة واملوت يح�سد يف اأخذ ورد وتقتل اللجان بني تقف خالل هذه الفرتات الذهبية �سفوفه ح�سدا، ومتى اتفقت اآراوؤهم قد ل يبقى من لزوم لراأي على الإطالق، لأن الذين من اأجلهم اأقيمت اللجان واختلفت الآراء يكونون قد رحلوا اإىل ديار الأبدية.

يجب اأول اإر�سال الأموال دون اأدنى اإبطاء لأن املوت ل ينتظر اأحدا.من اأراد اأن ينقذ اأهله من املوت جوعا فلري�سل اإليهم الآن مال.

اأتينا يف اجلزء املا�سي على ذكر النباأ الربقي القائل باأن احلكومة العثمانية اأذنت للوليات املتحدة باإر�سال اإعانات اإىل �سوريا تتوىل توزيعها جلنة اأمريكية، وقلنا حينئذ اإننا ل نكون على ثقة يف �سيء من ذلك ما مل يردنا ثبت لهذا النباأ من وزارة اخلارجية نف�سها. ومع اأن النباأ الربقي امل�سار اإليه قد تكرر فال نزال بني ال�سك واليقني، ونرجح عدم �سحته لأنه ل يقرب العقل اأن تكون احلكومة العثمانية قد اأذنت للوليات املتحدة دون اأن تردنا ر�سالة برقية بهذا ال�سدد من جلنة نيويورك اأو �سواها، ولكننا

نظن اأن احلكومة الأمريكية ل تزال متابعة �سعيها من هذا القبيل ول ندري ما تكون نتيجته.

تقف �للجان بني �أخذ ورد وتقتل �أوقاتها مبناق�شات عقيمة وجمادالت �شقيمة و�ملوت يح�شد يف خالل هذه �لفرت�ت �لذهبية �شفوفه ح�شد�، ومتى �تفقت �آر�وؤهم قد ال يبقى من لزوم لر�أي على �الإطالق، و�ختلفت �للجان �أقيمت �أجلهم من �لذين الأن

�الآر�ء يكونون قد رحلو� �إىل ديار �الأبدية

10

واملاأخوذ من روايات بع�س الأمريكان الذي كانوا يف �سوريا اأن احلال فيها بالغة منتهى ال�سقاء، فقد �ساهد بع�سهم كثريين من الرجال والن�ساء ي�سقطون يف ال�سوارع وبينهم اأي�سا فريق من الأولد،

وكلهم يفت�سون عن ك�سرة من اخلبز ي�سدون بها الرمق.

وظاهر من جممل الروايات اأن احلال يف لبنان اأ�سد منها حراجة يف �سائر املوا�سع، واأن النا�س تهلك ب�سرعة �سواء بعامل اجلوع اأو الوباء وطبيعي اأن يكون ال�سيق يف لبنان اأكرث منه يف بقية اأنحاء �سورية لأن اأرا�سيه الزراعية قليلة جدا ل تكفي �سكانه، واملوا�سالت بني جهاته متعذرة وهو يعتمد يف

غذائه على ما كان يرده �سابقا من حوران و�سهل البقاع.وقد قال بع�س الأمريكيني الذين كانوا يف لبنان اأنه ل يوجد �سوى مو�سع واحد فيه احلبوب وهو عاليه، واأن احل�سول عليها متعذر، فيتقاطر اللبنانيون اإىل هناك زرافات وي�سطرون اإىل النتظار ردحا

من الزمن قبل اأن يتمكنوا من احل�سول على �سيء قد ل يكون فيه كفاية له.بابا ال�سقاء ول نرى فاإن احلال يف لبنان ل تزال على ما كانت عليه من ومهما يكن من الأمر، للفرج اإل اإذا �سمحت الدولة العثمانية للحكومة الأمريكية اأن تر�سل ما عندها من املواد الغذائية لتوزع على يد الأمريكان اأنف�سهم، لأن الدولة اإذا مل تذعن ل ي�سمح للحلفاء بدخول �سيء من

املواد اإىل �سوريا.

�حلبوب فيه و�حد مو�شع �شوى يوجد ال متعذر، عليها �حل�شول و�أن عاليه، وهو زر�فات هناك �إىل �للبنانيون فيتقاطر �لزمن من ردحا �النتظار �إىل وي�شطرون قبل �أن يتمكنو� من �حل�شول على �شيء قد

ال يكون فيه كفاية له

ىلالأو

ية امل

لعاب ا

حلرية ا

مئو20

14 –

191

4

11

يف وداع املا�سي وامل�ستقبل احلرب العاملية االأوىل خداع ثقايف ب�سهادة احلا�رش

جنيب ن�شري - باحث

ميكن النظر اإىل احلروب من مئات الزوايا ح�سب املكان والزمان، كما ميكن النظر اإليها من �ستى املنابت واملعايري الثقافية املعلوماتية واملعرفية، فاحلرب حتى ولو مل تكن فعال ا�ستثنائيا يف احلياة اأق�سى ميالأ الفراغ بني النظري والعملي يف �سباق امل�سالح، ولعل احلرب اأنها فعل اإل الب�سرية، العاملية الأوىل كفعل »غربي« بامتياز كانت تعبريا عن ذاك الحتقان الثقايف الذي اأنتجه فائ�س القوة املعرفية يف جتلياتها التكنولوجية املجردة قبل امل�سخ�سة، ما عرب عن ان�سداد ت�سويقي لثقافة ع�سر النه�سة وجتلياتها ونتائجها كمنتجات فائ�سة، لتو�سف هذه احلرب باحلرب من اأجل التجارة، من هذه الزاوية ميكننا النظر اإىل هذه احلرب كنتائج و ماآلت ثقافية اأودت بامل�سرق اإىل ما فيه الآن.فهذه احلرب د�سنت التغريات الثقافية اعتبارا من بدايتها، بناء على احتياجات اأطرافها املحلية ال�سرفة يف �سباق حمموم نحو الأ�سواق؟ اإنها الأ�سواق التي حتتاج اإىل ثقافة من نوع معني ودرجة اأو بالأحرى �سلعة ع�سر الأنوار العاملية، فهذه ال�سلع حتتاج معينة كي ت�ستوعب ال�سلعة الغربية، اإىل حد اأدنى من ثقافة توؤهلها ل�ستهالك بو�سفها تكنولوجيات م�سخ�سة، دون املخاطرة بفقدان امل�ستهلك يف حال حاز على املعرفة الأنوارية، فكلما ازدادت هذه املعرفة ارتقت وازدادت اأنواع املدافع كانت فبينما احلرب، النظر)وتذكر( هذه ميكننا الزاوية ومن هذه الإ�ستهالك، ونوعيات من العديد يف والإجتماعية الأنرتوبولوجية، درا�ساتهم ي�ستكملون امل�ست�سرقون كان تق�سف مناطق العامل، م�ستخدمني مناهجهم العلمية كتكنولوجيا، تاركني عملية اإح�ساء وتقدير كمية ونوعية الأفواه التي �ستتناول منتجاتهم لدولهم التي تاأ�س�ست على تكنولوجيات ع�سر الأنوار، مقرتحني اأجنع ال�سبل للو�سول اإىل تلك الأفواه وربطها مع فائ�س القوة املعرفية املتمثلة بالإنتاج، اأقل حتى ل ي�سنع تكد�س فائ�س القوة املعرفية هذا فراغا يجب ميالأه العنف الإجتماعي على

تقدير، اأو الدويل على املدى الأبعد.ما يهمنا من تذكر هذه احلرب، يف ذكراها املئوية الأوىل، هو ماآل منطقتنا التي مل ت�سارك يف هذه اإىل تاأثر م�ساحلها ب�سدة، ل بل تقرر م�سريها )ورمبا الرغم من احلرب كطرف ذي م�سلحة على اأخرى، ب�سياغة اأو ت�سغله م�ستقبال، الذي �سوف الإنتاجي بناء على احليز به، الأبد( كمفعول

12

تقدير معريف لفائ�س القوة التي ميكن اأن تتوفر لديها م�ستقبال، يف حتول بنيوي ملفهوم الإ�ستعمار وال�سيطرة، الذي يت�سمن وي�سمن م�ستقبله اأي�سا، الذي �سوف يتحول رويدا اإىل مفهوم »الرميوت كونرتولية« اأو التحكم عن بعد، الناجت عن الإقبال على ا�ستهالك امل�سخ�س من التكنولوجيات والإعتياد عليها، والإعرا�س عن املجرد منها ككتلة معرفية �سعبة اله�سم، يف اإ�سارة اأنرتوبولوجية اإىل اجلينات الثقافية التي ميكن احلفاظ ذاتيا عليها دون تكاليف تذكر، كبوؤرة تلقي لأوامر التحكم عن بعد، يف ا�ستخدام ما بعد كولونيايل لهذه اجلينات الثقافية املر�سودة واملدرو�سة وفق املناهج الأنوارية، التي هي وباملنا�سبة، مل تكن ممنوعة على اأحد من القادرين على حتمل اجلرعات العلمية ال�سادمة للجني الثقايف، الذي تعر�س الغرب نف�سه لها وا�ستطاع بجهد كبري تقبلها وتفعيلها خالل

ال�سنوات التي تلت الثورة الفرن�سية.مل تكن هذه اجلرعات العلمية، كتكنولوجيات جمردة، بعيدة عن متناول املنطقة ول هي باملمنوعة عليها، فع�سر النه�سة ونخبته، ابتداء من 1850 كان قد تلقى هذه اجلرعات، واأعاد اإنتاجها نظريا )قناة الأ�سواق هذه حتديث اأدى الذي الأ�سواق على الغربي ال�سراع خ�سم يف الأقل، على ال�سوي�س، واخلط احلديدي برلني /دلهي، مثال( ولرمبا كان لفرن�سي�س مرا�س احللبي ق�سب ال�سبق يف روايته )غابة احلق( حول الثقافة التاأ�سي�سية ملجتمع احلداثة املطلوب، عرب مقاربة مو�سوع ترافق تلك اإخال�س، حيث بدت وبكل وبال�سرورة معا واملجردة امل�سخ�سة التكنولوجيات ا�ستخدام طبيعتها ب�سبب تكرارها، ال�سعب من كفر�سة بها، والأخذ عليها والعمل الثقافية اجلرعات التاأ�سي�سية من جهة، وب�سبب و�سوح ماآلت الرتاكم املعريف العاملي التي �سوف يحوز عليها ويعيد اإنتاجها وا�ستخدامها، من هو قادر على ممار�ستها والتفاعل معها وتفعيلها ل�ساحله، كقوة ذكية بغ�س النظر عن عنفها الفيزيائي اإذا وجد. ومع ح�سور احلرب العاملية الأوىل بق�سرها الفيزيائي، كانت ثقافة، مل حتتمل جيناتها اأطوار خائبا من قد هزمت وحتولت طورا العتيد ل�سرقنا املعرفية البنية ومن بلفور وعد بيكو ولحقا �سايك�س/ ا�ستقبال الآن( يف )وحتى فف�سلت املعرفية، اجلرعات اأهدافها على 1897 كتكنولوجيات جمردة قادرة على حتقيق ال�سهيوين الأول بال قبلهما موؤمتر ي�ستطع الواقع، ومل اأر�س وعلى عمليا ودرا�ستهم امل�ست�سرقني تقارير الأر�س، حيث �سدقت التكنولوجيات ا�ستيعاب امل�ست�سرقني( من هوؤلء توقعات يومنا هذا )ح�سب امل�سرقيون حتى

املجردة )من اأهمها املجتمع والدولة (حتى يومنا هذا.العاملية للحرب احلربية الفعاليات من امل�سرقي اجلزء هي الكربى، العربية »الثورة« تبدو عمليا و�سوحا اأكرث التغيريي تاأثريها ناحية من فهي حتديدا، الإنكليزية الرتكية اجلبهة على الأوىل، تاأثري حرب الرتعة )قناة ال�سوي�س( و�سفر برلك معا على املنطقة، هذه »الثورة« التي قادتها من امل�ست�سرقني ملكت�سفات خا�سع �سيا�سي كتقني مكماهون عرب امل�سري، موقعها من بريطانيا يحرك املعارك كتقني معريف عرف كيف قاد الذي العرب ولوران�س العلمية، الأنرتوبولوجيني الأمور بناء على علمه بالطبائع الثقافية لأهل املنطقة من بالد ال�سام حتى جند واحلجاز و�سحرائهما

13


املحيطة، يف ا�ستخدام عملي للتكنولوجيا املجردة، التي ترافقت مع العمليات احلربية كتكنولوجيا م�سخ�سة، حيث غطى الإنكليز النق�س امل�سرقي يف هذه التكنولوجيا املجردة، من حيث تاأمني الأر�سية الثقافية )العرب اأمة واحدة( ومن ثم ا�ستغاللها، ليتم ت�سنيع اأر�سية ثقافية اأيديولوجية مبعناها العروبة ت�سنيع فتم وتقا�سمها، بيكو �سايك�س اأرا�سي على للح�سول وا�ستعمالية مواربة البداهي، غري الإرادي، على اأ�سا�س اأننا اأمام اأمة مكتملة، من دون املرور يف حمطة املجتمع، مبعنى اأن الأمة الواحدة هي جمتمع واحد وهو اأمر ل يخفى على انرتوبولوجي اأو حقوقي!، وا�ستعملت العروبة كو�سفة ثقافية مرجتلة تقوم مرحليا )ريثما يتم الإقت�سام( بدورها كتكنولوجيا مب�سطة قابلة لالإ�ستيعاب من قبل �سعوب مل تتعر�س لإ�سعاع ع�سر الأنوار )وترف�س التعر�س اإىل يومنا هذا(، يف ا�ستثمار جمحف وغ�سا�س لثقافة �سعبية ما قبل تكنولوجية، ت�ستطيع منظومة �سايك�س/ بيكو العثمانية مع �سعب املنطقة امل�سماة الهالل اخل�سيب ل�سالح مملكة عربية عربها تفكيك العالقة واحدة قوامها الزعامة الدينية/ اللغوية، يف وقت كانت اإنكلرتة والغرب عموما قد جتاوز واأ�سقط من ح�سابه هكذا تكنولوجيات يف عملية تاأ�سي�س جمتمعاتهم م�ستخدمني ثقافة حداثية �ساحلة عرب بامتياز، ثقافية كانت الكربى اخلداع عملية ولعل املنتجة، الأمة املجتمع/ م�سروع لإقامة دعم حرمان الهالل اخل�سيب والعربة معا من تكنولوجيات الإجتماع الب�سري، التي عرب مبرارة عنها امللك في�سل الأول بخذلن الإنكليز والدول املنت�سرة يف احلرب بتخليهم عن هذه العروبة له، يف هذا اأمة عربية بتاأ�سي�س بنكوثهم بعهدهم على مملكة عربية واحدة(- -)بتن�سيبه ملكا املجال بال�سبط اأي يف املجال الثقايف حتديدا يظهر ا�ستثمار »الثورة« العربية كمعرفة تكنولوجية واهية، )نظرا ل�سرورة الثقايف حتى ولو كان واهيا(، ولي�س يف تفكيك »الوحدة العربية« اأو بحرمانه من عر�س هذه اململكة كما راآها جاللته، ول يف ا�ستبدال الإحتالل الغربي بالإحتالل العثماين، ال�سهرية، في�سل/وايزمن وثيقة بتوقيع ذاته في�سل امللك الثقافية( اخلديعة )اأي توجها والتي للثورة، املجرد النوع من تكنولوجية كاأر�سية اعتمدت التي املعرفية اجلرعة واهية على تاأكيدا والتي توازي وت�ساوي متاما هزمية رجال النه�سة و�سايك�س بيكو ووعد بلفور من حيث املبنى الثقايف نتائج وب�سرعة املجتمعات، حيث جتلت تاأ�سي�س تكنولوجيا من احلرمان اإىل انتهت التي لها، ف�سل م�ساعي رجال النه�سة )بعد الثورة( يف ا�ستحداث قابلية ل�ستعمال التكنولوجيات املجردة، لأ�سباب حملية متاما، مهدت وان�سجمت مع التطلعات الإ�ستعمارية بوجهه الإنتدابي، وا�ستمرت امل�ستويات على تذكر، ايجابية فعالية دون الأوىل العاملية احلرب منتجات من كمنتج العروبة البنيوية وغريها لغاية يومنا هذا، حتى اأنها مل ت�ستطع حتى اليوم اأن حتقق اأدنى غاياتها بدائية اأو

اأكرثها اأولوية بالن�سبة لها. مفهوم وو�سع الأمم، ع�سبة كانت نتائجها وكاأحد الأوىل العاملية احلرب من الثاين امل�سهد يف الإنتداب، فع�سبة الأمم )كما الأمم املتحدة بعد احلرب العاملية الثانية( وجدت لتن�سيق امل�سالح للمجتمعات احلقيقي احل�سور حتديات خالقة املتناف�سة، املنتجة املجتمعات بني والقت�سامات

14

توليد دولة، ولعل القادر على تاأ�سي�س املجتمع اإىل بامل�سارعة النامية، كغاية عليها الإجتاه نحوها يف اخل�سيب الهالل بقاء يف رئي�سي �سبب هو الأنوار ع�سر ثقافة من احلرد اأو الثقايف، احلرد الإنتداب، فكرة اخرتاع يف الرئي�سي ال�سبب كان واأي�سا هذا، يومنا اإىل احل�ساري القاع هذا فالإنتداب قول وفعال هو احتالل وا�ستعمار على كافة امل�ستويات ومبباركة ع�سبة الأمم من جهة ومبباركة الفراغ الثقايف من جهة اأخرى، )امل�سحك املبكي اأن هذه التجمهرات الب�سرية امل�سرقية بنية تكنولوجية جمردة ت�سنيع بد من اإذ كان ل ،).. املعريف بالإكتمال ت�سعر زالت وما كانت الإنتاج فوائ�س ما بطريقة ليقارب الإ�ستهالك، مب�ستوى الإرتقاء على قادرة مب�سطة كانت ولو لديها من التكنولوجيات امل�سخ�سة وهنا كانت اخلديعة الثقافية الثانية، وب�سبب الإنتداب عرف املياه موؤ�س�سات م�سخ�سا يقابلها واملدار�س، احلكومية وال�سلطات والربملان الد�ستور امل�سرقيون والكهرباء والرتومواي وال�سيارات وماكينات اخلياطة اإلخ، وكل ما ميكن اأن تنتجه م�سانع ومزارع تلك الدول املنت�سرة من �سلع، �سوف ي�سبح الإعتماد عليها هو مبثابة انتقال من ع�سر اإىل ع�سر، ولكن هذا الإنتقال مل يبد ارتقائيا باملرة، ولهذا ال�سبب مل ي�ستطع امل�سرقيون ا�ستقبال »املوؤامرات« عليهم حتى لو اكت�سفوها، اأو اأبلغت لهم، لأن الأمر متعلق بالتكنولوجيات املجردة، التي رف�سوا الالحقة، وعلى التنويرية الفر�س الرغم من كل به، على املفعول اإطار وظلوا يف لها، الإن�سياع

الرغم من ا�ستعمالهم لكل التكنولوجيات امل�سخ�سة واإدمانهم عليها.مل تقم احلرب العاملية الأوىل على �سبب عاطفي، ول على خالف ايديولوجي ديني اأو اأخالقي، الواعدة على اأي�سا، فمنطقة ال�سرق الأو�سط بل قامت على امل�سالح الآنية منها وال�سرتاتيجية امل�ستوى اجليوتكتيكي، ل ميكن الناأي بها عن تلك امل�سالح، خ�سو�سا اأن اخلالفة العثمانية كانت الداخلية ول م�ساعدات التحديث تنفع معها ل حماولت اإىل لدولة، ومل بالتحول بداأت قد الأملان يف التحديث اإذ بقيت هي اأي�سا يف جمالت التكنولوجيا امل�سخ�سة، مل تكن �سايك�س بيكو �سد اأو مع �سعوب هذه ال�سلطنة املحت�سرة، فهي ل حتبهم ول تكرههم، ول تنوي الإعتداء عليهم بت�سليح متت »املجيدة« العربية فالثورة م�ساحلها، حتقيق ملخططات الإن�سياع على لق�سرهم اإل وم�ساركة اجلي�س الربيطاين، وهذا اأمر طاملا اأغفلته املنتجات »الثقافية« الناطقة بالعربية، ولول ذلك هذه عند ، يتعاملون من مع متاما يعرفون فهم بوعودهم، النكث باحلرب املنت�سرون ا�ستطاع ملا النقطة بالذات توقف امل�سرقيون،عند هذه النقطة العاطفية الأخالقية رافعني النقيق وال�سكوى من الإحتقار والإعتداء، على اأ�سا�س ما يقدرون على فهمه من توجهات ال�سيا�سة العاملية اآنذاك، ومل ينتبهوا اإىل احلقيقة الواقعية اإل مرات قليلة كان من ال�سهل اإجها�سها )املوؤمتر ال�سوري الأول 8 اآذار 1920 مثال(، موؤ�س�سني لنظرية املوؤامرة من موقع �سحل اأخالقيا ومعرفيا، دون فعل تاأ�سي�سي يذكر)حول فيما بعد الإ�ستقاللت اإىل ورطة(، ليتم التعامل مع الكيانات الناجتة عن هذه احلرب ككيانات اأزلية غري قابلة للفناء اإل على يد من اأ�س�سها، ومت التنظري لها واأدجلتها على اأ�س�س غري اأو اأي حماولة ارتقاء اإىل نقطة ال�سفر، بالقوة الذاتية لثقافة هذه جمتمعية، ليعود ناجت اي حراك

15


اإىل باأية �سفة تقنية، تودي تاأ�سي�س جمتمعاتها الكيانات، التي لن تقوى بعد تلك احلرب على توليد دولة معا�سرة ميكنها رعاية م�سالح »جمتمع« والدفاع عنه، والتناف�س مبنتجاته، من هنا تبدو 1920( �سنوات موؤ�س�سة لعاهات امل�سرق، بينما كانت هي ال�سنوات احلا�سنة للحرب )1910 - نف�سها فرتة تثبيت ملنجزات الع�سر الأنواري يف العامل، والإعالن عن عقد اأممي تناف�سي جديد يعرب عن حيويات الأمم ومكانتها باأدوات خمتلفة ومظاهر متحولة وقا�سرة، بعيدة عن ترهات التف�سريات بعد الكيانات هذه لتظهر منطقتنا، كيانات بها ات�سمت التي البدائية والأخالقوية العواطفية احلرب كمح�سلة للتوازنات الأممية التناف�سية، وكاأنها تعر�ست اإىل تعديل يف اجلني الثقايف ر�سيت

به وذادت عنه. اأملانيا وتركيا(، نتائج حتملت البلدان املهزومة التي ا�سرتكت يف احلرب العاملية الأوىل )خ�سو�سا طريق عن اأو الأمم ع�سبة طريق عن كان اإن امل�سرق، بلدان اإليه تعر�ست مما بكثري اأق�سى هي البلدان املنت�سرة منفردة اأو جمتمعة يف موؤمتر فر�ساي 1919، لدرجة اأنها كان من املمكن اأن ت�ستباح كغنائم حرب، ولكن هذه البلدان مل تلق م�سري الهالل اخل�سيب، اإما لثقافتها الأنوارية )اأملانيا( توؤ�س�س اإىل الإلتحاق بالثقافة الأنوارية التي اأو بامل�سارعة تاأ�سي�سه �سابقا، ذات املجتمع الذي مت على موؤ�س�سة البلدين ا�ستمرارية لتبدو اأتاتورك، بها قام التي العلمانية الثورة بوا�سطة جمتمعا اأن ا�ستطاعت �سنة اأملانيا وخالل ع�سرين اأن لدرجة واملجرد، امل�سخ�س بفرعيها واملعرفة الثقافة وا�سعة يف حماولة ل�ستعادة مكانتها، يف املقابل بداأ امل�سرق يف ت�سجيل تراجعات تخو�س حربا ح�سارية وا�سحة على الرغم من مقدرته اجلزئية على ا�ستهالك التكنولوجيات امل�سخ�سة، متثل ذلك يف الق�ساء املربم على كل النخب واحلراكات الأنوارية الواعدة من رجال نه�سة وما تالهم مار�سوا الذين طليعتهم( )الع�سكر املثقفني اأيدي بني البلدان م�سائر لت�ستقر تنوير، رجال من توفيقية تلفيقية بني التكنولوجيات املجردة وامل�سخ�سة ت�سبه متاما التلفيقية التي مار�سها املنت�سرون اإىل يعيدنا ما الهالل اخل�سيب، العربية الكربى، و�سعب »الثورة« العاملية الأوىل جتاه يف احلرب التجربة ورمبا كانت الأوىل، العاملية لها يف احلرب املوؤ�س�س بعد التحكم عن اأو الرميوتكونرتولية اللغوي )ال�سفهي التلفيقي الدمج على باهرا مثال كملكية، وال�سعودية كجمهورية، النا�سرية تكنولوجيا كل بدت حيث وامل�سخ�سة، املجردة التكنولوجيات بني ثقايف( تقدير اأبعد على جمردة )كالدولة، واملجتمع، والأحزاب، والعقد الإجتماعي واحلرية امل�سوؤولة اإلخ.. اإلخ( موجودة ومفقودة يف اآن معا، مبعنى اأنها وهمية وقابلة لالإنهيار بلحظات وبقواها الذاتية، وهنا يبدو الفارق املعريف �سا�سعا، بني البلدان التي مار�ست ال�سعارات وراكمتها ، وبني البلدان التي راكمت املعرفة ومار�ستها، حتى ليبدو للمطلع على اآخر املعارف اأن الفارق اأ�سبح فلكيا واأن العامل �سينق�سم )اإذا واآخر قادر على حتمل م�سوؤولية احلياة اأحدهما ب�سريني، نوعني اإىل وانتهى( انق�سم قد مل يكن يواجه الإ�سطفاء الطبيعي، لذلك تبدو احلرب العاملية الأوىل ونتائجها كمفرتق اأ�سا�سي وعميق، مل ي�ستطع هذا امل�سرق التع�س اللحاق به لأ�سباب ذاتية اأول، وبرعاية املنت�سرين يف هذه احلرب.

16

لكي تكون رابحا اأو خا�سرا يف اأية لعبة يجب اأن تكون م�ساركا فيها اأول، يف احلرب العاملية الأوىل، عرب ،1919 فر�ساي موؤمتر جتلى يف ما وهذا م�ساركة، العربة ول اخل�سيب الهالل بالد تكن مل احل�سور الفكاهي ملمثلي امل�سرق، حيث تبلغ امللك في�سل ر�سميا نتائج تلك احلرب، مطلقا �سعاره املرير )لي�س بالإمكان اأف�سل مما كان( لندخل يف دوامات ومعارك ثقافية جزافية، كاملفا�سلة بني الإ�ستعمار العثماين والغربي، اأو بني العروبة البدهية والأقليمية املعقدة، اأو بني الرتاث واملعا�سرة، نا�سني متاما الق�سية الأ�سا�سية هي تاأ�سي�س املجتمع مبعناه الأنواري حتديدا، كي ن�ستطيع الإ�ستجابة للتحديات ون�سبح م�ساركني يف اللعبة التناف�سية لالأمم بهيئتنا الإجتماعية القادرة على الإنتاج، اإ�سكندرون - الأحواز( دون اأجزاوؤها )فل�سطني - كيليكيا- وهكذا مت تق�سيم البالد وت�ساقطت »للدول« املتفاخرة ال�سريورة على الت�ساقط هذا يوؤثر اأن ودون اخلارج، اأو الداخل من جمري طائفية اأهلية بحروب نرفل واليوم الإ�ست�سراقية، درا�ساته على بناء ثقافيا الإنتداب لها ف�س كما تعرب بال�سرورة عن ثقافتنا البهية التي رف�ست وملا تزل ثقافة ع�سر الأنوار وتكنولوجياته كطريق لالإ�سرتاك يف احلياة، وهي الآن غري قادرة حتى على التعاي�س مع اأي اآخر ورمبا مع نف�سها اأي�سا،

تاأ�سي�سا على وعد بذله النكليز يف احلرب العاملية الأوىل بتاأ�سي�س اأمة ودولة ولكن بال جمتمع .مل تكن احلرب العاملية الأوىل من الوجهة الثقافية، اإل الإعالن عن تبلور مفهوم الأمة/الدولة، املفهوم من لالإنتقال فر�سة كانت بذلك وهي املعرفة، على املبينة الإرادية الق�سدية ب�سفتها العثماين )الرتاثي( للدولة املوؤ�س�س على الغلبة اإىل املفهوم احلديث املوؤ�س�س على الثقافة احلقوقية،

تهيئا للدخول اإىل قوام عاملي تناف�سي، ل مكان اأو مكانة فيه ل�سعيف...... معرفيا.

ىلالأو

ية امل

لعاب ا

حلرية ا

مئو20

14 –

191

4

17

حتوالت الفكرة القومية يف امل�رشق العربيقبيل احلرب العاملية االأوىل وبعدها

اأ�شامة �شمعان - باحث واأكادميي

مقدمة

تعددت اآراء الباحثني حول ظهور الفكرة القومية لدى الأمم، فمنهم من قال اإن الفكرة القومية ظهرت منذ القدم، ومنهم من حدد القرن التا�سع ع�سر ع�سرا لظهور القومية عموما.

وحيث اأنه ل يوجد معايري موحدة لظهور القومية، �سوى اأنها ظاهرة اجتماعية-اإن�سانية، وهي نتاج لتطور عوامل معقدة ولطيفة يف اآن من اقت�سادية واجتماعية ونف�سية وثقافية.

اإن وجود القومية �ساأن ل ريب يف وجوده، كونها �سعور الفرد ب�سخ�سية اأمته بالإ�سافة اإىل �سعوره ب�سخ�سيته، ولهذا فاإنني اأميل اإىل العتقاد بقدم القومية ال�سورية يف الهالل اخل�سيب، التي رمبا اإبان الدولة الأمورية - البابلية الأوىل )1758-2006(، وحتديدا يف فرتة حكم حمورابي ولدت، )1750-1792( الذي ا�ستطاع بعبقريته الفذة، لي�س يف فر�س �سلطانه على م�ساحة الوطن ال�سوري كله، بل يف قدرته على توحيد خمتلف العنا�سر املوؤلفة لل�سعب يف هيئة واحدة من بوحدة الولء

للدولة، من خالل الت�سريع الواحد، املنزل من الإله الواحد »مردوخ«. القومية �سيادتها تفقد لديها القومية الفكرة ت�سعف عندما ال�سعوب اأن اأي�سا، الثابت ولكن وعندما تفقد �سيادتها ت�سحو الفكرة القومية من غفوتها. فثمة عالقة تفاعلية، بني ال�سيادة القومية

وال�سعور القومي، كون الدولة هي �سورة املجتمع ومثاله يف كل الأحوال.عميق ل�سبات تعر�ست ال�سوري ال�سعب لدى القومية الفكرة بان العتقاد اإىل اأميل ولذلك ا�ستغرق حوايل األف عام، ابتداء عام 1017 م، عندما �سدرت الوثيقة القادرية عن اخلليفة العبا�سي القادر، التي اأطلقت على الأمة ال�سورية والعاملني العربي والإ�سالمي اأكرب عملية اإرهاب فكري، مبا تبعها من حترمي للتفكري بغري الت�سوف، وما حتقق من عمليات اغتيال لكل من حاول التفكري يف اأي جمال غري الت�سوف، وما ن�سهده اليوم يف لبنان وال�سام والعراق من اإرهاب تكفريي، اإمنا هو

من تداعيات تلك الوثيقة.

18

اإن جمال بحثنا يف هذه العجالة، يتناول الفكرة ال�سورية القومية املعا�سرة ، التي بداأت �سحوتها اأنتج �سحوتها. اأن تلغي الوجدان الذي 1860م، وما طراأ عليها من حتولت خطرية، كادت عام القائمة العثمانية، الإ�سالمية الدولة املعا�سرة، يف ظل ال�سورية القومية الفكرة اإذ كانت �سحوة على فكرة العبودية، والتي مل ت�سذ عما �سبقها من الدول الإ�سالمية، التي اعتمدت يف حكمها جميع اآليات العبودية، وهي ل تزال موجودة حتى اليوم يف النموذج ال�سعودي، حيث اأن اململكة للقبيلة ولي�ست لل�سعب، وحيث ل يوجد د�ستور للبالد ول جمل�س نواب لالأمة، وبالتايل ل وجود لرت�سيح وانتخابات. وكل ما هو موجود، هو امللك راأ�س القبيلة الذي يتحكم برقاب جميع اأفراد

ال�سعب، بحجة متثيله �سلطة اهلل، ل كما يريد اهلل، ول كما يريد ال�سعب اأن يحيا.لقد كان من نتائج �سيطرة الدولة العثمانية على �سوريا، ظهور اأزمات عديدة، متثلت بتدمري األفي قرية يف بالد ال�سام عام 1847على يد قبيلة عنزة املدفوعة باجلوع من اجلزيرة العربية، ناهيك عن الأحداث اجل�سام على اأر�سها، اإبان الغزو امل�سري لبالد ال�سام 1831-1840، ف�سال عما اأ�سابها من تراجع اقت�سادي اأ�ساب الدولة العثمانية بعد حتويل طرق التجارة، وفتح قناة ال�سوي�س، مما اأدى اإىل انخفا�س النمو ال�سكاين، وتف�سي املجاعات يف �سورية كلها، يف ظل تدين التعليم، والهجرة اإىل اخلارج، اإىل اأن بلغت الدولة العثمانية الإفال�س عام 1875، وما اأعقب ذلك من توافد هجرات اإىل �سورية من اجلراك�سة والأرمن واليهود، واإذ حاولت الدولة اإ�سالح نف�سها بقوانني م�ستوردة من اأوروبا، فاإنها اأ�سافت اإىل م�سكالتها م�ساكل جمة، حيث مل تكن القوانني الإ�سالحية عاجزة عن القراآن اأحكام العثمانيني كونها �سادرة من خارج اأثارت حفيظة الأزمات وح�سب، بل حماكاة وال�سنة، مما اأحدث ا�سطرابا على امل�ستويني الديني وال�سيا�سي الداخل، اأدى اإىل ن�سوء معار�سة

داخلية �سديدة.بالأو�ساع م�ساحلها ارتبطت التي الداخلية باملعار�سة ت�سطدم مل الإ�سالح حماولت ولكن هدفا العثمانية الدولة اأمالك التي وجدت يف الأجنبية الدول مبعار�سة ا�سطدمت بل القائمة، ل�ستعمارها منذ غزو نابليون م�سر يف العام 1798 وا�ستيالئه عليها، ولول تدمري اأ�سطوله من قبل اجلزائر فرن�سا غزت 1830 العام ويف منها. الن�سحاب على اأجرب ملا الربيطانية البحرية القوات وا�ستولت عليها فيما ا�ستولت بريطانيا على عدن عام 1839 لتجعلها قاعدة لتموين �سفنها يف طريقها اإىل م�ستعمراتها يف الهند)1(. واإذ خا�ست فرن�سا وبريطانيا حرب القرم )1854-1856( لتمنعا رو�سيا من ال�ستيالء على ا�سطنبول وو�سولها اإىل املياه الدافئة، ظلت عملية القتطاع م�ستمرة، فا�ستولت بريطانيا على قرب�س عام 1878)2(. بينما احتلت رو�سيا مناطق مهمة يف القفقا�س والأنا�سول، ويف الأوروبية التدخالت عن ناهيك ا�سطنبول �سواحي اإىل الرو�سية اجليو�س و�سلت 1876 عام

مراد، حممد عدنان. بريطانيا والعرب، دار طال�س، دم�سق 1989، �س84. 1املحامي. مرجع �سابق، �س 670. 2

19


ا�ستعانت اأن لها �سبق فقد بع�سها، معونة اإىل احتاجت التي العثمانية الدولة ب�سوؤون ال�سافرة لإخراج الربيطانية باجليو�س وا�ستعانت ا�سطنبول، دخول من علي حممد جي�س ملنع بالرو�س اجليو�س امل�سرية من �سورية، كما تدخلت فرن�سا اإبان احلرب الأهلية يف لبنان 1860 بحجة حماية امل�سيحيني. ف�سال عن التدخل الأوروبي يف تق�سيم اإمارة جبل لبنان اإىل قائممقاميتني، ومن ثم

و�سع نظام مت�سرفية جبل لبنان)3(.

اأوال - بدايات النهو�ض القومي يف ظل االإ�سالحات العثمانية

عن طريق الإ�سالحات العثمانية اأخذت الآراء الغربية، مبا فيها مفاهيم احلرية وامل�ساواة والوطنية، ت�سل اإىل الأو�ساط ال�سعبية، منذ الن�سف الأول من القرن الثامن ع�سر وجتد تعابريها يف اللغتني الرتكية والعربية، وذلك عن طريق البعثات واملدار�س الع�سكرية، فاأنتجت، مع الوقت، نخبة مطلعة التا�سع ع�سر ال�سبعينات من القرن الليربايل، ولهذا بداأ مع الغربية والفكر الثقافة على جوانب النظر يف حتديد ال�سلطة املطلقة لل�سلطان، ومتثل ذلك لدى بع�س املفكرين الأتراك مثل �سنا�سي، و�سيادة بالإ�سالم وو�سع مفاهيم احلرية اللتزام ونامق كمال، وهم ممن غلب عليهم با�سا و�سيا ال�سعب يف اإطار اإ�سالمي )ال�سورى، البيعة( وظهر مثل هذا الفكر يف بع�س املناطق العربية مثل

م�سر وبالد ال�سام يف الن�سف الثاين من القرن التا�سع ع�سر)4(.اأو البالد العربية(، الرياح القومية يف ال�سلطنة العثمانية، )�سواء تركيا اإزاء هذه الأو�ساع، هبت اأن�ساأ 1865( يوم اأول حماولة عثمانية للعمل املنظم بهدف مواجهة التحديات )حزيران وكانت �ستة �سبان اأتراك جمعية �سرية اأطلقوا عليها ا�سم »العثمانيون الفتيان« �سنة 1867 واأ�سدروا جريدة اأ�سا�س برناجمهم »حب الوطن من الإميان« و»�ساورهم يف الأمر« »احلرية« عام 1868، وقد جعلوا وا�ستمروا يف ن�ساطهم من الآ�ستانة وباري�س حتى حل اأول جمل�س »للمبعوثان« �سنة 1878 لينهي

عملهم يف الآ�ستانة ويبداأ يف اخلارج با�سم )تركيا الفتاة(، ولي�سبح فيما بعد »الحتاد والرتقي«)5(.

1- بداية النهو�ض ال�سوري القومي 1860

وفيما كان امل�سرق العربي م�سرحا لأحداث ج�سام متثلت بحملة حممد علي على بالد ال�سام والثورات التي واجهتها يف �سورية، �سواء يف جبل لبنان اأو حوران. ثم ما اأعقبها من حروب طائفية

ال�سليبي، كمال. تاريخ لبنان احلديث، دار النهار، بريوت 1978، �س148-147. 3الدوري، عبد العزيز. التكوين التاريخي لالأمة العربية، درا�سة يف الهوية والوعي، مركز درا�سات الوحدة العربية، 4

بريوت 1986، �س 142.5 Lewis, Bernard: The Emergence of Modern Turkey, Oxford University Press, 1961. pp. 81-194.

20

يف جبل لبنان ودم�سق عام 1860، برز بطر�س الب�ستاين عرب كتاباته مب�سرا بحب الوطن، وامل�ساحلة، بني لالتفاق فيها دعا )1860 اأيلول من )ابتداء �سورية« »نفري �سحيفة الغاية لهذه اأ�سدر وقد الطوائف مذكرا اأبناء الوطن اأنه يجمعهم وطن واحد. ولغـة واحـدة وعادات وم�سالح م�سرتكة)6(. الوطنية اإىل حبه، وت�سجع ال�سالت الوطن وتدعو بلغة لتعنى الوطنية يف بريوت واأن�ساأ املدر�سة بني طالبها، واأ�سدر الب�ستاين يف عام 1870 جملة اجلنان، وهي جملة اأدبية �سيا�سية ن�سف �سهرية، ا�ستمرت حتى عام 1886 كما اأ�سدر »اجلنة« ثم »اجلنينة«)7( والوطن عند الب�ستاين هو �سورية ولكن يف نطاق الدولة العثمانية، وكان حري�سا على ربط اجلماعة الوطنية بالعروبة كون العربية لغة وثقافة

قاعدة م�سرتكة لأبناء الوطن)8(.وقد اأدت املجالت العلمية وال�سحف ال�سيا�سية دورا ممتازا يف ن�سر الفكرة القومية يف القرن التا�سع ع�سر، كان اأبرزها جريدة »حديقة الأخبار« وهي اأول �سحيفة عربية �سدرت يف بريوت عام 1857. فكانت ،1861 عام ا�سطنبول يف ال�سدياق اأحمد اأ�سدرها التي الأ�سبوعية »اجلوائب« وجريدة اأ�سهر ال�سحف العربية اآنذاك جلهة انت�سارها الوا�سع، اإذ عنيت بال�سيا�سة الدولية. وجملتا »البيان«

و»ال�سياء« اللتان اأ�سدرهما اإبراهيم اليازجي عام 1883)9(.و�سدر عام 1869 جريدة اأ�سبوعية با�سم »الب�سري«، ويف عام 1898 �سدرت جملة علمية ن�سف �سهرية دعيت » امل�سرق« ويف عام 1874 اأ�سدر م�سلمو بريوت جريدة با�سم »ثمرات الفنون«، وا�سرتك يف حتريرها نخبة من ال�سبان املثقفني يف طليعتهم اأديب ا�سحق) 10(. واأ�س�س خليل �سركي�س، جريدة ن�سف �سهرية عام 1877 با�سم »ل�سان احلال« وحتولت اإىل يومية منذ 1894 ويف عام 1880 اأ�س�س املوارنة جريدة »امل�سباح« والربوت�ستانت »كوكب ال�سبح املنري« والأرثوذك�س »الهدية«. واأ�سدرت، يف عام 1886، ال�سلطة العثمانية يف بريوت جريدة با�سم »بريوت«. وعلى الرغم من تنوع ولءات

هذه ال�سحف فقد اأ�سهمت يف غنى الفكر القومي)11(.وبالإ�سافة اإىل املجهود الفردي لالأدباء واملفكرين عرب ال�سحف، فقد برزت فكرة العمل اجلماعي عن طريق اجلمعيات وظهرت اأول جمعية يف بريوت عام 1847 با�سم »جمعية الآداب والعلوم« »اجلمعية 1850 عام يف قامت ثم البازجي، ونا�سيف الب�ستاين بطر�س اأع�سائها بني و�سمت ال�سورية« العلمية قامت »اجلمعية امل�سيحيني فقط، وبحلهما واقت�سرت ع�سويتها على ال�سرقية«

دي طرازي، فيليب. تاريخ ال�سحافة العربية 4 اأجزاء، املطبعة الأدبية، جزء 1، بريوت 1913-1933. �س 64 و89 وما يليها. 6جملة اجلنان. ال�سنة 1 – 1870، �س 71-70. 7

املرجع نف�سه، �س34. 8رافق. مرجع �سابق، �س513. 9

10 Hourani, Albert: Arabic Thought in the Liberal Age, 1798-1939, London, Oxford University Press, 1962, p. 98.

اأنظر حول ال�سحافة العربية بعامة: دي طرازي، مرجع �سابق جزء 3 ، بريوت 1933-1913. 11

21


التي ظهرت عام 1857 يف غمرة احلوادث الطائفية يف جبل لبنان، وقد �سمت يف �سفوفها طوائف الذي املر�سوم بفعل النحو هذا على ت�سكيلها جاء ورمبا ع�سوا، 150 اأع�سائها عدد وبلغ عدة، اأ�سدره ال�سلطان عبد املجيد الأول )1839-1861( يف العام 1856 الذي ت�سمن اعرتافا �سريحا

بامل�ساواة الكاملة بني جميع الأديان يف الإمرباطورية العثمانية)12(.كان اإبراهيم اليازجي اأحد اأع�ساء اجلمعية، وهو الذي طاملا تغنى مبجد العرب، واأ�سار اإىل تفوقهم العلمي، وراأى اأن تاأخرهم جاء ب�سبب اإهمالهم العلوم واإحالل التع�سب الأعمى حمل الدين)13( .

ولعل اأعمال اجلمعية ون�ساطها اأنتج دللت عدة، اإذ ي�سري القن�سل الرو�سي )ك م. بازيلي(، الذي عمل يف �سورية خالل الفرتة املمتدة ما بني 1839-1853، يف تقرير له �سنة 1868 اإىل الجتماعات اإل اأن الأحاديث الأدبية يف بريوت التي كانوا يتحدثون خاللها عن الأجماد ال�سورية-العربية،

كانت تتناول الظلم الرتكي)14(.الوا�سح هو اأن الإطار ثقايف الجتاه، ولي�س من دعوة لكيان �سيا�سي، والتطلعات كانت يف نطاق

�سوري، والفكرة العثمانية كانت ل تزال هي ال�سائدة يف تلك الفرتة) 15(.هذا الواقع الثقايف يخفي وراءه عوامل خمتلفة من القلق يف �سورية، مت�سلة بالتطورات القت�سادية-

الجتماعية، من تراجع يف النظام الإقطاعي، اإىل ظهور ملكيات فردية كبرية، وفئات من امل�سيحيني ترتبط بامل�سالح التجارية وال�سناعية الغربية، ومن ردود فعل من امل�سلمني للنظام اجلديد الذي

اأحدثتها الإ�سالحات كونه اأدى اإىل تقلي�س دور ال�سريعة الإ�سالمية.ويجدر بنا اأن نعرف اأين تقف احلركة ال�سورية من تياري الفكر الي�ساري املدين واليميني الديني، اإذ اأفادت

احلركة ال�سورية من الجتاهني ومل تذب يف اأي منهما، وعملت على ا�ستقطابهما لهدف �سوري واحد.اأنطون، يف وفرح �سميل و�سبلي مرا�س فرن�سي�س من العلماين كل الي�ساري اجلانب ا�ستهر يف حني ا�ستهر بني دعاة الإ�سالح الديني من العروبيني عبد الرحمن الكواكبي، الذي �سكل حلقة الو�سل، يف جمال الفكر الديني، بني احلركة ال�سورية الالطائفية واحلركة الدينية اليمينية ال�سلفية

الداعية للجامعة الإ�سالمية التي متثلت بجمال الدين الأفغاين وحممد عبده ومبحمد ر�سا)16(.

اأنطونيو�س، جورج. يقظة العرب، دار العلم للماليني، بريوت، 1987، �س 123. 12

راجع: �سابا، عي�سى ميخائيل. ال�سيخ اإبراهيم اليازجي، �سل�سلة نوابغ الفكر العربي، 14، دار املعارف، بريوت، 13

1955، �س 49-51 و 74-71.

اأزاكوفيت�س، ليفني زملان: الفكر الجتماعي وال�سيا�سي احلديث يف لبنان - �سورية - م�سر، ترجمه عن الرو�سية 14

ب�سري ال�سباعي، دار ابن خلدون، بريوت، 1978، �س77. 15 Dawn, Emest. From Ottomanism to Arabism: Essays on the Origins of Arab Nationalism, University

of Illinois Press 1973. p. 132.

رافق. مرجع �سابق، �س 516. 16

22

ولد فرن�سي�س مرا�س يف حلب 1836 ودر�س الطب يف باري�س، وترك كتابني »غابة احلق« و«م�سهد »مملكة احل�سارة اإقامة تدور موا�سيعه حول الأحوال« وكان كتاب غابة احلق على �سكل حوار، واحلرية« ويظهر فيه اأثر الفكر الأوروبي املعا�سر لتلك الفرتة، من خالل دعوته اإىل احلرية وامل�ساواة والق�ساء على الرق. وقال: اإن العرب يحتاجون قبل كل �سيء اإىل مدار�س حديثة وحب للوطن

خال من العتبارات الدينية)17(.اإىل جانب مرا�س كان �سوري اآخر يدعى �سبلي ال�سميل الذي اآمن بقوة اجلماهري ال�سعبية، وباأهمية التعليم يف اإنهاء اأيام الطغاة، كما اآمن بال�سرتاكية ويعد »اأول من ن�سر بالعربية فكرة ال�سرتاكية،

واإن مل يكن اأول من �سماها بهذا ال�سم«)18(.ونادى بالعلمانية من طرابل�س ال�سام، فرح اأنطون )1872-1922( الذي نزح اإىل م�سر، وكان من اأ�سهر اأعماله اإ�سداره جملة »اجلامعة يف م�سر، ون�سره كتاب ابن ر�سد وفل�سفته« وقد دعا فرح اأنطون

يف كتاباته اإىل ف�سل الدين عن الدولة، وهاجم ال�ستبداد، واآمن بال�سرتاكية العلمية)19(.ويف اجلانب املقابل وقف مفكر �سوري اآخر هو حممد ر�سيد ر�سا )1865-1935( يدعو اإىل بعث الأمة الإ�سالمية، وتطبيق املبادئ الإ�سالمية الأوىل، كما يف عهد ال�سلف ال�سالح، واإىل التوفيق بني العلم احلديث والدين، اآمن بالقومية العربية التي جتمع اأبناء الأمة الواحدة. وقد اأ�سدر حممد ر�سيد ر�سا جريدة »املنار« وترك عددا من الكتب واأ�سهر موؤلفاته »تاريخ الأ�ستاذ الإمام«، ترجم فيه

اأ�ستاذه حممد عبده.احلميد عبد العثماين ال�سلطان وهاجم العثمانيني �سد ال�سوريني جانب اإىل ر�سا ر�سيد وقف الثاين )1876-1909(، ودعا جميع العثمانيني ل�ستبدال احلكم ال�ستبدادي بحكومة ال�سورى. واأدى دورا فعال يف الدفاع عن ا�ستقالل العرب، واأ�سبح رئي�سا للموؤمتر ال�سوري يف 1920 وع�سوا يف املوؤمتر ال�سوري - الفل�سطيني املنعقد يف جنيف يف 1921 وع�سوا يف اللجنة التنفيذية التي اأقامها

املوؤمتر يف القاهرة، التي اأيدت ال�ستقالل ال�سوري الفل�سطيني.وعلى الرغم من التغريات التي طراأت على اأفكار ر�سيد ر�سا، فاإن هدفه يف حتقيق خري الإ�سالم كان موؤكدا، وهو اإذ يربر موقفه املوؤيد للدولة العربية امل�ستقلة يقول: » اإن م�سلحة العرب ال�سيا�سية هي م�سلحة الأمة مبجموعها، اإذ من �ساأن الدولة العربية امل�ستقلة اأن حتيي لغة الإ�سالم و�سريعته«)20(.

الكيايل، �سامي. احلركة الأدبية يف حلب، القاهرة، 1957، �س 517. 17

حوراين، األربت. الفكر العربي يف ع�سر النه�سة، 1798-1939، تعريب كرمي عزقول، طبعة 4، دار النهار للن�سر، 18

بريوت، 1986، �س 302.اأنظر اآراء فرح اأنطون و�سرحها يف: حوراين. مرجع �سابق، �س 310-303 19

حوراين. مرجع �سابق، �س 365. 20

23


ظهر اأول عمل �سيا�سي منظم عام 1875، امل�سادف تاريخ اإعالن الدولة العثمانية اإفال�سها، عندما ال�سورية« »جمعية �سرية« يف بريوت، العلمية اأع�ساء »اجلمعية ال�سباب املثقف من اأ�س�س بع�س التي علقت الثورية الن�سرات بوا�سطة به للت�سريح متبعني طريقة جديدة قوميا برناجما وو�سعوا

على اجلدران �سرا يف مدن وليتي دم�سق وبريوت.يف بداأت التي رو�سيا مع احلرب العثمانية الدولة خ�سارة بعد ،1880 العام يف املنا�سري علقت اأوروبا، حيث مل العثمانية عن الإمرباطورية انح�سرت وبعدما ،1878 وانتهت عام ،1877 العام اأربع قطع �سغرية ل ات�سال بني ثالث منها اإل طريق البحر)21(. و ذلك بعد اإل يبق للدولة فيها تعليق الد�ستور العثماين 1878، واحتالل بريطانيا جلزيرة قرب�س)22(. فاجتهت احلركة ال�ستقاللية يف العامل العربي اإىل الدعوة ل�ستقالل �سورية، فالتذمر والقلق يف �سورية اأ�سبح وا�سحا. والدولة العثمانية يف انحدار رغم الإ�سالحات، واأزم ذلك �سغط الدول الغربية، ومع حر�س امل�سلمني على �سالمة الدولة اأمام اخلطر اخلارجي، فاإن ال�سعور بعجز الدولة عن حماية البالد كان �سببا للقلق

والتفكري بامل�سري)23(.لذلك ت�سمن املن�سور الأول 1880 ال�سادر عن »اجلمعية ال�سرية« لوما لأهل ال�سام ل�ستكانتهم وا�ست�سالمهم لطغيان الأتراك فيما هم نهبا ملطامع الدول الأوروبية، داعيا اإىل الوحدة موؤكدا قيمتها

و�سرورتها.وت�سمن املن�سور الثاين املطالبة ال�سريحة بتحقيق ال�ستقالل الذاتي للبالد ال�سامية ويوؤكد عزم كتبته على العمل يف �سبيل وطنهم مهما يكلفهم ذلك، اأما املن�سور الثالث والأكرث اأهمية، فقد

ت�سمن برناجما �سيا�سيا على النحو التايل:منح �سورية )الطبيعية( ال�ستقالل متحدة مع جبل لبنان، والعرتاف باللغة العربية لغة ر�سمية يف البالد. ورفع الرقابة والقيود الأخرى التي حتد من حرية التعبري ون�سر التعليم. وا�ستخدام القوات

املجندة من اأهل البالد يف املهام الع�سكرية الداخلية فيها فقط)24(.اإداريا عن �سورية، لأنه جزء لبنان وف�سلها يبدو وا�سحا، رف�س �سريح لربتوكول مت�سرفية جبل من تعديالت اإدارية من وحي اأوروبي يهدف اإىل تق�سيم امل�سرق العربي والعامل العربي باأ�سره، والطلب لتعزيز اللغة العربية بهدف حتقيق نه�سة فكرية عربية، وتعزيز احلرية التي بدونها ل تقوم اأن كتبته كانوا يتوج�سون من احتمال تدخل يبدو الربنامج البند الأخري من اأما نه�سة �ساملة،

املحامي. مرجع �سابق، �س 664. 21

املرجع ال�سابق، �س 670. 22

ح�سل اثر قيام حرب القرم �سنة 1856 ما ي�سبه هذا املوقف يف حلب. اأنظر:ال�سلح، عادل. �سطور من الر�سالة: 23

تاريخ حركة ا�ستقالل قامت يف امل�سرق العربي �سنة 1877، مطابع دار العلم للماليني، بريوت، 1966، �س 128.اأنطونيو�س. مرجع �سابق، �س 155-153. 24

24

اأوروبي يف بالدهم فهم يريدون بقاء اجلي�س يف البالد العربية للدفاع عنها يف وجه املطامع الأوروبية.وال�سيا�سة الإدارية الإجراءات ب�سبب بطيئا تطورا 1880 العام بعد ال�سورية احلركة �سهدت ال�ستبدادية والهجمة ال�ستعمارية التي �سهدها العامل العربي، ففي العام 1882 احتلت بريطانيا الن�سال جزاأ الذي الأمر ،1881 عام تون�س احتلت قد فرن�سا وكانت ال�سودان1899، ثم م�سر العربي، ففي م�سر ولدت القومية امل�سرية املطالبة بجالء القوات الربيطانية. وقد وطدت الإدارة العثمانية �سيطرتها على امل�سرق العربي بتق�سيمات اإدارية 1887، فيما قمع احلريات �سائر على قدم و�ساق وقد عقد بطء الت�سالت الأمور، ولذلك بقي الأمر �سبه م�ستكني، ولكنه كاجلمر حتت الرماد اإىل اأن �سقط ال�ستبداد احلميدي عام 1909، حيث بداأ عهد جديد من الن�سال القومي يف

امل�سرق العربي مع ن�سوء اجلمعيات ال�سيا�سية.

2- الفكرة القومية: مبادوؤها واجتاهاتها

يت�سح مما تقدم اأن تركيبة الفكرة القومية يف هذه املرحلة كانت تقوم على املبادئ التالية:رف�س الع�سبيات الطائفية واملذهبية، التي ت�سببت بحروب اأهلية، طائفية اأ�سهمت يف اإ�سعاف ال�سوريني، واإحالل ع�سبية قومية توحيدية بدل عنها، خا�سة واأن الأ�سباب مل تكن دينية، اإمنا كانت اقت�سادية اجتماعية متمثلة بال�سطهاد الإقطاعي للفالحني، وغريها من اأ�ساليب

ال�ستغالل للفئات الفقرية يف املجتمع. رف�س الرابطة العثمانية الدينية، واإحالل الرابطة ال�سورية.

رف�س النظام العثماين ال�ستبدادي، واإحالل النظام الدميقراطي الذي تخ�سع فيه ال�سلطة التنفيذية لل�سلطة الت�سريعية.

الدعوة اإىل اإقامة دولة علمانية. الوطن القومي هو �سورية )الطبيعية( التي ت�سمل ال�سام ولبنان وفل�سطني والأردن.

اأما اجتاهات الفكر ال�سيا�سي يف امل�سرق العربي، فيمكن حتديدها بثالثة:الجتاه الأول: اإ�سالمي �سلفي يدعو اإىل اإبقاء الرابطة العثمانية واإ�سالح الدولة العثمانية، وقد

عرب عنه حممد ر�سيد ر�سا.الجتاه الثاين: قومي علماين يدعو اإىل اإقامة الدولة القومية الدميقراطية العلمانية، وقد عرب عنه

�سبلي ال�سميل وفرح اأنطون.

25


الجتاه الثالث: توفيقي، �سكل حلقة ربط بني الجتاهني ال�سابقني، وقد عرب عنه عبد الرحمن الكواكبي بدعوته لإقامة خالفة عربية تقوم اأ�س�س الحتاد فيها على قواعد علمانية.

مهمة فكرية حتولت وال�سيا�سي القومي الفكر �سهد 1880 العام اأعقبت التي املرحلة خالل �سيكون لها تاأثري كبري يف جمرى الأحداث التي تلت، �سواء ما اأقدم عليه القوميون من عقد موؤمتر يف باري�س 1913، اأو اإعالن الثورة العربية الكربى عام 1916، و�سنحاول تلم�س الجتاهات اجلديدة عبد عازوري، جنيب الكواكبي، الرحمن عبد هم: املرحلة عا�سروا مفكرين ثالثة من خالل

الغني العري�سي.املفكرين من �سبقه عمن القومي ال�سعور يتعاظم ،)1902-1849( الكواكبي الرحمن عبد مع القوميني، وهو الذي بداأ حياته يف ال�سحافة والقانون، اإذ يعد الكواكبي رائدا يف معاجلة املفهوم القومي احلديث للقومية ، وقد فرق بني مفهوم احلركة ال�سورية- العربية وفكرة اجلامعة الإ�سالمية، غري القوميات �سد متميزة �سيا�سة واتبعت القوميات بني فرقت التي العثمانية الدولة وانتقد الرتكية، ونادى باإعادة اخلالفة اإىل العرب داعيا اإىل اجل�سد الإ�سالمي، ويف كتابه اأم القرى ذكر اأن »العرب هم اأحر�س الأمم على احرتام العهود عزة، واحرتام الذمة اإن�سانية، واحرتام اجلوار �سهامة، واملعروف مروءة.« ويف كالم الكواكبي عن اأهمية اللغة العربية ذكر اأنها »من اأغنى لغات امل�سلمني

يف املعارف وهي م�سونة بالقراآن الكرمي من اأن متوت«)25(.قوم، »يا ال�سهري: نداءه فوجه الأمة اأبناء بني جميع بها ونادى القومية بالرابطة الكواكبي اآمن واأعني بكم الناطقني بال�ساد من غري امل�سلمني، اأدعوكم اإىل تنا�سي الإ�ساءات والأحقاد، وما جناه الأبناء والأجداد، فقد كفى ما فعل ذلك على اأيدي املثريين، واأجلكم اأن ل تهتدوا اإىل و�سائل اأن تكون الأرا�سي « اآمن بال�سرتاكية، وقد طالب ال�سابقون...«)26(. كما املتنورون واأنتم الحتاد الأعمال واأن الأمة، عامة بني ال�سيوع م�سرتكة ال�سناعية واملعامل والآلت الثابتة والأمالك والثمرات تكون موزعة بوجوه متقاربة بني اجلميع، واأن احلكومة ت�سع القوانني لل�سوؤون قاطبة حتى

اجلزئيات وتقوم بتنفيذها«)27(.اأما جنيب عازوري )1870 -1916( املولود يف قرية عازور يف جنوب لبنان، فقد ن�سر كتابه »يقظة اآخر �سيكون الثاين احلميد عبد ال�سلطان باأن عازوري فيه يتنباأ الذي .)28(1904 الأمةالعربية«

الكواكبي، عبد الرحمن. الأعمال الكاملة، ن�سر حممد عمارة، القاهرة، 1970 �س 304-303. 25

الكواكبي، عبد الرحمن. طبائع ال�ستبداد وم�سارع ال�ستعباد، دار النفائ�س، بريوت، 1993، �س 121. 26

املرجع نف�سه، �س 79. 27

ويلد، �ستيفان. جنيب عازوري وكتابه يقظة الأمم العربية، يف: اأوين، روجر. واآخرون. احلياة الفكرية يف امل�سرق 28

العربي، مركز درا�سات الوحدة العربية، اإعداد مروان بحريي، ترجمة عطا عبد الوهاب، بريوت 1983، �س 110.

26

بفعل حتركت باأنها القومية العرب تطلعات �سبب ويقول حول اأخبثهم)29(. لأنه الأتراك حكام حماولة الأتراك ا�ستعباد الأمم العربية يف �سياق �سحقها للثورات التي اأ�سعلها الأكراد والأرمن)30(. ويحدد عازوري العامل العربي حيث �ستقام دولة اإمرباطورية عربية متتد من دجلة والفرات اإىل برزخ اأخرى �ست�سم هذه الإمرباطورية العراق و�سورية اإىل بحر عمان، بعبارة ال�سوي�س، ومن املتو�سط والعراق، اليمن وجند اإمارات وا�ستقالل للبنان الذاتي احلكم و�ستحرتم العربية، اجلزيرة و�سبه و�سرتف�س هذه الإمرباطورية فكرة الوحدة مع م�سر، »لأن امل�سريني ل ينتمون اإىل العرق العربي ، فهم من عائلة الربابرة الأفريقيني واللغة التي كانوا يتكلمونها قبل الإ�سالم ل ت�سبه العربية قط«)31(. ويظل هذا الراأي مرتبطا بنجيب عازوري، لأن املعطيات القومية ال�سورية العربية يف م�سر وال�سودان وتاريخيا، الع�سور، جغرافيا اأقدم الوطن منذ املنطقة من توؤكد على عروبة هذه العربي واملغرب

بكل امل�سمون التاريخي من مقومات الروابط بني وال�سعوب.اأوروبية، فيقول »ل ميلك اإر�ساد دولة يريد عازوري قيام دولة عربية باحلدود املبينة، ولكنها حتت اأحد احلق يف حكمنا غري فرن�سا، ولن يهتف بحرارة لأي دولة غريها اإذا نزلت يف البلدان العربية

يوم يتقرر جتزئة الإمرباطورية الرتكية«)32(.برزت امليول الغربية لدى عازوري يف اأكرث من مكان يف كتابه، اإذ تبدو تطلعاته العربية �سمن اإطار تتيح القاعدة هذه »لأن قرب�س جلزيرة بريطانيا احتالل يربر فهو املنطقة، يف الأوروبية امل�سالح املفاتيح الفرات )هذه ووادي »ال�سكندرونة« »الدردنيل« وخليج الدفاع عن الربيطانية للبحرية اندفاع رو�سي«)33(. وهو يربر لفرن�سا احتاللها للجزائر لي�س من اآ�سيا واملتو�سط( �سد اإىل الثالثة اأجل بناء م�ستعمرة بقدر ما هو تخلي�س للمتو�سط من قر�سنة الربابرة التي فتكت بالتجارة الدولية ودمرتها)34(، وهو من �سدة تعلقه العاطفي بفرن�سا وجد بالأمة الفرن�سية اأمة نبيلة »اأن الأمة الفرن�سية اأمة نبيلة، وقد تولت فرن�سا احلروب ال�سليبية، وهي حمالت خطرة، فعادت نتائجها يف جوهرها بنتائج مهمة لأوروبا، مبا ال�سليبية عادت نتائج احلروب اأن والواقع باأ�سره«)35(. العامل باخلري على

نهب من ال�سرق من ثروات، ما ت�سببت لل�سرق من خ�سائر فادحة.

عازوري، جنيب. يقظة الأمم العربية، تعريب وتقدمي اأحمد بو ملحم، املوؤ�س�سة العربية للدرا�سات، بريوت د.ت 29

�س 182.امل�سدر نف�سه، �س 212. 30

امل�سدر نف�سه �س 119. 31

عازوري. م�سدر �سابق، �س 133. 32

امل�سدر ال�سابق، �س 111. 33

امل�سدر نف�سه، �س 115. 34


27


وينربي عازوري ملعاجلة كيفية ف�سل ال�سلطة الروحية عن ال�سلطة الدنيوية فيوؤكد اأن اخلليفة لن تكون له �سلطة دنيوية خارج ولية احلجاز، فالعامل العربي �سيقدم كذلك اخلالفة الدينية العامة على الإ�سالم، اإىل ذلك ال�سريف �سليل النبي الذي �سيحت�سن ق�سيته باإخال�س ويكر�س نف�سه لهذا العمل. و�سيحظى اخلليفة الديني باعتباره دولة �سيا�سية تامة ال�ستقالل بولية احلجاز الفعلية باأ�سرها، من �سمنها املدينة املنورة واإقليمها حتى العقبة. اأنه �سيتمتع مبظاهر التكرمي الذي يتمتع بها

امللك، كما �سيتمتع ب�سلطة اأدبية حقيقية على جميع امل�سلمني يف العامل)36(.ولعل اأكرث ما اأبرز �سهرة جنيب عازوري هو ما جاء يف كتابه من حتذير للتطلعات ال�سهيونية من اأجل اإقامة وطن قومي يف فل�سطني وكالمه يكاد يالم�س التنبوؤات اإذ يقول يف هذا املجال »اإن ظاهرتني تت�سحان يف الآن اأحد حتى انتباه اأنهما متعار�ستان، مل جتذبا بيد الطبيعة، هامتني، مت�سابهتي هذه الآونة يف تركيا الآ�سيوية، اأعني: يقظة الأمم العربية وجهود اليهود اخلفي لإعادة تكوين مملكة »اإ�سرائيل« القدمية على نطاق وا�سع . وم�سري هاتني احلركتني هو اأن تتعاركا با�ستمرار حتى تنت�سر اإحداهما على الأخرى، وبالنتيجة النهائية لهذا ال�سراع بني هذين ال�سعبني اللذين ميثالن مبداأين مت�ساربني يتعلق م�سري العامل باأ�سره«)37(. وعلى الرغم من اأهمية قوله هذا، مل يدرك عازوري، اأو ن�سوء اإىل اأدى الراأ�سمالية ال�ستعمارية الذي اليهودي واأهداف الفكر التزاوج بني اأنه جتاهل،

الفكر ال�سهيوين.

3- العرب يف مواجهة �سيا�سة الترتيك

بتاريخ 21-23 متوز 1908 حدث تطور بالغ اخلطورة يف عا�سمة الدولة العثمانية، مف�سحا عن جناح النقالب الذي قامت به جماعة الحتاد والرتقي.

»الإخاء عربية جمعية اأول تاأ�سي�س اأعلن عارم حما�س وو�سط اجلديد بالنقالب العرب هلل العربي العثماين«. من اأغرا�سها: حماية الد�ستور، و�سهر العرب والعثمانيني، وم�ساواة املقاطعات

العربية مع غريها، وا�ستعمال اللغة العربية يف التعليم)38(.ولكن هذا احلما�س ا�سطدم مع اأول انتخاب مع الربملان اجلديد، اإذ حدد اأع�ساء النواب العرب ب�ستني مقعدا من اأ�سل 245 مقعدا، يف وقت كان عدد العرب، حوايل ن�سف �سكان الإمرباطورية وكان التمييز

باديا بعد خلع عبد احلميد، واعتماد الحتاد والرتقي �سيا�سة »طورانية« لتدعيم القومية الرتكية)39(.


عازوري. م�سدر �سابق، �س 41. 37

رافق. مرجع �سابق، �س 534. 38

املرجع ال�سابق، �س 535. 39

28

تعاظمت �سيا�سة الترتيك بعد عام 1912 وخ�سارة الدولة العثمانية احلرب مع دول البلقان التي انف�سلت نهائيا عن الدولة العثمانية، وتعاظمت الكراهية العربية لالأتراك بعد هزمية تركيا يف ليبيا

اأمام الإيطاليني عام 1911.يف غمرة هذه الأجواء تاأ�س�س املنتدى الأدبي يف ا�سطنبول عام 1909 باأهداف غري �سيا�سية، ولكنه

اأ�سهم يف مناق�سة الق�سايا العربية يف فروعه املنت�سرة يف البالد العربية)40(.ويف العام 1912 اأ�س�س ال�سوريون)41( يف القاهرة حزب الالمركزية الإدارية العثمانية، كان من اأبرز اأهدافه تعبئة الراأي العام لتاأييد الالمركزية. ويف العام نف�سه تاأ�س�ست جمعية بريوت الإ�سالحية التي حلها العثمانيون عام 1913. هذا على �سعيد اجلمعيات العلنية، اأما اجلمعيات ال�سرية التي ظهرت فيما بعد كان اأبرزها: اجلمعية القحطانية التي دعت اإىل جعل الإمرباطورية العثمانية ملكية ثنائية عربية وتركية، وتاأ�س�ست العربية الفتاة يف باري�س عام 1911 ثم انتقلت اإىل بريوت فدم�سق، ويف عام 1914 اأ�س�س عزيز علي امل�سري جمعية العهد)42(. وكانت اأهداف اجلمعيتني الأخريتني

العمل على ا�ستقالل العرب وانف�سالهم عن الدولة العثمانية.اإل دليال على بروز حيوية جديدة يف الوعي القومي الذي لقى اإن تعدد هذه اجلمعيات لي�س جتاوبا مع ال�سعب العربي يف امل�سرق، وترتقي اجلهود فتعقد هذه اجلمعيات موؤمترا قوميا عربيا يف

باري�س عام 1913.وجد بع�س الأحرار العرب اأن تاأ�سي�س الق�سية العربية يق�سي بنقلها اإىل امل�ستوى الدويل، فتاألفت املحلية العربية اجلمعيات اإىل الدعوات ووجهت باري�س، يف موؤمتر عقد وقررت حت�سريية جلنة والغرتابية حل�سوره. وقد جاء يف الأ�سباب املوجبة لعقده: »وي�سارحون العامل كله باأن الالمركزية

هي قوام حياة العرب، واأنهم �سركاء يف هذه اململكة بل هم الأكرثية املطلقة فيها)43(. يعالج اأن قرر ثم فقط، ب�سورية املتعلقة الق�سايا املوؤمتر يعالج اأن اإىل البداية تتجه يف النية كانت

الق�سايا العربية كلها)44(. وكان جميع اأع�ساء املوؤمتر من بالد ال�سام واثنان من العراق)45(.

اأنطونيو�س. مرجع �سابق، �س 148. 40

كان من بني موؤ�س�سي حزب الالمركزية رفيق العظم )دم�سق(، ر�سيد ر�سا )طرابل�س ال�سام(، ا�سكندر عمون 41

تللو نايف )يافا(، ال�سعيد حافظ )جنني(، الهادي عبد �سليم لبنان(، )جبل اخلطيب فوؤاد لبنان(، )جبل )دم�سق(، علي الن�سا�سيبي )القد�س(.

اأنطونيو�س. مرجع �سابق، �س 185. 42

جريدة املوؤيد، القاهرة، 27 اآذار 1913. 43

ذكر مو�سى. مرجع �سابق، �س 37. باأن توفيق ال�سويدي وهو عراقي كان طالبا يف باري�س يف اأثناء انعقاد املوؤمتر، 44

فاأقنع زمالءه باأن يطلقوا على املوؤمتر ا�سم »املوؤمتر العربي« بدل »املوؤمتر ال�سوري«. املرجع ال�سابق، �س 37. 45

29


من بني الذين األقوا خطبا يف املوؤمتر، كان عبد الغني العري�سي 1891-1916 الذي يكت�سب احلديث عنه اأهمية خا�سة، ملا يعرب من خالله عن جمعية العربية الفتاة التي اأ�س�سها �سبان �سوريون تعلموا

يف فرن�سا، وهم يف ذروة احلما�س القومي. األقى خطابا و باري�س، العربي يف املوؤمتر و�سارك يف ال�سحافة لدرا�سة 1912 فرن�سا عام اإىل �سافر افتتاحيا يف الجتماع الأول للموؤمتر. ثم عاد اإىل بريوت اأواخر �سنة 1913، وكانت حركة القومية

ال�سورية- العربية قد بلغت حتول من ظاهرة ثقافية قومية اإىل حركة �سيا�سية حتررية. ويف العام 1911 ومبنا�سبة يوم املولد النبوي حممد)�س(، يكتب عبد الغني العري�سي من اأجل اأ�سا�س القبول مبطالب العرب اخلا�سة، ويف طليعتها احرتام اللغة التفاهم العربي- الرتكي على العربية، اإذ ميتزج الدين الإ�سالمي الذي ي�سكل الرابطة العثمانية باللغة العربية، ومي�سي مف�سحا »اإن قومنا ل ي�سعرون بالأ�سياء عن ر�سالة قومية، ي�ستخدم الدين ليربز الوطن والقومية فيقول: اإل ب�سددها الديني ولذا يجب علينا ا�ستخدام �سعائر الدين واأعظمها اخلالفة... بيد اأن الدين ل ينفي الوطن، فالإ�سالم دين وقومية... اأن الدين الإ�سالمي ل ينكر الوطنية، بل اإنه يحرتم اأخوة املواطنني من غري امل�سلمني باعتباره �سمانة مل�ساواتهم وقيما على حريتهم، اإن لنا ما لهم وعلينا ما

عليهم«)46(.واإذ يرف�س العري�سي ال�ستبداد الرتكي فهو يرف�س بحزم ال�ستعمار الأوروبي الذي يقرتب من احتالل البالد العربية، وهذا موقف يتما�سى مع تفكريه على الرغم من اإظهاره احرتامه العميق ملفاهيم ال�سيا�سة الغربية، ولذلك نراه يكتب، غداة احتالل اإيطاليا لطرابل�س الغرب 1911، نداء حلمل ال�سالح حتت عنوان »موت م�سرف« فو�سف التربير الإيطايل لغزو ليبيا وهو »واجب اإيطاليا اأن يعي�سوا كما يعي�س اجلزائريون يف ظل اإنهم يريدون لهم باأنه »اإن�سانية الظامل«... »الإن�ساين« »الإن�سانية« الفرن�سية، وهم يريدون اأن يقتلوا، با�سم »الإن�سانية« ع�سرة منا جراء موت واحد منهم، كما يقتل امل�سريون يف ظل »الإن�سانية« الإنكليزية«)47(. وحمل عبد الغني العري�سي على ال�ستبداد الرتكي مطالبا بالدميقراطية، اإذ اأن الإ�سالحات يجب اأن ل تتم حتت �سغط القوى اخلارجية، بل باإرادة الأكرثية ال�سعبية، فيقول« كان تطبيقا لإ�سالحات يف ال�سابق يتم نتيجة جلهود اأوروبا، اأما الآن فهي نتيجة ل�سعب مفكر ي�سوغ الإ�سالحات بيديه، وهو حدث يقف بني اأعظم الأحداث يف التاريخ العثماين باأ�سره.. اإن حكم العدد الأكرب قد بداأ مفعوله بالظهور، وعلى عقالء الأمة اإ�سناد هذا احلكم حتى ت�سبح الدولة دميقراطية، وتعمل ل�سالح جميع النا�س، ل ل�سالح رجل واحد، ول

ل�سالح عدد �سغري من الب�سر«)48(.

امل�سدر نف�سه، العدد 723 تاريخ 1911/6/20. 46

العري�سي، م�سدر �سابق، العدد 795 تاريخ 1911/10/1. 47

العري�سي، امل�سدر ال�سابق، العدد 1431 تاريخ 1913/11/23. 48

30

15 كانون بتاريخ افتتاحية العربية يف للقومية العري�سي لي�سع تعريفا الغني ويتقدم تفكري عبد القرابة، وروابط اللغة، بوحدة الأمة بهذه يرتبط من كل بالعربي »ونق�سد فيقول 1913 الأول

ونزعة العرب«)49(.يبدو ال�سطراب الفكري عند عبد الغني العري�سي ورفاقه يف العربية الفتاة وا�سحا« يف فرتة ما اأحيانا كان بينا، كما قبل احلرب العاملية الأوىل، فالقتبا�س عن املفاهيم الغربية اإىل حدود تبنيها عند عازوري، فكيف يظهرون احرتامهم للمفاهيم ال�سيا�سية الغربية؟! وهي نف�سها التي كان لها انعكا�سها ال�سلوكي يف البالد العربية التي احتلوها، وهم اإذ ي�ستخدمون الدين يف بناء فكرة قومية يجهلون اأن القومية ل تتاأ�س�س على الدين الذي له طابعه العاملي. ولعل التاأثر باملفاهيم الغربية كان ب�سبب الإر�ساليات الأجنبية من جهة، ومن جهة اأخرى تلقي العلم باجلامعات الغربية، حيث اطلعوا على الأفكار التي رافقت قيام الوحدة الإيطالية 1860-1919، والأفكار التي رافقت الوحدة الأملانية 1866-1871)50( دون درا�سة الظروف ال�سيا�سية والجتماعية والقت�سادية التي رافقت بلوغ الدولة يف

اأوروبا مرحلة الدولة القومية، وهي ظروف تختلف عن ظروف تطور املجتمع ال�سوري العربي. وعندما بداأت احلرب العاملية الأوىل واأر�سل جمال با�سا قائدا للجي�س الرابع الراب�س يف البالد العربية، مار�س �سيا�سة البط�س والتنكيل، واأعدم جمموعة من �سباب احلركةالقومية ال�سورية العربية، ما كان له اأثر يف التطلع نحو ال�سريف ح�سني الذي كان قد بداأ ات�سالته بالغرب، ممثال بربيطانيا للتحالف معه

على اأمل امل�ساعدة يف ا�ستقالل البالد العربية، مما اأحدث حتول يف واقع الفكرة القومية.لقد جاءت ت�سمية اجلمعية القحطانية مبثابة الرد النفعايل على الطورانية، وجاءت جمعية الفتاة العربية الرد النفعايل على جمعية الفتاة الرتكية، ويف كال الردين النفعاليني كان الإطاحة بالهوية

ال�سورية، لتحل حملها هوية اأخرى.

ثانيا- الفكرة القومية خالل احلرب العاملية االأوىل 1918-1914

تبني اأن اأ�سحاب الجتاهات العروبية من امل�سلمني يف العهد العثماين، قبل بداية احلرب العاملية الأوىل، اإنهم مل يطرحوا فكرة القومية ال�سورية العربية اأو الوحدة العربية اأو فكرة النف�سال عن الدولة املركزية العثمانية با�ستثناء قلة منهم، فيما كان رواد القومية ال�سورية العربية والعاملني من اأ�سا�س املفاهيم القومية ولي�ست الدينية، هم اأجل النف�سال عن الدولة العثمانية والحتاد على امل�سيحيون العرب الذين نادوا بالفكر القومي العربي - الآ�سيوي و�سرورة التخلي عن الوحدة

امل�سدر نف�سه، العدد 1435 تاريخ 1913/12/15. 49

النه�سة دار الثانية، العاملية احلرب اإىل الفرن�سية الثورة اأوروبا: من املعا�سر التاريخ العزيز. نوار، عبد راجع: 50

العربية، بريوت 1973، �س 243-265 و 290-267.

31


القائمة على الفكر الديني)51(. وعندما وقع امل�سرق العربي حتت الحتالل الغربي حدثت حتولت �سيا�سية واقت�سادية مهمة، �سكلت عوامل دفع يف نهو�س الفكرة القومية خالل احلرب، واإىل ما

بعدها والتي جت�سدت على اأر�س الواقع.

1- التغيريات االقت�سادية وال�سيا�سية وانعكا�ساتها على الفكرة القومية خالل احلرب العاملية االأوىل 1918-1914

تبنين باأن فكرة الوطن ال�سوري هي اأول فكرة ا�ستقاللية طرحت منذ الإرها�سات الأوىل للحركة القومية 1860، كما �سبق اإي�ساحه، ثم تطورت هذه الفكرة، خالل احلرب العاملية الأوىل، حيث عانى العرب من ويالتها، �سواء من الوجهة القت�سادية وتوقف حركة الت�سدير وال�سترياد عرب بها قامت التي القت�سادية التدابري جلهة اأو احللفاء، �سيطرة حتت اأ�سبح الذي املتو�سط البحر ما هبطت �سرعان والذي الذهبي، النقد ي�ساوي الذي الورقي النقد باإ�سدار العثمانية ال�سلطة اأزمة اأحدث ذلك كل وجوارها، �سورية عرفتها التي اجلراد موجات جلهة اأو ال�سرائية، قيمته اقت�سادية كان لها نتائجها اخلطرية من حدوث جماعة كبرية وتف�سي الأمرا�س املعدية مما ت�سبب بحدوث وفيات كثرية ب�سبب اجلوع، ناهيك عن احلملة الإرهابية التي قام بها جمال با�سا �سد الوطنيني والتي ذهب �سحيتها اأكرث من ثالثني منا�سال قوميا اأعدموا على دفعتني )1915 و1916( �سيا�سية نتائج الأحداث لهذه وكان دم�سق، املرجة يف و�ساحة بريوت ال�سهداء يف �ساحتي يف واقت�سادية واجتماعية خطرية متثلت بتف�سي البطالة، وتوقف التعليم، وزيادة الهجرة اإىل اخلارج، وكان الفتاة العربية جمعية لدى ل�سيما متوقعا، يكن مل فكريا، حتول الوقائع هذه فاأحدثت على ا�ستقالله، املطلوب العربي العامل حدود ر�سم الذي دم�سق، مبيثاق عرف ما يف التحول اأ�سا�س التحالف مع بريطانيا وخو�س احلرب معها �سد الدولة العثمانية، وقيام دولة عربية �سمن

هذا الوطن، على ال�سكل التايل:37 �سمال، ومن هناك على طول العر�س يوازي خط اإىل ما اأ�سنة �شمال: خط مر�سني-

خط: بريجيك، اأورفه، ماردين ميدبات، جزيرة ابن عمرو، اأماديا واحلدود الفار�سية يف ال�شرق: من احلدود الفار�سية حتى خليج الب�سرة.

يف اجلن�ب: املحيط الهندي )با�ستثناء عدن حيث يحافظ على و�سعها اخلا�س(. يف الغرب: �سواطئ البحر الأحمر واملتو�سط حتى مر�سني«)52(.

حالق، ح�سان. موؤمترات ال�ساحل والأق�سية الأربعة 1936، الدار اجلامعي للطباعة والن�سر، بريوت 1983، �س7. 51

اأنطونيو�س. مرجع �سابق، �س 241. اأي�سا: مو�سى، مرجع �سابق، �س 621-721 راجع:خريطة الدولة العربية كما 52

حددها ميثاق دم�سق امللحق رقم )1(.

32

ويف حتديد جمعية العربية الفتاة حدود الوطن على هذا النحو، كانت الإطاحة الثانية بجغرافية الوطن ال�سوري، بعد الطاحة الأوىل بهوية الوطن ال�سوري. وهذا مل يكن بدافع من تطور قومي

يف الفكر بقدر ما كان تلبية مل�سروع قبلي يقوده ال�سريف ح�سني الها�سمي.

وبذلك نت�ساءل: التي احلدود اإىل امليثاق وا�سعو و�سل العربي حتى العقل القومية يف الفكرة تركيب مت كيف ر�سموها؟ وملاذا حتول امل�سلمون من مطلب الإ�سالح اإىل مطلب ال�ستقالل؟ وملاذا ا�ستثنت احلركة العربية اجلانب العربي الأفريقي من م�سروعها، وا�ستثنت عدن التي حتتل موقع القلب يف اجلزيرة العربية ؟ واإذا كانت البواعث الأوىل ليقظة الفكر القومي هو القلق على امل�سري العربي يف مواجهة

اخلطر الأوروبي ال�ستعماري، فكيف انخرط القوميون يف التحالف مع هذا اخلطر؟ اعتمد عبد الغني العري�سي يف خطابه يف موؤمتر باري�س 1913 مفهوما ليرباليا لتعريف الأمة على اآراء علماء الأملان، والعلماء الإيطاليني ومذهب �سيا�سة الفرن�سيني وتو�سل اإىل القول: »اإذا نظرنا اإىل العرب من هذه الوجوه الثالثة علمنا اأن العرب جتمعهم وحدة لغة ووحدة عن�سر، ووحدة تاريخ، ووحدة عادات ووحدة مطمح �سيا�سي، فلهم حق جماعة ،حق �سعب حق اأمة. والعرب يطلبون حقهم ك�سركاء يف هذه الدولة، �سركاء يف القوة الإجرائية، �سركاء يف القوة الت�سريعية �سركاء يف

الإدارات العامة، اأما يف داخلية بالدهم فهم �سركاء اأنف�سهم«)53(.ال�سطراب وا�سح يف كالم عبد الغني العري�سي، فالعربي ح�سب ما ورد �سابقا يف كتاباته حول اأفعال ال�ستعمار يف اجلزائر وليبيا وم�سر تدل على اإدراكه واقع وحدة الأمم العربية من حميطها اإىل خليجها، ويف خطابه يف موؤمتر باري�س اقت�سر حديثه على العرب الذين ي�سرتكون مع العثمانيني

يف دولة واحدة.فالعرب من وجهة نظر العري�سي هم اأمة ذات �سخ�سية خا�سة، وهم اأي�سا عثمانيون)54(. اأما ندره اإذ عد الطبيعية، �سورية اإطار �سيا�سية فقد حددها يف املوؤمتر عن طموحات الذي عرب يف مطران ال�سوريني، �سمنا، اأمة خ�سعت ل�سيطرة الأتراك املبا�سرة، دون اأن يدعو �سراحة اإىل النف�سال)55(. وهنا ي�سجل موقفان لدى العرب، فريق م�سلم يتكلم عن اأمة عربية، وفريق م�سيحي يتكلم عن اأمة

�سورية. وامل�سرتك عند الفريقني هو التخل�س من ال�ستبداد الرتكي.

قلعجي. مرجع �سابق، �س 113-108. 53

قلعجي. مرجع �سابق، �س 107. 54

املرجع ال�سابق، �س 113-112. 55

33


2- اجتاهات الفكر ال�سيا�سي العربي بعد دخول ال�سلطنة العثمانية احلرب 1918-1914

ولكن ثمة حتول �سيطر على الفكر ال�سيا�سي العربي بعد دخول الدول العثمانية احلرب اإىل جانب اأملانيا، فقد ترك الأمري في�سل دم�سق حامال مذكرة قادة العربية الفتاة يف نهاية كانون الأول 1915، اأي بعد حملة جمال با�سا الإرهابية �سد الإ�سالحيني)56(. »ويف هذا ال�سياق و�سعت احلركة القومية ال�سورية العربية يف امل�سرق حدا لرتددها وقررت القطيعة مع الأتراك وتبني امل�سروع الإنكليزي-

ال�سريفي الذي كان يح�سر يف ذات الوقت«)57(.ومن خالل املرا�سالت التي ح�سلت بني ال�سريف ح�سني ومكماهون يتبني اأن ال�سريف ح�سني يوؤكد بتاريخ 9 اأيلول 1915، ا�ستقالل الأرا�سي العربية اخلا�سعة للدولة العثمانية مبا فيها بريوت الآن ندعه »ما فيقول موؤقتا قبول ليوؤكد يرتاجع ثم عليها، الفرن�سية ال�سيطرة راف�سا )الولية(، لفرن�سا يف بريوت و�سواحلها« �سنطالب به كون »وجود هوؤلء اجلريان« �سيقلق اأفكارنا، ول ميكن ال�سماح لفرن�سا بال�ستيالء على قطعة �سغرية من تلك املنطقة«)58(. فيظهر ال�سريف ح�سني، وهو مبوافقتها ل البالد يدخل الذي اجلي�س باأن تقول: التي القاعدة العرب، جهله با�سم املفاو�س

يخرج منها بطلب منها. وهذا يدل على عجز يف الثقافة ال�سيا�سية التفاو�سية.ويف 24 ت�سرين الأول 1915 اأجاب هرني مكماهون على ر�سالة ال�سريف معلنا ا�ستعداد بريطانيا العرتاف با�ستقالل الوليات العربية التي يطلبها ال�سريف ح�سني«... فربيطانيا العظمى م�ستعدة باأن تعرتف با�ستقالل العرب وتوؤيد ذلك ال�ستقالل يف جميع الأقاليم الداخلة يف احلدود التي

يطلبها �سريف مكة)59(.ولكن ال�سريف ح�سني اأبدى ت�ساهال يف جوابه املوؤرخ يف 5 ت�سرين الثاين اإىل مكماهون 1915، اإذ يوافقه بعدم الإحلاح يف اإدخال مر�سني واأ�سنة يف اأق�سام اململكة العربية، ولكنه يبدي مت�سكه بوليتي حلب وبريوت و�سواحلهما كونها »عربية حم�سة ول فرق بني العربي امل�سيحي وامل�سلم

فاإنهما اأبناء جد واحد«)60(.عن ح�سني ال�سريف بتخلي �سروره عن مف�سحا مكماهون اأو�سح 1915 الأول كانون 14 ويف مر�سني واأ�سنه فيقول: »�سرين ما راأيت فيه من قبولكم اإخراج وليتي مر�سني واأ�سنه من حدود ما فهمت كل قد العظمى بريطانيا وبريوت، فحكومة ب�ساأن وليتي حلب اأما العربية... البالد ذكرمت ب�ساأنهما، ودونت ذلك عندي بعناية تامة، ولكن ملا كانت م�سالح حليفتها فرن�سا داخلة فيها

�سعيد، اأمني. اأ�سرار الثورة العربية الكربى وماأ�ساة ال�سريف ح�سني، دار الكتاب العربي، بريوت 1940، �س 57. 56

كوثراين، مرجع �سابق، �س 272. 57

ن�س ر�سالة ال�سريف ح�سني اإىل مكماهون. موؤرخة يف: 9 اأيلول 1915 راجع: امللحق رقم)2( 58

زين. مرجع �سابق، �س 68. 59

ن�س ر�سالة ال�سريف ح�سني اإىل مكماهون. موؤرخة يف 5 ت�سرين الثاين 1915. راجع: امللحق رقم)3( 60

34

فامل�ساألة حتتاج اإىل نظر دقيق و�سنخابركم بهذا ال�ساأن مرة اأخرى يف الوقت املنا�سب«)61(.ه على ر�سائل مكماهون التي اأكد فيها على عدم قبول على الرغم مما ذكره ال�سريف ح�سني يف رد�سيطرة فرن�سا على بريوت و�سواحلها بعد انتهاء احلرب، يتبني، اأن احلركة العربية كانت ت�ست�سهل

التنازل عن احلقوق العربية، فتنازلت عن عدن يف البداية ثم اأتبعتها مبر�سني واأ�سنه.ويت�سح ق�سور الوعي القومي لدى بع�س القادة اآنذاك، يف فهم طبيعة ال�ستعمار، وعدم التعاظ من التجارب التي تعر�س لها ال�سعب العربي يف اجلزائر وليبيا وم�سر من قبل. ناهيك ما يظهر من ق�سور يف الوعي ال�سيا�سي التفاو�سي، اإذ غابت عن املفاو�س العربي قواعد اأ�سا�سية ل ميكن

اإغفالها.اإن املوافقة على وجود جي�س فرن�سي يف بريوت، ي�سهل وجود اجلي�س، ولكن خروجه ل يتم بطلب من الذي ا�ستدعى اجلي�س اأو قبل بوجوده، ومن جهة ثانية ل يوجد حتالف بني طرف قوي واآخر �سعيف اإذ اأن القوي هو القائد وال�سعيف هو التابع، والقوي هو القادر على تعديل وتغيري مواقفه

والرتاجع عن وعوده �ساعة ي�ساء وال�سعيف ل ي�ستطيع فعل ذلك.مكامن القوة العربية غائبة كليا عن ذهن ال�سريف ح�سني، اإذ لو كانت حا�سرة ملا تابع املفاو�سات

بعد ورود الإبهام يف ر�سالة مكماهون املوؤرخة يف 14 كانون الأول 1915. لو اأظهر العرب قوتهم لربيطانيا ملا اأقدمت مع فرن�سا ورو�سيا على اإبرام اتفاقية �سايك�س- بيكو)62( التي جزاأت مبوجبها امل�سرق العربي وملا جتراأت على وعد بلفور باإعطاء اليهود فل�سطني وطنا لهم

على ح�ساب العرب.لقد اأحدثت اتفاقية �سايك�س- بيكو 1916 ووعد بلفور 1917 زلزال �سيا�سيا قلب املقايي�س راأ�سا ن�سال اأدوات انتزاع اإل اأمامه يكن ومل ا�سطراب، حالة العربي يف الفكر وجعل عقب، على

جديدة من الواقع اجلديد الذي فر�سه الحتالل الغربي على امل�سرق العربي.

ثالثا: الفكرة القومية ال�سورية-العربية وواقعها 1922-1918

وقعت اأحداث مهمة يف امل�سرق العربي، يف الفرتة الواقعة ما بني احلربني العامليتني، كان اأبرزها فر�س النتداب الربيطاين على فل�سطني و�سرقي الأردن والعراق، والنتداب الفرن�سي على �سورية ولبنان، فا�ستبدل النظام العثماين الإقطاعي- الع�سكري بنظام ع�سكري احتاليل، كان له نتائج �سيا�سة خطرية، اأبرزها، تق�سيم امل�سرق العربي اإىل دويالت �سعيفة، واأخطرها، التمهيد لقيام دولة

ن�س ر�سالة مكماهون اإىل ال�سريف ح�سني. موؤرخة يف 14 كانون الأول 1916. راجع امللحق رقم)4( 61

راجع: خريطة تق�سيم امل�سرق العربي مبوجب اتفاقية �سايك�س - بيكو 1916. امللحق رقم)5( 62

35


يهودية- �سهيونية على اأر�س فل�سطني. مما يوؤ�س�س اإىل تعقيدات �سيا�سية لحقة �سيكون لها اأبلغ الأثر على تعرث امل�ساريع الوحدوية العربية وبالتايل اإحداث ا�سطرابات يف الفكر القومي.

1- التحوالت ال�سيا�سية يف امل�رشق العربي

انتهت احلرب العاملية الأوىل، وعقدت الهدنة بني احللفاء واأملانيا بتاريخ 11 ت�سرين الثاين 1918، وبات العرب ينتظرون حتقيق احللفاء لوعودهم با�ستقالل البالد العربية، و�سكل موؤمتر ال�سلح1919 لقى حيث ح�سني، ال�سريف لوالده وممثال احلجازي للوفد رئي�سا في�سل الأمري ح�سره الذي البالد ت�سلمه على واعرتا�سها به، العرتاف عدم من وبريطانيا، فرن�سا اأثارتها كثرية �سعوبات ال�سورية )الطبيعية(، وجمابهته باتفاقية �سايك�س - بيكو وق�سية فل�سطني وما يحيط بها من �سغط �سهيوين وا�ستعماري، ثم �سارك يف املوؤمتر بعد تراجع فرن�سا عن موقفها. اأما الأحزاب التي برزت بعد ف�سل ال�سريف ح�سني يف نيل العرتاف به ملكا على العرب من فرن�سا وبريطانيا، فهي: حزب ال�سريف ح�سني يف احلجاز، احلزب ال�سوري الذي كان يرف�س اية و�ساية اأجنبية، واحلزب العراقي الذي كانت له خماوف من �سيطرة النكليز على العراق، وكان ين�سد وحدة اقت�سادية مع ال�سام..

2- فر�ض الهيمنة اال�ستعمارية على امل�رشق العربي

وال�ستقالل، الوحدة يف العرب بحقوق وتذكريه في�سل، بذلها التي اجلهود من الرغم وعلى عام الثاين كانون 30 بتاريخ قرارا ال�سلح موؤمتر اتخذ للعرب، وعودهم بتنفيذ احللفاء ومطالبته 1919 بف�سل لبنان و�سورية وفل�سطني والعراق عن ال�سلطنة العثمانية، على اأن تكون حتت اإ�سراف

و�سي يعمل با�سم ع�سبة الأمم وفق ميثاقها املوؤلف من 26 مادة والتي ن�ست املادة 22 منه على نظام النتداب.

تقدم الأمري في�سل باقرتاح اإىل موؤمتر ال�سلح، باإر�سال جلنة حتقيق للوقوف على رغبات ال�سكان يف قابلته بريطانيا Woodrow Wilson 1920-1912 »البالد، وفيما اأيده الرئي�س الأمريكي »ودرو ول�سنوفرن�سا بفتور وا�سح، فت�سكلت جلنة »كينغ -كرين« King-Crane من اأمريكيني، واإزاء و�سوح موقف فرن�سا وبريطانيا، تنادى املوؤمتر ال�سوري يف 8 حزيران 1919 وا�سرتك فيه ممثلون من خمتلف املناطق ال�سورية، واتخذ املوؤمترون قرارات مهمة كان اأبرزها: ال�ستقالل التام للبالد ال�سورية، ورف�س النتداب مطالب ورف�س �سورية عن فل�سطني ف�سل ورف�س �سورية، يف لها بحقوق الفرن�سية والدعاءات

ال�سهيونيني فيها. واملطالبة با�ستقالل العراق، ورف�س اتفاقية �سايك�س-بيكو)63(.

،1989-1913 الوحدوية العربية امل�ساريع يو�سف. خوري، يف: 223-221 �س ،1919 ،21 جزء املنار، جريدة 63

موؤ�س�سة درا�سات الوحدة العربية، بريوت، 1990، �س 26.

36

اأجرت جلنة التحقيق ا�ستفتاء �سعبيا وا�سعا ورفعت تقريرها اإىل الرئي�س ول�سن الذي اأر�سل بدوره ن�سخا منه اإىل الدول احلليفة، وقد ت�سمن اقرتاحات اأبرزها: تكوين احتاد بني لبنان و�سورية وفل�سطني و �سرقي الأردن، تتوىل زعامته اإحدى هذه الدول، وتتفق فيما بينها، واأن تكون الو�ساية )مبعنى اأهملوا يهودية، ولكن احللفاء قيام دولة التقرير من بريطانيا، وحذر اأو الفنية( لأمريكا امل�ساعدة التقرير ومل ياأخذوا به)64(. ويف �سهر �سباط 1920 عاد في�سل اإىل دم�سق حامال م�سروع اتفاق بينه وبني كليمن�سو يت�سمن اعرتاف في�سل بف�سل لبنان عن �سورية بحماية فرن�سا، مقابل العرتاف با�ستقالل �سورية وم�ساعدتها على توحيد نف�سها على اأن تلبي امل�سالح الفرن�سية، ليح�سل من قادة ال�سعب ال�سوري على التفوي�س بعقد التفاق نهائيا، الأمر الذي رف�سه املوؤمتر ال�سوري املنعقد يف

8 اآذار 1920 مكررا مطالبه يف املوؤمتر ال�سابق، معلنا امللكية يف �سورية بزعامة في�سل)65(.جاء رد احللفاء على مقررات املوؤمتر ال�سوري �سريعا، فعقد املجل�س الأعلى موؤمترا يف �سان رميو بتاريخ الربيطاين والنتداب ولبنان، �سورية الفرن�سي على النتداب فر�س فيه: تقرر 1920 ني�سان 25

على �سرقي الأردن والعراق وفل�سطني على اأن ينفذ وعد بلفور. وتنازلت فرن�سا عن منطقة املو�سل واأحلقت بالعراق مقابل ح�سة نفطية منه.

اإىل احلكومة اأطلقت فرن�سا يد غورو Gouraud قائدها يف ال�سرق لفر�س النتداب، فوجه اإنذارا ال�سورية مدته اأربعة اأيام يطلب فيه: و�سع �سكة حديد رياق- حلب حتت ت�سرف الفرن�سيني، قبول النتداب، اإلغاء التجنيد الإجباري، ت�سريح املجندين، قبول الأوراق النقدية التي اأ�سدرها بنك

�سورية و لبنان، معاقبة »املجرمني« الذين ا�سرت�سلوا يف معاداة فرن�سا)66(.املهلة الإنذار وطلب متديد لقبول في�سل امللك اجته فيما الإنذار قبول ال�سوري ال�سعب رف�س يومني اإ�سافيني. ولكن ال�سلطة الفرن�سية اأمرت جنودها بالزحف من لبنان باجتاه دم�سق، وعندما علمت احلكومة بالنوايا الفرن�سية ا�ستنفرت عددا من اجلنود ليتقابل اجلي�سان يف مي�سلون حيث �سقط وزير الدفاع يو�سف العظمة �سهيدا مع معظم جنوده، دخل على اأثرها الفرن�سيون اإىل دم�سق

وطلبوا من في�سل مغادرة �سورية، فغادرها اإىل فل�سطني ثم اأوروبا.نفذت فرن�سا و�سايتها على �سورية ولبنان قبل �سدور �سك النتداب وق�سمت �سورية اإىل دويالت

طائفية، واأعلنت قيام دولة لبنان الكبري. maud »اأما يف منطقة النفوذ الربيطاين فقد دفعت بريطانيا بقواتها الع�سكرية بقيادة اجلرنال »مود

راجع: �سعيد، اأمني. الثورة العربية الكربى: تاريخ مف�سل جامع للق�سية العربية يف ربع قرن، من�سورات عي�سى 64

البابي احللبي، م�سر جزء 2 د. ت �س 71. و قدورة، زاهية: تاريخ العرب احلديث، دار النه�سة العربية، بريوت، 1985 �س 258.

مقررات املوؤمتر: جريدة املنار، جزء 21 ، 1920، �س 441 - 444 اأي�سا: خوري، مرجع �سابق، �س 340. 65

احل�سري، �ساطع. يوم مي�سلون: �سفحة من تاريخ العرب احلديث، مكتبة الك�ساف، بريوت 1964، �س 118. 66

37


باجتاه العراق فاحتلت بغداد بتاريخ 11 اآذار 1917، وبعد يومني اأ�سدر اجلرنال مود من�سورا يهدف اإىل التقرب من اأهل العراق جاء فيه: »اإننا مل ندخل بالدكم اأعداء فاحتني، اإمنا دخلناها حمررين«)67(. وا�ستكملت �سيطرتها على العراق مبا فيه املو�سل، بتاريخ اإعالن الهدنة يف 11 ت�سرين الثاين 1918. وكان اأول بيان ر�سمي و�سريح حول م�ستقبل العراق قد و�سعته احلكومة الربيطانية عام 1918، اإذ اأمرت باإجراء ا�ستفتاء عام يحدد فيه العراقيون اختيارهم لنظام احلكم مع التاأكيد على اأن الو�سع وزارة فاأبرقت العراقيني، ذلك ير�س فلم ال�سلح، موؤمتر يف نهائيا �سيقرر العربية للبالد النهائي بتقدمي د�ستور حلكومة اإياه 1919، مطالبة 14 �سباط العام يف النائب اإىل الربيطانية امل�ستعمرات املجال يف�سح ما املرونة من وفيه الربيطانية لل�سيطرة ال�سكان، وخا�سع رغبة اإىل م�ستندة عربية ل�سرتاك اأهل البالد)68(. ولكن ال�سلطات الربيطانية و�سعت اأ�س�سا ا�ستعمارية فا�ستبدلته ب�سبب معار�سة بع�س الربيطانيني، فجاء امل�سروع اجلديد �سامال مبادئ النتداب، وما اإن اأعلنت مقررات �سان رميو 1920 حتى اندلعت ثورة عارمة �سملت كل اأنحاء العراق، م�ستمدة زخمها من جذوة ن�سالية عالية امل�ستوى، ومن جتربة ال�سوريني و اإعالنهم ال�ستقالل بزعامة في�سل، ويزيد يف اإ�سرام

نارها فتاوى علماء الدين وعلى راأ�سهم املجتهد ال�سريازي)69(. باأعيان فات�سل ،)70( العراق على مدنيا حاكما عينت الثورة، تهدئة من بريطانيا تتمكن مل وملا البالد، وتاألفت وزارة برئا�سة عبد الرحمن الكيالين نقيب بغداد 23 ت�سرين اأول 1920، ولكن

الهيمنة الربيطانية كانت باقية عليها.حال فيه يرون الربيطانيون كان مي�سلون، معركة بعد �سورية في�سل امللك غادر وعندما »ون�ستون امل�ستعمرات وزير برئا�سة 1921 القاهرة يف موؤمتر فانعقد العراق، يف ملع�سالتهم في�سل امللك تر�سيح مت حيث وعراقيني، اإنكليز م�سوؤولني وح�سور )1965-1871( ت�سر�سل«

ملكا على العراق)71(.

املحا�سني، زكي. النه�سة العربية احلديثة )العراق(، درا�سات تاريخية يف النه�سة العربية احلديثة، كتبها حممد 67

�سفيق وترتيبها حممد وقام برتجمتها الكرمي، و�سع خطتها اأحمد عزت عبد املحا�سني، �سريف، زكي بديع غربال جامعة الدول العربية الإدارة الثقافية، القاهرة، 1960، �س 272

املحا�سني. مرجع �سابق، �س295. 68

الثورة اأركان اإمامي، من ال�سريازي: جمتهد احلائري تقي بن حمب علي بن حممد علي كل�سن هو حممد 69

العراقية على الإنكليز �سنة 1920، واأول من دعا اإليها من رجال الدين. ولد ب�سرياز، ون�ساأ يف احلائر، واأقام يف �سامراء. وله حملة الفكرة ال�ستقاللية يف النجف، زعامتهم الدينية، فانتقل اإىل كربالء، واأ�سدر فتواه يف: اأن امل�سلم ل يجوز اأن يختار غري امل�سلم حاكما عليه. راجع: )الزركلي، خري الدين. الأعالم، دار العلم للماليني،

بريوت 1980(. هو »بري�سي كوك�س« »Percy Cox« وقد عني بتاريخ 11 ت�سرين الأول 1920. 70

الريحاين، اأمني: ملوك العرب: رحلة يف البالد العربية، اجلزء 2، دار اجليل، بريوت 1951، �س 377. 71

38

و�سدر عن ع�سبة الأمم �سك النتداب الربيطاين على فل�سطني و�سرقي الأردن عام 1922، ويف كون هو يف النتداب �سك جاء يف ما واأخطر فل�سطني، عن الأردن �سرق ف�سل وقت لحق بلفور بريطانيا من حتقيق وعد اإدارة فل�سطني، لكي تتمكن لربيطانيا يف اليهودية �سريكا الوكالة

باإقامة وطن قومي لليهود على ار�س فل�سطني.

خامتة

القومية الفكرة العقيدة باإبعاد )1949-1932( بعد فيما �سعاده الذي ح�سمه التخبط هذا بعد عن النفعالية، واإخ�ساعها للعقالنية والعلم. واأر�سى الفكرة ال�سورية على قواعد �سحيحة، وعلى اأعاد الكثريون النظر الرغم من ا�ستمرار النهج النفعايل مب�سريته التي مل تنتج �سوى اخليبات. بواقع الفكرة القومية، بعد مرور عقود طويلة، وتو�سلوا اإىل ما تو�سل اإليه �سعاده العظيم منذ عقود

وهذه عينة منهم: �سورية )تق�سيم التق�سيم، اأن واحلق ا�ست�سهاده: بعد املن�سورة و�سيته يف جنبالط كمال يقول والأردن النتدابي ولبنان النتدابية لفل�سطني ينبغي وكان حم�سا، ا�سطناعيا كان الطبيعية( النتدابي، اأن تكون دولة واحدة. كما كان باإمكان الأقليات كافة يف اإطار كهذا- اأن تتخل�س من مراودة التع�سب الطائفي لها عن نف�سها واأن ت�سلك �سبيل القومية ال�سورية- العربية، التي كانت اأن واعتقادي 1200�سنة، منذ القائمة ال�ستقاللية ال�سراعات خمتلف وخمرية جوهر �ستمثل هذه القومية هي القومية الوحيدة القابلة للحياة يف هذه املنطقة. فقد جرى ا�سطناع قومية لبنانية واأخرى فل�سطينية وثالثة �سورية )�سامية(، اإل اأن كل ذلك كان معاديا للقومية وي�سري عك�س وجهة

فل�سفة التاريخ)72(. ويقول الباحث غ�سان �سالمة يف كتابه املجتمع والدولة يف امل�سرق العربي: وكون فكرة الوحدة العربية »�سامية« املن�ساأ، يطرح ال�سوؤال التايل: ما مدى ا�ستعداد منطقة »الهالل اخل�سيب« ومدى اإىل اأن الأقطار »الهاللية« هي الأقرب يبدو قدرتها على هذا الجتاه ؟ وياأتي اجلواب، »�سكليا الوحدة العربية، فهي تبدو على الإطالق اأكرث البلدان العربية احت�سانا للفكرة ومت�سكا بها. اإذ اأن التناحر بني حملة الفكرة الواحدة يوؤدي بها اإىل قدر هائل من التهافت وال�سعف، ولكي تت�سلب الفكرة العربية ل�سيما يف »الهالل اخل�سيب« الذي انطلقت منه، ينبغي اإعادة تاأهيل عميقة لها

قبل اأن توؤخذ يف احل�سبان، كفكرة راقية اأو على الأقل قابلة للتحقيق)73(.

جنبالط. كمال، هذه و�سيتي، موؤ�س�سة »الوطن العربي« للطباعة والن�سرة ومن�سورات �ستوك، باري�س، 1978 �س 72

.68-67

�سالمة، غ�سان. املجتمع والدولة يف امل�سرق العربي، مركز درا�سات الوحدة العربية، بريوت، 2008. �س 287. 73

39


العربي البعث العربي فيقول يف ندوة فكرية على منرب حزب القومي يا�سني �سويد اأما الدكتور ال�سرتاكي عام 2004 » يدخل »اأنطون �سعاده« موؤ�س�س »احلزب ال�سوري القومي الجتماعي«، القومية، الفكرة �سميم ويف الأمة، تكوين يف وثابت، مهم اأ�سا�سي، كعن�سر »اجلغرافيا« عامل بحيث » حتدد البيئة اجلماعة من عدة وجوه، اأولها: حدود الإقليم اجلغرايف، وثانيها: طبيعة الإقليم ...وثالثها: �سكل الإقليم )اأو طوبوغرافيته(«، ذلك اأن احلدود اجلغرافية حتفظ وحدة اجلماعة، لأنها جتمعها �سمنها، وتكون العامل الأول يف املحافظة عليها« �سعادة، ن�سوء الأمم، �س 45. ل�سك بان

�سعادة على حق يف اعتباره العامل اجلغرايف يف تكوين الأمة عامال مهما واأ�سا�سيا.« )74(ويتابع اإن الوحدة املمكنة، واملرجتاة، بني اأقطارنا، هي الوحدة الحتادية، وهي على ال�سكل التايل:

وحدة بالد ال�سام والعراق )�سورية ولبنان وفل�سطني و�سرق الأردن والعراق(. وحدة �سبه اجلزيرة العربية ) اململكة العربية ال�سعودية واليمن وعمان والإمارات العربية

املتحدة وقطر والبحرين والكويت(.وحدة وادي النيل )م�سر وال�سودان واأريرتيا(.

وحدة املغرب العربي) ليبيا وتون�س واجلزائر واملغرب وموريتانيا وال�سحراء الغربية(. وحدة جيبوتي وال�سومال. بحيث يحتفظ كل قطر ب�سلطته، ويتبع، فيما تبقى، اإىل ال�سلطة

املركزية لالحتاد.)75(

على موؤثرة عا�سفة هبت كلما وتتغري وامل�ساعر للعواطف تخ�سع التي العقائد باأن فاأقول اأعود امل�ساعر لتتحول اإىل غري حال، ثم ت�سبح املقد�س الذي يتحجر به النا�س، ل حت�سد غري اخليبات، فيما العقائد اخلا�سعة للعقل والعلم، هي العقائد ال�سحيحة، املنت�سرة، لأنها قابلة للتطور اليجابي املفيد، العا�سية على التقدي�س، ول ميكنها اأن حتجر اأتباعها بفعل »ديناميتها« املتطورة �سعدا من

جناح اإىل جناح.

العربي البعث حزب القومي، الفكر يف احلوارية البعث ندوة يف: القومي، الوعي ا�ستعادة يا�سني، �سويد. 74

ال�سرتاكي، القيادة القومية، مكتب الأمانة العامة، جلنة الدرا�سات والأبحاث، رقم 1 دم�سق، 2008 �س 120. املرجع نف�سه، �س 137. 75





ىلالأو

ية امل

لعاب ا

حلرية ا

مئو20

14 –

191

4

41

انعكا�سات نتائج احلرب العاملية االوىل على امل�رشق

عل�ان نعيم اأمني الدين - باحث يف العالقات الدولية

هناك من يعد اإل، ومل لي�س التاريخ نب�س يف هو املو�سوع ملثل هذا التطرق اأن الكثريون يظن فائدة للبحث والتمحي�س حوله، غري اأن تدعيات احلرب العاملية الوىل )1914-1918( ل تزال تنعك�س على املنطقة امل�سرقية يف كثري من النواحي واملجالت، ولو اأن عددا من التغيريات قد طراأت عليها، اإل اإن البع�س يتعرب اأن لهذه احلرب »نتائج كارثية«. فالرغم من مرور حوايل مائة عام على قيامها، ل نزال نعي�س حتت وطاأة الكثري من املتغريات، ل �سيما ال�سيا�سية، التي تفرعت عنها والتي اأدخلت دول امل�سرق يف اآتون النزاعات وال�سراعات التي قد تبقى وت�ستمر اإىل عقود مقبلة ما مل يتم ال�ستفادة واخذ العرب والعمل على ازالة تلك الآثار والعمل على قيام م�سرق جديد

ي�ستعيد مكانته جمددا ليكون لعبا حموريا يف �سراع المم. بع�س يف املعلومات لقلة )نظرا اخلا�سة املقابالت بع�س اإجراء ومع املو�سوع هذا عن بالبحث تلك تاريخية، يف اأحداث عن املعلومات من العديد يظهر منها(، القت�سادية خا�سة النواحي الآونة، ل يعرفها �سوى قليلني، وهي بالتاأكيد �سوف تعطي بعدا جديدا يف�سر وقائعا كانت نوعا ما

حمل غمو�س وابهام.

1. االآثار ال�سيا�سية واجليو �سيا�سية

تعترب اتفاقية �سايك�س-بيكو )1916( من اأهم نتائج احلرب العاملية الوىل على ال�سعيدين ال�سيا�سي واجليو �سيا�سي، فلقد �سكلت مدخال ل�ستعمار امل�سرق وال�سيطرة على ثرواته من خالل تق�سيمه و�سرب اأوا�سله التاريخية، وما زلنا حتى يوم هذا نعي�س اآثارها وتفرعاتها �سيما عند احلديث عن وعد بلفور يف 2 ت�سرين الثاين/نوفمرب 1917، والذي اأدخل عن�سرا طارئا على املنطقة باعطاء وعد بن�سوء كيان »دولة اإ�سرائيل« التي كان الق�سد منه ت�سكيل »ذارع« اأوروبي للهيمنة على املقدرات

القت�سادية املوجودة يف امل�سرق.

42

هنا، بداأت احلركة ال�سهونية جتني ثمار �سنوات من اجلهد، وكان ثمرة ذلك لقاء جمع بني المري في�سل ابن ال�سريف ح�سني )امللك في�سل لحقا( وممثل احلركة ال�سهونية وقتها الربوف�سور حاييم اأوا�سط حزيران/يونيو ففي الردن، �سرق على المري قبل زحف العقبة وايزمان يف خيمته يف الربيطانية، داخل متزايد من احلكومة ملح و�سغط بعد طلب الربوف�سور »ا�ستقبل المري 1918

خيمته امل�سروبة على تلة تقع على بعد ب�سعة اأميال اإىل ال�سمال من املدينة. ويقول ال�سهود اإن حاييم وايزمان اأكد لالمري في�سل اأن ال�سهيونيني ل ين�سون اأن يعملوا على اإن�ساء حكومة يهودية يف فل�سطني، واأن كل ما يرغبون فيه هو اأن ي�ساعدوا يف تطوير البالد، قدر ا�ستطاعتهم، دون اأذى

ي�سيب امل�سالح العربية امل�سروعة.« وكانت نتيجة مثل هذه اللقاءات توقيع اتفاق م�سرتك بتاريخ 3 كانون الثاين/يناير 1919 ن�سرت اأر�س يف اليهود بحق المري خالله من اعرتف ،1936 عام اللندنية »التاميز« �سحيفة م�سونه

فل�سطني. هذا ن�س التفاق:

)مقدمة(عنها، والنيابة بالعمل احلجازية العربية اململكة ممثل في�سل المري امللكي ال�سمو �ساحب »اإن لقرابة منهما واإدراكا عنها، بالعمال والقائم ال�سهونية املنظمة ممثل وايزمان حاييم والدكتور لتحقيق الكيدة الو�سائل باأن واعرتافا واليهودي، العربي ال�سعبني بني القدمية والروابط الدم طموحاتهما الوطنية هو عرب التعاون الوثيق يف تطوير الدولة العربية وفل�سطني ورغبة منهما يف تاأكيد

التفاهم القائم بينهما اتفقا على ما ياأتي:والتفاهم وال�سراحة الودية امل�ساعر البلدين بني واللتزامات العالقات ت�سود الوىل: املادة

ولتحقيق ذلك فاإن ممثلني عربا ويهودا �سيتم تبادلهم يف كال اجلانبني.العربية الدولة بني احلدود تقرير ال�سالم موؤمتر مداولت من النتهاء بعد يتم الثانية: املادة

وفل�سطني من قبل جلنة يتم التفاق على ت�سكيلها بني الأطراف امل�سرتكة.املادة الثالثة: كل الجراءات املتفق عليها �سوف يبقي عليها الد�ستور وتتبناها حكومة فل�سطني الربيطانية احلكومة وعد التنفيذ، مو�سع الو�سع اأجل من ال�سمانات بكافة احلكومة و�ستتمتع

ال�سادر يف ت�سرين الثاين 1917.املادة الرابعة: �سوف تتخذ جميع الجراءات الالزمة لت�سجيع وت�سريع هجرة اليهود اإىل فل�سطني على نطاق وا�سع وباأ�سرع ما ميكن �سوف يتم توطني املهاجرين اليهود يف الر�س من خالل اإقامة العرب وال�سكان املزارعني حقوق ت�سان و�سوف الر�س ا�ستغالل وتكثيف لهم م�ستوطنات

وتقدم لهم امل�ساعدات لتطوير اقت�سادهم.

43


املادة اخلام�شة: ل يجب اأن حتول اأو تتدخل اأية اإجراءات اأو قوانني باأية طريقة من الطرق يف ممار�سة املواطنني لدياناتهم و�سوف يتمتع املواطنون دائما مبمار�سة طقو�سهم وعباداتهم بدون متييز او

تف�سيل ول يطلب من اأحد اأن ميتحن يف دينه من اأجل ممار�سة حقوقة ال�سيا�سية واملدنية.املادة ال�شاد�شة: تكون الماكن ال�سالمية املقد�سة حتت اإدارة اإ�سالمية.

للقيام مب�سح فل�سطني اإىل تر�سل جلنة من اخلرباء اأن ال�سهيونية املنظمة ال�شابعة: تقرتح املادة لالأماكن القت�سادية يف البالد ولو�سع تقرير حول اأف�سل الو�سائل لتطوير هذه المكانات و�سوف ت�سع املنظمة ال�سهيونية اللجنة املذكورة يف ت�سرف الدولة العربية من اأجل القيام مب�سح اقت�سادي للدولة العربية وت�سع تقريرا حول اأف�سل الو�سائل لتطوير هذه المكانات و�سوف تبذل املنظمة ال�سهيونية كل جهودها مل�ساعد الدولة العربية يف تطوير م�سادرها الطبيعية وامكاناتها القت�سادية.

و�سع اجل من تام ووفاق ان�سجام تعمل يف اأن هنا املجتمعة الطراف توافق الثامنة: املادة امل�سائل التي بحثت يف موؤمتر ال�سالم مو�سع التنفيذ.

اإىل احلكومة املتفق عليها امل�سائل نزاع حول ين�ساأ من قد ما الطرفان يف يلجاأ التا�شعة: املادة الربيطانية للتحكيم.«1

يروي لنا اخلبري يف القت�ساد وال�سيا�سة ال�ستاذ غالب اأبو م�سلح عن والده هاين )والذي واكب الثورة العربية وعر�س عليه امللك في�سل تويل وزارة يف حكومته لكنه رف�س( »اأن م�سطفى كمال اأتاتورك )عندما كان �سابطا يف اجلي�س الرتكي( ات�سل بالأمري في�سل طالبا لقاءه يف ال�سكندورن، وذلك بعد دخول القوات العربية اإىل بالد ال�سام، من اأجل التكافل والتعاون على طرد الفرن�سيني وحترير املنطقة منهم، اإل اأن الأمري في�سل رف�س اللقاء به. وبعد طرد في�سل من منطقة بالد ال�سام،

جيء به اإىل العراق لقمع الثورات التي حدثت �سد الجنليز يف حينها.«هناك حمطة مهمة يجب ال�سارة اإليها هنا. انها جلنة كينغ-كراين التي �سكلها الرئي�س الأمريكي اآنذاك وودورد ول�سون، خالل انعقاد موؤمتر ال�سلح يف باري�س عام 1919، بهدف الوقوف على راأي القاطنني يف املنطقة )لبنان-�سوريه-فل�سطني(. فلقد جاء تقرير اللجنة على �سكل »وثيقة �سيا�سية هاما من مراجع هامة على جانب كبري من املو�سوعية والتفهم. واعتربها بع�س املوؤرخني مرجعا الثالثة باأقاليمها �سورية بوحدة تقريرها اللجنة يف طالبت املرحلة. تلك الفل�سطينية يف الق�سية فل�سطني ولبنان و�سورية، مع اإعطاء لبنان حكما ذاتيا يف اإطار الوحدة ال�سورية. وقالت اإن �سورية �سورية على النتداب اإعطاء واقرتحت اخلارجية. باملعونة ترحب ولكنها بالنتداب، ترحب ل

كتاب ال�سراع العربي ال�سرائيلي ملوؤلفه جون نورثون مور، نقال عن كتاب: املفاو�سات العربية ال�سرائيلية 1949- 11991 ال�سادر عن املركز العربي لالبحاث والتوثيق، الطبعة الوىل، بريوت-لبنان، 1992، �سفحة: 21-20.

44

وقررت �سورية. على الفرن�سي النتداب فر�س من وحذرت لربيطانيا. العراق وعلى لأمريكا، اللجنة اأن العداء لل�سهيونية ل يقت�سر على فل�سطني بل ي�سمل �سورية كلها، واأن هناك اإجماعا على رف�س الربنامج ال�سهيوين رف�سا باتا. وجاء يف التقرير اأن اليهود فقط هم الذين يوؤيدون ال�سهيونية، 10% من ال�سكان الفل�سطينيني، واأنهم يتفقون على جعل فل�سطني وطنا واأنهم ي�سكلون حوايل قوميا لهم واإن اختلفوا على بع�س التفا�سيل والو�سائل املتعلقة بزمن اإقامة الدولة اليهودية ومدى ارتباطها بالدين اليهودي وغري ذلك. وقال التقرير اإن اليهود متفقون على اأن تكون بريطانيا هي الو�سية على فل�سطني لأنها �ست�ساعدهم يف حتقيق ماآربهم بت�سهيل الهجرة واإباحة �سراء الأرا�سي. واعرتفت اللجنة باأنها مل�ست بو�سوح اأجماع ال�سهيونيني على اإجالء �سكان فل�سطني عن اأرا�سيهم بعد جتريدهم منها ولو عن طريق ال�سراء. وحذرت اللجنة موؤمتر ال�سلح من جتاهل �سعور الأهلني العدائي جتاه ال�سهيونية. كما حذرت من نية بريطانيا تنفيذ الربنامج ال�سهيوين بالقوة امل�سلحة. وقالت اإن مطالب ال�سهيونيني يف فل�سطني مبنية على كونهم احتلوها قبل األفي �سنة، وهذه دعوة

ل ت�ستوجب الكرتاث والهتمام. ثم اأوجزت اللجنة التو�سيات التالية بالن�سبة اإىل فل�سطني:وجوب حتديد الهجرة اليهودية اإىل فل�سطني والعدول نهائيا عن اخلطة التي ترمي اإىل جعلها )1

دولة يهودية.�سم فل�سطني اإىل دولة �سورية املتحدة لتكون ق�سما منها �ساأنها يف ذلك �ساأن الأق�سام الأخرى. )2

و�سع الأماكن املقد�سة يف فل�سطني حتت اإدارة جلنة دولية دينية ت�سرف عليها الدولة املنتدبة )3 وع�سبة الأمم وميثل اليهود فيها ع�سو واحد.

قوبل تقرير اللجنة مبعار�سة �سديدة من فرن�سا وبريطانيا واحلركة ال�سهيونية. واأما الرئي�س الأمريكي ول�سون الذي كان من اأ�سد املتحم�سني يف موؤمتر ال�سلح لإر�سال جلنة فقد قابل هو الآخر التقرير بعدم اكرتاث. ويعزو بع�س املوؤرخني هذا التحول يف املوقف الأمريكي اإىل ال�سغوط ال�سهيونية التي تعر�س لها ول�سون، واإىل تدخل املخابرات الأمريكية يف الق�سية الفل�سطينية ل�سالح ال�سهيونية. ولذلك ظل تقرير اللجنة طي اخلفاء اأكرث من ثالث �سنوات حتى اأذن الرئي�س الأمريكي ول�سون

باإذاعته يف كانون الأول 1922.«يف املقابل، يرى اخلبري ال�ستاذ غالب اأبو م�سلح اإىل اأن تقرير جلنة كينغ-كراين )وفق معلومات

لديه( »ت�سمن ما يلي:اإن�ساء وطن قومي لليهود يف فل�سطني؛

اإن�ساء وطن قومي للم�سحيني يف لبنان؛ اإن�ساء وطن قومي لالأرمن ميتد من البحر الأ�سود اإىل ال�سكندرون على �سكل »راأ�س ح�سان«

45


املتحدة الوليات واإعطاء ال�سام، بالد الباقني يف وامل�سلمني التراك امل�سلمني بني يف�سل وبريطانيا. فرن�سا من كل اأيدته فيما جدواه، لعدم رف�سته الأخرية لكن عليها، الو�سايا وهذا هو ال�سبب، يف راأي ال�ستاذ اأبو م�سلح، وراء ان�سحاب الوليات املتحدة من املوؤمترات

وانكفائها عن املنطقة والعودة اإىل الهتمام بالقارة المريكية وتطبيق مبداأ مرنو.«

لقد �ساهمت �سايك�س-بيكو يف تفتيت املنطقة املوحدة بفعل اجلغرافيا اإىل دول ذات حدود م�سطنعة، وغري قابلة للحياة مبفردها، ناهيك عن تقطيع اأو�سال الدولة الواحدة اإىل دويالت على غرار ما حدث

يف �سوريه، اإذ مت تف�سيمها اإىل اأربع دويالت: دم�سق، حلب، دولة العلويني ودولة الدروز.ويرى الباحث يف التاريخ ال�ستاذ ندمي حمزة اأن ثورة �سلطان با�سا الأطر�س وبرغم ف�سلها »كانت من القواعد التي انطلقت منها بداية الوحدة ال�سورية اآنذالك.« اإ�سافة اإىل ذلك، يرى ال�ستاذ ندمي حمزة باأن الردن هو »اأكرث الكيانات امل�سطنعة يف امل�سرق، حيث كان يعتمد على الدول ال�ستعمارية ب�سكل اأ�سا�سي، وهو ما يف�سر بقاء قيادة اجلي�س الردين بيد غلوب با�سا، و�سيطرة

الجنليز عليه حتى �سن العدوان الثالثي على م�سر عام 1956.«بعد �سقوط الدولة العثمانية، مت تق�سيم اأرا�سيها بني املنت�سرين يف احلرب، واأخرجت من مناطق ا�سا�س ذلك يف واكيم الدكتور جمال ويرى عليها. ال�سيطرة ولها حق اأرا�سيها تعتربها �سمن نتيجة هو ال�سكندرون على وال�سيطرة العراقيتني، وكركوك باملو�سل باملطالبة تركيا »ا�ستمرار اتاتورك كمال م�سطفى يد على العلمانية الدولة وقيام »الكمالية« احلركة ظهور ومع لذلك.« والغائه للخالفة العثمانية، ا�ستطاعت تركيا املحافظة على نوع من التمايز يف �سخ�سية فريدة بني امل�سرق واوروبا. يرى الدكتور جمال واكيم اأن »هناك العديد من العوامل التي �ساهمت يف اإبراز

الهوية الرتكية اهمها:فر�س الهوية فر�سا من خالل قيام املوؤ�س�سات كافة؛

وجود الدين ال�سالمي كدين جامع لغالبية مواطنيها؛ النجاح يف خلق لغة م�سرتكة )لغة تركية وحروف خا�سة(.«

ب�سكل ال�ستعمارية الدول م�سلحة من كان تركيا على احلفاظ »اأن ندمي حمزه ال�ستاذ ويرى مبا�سر اأو غري مبا�سر بناء على املرتكزات التالية:

اعتبار العلمانية »دين« واجلي�س حامي النظام؛ الندفاع الرتكي نحو اأوروبا اليوم وال�سعي اإىل الدخول يف احتادها؛

46

ان�سمام تركيا اإىل حلف �سمال الطل�سي )الناتو( واعتبارها موقعا متقدما له؛ ن�سر ق�سم من الدرع ال�ساروخي للحلف على اأرا�سيها موجه نحو ال�سرق.«

2. االآثار االقت�سادية

مع مرور الزمن، يت�سح جليا باأن الهدف الكامن وراء اإقرار �سك النتداب على امل�سرق العربي هو ال�ستعمار بلبا�س قانوين دويل لل�سيطرة على هذه املنطقة احليوية من العامل وتفكيكها اإىل كيانات لي�سهل التعامل معها، وهي التي تختزن العديد من الرثوات الطبيعية واعتبارها عقدة املوا�سالت

بني ال�سرق والغرب.بالن�سبة اإىل القت�ساد، يتحدث ال�ستاذ غالب اأبو م�سلح، وبرغم قلة املعلومات املتوافرة عن هذه املنطقة يف تلك الفرتة الزمنية، عن الرتابط يف القت�ساد بني لبنان وفل�سطني، فلقد كانت هناك »عالقات اقت�سادية زراعية خ�سو�سا مع ا�ستهار الفل�سطينيني بالزراعة وحتديدا احلم�سيات، وظهر ذلك بعد ن�سوء الكيان »ال�سرائيلي« وتهجري الفل�سطينيني اإىل لبنان والدول املجاورة، اإذ �ساهمت خربة اليد العاملة الفل�سطينية يف الزراعة اللبنانية ب�سكل مبا�سر وكبري، كذلك الطافات الب�سرية يف املو�سوع القت�سادي حيث مت تاأ�سي�س عدد من امل�سارف )بنك اأنرتا ل�ساحبه يو�سف بيد�س(

التي مازال بع�سها م�ستمر يف املل حتى اليوم )البنك العربي، بنك عودة(.«كما يذكر ال�ستاذ غالب اأبو م�سلح الرتابط القت�سادي بني كل من لبنان و�سوريه الذي »عرب عنه وجود بنك مركزي م�سرتك ل�سدار العملة، وجهاز جمركي موحد اإىل اأن انف�سال يف العام 1952، الدولتني على منط معني من القت�ساد، النظر القت�سادية وتركيز كال ب�سبب اختالف وجهات القدم منذ التجارة واحرتافه لبنان تاريخ اإىل ت�ستند جتارية« »برجوازية لبنان يف ظهرت حيث )الفنيقيني( وهو ما ا�ستفاد منه مرحليا يف بدايات ال�سراع »العربي-ال�سرائيلي« كممر للم�سرق، بينما يف �سوريه »برجوازية انتاجية« )زراعية و�سناعية( جعل لها قوة اقت�سادية مبنية على القت�ساد تاأ�سي�س ذلك على المثلة اأبرز ومن الريعي«. القت�ساد على العتماد من بدل املنتج املوجه ال�سركة الوطنية ل�سناعة ال�سمنت ومواد البناء عام 1930 يف دمر قرب دم�سق، وتاأ�سي�س �سركة ميناء يناف�س اأ�سبح الذي الالذقية ميناء غرار على التجارية املرافئ وان�ساء واملنا�سج، املغازل

بريوت.ل �سك باأن تفتيت املنطقة وتدمري اقت�سادها كانا من اأهم اأ�سباب اإيجاد الكيان »الإ�سرائيلي«، وهو عالوة على ذلك اأي�سا اعترب الذراع الع�سكرية للغرب يف لل�سيطرة على ثروات امل�سرق او على القل منع اأ�سحابها من ا�ستغاللها، وهو ما توؤكده احلقائق التاريخية لكون بريطانيا من موؤ�س�سي

47


هذا الكيان باعطاء وعد بلفور وو�سع فل�سطني حتت �سيطرتها وت�سجيع الهجرة اليهودية اليها، لرتثه الوليات املتحدة بعد �سقوط ال�ستعمار الربيطاين والفرن�سي غداة العدوان الثالثي على م�سر

عام 1956.وتقع اأهمية امل�سرق اأي�سا يف كونه ي�سكل جزءا من »طريق احلرير« التاريخية التي ت�سل ال�سرق الدول اأطماع عليه تالقت والتي والغرب، ال�سرق بني املوا�سالت عقدة فهو باأوروبا، الق�سى من يختزن عما ناهيك العامل، بتجارة التحكم ي�ستطيع اجلزء هذا على ي�سيطر فمن الكربى. ثروات اكت�سفت �سابقا ومت الك�سف عنها اليوم. وهذا ما يف�سر ال�سراع احلايل على املنطقة وحماولة ال�سيطرة عليها، فما ي�سهده امل�سرق اليوم من هجوم عليه تعود اإىل اأنه ميثل عقدة موا�سالت للطاقة

واداة للتحكم باأوروبا حتديدا من خالل تزويدها مبا حتتاجه حلياتها اليومية يف كافة املجالت. اأما اأحد اأهم اأ�سباب ال�سراع على امل�سرق بعد احلرب العاملية الوىل فيتلخ�س يف النفط اأو »الذهب ال�سود«. ولقد كان العراق من اأبرز الدول امل�سرقية التي ظهر فيه النفط حينها، لهذا مت التفاق بني كل من فرن�سا وبريطانيا على تقا�سمه. ففي »عام 1918 اأ�سبح مو�سوع النفط طاغيا. وبح�سب على يح�سلون الربيطانيني لكن كبري يوجد خمزون املو�سل حيث على فرن�سا ت�سيطر التفاق تلبية �سغوط املجموعات ال�ستعمارية لكن بتحديد اراد جورج كليمن�سو النفطية. المتيازات ال�سيطرة الفرن�سية يف »�سوريا املفيدة« التي ل ت�ستمل على فل�سطني ولكن ت�سمح بالو�سول اإىل املوارد النفطية. فالتو�سع املفرط على الر�س من �ساأنه زيادة الكلفة الدارية ب�سكل ل يتنا�سب مع العائدات املحتملة. كان ذلك مبثابة التخلي عن �سوريا الكاملة اأو »�سوريا الكربى« كما ت�سمى اليوم. وغداة الهدنة راح كليمن�سو يتفاو�س مبا�سرة مع لويد جورج حول تق�سيم ال�سرق الو�سط

يف غياب اي �سهود.«ا�ستطاع اأوزارها الأوىل العاملية »و�سعت احلرب وعندما اأنه الدليمي الباحث حيدر على يذكر الباحثون عن النفط اأن يكت�سفوه يف املناطق القريبة من ايران واملتاخمة للعراق، وكان ال�سيا�سيون اإن بريطانيا اإىل تركيا احلالية، ل بل اأمالك الدولة العثمانية التي انح�سرت الوربيون يقت�سمون وفرن�سا اأعادتا بعد اأنت�سارهما يف احلرب العاملية الأوىل وبالتحديد يف نهاية اكتوبر/ت�سرين الأول من عام 1918 نقل ولية املو�سل من �سيطرة النفوذ الفرن�سي اإىل الربيطاين بدل من �سوريا ب�سرط منح الفرن�سني ح�سة يف نفط املو�سل، وهكذا مت اعداد اتفاقيات بريينغر- لونغ و�سان رميو و�سايك�س اأكتوبر/ ت�سرين الأول 1927 من بئر بابا كركر يف بيكو... ورغم تفجر النفط بكميات كبريه يف منطقة كركوك اإل اأن عملية اأنتاج النفط تاأخرت حتى بداية الثالثينات اأي اإىل حني التفاق ثم النتهاء من مد اأول خطوط نقل النفط غربا باجتاه �سوريا ولبنان واللتان كانتا خا�سعتان لالأنتداب الفرن�سي... كانت ح�سة الدولة العراقية احلديثة )�سلنات عن الربميل الواحد( ظلت تزداد حتى

نهاية احلرب العاملية الثانية حتى و�سلت اإىل ما يقارب الدولر الواحد عن كل برميل.«

48

3. االآثار االجتماعية

لعب ال�ستعمار على الوتر الطائفي وا�ستغل ذلك كله يف خدمة م�سلحته، فبث الفرقة يف املجتمع وبني اأفراد البيئة الواحدة. واأبرز مثال على ذلك تق�سيم �سوريه اإىلاأاربع دويالت على اأ�سا�س ديني )الدولة العلوية والدولة الدرزية( حماول بذلك �سرب قدرة الوطنيني ومنعهم من جتميع قواهم لطرد ال�ستعمار من البالد. كما اأ�س�س لكيانات م�سطنعة )لبنان-�سورية( مع اأن هناك العديد من الروابط، وخا�سة الأ�سرية منها، التي جتمع بني البيئتني. وما بني �سوريه والعراق لي�س اأقل اأهمية، فالقبائل املنت�سرة بني الكيانني والتي كانت جتوب املنطقة ل تعرتف مبثل تلك احلدود، فهي وعلى

مر عقود من الزمن كانت تعرب هذه املناطق وتعتربها ار�سا واحدة.اأ�سافة اإىل ذلك، اأيقظ ال�ستعمار الطائفية واملذهبية بني اأبناء البيئة الواحدة والتي اعتمد عليها لبنان(، يف املوارنة املثال �سبيل على فرن�سا حمت )فلقد املنطقة يف مكانته لتثبيت قرون منذ وجعلها مكر�سة قانونا وعرفا. ولعل لبنان من اأبرز الأمثلة احلية على ذلك، وظهر من خالل قانون اأعطى للم�سيحيني مقاعد نيابية زيادة على املقاعد النيابية للم�سلمني النتخابات النيابية الذي كونهم كانوا ي�سكلون اأغلبية عددية بح�سب اإح�ساء عام 1932. وتكر�س هذا الو�سع اإىل يومنا هذا، اإليها يف هذا ال�سياق متثلت ولكن بامل�ساواة بني كال الطائفتني. وهناك حادثة من املهم ال�سارة يف تعليق املفو�س ال�سامي هرني بون�سو للد�ستور بعدما تر�سح ال�سيخ حممد اجل�سر ملن�سب رئي�س

اجلمهورية، هذا من جانب.على واإن�سائه »ال�سرائيلي« الكيان وجود يف الأبرز الدميغرايف التغيري يتمحور اآخر، جانب من اأ�سا�س ديني )و�سعي قادته الدوؤوب اىل ك�سب اعرتاف دول العامل به على اأ�سا�س ديني(، والذي اأخذ امل�سرق اإىل ناحية وجودية خطرة، واأوجد �سراعات ق�سمت املق�سم فيه. اإن للهجرة اليهودية اإىل فل�سطني الأثر الكبري يف نزاعات املنطقة كونها غريبة عن بيئته، تغذية »اإ�سرائيل« لل�سراعات وممول كحليف ودخولها اللبنانية )احلرب املفتت« »تفتيت بهدف منها وال�ستفادة الداخلية وم�ساند لطرف �سد اآخر(، وبث روح النقمة على املهجرين الفل�سطينيني يف الدول التي جلاأووا اإليها حيث دارت معارك �سر�سة )تل الزعرت يف لبنان، حرب املخيمات يف لبنان، وجمزرتي �سربا و�سايتال(، جعلت من ال�سديق عدوا، وغريت البو�سلة من ال�سراع »العربي-ال�سرائيلي« )والذي هو ال�سا�س مل�سكلة الفل�سطينيني( اإىل �سراع عربي-عربي، و�سراع طائفي-طائفي كان جل امثلته اأهلية )1975-1990( ق�ست على الكثري من الروابط الجتماعية ما حدث يف لبنان من حرب

بني النا�س.

49


خال�سة

اإن الحداث الدولية احلا�سلة يف يومنا هذا متهد اإىل �سقوط اتفاقية �سايك�س بيكو، واإن�ساء و�سع دويل جديد على ال�ساحة الدولية خ�سو�سا بعد ظهور تطورات جديدة تتمثل يف عدد من المور:

التوجه المريكي اجلديد »اإىل ال�سرق« وحماولة ترتيب ملفاتها يف املنطقة لعدد من الهداف اأهمها اإيران اأمن »اإ�سرائيل« وترك �سداقات مع دول نا�سبتها العداء )اجلمهورية ال�سالمية يف �سمان

واتفاق جنيف 2013 حول امللف النووي اليراين(؛ت�ساوؤل اهتمام الوليات املتحدة باخلليج بعدما الكت�سافات النفظية ال�سخمة فيها؛

اأهمية امل�سائق الدولية املوجودة يف املنطقة مع الوقت )م�سيق هرمز، باب املندب، قناة ت�ساوؤل ال�سوي�س( لناحية املوارد الطبيعية والجتاه اإىل مد �سبكة من النابيب تكون بديال عنها واكرث اأمانا

خ�سو�سا يف الزمات؛اعتماد طرق موا�سالت جديدة تغني عن الطرق املعتمدة يف امل�سرق، ومثال ذلك اخلط البحري

التي تعتزم رو�سيا اعتماده اإىل اأوروبا عرب املحيط املتجمد ال�سمايل بوقت وم�سافة اأقل؛واحدة قطبية �سمن ي�سري عقد من لأكرث كان بعدما دولية« قطبية »ل الدويل يف الن�سق �سري )الوليات املتحدة(، وهذا الواقع الدويل اجلديد يعترب من اأخطر الو�ساع كون امل�ستقبل مل يتبلور

بعد، وعادة ما ي�سعب التنبوؤ مبا �سيحدث من تطورات يف مثل هذه الظروف.امام نحن فهل فيه، وتوؤثر امل�سرق على ت�سيطر الوىل العاملية احلرب نتائج من بع�س تزال ل �سراعات جديدة مقبلة على امل�سرق خ�سو�سا مع احداث »الربيع العربي« التي اجتاح العديد من دوله؟ هل بقيت ال�سيا�سات الدولية كما هي ولكن تغريت طريقة التعاطي مع الحداث؟ هل هناك من خطوات يجب اتخاذها على �سعيد الدول وال�سعوب من اأجل تغيري هذا الواقع الدويل اليوم به وتلم اأملت التي الحداث تكون هل وطبيعتها؟ املنطقة مع يتالئم واقع جديد واإقامة

مدخال لقيام م�سرق جديد؟ اأ�سئلة بر�سم امل�ستقبل.

50

املراجع:فواز طرابل�سي، تاريخ لبنان احلديث من المارة اإىل اتفاق الطائف، الطبعة الثالثة، دار ريا�س الري�س للكتب -

والن�سر، بريوت لبنان، 2011.نيل غرانت ونركي ال�ساهر، �سراعات القرن الع�سرين 1900-2000 �سور واأحداث، تعريب اأياد ملحم، الطبعة -

الوىل، دار ال�سفى للطابعة والن�سر ودار احل�سام للطباعة والن�سر والتوزيع، بريوت لبنان، 2001.والتوثيق، بريوت - العربي لالبحاث املركز الطبعة الوىل، ،1991-1949 العربية - ال�سرائيلية املفاو�سات -

.1992 لبنان، اأ�س�س اجليوبوليتيكا - م�ستقبل رو�سيا اجليوبوليتيكي، ترجمة وتعريب د. عماد حامت، دار الك�سندر دوغني، -

الكتاب اجلديد املتحدة، بريوت لبنان، 2004.موريال مرياك - فاي�سباخ وجمال واكيم، ال�سيا�سة اخلارجية الرتكية جتاه القوى العظمى والبالد العربية منذ -

2002، �سركة املطبوعات للتوزيع والن�سر، بريوت لبنان، الطبعة الوىل 2014.

مقابلة خا�سة مع الدكتور جمال واكيم )بع�س الفقرات املتعلقة برتكيا( اأجريت يف 2013/11/26. -مقابلة خا�سة مع الباحث يف التاريخ ال�ستاذ ندمي حمزة اأجريت بتاريخ 2013/11/28. -

مقابلة خا�سة من اخلبري القت�سادي وال�سيا�سي ال�ستاذ غالب اأبو م�سلح اأجريت بتاريخ 2013/11/30. -علي �سبح، ال�سيا�سات الدولية بني احلربني العامليتني 1914-1939، الطبعة الوىل، دار املنهل اللبناين، بريوت -

- لبنان، 2003.دار الثانية، الطبعة تعريب زهدي جار اهلل، ال�سرق الو�سط احلديث معبد جانو�س، تاريخ �ستيورت، دزموند -

النهار للن�سر، 1981.املجتمع العربي والق�سية الفل�سطينية، عدد من الكتاب، دار النه�سة العربية للطباعة والن�سر، بريوت-لبنان، 1971. -مطيع النون، نقاط للتاريخ يف العالقات اللبنانية ال�سورية )2(: الزعيم هدد بقطع الت�سالت...وخالد العظم -

اأعلن النف�سال اجلمركي فوقع اخلالف الول، جريدة احلياة 2005/2/11، على الرابط التايل:http://saidacity.net

http://www.mondiploar.com :هرني لورن�س، كيف جرى تق�سيم ال�سلطنة العثمانية، على الرابط التايل -حيدر على الدليمي، نبذة عن نفط العراق، احلوار املتمدن، 2011/4/4، على الرابط التايل: -

http://www.ahewar.org علوان نعيم اأمني الدين، اجلرف الورا�سي: حمور ال�سراع الدويل، 2013/11/14، على الرابط التايل: -

http://www.khabaronline.com على ،2013/11/19 الدولية، املمرات على ال�سرتاتيجية التاأثريات الطاقة: اأنابيب الدين، اأمني نعيم علوان -

http://www.khabaronline.com :الرابط التايلعلوان نعيم اأمني الدين، هل انتهى دور »الكيان اللبناين؟«، 2013/10/2، على الرابط التايل: -

http://www.khabaronline.com www1.amalnet.k12.il -

http://www.group194.net -http://ar.wikipedia.org -

ىلالأو

ية امل

لعاب ا

حلرية ا

مئو20

14 –

191

4

51

عن احلرب العاملية والفن وبريوت اأمني البا�شا - فنان ت�سكيلي وكاتب

العاملية احلرب وقعت �سنوات ب�سع اله�س ال�سالم و�ساد الوىل العاملية احلرب انتهت عندما نا�سا الغرب اأر�سل اإذ الطبيعية، �سوريا يف وخا�سة العربي العامل يف الكبري الهم ووقع الثانية، ملمومني من ال�سرق الوروبي وغربه ليحتلوا فل�سطني، وما زلنا يف حروب وخالفات اإىل اليوم، وبال�سالح باملال ومتدها »الدولة« هذه ت�ساعد واوروبا امريكا الغرب، »اإ�سرائيل« وجود منذ اأمرها وليموت العرب يف غيظهم. ل بد من هذه اإن الغرب حتت اأن نقول وبال�سيا�سة. ن�ستطيع املقدمة »فنب غوريون« عندما احتلت فل�سطني اأول ما اأمر بالبناء، بناء متحف »لإ�سرائيل«. واجلدير بالذكر اأن الفن احلديث l’art moderne قد ظهر يف باري�س على يد Picasso بيكا�سو وماتي�س Matisse، واول امل�سجعني لهما هم العائالت اليهودية الرثية.. عائلة �ستاين Stein وعائلة غوغنهامي

Gyuggenheim، وهذه الأخرية متاحفها يف اكرث بلدان العامل من اخلليج العربي.

اإبان احلرب العاملية الوىل كانت باري�س يف اأوج ن�ساطها وازدهارها، الفنون جميعا مزدهرة فيها، من ر�سم ومو�سيقى واأدب و�سعر، وكان يوؤمها فنانون من العامل اأجمع، من ال�سرق ومن الغرب. ومنهم Pablo Picasso )بابلو بيكا�سو( الفنان العاملي ال�سهري الذي كان يتنقل من بر�سلونا اإىل باري�س

اإىل اأن قرر املكوث يف باري�س حيث تاألفت جمموعة من الفنانني وكان يرتاأ�سهم ب�سخ�سيته وبجراأته وبفنه اجلديد. هنا، ل بد من ذكر الكبري »هرني ماتي�س« الر�سام املثقف الذي اأوجد طريقا جديدة يف التاأليف والتلوين والذي عاي�س وعا�سر بيكا�سو والذي اأثر لونيا ببع�س اأعمال هذا الأخري... هنا ل نن�سى اأن بيكا�سو هو اأندل�سي... وبقي ا�سبانيا حتى مماته يف باري�س، بعد ان طبع فن القرن

الع�سرين بطابعه وتاركا تاأثريه بالفن والفنانني والجتاهات الفنية.لبنان و�سوريا وم�سر مل يكونوا غرباء عما يجري يف باري�س، واإن كان اأكرثهم مل ميا�سوا ومل يتاأثروا مبا يح�سل يف مدينة الفن، بل تو�سلوا فقط اإىل مرحلة »النطباعية«، ار�ساء للربجوازية اللبنانية التي

ل تر�سى �سوى بهذه املرحلة من الفن.من الر�سامني الذين هاجروا اإىل اوروبا اأذكر عمر الأن�سي، م�سطفى فروح، �سليبا الدويهي وقبلهم

52

جربان خليل جربان اإىل اأمريكا حيث كتب ور�سم بعد درا�سته الفن يف باري�س. وميخائيل نعيمه يف رو�سيا، والنحات احلويك وغريهم، ويف اأوائل اخلم�سينيات من القرن الع�سرين كرث عدد من املعار�س وكرثت للعر�س �سالت بريوت يف افتتحت الوقت ذلك يف وروما، باري�س اإىل راح اأ�سبح التي بريوت مدينة يف للعر�س اأوروبيون فنانون بريوت واأم فيها، ال�سنوية وال�سالونات ا�سمها معروفا يف العامل الفني الأوروبي، ول بد من ذكر افتتاح الكادميية اللبنانية للفنون اجلميلة اأمريكا من الوافد والر�سام �سرور« »الر�سام مر�سم منها املرا�سم وبع�س بطر�س الك�سي بوا�سطة

خليل ال�سليبي.اأواخر عمره اأتى لبنان حيث باري�س ويف ال�ساعر جورج �سحاده يف ا�سم ملع والأدب ال�سعر يف

و�سكن يف بريوت مع زوجته الفرن�سية.كان لالر�ساليات الجنبية و�سفاراتها دور يف اإقامة املعار�س وتقدمي املنح. اأذكر منها �سفارة فرن�سا وايطاليا وا�سبانيا. ويف �سالونات هذه ال�سفارات كانت تقام معار�س مهمة، اأذكر �سفارة اأو املركز

الثقايف ال�سباين حيث راأيت ر�سوم وحمفورات العبقري » غويا« .ل بد هنا من القول باأن الر�ساليات الجنبية التي حلت يف بريوت كان لها دوران، دور ثقايف ودور �سيا�سي. اإذ اأن اجلامعة المريكية اأتت حاملة معها لغتها ولهجتها وتفكريها وفكرها وطريقة عي�سها، فاأ�سبح اللبناين »املتعلم« يتكلم الفرن�سية والنكليزية والطليانية، ومن هاجر اإىل اأمريكا الالتينية هربا من الفقر عاد باللغة ال�سبانية وهذا عال، فاللبناين يحب اللغات! لكن لبنان اأ�سبح كربج yes ، so ، of course، بابل! وامل�سحك ان اأكرث اللبنانيني ل يتفوهون بجملة ال ويدخلوا فيهاok ، no. غري هذه الكلمات العبقرية.. اأما اللغة العربية، لغة الم، فال اأم لها ول اأب. ناهيك

عن الذاعات والتلفزيونات واملقدمني واملقدمات الذين ميزجون العربية بكل ما يعرفون من لغة اأجنبية.. ول من ينتقد ول من رقيب« اأو ح�سيب.

فلغته عندئذ و�سب، �ستم اإذا اإل لغته، يرف�س نف�سه، يرف�س يرف�س حاله، اليوم اللبناين وكاأن وا�سحة جدا ومعربة جدا...

بريوت بالن�سبة للفنانني العرب كانت كباري�س بالن�سبة للفنانني اللبنانيني. العرب الذين يبحثون عن ال�سهرة كانوا ياأتون اإىل بريوت، ويوؤمون مقاهيها خا�سة مقهى: »الهور�س �سو« املقهى الذي كان مكانا للقاء الر�سامني وال�سعراء واملو�سيقيني،فرتى الفنان الفل�سطيني وامل�سري والعراقي وال�سوري وال�سحافيني والفنانني والكتاب بال�سعراء تعج كانت املرحلة تلك يف فاملقاهي وال�سوداين. باري�س ال�سبعينات اأوائل حتى وال�ستينات اخلم�سينات يف بحق بريوت كانت وامل�سرحيني، ال�سرق، يف �سالتها ومعار�سها والكتب وال�سعر الذي يتجدد فيها واملجالت الدبية. اأما يف جتديد وحتديث ال�سعر فهو جمرد رف�س ما�سي ال�سعر العربي وكان حماربا من فئة من ال�سعراء الذين

53


رف�سوا كل ما هو �سعر كال�سيكي عربي. لالأ�سف اأقول.. لأين كنت من حمبي ال�سعر... ال�سعر.. القوايف ولي�س ما �سموه ال�سعر املنثور.. فال�سعر �سعر والنرث نرث.

اإىل بريوت، من ياأتي العرب كان ال�سعراء والر�سامني ال�سهرة من اإن من كان يبحث عن قلت فهو بينهم ن�سيطا كان اأما من �سعيد وغريهم، واآل والرافعي العزاوي، �سياء العراقي الر�سامني احلقيقي( ا�سمه هذا )اأعتقد �سعيد، علي اأحمد �سورية قرية من اأتى فقد ال�سعر اأما العزاوي. كيف ويعرف ذكي ولأنه لكنه فرف�ست، ال�سم. بهذا ق�سيدة بريوت اإىل جميئه قبل مر�سال يتعامل، اأر�سل نف�س الق�سيدة با�سم اأدوني�س فقبلت.. واأ�سبح اأدوني�س ال�ساعر العبقري واملفكر

الكبري والفيل�سوف الذي ل ي�ساهيه فيل�سوف واملنتظر جائزة نوبل.. والنتظار طال..هنا ل بد من ذكر هجرة ر�سامني و�سعراء وم�سرحيني من قراهم اللبنانية و�سكنوا بريوت واختلطوا

بالفنانني البيارته والفنانني الآتني من كل القرى اللبنانية والعربية واملدن.كل هذه املجموعات جعلت من بريوت مزدانة بافكار وثقافات حولتها اإىل خمترب فكري وفني اإىل ان ظهرت بوادر احلرب الهلية اللبنانية التي هدمت كل �سيء، كل حرف، كل لون، كل فكر،

وبقيت بريوت الآن. حتى الآن اأحرفها مغلوطة، واألوانها و�سخة، وفكرها بال فكر.

دار كتب للن�سر �س.م.لبناية الربج، الطابق الرابع، �ساحة ال�سهداء الو�سط التجاري، بريوت، لبنان




ىلالأو

ية امل

لعاب ا

حلرية ا

مئو20

14 –

191

4

55

الوجه الثقايف امل�رشقي يف احلرب االأوىل »دمعة وابت�سامة«

ل�ؤي زيت�ين - باحث واأكادميي

مل تكن تاأثريات احلرب العاملية الأوىل مقت�سرة على اجلوانب ال�سيا�سية والقت�سادية، بل تعدتها الن�ساط كافة جمالت م�ست حتول جذرية نقطة اإىل لتتحول متنوعة، وفنية ثقافية جوانب اإىل بنية يف تغيريات من وامل�سرق خ�سو�سا عموما العامل �سهده ما جانب اإىل الفكري، الن�ساين النفوذ ال�سيا�سي والع�سكري، ويف لعبة التوازنات الدولية. ومن هذا املنطلق، ل بد من النظر اإىل اآنذاك فح�سب، بالن�سبة مل�ستقبل الأمم التاريخي لي�س بو�سفه بداية مرحلة جديدة هذا احلدث نتاجاته التاأثري يف وجود الإن�سان وكيانه؛ وبالتايل يف لكن بو�سفه حلظة تاريخية حا�سمة لناحية الفنية، والأدبية منها، ا�ستنادا اإىل تكون روؤى جديدة نحو احلياة والكون والفن، وذلك تبعا للتغري اجلغرايف والجتماعي وال�سيا�سي. وبناء عليه، ميكن مقاربة احل�سور الأدبي وخ�سائ�سه اإبان احلرب

العاملية الأوىل، ل �سيما يف البالد امل�سرقية.ولبد يف البداءة من الإ�سارة اإىل اأن الأدب العاملي �سهد انحرافا كبريا يف مفاهيمه اآنذاك، اإذ اأننا اإليه الياأ�س من ما و�سلت يعرب عن اأدبي جديد نعرث يف مرحلة احلرب تلك على ولدة مذهب الإن�سانية يف جمال القتل والفتك، وهو مذهب الدادائية التي عربت عن عبثية الوجود الإن�ساين ب�سكل خا�س، عرب حركة »دادا« التي حتولت يف ما بعد اإىل ال�سوريالية. اإ�سافة اإىل اأن هذه احلقبة الفردي اأكرب لالإبداع اأ�سهمت يف خلق خ�سو�سية التي الأملانية التعبريية ن�ساط احلركة عرفت يف الأدب، والتي �سهلت دخول النتاج الأدبي الغربي مرحلة ما بعد احلداثة. ولن نن�سى يف هذا اأ�س�ست لعلم اللغوية التي الزمنية من ظهور للدرا�سات اأن نذكر ما حملته تلك املرحلة ال�سياق الأل�سنية العامة، والتاأثري الذي اأتت به جلهة اإف�ساح املجال اأمام ن�سوء مناهج الدرا�سة الأدبية القائمة على العنا�سر اللغوية، وهو الأمر الذي و�سع الإبداع الأدبي اأمام حتديات خللق اجلديد يف التعبري.

اإل اأن التطور احل�ساري-الثقايف الذي كان قد بلغه الغرب اآنذاك مل يكن قد بلغته البالد العربية، وبالتايل فاإن الواقع الذي كان �سائدا يف امل�سرق مل يكن موؤهال بعد لتلقف تلك احلركات التي تولدت يف تلك املرحلة، ولذلك ينبغي النظر يف الواقع احل�ساري الذي �سيطر على هذه البالد

حتى نتمكن من ا�ستيعاب طبيعة الوجه الثقايف للحرب العاملية الأوىل هنا.

56

1- املرحلة احل�سارية ما قبل احلرب

كانت البلدان امل�سرقية التي ان�سوت لقرون طويلة حتت احلكم العثماين، قد بداأت تخرج لتوها من ع�سر اجلمود وانعدام النتاج، وهو الع�سر الذي عرف بـ »النحطاط«. فقد تراوح ال�سعر العربي بني تقليد املعاين القدمية وبني الهتمام بالزرك�سة والزخارف اللفظية والتفن يف اأ�ساليب البديع جمرتا الفراغ، هذا يف يدور العربي ال�سعر »وظل الأحيان، معظم يف الفكرة على تطغى التي

املعاين القدمية �ساترا عوراته بالزرك�سة حتى اأواخر القرن التا�سع ع�سر...«1.ميكننا يف هذا ال�سياق اأن نر�سد عملية التطور التي مر بها الفكر العربي يف ذلك القرن. اإذ ميكننا اأن نالحظ مرحلة اأولية متثلت يف عملية رد الفعل على الثقافة الغربية وحماولة فهم معايريها. تبعتها وانتهت العربي. التنوير من ظهور حال وبالتايل الأجنبية، لالإر�ساليات الفاعل الن�ساط مرحلة م�ستقلة اأفكار تنامي جانب اإىل اإقطاعية، اأقاليم بت�سكل اأو الغربي للنفوذ مبا�سر غري بخ�سوع

تتمحور حول الجتاهات القومية اأو الدينية وحول العمل التحرري. اإل اأن ذلك املدى الطويل الذي عا�سه ال�سعر العربي يف النحطاط، وبفعل هذا التطور يف الفكر النهو�س على قادر جيل لحق اأمام املجال يف اأف�سحت التي املحاولت بع�س �سهد العربي، عيد، ميكننا اأن نقراأ بع�س التجارب التي عملت بال�سعر ودفع عجلته من جديد. وعلى هذا ال�سعف التي رزحت حتتها طيلة ع�سور. ولعل اأبرزها على تطوير اللغة ورفعها عن حال الركاكة وال�سجتربة نا�سيف اليازجي الذي يعزى اإليه الف�سل يف اإحياء اللغة العربية، »فقد عمل على بعثها من قرب الركاكة والرطانة . فهو من هذه الناحية اللغوية فقط اأ�سهم بطريقة غري مبا�سرة يف ن�سوء النه�سة

ال�سعرية احلديثة«2.

قيامة االأدب العربي قبل احلربما منها الأدب، يف للنهو�س متعددة حماولت �سهدت ذلك اأعقبت التي املرحلة اأن على على فنعرث ال�سائد. اجلمود يف مهم خرق اإحداث من متكن ما ومنها النجاح، له يكتب مل دائرة ال�سعر من اإخراج اإىل وبالتايل العربي، ال�سعر ال�سكلي يف التغيري اإىل �ساعية حماولت اخلليلي الوزن على بالنظم ح�سون اهلل رزق ال�سوري ال�ساعر جتربة ومنها والزخرفة. اجلمود دون قافية، وهو ما يطلق عليه »ال�سعر املر�سل«، وذلك يف ديوانه »اأ�سعر ال�سعر« الذي �سدر يف لندن عام 1869. تبعه يف ذلك ال�ساعر جميل �سدقي الزهاوي بتجربة م�سابهة يف ديوانه الأول

حممد حمود: احلداثة يف ال�سعر العربي املعا�سر. بريوت، �س17. 1حممد حمود: احلداثة يف ال�سعر العربي املعا�سر. �س18. 2

57


ادر عام 19083. ت�ساف اإىل تلك، حماولة يف تنويع الأوزان قام بها اأحمد »الكلم املنظوم« ال�سفار�س ال�سدياق من خالل النظم على ثالثة بحور خمتلفة يف الق�سيدة نف�سها ما يعد عمال غري م�سبوق يف ال�سعر العربي4. عدا عن ح�سور حماولت لكتابة ال�سعر التمثيلي مع ال�ساعر جنيب

احلداد من خالل تاأثره بالقراءات الغربية5.النحطاط حال من اخلروج لأهمية وعي اإ�سارات �سكلت كونها مع املحاولت، تلك اأن غري واأهمية خلق اأدبنا اخلا�س، مل تكلنل بالنجاح من ناحية ات�ساع التجربة وح�سورها الفني يف اللغة العربية. لكننا نعرث على جتارب اأخرى �سكلت عالمة فارقة يف الأدب العربي، منها ما يقع يف دائرة التقليد واملحاكاة، مثال حممود �سامي البارودي وحافظ ابراهيم واأحمد �سوقي يف مراحله الأوىل، حيث ات�سمت الق�سيدة بالن�سج على منوال الق�سائد العربية امل�سهورة من ناحية ال�سبك واملعجم وطبيعة القوايف، وكذلك باتباع مو�سوعاتها الأ�سا�سية عند العديد من ال�سعراء، اإ�سافة اإىل اإدخال

املو�سوع الوطني عند البع�س، ومنها ق�سائد البارودي التي تقع يف خانة الثورة العرابية6.اإل اأننا نقف يف هذا ال�سياق اأمام جتربة �سعرية خمتلفة ا�ستطاعت اأن حتدث تغيريا يف معامل ال�سعر العربي، اأعني جتربة خليل مطران. فهو عمل يف نتاجاته الأوىل التي �سبقت احلرب العاملية، والتي الأوروبية التجارب عن ما خربه من الإفادة على ،1908 عام ادر ال�س الأول ديوانه جمعت يف على الرتكيز املالمح، هذه ومن ملا حلقه من جتارب. ممهدا به ة �سعرية خا�س اإىل مالمح وحولها وحدة الق�سيدة وجعلها كال متكامال، اإ�سافة اإىل اإدخال بع�س املالمح الرومان�سية املتعلقة باخليال وبتو�سيع حيز العاطفة، واإن مل تكن متحررة على الإطالق كما النموذج الأوروبي، اإ�سافة اإىل كونه ا�ستطاع النجاح يف اإبراز ال�سعر الق�س�سي بو�سفه �سعرا قادرا على التاأثري يف املجتمع وعلى طرح مطران[ ]خليل ينجح »مل اجليو�سي: اخل�سراء �سلمى الباحثة ت�سرح ولذلك اجلدية. م�ساكله اأخرى: جندفيها اأعماله ميزات اأننا جند يف متوهجا. غري قويا واإطالقه ال�سعر العاطفة يف باإنعا�س تو�سعا يف اهتمامات ال�ساعر العامة، واإنعا�سا لعن�سر اخليال يف ال�سعر، كما جند فيها بع�س الطرافة اأي�سا. لقد كان عن�سر اخليال يف �سعره من القوة بحيث ميكننا القول اإن هذا ال�ساعر هو الذي و�سع حجر الأ�سا�س لكثري من من ال�سعر القائم على اخليال يف حقبة الع�سرينات والثالثينات من هذا اكت�سافه لأوانه، وكذلك يف �سابقا ال�سعرية لأهدافه املبكر وكان يف حتديده ]الع�سرين[. القرن

حلقل جديد من التجربة ال�سعرية هو احلقل الق�س�سي«7.

الوحدة درا�سات مركز بريوت، املعا�سر. العربي ال�سعر واحلركات يف الجتاهات اجليو�سي: اخل�سراء �سلمى 3العربية، الطبعة الأوىل، اأيار/مايو 2001، �س190.

غايل �سكري: �سعرنا احلديث اإىل اأين؟ القاهرة، دار املعارف، طبعة غري حمددة، 1968، �س106. 4املرجع نف�سه، �س 107-106. 5

ميكن مراجعة: �سوقي �سيف: البارودي رائد ال�سعر احلديث. القاهرة، دار املعارف، طبعة1، 1988. 6�سلمى اخل�سراء اجليو�سي: الجتاهات واحلركات يف ال�سعر العربي املعا�سر. �س98. 7

58

الريحاين لأمني الأدبي الن�ساط يف متثل اآخر نوع من اأدبيا ح�سورا نرى اآخر، �سعيد على اإىل كونه اإ�سافة اأن ي�سكل نوعا من التمرد على الرتاث ال�سعري العربي. فهو، الذي ا�ستطاع اأول من عمل على العربي يف بداية م�سريته، اإىل الأدب الرومان�سية اإدخال املالمح اأ�سهم يف كتابة ال�سعر املنثور باللغة العربية. عدا عن اآرائه النقدية يف جمال الأدب ب�سكل عام، وال�سعر

ة8. بخا�سوء على ازدهار فن املقال يف بالد امل�سرق على يد اأعالم عدة يف �سياق اآخر، ل بد من ت�سليط ال�سحافة على نحو وا�سع. وميكننا اأن نذكر يف اإطار هذا الفن بطر�س الب�ستاين الذي بنتيجة انت�سار ال�ساأظهر قدرات وا�سحة ومرونة يف ا�ستعمال اللغة يف �سبيل اإي�سال اأفكاره حول ف�سل الدين عن

الدولة ووحدة الأمة، وهو ما نقراأه يف »نفري �سورية«9.ول بد من الإ�سارة اإىل اأن اأول جمموعة ق�س�سية �سدرت عام 1905 باللغة العربية كانت جمموعة عرب اخلالد باحلب تتعلق اإن�سانية موا�سيع طرحت التي خليل جربان، املروج« جلربان »عرائ�س الزمن اأو بالتوح�س الكامن يف ذات الإن�سان اأو غطر�سة ال�سلطة الدينية وحاجة الإن�سان للعودة اإىل

القيم الإن�سانية العليا10.وميكننا، كذلك، اأن نرى يف ما قدمه م�سطفى لطفي املنفلوطي حماولة للنهو�س بالأدب العربي من خالل حماكاته لبع�س الأعمال الروائية والق�س�سية الغربية، ل �سيما الرومان�سية منها، وكتابتها اإدخال فن مل يكن معروفا من قبل يف الأدب العربي. وجتدر اأنه متكن من اإذ يغة العربية، بال�سالإ�سارة يف هذا ال�سياق اإىل اأن اأوىل الروايات العربية قد ظهرت عمليا قبيل احلرب العاملية الأوىل، بعنوان بعنوان »زينب«11 وجربان خليل جربان الكاتبني حممد ح�سني هيكل على يد كل من

»الأجنحة املتك�سرة«12 وذلك يف العام 1912.

املرجع نف�سه، �س123. 8بطر�س الب�ستاين: نفري �سورية. بريوت، دار فكر لالأبحاث والن�سر، الطبعة الأوىل، 1990. 9

الطبعة دار �سادر، نعيمة. بريوت، مقدمة ميخائيل الأول(. )املجلد الكاملة املجموعة جربان خليل جربان: 10

.14 - الثانية، 1996، �س10 ة- قراءة يف مناذج من الرواية العربية. عمان، دار البريوين للن�سر مهند يون�س: التقاليد الروائية والروؤية اخلا�س 11

والتوزيع، الطبعة 1، 2008، �س42.اأحمد ثائر: »100 عام من الرواية .. )زينب ( حممد ح�سني هيكل يف احتاد الأدباء«. بغداد، �سحيفة املوؤمتر، عدد

2876، 12 كانون الأول 2013.

ليلى ال�سيد: بنية اخلطاب ال�سردي عند جربان خليل جربان- عر�س املوت منوذجا. موقع ليلى ال�سيد، 12 فرباير 12

http://www.alrawya.com/Tajarib/Tajarib_Derasat/Tajarib_Derasat_1.htm .2001

59


ظهور روؤى خمتلفة حول االأدبوا�سحا اأظهرت وعيا الزمن، واأفكارا يف هذه احلقبة من اآراء نر�سد اأن اآخر، ميكننا على �سعيد مبفهوم الأدب، واإن كان اأوليا وغري متكامل. ويجوز يف هذا الإطار اأن نعد هذه الأفكار اإرها�سات

فعلية لالأفكار النا�سجة التي اأخذت تتبلور منذ احلرب الأوىل.ا �سريحا حول راأيه يف ال�سعر يف مقدمة فنقراأ على �سبيل املثال لدى فرن�سي�س مرا�س احللبي ن�سوالهجاء. املدح الهجاء منجردا عن ]الديوان[ على حروف رتبته »وقد يقول: اإذ اأحد دواوينه، فاإن املدح اإطراء ورياء والقدح ح�سد وعياء. فما اأحوجني اهلل اإىل بيع ماء املحيا يف �سوق ال�سعر... فواغنب �ساعر �سود باملدائح بيا�س القرطا�س وباع كرامي ال�سعر وذهبه يف �سوق الزجاج والنحا�س. لل�ساعر اأتاحت التي التاريخية اإن تلك جتارة خا�سرة وهمة قا�سرة«13. وهنا نالحظ املرحلة واهلل الطالع على اآداب اأخرى، وا�ستطاع من خاللها تكوين روؤية نقدية تتعلق ب�سعري املدح والهجاء بو�سفهما جن�سني يجب التخلي عنهما يف ع�سرنا احلايل لأن فيهما اإ�ساءة اإىل ذات ال�ساعر واإىل

الفن ال�سعري.يعا�سد هذا الراأي اجلزئي، دعوة للكاتب جنيب �ساهني يف يناير )كانون الثاين( من العام 1902، يف جملة املقتطف امل�سرية اإىل اخلروج على النموذج ال�سعري القدمي ونبذ اأ�سكاله اجلاهزة، اإ�سافة

اإىل الدعوة ملجاراة الع�سر الذي يعي�س فيه ال�ساعر14.ف�سال عن ذلك، ل بد من اأن ننوه بالعمل الذي قام به اأمني الريحاين يف جمال نظرته نحو الأدب. اأنه ر�سم �سورة متكاملة لالأدب عمل على تطبيقها عمليا، خ�سو�سا يف مو�سوع ال�سعر. فقد اإذ طرح ثورة على الطرق القدمية املوروثة يف كتابة الأدب، وا�ستطاع اأن يحدد موا�سفات ال�ساعر من ة، اإذ كانت روؤيته النقدية ت�سكل ابتعادا خالل معرفته بال�سعر الغربي، والجتاه الرومان�سي بخا�س

عن الوجه املعروف للرتاث ال�سعري العربي15.

2- التحوالت يف االأدب العربي اإبان احلرب

رمبا نقطة حتول مف�سلية يف الأدب اأو فارقة، العاملية الأوىل بدت بو�سفها عالمة اأن احلرب على عيد ال�سكلي اأو الأ�سلوبي اأو امل�سموين. فمع اأنها كانت امتدادا للمرحلة العربي �سواء على ال�سالتي �سبق ذكرها، اإل اأنها ات�سمت بخ�سو�سية ل بد من الوقوف عندها نظرا لأثرها يف املراحل

غازي براك�س: جملة �سعر. عدد 16، ال�سنة الرابعة، خريف 1960، �س 114. 13

غايل �سكري: �سعرنا احلديث اإىل اأين؟ �س107. 14

�سلمى اخل�سراء اجليو�سي: الجتاهات واحلركات يف ال�سعر العربي املعا�سر. �س123. 15

60

الالحقة من تاريخ الأدب العربي احلديث. ويف هذا ال�سياق ميكننا اأن منيز جمموعة من املفارقات وبفعل العربي، الأدب عاما تغيريا ت�سكل اأن ا�ستطاعت احلرب زمن يف املنح�سرة التاريخية

الطالع املكثف والأكرث وعيا على الثقافة الغربية.لعل امللفت يف هذا املجال �سدور كتاب »دمعة وابت�سامة« جلربان خليل جربان مع بداية احلرب، اأي يف العام 1914، وهو عبارة عن 60 مقطوعة من ال�سعر املنثور تت�سمن عاطفة الكاتب الفيا�سة، و�سراراته الفكرية الوهاجة وخيالته املتموجة16. عدا عن اأن �سنوات احلرب حملت جربان على كتابة ن�سو�س وجدانية رومان�سية، ومنها مقطوعتا »مات اأهلي« اأو »يف ظالم الليل« اللتان كتبهما يف �سوء املاأ�ساة التي عا�ستها بالده من جراء احل�سار واجلوع والأحكام العرفية17. اإىل جانب كونها والتي »املواكب«18، ال�سعرية املطولة اأنتج الذي الفل�سفي التاأملي املنحى يف التوغل اإىل دفعته اإن�سان، تتجاذبا كل اأن تتجاذبان جربان كما ميكن ذاتيتني راعي بني فكرتني ال�س امل�سار اأبرزت والذي ميكن اأن يعد دخول �سريحا يف ما عرف بالدرامية يف مرحلة اخلم�سينات من القرن املا�سي.ي�ساف اإىل ذلك، حدث حموري يف حياة ال�ساعر اأحمد �سوقي، فقد قامت ال�سلطات الربيطانية مع بداية احلرب بنفيه اإىل اإ�سبانيا ب�سبب عالقته الوطيدة باخلديوي املخلوع عبا�س. اإل اأن هذا النفي مل يكن جمرد حادث تاريخي يف حياة ال�ساعر، بل �سكل نقطة حتول جذرية يف موقفه ال�سعري، اإذ نقلته من �سورة �ساعر البالط اإىل �ساعر ي�سعى اإىل الإحاطة بهموم النا�س. من هنا دخل مو�سوع احلنني اإىل الوطن، ثم تو�سع ن�ساطه ال�سعري نحو الق�سيدة الوطنية-القومية ونحو اإطالق ال�سعر

امل�سرحي19. وابراهيم عبد �سكري الرحمن مثله كل من عبد فاعل اأدبي ن�ساط اأخرى، ناحية يطالعنا، من بعد ما دعيت يف التي املجموعة نواة �سكلوا الذين وهم العقاد، وعبا�س حممود املازين القادر بجماعة »الديوان«. واجلدير ذكره اأن اجلماعة تخطت معنى التجمع، لتكون موجهة اأو دافعة للحياة ال�سخ�سية امل�ساعر عن معربا بات بحيث الذات، عن�سر �سعرهم على فطغى م�سر، الأدبية يف

ة بعيدا عن الوقوف عند احلدث العام الذي تت�سم به الق�سيدة الكال�سيكية20. والأفكار اخلا�ساإ�سافة اإىل ذلك، يح�سر ال�ساعر ن�سيب عري�سة ليطرح منوذجا �سعريا »ثوريا« من ناحية ال�سكل يف مرحلة احلرب، اإذ اأن واحدا من اأحداث احلرب كون حافزا لكتابة ق�سيدة »النهاية« التي ظهرت بو�سفها �سرخة �سد ال�ستكانة وال�ست�سالم ل�سلطة الحتالل العثماين بعد حملة الإعدامات يف

جربان خليل جربان: املجموعة الكاملة )املجلد الأول(، مقدمة نعيمة، �س21. 16

جربان خليل جربان: املجموعة الكاملة )املجلد ال�ساد�س(. �س69. 17

املرجع نف�سه )املجلد الأول(، �س-23 و)املجلد الثالث(، �س83. 18


.211 - املرجع نف�سه، �س206 20

61


�ساحتي املرجة وال�سهداء من قبل جمال ال�سفاح عام 191621، وقد كتبها ال�ساعر ب�سكل يخرج عن النظم املاألوف كليا وي�سبق ع�سره ليكون اأقرب اإىل �سكل ق�سيدة التفعيلة التي اأخذت تتبلور

مع نهاية الأربعينات من القرن الع�سرين.عيد بنية الق�سيدة وروؤيتها لدى ومن املالحظ اأي�سا يف هذه املرحلة تطور املنحى ال�سعري على ال�س1917 ق�سيدة »اأخي« ال�سهرية22. وهي ق�سيدة متتلك وعيا ميخائيل نعيمة الذي كتب يف العام اجتماعيا واإن�سانيا نابعا من موقف ال�ساعر نحو املاآ�سي التي جلبتها احلرب الأوىل على ال�سعوب، ونحو احلرب ب�سفة عامة. اإ�سافة اإىل كوننا نعرث على �سيء من ال�سياق الدرامي يف طياته، مبا ي�سبق

ما اأتت به حركة احلداثة.لكن ما تقدم يبقى يف اإطار احلالت التي قد تعد فردية اأو ا�ستثنائية، وبالتايل فقد تبدو هذه الأمثلة احلرب لأدب العامة املالمح اإظهار من بد ل وعليه، املرحلة. لتلك العام ال�سياق من جمتزاأة

العاملية الأوىل يف بالدنا والأثر الذي تركته يف اأدبنا بعامة.

3- مالمح عامة لالأدب العربي خالل احلرب االأوىل

تلك العربي يف الأدب ميزت التي نر�سد جمموعة من املالحظات اأن تقدم، ميكننا مما انطالقا املرحلة. ولكن ر�سدنا هذا ل يجب اأن ي�ساب باأي التبا�س مع مراحل تاريخية اأخرى، اإذ اأن الروؤى التي تولدت اآنذاك مل تت�سم بالتكامل، بل كانت عبارة عن خطوات فتحت الطريق اأمام تراكم يجب لذلك »�سعر« وجملته. جتمع مع حداثة ن�سجا الأكرث احلقبة اإىل و�سلت التجارب حتى علينا اأن نتعامل مع مرحلة احلرب الأوىل تلك بو�سفها اللحظة التاريخية التي اأدخلت اإىل الأدب العربي ور�سخت فيه ما مل ي�سبق اأن عرفه من قبل، وهو ما �سكل تهيئة للمراحل الالحقة. ومن املالحظ اأن التعمق يف الثقافة الغربية هو العامل الأول يف خطوات التطور تلك، ولذلك كانت الريادة يف هذه اخلطوات لأدباء املهجر، وب�سكل خا�س من ن�سط منهم يف اأمريكا ال�سمالية، ي�ساف اإليهم بع�س املتاأثرين بالغرب اأو اأبناء التعليم الغربي. لكن دون اأن نغفل عن عامل اآخر جتلى يف تنامي الروح القومية والجتماعية حينئذ، الأمر الذي حث على قيامة حياة اأدبية »قومية« تواكب ما و�سل اإليه الغرب وتفيد منه، وبالتايل ت�سهم فيه، ول تقف عند حدود املعطيات املوروثة عن ال�سرق »اإن الباحثني يف القول: اآراء بع�س ع�سور ما قبل النحطاط. ولعل هذا ما ين�سجم مع كان اأول من انت�سر لالإن�سان واأول من اعرتف بنبعته الإلهية وغايته ال�سماوي واأول من دعاه اإىل حماربة الغرائز احليوانية واأدباء املهجر اأبناء ال�سرق �سكنت روحانيته اأرواحهم فلم تقو املادة على

ن�سيب عري�سة: الأرواح احلائرة. نيويورك، طبعة غري حمددة، 1946. 21

.13 - ميخائيل نعيمة: ديوان هم�س اجلفون. بريوت، موؤ�س�سة نوفل، الطبعة ال�ساد�سة، 2004 ، �س 12 22

62

اإل ب�سعادة اأن �سعادة الفرد ل قيمة لها اأن تطغى عليها ومالأت حكمة العرب عقولهم فاأدركوا قومه و�سعادة القوم ل تكمل اإل ب�سعادة الإن�سانية جمعاء«23. وبناء عليه، ميكن حتديد معامل عامة

وظواهر اأبرزها الأدب العربي اإبان احلرب العاملية الأوىل، لعل اأهمها: على �سعيد البناء ال�سعري، نرى اأن احلركة الأدبية والنقدية التي ظهرت يف تلك املرحلة ا�ستطاعت �سعرية مناذج نقراأ اأننا اإذ اخلليلي، والوزن العمودي بال�سكل ال�سعر تربط التي النظرة جتابه اأن ناجحة تدمج بني وزنني يف الق�سيدة الواحدة، كمطولة »املواكب« جلربان، اأو تعمد اإىل تفكيك النظام العمودي اخلليلي يف بنائها، كق�سيدتي »اأخي« مليخائيل نعيمة و«النهاية« لن�سيب عري�سة، ه اإىل هذه النماذج، اإل اأن اأحدا مل يكن لي�سعها خارج قد �سبق لنا ذكرها. ومع النقد الذي وجاإطار ال�سعر. وهذا ما يتاأكد عند الطالع على راأي نعيمة النقدي يف هذا املجال: »فال الأوزان ول

القوايف من �سرورة ال�سعر كما اأن املعابد والطقو�س لي�ست من �سروريات العبادة...«24.نظرا راعي بال�س ف يو�س اأن اأدب ميكن تقدمي اآخر، متكنت مواهب تلك احلقبة من على �سعيد نراه يف الذي الأمر متناق�ستني، وهو قوتني القائمة على �سراع بني الدرامية بالبنية متيز لكونه اأدب جربان، ل�سيما يف الن�سو�س املتعلقة مباآ�سي وطنه، كن�سو�س ال�سعر املنثور: »يف ظالم الليل« »العواطف«، كتاب ن�سو�س من وغريها القبور« و«حفار امل�سو�سة« و«الأ�سرا�س اأهلي« و«مات و«اأخي« املتجمد« »النهر كق�سيدتي املهجر اأدب على ذلك وين�سحب »املواكب«. كمطولة اأو

مليخائيل نعيمة.بالإ�سافة اإىل ذلك، ومع اأن الق�س�س ال�سعري كان قد �سبق له اأن دخل الأدب العربي مع خليل مطران، غري اأنه مل يتحول اإىل نزعة وا�سعة النطاق اإل مع �سعراء املهجر. اإذ اأن هوؤلء جعلوا من هذا النوع ال�سعري فنا متميزا، ينحو بع�س ال�سعراء فيه املنحى الغرامي، وتدور موا�سيع بع�سهم حول تاأمالت فكرية ترتبط بالوجود والإن�سان. ويف هذا املجال ميكننا اأن نقراأ »ال�سهيدان« و«وكل حر يف دولة الظلم جان« لل�ساعر اليا�س فرحات، و«ال�سيخ والفتاة« و«ابنة الكوخ« لر�سيد اأيوب25.

الأدب ترت�سخ يف الرومان�سية املدر�سة الزمنية يف جعل الفرتة هذه اأ�سهمت اأخرى، ناحية من اجلزئي والأدباء؛ بخالف احل�سور ال�سعراء نحو متكامل، من خالل جمموعة من العربي على الواعي اخليال يف والتو�سع للذات، العميق احل�سور نرى فنحن ال�سابقة. املرحلة يف ملالحمها النافذ، اإ�سافة اإىل العاطفة اجليا�سة. ولعل اأبرز مطلقي ذلك املذهب كان جربان خليل جربان نف�سه

جورج �سيدح: اأدبنا واأدباوؤنا يف املهاجر الأمرييكية. بريوت، معهد الدرا�سات العاملية، الطبعة الأوىل، 1956، 23

�س42.ميخائيل نعيمة: الغربال. بريوت، موؤ�س�سة نوفل، الطبعة 11، 1978، �س122. 24

غازي الرباك�س: جملة �سعر. �س123. 25

63


اإىل اأن ن�ست�سف نزوعه الرومان�سي الذي مهد ل�سعراء الرومان�سية املعروفني يف ما بعد26. وميكننا جانب روايته »الأجنحة املتك�سرة«، ن�سو�سه املتعلقة باحلنني للوطن والأهل اأيام املجاعة واحل�سار، املتعلقة باحلب والأمل يف جمموعة الن�سو�س اأو تلك اأهلي«، الليل« و»مات ل�سيما »يف ظالم

»دمعة وابت�سامة«. ف�سال عن اأننا جند بع�سا من تلك املالمح لدى جماعة الديوان يف م�سر27.وميكننا من خالل جربان نف�سه اأن جند تو�سعا يف اللجوء اإىل النرث ال�سعري يف كتاب »العوا�سف«، اأو حتى يف »البدائع والطرائف« بعده. اأو ا�ستكمال م�سروع الريحاين يف ال�سعر املنثور الذي جلاأ

اإليه جربان نف�سه كذلك يف كتب اأخرى وغريهما من الأدباء.عدا عن ذلك، فاإن احلراك الأدبي يف هذه املرحلة مهد للمدر�سة الرمزية التي ازدهرت ابتداء من اأواخر العقد الثالث للقرن الع�سرين. فيمكننا على �سبيل املثال اأن نعرث على الرمز يف ن�س »حفار القبور«، اإذ ن�ستنتج اأن العنوان بحد ذاته ي�سكل رمزا اجتماعيا ونقديا، وينطبق ذلك على رمزية نعيمة؛ ف�سال عن رموز ال�سنة اجلديدة لدى ميخائيل اأي�سا، ورمزية واملبا�سع جلربان املخدرات

الليل اأو العا�سفة اأو النهر اأو ال�سنبلة اأو الغابة...كما ميكن اأن ن�ستطلع الرمز الأ�سطوري يف ق�سائد ن�سيب عري�سة، ومنها ق�سيدة »على طريق اإرم«، اإىل جانب الرمز الديني الذي يتجلى يف �سورة ي�سوع امل�سيح اأو مرمي العذراء اأو غريهما. وانطالقا من ذلك، بات يطالعنا يف الأدب العربي رمز ع�سرتوت على �سبيل املثال، اأو رمز الفرعون. ولعل ومعة- هذا ما دفع البع�س اإىل القول: »وقد جاء رف�س التقاليد، والإ�سرار على اإبقائها خارج ال�س

القلب، يف املرحلة عينها التي راأينا فيها العقل ينفتح على جمالت امليثولوجيا28.يدخلنا هذا املو�سوع يف ظاهرة اأخرى تتجاوز خطورته املنحى الأدبي، لي�سل اإىل الإطار الفكري العام. فالن�ساط الأدبي اآنذاك اأو�سل يف بع�س جوانبه اإىل روؤية فكرية ت�سم ثقافات ت�سبق املرحلة العربية لتكوين ثقافة اأكرث �سمولية ميكن ت�سميتها بامل�سرقية. ويف هذا ال�سياق، �سرنا ن�سهد ح�سور بتغيري ت�سمح نوعية يعد خطوة ما وهو العربية29، الكتابات الكنعانية يف اأو الكلدانية الثقافات

جذري يف طبيعة التفكري، ل يف الأدب فح�سب.على اأن هذه اجلراأة �سهدت ذروتها يف اإدخال الكثري من املفاهيم التي مل يعرفها الأدب العربي، ب�سكل خا�س على احل�سارات املهجر اأدباء فقد كان لنفتاح قبل. العربي، من الفكر اأو حتى الأخرى اأثر يف تعريف القارئ العربي باأفكار جديدة وجريئة يف الآن عينه. اإذ نرى، على �سبيل

مارون عبود: جدد وقدماء. بريوت، دار الثقافة، الطبعة الأوىل، 1954، �س72. 26


ربيعة اأبي فا�سل: يف اأدب النه�سة واملهجر. بريوت، دار الركن، الطبعة الأوىل، 2005، �س46. 28

وهيب كريوز: عامل جربان. جملد 2، �س 396، هام�س -93 جملد 1، �س190. 29

.196 - توفيق �سايغ: اأ�سواء جديدة على جربان. بريوت، الدار ال�سرقية للطباعة، الطبعةالأوىل، 1966، �س195

64

املثال، ح�سورا لفكرة »التقم�س« يف بع�س كتابات ميخائيل نعيمة، كــــــ«مرداد« اأو »لقاء«30، اأو لدى جربان يف »رماد الأجيال والنار اخلالدة«31، وهي فكرة جريئة بالن�سبة للفكر العربي الذي بقي

حتت �سقف ال�سلطة الدينية لعقود.اإ�سافة اإىل ذلك، ميكننا اأن نرى اأفكارا تربط بني اهلل والإن�سان ب�سكل وثيق، اإذ متحو الفا�سل بني اخلالق واملخلوق لتعطي لالأخري �سفات الأول، وهي اأفكار ذات بعد بوذي32. ف�سال عن ما قد جنده

من اأفكار هندو�سية اأو غنو�سية يف نتاجات البع�س33.اأن جراأة تلك املرحلة مل تقف عند ذلك احلد، بل تعدته لتحارب املفاهيم يبقى اأن ن�سري اإىل ال�سائدة الأفكار عن عدا املجتمع، يف والتفتيتية التجزيئية واملعتقدات البالية التقليدية »�سنتها والبنون« وق�ستي »الآباء نقراأه يف م�سرحية قد ما الدينية. وهذا وال�سلطة الدين حول اأو اأو يف ق�س�س »الأرواح املتمردة« ون�سو�س »العوا�سف« جلربان، اجلديدة« و«العاقر« لنعيمة، بحاجة نكون قد روؤى اأنها اإىل الإ�سارة مع ال�سعب. ا�ستكانة حول عري�سة« »ن�سيب �سعر يف

اإليها حتى اأيامنا هذه.

4- حمورية املرحلة »دمعة وابت�سامة«

ميكن القول اإن مرحلة احلرب العاملية الأوىل كانت حمورية يف تطور الأدب العربي، اأكرث مما كانت بالن�سبة لالأدب الغربي، لأنها مل تكن فقط »دمعة« حمر�سة لالإنتاج الأدبي بل �سكلت »ابت�سامة« والروؤيا الأ�ساليب يف التطور من حا�سمة خطوات اأمام الباب فتحت لكونها تاريخنا يف فارقة

والجتاهات.امل�سرقي الأدب جديدة يف بذارا اأدخلت املرحلة تلك اأن نالحظ تقدم، ما اإىل �سريعة فبنظرة ا�ستطاعت اأن تنبت حركات متقدمة ومذاهب متيزت باأثر حا�سم يف املراحل الالحقة. ومن ذلك، على �سبيل املثال، احل�سور الفاعل للمذهب الرومان�سي ولغته ال�سعرية التي اأخذت تتنامى ابتداء من العقد التايل مع اأ�سماء من اأمثال اليا�س اأبي �سبكة... اأ�سف اإىل ذلك ظهور املالمح الرمزية

التي ازدهرت يف ما بعد مع اأديب مظهر ثم مع �سعيد عقل.عدا عن ذلك، نرى تطورا يف التوظيف الفني للرمز الأ�سطوري والديني، اإذ اأننا اأخذنا نرى �سورا عن امل�سيح اأو اإليعازر، اأو عن رموز النبعاث واخل�سب... وهي كلها فتحت الباب على م�سراعيه

ربيعة اأبي فا�سل: يف اأدب النه�سة واملهجر. �س149. 30

جربان خليل جربان: املجموعة الكاملة )املجلد الأول(. �س23. 31

ربيعة اأبي فا�سل: يف اأدب النه�سة واملهجر. �س163. 32

املرجع نف�سه، �س158- 159. 33

65


اأمام حركة احلداثة لالإفادة من الطبيعة التاأثريية لتلك الرموز، وخللق تيار الق�سيدة التموزية يف اخلم�سينات من القرن املا�سي.

الأول يف متثل اأ�سا�سيني: �سعيدين على املرحلة تلك اأحدثتها التي الفكرية الثورة نن�سى ول من اأ�سا�سيا مكونا لي�سبح فيه والتعمق الإ�سالمي، الفتح ي�سبق الذي الرتاث اإىل اللتفات عيد الثاين فتجلى يف اإدخال مفاهيم فل�سفية بعيدة اأو مكونات الثقافة املجتمعية امل�سرقية. اأما ال�س

حتى متناق�سة مع ال�سائد يف العقل العربي الإ�سالمي.نوعي حتول نقطة �سكلت الأوىل العاملية احلرب مرحلة اإن القول من بد ل ذلك، اإىل ا�ستنادا بالعربية ب�سكل خا�س، لأن املراحل الالحقة التي بعامة، والأدب املكتوب الثقافة امل�سرقية يف

�سهدت التطورات احلا�سمة يف اأدبنا كانت ب�سكل اأو باآخر مرتبطة بهذه املرحلة.كان من خالل املرحلة تلك ملا حملته الأ�سا�سي الثقل اأن اإىل ال�سياق هذا الإ�سارة يف وجتدر الأ�سا�سي احلراك اأن نالحظ اأن ميكننا املنطلق هذا من بثقافته. التثقف اأو بالغرب الت�سال ارتكز اإىل ن�ساط املهجريني من منطقة بالد ال�سام يف اأمريكا ال�سمالية، والذين �سكلوا بعد احلرب

املجموعة الأدبية املعروفة با�سم »الرابطة القلمية«.مل ما جمزوءا يبقى جتديدية وخطوات خ�سائ�س من املرحلة تلك به متيزت ما ر�سد اأن على يع�سده بحث من نوع اآخر يتمثل يف الدرا�سة الن�سية لنماذج معروفة من تلك املرحلة تبني التقدم

الفني الذي بلغته النتاجات الأدبية اآنذاك.ومع ذلك، يجب القول اإن احلياة الأدبية، مع �سهدته احلرب العاملية الأوىل من دموع وماآ�س، قد متتعت بح�سور بارز ا�ستطاع الو�سول اإىل اجلمهور والتاأثري فيه، كما ا�ستطاعت اأن نتنج اأدبا مقاوما

للزمن، ما ا�ستدعى بحق اأن ن�سمي الوجه الثقايف لتلك املرحلة بـ »دمعة وابت�سامة«.

66





ىلالأو

ية امل

لعاب ا

حلرية ا

مئو20

14 –

191

4

67

ال�سعر العربي احلديث1964 - مقدمة تاريخية وفكرية 1921

حمم�د �شريح - ناقد واأكادميي

تفاعل الرافد الغربي باملوروث ال�رشقي

كان للحملة الفرن�سية على م�سر )1798-1801( بقيادة نابوليون اأثر بعيد يف ايقاظ م�سر من �سباتها احلملة كانت اخلارجية. املوؤثرات اأمام وحمايتها هويته عن البحث اإىل العربي امل�سرق ودفعها تهديدا لل�سرق وتاليا حتفزا لوثوبه، اإذ خلفت حركة فكرية حية مبا اأن�ساأته من اأبحاث ومن مدار�س ومعاهد وما حملته من كتب و�سحف وخمتربات علمية وم�ست�سرقني وعلماء، ومطبعة . ومع ذلك فاإن النه�سة العلمية والفكرية يف ال�سرق فيما بعد كانت احلا�سل املنطقي لتفاعل احلافز الواعي الوارد من الغرب والطاقة البدائية الكامنة يف ال�سرق )اليازجي، 1962، �س 107-109؛ املقد�سي،

1982، �س 368-370؛ اأنطونيو�س، 1982، �س 126-121(.

�سيوع الفكر التحرري يف امل�رشق العربي

و�سوب نهاية القرن التا�سع انت�سرت بني �سفوف املفكرين العرب حيثما حلوا اآراء ومبادئ الثورة اأوروبا. العائدين من اأدب الدعوة يف ثم قويت وامل�ساواة، اإىل احلرية والخاء الفرن�سية ودعوتها راأى �سبلي �سميل )1860-1917( يف الثورة الفرن�سية مرحلة من مراحل التطور الب�سري ال�سائر نحو ال�سرتاكية فيما تعبق بواكري جربان )1883-1931( باأنفا�سها )كرم، 1980، �س 79؛ حوراين،

1977، �س 108-89(.

من كال�سيكية البارودي اإىل رومنطيقية مطران

فرد )1904-1840( البارودي �سامي حممود به قام احلديث اإىل القدمي من ال�سعري التحول ال�سعر اإىل التجربة الذاتية البكر. ثم اأطل اأحمد �سوقي فامتاز باخليال واملو�سيقى والعاطفة الرقيقة

68

والح�سا�س فكان خامتة ال�سعر املدر�سي الكال�سيكي . وتوجه معا�سره حافظ ابراهيم اإىل اجلمهور متو�سطة بني من ف�سكل حلقة واأ�ساليبه، لغته ب�سط اذ فهما، واأقرب اأكرث و�سوحا �سعره فكان

�سبقوه ومن تلوه يف جميع درجات التطور والنتقال )دياب، 1968، �س 65-63(. اأحدث خليل مطران )1871-1949( رائد الرومنطيقية العربية انقالبا يف ال�سعر العربي احلديث وا�ستقل قدمية[. بلغة جديدة اأفكارا ]لنكتب قائال ديوانه مقدمة يف ال�سعري بيانه اأطلق حني لنف�سه يف عدد من ق�سائده مثل ]امل�ساء[ و ]نريون[ و ]الأ�سد الباكي[ و ]مقتل بزرجمهر[ بوحدة

متما�سكة الأجزاء ومتكاملة .

ثورة جماعة ]الديوان[ ال�سعرية وثقافتها النقدية

لكن ثورة تكثيف امل�سمون ال�سعري واإغنائه فكريا نه�س بها جماعة ]الديوان[ )�سكري، املازين، العقاد( الذين نزعوا منزعا رومان�سيا واأعجبوا باللون الغنائي الذاتي لغة ع�سرية ب�سيطة )العقاد،

1965، �س 192-193؛ �سايغ، 1959، �س 73( .

تبلورت منهجية هذه الثورة ال�سعرية وا�سحة يف دعوة جماعة ]الديوان[ اإىل ال�سدق يف الح�سا�س ديوانه �سدر ال�سعر يف طبيعة )1958-1886( �سكري الرحمن عبد اأوجز التعبري. يف وال�سدق

]�سوء الفجر[ )1909(:

األ يا طائر الفردو�س اإن ال�سعر وجدان )يف: �سيف، 1974، �س 89-88(.كتابا القادر املازين )1890-1949( معا العقاد )1889-1964( وابراهيم عبد ون�سر عبا�س حممود واملازين �سكري تثقف حتطيمهما. وحماولة وحافظ �سوقي نقد يف )1921( ]الديوان[ �سمياه والعقاد ثقافة عميقة بالآداب الجنليزية و�سعرها الغنائي )العقاد، 1965، �س 192-193؛ ال�سحرتي،

1948، �س 158(.

جربان واملهجريون مدر�سة منف�سلة

تاأثر �سعراء املهجر المريكي بالرومنطيقية الغربية واملثالية المريكية، كما يف مناذج اإمر�سون وثورو ولونغفيلو وويتمان، لكن املالمح الرومان�سية يف ال�سعر املهجري مردها الغربة والوحدة يف املهجر واحلنني وال�سوق اإىل الوطن، وامتاز �سعر املهاجرة بتمجيد روحانية ال�سرق ومقت مادية الغرب، ففي ]املواكب[ )1918( دعا جربان اإىل العودة اإىل الطبيعة، والدعوة رومان�سية تذكر ب�سوفية بليك

وبتمجيد نيت�سه للطبيعة )خوري، 1960، �س 6-37؛ ديب، 1955، �س 144-77( .

69


كان جربان يقوم يف اأمريكة ال�سمالية مبا كان يقوم به العقاد واملازين و�سكري يف م�سر يف اآن واهتم غريه من املهاجرة بالتاأمل الفل�سفي ومن هنا واإعجابهم ببع�س ال�سعراء العبا�سيني، مثل املعري، وخري مثال على هذا الجتاه ق�سيدة ]الطال�سم[ )1925( ليليا اأبو ما�سي )1889-1957(، وترجم )1918( لزومياته ثم )1903( العالء اأبي رباعيات الجنليزية اإىل )1940-1876( الريحاين اأمني

)�سيدح، 1979، �س 229-230؛ الأ�سرت، 1961، �س 35-28( .

الرابطة القلمية واحللف الرومنطيقي املقد�ض مع جماعة الديوان

املغرتب، ال�سعر �سيوع اأداة ال�سمايل املهجر العربية يف واملطابع والن�سرات واملجالت ال�سحف التعا�سد. هكذا حتالف اإىل فتنادوا رواده، واملنهج لدى الفكر تناغما يف اأو�سحت التي ومراآته ]الرابطة القلمية[ واتخذوا نيويورك ال�سعراء املهجريون يف امريكة ال�سمالية فاألفوا يف ني�سان 1920 العربي الأدب يف منظمة اأدبية مدر�سة اأول الرابطة هذه فكانت اأع�سائها، موؤلفات لن�سر مقرا احلديث تنزع اإىل تكوين طابع مميز وخا�س، يف اأمناط التفكري وو�سائل التعبري. واملدافع عن اأدب الرابطة واملنظر له كان ميخائيل نعيمة )1889-1988( )عبود، 1979، �س 247؛ �سيف، 1979، �س 246-247؛ مندور، 1963، �س 162؛ ال�سحرتي، 1948، �س 158(. اأ�سدر كتابه النقدي ]لغربال[

جديدة مبقايي�س وطالب واملتزمتني، املحافظني على �سعواء حمالت فحمل )1923 )القاهرة، لالأدب، فتالقت دعوته مع حملة جماعة ]الديوان[ يف القاهرة التي طالبت بالنقالب على �سور ال�سعر القدمية والتحول اإىل �سور جديدة م�ستمدة من اأمناط وافدة من الغرب عرب نف�س رومان�سي، ونادى جربان بقوالب وم�سامني حديثة، وثار على حياة املدينة فدعا اىل حب الطبيعة والعودة اإىل

الغاب حيث الكمال املطلق:ل ول فيها القبور لي�س يف الغابات موت

مل ميت معه ال�سرور فاذا ني�سان وىل ينثني طي ال�سدور اإن هول املوت وهم

كالذي عا�س الدهور )املواكب، 1923، �س 28(. فالذي عا�س ربيعا

]الع�سبة االندل�سية[ و ]الرابطة االدبية[ يف املهجر اجلنوبي

يف مطلع الثالثينات اأقفلت مدر�سة اأمريكة ال�سمالية اأبوابها وبرزت يف املهجر اجلنوبي يف اأمريكة الالتينية نخبة ممتازة من ال�سعراء ان�سووا حتت لواء ]الع�سبة الأندل�سية[ واتخذوا �سان باولو قاعدة،

70

وفوزي فرحات واليا�س القروي( )ال�ساعر اخلوري �سليم ر�سيد مثل من جميدون فيها وحلق املعلوف ونعمة قازان وريا�س املعلوف و�سفيق املعلوف ومي�سال املعلوف و�سكر اهلل اجلر وعقل اجلر وقي�سر �سليم اخلوري )ال�ساعر املدين( وغريهم . وتابعت م�سريتها ]الرابطة الأدبية[ بدءا من 1949 يف منزل جورج �سيدح يف بيون�س اإير�س وكان دعا اإليها وليم �سعب و�سمت اأي�سا اليا�س قن�سل

وجورج �سوايا وزكي قن�سل وغريهم )ح�سني، 1957، �س 174؛ �سيدح، �س 297( .

ال�سعر املهمو�ض يف ق�سائد املهجريني

ولرمبا كان ر�سيد اأيوب )1871-1941( اأعمق املهجريني �سكوى واأنفذهم اح�سا�سا بالغربة والوحدة. غنى بالده ربيعا وخريفا، وجتاوب مع ميوله الذاتية، تذكر فتح�سر:

يا ثلج قد هيجت اأ�سجاينذكرتني اأهلي بلبنان

باهلل قل عني لإخواينما زال يرعى حرمة العهد

يا ثلج قد ذكرتني اأمي اأيام تق�سي الليل يف همي

م�سغوفة وحتار يف �سميحتنو علي خمافة الربد )اأغاين الدروي�س، 1928، �س 70(.

واملهجريني نعيمة �سعر على املهمو�س[ ]ال�سعر لقب اأطلق )1965-1907( مندور حممد وكان لغياب ال�سلوب اخلطابي عنه ومتيزه بالتقارب بني ال�ساعر والقارئ. ال�سلوب هادئ ورقيق، يوحي

ويرمز، ويهم�س للفوؤاد )مندور، 1963، �س 162(. حتالف ال�سعراء الرومنطيقيون العرب يف نيويورك والقاهرة وبريوت على العزوف عن اخلطابة ونبذ اأغرا�س ال�سعر القدمية واأ�سفوا على الق�سيدة بعدا روحيا عرب تركيزهم على التجربة الذاتية، فكان اأوزان ف�سرفوا يف احلديثة، التجارب هذه ت�ستقبل قوالب جديدة البحث عن من اإذن، بد، ل

الق�سيدة الواحدة ونوعوا قوافيها )بدوي، 1967، �س 106-107، الد�سوقي، 1971، �س 34( .

71


جبهة النقد تواكب تنامي التيار القومي والرافد املارك�سي

�سهدت ثالثينات القرن الع�سرين حتولت جذرية يف بنية املجتمع العربي، ذلك اأن تطور ال�سراع املثلث على ال�ساحة الوروبية )الليربايل / القومي / املارك�سي( انعك�س يف اأذهان املثقفني العرب موروثهم ويف الغربي مكت�سبهم النظر يف اإعادة اإىل الدميقراطية وتعرث الليربالية اإخفاق فدفعهم ال�سرقي، فكانت املرحلة اإذن، يف بع�سها، ت�سفية ح�سابات مع الغرب، وكانت يف بع�سها الآخر انفتاحا عليه، اأو اأخذا عنه )ال�سليبي، 1978، �س 159-191؛ الأن�ساري، 1980، �س 181-180(. وتنامى املد القومي مع ق�سطنطني زريق واأنطون �سعادة ومي�سال عفلق وجورج حب�س، فيما مهد التيار املارك�سي مع �سالمة مو�سى وخالد بكدا�س لقيام الواقعية ال�سرتاكية لحقا . ويف جمال حتديث النقد الدبي وجتديده قام مارون عبود يف لبنان يف الثالثينات مبا قام به طه ح�سني يف م�سر يف الع�سرينات . وكان النقد الأدبي العربي منذ مقدمة �سليمان الب�ستاين )1856-1925( لرتجمته اإلياذة هومريو�س )1904( اتخذ م�سارا جديدا بتاأثري الفكر الغربي وممثليه. وبني 1934 و 1939 ن�سر و�سفيق ال�سغري( )الأخطل اخلوري اهلل عبد ب�سارة ق�سائد تناولت نقدية مقالت عبود مارون املعلوف وخليل مطران وعبا�س حممود العقاد، وغريهم )جمعت هذه املقالت لحقا يف ]على

املحك[، بريوت، 1946( .

الرومنطقية من القاهرة اإىل بريوت وتاجها اليا�ض اأبو �سبكة

على املهجريني ن�سمات هبت ثم وبريوت، القاهرة يف الرومنطيقيني جهود وتاآينت ت�سافرت العا�سمتني وتفاعلت، فما لبثت الرومنطيقية اأن هيمنت على ال�ساحة الأدبية يف الأقطار العربية خالل الثالثينات والأربعينات، وكانت الأ�سوات ال�سعرية اجلديدة يف هذا امل�سمار تقر بجهود مطران وف�سله يف اإر�ساء التيار الرومنطقي )بالطة، 1960، �س 128-129(. جدد الرومنطيقيون يف الوزن يف وتفن املو�سحات منط على )1934-1909( ال�سابي فكتب العرو�س من حيث ال�سعر والقافية )هدارة، 1970، �س 164-183(. ون�سج اإبراهيم ناجي )1898-1953( على هذا املنوال اأما علي حممود طه )1901-1949( �ساحب »اأغنية اجلندول يف كرنفال فيني�سيا« فا�ستطاع اأن يوؤلف

لنف�سه معجما لغويا م�سيئا وخالبا األفاظه ذات بريق واألوان، فال تبقى هناك اأفكار وم�ساعر:نختال عربه اآه لو كنت معي

الأجنم اإثره ب�سراع ت�سبح اأرخم نربه حيث يروي املوج يف

كليوبرته )يف: ديوان علي حممود طه، 1972، �س 228(. حلم ليل من ليايل

72

ولرمبا تكون هذه الظاهرة هي التي دفعت بع�س النقاد اإىل القول اإنه بدون علي حممود طه، مل يكن ظهور قباين وال�سياب ممكنا )Badawi 1975، �س 145; الد�سوقي، 1971، �س 135-134(.

يرى �سالح لبكي )1906-1955( يف »لبنان ال�ساعر« )1954( اأن املنقبني غدا يجدون اأن ب�سارة عبد اهلل اخلوري )الأخطل ال�سغري( )1885-1968( يف لبنان هو نف�سه اأبو الرومنطيقية والرمزية فيه، اأو قد يقررون اأنه ردة عليه ونقي�سا له، اأو قد يقررون بعد - اأن اأحدهما ردة على الآخر . وجهة نظر حتتاج اإىل وقفة ملا فيها من مغزى، ذلك اأن الأخطل ال�سغري بثورته الجتماعية وتغنيه بالطبيعة ومناداته بالقومية، عرب لغة �سافية ذات نغم عذب، هياأ مناخا فكريا مالئما لن�سوء رومنطيقية اأجزل منت يف ثناياها مدر�سة جديدة هي الرمزية. ومذهبا الرومنطيقية والرمزية ظهرا معا وتواكبا، وبدوا كاأنهما ردة على الأدب امل�سيطر واملتالزم للرومنطيقية والرمزية جت�سد يف فر�سان هاتني املدر�ستني. �سبكة اأبو اإليا�س نتاج يف الرومنطيقية وجتلت )1928-1898( مظهر اأديب مع الرمزية تفتحت )لبكي، تتجاذبانه النزعتني بني فظل حائرا )1972-1893( يو�سف غ�سوب اأما ،)1947-1903(1954، يف الأعمال الكاملة، 1982، �س 178؛ كرم، 1949، �س 115؛ مو�سى، 1980، �س 51-49(.

وكانت �سنة 1937 ون�سر �سعيد عقل »املجدلية«، فر�سخ الرمزية: مرمي املجدلية

راأت النور، عهد ل يتعب النوروعهد الدنيا له، والع�سور

وتلوتيف مهدها

فكرة بي�ساءخم�سوبة بوهج اللذة

متالأ اجلويف اأ�سابعها الع�سر

فملهى ال�سحىاأ�سابع ع�سر )املجدلية، 1937، �س 60(.

ولكن ل ي�سنف اأمني نخلة )1901-1976( مع غريه يف مدر�سة �سعرية، فهو ن�سيج وحده. �ساعر معا�سر يكتب بنف�س �سعراء بني العبا�س )لبكي، 1954، يف الأعمال الكاملة، 1982، �س 289(.

73


�ساعر مع هنا فنحن وجهها، اأكمل على العربية الرومنطيقية حتققت �سبكة اأبو اإليا�س �سعر يف تنوعت ثقافته: عربية وفرن�سية، وتوراتية - اإجنيلية )من�سور، 1978، �س 44-47؛ مو�سى، 1980، �س 112-117( . اأما الأثر الأكرث �سيوعا يف �سعره فاأثر دوفيني )1797-1863(. كتب اأبو �سبكة مقدمة

ديوانه »اأفاعي الفردو�س« )1938( يف قانون العودة املطلقة اإىل الذات واإىل الطبيعة ينبوع ال�سعر، كما هو جلي يف ق�سيدته »اأحلان القرية« :

يا دهر يف لبنان اأرجع لنا ما كان اأحالمنا واملنى كانت لنا

واجلرن واملهباج اأرجع اإلينا ال�ساج ونورنا يف ال�سراج وخ�سبنا يف الربى

وكاذبات الغنى )الأحلان، 1938، �س 49-48(. وا�سرتجع الكهربا

ثورة ال�سعر العربي احلديث )1957-1947(

الرومان�سية مبنجزات الثانية، العاملية احلرب بعد ظهروا الذين املعا�سرون العرب ال�سعراء تاأثر وقباين واملالئكة والبياتي ال�سياب العامليتني: احلربني بني ما مرحلة يف �ساعتا اللتني والرمزية واأدوني�س وموا�سيعها. حاوي الرومان�سية تقنيات من غرفوا واحليدري وحجازي، ال�سبور وعبد واخلال ورفقة و�سايغ وجربا ا�ستفادوا من الرمزية العربية ومن نظريتها الغربية، اإذ اأتاح لهم ات�سالهم �سكل عن البحث على حفزتهم م�سادر على الوقوف والأمريكية الأوروبية بالثقافتني املبا�سر جديد ل�سياغة موا�سيع حياتية جديدة، واأن�سي احلاج و�سوقي اأبي �سقرا نهال من املدار�س ال�سعرية الفرن�سية التي اإن�سقت عن الرمزية اأو جاءت ردة عليها، واإذا ق�سائدهما تخلق لغة �سعرية جديدة )�ساعي، 1978، �س 197 ؛ الب�سري، 1968، �س 16؛ اخلياط، 1970، �س 160؛ املقالح، 1981، �س 41؛ ن�ساوي، 1980، �س 393-394(. وكان ظهور ديوان نزار قباين »قالت يل ال�سمراء« )1944( دللة

على بدء الفرتة الواقعية اللغوية اإذ تطورت فكرة »اللفظة ال�سعرية« فلم تعد تعني تلك »اللوحة« التي تكاد تكون وحدها �سعرا قبل اأن تنتظم يف الق�سيدة، بل اأ�سحت تكت�سب »�سعريتها« من

موقعها يف الق�سيدة وت�سابكها مع ما يجاورها من الألفاظ وعالقاتها الداخلية الأخرى:اأريدك

اأعرف اأين اأريد املحالواأنك فوق ادعاء اخليال

74

وفوق احليازة، فوق النوالواأطيب ما يف الطيوب

واأجمل ما يف اجلمال )قالت يل ال�سمراء، 1944، يف الأعمال الكاملة، مج 1، 1998، �س 31(.

يف مرحلة ما بعد 1947 نه�س ال�سعر العربي اإىل اإيقاع الأفكار القائم على التوازن والرتداد ليحقق الن�سجام والوحدة والتعوي�س عن فقدان النتظام يف طول الأبيات واأمناط التقفية وكذلك اإىل املعجم ال�سعري الب�سيط والكالم اليومي الذي يت�سم بالب�ساطة، وي�ستخدم اأي�سا املعادل املو�سوعي

والرمز والأ�سطورة وال�سور اليومية واحلوار الداخلي )لوؤلوؤة، 1983، �س 59( .ال�سيا�سي توجيهه يف الفرن�سية الثورة اأثر احلديث: العربي »الفكر �سدر الأربعينات مطلع يف والجتماعي« لرئيف خوري )1913-1967( و »روابط الفكر والروح بني العرب والفرجنة« لإليا�س اأبو �سبكة )1903-1947( و »ال�سراع الفكري يف الأدب ال�سوري« لأنطون �سعادة )1949-1904( . وهذه الكتب �سكلت معامل رئي�سية اأ�ساءت الدرب اأمام النقد الأدبي احلديث الذي ازدهر يف

اخلم�سينات وال�ستينات، ل �سيما ما ارتكز منه على منحى عقائدي . ا�ستكملت اأن بعد املعا�سرة احلديث العربي ال�سعر ثورة الأربعينات من الثاين العقد �سهد العربي وال�سعر . املو�سوعات املحدودة يف جمال ثورتهما الرومان�سية ثم الكال�سيكية اجلديدة احلر بزغ يف العراق بني 1947 و 1950 ورواده الأوائل ال�سياب واملالئكة و�ساذل طاقة . والناقد اإح�سان عبا�س انربى للدفاع عن هذا ال�سعر عرب درا�سة لديوان البياتي »اأباريق مه�سمة« )1954(

)Badawi 1977، �س 181-205; كمال خريبك، 1982، �س 89-87( .

انقالب جماعة ]�سعر[ واخرتاق جدار اللغة

ثم انتمت باأ�سالة اإىل جمرى ال�سعر العربي احلديث جماعة تطالب بتخطي واقع ال�سعر العربي الق�سيدة، اإىل عرو�س البيت املعا�سر عن عرو�س ال�ساعر تخلي وب�سرورة الكال�سيكي وجتاوزه وهي جماعة »�سعر« التي اأ�سدرت جملتها يف بريوت من 1957 اإىل 1964، ومن 1967 اإىل 1969. ثم جاءت »ال�سعر« القاهرية و »مواقف« لأدوني�س لكن مل تفلح جملة يف مثل ما اأجنزته »�سعر«. مثل اخلطيب يو�سف ال�ساعر الأدبي. النقد مبو�سوع �سة متخ�س �سعيد برزت خالدة »�سعر« يف

املجددين الذين �سلكوا نهجا و�سطا بني العمودية والتحرر )ال�سوافريي، 1963، �س 309-242(.الرواد العراقيون هم احللقة الأوىل يف ت�سل�سل ال�سعر العربي احلديث بعد 1947. مهدوا الدرب

اأمام جماعة »�سعر«. اأ�ستاذهم كان بدر �ساكر ال�سياب الذي حظي باهتمام احليدري والبياتي.

75


بالدعوة اخلا�سة املفاهيم تقنني يف توفيقا اأكرثهم املالئكة نازك تظل العراقيني الرواد بني من اجلديدة واأ�سرعهم يف نقدها وبيان عيوبها وميزاتها واأ�سعفهم ق�سيدة واأعجزهم عن تطوير املنحى

الذي دعت اإليه . بلند احليدري عرب بالرمز عن رومان�سية و�ساأم وقلق وجودي . لكن احليدري واإن بداأ رمزيا ا�ستقر على الواقعية احلديثة . وقف ال�سياب يف طليعة حركة ال�سعر العربي املعا�سر . تدرج يف الرومان�سية اإىل الواقعية فال�سرتاكية الرمزية وانتهى باملاأ�ساوية )ن�ساوي، 1980، �س 393-394؛ الب�سري، 1968، �س 10-11 ؛ علوان، 1975، �س 373؛ اخلياط، 1970، �س 46( . جتربته غنية يف احلياة وال�سيا�سة والت�سرد والنفي واملر�س، �سبها �سعرا، فكانت »اأن�سودة املطر« )»الآداب«، حزيران 1954( عالمة

بارزة يف م�سار ال�سعر احلديث . املطلع هادئ وجميل والنهر يجري بوداعة وتنعك�س فيه النجوم:عيناك غابتا نخيل �ساعة ال�سحر

اأو �سرفتان راح يناأى عنهما القمرعيناك حني تب�سمان تورق الكروموترق�س الأ�سواء كالأقمار يف نهريرجه املجذاف وهنا �ساعة ال�سحر

كاأمنا تنب�س يف غوريهما النجوم )اأن�سودة املطر، 1960، يف ديوان بدر �ساكر ال�سياب، مج 1، 1974، �س 474( .

على اأن هذا الهدوء ي�ستبق العا�سفة . يعرب ال�سياب يف »اأن�سودة املطر« عن اجلدب والعقم يف حياة العراق عرب �سور اجلفاف وانحبا�س املطر، ولكنه، ويف اآن، يوحي بتجمع الربوق والرعود والغيوم املثقلة بالأمطار بني جبال العراق وفوق وديانه، وهي املقابل املو�سوعي املاألوف للثورة الو�سيكة يف

�سعر �سيلي وعامة الرومان�سيني.

بدءا من 1949 ق�سيدة خليل حاوي تومئ اإىل املنعطف اخلطري

وملا كانت 1945 وانتهت احلرب العاملية الثانية وبداأ النتداب ينح�سر عن �سوريا ولبنان وم�سر، بدت يف الفق غيوم �سوداء ما لبثت اأن هطلت ظالما فا�ستعمارا جديدا على فل�سطني )كرم، 1980، �س 74-77؛ الأن�ساري، 1980، �س 181(. فا�ستعلت حرب و�سقطت اأنظمة، وكرثت انقالبات، فما اإن

كانت 1952 وو�سل عبد النا�سر )1918-1970( اإىل �سدة احلكم حتى تاأرخت بداية مرحلة جديدة

76

على م�سرح العرب ال�سيا�سي والقت�سادي والجتماعي والفكري، واأعدم �سعادة يف بريوت يف متوز 1949 فوجد خليل حاوي يف اإعدام رئي�س احلزب ال�سوري القومي الجتماعي منكرا طا�ست

األبابه اإثره، فرثاه يف اإحدى ق�سائده من بواكري �سعره الف�سيح، وقال فيها:وعقي بالدا ترجي ال�سياء

وتق�سي على الفجر يف امل�ستهلبالدا بجوهرها تكفر

فجبارها الأ�سمريغال بليل اأباح ال�سمائر

ل�سهوة غادرفويل وويل اإذا نغفر

تثور ال�سماء وت�ستنكرهو الليل يحدو اإىل م�سمعي

حايا بوجه الردى املزبد هتاف ال�سفيا �سبح املوت �سدد يدي

اأنا واملنايا على موعد )يف: اإيليا حاوي، 1978، �س 72(.

ما اأن �سدرت »�سعر« يف بداية 1957 حتى ظهر اأنها ت�سم بع�س قدامى احلزب ال�سوري القومي ممن كانوا يف بريوت اأو ممن وفدوا اإليها من دم�سق اإثر ق�سية املالكي ]العظمة / اأدوني�س / خالدة �سعيد 1957، ظهرت الق�سيدة 2، ربيع ]العدد / حممد املاغوط[. ن�سر حاوي ق�سيدة يتيمة يف املجلة يف »�سعر« بعنوان »ال�سجني«، وهي نف�سها ق�سيدة »�سحكات ال�سغار« يف نهر الرماد[ واأ�سدر »نهر لة نهائيا بينه وبني القائمني على »�سعر«، ثم حتولت القطيعة اىل الرماد« عن دارها، وانقطعت ال�س

عداوة. الق�سيدة مفهوم ندواتهم يف يتباحث معهم يف »�سعر« مع جماعة موؤتلفا قبل ذلك كان حاوي ثم العراق، لل�سياب الذي كان يبعث للمجلة بق�سائده من احلديثة، وكان يكن احرتاما خا�سا ،1953 يف اإدري�س �سهيل اأ�سدرها التي »الآداب« مع وحتالف وجتمعه »�سعر« عن حاوي خرج لإميانه اأن الدعوة اإىل وحدة تعم الهالل اخل�سيب با�سم �سوريا واحل�سارة ال�سورية يجب اأن تكون

با�سم العروبة.

77


1953 ونهاية نهاية وكان حاوي قبل ظهور »�سعر« قد ر�سخ وجوده يف »الآداب«، فن�سر فيها بني 1957 اثنتي ع�سرة ق�سيدة �سكل معظمها اأنا�سيد »نهر الرماد«.

بداية اإىل اخلم�سينات بداية من ميتد العربية خالل عقد والقومية »الآداب« باجتاه حتول حاوي ال�ستينات مل يعن اإ�سقاطه ملبادئ اأنطون �سعادة. ظل وفيا لها. لكن ما طراأ على ال�ساحة العربية اأواخر الأربعينات يف جتمع »العروة اأيقظت فيه وعيا جديدا. فمنذ انخراطه من تبدلت جذرية الوثقى« يف اجلامعة الأمريكية جنح باجتاه فكرة القومية العربية بتاأثري نكبة فل�سطني، لكن بقيت

ال�سفة احلزبية ال�سورية معروفة فيه بني �سحبه. ظهرت جملة »�سعر« )1957( يف وقت وجد ال�سعراء اللبنانيون اأنف�سهم وقد جتاوزتهم موجة ال�سعر اجلديد يف العراق و�سورية وم�سر. يف لبنان كان �سعيد عقل ل يزال يحتل مقدمة امل�سهد ال�سعري بني جمهرة من النيوكال�سيني، على الأقل يف ال�سكل ال�سعري، مثل اأمني نخلة و�سالح لبكي »�سيوخ« من اأخرى جمهرة هناك وكانت غ�سوب، ويو�سف �سالمة وبول�س املعلوف و�سفيق القروي. عام ظهور جملة وال�ساعر ال�سغري نعيمة والأخطل التقليدية، مثل: ميخائيل الق�سيدة »�سعر« �سهد وفاة اإيليا اأبو ما�سي. اأما يف �سورية فكان ال�سلطان ال�سعري متقا�سما بني التقليديني )بدوي اجلبل، اأبو ري�سة( والنيوكال�سيني )�سليمان العي�سى وعزيزة هارون(، وكان نزار قباين ي�سق معني كان والأردن فل�سطني واملو�سوع. يف املو�سيقى من حيث للماألوف، مغايرة �سعرية طريقا ب�سي�سو وفدوى طوقان و�سلمى اخل�سرا اجليو�سي ويو�سف اخلطيب وهارون ها�سم ر�سيد يحققون املالئكة، احليدري، )ال�سياب، العراقيني الرواد اإىل جانب ال�سعرية. باجتاه احلداثة �سكليا تطورا نيازي. يف م�سر وال�سودان البياتي( ظهر �سفاء احليدري وكاظم جواد و�سعدي يو�سف و�سالح ثار �سعراء �سبان على �سيادة العقاد فجددوا بجراأة، مثل �سالح عبد ال�سبور واأحمد عبد املعطي حجازي وجماهد عبد املنعم جماهد وحممد الفيتوري وحمي الدين فار�س وجيلي عبد الرحمن.

هذا هو الإطار الذي ولدت فيه »�سعر« )خريبك، 1982، �س 89-87(.ال�سعراء اأن جميع اإل العراقيني، الرواد مع باملقارنة متاأخرين جاءوا »�سعر« اأن جماعة �سحيح العرب وجدوا يف املجالت اللبنانية جمال رحبا لتجاربهم يف م�سمون الق�سيدة و�سكلها. ن�سروا يف »الأديب« و«الآداب« وكانت هذه الأخرية قد لعبت الدور الأ�سا�سي يف ن�سر بدايات احلركة

احلديثة قبل ظهور »�سعر«.يف 1956 كان يو�سف اخلال قد عاد من اأمريكا بعد اإقامة طويلة ويف نيته جتديد ال�سعر العربي. يف البدء تعاون مع خليل حاوي، اإل اأن هذا ال�ساعر املبدع ان�سحب فلم يكن من جماعة »�سعر«، ول هو اأراد. واتفق اأن التجاأ اإىل بريوت عدد من �سعراء �سورية كان اأغلبهم اأع�ساء يف احلزب ال�سوري القومي الجتماعي، مثل اأدوني�س ونذير العظمة وحممد املاغوط وخالدة �سعيد. هكذا اكتملت النواة ثم ان�سم اإليها اأ�سعد رزوق و�سوقي اأبي �سقرا واأن�سي احلاج، فكان التجمع الذي اأعلن عن

78

تاأ�سي�س جملة »�سعر« التي تخدم ال�سعر احلديث وتدافع عنه، واأ�سبح اخلال رئي�سا لتحريرها )�سدر العدد الأول يف كانون الثاين 1957( .

اأهم اإجناز لغوي - اأدبي حققته جملة »�سعر« يكمن يف بلورة ق�سيدة النرث. �سحيح اأن األبري اأديب واإبراهيم �سكر اهلل وجربا اإبراهيم جربا ن�سروا مناذج من النرث ال�سعري، اإل اأن ق�سية ق�سيدة النرث مل تعالج اإل مع و�سول ال�ساعر ال�سوري حممد املاغوط اإىل بريوت وان�سمامه اإىل »�سعر«، ذلك القافية - والتي تفجر املنحى ال�سوري - »اأن ق�سائده احلرة، املجردة من اليقاع العرو�سي ومن لل�ساعر تخليه الكامل عن التي يتيحها اإىل المتيازات الكبرية التجمع اأع�ساء انتباه قد لفتت ومطلع اخلم�سينات اأواخر وظهرت النرث، ق�سيدة حول النقا�س دار فجاأة التقليدي«. ال�سكل ال�ستينات جماميع �سعرية، تر�سخ املنحى هذا، دفع بها - اإ�سافة اإىل املاغوط )»حزن يف �سوء القمر«( - احلاج )»لن«( وجربا )»متوز يف املدينة«( وتوفيق �سايغ )»الق�سية ك«( واأبي �سقرا )»ماء اإىل ح�سان

العائلة«( وهرني حاماتي )»اإىل الفقر«( ومي�سيل كمال )»رحلة العودة«( واأدوني�س )»اأغاين مهيار الدم�سقي«( )خريبك، 1982، �س 93(.

يرى كمال خري بك يف اأثره النفي�س »حركة احلداثة يف ال�سعر العربي املعا�سر« اأن اأعمال �سعراء اأن اإل النرث ق�سيدة اجتاه قبل، يف من تطورت قد وخليل حاوي واأدوني�س كال�سياب را�سخني النعطاف الأهم والأكرث ح�سما يف التطور ال�سوري لل�سعر العربي الطليعي قد حتقق يف ق�سائد حممد املاغوط، وبدءا من هذا النعطاف اأخذت ال�سورة ذات النزياح املرتفع بل الأق�سى اأحيانا، تربز يف اإنتاج �سعراء احلداثة، بل ت�سبح مفتاح التعبري ال�سعري وعن�سره الأ�سا�سي. جاءت ق�سائد

املاغوط تفتح دربا جديدا: نعدو كاخليول الوح�سية على �سفحات التاريخ )حزن يف �سوء القمر، بريوت، 1959، �س 30(.

جددت ق�سيدة النرث يف هيئة الق�سيدة وبنيتها اخلارجية و�سحنت مفرداتها مبعنى مل حتمله من قبل، فالبحر ي�سري غربة تطهريية عند اأدوني�س:

)اأوراق يف الريح، بريوت، 1958، �س 158(. اأيها البحر، يا �سديق اجلرح

والدم رحلة يف التاريخ عند اأبي �سقرا:)خطوات امللك، بريوت، 1960، �س 39(. فدمي لون غريب وع�سور مقفرة

الكبرية« »اجلملة يف بنائية« »�سيغة يحمل نرثيا �سطرا احلديث ال�سعري البيت �سار وهكذا للق�سيدة احلديثة، كما عند احلاج:

79


قمت من النوم خلنج، اأظن اأ�ستهيك)من ق�سيدة ]�سوكة[، يف جملة �سعر، 32/31، 1964، �س 14(.

حية »عقدة باعتبارها الق�سيدة بناء يف مندجما ال�سعري البيت �سار واأدوني�س اخلال وعند وع�سوية«. وعند ع�سام حمفوظ تكثيفا دلليا:

والقمر ال�سرير ين�سل من �سباكهم

)اأع�ساب ال�سيف، بريوت، 1961، �س 52(. ويرقد

اأما فوؤاد رفقة فقد حافظ على كال�سيكية معتدلة اإذا ما قورن بجماعة ق�سيدة النرث، وهو اأقرب اإىل خليل حاوي يف �سعيه اإىل اإ�سادة البناء الهند�سي واإبقائه على وزن ومو�سيقى داخليني، وحتميل

مفرداته �سحنات فكرية وتراثية:هنا ت�سقط النجوم

ت�سقط العالمة الكبريةوترحل الف�سول

وكل �سيء ينحنييف جزر الرياح

)يف ق�سيدة ]رحيل الف�سول[، يف جملة �سعر، 37، 1968، �س 32-31(. لل�سفينة الأخرية

ا�ستفاد جماعة »�سعر« من نتاج الدادائية وال�سوريالية فيما يخت�س بالتنقيط والتوزيع يف الق�سيدة، بينها، الفا�سلة احلدود وا�ستبعاد اجلمل اإذابة اإىل بع�سهم جلاأ التقليدية. العبارة حطم ما وهذا واإىل ا�ستعمال اجلملة غري التامة وتب�سيط اخلطاب ال�سعري. ا�ستفادوا من ترجمة ال�سعر الأجنبي واحلذاقة البنائية ال�ساعر خ�سائ�س على القب�س بهدف بنيته على وحافظوا الن�س واحرتموا 181؛ 1975 - والأ�سلوبية لرتكيبه ال�سعري )خريبك، 1982، �س 161؛ Jayyusi 1977، �س 205

.)172 - Badawi، �س 178

80

امل�سادر واملراجع

اأحمد ب�سام ال�ساعي. حركة ال�سعر احلديث يف �سورية من خالل اأعالمه. دم�سق، 1978. اأحمد اجلندي. �سعراء �سورية. بريوت، 1965. األربت حوراين. الفكر العربي يف ع�سر النه�سة 1798-

1939. ترجمة كرمي عزقول. بريوت، 1977 )طبعة ثالثة(. األفرد خوري. الكلمة العربية يف املهجر.

بريوت، 1960. اأنطون غطا�س كرم. الرمزية والدب العربي احلديث. بريوت، 1949. اأنطون غطا�س كرم. مالمح الدب العربي احلديث. بريوت، 1980. اأني�س �سايغ. الفكرة العربية يف م�سر. بريوت، 1959. اأني�س اخلوري املقد�سي. الجتاهات الدبية يف العامل العربي احلديث. بريوت، 1982 )طبعة

1978. جالل اخلياط. اإيليا حاوي. مع خليل حاوي يف م�سرية حياته و�سعره. بريوت، �سابعة(. تاريخ العرب: يقظة اأنطونيو�س. 1970. جورج وتطور. بريوت، العراقي احلديث: مرحلة ال�سعر حركة العرب القومية. ترجمة اإح�سان عبا�س ونا�سر الدين الأ�سد. تقدمي نبيه اأمني فار�س. بريوت، 1979 )طبعة القاهرة، واأدباوؤنا يف املهاجر الأمريكية. اأدبنا 1982 )طبعة �سابعة(. جورج �سيدح.

1974 )طبعة خام�سة(. حممد القاهرة، املعا�سر يف م�سر. العربي ثالثة(. �سوقي �سيف. الدب م�سطفى هدارة. درا�سات يف ال�سعر العربي. الإ�سكندرية، 1970. �سالح لبكي. لبنان ال�ساعر. 1965 القاهرة، املا�سي. اجليل يف وبيئاتهم م�سر �سعراء العقاد. حممود عبا�س .1954 بريوت، )طبعة ثالثة(. عبد اجلبار داود الب�سري. مقال يف ال�سعر العراقي احلديث. بغداد، 1968. عبد احلي دياب. الرتاث النقدي قبل مدر�سة اجليل اجلديد. القاهرة، 1968. عبد العزيز الد�سوقي. جماعة اأبولو واأثرها يف ال�سعر احلديث. القاهرة، 1971 )طبعة ثانية(. عبد العزيز املقالح. ال�سعر بني الروؤيا والت�سكيل. بريوت، 1981. عبد الواحد لوؤلوؤة. البحث عن معنى: درا�سات نقدية. بريوت، 1983 )طبعة اأوىل بغداد 1973(. علي عبا�س علوان. تطور ال�سعر العربي احلديث يف العراق: اجتاهات الروؤيا وجمالت الن�سيج. بغداد، 1975. كمال خري بك. حركة احلداثة يف ال�سعر العربي املعا�سر: ا�سدقاء من جلنة ترجمة الدبية. والبنى لالجتاهات الثقايف - الجتماعي الطار حول درا�سة -1917 فل�سطني: ماأ�ساة يف احلديث العربي ال�سعر ال�سوافريي. كامل .1982 بريوت، املوؤلف. 1955. القاهرة، 1963. كمال ال�سليبي. تاريخ لبنان احلديث. ترجمة يو�سف اخلال. بريوت، 1978

بريوت، .1900-1800 احلديث: لبنان يف الدبية النه�سة رواد اليازجي. كمال رابعة(. )طبعة 1962. مارون عبود. جمددون وجمرتون. بريوت، 1979 )طبعة خام�سة(. حممد جابر الأن�ساري.

حتولت الفكر وال�سيا�سة يف ال�سرق العربي 1930-1970. الكويت، 1980. حممد م�سطفى بدوي.

81


خمتارات من ال�سعر العربي احلديث. بريوت / اك�سفورد، 1969. حممد م�سطفى هدارة. التجديد يف �سعر املهجر. القاهرة، 1957. حممد مندور. النقد والنقاد املعا�سرون. القاهرة، 1963. م�سطفى عبد اللطيف ال�سحرتي. ال�سعر املعا�سر على �سوء النقد احلديث. القاهرة، 1948. مناف من�سور. العربي ال�سعر 1978. منيف مو�سى. العربي احلديث. بريوت، ال�سعر الن�سان وعامل املدينة يف احلديث يف لبنان: بحث يف �سعراء لبنان اجلدد مرحلة ما بني احلربني العامليتني. بريوت، 1980. ن�سيب ن�ساوي. مدخل اإىل درا�سة املدار�س الدبية يف ال�سعر العربي املعا�سر. دم�سق، 1980. وديع

ديب. ال�سعر العربي يف املهجر الأمريكي. بريوت، 1955 . Badawi, M. M. Modern Arabic Poetry. Cambridge University Press, 1975.

Jayyusi, S. K. Trends and Movements in Modern Arabic Poetry. E. J. Brill Leiden, 1977.





ىلالأو

ية امل

لعاب ا

حلرية ا

مئو20

14 –

191

4

83

مائة عام على »دمعة وابت�سامة« جلربانال�سعاع واالفق

�شليمان بختي - كاتب ونا�سر

مئة عام م�ست على �سدور كتاب »دمعة وابت�سامة« جلربان خليل جربان فهو �سدر يف العام 1914 و 1906 املروج« »عرائ�س و 1905 »املو�سقى« بعد العربية يف الرابع كتابه وهو �سفحة 197 من

»الرواح املتمردة« 1908 و »الجنحة املتك�سرة« 1912.»املهاجر« كتبها جلريدة قد كان جربان والق�سائد والق�س�س املقالت من عددا الكتاب وي�سم اأهداء اأما .1914 �سنة ون�سرت يف كتاب 1908 وجمعت و 1903 بني ما اأمني غريب ل�ساحبها الكتاب فهواىل MEH ماري ها�سكل، ويقول يف الهداء »اأقدم هذا الكتاب وهو اأول ن�سخة من �سرية ومثبت يف العوا�سف«. مع وت�سري الن�سمات التي حتب النبيلة الروح اىل عا�سفة حياتي جربان ووقائع حياته الدور الفاعل وال�سا�سي الذي لعبته ماري ها�سكل يف دعم جربان لتحقيق اإىل ماري ها�سكل بعنوان »جمال املوت« ويرفعها الكتاب نف�سه. وثمة مقالة يف مواهبه واثبات

اأي�سا.يف هذا الكتاب تتمحور مقالت جربان حول املوا�سيع التالية : الطبيعة، احلب املجتمع والوجود. ينحاز جربان يف كتاباته على ماألوفه اىل جانب املظلومني وامل�سطهدين وي�سمى الفقري »يا خليلي

الفقري« معتربا اأن حياة الفقري طاهرة و�سريفة ومثالية.يقد�س جربان المل ويت�سق يف ذلك مع ع�سره �ساأنه �ساأن الرومن�سيني الذين يعتربون اأن الأمل يطهر الن�سان من الف�ساد وال�سرور والنزعات املادية. وجربان املتمرد يقول: »راأيت البتذال ي�سري مقامه...« قائما والوهم الكتاب طي مدفونا الدين راأيت احلرية. يدعونه والنا�س عظيم مبوكب

وي�ساأل »اأهذه هي الر�س يا ابنة الآلهة ؟ اأهذا هو الن�سان«.ويف توطئة الكتاب نعرف ملاذا �سمى جربان كتابه » دمعة وابت�سامة« فهو يقول: »اأمتنى اأن تبقى حياتي دمعة وابت�سامة. دمعة تطهر قلبي وتفهمنى اأ�سرار احلياة وغوام�سها، وابت�سامة تدنيني من

84

اأبناء بجدتي وتكون رمز متجيدي الآلهة . دمعة اأ�سارك بها م�ستحقي القلب، وابت�سامة تكون عنوان فرحي بوجودي«.

والفالطونية وال�سوفية بالرومن�سية تاأثراته اأي�سا وتظهر الكتاب هذا يف مراجعه جربان يظهر وا�سغيت كنفو�سيو�س، تعاليم »�سمعت يقول: ال�سرقية. والفل�سفات وامل�سيحية والفلوطنية حلكمة برهما، وجل�ست بقرب بوذا حتت �سجرة املعرفة، وها اأنا الآن اأغالب اجلهل واجلحود، وكنت على الطور اذ جتلى يهوه ملو�سى، ويف عرب الردن راأيت معجزات النا�سري، ويف املدينة �سمعت اأقوال ر�سول العرب، وها اأنا الآن اأ�سري احلرية«. ولكن جربان يوؤكد يف مكان اآخر ان�سانيته العاملية

»الر�س كلها وطني وجميع الب�سر مواطني« اأو »جئت لأكون للكل وبالكل«.يف مقالة يوم مولدي »نلم�س عاطفة جربان وحمبته لالآخر، للنا�س اإذ يقول: »وقد احببت النا�س، احببتهم كثريا، والنا�س يف �سرعي ثالثة: واحد يلعن احلياة، وواحد يباركها، وواحد يتاأمل بها. فقد اأحببت الول لتعا�سته، والثاين ل�سماحته والثالث ملداركه«. ويف الكتاب اآراء وا�سحة جلربان يف مفاهيم متعددة وعلى طريقته فهو يرى اأن »اجلمال هو ما تراه وتود ان تعطي ل اأن تاأخذ« واأن

»ال�سعادة تتبدىء يف قد�س اأقدا�س النف�س ول تاأتي من اخلارج«.ويف نظرته اإىل ال�سيا�سة يقول »اأعفني من ماآتي ال�سيا�سة واخبار ال�سلطة. لأن الأر�س كلها وطني وجميع الب�سر مواطني«. ويف عبارة مقطوفة من الرتاث ال�سويف يقول: �سر اإىل المام فالمام هو الكمال« وهي ت�سبه ما قاله اأحد كبار ال�سوفيني »المام ل يلتفت« ولكن بني الواقع والحالم جتنح عبارة جربان جمنحة على هذا النحو »من ل ي�سرف اليام على م�سرح الحالم كان عبد

اليام«.ويزين جربان مقدمات مقالته باأقوال مثل »اإن اجلمال دين احلكماء« وهي ل�ساعر هندي اأو جلان كيت�س »هنا رفات من كتب ا�سمه مباء« وتذكرنا هذه العبارة ب�سطر من ق�سيدته ال�سهرية »اأعطني « والتي اأن�سدتها فريوز بلحن من جنيب حنك�س وتوزيع الخوين رحباين اإذ يقول: »اإمنا الناي وغن

النا�س �سطور لكن مباء«. ويف �سبه تنا�س يكتب جربان اأي�سا منهيا مقالته »احفروا على لوح قربي، هنا بقايا من كتب ا�سمه على ادمي ال�سماء باأحرف من نار«. او »راأيت كل العمال التي عملت حتت ال�سم�س فاذا الكل باطل وقب�س الريح«. والقول موقع من اجلامعة. اأو »يف نظرات احليوان البكم كالم تفهمه نف�س احلكيم، وهي اي�سا ل�ساعر هندي وي�ست�سهد بكالم القراآن الكرمي »وكنتم امواتا فاأحياكم ثم مييتكم

ثم يحييكم ثم اإليه ترجعون«.يظهر الكتاب اأي�سا �سعور جربان املتعاظم بالغربة يف تلك الفرتة في�سف نف�سه بانه »نبي منبوذ يف

اأمته و�ساعر غريب بني اأهله«.

85


ولكن ما هو موقف جربان من الوطن )عن بعد(؟ يذكرجربان الكثري من الأماكن يف لبنان ويحن اليها حنينا �سادقا ويرى اأن الوطن »�سيعود اىل الرقي بعد فرتات النحطاط«. ومثلما »الزهرة ل تعود اىل احلياة ال بعد املوت«. ويناجي �سوريا »اإىل اللقاء يا �سوريا اإىل اللقاء« ويعني لقاء الرقي

والنه�سة والتقدم. ويت�ساءل ملاذا يهدم الن�سان ما تبنيه الطبيعة. يف ق�سة »بني اخلرائب« يعود جربان اإىل مو�سوعه الحلى، اإىل احلب رافعا من قيمة احلب واأنه ل يبقى اإل وحده« انقر�ست الدولة العظيمة التي اأ�س�سها �سليمان وانقا�س الهيكل، ونفدت حكمته مثلها«. ويف خامتة لأنها املحبة اإل »البدية اإذ ل حتفظ وانا�سيد حبه. يبق غري حبه قيمتها ومل الكتاب يقول جربان كلمته اخلالدة التي �ستظهر فيما بعد بقوة »جئت لقول كلمة و�ساأقولها واذا

اأرجعني املوت قبل اأن الفظها يقولها الغد« هكذا راأى نف�سه يف الآن والغد، وهكذا كان .جربان يف »دمعة وابت�سامة »يف مرانه و�سعوبته، ويف رقته ومترده، ويف طريقه الطويل اإىل حتفته »النبي« يف اللغة والفكر واملقاربة، ويف الطريق نحو قراره اخلطري اأن يبداأ بالكتابة والن�سر بالنكليزية. وهذا

ما فعله فيما بعد بدءا من كتاب »املواكب« 1919 والعوا�سف 1920 والبدائع والطرائف 1923.كتاب »دمعة وابت�سامة« 1914 وحتى 2014 ل مير الزمان على ال�سيل ول يبلى بل لعل الأيام

تزيده توهجا وملعانا و�سع�سعة مثل ال�سعاع املر�سل نحو الأفق.

الدولية للمعلومات �س.م.لبناية الربج، الطابق الرابع، �ساحة ال�سهداء الو�سط التجاري، بريوت، لبنان



www.information-international.com :املوقع الإلكرتوين

ىلالأو

ية امل

لعاب ا

حلرية ا

مئو20

14 –

191

4

87

االعالم: اال�ست�رشاق اجلديدما بعد احلرب العاملية االوىل حتى االآن..

و�شام عبد اهلل - اإعالمي

خالل من ال�سرق ب�سوؤون تهتم كتاب األف 60 حوايل و1950 1800 عام بني الغرب يف طبع ال�سرق الدنى زار درا�سات ومقالت وابحاث كتبها رحالة ومب�سرين وم�ستعمرين وغريهم ممن الهتمام عن وا�سحة فكرة يعطي املطبوعة الكتب عدد واأمريكا، اأوروبا من الو�سط وال�سرق

الغربي بالبحث والتعمق يف احلياة ال�سرقية فيما مل يكن هذا مماثال يف الطرف الخر.ال�ست�سراق هو ال�سيا�سة الثقافية اإن �سح التعبري التي تعرب عن عالقة الغرب بال�سرق من خالل جمموعة من الدار�سات والأبحاث التي قام باإعدادها العديد من ال�سخ�سيات التي عا�ست يف ال�سرق عن طريق احلمالت الع�سكرية والتجارية والبعثات الثقافية وغريها من الطرق التي تواجد

فيها الغرب يف منطقتنا على مدى عقود طويلة من الزمن. حديثة )وهي والمريكية القدم( )وهما والفرن�سية الربيطانية هي ال�ست�سراقية املدار�س اأهم العهد ن�سبتا لهما(، مل ت�سكل تلك املدار�س جمرد اأبحاث واأفكار جمردة، واإمنا ا�ستطاعت العمل تقدما، والكرث القوى كونه له بحاجة وهو للغرب تابعا بو�سفه ال�سرق اجتاه نظرة خلق على وقد مت تطبيق هذه النظرة من خالل العملية ال�سيا�سية التي كان ينتهجها الغرب. فقد اأ�س�ست بريطانيا مراكز الدرا�سات العربية يف جامعة اوك�سفورد عام 1636 وجامعة كامربدج عام 1632 وكان الهدف منها تب�سريي للتعرف على اللغة العربية ولكن بعد حرب ال�سنوات ال�سبع )1763-1756( وتراجع النفوذ الفرن�سي يف الهند وازدياد الهتمام باملنطقة العربية اأ�سبحت بريطانيا م�سطرة اأن حتافظ على كافة خطوط توا�سلها مع حدود امرباطوريتها، فا�ستعمرت املناطق ون�سرت فيها عمالئها وجوا�سي�سها. اإن الهتمام الفرن�سي والربيطاين بامل�سرق العربي ازداد يف الربع الول من القرن التي املعرفة هذه امل�سرقية، والعادات والثقافة احلياة تفا�سيل الدخول يف من خالل الع�سرين

بنيت على قرون من العمل ال�ست�سراقي كان من نتائجها اتفاقية �سايك�س -بيكو التق�سيمية.كان وقد ال�ست�سراق، على المريكية املتحدة الوليات �سيطرة العامليتني احلربني انتهاء بعد املخزون الفكري المريكي ال�ست�سراقي يت�سف بقلة املعرفة مما دفعهم لتباع اأ�سلوب »درا�سات الباحثني تتوىل كل منها درا�سة املناطق« يقوم على ت�سكيل وحدات بحثية ت�سم جمموعة من

88

منطقة معينة. اأي اأن ال�ست�سراق اأخذ نف�س الهدف ولكن باأ�سلوب واأدوات خمتلفة عن ما �سبقه وخا�سة مع تطور و�سائل العالم والت�سال والتوا�سل.

ال�ست�سراق مل ينته مع ظهور و�سائل التوا�سل العاملية عن طريق النرتنت والعالم والف�سائيات، من مت�سابكة منظومة بو�سفه احلديث ال�ست�سراق اأنواع اأحد هي الو�سائل هذه اأ�سبحت بل النظرة التي يتعامل من خاللها الغرب مع �سكان هذه املنطقة من خالل العالقات القت�سادية

وال�سيا�سية والثقافية والجتماعية والدينية.التعبري جاز اإن اأ�سا�سية ثالث حماور اإىل ال�ست�سراق �سعيد اإدوارد الفل�سطيني املفكر ي�سنف وهي املعرفة، ال�سلطة، الن�ساء، ونحن بدورنا �سناأخذ هذا الت�سنيف الثالثي لإ�سقاطه على عالقة

الغرب مع ال�سرق وخا�سة من خالل و�سائل الإعالم.

املعرفة... �سياغة ال�سورة

الفئة التي يتوجه اإليها ال�ست�سراق هي الغرب بو�سفه تعريفا لهذا الآخر املختلف واملتناق�س، مع الإ�سافات الأخرى من الإرهابي والقاتل، فالعملية يف بداية الأمر تكون من خالل �سياغة �سورة بو�سف ال�سياغة تتم الدول. تلك م�سالح مع يتوافق مبا الغربية لل�سعوب تقدميها يتم لل�سرق، يتوىل اأن حق وبالتايل املعرفة حق ميتلك من هو وبذلك القوة هو نف�سه يعترب الغربي الطرف بذاته �سياغة هويات العامل اإن �سح التعبري، فمثال عبارة العامل الول والعامل الثالث هي حم�س

ا�ستخدام للقوة يف ميدان املعرفة.حتفر يف ذهن التي ال�سور املعرفة من خالل و�سائل الإعالم عن طريق جمموعة من يتم تقدمي املتلقي الغربي، �سورة قد ل حتتاج اإىل كثري من النقد من قبله فهو يتعامل مع هذه الو�سائل املعرفية الو�سائل، الثقة هي ال�سا�س يف موقفه من هذه الداخلية حيث بح�سب ما تقدمه له يف �سوؤونه

وبالتايل تكون معرفة ال�سرق بالن�سبة له عن طريقها مبنية عن ثقة تامة بكلمتها الإعالمية. تظهر وهذه جميعها التفكري وطريقة اليومية احلياة اإىل اللبا�س طريقة خالل من ال�سورة تبنى ب�سكل رئي�سي يف اأهم م�سنع للمعرفة ال�سينما، وهنا يربز بالتاأكيد دور هوليوود حيث اأحد وجوهها هو »ال�ست�سراق الأمريكي«، فيتم تقدمي يف مدة �ساعتني ون�سف حياة املخل�س الأمريكي للعامل

وبالتاأكيد مع املحافظة على �سورة العرب وهم على جمالهم ويف خيامهم. وقد اأخذت املعرفة منحى جديدا من بعد اأحداث احلادي ع�سر من اأيلول، فر�سم يف العقل الغربي الدين بني عالقة على مبنية املعرفة اأ�سبحت وبهذا امل�سلم، وخا�سة الإرهابي ال�سرقي �سورة

89


والإرهاب وهذا التناق�س يف القيم بني العاملني الغربي وال�سرقي كما اأرادوا �سياغتها هذه ال�سياغة املعرفية القائمة على �سدام احل�سارات ونهاية التاريخ.

ال�ست�سراق يف هدفه الرئي�سي هو موجه نحو الغرب ولكنه يف الوقت نف�سه تطور مع مرور الوقت لي�سبح بذلك ال�ست�سراق الغربي الذي يتحدث بلغة اأهل ال�سرق عن هويتهم، وهنا دخل ع�سر النرتنت والعالم الف�سائي ب�سيغة العامل املنتج اإىل العامل امل�ستهلك، اأي اأن ال�سرق يعرب عن

هويته باأدوات غربية اإن جاز التعبري.

ال�سلطة... قوة املعرفة

اأحد اأهم نتائج القوة املعرفية هي الإح�سا�س بال�سلطة لي�س مبعناها املوؤ�س�ساتي �سمن املجتمع بل تتعداها اإىل ال�سلطة على باقي ال�سعوب بو�سفها خا�سعة معرفيا لهذه القوة. وهذا ما ينتج لدى

هذه ال�سلطات الإدراك اأن هناك �سعوب هي بحاجة اإليها ول ميكنها ال�ستغناء عنها.هذه اإحدى فل�سفات ما بعد احلرب العاملية الأوىل حيث كانت بريطانيا وفرن�سا هما اأحد ال�سلطات التي تريد اإخراج ما كان حتت حكم الإمرباطورية العثمانية من اأمرا�سه فكانت هي احلل املقدم لهذه ال�سعوب، هذا احلل الذي مل ياأت م�سادفة بل كان على مراحل تاريخية عديدة ا�ستطاعت من خالله هذه الدول الدخول يف تفا�سيل ال�سرق املجتمعية وامل�ساألة ال�سرقية عام 1860 هي اأكرب

دليل على هذا الدخول.تكمل فل�سفة ال�سلطة املعرفية عملها اإىل ما بعد احلرب العاملية الثانية لتجتمع هذه ال�سلطات حتت ما ي�سمى المم املتحدة وت�سبح ال�سلطات املنت�سرة هي حاكمة العامل بو�سفها القوة التي لها احلق

اأن تقرر م�سري �سعوب الدنيا.اإذا اأردنا عر�س �سورة لل�سلطة يف ال�سنني املا�سية حتى هذه الأيام فيجب اأن ن�سع نقطتني هامتني وهما: اأول ال�سلطة املوجودة يف ال�سرق التي هي نتاج معاهدات دولية بني الدول املنت�سرة هي اأنظمة مركبة وهذا التاأ�سي�س جاء بالعتماد على الدرا�سات ال�ست�سراقية منذ القرن ال�سابع ع�سر الدول مل�سالح انعكا�س معظمها هي يف الفعل ردات على تعتمد التي ال�سلطة ع�سر، والثامن ولي�ست تعبري مل�سالح �سعوبها. النقطة الثانية هي ال�سلطة املعرفية التكنولوجية والإعالمية جعلت من الف�ساء حتت اأمرة جهات معينة تتحكم بالأفكار وطريقة احلياة، هذا التحكم القادم من قوة

هذه اجلهات و�سعف الإنتاج ال�سرقي �سمح لفرتة من اأحادية الت�سلط من قبل دول معينة.

90

االن�ساء... التدمري والبناء

العامل الثالث لي�س جمرد مقولة عددية تدل كما نعتقد على تقدم دول وتاأخر دول، اإن عمق هذه املقولة هو الطرف الثالث الغريب واملجهول خارج )اأنا واأنت( فالعامل الثالث يكون )هو(، هذه املقولة التي تغريت على مر الع�سور حيث كان الأوروبيون يطلقون على كل �سعب خارج حافة القارة الأوروبية »ال�سكان ال�سليون«. هذه املقولة التي عملت الدول ونحن تبنيناه عن جهل يف اإن�ساء طريقة تفكري باأننا ننتمي اإىل هذا العامل الذي ل ميكنه اأن يتطور واأننا من هذا العامل الذي يجب عليه لكي يتقدم اأن ي�سبح مثل باقي الدول يف ذلك العامل. تعمل الدول ب�سكل م�ستمر على اإن�ساء تق�سيمات جغرافية تتنا�سب مع م�ساحلها مثل ال�سرق الأدنى التي هي عبارة فرن�سية - بريطانيا ومت ا�ستخدامها لتق�سيم مناطق النفوذ. وبهذا الإن�ساء تذوب الهويات القومية لتن�سا مكانها

هويات متقاتلة على رقعة جغرافية حتددها لها باقي الأمم.�سقوط الأنظمة و اختفاء املعرفة يوؤديان اإىل اإن�ساء جمتمع واأنظمة على اإيقاع املخططات الغربية، اإن هذا الإن�ساء يقوم على مبداأ ا�ستغالل فر�سة الدمار للبناء، واإن مل يكن هناك دماء يتم خلقه �سيكاغو بجامعة القت�سادي الق�سم الدكتور يف فريدمان ميلتون 1982 كتب واإيجادها، يف عام يف اأمريكا و زعيم ما ي�سمى �سبيان �سيكاغو »وحدها الأزمة، الواقعة اأو املنظورة، هي التي حتدث

تغيريا فعليا«.خالل من املعرفة تقدمي من عديدة مراحل على يقوم العام( الراأي )اإدارة الإعالمي الإن�ساء خمتلف لغات املعرفة )النرتنت - الفالم - ال�سحف...(، اإىل تثبيت ال�سورة يف عقله ويف املرحلة دعائية عملية اأول كانت لقد ومبادئ جديدة. قيم وفق البناء مرحلة لتبداأ كيانه تدمري التالية حكومية يف الع�سر احلديث هي يف ع�سر الرئي�س المريكي وودرو ويل�سون املنتخب �سنة 1916 يف منت�سف احلرب العاملية الوىل، وكان المريكيون ل يرون �سببا لدخولهم احلرب الوروبية بينما كانت اإدارة ويل�سون ملتزمة بدخولها، فقامت بتاأ�سي�س )جلنة كربل( وهي جلنة للدعاية احلكومية وجنحت هذه اللجنة خالل �ستة اأ�سهر باإقناع غالبية المريكيني ب�سرورة الدخول يف احلرب واإنقاذ

العامل.

ثبحا

وات

�سادرا

91

ثورات م�ستباحةم�سعى تنظريي لفهم احلادث التاريخي العربي يف بعده ال�سو�سيو-اأيديولوجي

حمم�د حيدر - باحث يف الفل�سفة ال�سيا�سية

مل يكن حلادث تاريخي اأن يحظى بتلك الوفرة من اجلدل حول ماهيته وهويته وماآلته املنتظرة، كاحلادث املتمادي على م�ساحة العامل العربي منذ بداية العام 2011.

دا لها. اأو حمدن ول غلو يف القول، اإنا مررنا،وملا نزل، باإزاء »جيولوجيا �سيا�سية«، ل تعريف واحدا وتعليالت واأحكام روؤى من ي�سدر اأنه ذاك بالنق�س. م�سوبا اإليها ن�سب تعريف كل بدا فلقد اىل ذهبوا فالذين فيها. الفاعلني وحتيزات وم�سالح، ومواقع اآراء ذاك، اأو احلد هذا اإىل تعك�س تو�سيفها بـ»ثورات الربيع العربي« �سيكون لهم من الأ�سباب والتقديرات ما يحملهم على ذلك. و الذين م�سوا اإىل قراءة معاك�سة، نظروا اإىل تلك »اجليولوجيا«، مبا هي امتداد جيو-�سرتاتيجي، لهيمنة خارجية تتغيا تفكيك واإعادة تركيب القليم العربي تبعا مل�ساحلها. ولهذه القراءة كذلك، حظ من ال�سواب، مبا تقدمه من �سواهد على اأو�ساف ونعوت ل تخلو من منطق يوؤيدها وي�سبغ عليها امل�سروعية. ثمة اآخرون انربوا اإىل ما يتعدى التف�سري املاألوف للثورات واملنعطفات الكربى، اأر�س ال�سرورة، لكنها فاجاأت الكل، واأنتجت لنف�سها اإليها كم�سادفة تاريخية نبتت على فراأوا

حيزا خارج التوقع.هذه، الفهم م�سكلة اأن اعترب من منها ودواعيها. اأ�سبابها تكرثت فهم، م�سكلة اإذا، هنالك ناجمة من تعدد الفاعلني يف دوائر التحولت.. ومنها من قرر اأن هذه الأخرية هي حا�سل واقع ت�سدعات اأنها اإليها على راأى من ثالثا ومنها الأحالف... ا�سطفاف الذي يحكم الإ�سطراب من متناق�سة بعوامل متتلئ و التعقيد، �سديدة دولية اإنتقالية اإفرت�ستها حقبة جمتمعية حتمية،

الفو�سى، والإ�ستقرار، وعدم اليقني.وحيث ن�سري اإىل مثل هذا امل�سكل املعريف، فلكي ننبه اإىل �سعوبة اأكيدة يف تظهري فهم م�سرتك املفاهيم، التبا�س اإىل فمرده التنبيه، هذا اإىل دافعنا اأما اجلارية. احلوادث وماآل حلا�سر دقيق و

ومتو�سعها �سمن حقول ا�ستعمال، بدت معها على نقي�س غايتها الأ�سلية.

92

على �سبيل املثال واالإ�سارة

لو اأخذنا مدعى الدميقراطية، كمعيار وقيمة �سيا�سية واأخالقية مركزية يف احلادث العربي امل�ستمر، يجري املدعى هذا اأن الإجمال، على و�سنجد بريئة. اأطروحة اأمام تقدير اأي حتت نكون فلن اإىل التغيري الدميقراطي، اأن الدعوة اإليه. و تو�سيح ذلك، الداعني توظيفه نحو مقا�سد واأهداف بدعوى الت�سدي لتحديات ال�ستبداد يف احلياة ال�سيا�سية الوطنية، هي دعوة مو�سولة مبوؤثرات جيو-�سرتاتيجية، وحمكومة باإعتباراتها، وب�سطر وازن من �سروطها. ثم اإنها دعوة داخلة يف �سلب اأن عقب. حيث على راأ�سا وقلبتها العربية ال�سيا�سية الثقافة �سربت التي الأفكار« »جيولوجيا ا�ستح�سار قيم الثورة الدميقراطية، على اأهميتها املعرفية و�سرورتها املعرفية و التاريخية، ل يتعدى الإ�ستيالء على ال�سيا�سة والأمن،اأو اأنظمة اإجراء حتويالت جوهرية يف اآن و مكان، اأكرث من يف

ال�سلطة باأي ثمن.من اأظهر جتليات الإ�ستقطاب املندرج على خط التوظيف: عزل الأطروحة الدميقراطية والإ�سالح ال�سيا�سي يف الدائرة العربية،عن الإخت�سام مع اإ�سرتاتيجيات الهيمنة ب�سيغتها النيو-اإمربيالية. و الالفت اأن هذا العزل طفق يتحول، ويف خالل زمن قيا�سي، اإىل ثقافة �سارية لدى نخب وا�سعة يف العاملني العربي والإ�سالمي. اأما احل�ساد املبا�سر ملثل العزل، فحدوث انقالب عميق الغور �سيكون اأثر بني على حزمة من امل�سلمات، يف مقدمها خلخلة الولءات الوطنية،حتى باملعنى الذي له

تاأ�س�ست قواعده على ن�ساب الدر�س التاريخي للفل�سفة ال�سيا�سية احلديثة.من داخل هذا املنف�سح ينعقد اإ�سكال بني �سرورتني متالزمتني : تنمية احلياة ال�سيا�سية الداخلية، ف بال�سرورتني و املحافظة على ال�سيادة الوطنية. فلقد اأظهر امل�سهد العربي العام، تناق�سا جديا ع�س

معا، و اأوجد خلال يف وحدتهما املفرت�سة، ودفع بهما يف اجتاهني متعاك�سني:الأول: ا�سطراب يف التحول الداخلي، اأدى اىل و�سع حركة التغيري اأمام حدين : اإما ال�ستغراق األفيناه جليا يف اختبارات م�سر وتون�س اأو امل�سادرة والإحتواء. وهو ما الفو�سى و العنف، يف

واليمن و ليبيا، ولو بوقائع و�سور متباينة.الثاين: احتدام يف ف�ساء الإقليم، بلغ ذروته مع ترتيبات دولية م�ستاأنفة،غايتها اإعادة ت�سكيل مظلة العربية البلدان ب�سفة خا�سة على وتركز اأو�سطية، ال�سرق القارة �سبه تغطي اإ�سرتاتيجية، اأمنية

املحيطة بالدولة اليهودية يف فل�سطني.بني هذين الإجتاهني، �ستظهر اإرها�سات زمن رمادي من عالماته الفارقة، ع�سر الولدة الطبيعية

لربيع ثوري عربي، ميلك حظن ال�ستقالل عن املداخالت اجليوبوليتيكية والتحرر من موؤثراتها.الإختبار الليبي يف هذا الزمن جاء منوذجيا و�سارخا : لياأتي التحول يف نظام هذا البلد ال�سيا�سي والإجتماعي كحا�سل مدو لغزو خارجي، مبا كان لذلك من تداعيات جعلت اإعادة تكوين جماعاته


93

الوطنية اأمرا يدنو من امل�ستحيل. اأما الختبار ال�سوري - وعلى الرغم من تالزم ال�سرورتني امل�سار اإليهما اآنفا- فقد انطوى منذ البداية على خا�سية، تقدمه كمثال بني على طغيان العامل اجليو-

ية يف م�سار التحول الداخلي... �سرتاتيجي، ومفاعيله املدويف اأي حال ل يرمي هذا التقدمي، اإىل توقيع الختام النهائية على املقدمات والنتائج التي ت�سهدها التحولت. فما مر معنا، يبدو �سروريا ملقاربة ما �سميناه زمنا قلقا، حيث ل تنفك امليادين العربية

ت�ستغرق فيه ب�سورة هي يف غاية احل�سا�سية والتعقيد.ت�ستمل هذه املقاربة على جمموعة من العناوين وجدنا اأن نرتبها على فر�سية موؤداها : اأن زمنا عربيا م�ستحدثا راح ي�سق جمراه، وهو حممل باحتمالت ووعود واآمال �ستى. و ما �سنوليه عنايتنا هنا، هو النظر اإىل تلك الإحتمالت والوعود والآمال، يف اإطار عناوين توؤلف العنا�سر الأ�سا�سية للزمن

امل�ستحدث، و ت�سكل مدخال لفهم مقدماته وبواعثه وماآلته...الإحاطة منها يراد معرفية، مفاتيح اإىل اأدنى هي البحث، هذا يف ن�ستدرجها التي العناوين و بواعث احلدث فهم اإىل معاينتها، فيه عند تف�سي نحو اإ�ستقرائها.. وذلك على و بالتحولت

وموؤدياته القريبة واملتو�سطة و البعيدة. و هي على الوجه التايل:1. ثورات وثورات م�سادة يف منزل واحد.)روؤية تو�سيفية( 2. التحولت و اأ�سئلة النه�سة.. يف ح�سورها، و يف غيبتها.

3. ح�سور الأيديولوجي اأو عودة املثقف املتحيز. 4. انت�سار اليديولوجيا على ال�سارع.

5. منطق التحيز يف التحولت العربية. 6. تفاوؤل بعد ياأ�س.. اأو الطريق اإىل جنة املواجهة.

1. ثورات وثورات م�سادة يف منزل واحد )روؤية تو�سيفية(ي�سهد على ما لوجدنا العربية، ال�سيا�سية الثقافة اإجمالية و�سفية ملحركات روؤية لنا من لو كان �سغف على حممول ، فاعل وكل بع�سا، بع�سهم فيها الفاعلون ي�سابق �سياقات ثالثة ح�سور

امل�ساركة يف �سناعة حقائق الزمن اجلديد :ما مع املتمادية، النيوليربالية املوجة بتوقيعات الر�سى على يقوم و الإ�ستتباع، �سياق الأول: يفرت�س باملنخرطني يف هذا ال�سياق من قبول مب�سروعية الدولة اليهودية، وهي تقطع اآخر اأطوارها يف

رحلة الإ�ستيالء على فل�سطني، و تبديل هويتها ال�سلية.

94

الثاين: �سياق املقاومة : وهو �سياق يقراأ انطالقا مما ظهر من جتاربها املعا�سرة، ل�سيما جلهة النظر واإىل حتقيق والأر�س، الإن�سان اإىل حترير ترمي ، اأخالقية و نه�سوية و اإليها كمنظومة كفاحية

ال�سيادة والكرامة الوطنية. الثالث: �سياق التغيري: و يجري على نحو ما جرت وقائعه حتت ظل حالة رمادية تغ�سى الو�سع العربي امل�سطرب وتطبعه بطبائعها. وهو �سياق يك�سف عن نف�سه يف الغالب الأعم، بقول �سيا�سي

اإجمايل قوامه، الرغبة املحمومة يف تغيري اأنظمة احلكم. من مفارقات هذا ال�سياق اأنه يبدو خلوا من الأبنية الفكرية التي كنا األفناها يف الثورات الوطنية والإ�سرتاكية والدينية املن�سرمة. و يف الآن عينه، يفتقر اىل اإ�سرتاتيجيات وا�سحة املعامل، تف�سح

عن الت�سورات املفرت�سة حول طبيعة ال�سلطة، و نظام الدولة املن�سود...مل تاأت التحولت العربية املتاأخرة، اإل كتجل �سريح لحتدام هذا املثلث من ال�سياقات. لكنه يف�سي على وجه الإجمال، اإىل ن�سوء وعي جديد مناأخذ بهمني تاريخينني متالزمني : هم ال�سيطرة

الإ�ستعمارية، و هم الإ�ستبداد الداخلي.الوجه الأ�سد خطرا يف امل�سهد، ما يرتجمه امل�سعى الذي تتوله املوجة الفكرية النيوليربالية، يف ما ن�سميه بـ«احلرب على املعنى«. و هي موجة راحت ت�ستهدف اغتيال الولء للهويات الوطنية، لتلك اأ�س�ست التي تلك خ�سو�سا الأخالقية، و الدينية الفكرية القيم منظومات وتفكيك الهويات، ومنحتها الت�سديد والتاأييد على اإمتداد اأجيال كاملة. فلئن كانت الغاية الإبتدائية من وراء هذه املوجة، �سناعة وعي عام قابل لالإذعان،فاإن غايتها الق�سوى تتمثل يف جعل اجلمهور امل�ستهدف را�سيا مبا هو عليه، و ممتنعا« باإرادته عن الت�ساوؤل والنقد والإعرتا�س. و اأما حا�سل ما تن�سده، هو اأن حتيل املهيمن عليه اإىل و�سعية جتعله غافال« عما هو فيه، وتدفعه نحو قناعات تف�سي

به اىل الإ�ست�سالم والإ�سغاء والتمثل.يف الو�سعية العربية، �سنالحظ اأن وقائع »احلرب على املعنى« تتحرك على ثالثة حماور:

ال�سيادة �سراط على املنطقة �سعوب ي�سع اأن �ساأنه من للتغيري، اإحتمال اأي م�سادرة الأول: الكاملة.

الثاين: اإ�ستئناف العقل النيو-اإمربيايل، ممار�سة »لعبة الفو�سى والتفكيك« كاإ�ستمرار للمرياث ال�سيا�سي والع�سكري الذي ظهر بقوة يف حقبة املحافظني الأمريكيني اجلدد. لكن هذه اللعبة، تغذية اإىل املبا�سر، والغزو الإحتالل من متالزمة حروب �سكل على جمددا تتحرك �سوف

املنازعات الطائفية واملذهبية، و بالتايل اإىل الدفع باحلروب الأهلية املفتوحة.�سعوب لدى بالن�سر التفاوؤل م�ساعر احتواء اإليه، ال�ساعون فيق�سد الثالث: املح�ر اأما و املنطقة؛ وذلك ما يظهر ب�سورة جلية يف تبهيت البعد الوطني والأخالقي والإمياين لثقافة مقاومة


95

فل�سطني عام 2006، ويف لبنان عام املقاومة يف التي حققتها الإنت�سارات مناخ الإحتالل. ويف يف ذلك، نتبني ول�سوف . الذروة بلغت حتى الإحتواء وتائر ت�ساعفت كيف �سرنى ،2009

العدو. وهو الإنت�سار على امل�ستهدفة معنى الإعالمية اأظهرته احلمالت الذي املدوي النموذج ما نراه بو�سوح عرب م�سعى �سيا�سي و فكري و ثقايف معاك�س موؤاده : اإجراء حتويالت عميقة يف الوعي العربي والإ�سالمي ي�سل مداه اإىل »عقلنة« الأطروحة الإ�سرائيلية، من خالل جعلها جزءا اإن تداعيات، من ن�سهده ما ولعل املنطقة. ل�سعوب وال�سيا�سية والدينية، احل�سارية، احلالة من جلهة تعميم القيم الليربالية، و الأخذ بثقافة املجتمع املفتوح، اأو لناحية تفعيل عمليات التطبيع، اإمنا يظهر املقا�سد احلقيقية ملا ا�سطلح عليه بـ »الثورات امللونة«. وهي الثورات التي احتلت ثقافتها م�ساكن الفكر يف عاملنا العربي و الإ�سالمي، حتت عناوين احلرية والدميقراطية وحقوق الإن�سان. اإ�سباغ وملا كانت قيم كهذه ذات قابلية ا�ستثنائية لالإ�ستخدام يف لعبة التوظيف، كانت النتيجة ال�سرعية على ما ل �سرعية لوجوده ، بحيث ل يوؤدي اأي تغيري ثوري اإىل و�سع املجتمعات العربية والإ�سالمية، ومراكز القرار فيها، يف مواجهة تاريخية مع ال�سيطرة الثقافية الإ�ستعمارية، وبالتايل مع

الدولة اليهودية يف فل�سطني.اإذا كانت هذه هي ال�سمات الإجمالية للتحول العربي، فالذي يبدو من �سورته امل�ستخل�سة هو

الإنباء عن زمن ا�ستثنائي وجديد من املواجهات.الإ�ستثنائية و اجلدة، ك�سفتني مالزمتني للزمن اجلديد، جتعالنه زمنا اإنتقاليا هو اأ�سبه برحلة قلقة اأنه يت�ساوى فيها اخلوف والرجاء، والتقدم والتاأخر، والن�سر والهزمية. ذاك اأن ال�سمة الالفتة فيه زمن مركب و متحول، و اأن جالء �سورته النهائية، اأمر متعلق باحل�ساد الإجمايل لالإحتدام بني عنا�سره و مكوناته وقواه. ومثلما يحمل زمنا كهذا وعودا باآمال كربى، فاإنه ينطوي يف الآن عينه، على روح مت�سائمة قد حتجب طول الأمل بثقافة الإحياء احل�ساري لدى نخب الأمة وجماهريها.

ترتيبا على �سفات الزمن امل�ستحدث هذا، �سوف ينك�سف اأمامنا منف�سح تاريخي رخو تتعادل فيه رهانات النه�سة مع هواج�س النكو�س و الإحباط1. ولنا اأن نالحظ ظهورات هذا املنف�سح من

زاويتني:اأول: اإن �سوؤال النه�سة، ما عاد بالن�سبة للنخب، جمرد خطبة اإفرتا�سية �سكلت على مدى اأحقاب طويلة منعقدا لفظيا ل طائل منه.. فاإن املزية الأبرز للحراك اجلاري تكمن يف تنبيه الفكر العربي التفاوؤل. التقدم على قاعدة بيان اإعادة �سياغة اإ�ساءات تدفعه نحو اإىل وجود بالت�ساوؤم، املثقل ومثل هذا التنبيه �سيكون له اأثر حا�سم يف اإمداد التحيزات والولءات الوطنية باآمال اخلروج من

اخلوف وعدم الثقة وعقدة الهزمية.

قد تكون ولدة هذا املنف�سح الرمادي يف مناخ تاريخي عربي ممتلئ باملتناق�سات الداخلية واملوؤثرات اخلارجية، 1هي التي جعلت القلق عنوانا مهيمنا تدور حتت �سطوته جممل حتولت ال�سارع العربي.

96

الثانية : »اأن من بينات هذا املنف�سح، اإ�ستئناف ال�سعور بعدم قابلية البيئة العربية لإجناز ولدات فكرية و�سيا�سية وثقافية،تف�سي اإىل جعل فكرة التقدم احل�ساري العربي اأطروحة راهنة. مرد هذا واإمنا الراهنة، اللحظة وليد يكن مل ال�سائدة، التقليدية املفاهيمية البنية �سرب الذي ال�سدع، ح�سيلة �سل�سلة من الإحتقانات والإحباطات املرتاكمة، لعل اأكرثها مدعاة للنقا�س ما تعلق منها

بالهويات ال�سائعة، والولءات املمزقة على مدار املنطقة والعامل.

ملء الفراغ ك�شرورة وحاجةمع انب�ساط ال�سورة على هذا النحو من عدم اليقني، �سيكون لعاملنا العربي و الإ�سالمي ن�سيب خ�سيب كميدان العربية الثقافية اجلغرافيا مع التعامل جرى فقد وتداعياتها. اآثارها من وافر والإقت�ساد، ال�سيا�سة، و احلرب، جمالت يف النيوليربالية، اأجرتها التي املدوية لالإختبارات واأنظمة القيم. ول�سوف تف�سح امليادين امل�سكونة بالإ�سطراب عما ميكن و�سفه بـ»مبادرات ملء الفراغ«. فلو دل ذلك على معنى، فعلى ا�ستجابة لواقع بدا معه نق�س الإ�ستبداد الداخلي والتبعية يف النخب بانخراط املبادرات تلك متثلت لقد اآن. يف تاريخية و�سرورة راهنة حاجة للخارج، عملية اإ�ستقطاب مل يكن من جمال فيها للمواقف املحايدة. بل يجوز القول، اإنها جرت على نحو مياثل يف حيويته احلقبة الرومان�سية الثورية، التي �سهدت �سعود حركات الي�سار العربي القومي واملارك�سي يف خم�سينيات و�ستينيات القرن الفائت. و البني من الوقائع اجلارية، هو اإن�سراف كتل ثقافية و�سيا�سية وا�سعة ن�سبيا، اإىل مراجعة حممولت اأيديولوجية، وقناعات فكرية، كانت بالن�سبة اإليها مبثابة يقينيات، ثم اإ�ستحالت ب�سبب من اإخفاقها، ذريعة لعزوفها عن العمل ال�سيا�سي. مثل مو�سوعيا �ستتحول هي بل بعينها، واأحزاب جمموعات و كتل على تقت�سر مل املراجعة هذه النادرة ل�ستعادة هوياتها امل�سلوبة. اإىل طاقة جاذبة ملاليني عرثت - عن طريقها - على فر�ستها اأمامنا حتيزات فريدة طغت على احلياة ال�سيا�سية، و دفعت بها فلو عاينا هذا التحول لنت�سبت اإىل احلدود الق�سوى من التعبري عن هوياتها وولءاتها. اأما فرادة التعبري، فهي يف ا�ستمالها على التحيز والثقافية، حيث وجدت يف ال�سرائح والفئات والطبقات الإجتماعية وال�سيا�سية جممل

والإ�سطفاف،منف�سحا لإثبات ح�سورها يف ميادين املواجهة.لهوية الولء اإجمال على تقاطعت اأنها املنف�سح، التي حواها ذلك التحيزات تلك الالفت يف هو الأخرية، العربية التجارب يف برز الذي التقاطع، هذا مفارقات من منها. حتيز كل تنا�سب الإمتزاج والتداخل العجيبان يف الأهداف والغايات بني »اأهل الثورات« و »اأهل الثورات امل�سادة«. من الكثري وخطب، مواقف من املختلفة ال�سيا�سية و الفكرية البيئات تر�سله مما لنا و�سيكون ال�سواهد على ظاهرة الولء، و الولء امل�ساد، حول ق�سية �سيا�سية واحدة، هي ق�سية الدميقراطية، واحلرية، والتغيري، والإ�سالح، و الكرامة الوطنية. و ثمة حالت من »الولء امل�ستحدث«، نبتت


97

لها من مرياث اللغة ال�سيا�سية املاألوفة، على �سفاف الثورات، لكنها رغم مدعياتها الليربالية وتن�سكانت تكتظ باإن�ساءات ايديولوجية تربر ولءاتها، وت�سبغ على حركتها �سرعية احل�سور.

فلو اختربنا فو�سى الولءات، لظهر و�سط امليادين اجتاهان يتقاطعان حول �سعارات التغيري، لكنهما يتعاك�سان يف الأهداف و املاآلت. ففيما يتمثل الإجتاه الأول، ال�سياق النيوليربايل للتغيري، ينربي النه�سة الكال�سيكي متوخيا حتقيق �سعائر و�سعارات الثوري بال�سياق اإىل الأخذ الثاين الإجتاه نف�سه عن يعرب راح م�سارا فاإن الإجتاهني، هذين من كل ماآلت كانت واأنى لالأمة. ال�ساملة بحيويات �سيا�سية، اأخذت حتفر جمراها نحو طور تاريخي جديد. فعلى الرغم مما اإمتالأت به احلقبة احلا�سرة من عمليات احتواء وا�سعة النطاق من طرف ما ي�سمى بـ »الثورة امل�سادة«، فقد دلت احليويات ال�سيا�سية امل�ستاأنفة على اأ�سالة الإحتمال الثوري كموؤ�س�س للعملية النه�سوية املن�سودة.النه�سة، ل التي ارتفعت يف �سماء التحولت، يتمثل بعودة �سوؤال العناوين الكربى اأبرز اأحد بو�سفه �سوؤال اإفرتا�سيا طال الكالم عليه بني النخب العربية، واإمنا كق�سية لها حظوظها يف اأر�س اإ�ستعادة لأفكار واآمال �سبق تداولها... الواقع . مل تكن هذه »العودة« باإطاللتها اجلديدة جمرد واإمنا كانت ترجمة لتحول يف الأحداث والأفكار واملفاهيم ل نظري له. بالطبع، ل يتعلق الأمر هنا، بالكالم على »لعبة حظ تاريخية«، طاملا جرى ا�ستح�سارها يف معر�س الت�ساوؤل عن العلل التي م. حتى لقد غلب الظن حالت دون قدرة النخب العربية على الإم�ساك مبفاتيح الإ�ستقالل والتقدلدى جمع من املفكرين العرب املعا�سرين، ليجدوا �سالتهم مبا اعتربوه عيبا تكوينيا اأ�ساب العقل التفاوؤل برجوع الكالم على العربي ول �سبيل له من �سفاء. لكن واقع احلال، �سريفع من�سوب مقولة النه�سة، ولو من قبيل »الظن املعاك�س«. وعليه �سنكون م�سوقني اإىل التعامل مع هذه املقولة مبا هي موؤ�سر اإىل »رجعة ميمونة«، م�سددة هذه املرة بالإرادة، وموؤيدة بجرعة وافية من العقالنية. اأنه اإل والإمكان، امل�ستحيل بني ترتجح كونه حالة جنينية ينفك عن تفاوؤل كهذا مل اأن ومع والأخالقية واملجتمعية ال�سيا�سية اأزماته بلغت عامل يف ا�ستثنائية، جاذبية حيازتها على يدل م�ستويات غري م�سبوقة. واإذا كان من بديهيات الفل�سفة ال�سيا�سية، احلديث عن اإمكان ا�ستعادة ق�سايا تاريخية كلية لل�سعوب العربية، مثل الهوية القومية، وال�سيادة، والولء، والإنتماء للوطن، فالثابت اأن هذه الق�سايا �ستوؤلف على اجلملة، متكاآت ال�سريورة النه�سوية املاأمولة، و ذلك على نحو يجعل الكالم على عودة املثقف العربي املتحيز لق�ساياه الكربى و ال�سغرى، كالما مطابقا

للواقع بدرجة الإمتياز.

النه�سة: يف ح�سورها، ويف غيبتها اأ�سئلة و التحوالت .2اإذا كان من امل�سلمات املنطقية، اأن من�سي اإىل انتزاع وعود النه�سة، من ف�ساء الإحتمالت التي بتلك الآخذون يندفع اأن ذلك يعني فال املتقادمة، العربية« ال�سيا�سية »اجليولوجيا ابتعثتها

98

امل�سلمات نحو التفاوؤل املفرط. فالكالم على �سوؤال النه�سة، لدى تناهيه اإىل ال�سمع يف احلقول القلقة، يحمل على الإ�ستغراب من اأكرث من وجه:

اأول: لأنه ينطوي على ا�ستدارج لنقا�س، نكاد ل جند ظهورا له يف املطارح التي يفرت�س اأن ت�سكل جمالت لنمو الأفكار وتفاعلها. ذلك عائد اىل واحدة من اأ�سق الإبتالءات التي �سكنت التجربة بني الإنف�سام حالة وا�ستطرادا والواقع.. الفكر بني القطيعة وهي مديد، لزمن العربية الفكرية التنظري الفكري واحلادث ال�سيا�سي. حتى لكاأن �سيطان الوهم قد اإ�ستحكم باآلة التفكري، فدعاها اإىل الإن�سغال ب�سرب من »املياومة ال�سيا�سية«، لإعتقادها بال جدوى، والتاأمل بحقائق الأحداث

وتدبرها، و�سط عامل جتتاحه العوا�سف ال�سيا�سية من كل جانب...بدا فقد والعملي، النظري امل�ستويني باحلقانية على واإن كان يحظى النه�سة، �سوؤال ثانيا: لأن وكاأنه يولد خارج ال�سياق. ومرجع الأمر اإما لكون الذين ي�ستغلون عادة بعامل الأفكار، ترفعوا عن احلادث الذي ت�سج به امليادين، فالتب�س الأمر عليهم، فاأرجاأوا ما كان ينبغي لهم اأن يقولوه اىل اأجل

لحق.. واإما لأن �سريحة وا�سعة من هولء قد اأخذتهم الده�سة باحلادث اليومي فا�ستغرقوا فيه.ثالثا: لأن �سوؤال كهذا، ينتمي اإىل مرتبة من الفهم ل ينالها اإل الأقلون. اأولئك الذين األزموا نوا �سمريه امل�سترت، ثم ليدركوا منتهاه، فيبنون على ذلك اأنف�سهم ا�ستقراء احلادث ال�سيا�سي ليتبيناملنتهى مقت�ساه. و الدليل، اأنا لو عدنا اإىل اأزمنة احلداثة وما بعدها، لكان لنا ما ل ح�سر له من الأمثلة التي ت�سري اإىل تلك املرتبة من الوعي التاريخي. حيث كان من �ساأن املنعطفات مهما بدت جزئية اأن تطلق عاملا رحبا من املفاهيم والأفكار. ويف هذا املقام من املفيد اأن منر على ثالثة مناذج، ي�سيء كل منها على ما ي�سمى بـ»ديالكتيك التوا�سل« بني الفكرة واحلدث، بقدر ما يف�سح عن

كيفية اإنتزاع املفاهيم الكربى من جزئيات احلادث ال�سيا�سي:كان هيغل يرى اإىل انت�سار نابليون يف معركة اإيينا، ا�ستئنافا تاريخيا حلداثة الغرب، وا�سفا اإياه

وهو ي�ستعر�س جنوده يف احتفال الن�سر، بـ»التاريخ الذي يعتلي ح�سانا«.وا لقتحام ال�سماء ح�سب و كان مارك�س يتحدث بفخر عن عمال كومونة باري�س، الذين هب لها تتوفر اأن قبل ومن وقتها، غري يف جاءت لأنها يائ�سة بانتفا�سة قاموا اأنهم رغم و�سفه،

مقومات الن�سر احلا�سم.اأما الفيل�سوف الفرن�سي مي�سيل فوكو، فقد و�سف الثورة الإ�سالمية يف اإيران باأنها اآخر ثورات ما بعد احلداثة. وملنا �سئل - باإ�ستهجان من �سائله- عن �سبب زيارته اإىل طهران بعد اأ�سابيع قليلة

من �سقوط ال�ساه، اأجاب: »ل بد لنا من اأن نتواجد حيث تولد الأفكار«2.

2 مغزى ال�سارة اىل مواقف هيغل ومارك�س وفوكو حيال اأحداث مف�سلية جرت يف حياتهم ، يعود اإىل التاأكيد على اأ�سالة الواقع يف ا�ستيالد املفاهيم وعلى اأهمية احلادث ال�سيا�سي مهما كان جزئيا يف اإنتاج فل�سفة �سيا�سية توؤ�س�س لتاريخ جديد.


99

ما كان للمرور على تلك النماذج الثالثة، اإل لبيان اأن يجعل من حدث ما اأو من جمموعة اأحداث منف�سحا للتاأمل ينطوي على قابلية توليد املعارف والنظريات واملفاهيم من رحم الأحداث نف�سها. Les Antites« كان الفيل�سوف الفرن�سي جيل دولوز، يرى اأن على املفكر نف�سه اأن يفكر كحدث

.»des Evenement

الأفعال تقوم على فيزياء معرفية الأفالطونية، اأ�س�سوا يف مقابل ملا الرواقيون يفعل كذلك كان والأحداث، ولي�س على املحمولت. ويبدو اأن دولوز و�سواه كثريون من فال�سفة ما بعد احلداثة،

وجدوا يف هذه املرجعية الدعامة النظرية الأوىل يف التاأ�سي�س لفكرة احلدث.فاحلدث يولد احلقائق بقدر ما ي�ستدعي �سكال جديدا من التفكري،ومن يقراأ احلدث ين�سئ عالقة مغايرة مع احلقيقة بقدر ما ميار�س وجوده بطريقة جديدة. من هنا يتغري مع كل حدث م�سهد العامل، بقدر ما يحدث انقطاع يف جمرى الأ�سياء، اأو انعطاف يف م�سار الأفعال، اأو حتول يف م�سائر الذوات والهويات، هو يف نف�سه تغري يف خارطة الأفكار واملفاهيم)...( واحلال، فاحلدث يغري عالقة املرء

بذاته وبغريه، بقدر ما ي�سفر عن اأ�سكال جديدة للتوا�سل والتفاهم3.يف احلادث العربي املتمادي مل ياأت من يغامر باأطروحة نه�سوية، اأو بفكرة اإحيائية تتعدى حدود

الرواية ال�سيا�سية اليومية.رابعا: من املفارقات الغريبة اأن يطرح �سوؤال النه�سة و�سط ك�سل فكري يلف حتت اأجنحته اأكرث امل�ستغلني العرب بعامل الأفكار. ولو دلن هذا على �سيء، فعلى حالتني: الأوىل، على النظر اإىل ال�سوؤال كاأمر ميوؤو�س منه، بعد م�سل�سل الإحباط الذي مر فيه منذ �سقوط اخلالفة العثمانية وبداية ع�سر الإمربياليات احلديثة. والثانية: هبوط م�سهود يف املرجعيات الأيديولوجية التقليدية )القومية

والليربالية واملارك�سية(... على تولنت فالأنها اإليه، امل�سار الك�سل اإنتاج اإعادة يف املرجعيات تلك م�سوؤولية اإىل ن�سري واإذ اأن تتمكن من اإىل مرتبة املقد�س، من دون النه�سوي، ورفعه ال�سوؤال اإمتداد قرن كامل تداول جعله �سوؤال متحققا يف الواقع. حتى اإذا ا�ستحلنت العوملة النيوليربالية عر�س العامل، مل يعد لذاك ال�سوؤال من حمل يف الإعراب. اأما الإ�سالم الإيديولوجي،الذي قدم نف�سه كحامل مفرت�س ملهمة النهو�س، فلم ينج على اجلملة من اللحظة ال�سيا�سية وفرو�سها. ففي اخلطبة اليديولوجية لالإ�سالم ال�سيا�سي مل يغادر �سوؤال النه�سة غواية التوظيف، بل اإنه مكث يف الدائرة ال�سيقة لثقافة �سيا�سية تبدو يف الغالب اإ�ستهالكية. وعلى �سبيل الإ�سارة، لقد اإنربت حركات �سيا�سية اإ�سالمية يف مواطن اإىل يوؤول ما نف�سها لتمنح اأو ال�سلطة، اإىل م�سعاها لت�سوغ الإحيائية بالفكرة الأخذ اإىل كثرية،

3 علي حرب، الفكر واحلدث، حوارات وحماور، دار الكنوز الدبية، بريوت 1997، �س 9.

100

العرتاف بها كمكون من مكونات املجتمع ال�سيا�سي4. من بع�س اختبارات الإ�سالم ال�سيا�سي، �سوف نالحظ اأن منها من �سقن عليه الإمتحان. اإذ حاملا اأجنزت ما �سعت اإليه، اأي بلوغ �سلطة القرار يف الدولة واملجتمع، اأخذ قولها النه�سوي يتحول اإىل تقنية لفظية مت�سظية داخل ثقافتها العامة. وعلى الإجمال، مل يرق �سوؤال النه�سة يف اإن�ساءات النخب العربية مبنوعاتها القومية، والعلمانية، باإ�سرتاتيجية دة م�سدن �سيا�سية، لفل�سفة عنوانا فيه ي�سبح الذي املقام اإىل الإ�سالمية، ف�سال عن

اإحيائية تامة القوام... خام�شا: ثقافة الغرب يف العقل النخبوي للحداثويني العرب، ل تزال ت�ستعاد على الن�ساأة التي قدمها اأ�سحابها الأ�سليون قبل اأكرث من اأربعة قرون. ثم، اإن العقل امل�سار اإليه، وعلى الرغم من املرياث النقدي الهائل الذي زخر به تاريخ احلداثة، بقي حري�سا على التعلق مبحمولت احلداثة الأوىل ومقالتها البكر: اأي بو�سفها اأطروحة » عن مدينة فا�سلة« جاءت ت�ستنقذ العامل من فو�ساه و جاهليته. ذلك يعني اأن عقال ظل حبي�س ده�سته الأوىل بنه�سة الغرب، ل ي�ستطع اأن ينظر اإىل

احلداثة، اإل بو�سفها عاملا متخيال يريد اإ�سقاطه على عامله اخلا�س.يفعل ذلك املعا�سرون من املثقفني العرب كما فعل اأوائلهم من قبل. اأولئك الذين اجتمعوا على مقالة النه�سة، حتى �سمي الزمن الذي عا�سوه با�سمها. فكان ختام القرن التا�سع ع�سر وم�ستهل ال�سعارات الكربى: الدولة العربي والإ�سالمي بفردو�س العاملني الع�سرين، عامرا يف دنيا القرن الأمة، والدميقراطية، واملجتمع املدين، والتحرر من الإ�ستعمار، والعدالة الجتماعية، والتعددية، جمددا النخب عادت لو كما اجلملة. على خائبا جاء فقد احل�ساد اأما الإ�ستبداد. طبائع ونقد لتعي�س احل�سرة على الفردو�س املفقود. رمبا يعود ال�سبب، اإىل اأن اأكرث الذين حملوا �سوؤال النه�سة على ح�سن الظن و�سالمة النية، مل يفارقوا ده�سة الأنوار فوقعوا يف ال�سبهة. بع�سهم مل يدرك اإل متاأخرا اأن اأنوار الغرب مكثت يف الغرب، ومل يروا من ح�سادها �سوى �سراهة ال�سيطرة الكولونيالية وتاأبيد التاأخر ورعاية الإ�ستبداد. و اإىل ذلك فلقد اأجروا �سوؤال النه�سة على ن�ساب ما حمله اإلينا تلك اإ�سالمهم يف اإىل ح�سور ينظرون �ساروا الغائب، حتى قراءة التاريخ فقراأوا الإ�ست�سراق، القراءة، كمثل ما نظرت اأوروبا العلمانية اإىل م�سيحيتها وهي تختزلها بـ »نزع اخلرافة عن العامل« ـ

اأو بثنائية ف�سل الدولة عن الدين.

4 �سنعود بعد قليل اإىل جتربة الإ�سالم الأيديولوجي يف التحولت العربية، لنبني كيف ان�ساع ال�سارع ل�سطوة الأيديولوجيا.


101

اأو عودة املثقف املتحيز االيديولوجي 3. ح�سور يف زمن الثورات القلقة، �سيظهر لنا كيف اأن ال�سواد الأعظم من املثقفني العرب راحوا يغيبون ال�سوؤال النه�سوي، ويعاملونه كحا�سل ثقافة فات اأوانها.. بل، و ي�ستغربونه كما لو كان فائ�سا عن

احلاجة.دواع �ستى اأدت اإىل التعامل مع مقولة التقدم على هذا النحو. موؤداها على وجه الإجمال، اأنها تطرح يف ف�ساء ثورات يجتاحها القلق من كل جانب، و تغلب اليوميات ال�سيا�سية فيها على وعي اأو اإيجابا غدت هي الق�سية املهيمنة، الأمر النخب، حتى اإن ق�سية ال�سلطة و العالقة معها �سلبا اإىل والإنحكام اللحظة، ثنايا يف الإ�ستغراق اإىل اأف�ست اختزالية نزعة �سيادة اإىل انتهى الذي �سغائرها وتكتيكاتها، و تاليا اإىل ان�سدال حجب رمادية، عوقت ولدة وعي تاريخي يوؤ�س�س للزمن

احل�ساري اجلديد.

اأ- اأيدي�ل�جي�ن جددمل يكن التحيز الذي ظهر على �سورة »الالمتنامي« يف بع�س ال�ساحات العربية، مبناأى من جاذبية اليديولوجيا. فالأغطية الليربالية التي ا�ستظلنت بها منظمات املجتمع املدين، والتيارات الفكرية املوازية لها، مل تخف رغبتها بالإ�سطفاف اجلماعي لتحقيق اأهدافها. لعل يف اختبارات الإجتماع اإذ متى همت اجلماعات باأمرها، وتوحدت على هدف وغاية، ال�سيا�سي ما يوؤكد هذه احلقيقة.

حلقت الأيديولوجيا يف �سمائها لتمنحها بالغة القول و ف�سل اخلطاب.من عظيم ما اأجنزته التحولت العربية، اأنها دفعت باجلميع اأفرادا و جماعات نحو دوائر الإ�ستقطاب. وبذلك مل يعد من اأحد يتحرك يف ال�سارع وهو اأعزل من ولء ما. و تبعا لهذا، راح كثريون من مثقفي امليادين العربية ياأتن�سون اإىل �سفة خلعوها على اأنف�سهم وهي انت�سابهم اىل قيم »ما بعد احلداثة«. وما ذاك اإل لأن هذا الإنت�ساب مينحهم الإح�سا�س بالتحرر من النمطية الأيديولوجية

التي عاي�سوها ردحا طويال من اأعمارهم5.غالب هوؤلء: مثقفون انحدروا من �ساللة الي�سار العربي متعددة الأ�سول واملنابت. فقد وجدوا يف خماطبات الليربالية اجلديدة واأفعالها، �سبيال لالإنعتاق من قهرية » ال�سرديات الكربى« املتمثلة التقليدية و األوانها الدميقراطية على خمتلف الإ�سرتاكية و والقومية، املارك�سية بالأيديولوجيات

امل�ستحدثة.

5 ظهر امل�سهد التاريخي للفكر العربي املعا�سر م�ستعيدا مناخات ن�ساأته الأوىل جلهة متثل قيم التجربة الغربية. اأ�سري فمثلما وقع يف املا�سي حتت �سحر احلداثة واأنوارها ، وحتت وطاأة هزائمه اليديولوجية، ها هو اليوم يقع

املباغتة الكربى ملوجات ما بعد احلداثة يف جمال ال�سيا�سة واحلرب ووح�سية القت�ساد النيو-ليربايل.

102

ما كاد مثقفو هذا ال�سنف، يقطعون م�سافة ي�سرية ملغادرة تلك ال�سرديات، اأو الناأي باأنف�سهم عن اأدبياتها، حتى وقعوا يف الأ�سر اليديولوجي كرة ثانية. فـ»حداثة املابعد« التي مل تعرف تاأ�سيال حمددا ووا�سحا ملفهومها النظري، �ستجد هويتها الفعلية يف املجال ال�سيا�سي، وبالتايل �ست�سكل منطقة الإ�ستقطاب الأكرث حرارة بالن�سبة اإىل النخب امل�سار اإليها. ذلك �سيوؤكد اأن م�سكلة ما بعد �سفات تتبني اأن �سئت فلو باإمتياز. �سيا�سية م�سكلة امل�ستحدث، هي العربي الفكر احلداثة يف العوملة، حلركة املدوي الزحف مع �ساع الذي باملعنى »املابعد حداثي«، العربي املثقف ومزايا

لظهرت لك بجالء يف امليدان ال�سيا�سي.اإ�سرتاتيجيات ما بعد احلداثة قد انب�سطت يف ن�ساطها ال�سيا�سي على الهيمنة، واإعادة وملا كانت اأعمال يف الدميقراطية مقولة حتولت كيف ف�سنالحظ وم�ساحلها، لغاياتها تبعا العامل ت�سكيل �سين�ساأ طريقها عن اإذ ال�سيا�سة. ف�ساء يف ح�سورا الأكرث املثال اإىل العربية«، احلداثة بعد »ما حيث الديني«. »الالهوت يقينيات اإىل اأقرب هي قناعات النيوليربالية، العربية النخب لدى ل ذلك يجري النظر اإىل الدميقراطية بو�سفها �سريعة �سيا�سية ينبغي الأخذ بنا�سيتها، ولو حت�سمن طريق الغزو اخلارجي اأو النزاعات الأهلية الداخلية. وتلك »اليقينيات« مل تتوقف عند كونها جمرد انفعال ولدته »ديكتاتورية ال�سرديات الكربى« وخيباتها، بل هي �ستتحول مع كثافة الزمن

ال�سيا�سي وت�سارعه، اإىل منظومة اأيديولوجية م�سكونة بخا�سيتني مرتابطتني: ال�سعي والثانية: الإعرتاف، �سهادة على واحل�سول امليدان يف احل�سور الأوىل، ة اخلا�س قوام باحلراك ثابتة، وحمكومة احلداثة غري بعد ما عوامل كانت وملا ال�سلطة. فردو�س لبلوغ املحموم، الدائم، وقائمة على مبداأ تفكيك القناعات، وزلزلة الإجماع الوطني... ف�سيجد من يعي�س هذه ته يف ما اآلت اإليه اأحوال عامل نهاية القرن الع�سرين من ف�سام و�ستات ول يقني. املهم العوامل، حجنبالن�سبة اإىل هوؤلء،اأن عامل ما بعد احلداثة، واإن كان يطوي ن�سا اإمربياليا ثقيل احلمل، فاإنه بالأ�سل -وهذا هو املهم بالن�سبة اإليهم-،عامل مفتوح ومتعدد ي�سمح بتعاي�س ال�سداد، ولو حتت �سقوف

دول و جمتمعات منزوعة ال�سيادة.

ب- الإنحياز ب��شفه م�شتحيالرغبة تعك�س اأنها لنالحظ العربية، احلداثة بعد ما �سفات و مزايا بع�س على قليل قبل اأتينا حممومة اإىل التحيز . و �ستك�سف التحولت العربية عن �سرعة لفتة يف ديناميات الإ�ستقطاب، مل يعد معها الكالم على احلياد اأمرا منطقيا. فالتحيز �سار �سيد البيئات الثقافية والفكرية، على اختالف اجتهاداتها واأهوائها وميولها؛ بل رمبا مل تعرف الإحتدامات املجتمعية العربية من قبل،

مثل هذا النوع من التحيز الذي يرتجم ا�ستقطابا �سديد التباين والإ�سطراب.


103

بقطع النظر عن املناحي والإجتاهات التي �سلكها م�سار »الإ�ستقطاب امل�سطرب«، فقد لوحظ اأن النخب العربية باألوانها وميولها املتناق�سة، قد غادرت، حالة الك�سل التي �سللتها لفرتة طويلة. و لقد تاأكدت الأطروحة التي تقول اإن من املحال على املثقف اأن يكون حياديا.. بل اإنه حتى يف قراءته للظواهر و الأحداث، ولو من قبيل التو�سيف، مل تفارق معايريه وت�سوراته اخلا�سة. وعليه، فال تكاد ت�ستوي اأحكامه وروؤاه على ن�ساب منطقي حتى يكون له فيها وجهة نظر، اأو راأي... ومع هذا �سينربي كثريون اإىل روؤية الإ�ستقطابات احلا�سلة خارج �سياقها الطبيعي، والنظر اإليها على اأنها

انعطاف تاريخي، اإل اأنه منزه هذه املرة عن الولءات الأيديولوجية.يف زحمة ال�سجال الفكري، و ال�سيا�سي، و الإعالمي، كان ثمة ما يعك�س هذه النظرة. و�سنالحظ قول �سائعا موؤاده: اإنها ثورة �سباب جاءتنا على حني بغتة.. ثورة ل قبليات اأيديولوجية لها، ول املن�سرمة...ولقد ظهر من ال�سعبية والثورات الإنتفا�سات ناألفه يف ما قيادات كمثل و زعامات تداعيات هذا القول، كما لو اأن احلادث العربي على �سخامة مفاعيله،يجري على ن�ساب القدرية

وامل�سادفة.نفع- يف ما امل�سطرب« -، فال تبينه »خارطة ال�ستقطاب ولأن واقع الأمر لي�س كذلك، - كما بيان. اأو هدى غري على يتحرك امل�ستحدث، العربي الطور باأن الظنون ا�ستئناف من - نت�سور فلقد انربى بع�س النظار اإىل قول معاك�س، فالحظوا اأن امليادين العربية اأخربت عن »اأمر جلل«. واأنه �سديد الرتكيب واملزاوجة اأن لهذا الأمر اجللل منطقه الداخلي يف املقدمات واملقا�سد، و الإيديولوجية احليوية متيزه، هي التي املفارقة فاإن ولأنه كذلك، قواه وحمركاته. بني والتداخل الظاهرة من خالل مرموزات اخلارطة امل�سار اإليها. واإذن، فهي حيوية ملتب�سة ميتلئ بها �سارع ي�سج

بروؤى واهواء وت�سورات، مع ما حتفل به من حوامل الرتياب وعدم اليقني. من ي�ستثنى ول اأكيدة. حتيزات اإىل تف�سي »الإ�ستقطاب«، ح�سيلة فاإن الو�سع، كان واأنى امل�سبقات من ال�ساحات خالء اإنكار اأن ذاك حتيزها. ال�سارع قيادة على اأنكر من احلكم هذا الإيديولوجية، هو بحد نف�سه اإنكار ذو طبيعة ايديولوجية، لأنه ينطوي على ع�سب خا�س يرتجم

اأهواء املنكرين وغاياتهم.اأو حمدودا تبعا ملعايريه الذاتية، ومبا فاليديولوجي »املتحيز« يف�سر كل حدث، مهما كان ب�سيطا يوافق مزاج وهوى اأتباعه ب�سرف النظر عن عقالنية هذا التف�سري اأو �سحته املنطقية. وقد يكون ور التلفيق الإعالمي، وت�سكيل حر�س هائل من الكاذيب لتغذية هدف معني، هو اأكرث ما مييز �سالتحيز اليديولوجي يف امليادين العربية. يف هذا ال�سدد �سنقع على اأمر لفت، يتوقف على اإدراك اأن النمو اأبرز بواعث ال�سدع املجتمعي يف العامل العربي. موؤدى هذا الأمر، اأحد معانيه، فهم اليديولوجي ياأتي على قاعدة انفجار الهويات الفرعية، و على �سعي كل منها اإىل اإعادة تظهري

104

»ب�سمتها« العقدية والثقافية الأ�سلية. ولذا فما من هوية فرعية ت�ستنبتها حركة التحولت، اإل ولها ما ينا�سبها من اإن�ساءات وعناوين واأفكار و �سعارات6.

ل العامل، لينعقد على ن�ساب العوملة قبل نحو عقدين من ال�سنوات، كان كل �سيء يجري ملا تبدناإىل بعدئذ الدنيا �سارت واحدة، ول حاجة اإن يومها قيل الأيديولوجيا. نهاية زمن ذريعة حتت اأن »دراما« اإبراز الهويات، و�سياغة العقائد ال�سيا�سية. لكن بعد قليل من ال�سنوات، �سيظهر لنا وطاأة حتت ذوت ما �سرعان باإتقان- اجلديدة لليربالية الفكري اجلهاز اأخرجها التي - الإنهاء الإن�ساء الإيديولوجي امل�ستاأنف. يف ذلك الوقت، مل يق�سد الذين تولنوا تظهري فل�سفة النهايات، �سوى تعميق ال�سدع الذي حل كاإع�سار على الهويات، والولءات، واملذاهب ال�سيا�سية. يومها اأي�سا دعا بع�س الذين اأخذوا باأوهام النهايات من مثقفي العاملني العربي والإ�سالمي، اإىل قطع لة بني الثقافة وال�سيا�سة. وحجتهم، اأن الو�سل بينهما �سيف�سي اإىل ا�ستئناف ال�ستبداد باألوانه ال�ساملختلفة.ولقد فعلوا ذلك، ظنا منهم اأن التحيز يف املجال ال�سيا�سي �سياأخذهم جمددا اإىل معاقل الأيديولوجيا. و من هوؤلء من حتولت الأوهام لديهم اإىل قناعات اآلت يف كثري من الأحيان، اإىل عليه من كانوا اأن �سبق ملا املعاك�سة، ال�سفة تنمو على راحت ليربالية �سيا�سية تاأليف حركات

ثوابت وم�سلمات تنتمي على اجلملة اإىل عامل الي�سار ب�سنوفه الفكرية املختلفة.ال�سيا�سية »اجليولوجيا �سفائح حتركت فحاملا جديدة. نظر مبعايري �سياأتينا اليوم يحدث الذي املنطقي ومن �ستى. وان�ساق وفر�سيات اأوهام معه تنكفئ اأخذت اآخر، زمن �سيولد العربية«، القرن ختام يف النيوليربايل للفكر املدوي ال�سعود منذ ناألفها نكن مل لغة نطالع اأن حالئذ، الع�سرين. مزية هذه اللغة، اأنها بقدر ما تغتذي من طبائع الأيديولوجيات التقليدية، بقدر ما تظهر قول �سيا�سيا وثقافيا جديدا... قول يبدو يف ظاهره عابرا لالأطر الأيديولوجية، اإل اأنه يف الواقع لي�س

كذلك، لأنه �سادر من بيئات تعيد اإنتاج خطبتها الأيديولوجية باأ�ساليب مغايرة للتقليد.عليها اعتادت التي التقليدية اخلطبة عن ينف�سلون -حني اجلدد النا�سطون يكاد فال وهكذا التيارات القومية واملارك�سية والدينية زمنا طويال-، حتى يرجعوا اإىل طراز جديد من التحيز ولو نف�سه العربي وهو يف�سح عن ال�سارع املرة. وعلى نحو كهذا، مل تكن �سورة برداء ليربايل هذه احلكاية اأطوار م�ستاأنف من لطور ترجمة �سوى اآخر، والعنيف حينا ال�سلمي حينا، بالإحتجاج الإيديولوجية. ولكي ل تلتب�س ترجمة ال�سورة، على من األف الأمناط امل�سهورة لظهورات الفكر الأيديولوجي يف القرن الع�سرين، ن�سري اإىل اأن من �سمات الطور امل�ستاأنف لهذه احلكاية، هو اأنه

العربية وال�سالمية يف تفجري ع�سبيات متريناتها الخرية داخل اجلغرافيات الفو�سى خالل فل�سفة اأفلحت 6كامنة )طائفية ومذهبية وقبلية وع�سائرية وعرقية( وقامت برعايتها والعناية بها ف�سال عن ت�سويق ون�سر ثقافاتها، اإىل احلد الذي باتت معه ثقافة هذه الع�سبيات ف�سال ا�سافيا �سارخا يف الرياء اليديولوجي الذي متار�سه نخب

ما بعد احلداثة العربية.


105

طور عابر لالأيديولوجيا كما ذكرنا، لكنه مت�سل بها وعائد اإليها يف الآن عينه. ففي مقام التجربة العربية الراهنة، �سيظهر لنا ح�سور مركب يعرب عن نف�سه بخطاب م�سرتك، توحده ع�سبية معاداة هذا ال�سارع. ثورة اإليه تتطلع الذي النظام بهوية املتعلقة والت�سورات الروؤى وتفرقه الإ�ستبداد احل�سور يظهر بو�سوح على �سفتي ال�ستقطاب. اأحزاب وجماعات قومية وي�سارية ودينية تقليدية، من ناحية.. واأفراد و موؤ�س�سات اأهلية وليربالية من ناحية ثانية. وهذا ما متثل بـ»الإندفاع اجلماهريي امل�ستهدف« الذي يجد تف�سريه يف ما تظهره �سايكولوجية »اإ�سغال املكان من جانب اجلمهور«،.. طلبا حليز مكاين ينالون فيه �سرف احل�سور و�سرعية الإحتجاج، و ي�سفون عليه األوانا خمتلفة من

الروحانية ال�سيا�سية. مع هذا الإ�سغال، �سرنى كيف غدت امليادين وال�ساحات، اأقرب اإىل مرموزات اأيديولوجية تعك�س طموحات واآمال واأفكار �ساغليها، على اإختالف اإجتاهاتهم، وروؤاهم، ومقا�سدهم. ثم جاءت ال�سورة لتف�سح عن منظومة كاملة من امل�ساعر والتطلعات، غايتها اإبطال البناء الإيديولوجي امل�ستهدف متهيدا« اإ�ستمراره، تربر التي والثقافة ال�سيا�سي النظام بنية ببطالن احلكم اأي الدال(. )بفتح

لإقامة احلد عليه.ولو نحن انتقلنا من جمال تو�سيف ال�سورة، اىل الوقوف على مغزاها، لبدا لنا من �سايكولوجية ها احل�سود ما يف�سح عن »بهجة التحيز«. ثم لوجدنا منظومة من الرموز والكلمات ل يدرك �سراإل من اإتخذ لنف�سه �سبيال اإىل »جنة املواجهة«. و نق�سد بهم اأولئك الذين منا وعيهم يف خمترب

الإحتدام، حتى بلغوا الدرجة التي جعلت كل حمتج يعي ويدرك �سرورة التغيري وحتميته. �سروط امليدان ل�ساغلي تتوفر بالوعي، �سوف الإرادة فيها تتوحد التي املنظومة تلك يف رحاب ي�سعر �سار فيها فاعل اأن كل ال�سارع، فالبني من حركة اجلديدة. احلقائق �سناعة القدرة على املنت اإىل الهام�س من ينتقل وباأنه له. لنظري ب�سغف و�سمته خوفه يغادر واأنه احل�سور، بنعمة لي�سري يف قلب احلدث. وعند هذه النقطة ل تعود احلرية بالن�سبة اإليه جمرد قيمة اإفرتا�سية، بل هي اأم�ست ح�سورا فعال داخل احليز الذي تخريه لها عن �سابق ت�سور و ت�سميم. فاحلرية التي �سيجد كل اإذ التحيز. منطقة الأبرز يف احلا�سر هي احل�سود، داخل فرد بانخراط كل حتققت متحيز، وكاأنه �سريك يف ق�سية عادلة ت�ستاأهل منه اأعلى درجات الت�سحية. بل اإن �سعوره باحل�سور �سيتحول اإىل فكرة عملية ذات جاذبية فريدة. بها تتحد التجربة باملعرفة، وفيها ي�سبح املجرب عارفا بحقيقة املخاطرة التي اندفع اإليها. ومعها يزول منه خوفه، وينفك من عقدته املزمنة، وي�سري �سريكا

يف احلدث لي�سهم مع ال�سركاء الآخرين يف التغيري ال�سامل.

106

بني التحيز والعنفاإذا كان التحيز يجري على هذا النحو وفق الو�سع الطبيعي، فاإن اتخاذه �سبال عنيفة كما هو حال بع�س امليادين العربية، جعله حتيزا مقيدا بفو�سى الدم، ومفتوحا على الفتنة الأهلية امل�سلحة. فعلى الرغم مما ينطوي عليه التحيز من ممار�سة احلرية، فاإنه يفتقد يف املقابل اإىل اأعز غاياته، وهي الإنتقال

بوا�سطته اإىل زمن جديد من الأمان الفردي والإ�ستقرار املجتمعي.التحيز، معه بدا اإمتزاجا باحلروب، الثورات اإمتزجت �سوف نالحظ كيف العربية الو�سعية يف فوق جغرافيا ثقيل احلال كحمل العنف بات لقد بل للحرية. نظريا يكون اأن ميتنع عن وكاأنه الثورات، هو احلاكم على كل حتيز داخلي، مهما ملك املتحيزون من فهم لغاياتهم، ومن قدرة على

توجيه اأهدافهم يف الجتاه ال�سحيح.اإفقاد اإىل اأر�س واحدة.. التقائهما على الثورة، وب�سبب من الفتنة بعقل اأدى امتزاج عقل لقد الثورات اأحد اأهم اأ�سباب انت�سارها وهي ال�ستقالل. ونعني بال�ستقالل هنا، حترر قوى التغيري العربية من الثورات تعي�سه ما اإن والدويل. الإقليمي العاملني موؤثرات الدميقراطي من الوطني هذه الناحية، على الرغم من خ�سو�سيته، هو اإ�ستثناء يثبت القاعدة، ل�سيما لناحية التقاء عنف

اخلارج وثورات الداخل �سمن حيز مكاين وزماين م�سرتك.اإىل قوية العربي، العامل ثورات من ثورة كل بدايات رافقت التي الده�سة م�ساحة كانت لقد زمن ظهور على الداخلية الأهلية واحلروب العنف بخطر الإح�سا�س معها غاب التي الدرجة

احلريات و العدالة الإجتماعية.على امل�ستوى النظري ميكن القول، اأنه بالرغم من احلاجة املا�سة اإىل التمييز بني احلرب والثورة مع وجود الرتابط الوثيق بينهما، فاإن علينا - كما تقول حنة اأرندت - اأن نالحظ حقيقة واقعية وهي اأن الثورات واحلروب، ل ميكن اأن تقع خارج نطاق العنف، واأن هذه احلقيقة كافية لأن جتعلهما يف معزل عن الظواهر ال�سيا�سية الأخرى. وقد يكون من الع�سري علينا اأن ننكر اأن من الأ�سباب التي اأدت اإىل هذه ال�سهولة يف حتول احلروب اإىل ثورات، واإىل اأن تظهر الثورات هذا امليل امل�سوؤوم �سكل مثلما و معا7. لهما م�سرتك موؤ�سر نف�سه العنف اأن هو عقالها، من احلروب اإطالق اإىل الثورات، حتى ولو مل يكن ثمة لتوليد العاملية الأوىل عامال كافيا اأطلقته احلرب العنف الذي تقاليد ثورية، فقد �سكل العنف الذي اأطلقته العوملة، دليال على عمق الرتابط بني حراك الداخل

واإ�ستباحة ال�سيادات الوطنية من اخلارج.هنا بال�سبط، وجب التمييز بني م�سكلتي التحرر واحلرية، اللتني ينبغي الت�سدي لهما يف املخترب العربي. هاتان امل�سكلتان تندرجان يف مقدم امل�سكالت التي يتوقف على اإدراكها فهم التحولت،

7 حنة ارندت ، راأي يف الثورات، ترجمة خريي حماد، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2011 �س 20.


107

اأ�سل اإىل اأخرى مرة يحيلنا ما وهذا لإجتاهاتها. املحركة و فيها، الفاعلة القوى على والتعرف الق�سية التي مر ذكرها يف م�ستهل بحثنا، وهي �سرورة البحث عن اإ�سرتاتيجية معرفية توازن بني ال�سيادة الوطنية، والتغيري الداخلي مبعزل من العنف. واملعني بالعنف هنا، لي�س ذاك الذي تلجاأ العنف من ال�سنف ذاك ال�سقوط،اأو على تو�سك عندما معار�سيها �سد احلاكمة ال�سلطة اإليه الذي متار�سه املعار�سة �سد احلكم... واإمنا ذاك العنف املتدفق من اخلارج، والذي غالبا ما يح�سل بوا�سطة حتالف دويل لتبديل وجهة النظام وموقعيته اجليو-�سرتاتيجية. ولنا من الأمثلة القريبة ما

يكفي حني ن�ستذكر الإحتالل الأطل�سي لدول مثل يوغو�سالفيا واأفغان�ستان والعراق وليبيا.ومن هنا تربز الأهمية الق�سوى لفهم م�سكلة ثورات ما بعد العوملة، وخ�سو�سا لناحية عدم توافق فكرة احلرية مع فكرة التحرر من املوؤثر اخلارجي. وهي امل�سكلة التي ينبغي ح�سمها على النحو الوطنية ال�سيا�سية الداخلية للحياة الهند�سة الذي ل يكون فيها اخلارج عامال حا�سما يف ر�سم

اجلديدة...لذا فاإن من الأوليات امل�سلم بها اأن يكون التحرر من املوؤثرين الإقليمي والدويل، هو الإ�سرتاط الرئي�سي لوجود احلرية يف املجتمع ال�سيا�سي وداخل الدائرة الوطنية، واإن كان ل يقود اإليها ب�سورة

اآلية رتيبة.

االيديولوجيا على ال�سارع اإنت�سار .4هل ا�ستطاعت الثورات العربية اإ�ستنادا اإىل النتائج الأولية التي اآلت اإليها اأن تنجو من العنف، وتوؤ�س�س لنموذج ثوري يحقق التوازن بني �سفتي ال�سيادة والدميقراطية.. وبالتايل بني حلم ال�سارع

واإغواءات الو�سول اإىل احلكم؟التي الكيفية يف ف�سيكون العربي، الإحتدام �ساحات يف باملالحظة جدير ا�ستنتاج من اأن لو ا�ستطاع فيها اليديولوجيون اإحتواء ال�سارع، وحتويل فعالياته اإىل طريق �سريع لو�سولهم اإىل ال�سلطة.اأ�سالة على الدولة، رئا�سة اإىل امل�سلمني الأخوان و�سول بعد �سيما ول امل�سرية، التجربة دلت التحرير ميدان اأن املنطقية، احل�سيلة يف يعني ما ال�سيا�سي. الواقع يف ومكانتها اليديولوجيا كان اأ�سبه بجواز مرور فعلي مكنهم - مبا ميتلكونه من مرياث فكري وتنظيمي ذي جذور تاريخية

�ساربة- اأن يعربوا من خالله اإىل فردو�س احلكم.لي�س من العقالنية يف �سيء، اأن تعزى هذه احل�سيلة -كما يزعم حمللون- اإىل حماولة التفاف »اأخوانية« ناجحة على »ثورة �سبابية �ساذجة«. امل�ساألة اأبعد من هذا، فهي ل تختزل مبجرد القول، اإنها عملية ت�سلل حمكمة الإتقان نفذها الأخوان وح�سدوا نبات ما زرعه �سواهم. ذلك اأن واقع احلال لي�س على هذا النحو من التب�سيط. كل ما قيل عن �سارع مليوين حتركه تقنيات، الإنرتنت،

108

احلد. هذا عند يتوقف ل جلل«، »خطب اإىل اجلماهريي احلدث حتويل يف وزن من مالها لها فالذي يحرك احل�سود وي�سبط م�ساعرها، هو ذاك الذي يقدر على اأن ي�سنع لها الكلمات واملواقف وير�سم لغ�سبها العارم خطوط النهاية. وهذا هو ال�سيء الذي بينته النتائج على الإجمال... حيث وجدنا كيف ا�ستكان ال�سارع ل�سراوة الفاعل الأيديولوجي، وكيف اطماأن اإىل �سحر خطابه. املثل التون�سي اأي�سا �سيفتح الطريق على حالة عيانية م�سابهة، كانت فاحتتها البطولة الرتاجيدية ملحمد بوعزيزي. تلك احلالة التي مل تفتاأ حتى نبهت العقل ال�سيا�سي حلركة النه�سة، اأن ال�ساعة اأذنت له للقب�س على نا�سية املجتمع و الدولة. وكما �سيطر الأخوان يف م�سر، �سيقدر حلركة النه�سة، وهي �سليلة الف�ساء الأيديولوجي نف�سه، اأن حتقق ما كان بالن�سبة اإليها ولزعيمها را�سد الغنو�سي

حلما بعيد املنال. ح�سنها اإىل ال�سارع حركة فيه اآلت الذي املغزى اإىل لنتعرف م�سقة، كثري جند لن �سوف ووا�سلوا اخلوف ك�سروا الذين الثورة« »�سباب �سجاعة من الرغم على ذلك، الأيديولوجي.

الزحف برباعة نادرة.على ملء واحلث التوا�سل، بتكنولوجيا دة امل�سدن البطولة عند حدود تتوقف الق�سية ل لكن ال�ساحات باأ�سداء احلناجر. فلقد بدا كما لو اأن ال�سارع يجري وراء اليديولوجيا، ليمالأ بوا�سطتها اإظهار �سغفهم بالتغيري من اأولئك الذي داأبوا على فراغا مل يفلح مبلئه طليعيو امليادين الأوائل. اأن الالفت ال�سيء دامغة. اإىل حقائق �سواهم مع حتولت تفتاأ حتى افرتا�سية مل عوامل خالل الكل كان يعمل �سمن �ساحة مفتوحة على الحتمالت. فما من اأحد كان يت�سور م�سهد النهاية الذي �سوف تر�سو عليه حركة ال�سارع، ل �سباب الثورة، ول اجلهاز اليديولوجي لتيار الأخوان. لكن كل �سيء كان يجري جمرى العقل ال�سارم، على الرغم مما اأظهرته ال�سورة، وكاأنه انعكا�س

لنفعالت اجلماهري وعواطفها.من هذا الوجه مل يكن املنخرط يف املواجهات، اأيا كانت هويته الجتماعية وال�سيا�سية، غافال عن الأهداف التي حتيز لها. فالذي اإختار امليدان م�سرحا للعبة احلرية كان يعي ويدرك ما ي�سنع رغم خطورتها. كان العقل حا�سرا بقوة لديه، لكي يحقق الغاية التي من اأجلها خاطر باملنازلة. فامل�ساألة قها.. املهم بالن�سبة اإىل املتحيز - �سواء يف ح�ساباته ل تتعلق مبدى واقعية تلك الغاية اأو اإمكان حتقاأنه اأو تيار ايديولوجي - اإىل حزب اأو جماعة، اأو كان فردا غري منتم لإطار تنظيمي كان منتميا يقوم باختباراته وهو يف متام وعيه. فال �سري عنده اأن ي�سفي املعقولية على ما ل يعترب معقول يف اإليه بو�سف كونه ال�سارع« هو ما يفكر فيه ويرنو »نزيل ح�سابات اخل�سارة والربح. فاملعقول عند اأبرز �سبيال خلال�سه ال�سيا�سي. وهذا ال�سلوك هو �سمة لزمة للممار�سة اليديولوجية التي من ل جلهة ح�سبان الأمور �سغريها وكبريها،و بني الرغبة اجلاحمة يف الو�سول مزاياها، اجلمع بني التعقاإىل الهدف. ولذلك فهي مزيج بني الأمرين معا، حتى لو جاءت الرغبة خمالفة منطقيا لأحكام العقل جلهة اإمكان تطبيقها. فاليديولوجية قد ل ت�سعر مب�سكلة احلدود بينها وبني العقل، بقدر ما


109

ي�سعر العقل بتلك امل�سكلة حني ي�ستقل بنف�سه. ذلك لأنه لي�س من م�سلحة الأيديولوجيا اإزالة م�سلحتها من بل العقل8. جتاه واملراوغة املناورة من وا�سع بهام�س لها ي�سمح الذي الإلتبا�س، الوقت والفاعلة يف الدافعة نف�سها كمنظومة من احلقائق العقالنية، وتقدمي الإبقاء على �سورتها

عينه.9 يف وقائع التحولت، ما يوؤكد اأن ال�سيا�سة، هي مركز اجلاذبية لكل فاعل اأيديولوجي. ذاك اأن مقا�سد اليديولوجيا كامنة بالأ�سا�س يف العناية املطلقة بال�ساأن ال�سيا�سي الذي ل يعادله �ساأن اآخر. بل يجوز القول اإن تلك املقا�سد، �سكلت الهند�سة املعرفية التي يتدرع بها كل نا�سط يف احلقل العام حتقيقا لأغرا�سه ال�سيا�سية. و ثمة من يرى، اأن ما حتوز عليه الأجهزة اليديولوجية العقل فيها ي�سبح التي النقطة اىل متتد انفعالتها، وتوظيف اجلماهري احتواء يف قدرات من ال�سيا�سي ن�ساله يف املتحيز اليها ي�سعى التي الفعلية للغاية اأي ال�سيا�سة. ملقت�سيات عبدا وهي: احل�سور الفعال يف خارطة التوازنات، و�سول اإىل امل�ساركة يف ال�سلطة اأو ال�سيطرة عليها. اأن يعني مبا الطبيعة.. هذه �سليل من هو فكرها فاإن عملية، طبيعة ذات اليديولوجيا ولأن فهو املعنى وبهذا ال�سيا�سية. للرباغماتية الفعلي التجلي التطبيق، مقام يف ميثل الفكر هذا اأوليا عن احلقيقة املجردة يف كمال ذاتها، واإمنا عن الفكرة النافعة«، فقد تكون »فكر ل يبحث �سالل اأو متويها، اأو ت�سكيكا، اأو ت�سويها، اأو ظنا، اأو حقيقة، ن�سف اأو حقيقة النافعة الفكرة من ال�ساللت اأو وهما من الأوهام. ولكن النافع يف ال�سيا�سة هو يف الدرجة الأوىل ما ي�ساعد على الو�سول اإىل احلكم، اأو على املحافظة عليه. وكل تفكري ايديولوجي يف ال�سيا�سة هو تفكري

نف�سها.10 ال�سيا�سة نتيجة لطبيعة انتفاعي، ولي�س ذلك �سوى اإليها اآل التي الكيفية لنبني اإل وممار�ستها، اليديولوجيا لطبائع النظرية التغطية ن�سوق هذه ل التحول الثوري يف عدد من البالد العربية. فلقد ظهر يف التجربة، وامل�سرية منها على اخل�سو�س، نة بالفكر اليديولوجي على الإحاطة بال�سروط الداخلية للحراك، ومن ثم قدرة الفعاليات املح�س

اإحتواوؤه بالكامل على نحو متدرج.اجلهاز قدرة اإىل ت�سري خال�سته فاإن التنظري. هذا �سقف يفارق ل الإجمايل العربي احلادث اليديولوجي على التهام كل ما هو اأدنى حيلة منه، ول �سيما جلهة ق�سور من مل تكتمل عمارته اليديولوجية، عن تفجري البوؤر الكامنة يف الوجدان العام. ونق�سد بهوؤلء، عموم البيئة الليربالية

نا�سيف ن�سار، الأيديولوجية على املحك، ف�سول جديدة يف حتليل اليديولوجيا ونقدها، دار الطليعة بريوت 81994 �س39.

»ا�سم علم« ف�سل من كتاب ن�سار = نا�سيف فكر الطائفية يف م�ساألة ال�سفري، التفكري على با�سكال حلود، 9�س 166. نا�سيف ن�سار، علم ال�ستقالل الفل�سفي، من�سورات اجلامعة النطونية 2008

نا�سيف ن�سار، الفل�سفة يف معركة اليديولوجيا، دار الطليعة، بريوت 1980 �س 257. 10

110

غري املنتمية، و التي وجدت �سالتها يف منظمات املجتمع املدين.. مع الإ�سارة اىل اأن هذه البيئة - على �سعتها وتنوع �ساغليها - ت�ستعمل العناوين نف�سها التي ت�سكل اأر�سية العمل الأ�سا�سية للجهاز املذكور. مع ذلك فاإن هذه البيئة مل تغادر اليديولوجيا باملطلق، وكان ذلك وا�سحا يف الأثري مرايا و املواقع اللكرتونية الثوري،التي مالأت �سفحات الرومان�سي الوقع �سعاراتها ذات العريقة، )قومية ال�سرية اليديولوجية الالمتناهي... ولذا فما كان ينطبق على الأحزاب ذات واإ�سرتاكية واإ�سالمية( ينطبق اأي�سا ومن اأوجه كثرية على »�سباب الثورة« وغريهم ممن ينتمون اإىل »جيل الفاي�سبوك« و »التويرت«، و�سائر تقنيات التوا�سل ال�سيا�سي و الإجتماعي.. علما اأن اأبناء

هذا اجليل مل يظهر ما يدل على اإمتالكهم مالمح ايديولوجية وا�سحة يف مبادراتهم الثورية.ال�سيا�سية واليديولوجية القوى اأنف�سهم عن مييزون اأنهم وهم اجلدير مالحظته يف عامل هوؤلء، التقليدية بادروا اىل الإحتجاج، ومالأوا ال�ساحات وامليادين، واأفلحوا يف اإجتياز خرائط التحالفات جدر حتطيم يف �سي�سهم الفاي�سبوك جيل اإن بل الآخرون. ف�سل حيث التقليدية، والتوازنات اخلوف، وميهد ال�سبيل للكتلة اليديولوجية التقليدية )الأخوان امل�سلمون اأ�سا�سا (،اأن تتوغل يف

اأعماق ال�سارع الثوري وتتحكم باإيقاعاته ووقائعه.دون« ينفذون اجلانب العملي من املهمة املفرت�سة يف ميدان التحرير على �سبيل املثال كان »املمهاأهم من خم�سو�سة، ايديولوجية من �سربا ميار�سون كانوا الطريقة بهذه اليديولوجي.و للجهاز

ها اأولوية العمل على �سحر اخلطاب.. خوا�سوالتنظيمي اليديولوجي اجلهاز على ينبغي كان ما التحرير ميدان يف الثورة �سباب اأجنز لقد لالأخوان اأن ينجزه حتى يت�سنى له اإدارة النتقال املعقد من ال�سارع امللتهب اإىل الق�سر الرئا�سي. و عند هذه النقطة من زحف اليديولوجيا املدوي �سوف ن�سلم باأن املهمة كانت تاريخية ومعقدة و�ساقة، ولكنها تتمتع بقدرات اإ�سافية على املناورة. ذاك اأن »حركة الأخوان« ملنا حطت الرحال يف مقام الرئا�سة مل تغادر ال�سارع، ومل تقطع معه �سالت الو�سل. فهو معها يوؤازرها وي�سدد اأفعالها،

و�ستعود اإليه وقت ال�سرورة عندما ت�ست�سعر خطرا على �سلطتها قد ياأتيها من ال�سارع نف�سه.

العربية التحوالت التحيز يف 5. منطق من يكتب على نف�سه التحيز، هو على يقني من اأنه اأخذ بال�سواب. حتى اأولئك الذين مار�سوا لعبة العبور اليديولوجي من الي�سار الثوري اإىل اليمني املحافظ، ودخلوا يف اإطار ما ا�سطلحنا عليه بـ«مثقفي ما بعد احلداثة العربية«، �سار من املتعذر حماكاتهم تبعا ل�سروط ومعايري ثقافتهم الفائتة. امل�ساألة تبدو . ومن ن�سبية بامتياز، ويف مترينات احلقل العربي املفتوح، ل تفتاأ هذه الن�سبية حتى تتاأكد على نحو بني

هذا الوجه، رمبا علينا اأن ننطلق لإي�ساح اأمرين متالزمني، يفرت�سهما الكالم على التحيز :


111

التحيز بني التمييز وجوب : والثاين النظرية... ودللته التحيز معنى حتديد وجوب الأول: اخلالق والتحيز املذموم.

اأ- يف املعنى والدللةغالبا ما تفلح منطقة التحيز يف اجلمع بني املتباينات، ويف التقريب بني املتباعدات، ويف حتقيق الوئام املمار�سة اخلالقة نتحدث عن اإليه حني نرمي ما بالفعل، والكرثة. وهذا الوحدة والتفاعل ينب ر مت�سام بالأحداث، اأو عن مبتعث نبيل للمثقف املتحيز. تلك املمار�سة التي ت�سدر منه عن تب�س

اأخذ به لتحقيق غاياته الكربى.فكل الإن�سان، باإن�سانية ومرتبط الإن�ساين املعطى هو من �سميم نتناوله، الذي باملعنى فالتحيز باأنها احل�سارة حددنا ما واإذا التحيز. ثم ومن والذاتية، التفرد من قدرا يحوي اإن�ساين هو ما يج�سد الطبيعة ما يوجد يف اإن بال�سرورة متحيز.بل املثقف هو فاإن الإن�سان، يد كل ما�سنعته اإن الإن�سان هو الذي يجد ال�سيء الطبيعي حتى لو عرث عليه بال�سدفة. وهذه لي�ست زا«،اإذ حتياإن�ساين فعال، وحينما يجد الإن�سان ال�سيء الطبيعي فاإنه اإدراك عملية ع�سوائية،واإمنا هي نتيجة

ي�سميه،اأي اأنه يدخله يف �سبكة اإدراكه، وينقله من عامل الطبيعة والأ�سياء اإىل عامل الإن�سان.11ع�سفت التي التحيزات عن نتحدث ونحن املفهوم، على جمددا و الإ�ساءة املفيد من لكن

بالبيئات الثقافية العربية.اإذا كان التحيز من بديهيات التفاعل الإجتماعي، ومبا هو حا�سل التنوع والتعدد يف عامل الكرثة فهو بالن�سبة لالإن�سان، فردا اأو جماعة، نظري قانون اجلاذبية بالن�سبة اىل عامل الطبيعة. فكل ما فيه

حمكوم بهذا املبداأ التكويني، وواجب عليه ا�ستطرادا، التكيف مع قوانينه ومقت�سياته.ذلك يعني اأن التحيز هو ح�سور يف ال�سنة التاريخية، بينما ي�سري عدم التحيز -وذاك حمال كما مر معنا- اإىل مفارقة لهذا احل�سور، بل هو يف اأف�سل اأحواله، �سرب من التنحي عن مهمة يظن فاعلها ز«، من اأنه يح�سن �سنعا حني يعر�س عن �ساأن ل يعنيه. ومهما ات�سعت اأر�س احليلة لدى »الالمتحياأجل اأن يعلن اأمام املالأ حياده، فلن يقدر على ذلك. فاإنه ل منا�س عائد اإىل حتيز ما. ابتغاء لغر�س اأو م�سلحة اأو فتنة. ففي احلقول ال�سيا�سية العربية املحتدمة ما ي�سيء بكم هائل من القيم القائمة على املنفعة. وهي حني تظهر يف ال�سلوك العام الفردي واجلماعي، فاإمنا على �سورة رياء �سيا�سي اجلماعات، مقام م�ستورة يف تكون ما غالبا )الرياء(، املذمومة اخل�سي�سة هذه و النظري. منقطع

عبد الوهاب امل�سريي، فقه التحيز، �سمن اأوراق ندوة:اإ�سكالية التحيز، روؤية معرفية ودعوة لالإجتهاد، حترير عبد 11

الوهاب امل�سريي، اجلزء الأول، املعهد العاملي للفكر الإ�سالمي، فريجينيا، الوليات املتحدة الأمريكية، 1997، .20 - �س 19

112

اأن »املرائي« هو من يظهر اجلميل لكي بادية وجلية يف حياة الأفراد. ولقد بني علماء الأخالق يبلغ غايته، حتى لو جاءت ح�سيلة عمله غري اأخالقية.. اأما التحيز اخلري فله اأو�ساف مغايرة، وهو ما يرتجمه الولء اىل ق�سية تنت�سب اىل اخلري العام، حيث يعمل املتحيز، على العناية بها والكفاح من اأجلها، وال�سهادة عليها بالقول والعمل. وهو اإذ يفعل ذلك ل يبتغي الثناء من اأحد على ما فعل، واإمنا يكون عمله كله حتقيقا للخري العام،اإنطالقا من �سدق اإميانه بالق�سية التي والها وحتيز اإليها ب�سدق. وبذلك ي�سح اأن نطلق على هذا النوع من الولء بـ»التحيز اخلالق«. اإذ من مزايا املتحيز داخل هذا املقام الأخذ باخلريية �سبيال ومق�سدا، حيث تتوحد م�ساعيه مع غاياته اإىل املدى ر اخللقي، الذي تكون فيه مقولة الإحياء احل�ساري، يف حركته ون�ساطه، حممولة على ن�ساب التب�س

ك�سياق �سروري لبلوغ اخلامتة ال�سعيدة للتاريخ.

ب- يف التحيز اخلالق والتحيز املذم�ممن البينات العملية عما نحن ب�سدده اأن طائفة وا�سعة ن�سبيا من املثقفني العرب ومثقفني من بالد اإ�سالمية ذات �سلة باحلادث العربي، انربت اإىل اعتماد منهج ذرائعي ي�سوغ لنقالباتها ال�سيا�سية

و الفكرية، ويلبي حاجتها اإىل مظلة اأيديولوجية متنحها القدرة على تغطية مواقفها.ال�سفات: من مرذول هو ما عليها خلع خ�سومها لو املثقفني« من »الطائفة هذه لدى ول �سري كالرتداد على البديهيات، اأو الإعرا�س عن الولء للق�سايا الوطنية، اأو قبول الحتالل الأجنبي. يظهر هوؤلء قول ما اإذ غالبا الطائفة. امل�سكلة لهذه ال�سفات تكاد ت�سمل �سائر الأطياف و هذه �سيا�سيا يربرون فيه التدخل الأجنبي بذريعة موؤداها: »الإلتقاء املو�سوعي مع الغرب على اأر�س

م�سرتكة«، يف �سبيل اإ�سقاط النظام الإ�ستبدادي.واإذ مي�سي هذا »النوع الثقايف« اإىل ما يخالف البديهيات، فاإنه ل يفتاأ حتى ي�سطر اىل البحث يف

قوامي�س الفكر ال�سيا�سي ليعرث على ما يوفر له ظال ايديولوجيا مينحه اليقني.يف اإختبارات التحول العربي �سار اجلميع اأمام املعادلة الآتية:

اأنت متحيز، فهذا معناه اأنك حا�سر يف الزمان. واأنك قاب�س على نا�سية اأمرك مهما انقلبت املوازين اأو اختلنت �سروط املواجهة. ومتى كنت كذلك، فاإنك لن تخ�سر من قناعاتك مقدار اأمنلة. فاأنت ق عليك يف برهة ك ان يثنيك عنه. وحتى لو غلبك هذا العدو اأو تفو على ولئك، ولن ميلك عدومن زمن، فاإنك حممول مبا اأنت عليه من يقني، على قلب ال�سورة. فل�سوف ت�سعى بولئك هذا اإىل

ـته عليك بغلبتك عليه. ب ـ ل ـ اأن متحو غ


113

ياأ�ض... اأو الدخول اإىل جنة املواجهة 6. تفاوؤل بعد ه بال�سوؤال حول اإمكان اإجناز �س ل بد من العودة مرة اأخرى اإىل اأ�سل الإ�سكالية الأوىل، وهو ما نلخالتحول الدميقراطي يف العامل العربي - الإ�سالمي، مبعزل عن اخل�سومة مع ال�سيطرة الإمربيالية، و

بالأخ�س خارج نطاق ال�سراع التاريخي مع الدولة اليهودية الإ�ستيطانية يف فل�سطني؟تاأ�سي�سا على ما مر، �سوف ت�سكل الإجابة على ال�سوؤال، بداية التفكري مبا ميكن اأن ن�سميه بـ»ال�سواب التاريخي«. واإذا كان ل منا�س لكل مقولة من خارطة، فلي�س ملقولة الإحياء احل�ساري يف املدى

العربي �سوى اإجناز الإ�ستقالل املعريف، ك�سرط �سروري واأ�سا�سي لبلوغ »ال�سواب« امل�سار اإليه.نقطة البداية يف رحلة ال�ستقالل املعريف، تكمن يف العثور على منطقة اإدراك ت�ستوي فيه �سرورتان للهوية الولء و�سرورة الداخلي، ال�سيا�سي التغيري اأ-�سرورة واحد: ن�ساب على تاريخيتان

وال�سيادة الوطنية يف مواجهة الإحتالل والغزو و الهيمنة اخلارجية.اإجتماع هاتني ال�سروريتني، يقابلهما منطق معاك�س موؤداه عدم اإجتماع نقي�سني، وذلك بذريعة

مبتدعة قوامها الف�سل بني الثورة الدميقراطية و ال�سيادة الوطنية.اأفعالها. فلو قام فعلها على نتيجة ال�سيا�سي الكال�سيكي- هي فالثورة - كما يروى يف الأدب ن�ساب التكامل بني مقولتي الدميقراطية والوطنية،لفارقت حريتها وا�سطرابها، ثم لنف�سحت اأمام

ابنائها وعود التقدم احل�ساري. وعلى هذا املعنى ميكن لنا اأن ننظر اإىل حتولت ال�سارع العربي. فاإذا كانت رحلة التحولت قد بداأت فعال، اأقله يف اجلانب املتعلق منها باإ�سقاط اأنظمة وتفكيك الهيمنة من التحرر قاعدة على الإحتدام م�سارات تاأ�سيل فاإن مفاهيم، واإ�ستبدال اأحالف، ال�ستعمارية و التناق�س التكويني مع دولة الإ�ستيطان، يعد بحق املدخل الواقعي لتتخذ الأطروحة النه�سوية قوامها ال�سوي. مبعنى اأن يجري اإدخالها يف ما �سميناه بـ»ال�سواب التاريخي«. ولعل من اجلائز اأن من�سي اأبعد من ذلك، لرنى اإىل حقيقة اأ�سا�سية يتوقف على اإدراكها جدوى اأي م�سروع بعد ما لإمربيالية ك�سليل اإ�سرائيل وجود بني اجلوهري التناق�س بها عنينا احل�ساري، لالإحياء

احلداثة، و اأي م�سار نه�سوي ل�سعوب املنطقة.الوجود بني اجلمع اإ�ستحالة هو املجال، هذا يف النقا�س لب�سط املعرفية امل�سروعية مينح ما اإن الإجمايل امل�سهد ولنا يف احل�ساري يف جمتمعاتنا. امل�سروع وا�ستئناف املنطقة، الإ�سرائيلي يف

حلركة التحول العربي ما يف�سح جمددا عن هذه احلقيقة.ر التي حتكم هناك، بالفعل،اأطروحتان توؤلفان معا« وحدة قيا�س معرفية لفهم جدلية التقدم والتاأخ

الزمن املعا�سر لبالدنا: حقيقة النه�سة و وجود اإ�سرائيل كنقي�سني ل يقبالن اللقاء وامل�ساحلة.

114

اإذ مع �سعود حركة احلداثة يف الغرب من القرن ال�سابع ع�سر اإىل بداية القرن الع�سرين، ظهرت اأ�سئلة الإ�ستنها�س يف بالدنا لت�سهد مع تلك احلركة، منوا موازيا. ثمة من اأ�سئلة النخب العربية ما انعقد على �سرية احلداثة، �سعيا اإىل الأخذ باأنوارها، ومتثل اأحوالها وحوادثها... ومنها ما انعقد على

حذر وتريب و�سك حيال طوفانها الإمربيايل. والأ�سئلة يف احلالني جرت على ن�ساأة �سالبة. ففي الأوىل كانت ان�سحارا مبا جاء به الغرب اإلينا فيما نحن يف ظالمة ال�ستبداد. ويف الثانية �ست�سهد ائتالفا لقوى راحت تخترب بياناتها الإيديولوجية و�سعاراتها الثورية يف حقل املواجهة لواقع حداثوي امربيايل اأخذ يتمدد لتوطني قيمه بقوة احلديد

والنار. احلالتان �ستوؤ�س�سان لأزمنة ثقافية،غالبا ما كان يعاد اإنتاجها على ن�ساب الأ�سئلة ال�سالبة نف�سها. على الإمربيالية احلداثية احلملة لرتدن اإل ي�ستعاد ل احل�ساري، الإحياء �سوؤال اأن كما لو وبدا التقدم فجدالية العتيادي. �سياقه الدوام، �سمن الحتدام ظل على اأن حا�سل اأعقابها. غري والتاأخر اأخذت �سبيلها اإىل الر�سوخ، فيما اأ�سئلة النه�سة �سارت اأ�سبه باأوعية مثقوبة، فال ت�سلح

للمراكمة والتوالد...كل �سيء �سيعود مع التوليد املتمادي لالأطروحة الإ�سرائيلية اإىل حقل الت�سادم. ولقد �سار الكالم على الثقايف، واملعريف، والفكري، والتنموي، والإحيائي، كالما غري ذي وزن، ما دام يتحرك خارج

حقول املواجهات باأ�سكالها كافة.ت�ساوؤل �سمن بالنه�سة املتعلقة الأ�سئلة كل تختزل �سوف الإ�سرائيلية، الظاهرة من اإبتداء اإجمايل عما اإذا بالإمكان و انطالقا من فل�سفة الإخت�سام الوجودي مع اليهودية ال�سيا�سية ككيان واأيديولوجيا،... ا�ستيالد م�سار ح�ساري، ي�سد الهيمنة ال�ستعمارية بن�سختها الليربالية اجلديدة

ويتوازن معها.لقد ظل الت�ساوؤل �ساريا بني النخب العربية من دون اأن يتعني حمل الإ�سكال الفعلي. فيما اأكدت الوقائع التاريخية املتعاقبة حقيقة كون الظاهرة الإ�سرائيلية هي الظاهرة الأكرث تعبريا عن اإمربيالية

ما بعد احلداثة وفعالياتها الثقافية والفكرية وال�سيا�سية يف بالدنا.باحلد الطور يت�سم هذا ما بقدر اإذ اإ�سرائيل. اآخر، من احلراك حول وجود ن�سهده الآن، طور ما معها. وهذه وامل�ساحلة الإلتقاء فر�سية على اأي�سا ينب�سط فاإنه الوجود، لهذا العداء الأعلى من الفر�سية تنطرح اليوم على اأكرث من ن�ساب: اأكرثها حيوية وخطورة ما يجري على ما ي�سمى بـ اإنهاء باإتقان، بدءا من »خطوط ال�سالم املزعومة« حيث ت�ستاأنف هذه اخلطوط حركتها املر�سومة اإىل �سرب من »ح�سن جوار«، حيث يعمل على اعد اإنهاء اخل�سومة، ثم لي�سن اإىل العداء، عبورا


115

اأن تتاآلف الأطروحة الإ�سرائيلية مع العرب وامل�سلمني، �سمن ما ي�سمى باجلغرافيا الإ�سرتاتيجية الكربى لل�سرق الأو�سط اجلديد..

فاإذا كان الولء يعني تفاين الذات جتاه ق�سية معينة، فذلك ي�سري على جممل الق�سايا، التي ت�ستحق هذا الولء.

وكلما كان خيار الولء على النحو الأكمل، كان التفاوؤل لدى حامله عن�سرا موؤ�س�سا يف القول و العمل. ذاك اأن »التفاوؤل املدرك« هو �سرط كل تقدم ح�ساري، و هو بال�سبط ما ذهبنا اإىل و�سفه بـ »ال�سراع من اأجل املعنى«، ذلك اأن �سمة املتفائل اأن يحيا �سو�ساء الهزمية وعتمتها »مثلما يحيا

بهجة الإنت�سار و�سم�سه ال�ساطعة«. ذلكم هو اأ�سل الإ�سكال الذي يتوقف على تدبره والبناء عليه، خروج ال�سارع العربي من حريته

و مغادرة ثوراته قلقها املقيم...





ثبحا

وات

�سادرا

117

الفردية والنزعة الفردية مقابل حمبة االآخر )فيليا(حيدر حاج اإ�شماعيل - باحث يف الفل�سفة ال�سيا�سية

الف�سل االأول

1. الفردية

عيوبها وو�سف وحللها الأخرية العقود )individualism( يف الفردية عن من كتب اأبرز كان واثبت اأنها الأ�سا�س الذي تقوم عليه احل�سرة الغربية، بخا�سة، يف جميع نواحيها العملية والثقافة After( يف كتابه: بعد الف�سيلة )Alasdair MacIntyre( هو فيل�سوف الأخالق الأ�سدير ماكنتاير

Virtue(. لذا �ستكون بدايتنا من هناك.

نبداأ من ذكر املبادئ التي منها انطلق وعليها ا�ستند األ�سدير ماكنتاير1 لتاأ�سي�س نقا�ساته، تقييماته، اأر�سطو طالي�س وانتقاداته للف�سيلة ال�سائدة يف زمنه وقبل زمنه، منذ ما بعد الفيل�سوف اليوناين

واإىل اليوم. وهي:اأن املجتمع قبل الفرد، فاملجتمع يحتل مرتبة الأولوية يف املبداأ الأول مبداأ �سو�سيولوجي مفاده

الواقع ويف العتبار، يف حني يحتل الفرد املرتبة الثانوية. املبداأ الثاين مبداأ تاريخي وعنى اأن الأخالق تابعة للتاريخ اأو لها عالقة بالتاريخ، فف�سائلها تتغري

من زمن اإىل زمن. فلي�س هناك ف�سائل اأخالقية مطلقة.املبداأ الثالث مبداأ غائي )telos( اأي اأن للف�سائل غايات ترمي اإليها ولي�ست بالأمور العتباطية

املرتوكة للفرد اأو الأفراد ونزواتهم وتقلباتها.املبداأ الرابع مبداأ اأخالقي، وباملعنى الدقيق، ومفاده، م�سلحة املجتمع فوق كل م�سلحة. وهو مبداأ اأر�سطو.

ماكنتاير فيل�سوف ا�سكتلندي عمل اأ�ستاذا يف جامعة نوتردام وله موؤلفات يف الأخالق وال�سيا�سة. 1

118

من الفردية الفل�سفات على ماكنتاير نزل بها النيت�سوية املطرقة ي�سبه ما املبادئ هذه لت و�سكناأولها اإىل اآخرها، وبخا�سة بعد اإخفاق م�سروع ع�سر التنوير )The Enlightenment( اأميا اإخفاق،

فحطمها حتطيما.اأذكر، على �سبيل املثال، ل احل�سر، مذهب املنفعة )utilitarianism( الذي و�سعه جريمي بنثام الأخالق مبادئ كتابه: يف الأكرب، للعدد الكربى بال�سعادة قال الذي )Jeremy Bentham( )Kant( والت�سريع قا�سدا العدد الأكرب من الأفراد. كما اأذكر مذهب الفيل�سوف الأملاين كنت

الذي قال بالواجب املطلق اأو الآمر الأخالقي املطلق الذي يجب اأن يلتزم به الفرد. ومثال اآخر يذكره ماكنتاير اإخت�س مبا عرف با�سم العقود الجتماعية فذكر اثنني منها هما العقد .)Locke( لوك و�سعه الذي الجتماعي والعقد )Hobbes( هوب�س و�سعه الذي الجتماعي

وكالهما يقومان على الأفراد وقرار الأفراد.ويجدر، يف هذه املنا�سبة، اأن اأذكر اأن العقود الجتماعية التي و�سعها الفال�سفة، اإىل الآن، هي �ستة

عقود، وت�سننف اإىل �سنفني هما: )Rousseau( الفال�سفة هوب�س، لوك، رو�سو اأربعة، ووا�سعوها الواقعية )كما يظن( وهي العقود

.)Habermas( وهيربما�سالثاين )Kant(وذكر كنت الأملاين الفيل�سوف اأحدهما ذكر عقدان وهي الفرتا�سية والعقود

.)Rawls( الفيل�سوف الأمريكي رولزويف �سياق هجومه النقدي على الفردية ومذهبها مل يوفر مارك�س. فقد اعترب ماكنتاير الطبقة عند

مارك�س لي�ست اإل جمموعا من الأفراد، ولي�ست املجتمع الواقعي الطبيعي.علين اأن اأعود، الآن، اإىل امليدان الأخالقي، ح�سرا، الذي هو ميدان كتاب بعد الف�سيلة. ويف هذه العودة ل بدن يل من �سرح املبداأ الرابع الذي اعتمد عليه ماكنتاير، اأعني مبداأ اأر�سطو. وهذا يتطلنب منا النظر يف ما و�سعه اأر�سطو عن الأخالق، وبخا�سة، يف موؤلفاته. )وهو ما مل يفعله ماكنتاير، رمبا

افرتا�سا منه مبعرفة القراء بتفا�سيل ذلك املبداأ(.اأذكر، بداية، اأنه وردت يف موؤلفات اأر�سطو الأخالقية وال�سيا�سية فكرة فيليا )philia( اأو املحبة التي

فت يف كتاب: ال�سيا�سة باأنها »اإرادة العي�س معا«2. عرفتكون النتيجة املبا�سرة لتعريف فيليا بتلك الطريقة هي اعتبارها واجتماعية الإن�سان �سيئا واحدا. زا بني منطني للحياة الإن�سانية، وعالوة على ذلك، جند اأر�سطو، ويف كتاب ال�سيا�سة )Politics( ممي

2 Richard McKeon, (ed.), The Basic Works of Aristotle, (New York: Random House, 1968, Politics, III, 9, 128 ob.


119

�سفة جمتمع هي التي اجليدة واحلياة واملنزل القرية �سفة وهو العي�س اأي جمرد العي�س هما: .3)polis( املدينة وحده

يف جمتمع املدينة ت�سري فيليا اأكرث تعقيدا، فهنا جند العدالة )ولي�س احلب املبني على القرابة، كما هو احلال يف املنزل ويف القرية( هي الأقرب اإىل مفهوم فيليا.

والعدالة فيليا اأن اأر�سطو يذكر )Nicomachean Ethics( النيقوماخية الأخالق كتاب ويف ي�ستمالن على امل�ساواة4.

اأر�سطو فيليا باأنها عدالة خا�سة5 اأما يف كتاب الأخالق اليودميية )Eudemian Ethics( في�سف يف حني ي�سفها يف الأخالق النيقوماخية بالقول اإنها توازي، مبعنى ت�سبه، العدالة.6 ويف الكتابني

ن العدالة7. املذكورين كليهما قيل، اإن فيليا تت�سمنويذكر اأر�سطو ما يفيد اأنه، اإذا كان جميع الب�سر حمبني، افرتا�سا، فال حاجة للقانون لأن حياتهم

�ستكون عادلة.8املختلفتني: طبيعتيهما تتمثنل يف اأنها فيذكر والعدالة فيليا بني الفروق اأر�سطو د يعد ذلك بعد فالأوىل �سخ�سية والثانية جمعية. ففيليا )املحبة( بني اأ�سخا�س بينما العدالة ت�ستمل على جمموعة

من القوانني تطبق على جميع مواطني جمتمع املدينة. وقد كان اأر�سطو على بينة من هذا الفرق حتى اأنه و�سف فيليا بالقول اإنها عدالة خا�سة »تعتمد

على نفو�سنا وحدها«.9ويذكر مما يذكر يف الأخالق النيقوماخية اأن الإن�سان الفا�سل يعترب املحب ذاته الأخرى10.

وذلك فيها، فيليا مرتبة وبخا�سة الأخالقية، اأر�سطو بفل�سفة التعريف من املقدار بهذا اأكتفي ت�سديدا للنق�س الذي وجدته يف كتاب بعد الف�سيلة واملتعلق بها.

د على اأهمية الكتاب جلهة ثرائه الفكري وغناه النقا�سي و�سعة ميدانه، واأن هدف مع ذلك اأوؤكواأ�سكال واملتنخذ �سورا زماننا املتف�سى يف الفردية والنق�س ملذهب النقد الرئي�سي كان �ساحبه

�ستى، ومغرية اأحيانا، رغم ت�سليلها، مثل الليربالية وما قارن. �س كتاب بعد الف�سيلة فور �سدوره لنتقادات عديدة بع�سها مغر�س وبع�سها حمق ذكر طبعا، تعرن.III,5, 1278 b 20-25 املرجع السابق 34 Nicomachean Ethics, VIII, 9, b 29-30, VIII, 7, 1159 a 1-5.5 Eudemian Ethics, VII, 1, 1234 b 30-31, VIII, II, 1161 a 101-11.6 Nicomachean Ethics, VIII, 9, 1159 b 25-27, VIII, 11, 1161 A 10-11..VIII,1, 1155 a 22-28 and Eudemian Ethics, VII, 1, 1234 b 24, 29-30 ،املرجع السابق 78 Nicomachean Ethics, VIII,1, 1155 a 26; VIII,9, 1159 b 25.9 Eudemian Ethics, VII,1, X, 9, 1170 b 6-7.10 Nicomachean Ethics, 1 x, 9, 1170 b 6-7.

120

الكاتب بع�سها يف ملحق الكتاب الذي حمل عنوان: »ملحق للطبعة الثانية«.الفل�سفة ا�سم اأي�سا يف املحبة جتلت مبعنى فيليا الفكرة اأهمية اأن اإىل الإ�سارة اخلتام جتدر وقبل ،)Sophia( و�سوفيا )philia( ذاته الذي يتاألف من كلمتني يونانيتني هما فيليا )philosophy(الأوىل عنت املحبة والثانية عنت احلكمة. ومن هنا كان تعريف العرب للفل�سفة باأنها حمبة احلكمة.

الرواقي زينون عند اتنخذت ذكرناها، التي ولأهميتها فيليا، كلمة اأن اإىل الإ�سارة جتدر كما اأعني اجلديد، تعبريه وذلك يف الأخوة، معنى العام، بحوايل اأر�سطو بعد الأ�سل(، )الفينيقي كوزموبول�س )cosmopolis( الذي عنى به الأخوة الب�سرية اأو كل الب�سر اأخوة، فكان به التاأ�سي�س

احلقيقي لعلم الأخالق.اأعود لأوؤكد، من جديد اأن الف�سيلة التي هاجمها، كانت تلك الف�سيلة الفردية، واأنه جنح ومبقدار الليربالية واإنحيازاتها ال�سلبية الفعل كبري، يف الك�سف عن عيوبها وخماطرها، رغم جميع ردود

الفردية. دها ماكنتاير هي: م�سلحة املجتمع فوق بلى، الأخالق، �سواء اأقال بها اأر�سطو اأو غري اأر�سطو واأكن

كل م�سلحة.اأن نود الغربيتني والثقافة احل�سارة اأ�سا�س اأنها اإثباته بعد لها ماكنتاير ونقد للفردية عر�سنا بعد Joseph A.( ندعم وجهة النظر هذه بال�ست�سهاد ال�سو�سيولوجي والقت�سادي جوزيف �سومبيرت

:)Schumpeter

اأدى املقاول يف نظرية �سومبري اخلا�سة بالتطور القت�سادي دورا اأ�سا�سيا، بله الدور الذي ما بعده دور، فهو البطل املغوار الذي ي�سرح ذلك التطور.11

وهو الذي يغري جمددا ما ي�سميه �سوبيرت التدفق الثابت )Stationary Flow(، اأي »منوذج العملية القت�سادية غري املتغرية والتي تتدفق مبعدلت ثابتة يف الزمن وتعيد اإنتاج نف�سها12

ويف مو�سع اآخر ي�سف �سومبيرت املقاول بقوله اإنه ال�سبب املنتج »لتغري تلقائي ومتقطع يف تيارات التدفق، وا�سطراب يف التوازن يغري، واإىل الأبد، ويزيل حالة التوازن املوجودة �سابقا«13

ويذكر من املبتدعات التي يدخلها املقاول ال�سناعة اجلديدة، والأ�سواق اجلديدة، والطرق اجلديدة،

11 Joseph Alois Schumpeter, The Theory of Economic Development: An Inquiry into Profits,Capital, Credit, Interest, and the Business Cycle, Translated from the German by Redvers Opie (Cambridge, Mass: Harvard University Press, 1934), pp. 60-61.

12 Schumpeter, A business Cycles: A Theoretical, Historical, and Statistical Analysis of the Capitalist Process, pp. 36-37, and p. 102.

13 Schumpeter, TheTheory of EconomicDevelopment,An Inquiry into Profits,Capital,Credit,Interest, and the Business Cycle, p. 64.


121

وال�سلع اجلديدة، وال�ستيالء على م�سادر متوين جديدة، وتنظيم جديد لل�سناعة.14ومن الطريف اأن جند من قارن مقاول �سومبيرت والقائد ذا الكارزما عند عامل الجتماع ماك�س فيرب الذي قال بتغري الأنظمة الجتماعية وباأن �سببها الفاعل هو ال�سخ�س الكارزمي.15 اأما الفرق )Endogenous( بني الثنني فيمثل، وب�سورة رئي�سة، يف اأن بطل �سومبيرت �سبب باطني يف النظام

بينما بطل فيرب �سبب خارجي )Exogenous(. هذا، بالإ�سافة اإىل فروق اأخرى. اأ�سل املقاول

ن�ساأل ما هو اأ�سل م�سطلح املقاول؟ وماذا يفيد يف زماننا من معان؟ وما قرابة كل ذلك مبفهومه عند �سومبيرت؟

ذاته امل�ستخدم فهو ،)Self-Employed( نف�سه يوظف الذي اأنه ذلك املقاول يفهم من ما اأول الذي ل ي�ستخدمه اأحد. فهو، بهذا املعنى م�ستقل ا�ستقالل تاما، وميكنه اأن يقوم مببادرات. وهناك له، ويتحمل املخاطر املرتتبة م عمال جديدا، وي�سغ من عرفه مببادراته اأي بوظائفه، فقال اإنه من ينظ

على م�سروعه اجلديد.16ويذكر اأن هناك نوعني من املقاولني: الأول تكراري )Replicative( ين�سئ �سركة جديدة وينظمها على غرار �سركات موجودة. والثاين مبدع ين�سئ وينظم م�سروعا جديدا ومقاربة جديدة لل�سوق... Richard( نافعا. ريت�سارد كنتيون اأو اأن يكون الإبداع اجلديد منتجا الخ. ولي�س من ال�سروري

Cantillon( )وهو اأحد القت�ساديني الأوائل الكبار( يتحدث عن مقاولني ل�سو�س17.

اأو »املقامر« باأنه ت�سفه الإنكليزية، اللغة املقاول، يف الكتابات عن الع�سرين كانت القرن ولغاية »املتعهد«.18

يف زماننا مل يعد املقاول مرئيا يف النظرية القت�سادية ال�سائدة، تعني مبعنى املبادر واملوؤثر يف العملية القت�سادية اإبداعا وتطورا.

امل�سدر نف�سه، �س 73. 1415 Max Weber, Economy and Society: An Outline of Interpretive Sociology, Edited by Guenther

Roth and Claus Wittich, Translated by Ephraim Fischoff ]and others} (New York: Bedminster Press, 1968), pp. 758 ff.

16 Steven N. Dulauf and Lawrence E. Blume, ed., The New Palgrave Dictionary of Economics, 2nd Edition (Basingstoke, Hampshire; New York: Palgrave Macmillan, 2008), vol. 2, p. 874.

امل�سدر نف�سه، �س 874. 1718 Alfred Marshall, Industry and Trade: A Study of Industrial Technique and Business Organization

(London: Macmillan and co.; Limited, 1923) p. 172.

122

2. النزعة الفردية

اأفتكر اأن اأنطون �سعاده، زعيم احلزب ال�سوري القومي الجتماعي، كان الوحيد الذي كتب عن رة. وكان ذلك النزعة الفردية كظاهرة اجتماعية عموما، ويف �سعبنا خ�سو�سا، وعلى خماطرها املدم60 عاما. وقد حاربها باأكرث من األ�سدير ماكنتاير الفيل�سوف الأخالقي اأي قبل ،1942 يف عام لالأمة العامة امل�سلحة مبداأ: مبادئها وتاج الجتماعية القومية الفل�سفة بو�سعه فل�سفيا �سعاده وللبالد فوق كل م�سلحة، وعمليا بتاأ�سي�سه حزبا �سيا�سيا )لي�س ك�سواه من الأحزاب ال�سيا�سية(

مهمته بعث نه�سة عامة باأخالق امل�سلحة العامة. الفردية يف �سعبنا« »النزعة الفردية يف مقالني هما: النزعة وجتلت كتابات �سعاده حول مو�سوع و«عودة على النزعة الفردية يف �سعبنا.؟ وفيما ياأتي �سنعمل على حتليل هذين املقالني وت�سليط

ال�سوء على اأهم ما ورد فيهما من اأفكار.يبداأ �سعاده مقاله الأول بذكر مالحظته فيقول: »اإن يف حياتنا الجتماعية، يف الوطن ويف املغرتب، ت�سرفاتنا الجتماعية الفردية يف النزعة كبريا ومعاجلة جدية هي ظاهرة اهتماما ت�ستحق ظاهرة

واأفكارنا وميولنا...«19د اأن ل ي�سمع ويرى �سعاده اأن العلة تبداأ يف الأ�سرة، فيقول: »هنا اأ�سا�س الداء. فالفرد الذي يتعون

راأيا غري راأيه واأن ل ي�سعر باحلاجة اإىل الإلفة والتفاهم ل يحرتم راأي اأحد...«20ويقول �سعاده اإن امل�ساب بالنزعة الفردية يح�سب العمل كله »دائرة واحدة يجول فيها تفكريه« مهمال اأو نا�سيا اأن »العمل العام دوائر �سغرى يف دائرة كربى واأن كل فرد يجب اأن يعمل �سمن

الدائرة التي يقع فيها اخت�سا�سه وكفاءته«21وي�سيف �سعاده قائال: النزعة الفردية تقود حتما اإىل عدم ال�سعور بامل�سوؤولية«22 حتى عندما يرتبط الفردية »يح�سب النزعة الأنظمة. ف�ساحب نظام من ارتباطه مع لو كان �سواه، وحتى بعهد مع

كرامته اخلا�سة، كما يراها هو، فوق كل الكرامات«.23اجليل اأبناء متف�سية يف تكن واإن ال�سوري طبيعة يف »لي�ست الفردية النزعة اإن �سعاده، ويقول

احلا�سر«.24

اأنطون �سعاده، الآثار الكاملة 10، 1942، �سعاده يف مغرتبه الق�سري، مقال: »النزعة الفردية يف �سعبنا«، �س 34. 19







123

ويرى �سعاده اأن طريق ال�سفاء من مر�س النزعة الفردية هي طريق ال�سفاء من جميع الأمرا�س ذاتها، وت�سمل: 1. »العرتاف بوجود املر�س« 2. »قبول العالج، حلوا كان اأو مرا«.

وينهي �سعاده مقاله الأول هذا بالأمر الآتي »يجب على القوميني الجتماعيني اأن يكافحوا النزعة الفردية مكافحتهم الحتالل الأجنبي«. ويف هذا القول تلخي�س ملذاحة خطر النزعة الفردية.

بالقول الفردية يف �سعبنا«، يبداأ �سعاده النزعة الثاين الذي حمل عنوان: »عودة على يف مقاله الآتي: »النزعة الفردية جتعل الفرد وميوله غاية كل فكرة ونهاية كل عمل«25 وي�سرحه قائال، اإن الفردية« وهي، النزعة لذوي الغريية »فمحدودة جدا اأما »طبيعتها خمالفة لطبيعة الجتماع«26.

تعني الغريية، غري �سرورية وميكن ال�ستغناء عنها.27طبعا، ا�ست�سهد �سعاده يف املقالني املذكورين ببع�س من جتارب حزبه ال�سوري القومي الجتماعي مع بع�س من الذين انتموا اإليه وجنحت ثقافة احلزب ونظامه الدقيق يف تربيتهم تربية اجتماعية

ع�سرية راقية تقوم على مبداأ امل�سلحة العامة اأول. وجتدر الإ�سارة اإىل اأن �سعاده مل يقت�سر على ذلكما املقالني يف حماربته النزعة الفردية يف �سعبنا ويف داخل حزبه ذاته، ففي حما�سراته: 8 و9 و10 عاد اإىل الهجوم على تلك النزعة. وفيما ياأتي بع�س

التفا�سيل: يف حما�سرته الثامنة يقول ما ياأتي:»ال�سيا�سة لي�ست نفوذا لأ�سخا�س اأو اأفراد اأو عائالت. ال�سيا�سة فن بلوغ الأغرا�س القومية وحتقيق الغايات القومية التي يجب على كل فرد اأن يرتبط فيها اأنها رابطة املجتمع. ال�سيا�سة عندنا و�سيلة ل غاية، و�سيلة لبلوغ الأغرا�س القومية باأقرب الطرق واأقل التكاليف. ولي�ست ال�سيا�سة �سيا�سة لنف�سها ومهنة خا�سة يحرتفها بع�س الأفراد ويحتكرون بوا�سطتها النفوذ وتقرير م�سري ال�سعب«.28

ويف حما�سرته التا�سعة ن�سمعه يقول، وب�سكل وا�سح ل لب�س فيه:»نحن حركة هجومية ل حركة دفاعية. نهاجم بالفكر والروح، ونهاجم بالأعمال والأفعال اأي�سا. وقوتها. ن�ساطها ا�ستعمال النمو ومن اأمتنا من متنع التي القائمة الفا�سدة الأو�ساع نهاجم نحن

نهاجم املفا�سد الجتماعية والروحية وال�سيا�سية. نهاجم احلزبيات الدينية،

نهاجم الأقطاع املتحكم بالفالحني،




�سعاده، املحا�سرات الع�سر، املحا�سرة 8، �س 153. 28

124

نهاجم الراأ�سمالية الفردية الطاغية،نهاجم العقليات املتحجرة املتجمدة،

نهاجم النظرة الفردية. ون�ستعد ملهاجمة الأعداء الذين ياأتون ليجتاحوا بالدنا بغية الق�ساء علينا، لنق�سي عليهم.

هذه هي وجهة �سرينا. هذا موقفنا يف امل�ساكل ال�سيا�سية الكربى املحيطة بنا. اإذا كان ل بد من هالكنا يجب اأن نهلك كما يليق بالأحرار ل كما يليق بالعبيد. نحن ل نعني بحركتنا لعبا ول

ت�سلية.«29ويف املحا�سرة العا�سرة يوؤكد على رف�سه للفردية ونزعتها التخريبية عندما يقول:

الغارقة يف فرديتها، اخلارجة على املجتمع ووحدته وم�سريه.«30 كل ذلك ل يعني باأي �سكل من الأ�سكال اأن �سعاده �سد الفرد، فراأيه يف الفرد اأو�سحه يف مقدمته

لكتابه: ن�سوء الأمم حيث نقراأ ما ياأتي:بها هذا التي ي�سطبغ الظاهرة اأعظم ظاهرة اجتماعية يف ع�سرنا، وهي القومي هو الوجدان »اإن يف عظيما الفرد حادثا �سخ�سية ظهور كان ولقد التمدن. من العالية الدرجة هذه على الع�سر فاأعظم حوادث اجلماعة �سخ�سية اأما ظهور الإن�ساين. الجتماع وتطور الب�سرية النف�سية ارتقاء ال�سخ�سية هذه اأن اإذ تعقدا، واأ�سدها ولطاقة دقة واأكرثها نتيجة واأبعدها �ساأنا الب�سري التطور مركب اجتماعي - اقت�سادي - نف�ساين يتطلب من الفرد اأن ي�سيف اإىل �سعوره ب�سخ�سيته �سعوره ب�سخ�سية جماعته، اأمته، واأن يزيد على اإح�سا�سه بحاجاته اإح�سا�سه بحاجات جمتمعه واأن يجمع اإىل فهمه نف�سه فهمه نف�سية متحده الجتماعي واأن يربط م�ساحله مب�سالح قومه واأن ي�سعر مع ابن

جمتمعه ويهتم به ويود خريه، كما يود اخلري لنف�سه.«31هل يوجد كالم اأو�سح من هذا الكالم، بل هل يوجد فكر اأرقى من هذا الفكر؟

خال�سة الكالم هي اأن املجتمع، عند �سعاده، »لي�س جمرد جمموع عددي من النا�س«. فالأفراد ياأتون ويذهبون اأما املجتمع فيبقى جيال بعد جيل.32

امل�سدر ال�سابق، املحا�سرة 9، �س 67. 29

امل�سدر ال�سابق، املحا�سرة 10، �س 176. 30

.14 - مة، �س 13 اأنطون �سعاده، الآثار الكاملة 1، ن�سوء الأمم، املقد 31

كتاب: �سروح يف العقيدة، اآذار، 1958، مقال: اجلموع واملجتمع ل�سعاده، �س 171. 32


125

رو�سو واأولوية املجتمع على الفرد

قد يكون رو�سو الوحيد، واإن مل يكن الوحيد، قد يكون الأقدر من بني املفكرين الغربيني الذي اأعلن بو�سوح وقوة اأولوية املجتمع على الفرد.

وجان جاك رو�سو )J.J. Rousseau( كان اأحد املفكرين ال�ستة الذين كتبوا يف العقود الجتماعية ون�سوء الدولة وفقا لها وهم: هوب�س )Hobbes(، لوك )Locke(، هيربما�س )Habermas(، كنت، رولز )Rawls( ورو�سو املعجب باأفالطون يظنون اأن كتابه: اجلمهورية هو كتاب �سيا�سي، يف حني اأف�سل ال�سوؤال عن فاإن لذا، العامة. الرتبية رو�سو هي وال�سيا�سة، عند الرتبية.33 اأنه كان حول

احلكومات املمكنة، اختزله رو�سو مبا ياأتي: »اأي نوع من احلكومة... ي�سكل اأف�سل �سعب؟«.34وقال مما قال: »اإخلق مواطنني تذهب ال�سعوبات جميعها«.35 واعتقد رو�سو اأن »الفرد الفا�سل هو

الذي يجعل حاجاته يف خدمة الآخرين«.36ال�سالم، مثل احلديثة ال�سيا�سية املوؤ�س�سات اأف�سل تقدمها التي للخدمات قيمة »اأي ي�ساأل: اخلا�سة امللكية وحماية العبودية على الق�ساء والعلوم، الآداب ازدهار القانون، تطبيق الأمن،

وحماية حرية التعبري والعتقاد، عندما تعمل على ت�سويهي؟«.لذلك، طلب رو�سو، يف عقده الجتماعي، من الفرد اأن يتخلى كليا عن حقوقه للمجتمع الذي

�سيقوم لهدف حتقيق حريته ال�سيا�سية – الأخالقية وكرامته الإن�سانية.الأملان فال�سعراء الثامن ع�سر. القرن اأملانيا لرو�سو كان يف الأعظم التاأثري اأن اإىل الإ�سارة وجتدر مثل غوته )Goethe(، و�سلر )Schiller( وهولدرلن )Holderlin(، والفال�سفة الأملان مثل كنت

)Kant(، فخته )Fichte( وهيجل )Hegel( كانوا يعتربون اأنف�سهم من تالمذته.نخل�س من كالمنا على رو�سو اإىل اأنه كان يعترب املجتمع ذا اأولوية على الفرد، واأن م�سلحة املجتمع ب فكر اأنطون �سعاده من فكر رو�سو به كثريا من فكر اأنطون �سعاده، اأو يقر فوق كل م�سلحة، مما يقر

كثريا.

33 Rousseau, Emile, 4: 250; 40.34 Rousseau, Confessions, 1: 404-405; 417-418.35 Rousseau, Discourse on Political Economy, 3: 254,259, 218,222. 36 Rousseau, Dialogues, 1: 823-824.

126

الف�سل الثاين

فيليا )Philia( اأو املحبة

عند الرواقيني وعلى راأ�سهم معلمهم زينون الرواقي وجدت نظرة جديدة اإىل الإن�سان. فالفكرتان املفيدتان هو، جوهريا، باأنه حيوان �سيا�سي اأو اجتماعي مديني واملدينة حمل القيم كلها فكرتان مل يعد ممكنا الدفاع عنهما. والواقع هو اأن عقلية القدماء كلها تبدلت جذريا لدرجة اأننا مل نعد نقع

على اهتماماتهم، وم�سائلهم وعلى اأي حل من حلولهم الأ�سا�سية.الكوزموبول�س فكرة الرواقيون و�سع املحدود، املحلي مبعناها )Polis( املدينة من فبدل )Cosmopolis( اأي املدينة الكونية، وحمل اجلزئي و�سعوا الكلي، والروابط الإن�سانية التي كانت اأفالطون عليها اأكدن التي والعدالة العقل. هي واحدة رابطة اإىل اختزلت اأر�سطو، عند تعددية

حلت حملها املحبة.والآن ن�ساأل ماذا تعني فكرة الكوزموبول�س؟ وجنيب بالقول، اإن هذه الفكرة ل ميكن فهمها من منظور الوقائع املاثلة، واإمنا من منظور القيم. عندئذ، �سنجد اأن الكوزموبول�س مثل اأعلى اأخالقي.

ـ فيليا )Philia( وفهم ل اأر�سطو هذا التاأويل مهم جدا، لأنه ي�سهم يف فهمنا لفرق كبري بني فهم الرواقيني لها. ففيليا عند اأر�سطو بدت مفهوما �سو�سيولوجيا، اأي حقيقة ولي�س بف�سيلة اأخالقية.

فيليا عند الرواقيني ف�سيلة اأخالقية.وكون فيليا قيمة اأخالقية هي نظام من الواجبات.37 وكون الب�سر مواطنني يف مدينة كونية واحدة الكوين العقل اإىل ينتمون اإخوة، جميعهم، وهم، عقالء جميعهم، فهم، مت�ساوية، فقيمهم العاقل »الإن�سان زينون قال وقد الآخر. واحدهم يحبوا اأن الأخوة لذا، يجب على ال�سامل.38 احلكيم �سوف يحب«. وقال مارك�س اأوريليو�س )Marcus Aurelius(: »ل اأ�ستطيع اأن اأغ�سب على �سقيقي اأو اأ�سخر منه، لأننا خلقنا لنعمل معا، مثل يدي الإن�سان، قدميه اأو جفني عينيه اأو مثل �سفي

اأ�سنانه العايل وال�سفلي. فاإعاقة واحدهما الآخر م�سادة لقانون الطبيعة«.39

37 Marcus Aurelius, Meditations, Trans. By Maxwell Staniforth (Baltimore, Maryland: Penguin Books, 1967, BK. VII, par. 55.

.BK IV, par. 4, BK II, par. 16 ،املصدر السابق 3839 Marcus Aurelius, BK. II, par. 1.


127

هذا احلب الكوين متحرر من كل قيود عن�سرية، اقت�سادية اأو حملية. فالب�سر، جميعهم، مت�ساوون، ماركو�س عند اتنخذ الذي احلد اإىل و�سخي نبيل توحيدي، احلب هذا مثل مطلق. وب�سكل

اأوريليو�س )الإمرباطور( �سورة ال�سالة.40ما والتي الأخرية، الغاية هي )فيليا( املحبة اأن اعتقد اأوريليو�س ماركو�س اإن نقول، وباخت�سار

بعدها غاية، للمخلوقات، لأن »الوجود« معناه الوجود من اأجل غاية،41 والوجود هو احلب.اأوريليو�س الزينوين الرواقي، والذي منح ذلكم ما قال وما اعتقد الإمرباطور الروماين ماركو�س

حقوق املواطنية جلميع اأفراد الإمرباطورية الرومانية يف زمانه تطبيقا لذلك العتقاد.اأما الرواقي الآخر الكبري فكان العبد اإبيكتيت�س )Epictetus( الذي مل يقل كالمه عن اأن تعريف الإن�سان هو اأن يكون ع�سوا يف جمتمع العامل كله. قال مما قال: »اإذ ما هو الإن�سان؟ هو جزء من دولة، من دولة اأوىل موؤلفة من الآلهة والب�سر، ثم من تلك التي تدعى تالية لها، والتي هي �سور

م�سغرة عن الدولة الكونية ال�ساملة«.42اأما مفهوم الع�سوية يف املجتمع فقد فهمه اإبيكتيت�س باأنه ل يقت�سر على العمل الجتماعي، واإمنا

ي�سمل املعاناة، اأي�سا، من اأجل املجتمع الإن�ساين، قال، مما قال:�س للخطر، ومرة »من اأجل الكل، عليك، مرة، اأن تكون مري�سا، وحينا اآخر اأن تكون ت�سافر وتتعرن

اأن تقع يف عوز، وحينا اأن متوت قبل الأوان«.43لذا نقول، اإن مبداأ الكل من اأجل الكل هو املبداأ الأخالقي الرواقي. وعندما يقول اإبيكتيت�س اأن على الإن�سان اأن يعاين اآلما اأو ي�ست�سهد، قبل انق�ساء عمره من اأجل الكل، فاإن ما كان يدور يف خلده هو الرغبة يف التاأكيد على املعنى والأهمية الأخالقيتني خلدمة الكل. واحلق، اإنه، عندما لأن حمتاجا يعود ل املجتمع فاإن اخلري، ذلك بروح ويعمل اآخر اإن�سان كل اإن�سان كل يحب يعاين اأي واحد من اأع�سائه �سيئا. فاملعاناة تتوقف، وي�سري املجتمع، تبعا لذلك، �سورة اأر�سية عن

44.)Zeus( الفردو�س، اأو كما قال الرواقيون: مدينة زو�سوبالعودة اإىل التاأكيد على املجتمع الكوين واجتماعية الإن�سان نقراأ ما ياأتي عند اإبيكتيت�س : »األ اإذا لت عن اجل�سم، كذلك اأنت ل تعود اإن�سانا تعرف، اأنه، كما اأن القدم ل تعود قدما، اإذا ف�س

ف�سلت عن الب�سر الآخرين«.45.BK IV, par. 23 ،املصدر السابق 40.BK. IX, par. 9, BK. XII, par. 30, BK VII, par. 55 ،املصدر السابق 4142 Epictetus, Discourses, Trans. by George Long (New York, D. Appleton and Co., 1990, BK II, ch. 5 p. 106.

امل�سدر ال�سابق برمته. 43

زو�س )Zeus( يف ذلك الزمان عنت ا�سم رئي�س الآلهة القدمية عند اليونانيني. 4445 Epictetus, Discourses, BKII, ch. 5, par. 106.

ف نف�س الت�سبيه. وتذكر الإ�سارة اإىل اأن الإمرباطور ماركو�س اأوريليو�س وظن

128

ونقراأ ما ياأتي عند ماركو�س اأوريليو�س: الإن�سان املنعزل هو مثل غ�سن مقطوع من �سجرة، ميت.46واعتقد ماركو�س اأوريليو�س اأن اللطف هو غاية ال�سلوك الإن�ساين. فعلى الإن�سان اأن يكون لطيفا وعونا حتى حلظاته. وهذا الواجب الأخالقي يجب اأن يوؤدى من دون توقع م�سلحة، قال، وباحلرف

الواحد:»هل تطلب العني تعوي�سا لروؤيتها، اأو القدم مل�سيها؟... كذلك الإن�سان خلق ليكون لطيفا...«.47

نكتفي بهذا املقدار من الكالم على مفهوم املحبة )فيليا( عند زينون الرواقي واأتباعه م�سيفني، فقط، املالحظات الآتية:

اأنطون �سعاده، وحده، من بني كتاب ومفكري بالدنا هو الذي اأ�سار اإىل، بل ذكر، بل اأكد على القومي ال�سوري حلزبه ال�سابع املبداأ �سرح يف ذكره اأنه حتى زينون فكر على الطالع اأهمية ياأتي: »ت�ستمد النه�سة ال�سورية القومية الجتماعية روحها من الجتماعي الذي ن�س على ما

مواهب الأمة ال�سورية وتاريخها الثقايف ال�سيا�سي القومي«.48نذكر اأن كتاب تاريخ الفكر الغربي، من اليونان القدمية اإىل القرن الع�سرين ملوؤلفيه غنار �سكريبك وهي: الآتية، املفيدة احلقيقة على ا�ستمل )Nils Gilje( غيلجي ونلز )Gunnar Skirbekk(ال�ساحقة من كبار املفكرين والفال�سفة الأوروبيني كانوا زينونيني رواقيني، ومل ي�ستثن الأكرثية

مونت�سكيو نف�سه وفال�سفة العقود الجتماعية.49ر رفقاءنا واأبناءهم يف الوطن ويف املغرتبات ممن ل يجيد اللغة العربية، ونب�سر اأفراد كما نود اأن نب�س�سعبنا كله، من جميع الأعمار الرا�سدة ممن ل يتقنون اللغة العربية ل�سبب من الأ�سباب اأننا اأ�سفنا ملحقا لهذا الكتاب خمت�سا فقط باملفهوم الرواقي للحجة )فيليا( يكون باللغة الإنكليزية ويحمل

50.The Stoic Conception of Philia :العنوان الآتي

46 Marcus Aurelius, Meditations, BK. XI, par. 8..BK. IX, par. 42 ،املصدر السابق 47

اأنطون �سعاده، تعاليم ود�ستور احلزب ال�سوري القومي الجتماعي، املبداأ ال�سابع، �س 51. 48

غنار �سكريبك، نلز غيجلي، تاريخ الفكر الغربي، من اليونان القدمية اإىل القرن الع�سرين، ترجمة د. حيدر حاج 49

الكتاب �سدر اأن الإ�سارة 2012. وجتدر ني�سان، الأوىل، الطبعة العربية للرتجمة، بريوت، املنظمة اإ�سماعيل، باللغة الإنكليزية يف عام 2001.

جتدر الإ�سارة اإىل اأن هذا امللحق هو، يف حقيقته، الف�سالن الثالث والرابع من اأطروحتي التي قدمتها لنوال درجة 50

ماج�ستري )M.A( يف الفل�سفة من اجلامعة الأمريكية يف بريوت يف �سهر اآب، عام 1972، ونلتها. اأما عنوان الأطروحة فهو The Concept of Philia in Aristotle and the Stoics اأي مفهوم املحبة عند اأر�سطو وعند الرواقيني.

وجتدر املالحظة اأن الذي كان له الف�سل، ول �سواه، يف تعريفي على الفيل�سوف زينون الرواقي واأهميته هو زعيم احلزب ال�سوري القومي الجتماعي اأنطون �سعاده، من خالل كتاباته.

ارةعم

129

البعد االجتماعي لتكون املدينة؛ جبيل مثاال 1اإميل عكرا - رئي�س احتاد املعماريني العرب

-I-

يف البدء كانت املدينة؛ ذلك اأن بدء احل�سارة ن�ساأ فيها، فقبل جتمعه يف املدينة و احتاده مع اأترابه فيها تقدمت معارف الإن�سان ببطء كبري امتد ع�سرات الآلف من ال�سنني؛ جتاربه كانت فردية بع�س من اأو الكبرية العائلة من موؤلفة �سغرية �سمن جماعات الأحيان بع�س وجماعية غالبا ن�سوء حالة تاأ�س�ست اجلماعية التجارب هذه وعلى بامل�سلحة؛ اأو بالقربى املرتبطة العائالت التجمعات الكربى الأوىل، فتاأ�س�ست القرى املتكلة على ن�ساط اقت�سادي واحد كالزراعة مثال اأو �سيد الأ�سماك؛ و ما اأمنته هذه التجمعات الأوىل البدائية من اأمن و من اكتفاء معي�سي ن�سبي �سكل احلافز الأ�سا�سي لتحولها اإىل متحدات ريفية بدئية، تعقدت خاللها العالقات و ت�سعبت واغتنت واجتهت بفعل التطور نحو اإر�ساء قواعد املتحدات املدينية البدئية فكانت اأور Our و اأوروك Ourouk و ماري Mari و جبيل Gbayl و عدد من امل�ستوطنات الب�سرية الكبرية التي حتولت اإىل

ت�سكلها على اأثر و اإن�سان معني لأر�س معينة، تاريخ احتالل بت�سكلها، مدن و حوا�سر كتبت، �سخ�سية هذا الإن�سان الذي ابتدعها، فطورته و طورها، و ل تزال هذه املعادلة بالجتاهني متحكمة

لة يف الب�سر. بحالة املجتمعات املعا�سرة، فهي حالة ع�سوية بنيوية متاأ�سالجتماع اإذن هو يف اأ�سل تطور اأي ظاهرة من ظواهر احل�سارة و بالأخ�س ن�سوء املدن و تكونها وتطورها. و من مفاعيل هذا الجتماع املهمة توزع املهام و ن�سوء الخت�سا�س و تنوع املهن و بالتايل بروز تراتبية معينة حتدد مقام كل فرد يف اجلماعة. و ما طال الأمر حتى تاأكدت الفروقات التي ظهرت يف املجتمع القروي، فالتزم املحارب الدفاع عن املدينة و �سيطر على اأهلها بقوة ال�سالح، الدين، برهبة ف�سيطر عليهم الإله و النا�س و�ساطته بني ال�ساحر، الذي ورث الكاهن، اأكمل و ومع الزمن تكد�ست القوة القت�سادية باأيدي قلة منهم، فتحكم راأ�س املال مبعي�سة النا�س و برزت

األقيت هذه املحا�سرة �سمن موؤمتر »العمارة و امل�سهد، قراءة مدينة« يف دم�سق يومي 17 و 18 ت�سرين الثاين 2008. 1

130

قوانني النا�س و جمتمعاتهم. و يف غياب الر�ساميل يف م�سري اأ�سحاب فتحكم الثالثة ال�سيطرة بني الطاغية الفروقات برزت عادلة، اإن�سانية وجهة الب�سري من ناظمة لالجتماع واأنظمة حكم الب�سر فطغت على ت�سكل العمارة و بالتايل على ت�سكل املدينة... و باختزال �سديد ن�ستطيع القول اإنه اإذا كانت التح�سينات العامة، اأي الأ�سوار املحيطة باملدينة و القالع اأو احل�سون املنت�سرة يف جمالها احليوي هي �ساأن عام ومن طبيعة الأمور و تدخل �سمن منظور حقوق املواطن وواجباته، اأنها تعبري عن اأطرافها ل تدخل �سمن هذه ال�سرورات، اأو يف فاإن قلعة احلاكم يف قلب املدينة �سطوته على �سكانها و جت�سيد ل�سيطرته عليها اأول وقبل فعل الدفاع عنها و الت�سدي للمعتدي بفعل وحتولت اآلهتهم، فيها يعبدوا للنا�س حتى مبنية العبادة ودور الهياكل كانت واإذا عليها. ذلك اإىل اأماكن مقد�سة عامة، هي من ال�ساأن العام و�سرورة له، فاإن ق�سور كبار الكهنة و اأمراء املعابد لي�ست من ال�ساأن العام ب�سيء، فهي من�ساأة حل�سر العالقة فيما بني النا�س والإله بالو�سيط ويفعله يقوله مبا الإلهية الإرادة وح�سر النا�س جتاه الإله عن نائبا اعتباره و الكاهن ال�ساحر- وح�س النا�س على الطاعة العمياء له. و اإذا كانت اإدارة املال احلكيمة وعدم التبذير �سفة حميدة اجتماعية اآفة هو املال راأ�س وتكدي�س الحتكار فاإن العام، ولل�سالح اخلا�س لل�سالح ومفيدة بتقدير له عالقة مبا ب�سطط كبري خا�سة ي�سمح الظامل الفعل اأن هذا واأخالقية، ذلك و�سيا�سية ة املنتج بج�سده والفاعل ة امل�ساهمني يف اإنتاج ما، اإذ لي�س من العدل مبكان اأن تكون ح�س ح�س

ل هذا الإنتاج والذي اأداره. ة الذي مون بفكره اأقل من ح�س

-II-

- مهما يكن من اأمر، و ملا كنت هنا يف معر�س تقدير ما نتج عن هذه احلال و لي�س تقييمه، فاإنني اأنطلق من هذا الواقع و اأ�ستعر�س نتائجه يف مدينة جبيل، املدينة التي اأنا منها، ذلك اأن عمرها كبري جدا و مر تاريخها مبراحل عدة تركت ب�سمات قوية على املوقع واأثرا وا�سحا يف تكونها و يف اإىل م�ساف املدن، تطورها. نبداأ من املرحلة الأوىل حيث ارتقت قرية �سيادي ال�سمك الكبرية وكان ذلك اأواخر الألف الرابع قبل امليالد. فبدءا من 3200 ق.م. ارت�سمت ال�سوارع و تثبتت، ز الكبري املحيط بـ »بري امللوك«، وبداأت اأعمال تاأهيل هذا و جتمعت الأحياء حولها و حول احلياملحيطة ال�ساحة الأدراج التي حت�سنه وو�سلت احلفرة الداعمة جلوانب ف�سيدت اجلدران النبع التي املعابد �ساحة م�ستوى من اأدنى اأمتار ع�سرة حوايل على الواقعة النبع مياه جتميع بربكة حتتل و�سط املدينة. ويف الوقت ذاته بنيت املعابد بطريقة اأمنت و اأ�سلم من ال�سابق، كرب حجمها و زات الثالثة: الباحة الأوىل وهي للعامة، الباحة الثانية وهي ح م�سطحها وثبت على مبداأ احلي تو�سللم�سطفني، والباحة الثالثة وهي قد�س الأقدا�س ل يدخلها اإل الطاهرون و الرا�سخون يف العلم اأي الكهنة و بع�س العرافني. اأما ق�سر امللك املوجود عادة مبعية املعبد الأ�سا�سي وعلى م�ستوى

عمارة

131

نة من احلجر اأدنى منه ولو بقليل، يرتبع هنا على التلة ال�سخرية الأعلى يف املدينة، وهي تلة مكونالرملي Grès dunaire املنت�سر على غالبية ال�ساطىء ال�سرقي للمتو�سط، ا�ستعملت لفرتة �سابقة ا�ستعملها القلع اأعمال التي نتجت عن الفجوات اأن املادة، و يبدو من املكت�سفات لهذه مقلعا الق�سر هذا من املتبقي البناء نوعية من و عليها؛ الق�سر اأجنحة �سادوا و له اأقبية الق�سر بناوؤو م�سقولة و احلجم فاحلجارة كبرية البناوؤون، اأولئك بها متتع التي العالية التقنية ا�ستنتاج ميكننا القطع تقنيات اإىل اإ�سافة متلكهم علم اجليومرتيا اإىل ت�سري بدقة كبرية بع�سها وتلتحم مع بعناية والر�سف. املهم يف املو�سوع هو مكان ق�سر احلكم هذا وم�ستوى املكان الطبيعي الذي �سيد عليه؛ اإنه اأعلى مكان يف املدينة، ي�سرف من اجلهة ال�سمالية الغربية على امليناء حو�سا ومدخال و م�سلكا، التجارة اأمكنة وجتمع جتمعها التي الكبرية ال�ساحة و الهياكل على ي�سرف ال�سرق جهة ومن ن اأي�سا وحم�سن والتبادل، وي�سرف على مدخل املدينة الأ�سا�سي الوحيد، وهو من جهة ال�سرق اأحياء املدينة و على اإ�سراف املوقع على كامل اأ�سفنا اإىل هذه ال�سفات ب�سكل ا�ستثنائي؛ واإذا جممل اأ�سوارها و اأحاطته التامة بالأفق البحري من اأق�سى اجلنوب اإىل اأق�سى ال�سمال، تو�سح لنا مدى اأهمية ال�سلطة ال�سيا�سية احلاكمة يف هذه املدينة الكنعانية الكربى يف املرحلة املمتدة من اأوا�سط الألف الثالث حتى اأوا�سط الألف الثاين قبل امليالد. ل �سك يف اأن الرتاتبية الجتماعية للنا�س من جهة و مفاهيمهم الإميانية و ال�سيا�سية و القت�سادية من جهة اأخرى هي التي اأملت هذا التكوين املعماري و العمراين للمدينة. فاإذا ا�ستعدنا، باخت�سار �سديد، الرتاتبية املكانية للن�سيج العمراين املديني للموقع يف تلك احلقبة من الألف الثالث قبل امليالد، راأينا اأن ق�سر احلكم يقع على اأعلى تلة )�سخرية( ترتفع عن �سطح البحر حوايل خم�سة وع�سرين مرتا، وعلى مقربة منه �سرقا، و على م�ستوى اأدنى بحوايل مرتين و ن�سف يقع املعبد الأ�سا�سي، و هو لبعلة جبيل الإلهة الأم �سفيعة املدينة، و يف نف�س الجتاه و على م�ستوى اأدنى بحوايل املرتين و ن�سف اأي�سا يقع معبد فهو من هامة، رمزية »ر�سف« يرتدي مكان معبد املدينة. و حامي اإله احلرب »Rechef »ر�سف ن، يف�سله عنه �ساحة وا�سعة ت�ستقبل الوافدين، جتارا ناحية ال�سرق يواجه مدخل املدينة املح�سناجا، لفتا بذلك انتباههم اإىل اأنن ا�ستعداد اأهل املدينة للتبادل و للتجارة كانوا اأم �سناعيني اأم حجنو لل�سالم ل يوازيه ت�سميما �سوى ا�ستعدادهم للحرب و للدفاع عن اأنف�سهم؛ اأما من ناحية الغرب ح مائي مثلث الأ�سالع ي�سكل �سلعه الثالث من جهة فهو يواجه معبد البعلة، يف�سله عنه م�سطنال�سمال مبنى غام�س الوظيفة، مع الظن الطاغي باأنها دينية الطابع، فتكتمل بذلك وحدة املكان ر قد�سية احلياة الدينية و الرمزية املوؤلفة من ثالثة اأبنية للعبادة ي�سل بينها مثلث مائي مقد�س يظهو نوامي�سها. زاوية املثلث اجلنوبية تتجه نحو »بري امللوك« اأي نبع املدينة و م�سدر احلياة فيها، و زاويته ال�سمالية تتجه نحو احلي ال�سمايل املهم املت�سل بامليناء ال�سمايل من خالل �سارع حممي بالأ�سوار على برا املدينة اإىل للقادم امل�سهد ى يتبدن مبينائها. املدينة ن ي�سل ج و حم�سن و مت�سل مبمر مدرنن، اأ�سوار عالية يخرقها من اجلهة ال�سمالية ال�سرقية مدخل واحد مقبي وحم�سن ال�سكل التايل:

132

يتم الو�سول اإليه �سعودا و بتدرج، و الدخول فيه برهبة مترحلها بوابات �سبع ل تزال عتباتها بادية للعيان، و الولوج منه اإىل الداخل من خالل منحدر متدرج ي�سل اإىل ال�ساحة العامة حيث يتتاىل غربا اأمام ناظريه معبد »ر�سف« اإله احلرب ومن ثمن معبد البعلة الإلهة الأم على م�سطبة اأعلى ومن ال�سكنية الأحياء متتد ي�سارا، و ميينا اجلهتني، ومن الكل. ج يتو احلكم مركز امللكي الق�سر ثمن يتخللها بع�س املتاجر و املحرتفات و املخازن، يخرقها ارتفاعا و حجما بع�س بيوت الأغنياء مثل ى »املقر الكبري، La grande résidence« و املوجود يف غرب احلي اجلنوبي، وهو مبنى ذلك امل�سمنمربعا تقريبا بطول خم�سة و ثالثني مرتا و عر�س اإثنني و ثالثني اأي مب�ساحة األف مرت مربع تقريبا؛ ومن املفيد، يف اإطار مو�سوعنا، مقارنته مبنزل من منازل العامة املنت�سرة يف احلي ال�سمايل و التي ترتاوح م�ساحتها بني اخلم�سني واملائة مرتا مربعا. يبقى اأن اأ�سري اإىل اأنن �سوارع هذا الن�سيج املديني قة جدا ل يتعدى عر�س بع�سها يف اأماكن عدة مرتا و ن�سف املرت، فيما ترتفع عتبات املداخل �سيل ب�سرعة ب�سكل وا�سح عن م�ستوى ال�سارع ب�سبب اأمطار ال�ستاء الغزيرة، ذلك اأن ال�سوارع تتحونالألف اأوا�سط ال�ستاء. مياه لت�سريف منها بع�س وجود جمارير يف رغم ق�سرية ملدة �سواق اإىل الأول قبل امليالد طراأ تغيري على ن�سيج املدينة املبني، نتيجة �سيطرة الفر�س على كامل مدن ودول الهالل اخل�سيب، ف�ساد الطرز الفار�سي على البناء و خا�سة العام منه، وما بقي من هذه املرحلة يتمثل بالقلعة التي ت�سم �سالة كبرية للعر�س »Apadana« و بع�س قواعد الأعمدة. و ي�سكل موقع هذه القلعة- الق�سر دللة مهمة على تغيري يف مفهوم عالقة ال�سلطة بال�سعب، ذلك اأنها مبنية على الق�سم ال�سرقي من ال�سور كما هي العادة يف مدن وادي الرافدين و يف مدن فار�س. هناك اأ�س�ست املدن القوية اأمرباطوريات يقت�سي بروزها مركزية �سارمة للحكم، و هنا بقيت املدن دول �سغرية

�سعيفة لها جمال�س �سعب منتخبة ت�ساعد امللك يف اإدارة �سوؤون احلكم. بعد هذا العر�س ال�سريع، و الذي وجدت نف�سي م�سطرا له بداعي التبيان احل�سي، و برغم اختزاله جوانب عديدة من حالة العمران يف جبيل تلك املرحلة، ن�ستطيع، و دون مغامرة كبرية، الو�سول

اإىل ا�ستنتاجات ن�سوق بع�سها فيما يلي:

-III-

دت مهامها من جهة و اأماكن �سكناها من جهة اأخرى. لقد انفرزت طبقات املجتمع بو�سوح، و حتدنحت و ظهرت الفروقات الجتماعية فيما بني احلكام وال�سعب، وفيما بينه و بني الكهنة، و تو�سوبرزت، التجار، وبني هوؤلء بني فيما و العمال و املهنيني بني فيما الفروقات نف�سه ال�سعب يف اأمارها، و يظهر ذلك وا�سحا من و املراكب اأ�سحاب البحارة مة على كل من �سبق، طبقة متقدمة اإىل املعابد على �سكل نذورات و »ex-voto« اأي خالل املرا�سي واليواطر املحفورة بتاأن و املقدنقائمقامني. و انر�سم كل ذلك يف العمارة اأول، فمواد بناء بيوت العامة يف احلي ال�سمايل هي من

عمارة

133

ف على هواها بوا�سطة حلول من الطني الكل�سي، و تورنق لحقا بنف�س املواد احلجارة امللمومة تر�سوتطلى ب�سائل من املاء والكل�س وامللح ي�ساف اإليه يف بع�س الأحيان قليل من الزيت الذي يقوي لزاجته و الت�ساقه على اجلدران. اأما مواد بناء الق�سر امللكي فهي من احلجر املقطوع و امل�سقول ر �سخ�سية كل واملر�سوف بوا�سطة الطني الكل�سي بحيث تتماهى حلول الر�سف الرقيقة، فتظهفاإنن العاديني، النا�س بيوت �سقف كافية حلمل ال�سبعة الأعمدة كانت اإذا و على حدة. حجر »املقر الكبري«. مبائة و ع�سرين جذع �سجرة كانت �سرورية حلمل �سقف ر غابة من الأعمدة تقدنلقد �سكلت هذه العمارة و ذلك الرتتيب، امل�سار اإليه �سابقا، مدينة ذلك الزمن، فظهرت كدائرة نة تعتلي مرتفعا يطل على البحر و على مينائها و ي�سرف على ال�سهول املحيطة، يحتل نبع حم�سنالتجارة و التبادل �ساحة تقوم و العبادة هياكل و احلكم ق�سر و�سطها ينت�سر يف و مركزها املاء ع الأحياء حول الو�سط و �سمن الأ�سوار مع متييز للحي الغربي بال�ستقبال عند مدخلها و تتوزنوجلزء من احلي اجلنوبي حيث تنت�سر بيوت الطبقة املقتدرة... ول بد هنا من الإ�سارة اإىل اأنن موقع ة ت�ساهم يف امل�سهد العمراين اجلبيلي احلا�سرة الكنعانية ي�سكل و بقاياها الكثرية وحدة مرتا�ساأن ال�سور ال�سمايل اإذ كما هي، اأي متحفا يف الهواء الطلق ل يتم العي�س فيه اليوم بل بجانبه، للمدينة الكنعانية �سكل اأ�سا�سا لبناء ال�سور اجلنوبي للمدينة القرو�سطية امل�سكونة دوما و التي متتد يف املنخف�س الطبيعي �سمايل املدينة الكنعانية. و قبل الكالم عن املدينة القرو�سطية امل�سكونة دون انقطاع منذ ت�سكلها، ل بد من ا�ستعرا�س �سريع للمراحل الفا�سلة فيما بني املرحلتني ال�سابقتي

الذكر.

-IV-

و املوقع نف�س على الكنعانية للمرحلة طبيعيا توا�سال الكال�سيكية الفينيقية املرحلة تعترب بنف�س الروح، و يعترب منت�سف القرن الرابع قبل امليالد، اأي مع الفتح الهليني بقيادة الإ�سكندر املفاهيم اأخذت بع�س الهلين�ستية، حيث انتهاء تلك املرحلة و بدء املرحلة تاريخ املكدوين، هو و العمارة. و املديني الرتتيب راأ�سها على و العامة احلياة �سوؤون على تهيمن اليونانية الطرز و مع الفتح الروماين اأوا�سط القرن الأول قبل امليالد تكر�ست هذه احلالة و اأ�سبحت مدننا، و لو باألوانها اخلا�سة، تت�سابه مع غالبية مدن حو�س البحر املتو�سط. اأما يف جبيل، فما تبقى من هذه املرحلة لي�س بالكثري، لكن تاأثريه على امل�سهد العمراين لي�س قليال، و يظهر ذلك يف الأمكنة التي تتطابق فيها اأم تتوازى تخطيطات ال�ساحات و ال�سوارع و الطرقات الالحقة مع تلك التي من تلك ل و قلب املدينة احلقبة؛ و املثال الراهن على هذا الأمر بائن بفعل توازي الو�سلتني فيما بني املبدد و هو الـ »Cardo« املتجه نحو ال�سمال ال�سرقي؛ اأما ال�سارع املتقاطع مع ال�سارع الروماين املعمنبزاوية قائمة مع هذا الأخري و هو الـ »Decumanus« و املتجه نحو ال�سمال الغربي، فهو يحدد اجتاه

134

ن�ستطيع اأمتار قليلة و مبوازاته. و الرئي�سي احلايل يف املدينة املعا�سرة املوجود �سرقه على ال�سارع القول اإن ال�سارع الأ�سا�سي الأول، اأي املتجه نحو ال�سمال ال�سرقي الـ »Cardo« و املنطلق من »�ساحة احلوريات »Place du Nymphée« املوجودة قرب الربج ال�سمايل ال�سرقي للقلعة ال�سليبية، ي�ساهم بجزء كبري منه بر�سم امل�سهد العمراين للمدينة املعا�سرة، ذلك اأن هذا اجلزء املمتد من ل الطريق ال�سريع املعا�سر، يحتفظ التقاطع ال�سرحي »Tetrapile« املن العهد الروماين نحو مبدبة على قواعدها الرخامية البي�ساء، معتمرة بعدد من اأعمدته اجلرانيتية الأ�سوانية الداكنة املنت�ستيجانها الكورنتية الرخامية البي�ساء؛ كما و اأن م�ساحة من الر�سف احلجري ال�سخم ل زالت يف مكانها على اأر�س ال�سارع و عالمات عجالت عربات اخليل حافرة فيها اأخاديد تنبىء عن عمر خدمتها. جمموعة اأخرى من هذه الأعمدة موجودة على التلة ال�سخرية حيث كان الق�سر امللكي د ال�سارع الفخم الذي كان ي�سل »�ساحة احلوريات« بهيكل البعلة املعاد بناوؤه القدمي، و هي حتدح�سب الطراز ال�سائد يومها. عدا عن هذه البقايا الثالث املوؤثرة يف هيكلية املدينة، لي�س هنالك املبعرثة التف�سيلية العنا�سر املعمارية اأخرى من تلك احلقبة �سوى عديد من اآثار يف جبيل من واملعاد ا�ستعمالها يف اأبنية من حقبات لحقة كالقلعة و الأ�سوار و بع�س اأقبية بيوت مدينة القرون اأفاميا، ل ن�ستطيع م، و بغياب بقايا كافية كما هي احلال يف تدمر و يف مما تقدن الو�سطى. انطالقا اجلزم مباهية امل�سهد العمراين جلبيل خالل املرحلة الهلين�ستية و ما تبعها من مرحلة رومانية. لكننا ل وبال�ستناد اإىل ما نعرفه عن حالة العمران يف مناطق ال�سلم الروماين املحيطة باملتو�سط، الذي حتونلقرون عدة من الزمن بحرية رومانية، ن�ستطيع التقدير القريب جدا من الواقع اأنن م�سهد املدينة مل يختلف ع�سويا عن مثيالتها يف املنطقة املذكورة �سوى بتفا�سيل لها عالقة بطبيعة املوقع املكانية من ت�ساري�س و قرب من البحر و ما �سابه. من املرحلة البيزنطية مل يبق عندنا �سوى كني�سة �سيدة البحر الواقعة يف و�سط املدينة القرو�سطية، مطلة على امليناء و مندجمة يف م�سهد عمارة القرون الو�سطى حتى التماهي معها، ذلك اأنه من ال�سعب متييزها عن مثيالتها التي من اخلم�سة اأو ال�ستة قرون الالحقة و التي مل ت�سهد عمارتها تغيريا ملحوظا يف مواد البناء و تقنياته. و حتتفظ املدينة اأي�سا بجزء من اأ�سوار املرحلة العربية الإ�سالمية، و خا�سة من احلقبة الفاطمية التي �سبقت الفتح عمار؛ بني كانت حتت حكم التي طرابل�س اأعمال من كانت جبيل عندما مبا�سرة، ال�سليبي فغالبية الأ�سوار املبنية من احلجر الرملي ال�سغري القطع هي من تلك احلقبة، بينما تعود الأبراج التي تتخللها اإىل املرحلة ال�سليبية حيث مت بناوؤها بنف�س النوع من احلجر اإمنا بقطع كبري، و غالبا ما مت يف هذا البنيان اإعادة ا�ستعمال احلجارة املهيئة �سلفا و املوجودة يف الأبنية ال�سابقة، خا�سة تلك التي من املرحلة الفار�سية املتمثلة ب�سالة العر�س و التح�سينات املحيطة بها؛ و يبدو اأنن الأبنية تلك

�سكلت املقلع اجلاهز للق�سم الأكرب من مواد بناء القلعة ال�سليبية و اأبراج ال�سور حامي املدينة.

عمارة

135

-V-

مركز الآن فهي العامة؛ احلالية املدينة حياة من اأ�سا�سيا جزءا الو�سطى القرون مدينة ت�سكل ا�ستقطاب رئي�سي يف الن�سيج العمراين. و حدود هذه املدينة ل لب�س فيها، فهي منت�سرة �سمن اأ�سوارها ب�سكل م�ستطيل طوله من ال�سرق اإىل الغرب حوايل ثالثماية مرتا و عر�سه من ال�سمال اإىل اجلنوب حوايل مائة و خم�سني مرتا. حتتل القلعة- مركز احلكم الزاوية اجلنوبية ال�سرقية من هذا امل�ستطيل، و ينطلق منها �سلعان من اأ�سوار املدينة، واحد �سوب ال�سمال و هو ال�سلع ال�سرقي و ينتهي عند الربج الكبري الذي ي�سكل احل�سن الأ�سا�سي عند زاوية املدينة ال�سمالية ال�سرقية، يحمي الذي اجلنوبي البحري احل�سن عند ينتهي و اجلنوبي ال�سلع هو و الغرب �سوب وثان الغرب باجتاه الأ�سوار من ثالث �سلع الكبري الزاوية برج من ينطلق اجلنوب. جهة من امليناء وهو ال�سلع ال�سمايل و ينتهي على م�سطح �سخري كا�سر لالأمواج، ي�سكل اأ�سا�سا له، و ينعطف امل�سار ال�سخري امل�سطح على املبني الغربي ال�سلع هو و لالأ�سوار الرابع ال�سلع لي�سكل جنوبا اإذا كان هذا الأخري امليناء من جهة ال�سمال. و اإليه و ينتهي باحل�سن البحري ال�سمايل حامي ل زال منت�سبا على ال�سفة ال�سمالية من مدخل امليناء، فاإنن زميله على ال�سفة اجلنوبية مهدوم �س عليه. مل يبق من ال�سلع حتى املدماك الأول الظاهرة بقاياه ملت�سقة بامل�سطح ال�سخري املوؤ�سنعلى واقفا زال ال�سمايل ل ال�سلع لكنن م�ساره، اأجزاء من املداميك على بع�س �سوى الغربي كامل طوله و يتخلله بويبتان وخم�سة اأبراج، تقع البويبة الأوىل بني الربج الأول و الربج الثاين بالن�سبة الرابع. كذلك الأمر الثالث و الربج الثانية بني الربج البويبة انطالقا من البحر، و تقع لل�سلع ال�سرقي، فهو موجود على كامل م�ساره و يتخلله برج واحد كبري يف و�سطه و بوابة املدينة الأ�سا�سية الوحيدة التي تخرتق ال�سور عند الربع الأول من طوله انطالقا من القلعة و بحمايتها. ال�سلع اجلنوبي اختفى كليا ما عدا اجلزء الأ�سفل من برج يقع عند منت�سفه و ما تبقى من اأ�سا�س احل�سن البحري اجلنوبي امل�سار اإليه �سابقا. من ال�سهل يف هذه احلالة ت�سور الأجزاء املهدومة كاملة و القول اإنه هكذا بدت املدينة من اخلارج خالل القرنني الثاين ع�سر و الثالث ع�سر على الأقل، اأما من الداخل فالعنا�سر الأ�سا�سية التي هيكلتها، بال�ستناد اإىل ما زال باديا، هي التالية: �ساحة القلعة و هي التي ت�ستقبل الداخل من البوابة ال�سرقية الوحيدة للمدينة، و ال�سارع الذي ينطلق منها غربا و مبا�سرة نحو املرفاأ، و ذلك الذي ينطلق منها �سمال باجتاه الربج الكبري، و بعد انعطاف بزاوية قائمة نحو الغرب، ي�سل اإىل املرفاأ اأي�سا، و يتفرع منه �سويقة تخدم البويبة الأوىل املفتوحة املدينة الواقع غرب امليناء ي�سكل ال�سور. مع هذا بالتوازي تلتف اأخرى و ال�سمايل، ال�سور يف نقطة ا�ستقطاب اأ�سا�سية فهو، بالن�سبة للقادم من البحر، البوابة الوحيدة للدخول اإىل املدينة، وهو ال�سرقية للبوابة بالن�سبة احلال هي كما الربية احلروب زمن اخلارجي العامل مع الوحيدة رئتها

136

زمن احلروب البحرية. و ل بد من الإ�سارة هنا اإىل اأن ال�سليبيني مل ي�ستطيعوا احتالل جبيل، رغم مناو�سات و ح�سارات دامت حوايل الع�سر �سنوات، اإل عند حما�سرتها برا و بحرا يف نف�س املنافذ هذه، هنالك عن�سران ل زال ي�سكالن ع�سبا و الطرقات اإىل �سبكة بالإ�سافة الوقت... اأ�سا�سيا يف الن�سيج احلايل و هما كني�سة مار يوحنا ماركو�س، كاتدرائية املدينة �سابقا و تقع يف املركز الهند�سي للمدينة و هي من القرن الثاين ع�سر، و كني�سة �سيدة النجاة اأو �سيدة البحر، و هي من القرن ال�سابع و ت�سرف على امليناء. اإن بع�س املعامل املعمارية املنت�سرة يف اأ�سا�سات بع�س البيوت و اأقبيتها و طوابقها الأر�سية ي�سمح لنا بتقدير تركز بيوت بع�س الطبقة احلاكمة حول املرفاأ و حول كاتدرائية مار يوحنا ماركو�س و قرب برج الزاوية الكبري، اأما اأحياء العامة فت�سكل طوقا متوازيا مع

الأ�سوار و يف ظلها ينحدر مع توبوغرافية الأر�س نحو امليناء. وا�سح اأن التغيري البنيوي الذي طراأ على هيكلية املدينة يعود بالدرجة الأوىل اإىل التغيري الكبري مبركزيها الإ�سالمية الإمرباطورية حالة تقهقر بعد منطقتنا يف العامة الأو�ساع على طراأ الذي الأ�سليني دم�سق و بغداد، و هي الإمرباطورية التي ورثت كثريا من بنى و هيكلية الإمرباطورية �سة الأوىل لعامل حو�س البحر البيزنطية الوريثة امل�سيحية لالإمرباطورية الرومانية التي كانت املوؤ�ساملتو�سط. اإن حالة التقهقر تلك اأعادت حالة املدن ال�سيا�سية و الجتماعية و القت�سادية اإىل حالة م�سابهة لتلك التي كانت عليها يف املرحلة الكنعانية: مدن دويالت �سعيفة متحاربة ا�ستعادت اللجوء اإىل التح�سينات املدينية مع بنية اإقطاعية هرمية �سارمة يلعب �سادتها غالبا دور اأمراء احلرب ل على الو�سع القت�سادي املرتزقة »Condotierri«. لقد ان�سحب الو�سع ال�سيا�سي القلق و املتبدل درامي غر املدينة، اأدت هذه احلالة اإىل تبد و بالتايل على الو�سع الجتماعي العام، و نظرا اإىل �سيف اأو�ساع النا�س املعي�سية و احلياتية، و يف بع�س الأحيان اأدت اإىل تبدلهم هم، فنزح قوم و وفد قوم اآخر، و غالبا ما كانت اأحياء العامة من النا�س هي التي تدفع ثمن التغيريات الكربى، فتحرق و يبنى مكانها ن�سيج اآخر اأو يعاد ترتيبها ل�سالح املقتدرين اجلدد من حماربني و جتار و حرفيني، فيعاد ت�سكل املدينة مبنظورات اأخرى تختلف عن �سابقاتها بالطرز و بتقنيات البناء و ما �سابه من البتكارات اجلديدة، لكنها ل تختلف اإطالقا عنها مبعانيها و بدللتها. ا�ستعادت القلعة دورها و مكانها على ال�سور، و ا�ستعاد الهيكل دوره و مكانه يف مركز املدينة، و كذلك بيوت الأعيان حول هذين املركزين و قرب الأمكنة ال�سرتاتيجية من بوابات الأ�سوار و املوانىء، كما و بقيت منازل العامة منت�سرة يف ظل الأ�سوار حتيط مبراكز ال�سلطة بتوا�سع و بان�سحاق ل يبدله �سوى ارتقاء

مرحلي لبع�س من اأفرادها يتمظهر بعمارة خمتلفة تقلد الغنية و نادرا ما ترتقي اإىل م�ستواها.

عمارة

137

-VI-

اأر�ست املرحلة العثمانية، منذ مطلع القرن ال�ساد�س ع�سر حتى مطلع الع�سرين، حالة من ال�ستقرار الن�سبي اأعادت احلياة املنفتحة اإىل معظم مدن و مناطق الهالل اخل�سيب. و �ساعد تقدم و�سائل احلرب و تقنياتها و فنونها على �سمور اأهمية التح�سينات املدينية )اأي اأ�سوار املدن( مع احتفاظ ها. ظهر بع�س انفتاحها على و ريفها املدن على انفتاح �سهلت هذه احلالة و قد باأهميتها؛ القلعة ذلك جليا يف جبيل، اإذ امتدن ال�سارع التجاري الأ�سا�سي، الوا�سل بني امليناء و �ساحة القلعة، اإىل ل الطريق اخلارجي املوؤدي اإىل بوابة املدينة ال�سرقية اإىل �سارع انتظمت حوله خارج الأ�سوار، فتحونل لت�سه ال�سمايل ال�سور و�سط بوابة كبرية يف فتحت و املهنيني. التجارية و حمرتفات املحالت الت�سال مبدينة طرابل�س، و ن�ساأ، انطالقا منها، حمور مرور يف اجتاه الداخل و اخلارج حتول �سريعا اإىل �سارع جتاري و حريف. و بداأ يف القرن الثامن ع�سر هدم ال�سلع اجلنوبي من الأ�سوار و انفتحت املدينة على التل اجلنوبي، موقع املدينة الكنعانية القدمية املطمورة منذ زمن حتت عدة اأمتار من الردم؛ و على هذا املوقع اجلميل امل�سرف على البحر و على املدينة القرو�سطية ن�ساأ حي بورجوازي، و انت�سرت عليه خالل القرن التا�سع ع�سر حارات التجار و املالكني و ال�سناعيني، و هي البيوت املربعة و املقرمدة ذات الطراز ال�ساحلي املحلي الناجت عن مزج ناجح من ا�ستعمال مواد حملية كاحلجر الرملي امل�سقول و مواد م�ستوردة كالقرميد الأحمر من مر�سيليا، و متن ذلك بوا�سطة تقنيات ى بع�س ال�سرقي للمتو�سط منذ قرون. و يف نف�س املرحلة تعدن ال�ساطىء بناوؤو بها ا�ستهر حملية فتح يف ال�سرقي و ال�سلع البيوت على فبنيت بع�س اأخرى من الأ�سوار، اأجزاء املقتدرين على و�سطه ممر دون بوابة، و الت�سق به من اخلارج �سف من املحال التجارية ارت�سم اأمامها �سارع اأخر، و ا�ستمرن العمران ميتد �سرقا و ب�سكل عفوي حتى طريق طرابل�س- بريوت القدمية التي اأ�سبحت رة. مل متتد املدينة بكثافة خارج ال�سلع ال�سمايل من اأ�سوارها لكنن متر اليوم يف و�سط املدينة املعا�ست هذه من حجارتها امل�سقولة، و هدمت ال�سكان ا�ستعملوا حجارة الأ�سوار لبناء م�ساكنهم، فتعرنتعاطى و بوابة. الكبري دون الزاوية برج ممر �سيق قرب فتح و اأبراجها بع�س العليا من الأجزاء ال�سكان بنف�س الطريقة مع ال�سلع الغربي فهدموه و انفتحوا على البحر تاركني برج املرفاأ ال�سمايل وا اجلزء احلامي للميناء منه ل�سرورة ا�ستعمال هذا الأخري، واقفا ل�ستعماله منارة، لكنهم عادوا و رممنلزوارق �سيادي الأ�سماك الع�سرين، مربطا �سغريا القرن اأ�سبح، مطلع و الزمن الذي تقهقر مع ولندرة من املراكب ال�سغرية احلجم التي مل تكن ت�ستطيع جتاوز مدخله. �سهدت هذه املرحلة اأي�سا اإ�سافة مبنى اأ�سا�سي على الن�سيج املديني، األ و هو امل�سجد املطل على �ساحة القلعة، و هو من القرن ال�سابع ع�سر، كما و ا�ستحدث م�سلى �سغري للبحارة و لل�سيادين على جنب ر�سيف امليناء. اإنن هذا الت�سكل الأخري اأ�س�س للمدينة احلالية، فهي تكملة له، و منوها مت انطالقا من الثوابت التي

138

بداأ الع�سرين القرن الأول من الربع من بدءا �سابقا. املذكورة العنا�سر و املعامل و هي اأر�ساها، التحول احلديث للمدينة، فانت�سرت قواها احلية املنتجة، اأي حرفيوها و جتارها، خارج اأ�سوارها على لت بذلك بها. فتحون الزراعي املحيط ال�سهل اأ�سال موجودين يف املزارعون نطاق وا�سع؛ و كان ، و بداأت تتفرع منه، باجتاه ال�سهل، اأ�سواق �سغرية طريق طرابل�س- بريوت اإىل �سارع جتاري اأ�سا�سيال�سغري اخل�سب الذي ال�سهيل اأي�سا. متن كل ذلك على ح�ساب اأن كربت و تفرعت ما لبثت يف�سل املدينة عن اجلبال، حارما ال�سكان من الرئة اخل�سراء ال�سرورية لبيئته الطبيعية. و اخلطورة اأ�سبح املبني املديني كليا، و الأمر ال�سهيل، فحينما يحتله بالأمر تكمن مبحدودية م�ساحة هذا على و�سك احلدوث، حترم املدينة من هذه الرئة التي ل غنى عنها. اإنن احتالل مدن ال�ساطىء ها و �سمن نطاق جمالها احليوي، و حتويلها اإىل �سوارع، اأدى اللبناين للطرقات التي ت�سلها ببع�ساإن�ساء طريق �سريع العابر للمدن، فكان احلل لل�سري اإىل اختناق املا�سي القرن خالل �ستينيات �ساحلي اآخر، و هو ما ي�سمى بالأوتو�سرتاد احلايل، على ح�ساب ال�سهل ال�ساحلي القليل العر�س م املمتد على طول �ساطئنا. و كانت النتيجة، على م�ستوى املدن ال�ساحلية، اأنن العمران غري املنظن�سوارع اإىل الأماكن بع�س له يف و حون الطريق احتل هذا و نف�سها، الظاهرة ر كرن الهادف غري و جتارية مكتظة األغت اأهدافه؛ اأما يف اأماكن اأخرى، كمدينة جبيل، فقد �سكل هذا الطريق جرحا اليوم املدينة تناغمها. و اأفقدها وحدتها و املدينة �سلع الجتماعي، و املديني الن�سيج يف بليغا ل الوحيد و الآخر هو ج�سر ق�سمان ل يلتقيان اإل من خالل طريقني لل�سيارات اأحدهما هو املبده �ستة اأمتار يقع �سمالها، و ممر اآخر للم�ساة وحيد اأي�سا يقع جنوبها. و ي�ستمر عادي ل يتجاوز عر�سالعمران الفو�سوي بالنت�سار قا�سما ال�سهيل و مت�سلقا اله�ساب امل�سرفة، لكنن بع�سا من القواعد القدمية مل يعد لها اأثر، فال�سلطة املركزية مثال ل تاأبه بامتالك مقر مميز يوؤثر يف املواطنني، و ال�سلطة املحلية عاجزة عن تزويد املدينة باملراكز الثقافية و الجتماعية و الإدارية الالزمة. لكننا جند يف املقابل اأن الهيكليات الدينية تن�سط و تبني الكنائ�س و امل�ساجد و تهتم بالتعليم الديني بدرجات متفاوتة. اأما الهيكليات القت�سادية فمن�سرفة اإىل افتتاح فروع للم�سارف، و اإن�ساء الأبنية ال�سكنية و التجارية للبيع، و بناء منازلها الفخمة على التالل املحيطة باملدينة؛ و يف الوقت الذي ينمو فيه اإىل قد يوؤدي قطاع املطاعم و الفنادق و مراكز ال�ستجمام البحرية، ت�سهد الزراعة تقهقرا كبريا انهيارها يف وقت قريب؛ يبقى اأن ن�سري اإىل اأنن قطاع اخلدمات املهنية العريقة، كاملحاماة و الطب

والهند�سة، ي�سكو من تخمة ت�ستوعبها وقتيا اإمكانات العمل يف اخلليج.

عمارة

139

-VII-

يف اخلال�سة، اأ�ستطيع القول اإنن جمتمعا مفككا اإجتماعيا و بالتايل �سيا�سيا ل ي�ستطيع، و لو انتع�س بالتايل منا�سبا لي�سبح و قويا و متنا�سقا من�سجما مدينيا ن�سيجا يبني اأن اقت�ساديا يف مرحلة ما، التقنيات م�ستوردة اإذا كانت و العادي، النوع من و غالبا املواد م�ستوردة فاإذا كانت و جميال. اأي�سا دون روحها، ذلك اأنن ل�سترياد الأخرية �سروط لي�ست متوافرة عندنا، و اإذا كانت الأهداف الجتماعية من م�ساواة و ت�سامن و تعا�سد مفقودة لأ�سباب عديدة ل جمال لذكرها الآن، و اإذا كانت الأهداف ال�سيا�سية من حرية و ا�ستقالل و منعة و قوة مفقودة هي الأخرى ب�سبب انحطاط جمتمعي خطري متر به الأمة، فاإنن الن�سيج املدينين يبدو كما هو باد يف غالبية مدننا و بلداتنا و قرانا: بنا�سه باملكان و �سة ل عالقة لها املواد املكدن اأ�سكال غريبة عجيبة من ، انت�سار �سطحي �سرطاينر فينا العاطفة و اللذة. لقد ن�سينا اأنن املدن هي التي وبزمانهم، و �سحاري من الباطون امل�سلح ت�سحاملدن ت انحطن فاإذا املعادلة، اإىل هذه النتباه الآن دولنا و على العك�س، لي�س و الدول اأن�سات ت الدول و منها ما زال عن الوجود، لكنن انحطاط الدول ل ي�ستتبع حكما انحطاط و زوال انحطننها من اإن�ساء الدول من جديد. معادلة املدن، فاإنن لدى هذه الأخرية من احليوية و العراقة ما ميكاأخرى ل بد من التذكري بها يف هذا الزمن ال�سعب الذي نعي�س: عندما متر الأمم احلية باأزمنة �سعبة مليئة باملحن، فال خروج لها منها �سوى باملقاومة. اإنن املقاومة هي وحدها الكفيلة با�سرتداد الذات دا يف �سبل العزة و الكرامة و التوازن و احلياة. و اإذا مل يكن اأمامنا من حتديات و النطالق جمدن�سوى التطور ال�سرطاين املذل امل�سيطر على متحداتنا، فال �سبيل لنا للخروج منه و ا�ستعادة ذواتنا

اخلا�سة و ذاتنا العامة �سوى باملقاومة. فنحن بحاجة اإىل عمارة مقاومة يف اإطار عمران مقاوم.

جبيل يف 13 ت�سرين الثاين 2008





ي�سدر قريبا

بية اأد

توال

حت

141

ق�سة جمموعة الفيكونت فيليب دي طرازي ال�سحافية

جنيب البعيني - كاتب و�سحايف

ق�سة جمموعة الفيكونت فيليب دي طرازي ال�سحافية )1865-1956( التي �سرف يف جمعها ما يزيد على خم�سني �سنة متوا�سلة ق�سة ممتعة، هي العداد الوىل التي جمع فيها اأكدا�سا مكد�سة من ال�سحف واملجالت، تعترب ذات قيمة ثمينة بارزة يف ع�سرنا احلا�سر، اإذ لولها ملا كان عندنا معر�س تراثي �سحايف فكري، بالتعاون مع نخبة من اأهل الراأي والفكر يف لبنان. وهو معر�س اأقيم

يف الأ�سواق التجارية يف بريوت منذ فرتة، حتت عنوان: »ال�سحافة اللبنانية يف ن�سف قرن من الزمان«.

معر�س دائم ي�سم الأعداد الأوىل من كل �سحيفة وجملة اأدبية برزت يف وقت �سدورها، وعلى م�سافة عدة اأمتار من بلدية، بريوت املمتازة » يف اأ�سواق بريوت يوؤمه يوميا ع�سرات الزوار وال�سياح.

هذه املجموعة كادت اأن ت�سيع يف زحمة الآف من الكتب التي كان ميلكها الفيكونت فيليب دي طرازي يف حياته. وقد طلب من الدكتور فوؤاد غ�سن اأن يكون و�ساطة خري لبيع جمموعته التي لديه لقاء مبلغ من املال قدره األفا جنيه م�سري. ولهذه الغاية و�سط الدكتور غ�سن اأ�سدقاءه امل�سريني. وكان اأن عر�س هذا الأمر على الدكتور علي با�سا ابراهيم رئي�س اجلامعة امل�سرية، ويعود ذلك اإىل نهاية عام 1945 وبداية العام 1946. وعن ذلك يورد الدكتور فوؤاد غ�سن اأخبار هذه الو�ساطة عرب مرا�سالت ذكرها يف »املذكرات« التي ن�سرها يف كتاب، �سدر عن دار الريحاين للطباعة والن�سر يف بريوت يف �سنة 1967. ومن خالل هذه املرا�سالت يتبني لنا اأن هذه املجموعة كادت اأن تباع لقاء مبلغ من املال قدره األفا جينه م�سري ملجموعة الفيكونت طرازي ال�سحافية. ذهب الدكتور فوؤاد غ�سن اإىل منزل الفيكونت فيليب دي طرازي ليبلغه جواب اجلامعة امل�سرية ب�ساأن بيعها، فوجده نائما يف ال�سرير، وقد بلغ من العمر اإحدى وثمانني �سنة، فعر�س له اجلواب، فما كان من طرازي اإل اأن ه�س وب�س لذلك. بعد اأن قراأ له الكتاب الوارد عن اجلامعة وهو املوافقة على طلبه يف 19

كانون الول �سنة 1945 ور�سالة اأي�سا بتاريخ 17 كانون الثاين يف �سنة 1946.وقد ذكرت اجلرائد يف حينه، ومنها جريدة »بريوت« ل�ساحبها حميي الدين الن�سويل بتاريخ 18

حزيران يف �سينة 1946 حتت عنوان » هل ي�سل اخلالف اإىل الق�ساء؟« ما مفاده:

142

»اإن املفو�سية امل�سرية وجهت تقريرا �سافيا عن عقد البيع الذي يجعل جمموعة الفيكونت طرازي اأن منذ الق�سية له تب�سط اللبنانية اخلارجية وزارة اإىل منازع فيه ينازعها ل لها ملكا ال�سحفية كلفت جامعة فوؤاد الأول املواطن فوؤاد غ�سن ب�سراء هذه املجموعة ال�سحفية باألفي جينه م�سري اأي بثمانية ع�سر الف لرية لبنانية اإىل اأن عاد الفيكونت طرازي عن هذا العقد وباع املجموعة لدار

الكتب الوطنية )كانت قرب الربملان اللبناين( ب�ست وثالثني الف لرية لبنانية«.ويقول املندوب اللبناين: »اإن �سعادة وزير م�سر املفو�س تلقى تعليمات من حكومة لبنان تو�سطه لإنهاء هذا اخلرف وديا قبل اللتجاء اإىل الق�ساء«. وجاء يف عدد جريدة »بريوت« 2548 بتاريخ 21

حزيران �سنة 1946، ما مفاده: »قلنا يف عدد فائت اإن احلكومة امل�سرية كلفت �سعادة وزيرها املفو�س ب�سوريا ولبنان باأن يبذل اجلهد �سعادة كان التي ال�سحف جمموعة اإعادة على اللبنانية احلكومة ليحمل الدبلوما�سية بالطرق الفيكونت دي طرازي قد باعها جلامعة فوؤاد الأول يف القاهرة بو�ساطة املواطن الدكتور فوؤاد غ�سن بالفي جينه اأي ما يعادل ثمانية ع�سر الف لرية لبنانية. وقد قام �سعادة وزير م�سر املفو�س بهذه املهمة بالدلة والرباهني مفاده ان ال�سفقة األقتها حكومته على عاتقه، وو�سع تقريرا �سافيا مدعوما التي متت �سرعا وعرفا. ثم طلب يف نهايته اعادة املجموعة اىل ا�سحابها ال�سرعيني، اأي جامعة فوؤاد الأول.

ويظهر اأن وزارة اخلارجية اللبنانية در�ست هذا التقرير درا�سة مف�سلة من جميع النواحي وا�ستقر راأي الوزير على م�ساطرة احلكومة امل�سرية وجهة راأيها بهذا اخلالف النا�سب بني القطرين ال�سقيقني«.

وهناك مطالعة من وزير اخلارجية اللبناين اأحالها اإىل جمل�س الوزراء للبت بهذه الق�سية. وتقول املطالعة ان يرتفع ال�سعر من 18 الفا اىل 36 الفا. ويتلخ�س راأي الوزير فيليب تقال باعادة املجموعة

ال�سحافية اإىل اأ�سحابها ال�سرعيني اأي جامعة فوؤاد الول.وهناك ت�ساوؤل وجهته اجلريدة املذكورة اإىل اأ�سحاب ال�ساأن يف عدد 2548 بتاريخ 21 حزيران �سنة

1946، قالت فيه:

»لت�سمح لنا احلكومة من جهة اأن نت�ساءل عن املوقف الذي �سوف تقفه من هذه الق�سية وكيف متت، وملاذا دفعت احلكومة �ستة وثالثني الف لرية لبنانية ثمنا لهذه املجموعة على الرغم من اأنها

كانت تعلم اأن جامعة فوؤاد الول قد ابتاعها بثماين ع�سر األف لرية لبنانية ل غري«.وكان ان تدخل يف الأمر فخامة رئي�س اجلمهورية اللبنانية ال�سيخ ب�سارة اخلوري، وكان اأن توا�سط مع احلكومة امل�سرية للغاء القيود التي ح�سلت بني جامعة فوؤاد الأول، ب�سخ�س رئي�سها ومديرها الدكتور علي ابراهيم وبني الكونت فيليب. وعاد كل �سيء اإىل حاله دون اأن تتم �سفقة البيع ومت اإلغاوؤها نهائيا.وهنا، نت�ساءل: ما هي تلك املجموعة ال�سحافية . وما هو الكتاب الذي وجهه الفيكونت فيليب

دي طرازي اإىل ال�سيخ ب�سارة اخلوري؟


143

هي جمموعة �سحافية يربو عددها على �سبعة الآف وخم�سمائة �سحيفة خمتلفة العناوين. ت�ستمل اللغات وبجميع العربي بالل�سان املعمور انحاء يف ظهرت جملة اأو جريدة كل من منوذج على ال�سرقية، ومزيتها اخلا�سة اأن ذلك الأمنوذج هو اأول عدد من اجلرائد واملجالت اللبنانية والعربية. وتعترب هذه املجموعة فريدة يف العامل مبا حوته من نوادر ال�سحف القدمية وبواقع ال�سحف احلديثة. وهي مرتبة ترتيبا جغرافيا تاريخيا يدعو اإىل العجاب ويربهن على �سالمة الذوق وميهد ال�سبيل

للوقوف على حالة ال�سحف منذ ن�ساأتها اىل وقتنا احلا�سر.وهذه املجموعة، منذ اأن و�سع رئي�س اجلمهورية ال�سيخ ب�سارة اخلوري، يده عليها، اأ�سبحت يف حوزة اجلمهورية اللبنانية. وقد �سمتها دار الكتب الوطنية يف حينها، وهي التي كان مقرها بجانب جمل�س النواب احلايل )وقد قلنا ذلك قبل الحداث الدامية يف لبنان(. وقررت احلكومة اآنذاك اأن ي�ستفيد منها اجلمهور اللبناين، والقارىء اللبناين والعربي، وتكون معر�سا يتوافد اإليه الأدباء وال�سحافيون

والعلماء وطالب العلم واملعرفة وا�ساتذة ا�ست�سراق للنظر فيها وا�ستفادة من قدمها وندرة وجودها.وكان اأن وجه الفيكونت اإىل فخامة رئي�س اجلمهورية اللبنانية عري�سة �سرح فيها لفخامته بخطورة املجموعة راغبا منه ا�سدار الأوامر باإبقائها يف لبنان واحلر�س عليها حر�سا �سديدا خوفا من �سياعها.

فكان ن�س العري�سة املذكورة بتاريخ 16 متوز �سنة 1946 ما يلي: »بعد تاأدية فرو�س الجالل والخال�س. طالعت يف بع�س اجلرائد اأن جمل�س الوزراء قرر اأن تدر�س ق�سية جمموعة ال�سحف ليتبني هل يجب اأن تعترب يف جملة الآثار اأم ل ؟ فاإذا كان الول حتم ان

يحتفظ بهاعمال بقانون: حفظ الآثار. واإلأ فمن اجلائز الت�سامح باخراجها من لبنان.اأ�ستاأذنكم يا �ساحب الفخامة يف الت�سريح باأن جمموعة ال�سحف امل�سار اليها يجب ان تعترب بكل حق من اأثمن الآثار التي يفر�س على لبنان ان يحر�س عليها لكونها فريدة من نوعها ول نظري لها

يف بالد ال�سرق والغرب على الطالق.لعمري كيف ل تعترب هذه املجموعة يف حكم »الآثار ». وقد حوت العدد الول فقط اأو القدم من كل جريدة ومن كل جملة عربية و�سرقية ظهرت يف اخلافقني؟ ولقد التقطتها بعناء ج�سيم من ليل �سنة كاملة عاكفا ال�سمالية واجلنوبية. وق�سيت �ستني واأمريكا واأوروبا واأفريقيا اآ�سيا اأطراف نهار على البحث والتنقيب واملرا�سلة حتى تي�سر يل الظفر بفرائدها وخرائدها. ثم نظمتها تنظيما

جغرافيا وتاريخيا حمكما لت�سهيل مطالعتها اأو قرائتها؟ل يخفى على فخامتكم اأن كل كنز ثمني قل من يكرتث له اأو يعرف قيمته ما دام حمتجبا عن

النظار والب�سار.من والتثبت عليه لال�سراف والرائح الغادي وتهافت خطورته جتلت للعيان عر�س متى ولكنه

حقيقة �ساأنه.

144

اأعتقد يا �ساحب الفخامة اعتقادا را�سخا ان احلكومة اللبنانية متى ت�سنى لها تنظيم تلك اجلواهر الثمينة النف�سية ب�سكل معر�س يف )دار الكتب( تقاطرت جماهري الأدباء وال�سحافيني وعلماء امل�سرقيات من كل حدب و�سوب ليطلعوا عليها وي�ستفيدوا من م�سامينها ويطلقوا الأل�سنة بالثناء

عليها وت�سبت اأقطاب لبنان وقادتها ببقائها يف وطنهم الم.وح�سبي اأن اأذكر لفخامتكم على �سبيل املثل جريدة »لبنان« التي اأ�س�سها يف عام 1867 �سلفكم داود با�سا املغفور له ون�سرها باللغتني العربية والفرن�سية يف »بيت الدين«. عا�سمته. فهي بال ريب قطعة اأثرية ثمينة ل نظري لها البتة. وهيهات ثم هيهات اأن تفوز احلكومة اللبنانية يف عهدنا مبثال

منها ولئن بذلت مليونا من اللريات ثمنا لها.قي�سوا عليها مئات واألوفا من ال�سحف الثمينة التي انطم�س خربها وباء اأثرها ومل تبق مكنوزة اإل

يف هذه املجموعة فقط.رحت باأنه ي�ستحيل على دول الأر�س طرا اأن تكون جمموعة ل�ست اأغايل يا �ساحب الفخامة اأن �سحتاكي هذه املجموعة بعددها واأهميتها وترتيبها وكمالها. لأن اأغلب تلك ال�سحف كما تعلمون مبا الآثار فده�سوا الن�سيان. وقد �سبق فريق من هواة ون�سجت عليه عناكب دخل يف خرب كان باأنه الأ�سهاد روؤو�س على وجاهروا النظري منقطة الوجود نادرة �سحف جمة من بينها �ساهدوا يتعذر احل�سول على النموذج منها ولو بذل يف �سبيل م�سرتاه غنى ك�سروان ومال قارون بعد هذا احلكومة يد من الفريدة املجموعة هذه انتزاع يحاولون باملر�ساد واقفني البع�س نرى الت�سريح

اللبنانية بعدما قرر فخامتكم ان ميتلكها ويحر�س عليها كل احلر�س.فاأرجو كل الرجاء من فخامتكم بل اأ�ستحلفكم باأعز ما لديكم اأن حتولوا دون ال�ستهتار مبثل هذا اجلواهر اليتيمة وت�سددوا الأوامر بابقائها حتت راية الأرز املباركة والعزيزة على قلبكم وعلى كل

لبناين خمل�س. اأطال اهلل تعاىل بقاكم ذخرا وفخرا.فيليب دي طرازي بريوت 16 متوز 1946

النفي�س حتت كتابة مقدمتها: ياأتي يف التاأليف عامل للفيكونت يف مثمرة هناك جهود وكانت عنوان »تاريخ ال�سحافة العربية« يف اأربعة اأجزاء. وكان باكورة تاآليفه »تاريخ الدولة امل�سرية يف عهد ال�ساللة املحمدية العلوية« مدته خمطوطا اإىل عبا�س الثاين خديوي م�سر يف عام 1899، »القالدة دم�سق. مطران داود يو�سف اإقليم�س العالمة ترجمة وهو والكني�سة«. العلم فقيد يف النفي�سة

واردفها مبراثي املطران يف 20 لغة �سرقية وغربية.


145

»بحث الوطنية« الكتب دار تاريخية يف »ملحة الذهبي« ال�سريان »ع�سر الذهبي« العرب »ع�سر علمي يف تاريخ القراآن«. وهناك كتب خمطوطة تركها مل تطبع ول نعلم م�سريها؟.

وقد توج اأعماله الباهرة بتاأ�سي�س دار الكتب الوطنية ووقف عليها تفكريه وعلمه ووقته وماله. وعني اأمينا عاما لدار الكتب من عام 1921 اىل العام 1940. وكان الرئي�س كميل منر �سمعون موظفا عند الفيكونت من �سنة 1922 اىل �سنة 1924 وكانت مهمته در�س الكتب الفرن�سية وتن�سيقها. كما زين دار الكتب ب�ستني �سورة زيتيه متثل م�ساهري علماء لبنان ونوابغه واأمرائه وحكامه. قد جهزها من

جيبه اخلا�س دون اأن يكلف اخلزينة غر�سا واحدا من اأثمانها.

والدته ولد الفيكونت فيليب يف 28 اأيار 1865. دخل املدر�س البطريركية يف بريوت يف �سنة 1873. مدة �سنة اإىل �سنوات ثماين فيها اأم�سى بريوت حيث الي�سوعيني يف الآباء كلية ثم دخل �سنتني، 1883. نال على اثرها ال�سهادة العلمية. اتقن اللغات العربية والفرن�سية والالتينية واليونانية. ثم

ان�سرف اإىل العمال التجارية يف مكتب والده الكونت ن�سراهلل. وكان كلما منا يف العمر منا معه حب الدر�س واملطالعة والتناف�س يف جميع الكتب واقتنائها ل يقعده ذلك عن خدمة الن�سانية

وامل�سالح الوطنية وجمال�سة الأدباء وال�سعراء ومرا�سلة العلماء والروؤ�ساء.تزوج اأوجيني ب�سول يف 19 �سباط �سنة 1900.

تكرميهاعتزل الفيكونت اأمانة دار الكتب الوطنية، وجميع املنا�سب التي تبواأها يف حياته واآثر العزلة يف

بيته بعيدا عن اأعني النا�س.ولكنه بعد اعتزاله دار الكتب الوطنية يف بريوت، اآثر ذوو الف�سل واملروءة اإل اأن يقيموا له احتفال برئا�سة ورفعته يليق مبكانته ،1940 �سنة �سباط 23 بتاريخ اجلمعة الوطنية الكتب دار تكرمييا يف

الوزير ح�سني الحدب الذي قال فيه : ».... اإن ما قام به الفيكونت من العمل الباهر يف دار الكتب الوطنية اآية من اآيات جده وعباته.... ريثما ال�سن بلوغ قانون من الفيكونت به ا�ستثنت ت�سريعا خا�سا و�سعت احلكومة... ليت ويا يتمكن من حتقيق اأمانيه... ول �سيما ما برح يتمتع بن�سارة العقل وهمة ال�سباب واملنة هلل تعاىل«.

ثم تكلم بونور م�ست�سار وزارة املعارف اللبنانية وال�ساتذة: عمر فاخوري واليا�س اأبو �سبكة وحليم

146

دمو�س ونور الدين بيهم وهكتورخالط. وختم املحتفى به احلفل مقدما ال�سكر للعزة الآلهية التي �سملته بعني عنايتها وقي�ست له اأن ينه�س بتلك اخلدمة ال�سريفة لالمة اللبنانية التي اأ�سادت بناء

فخما لتاأمني م�ستقبل دار الكتب وتعزيز مكانتها«.ثم �سكر اخلطباء على عواطفهم النبيلة واحل�سور على حمبتهم موؤمال ممن خلفوه ومن �سائر املوظفني

اأن يثابروا على العمل مبا عهده فيهم من ال�سهامة والماين والتفاين والخال�س«.

جهوده املثمرةاأثنى النا�س عليه وعلى اأعماله وان�سمامه اإىل عدد من اجلمعيات والندية وامل�ساعي اخلريية التي قام بها . وتعد يف طليعة اجلمعيات التي �ساهم فيها »�سركة من�سور دي بول« التي تراأ�سها ثماين �سنوات )1906-1898( كما قام بتاأ�سي�س »جمعية امل�ساعي اخلريية ال�سريانية«. وكان والده خري معوان لها يف

م�ساريعها اخلريية والن�سانية و »جمعية العائلة املقد�سة«. وقد توىل رئا�سة كلتيهما زمنا طويال.وجتلت اأريحيته يف اأثناء احلرب الكونية الوىل )1914-1918(. وقد �ساعد البائ�سني واملنكوبني. فاأطعم اجلياع وك�سى العراة وتفقد املر�سى واعطى م�ساعدات مر�سية لهم ومل مييز طوال حياته بني مذهب ومذهب ودين ودين. وقد ن�سر عنه العامل حممد كرد علي رئي�س املجمع العلمي العربي حمامده عن م�ستفي�سا مقال ،1918 �سنة الثاين كانون 11 يف »املقتب�س« جريدته يف بدم�سق،

ومكارمه ومزاياه، حتت عنوان »املح�سنون« قال فيه : ومل نر رجال مثل الكونت فيليب دي طرازي يف بريوت الذي مل يدع �ستارا يف بيته اإل خاطه األب�سة للمحتاجني. وقد جعل ديونه �سباح م�ساء اأن يوزع اخلبز والطحني واللب�سة على الفقراء

واملحتاجني من اأبناء بلدته«.اأما جهوده الفكرية املثمرة يف اأثناء وظيفته يف دار الكتب . فقد نه�س بها نه�سة مباركة و�سحى يف

�سبيل اإجناحها وثباته باملال الوافر وم�ساعيه امل�ستمرة للعمل.وميكننا تلخي�س اعماله الباهرة بالآتي:

اأحتف دار الكتب الوطنية بخم�سة الآف جملد ونيف بني مطبوع وخمطوط نقلها اإليها تدريجا من خزائن كتبه منذ العام 1922، وما بعد.

و�سجوف وطناف�س وخرائط ومقاعد ومكاتب بخزائن الول عهدها يف الكتب دار جهز و�سجالت.

دفع من جيبه اخلا�س رواتب خم�سة موظفني ورواتب حاجبيها مدة �سنتني، قبل اأن تت�سلمها احلكومة اللبنانية. ويت�سح هذا من وثائق ر�سمية حمفوظة يف دار الكتب ويف خزائن الفيكونت.


147

مل يكتف بتعاطي الأعمال يف دار الكتب، بل دفعته احلمية والغرية اإىل تعاطي ق�سم من تلك الأ�سغال يف منزله اأيام الراحة والفراغ.

ذهب اإىل اأوروبا وم�سر ومعظم البلدان ال�سرقية وح�سل على موؤلفات وجمموعات كبرية من الكتب جهز بها دار الكتب. وكان يدفع نفقات رحالته دون اأن يكلف اخلزينة فل�سا واحدا.

وكرا�سا فكتابا كتابا جمعها وثالثني جملدا اثنني نحو الكتب دار اإىل قدمه ما بلغ جمموع املعاهد ومن واأ�سدقائه اأهله من لها او ح�س اأهداها الف جملد والع�سرون فالت�سعة فكرا�سا.

العلمية واأرباب ال�سماحة والف�سل.اأما الآلف الثالثة الباقية فقد دفعت تكاليفها احلكومة اللبنانية.

زين دار الكتب ب�ستني �سورة زيتية متثل امل�ساهري من الرجال والقادة قدمها من ماله اخلا�س. اأن�ساأ يف املكتبة معر�سا خا�سا اأودعه حتفا اثرية وكتابية وفنية بينها ما ن�سج بالف�سة والذهب او

ع بالالآىلء واجلواهر الثمينة. ر�سو�سع دليال خا�سا باملكتبة مبثابة تن�سيق للكتب العربية مبنيا على العلم واملعرفة والفن واملنطق العلم واأهل القراء بت�سرف و�سع املكاتب«. الكتب يف تن�سيق اإىل العارب »اإر�ساد دعاه:

واملعرفة واأ�سحاب الخت�سا�س.و�سع الفيكونت كتابا نفي�سا عنوانه »خزائن الكتب العربية يف اخلانتني«. �سمنه اأخبار املكتبات العربية قدميها وحديثها يف زهاء األف ومائتي �سفحة كبرية. وا�ستند يف رواياته اىل م�سنفات القدمني واملتاأخرين . وكانت املراجع وامل�سادر التي اعتمد عليها تربو على �ستمائة مرجع. عام فهر�س مواده يف و�سائر وف�سوله اأبوابه عناوين مطالعة الكتاب من هذا وتت�سح خطورة

�سامل.

وفاته

تويف الفيكونت فيليب يف م�سيفه يف »عاليه« بجبل لبنان. يف منت�سف ليل الثالثاء يف 7 اآب �سنة 1956 . وكان لوفاته رنة حزن واأ�سى يف جميع الو�ساط التي قدرت اإجنازاته وكان لها اأبعد الأثر.

ومن ماآثره الوطنية اأن هناك اأي�سا جمموعة خطوط يف ثالثة جملدات انطوت على كتابات مل�ساهري تلك اخلطوط و�سعراء. وكل من وعلماء ووزاء واأمراء ال�سرق من �سالطني والن�ساء يف الرجال مكتوب بيد �ساحبه ومذيل بتوقيعه. وهناك جمموعة حتت عنوان: »العقد الفريد«. ا�ستملت على ثالثة ع�سر جملدا ت�سمنت نخبة من ر�سائل كتبها كبار القادة والروؤ�ساء اإىل عائلة اآل طرازي يف اأنه ح�سل على القاب علمية كثرية نالها من القرنني التا�سع ع�سر ومطالع القرن الع�سرين. كما

148

اأ�سحاب ال�ساأن منها: لقب »فيكنت« من بابا روما لون الثالث، وح�سل على عدة او�سمة من عدة بلدان منها: و�سام جنمة ال�سباح من �سلطان حلج، والو�سام العثماين الثاين من ال�سلطنة العثمانية، والو�سام املجيدي الثاين من ال�سلطنة العثمانية، وو�سام ني�سان الفتخار من رتبة كومندور من باي تون�س، وو�سام ال�ستحقاق اللبناين، وو�سام الرز من اجلمهورية اللبنانية، وو�سام املجمع العلمي

الفرن�سي.ولي�س لنا يف هذا املجال اإل اأن ن�سري اإىل بيتي ال�سعر اللذين كتبهما حتت �سورته:

يا مع�سر ال�سحب ذا ر�سم به اقرتنت ر�سومكم وبها قد �ســــــــــار مزدانا فتلك اآثارنا اأ�سحـــــــت ت�ســـم معــا رغما عن الدهر يف ذا ال�سفر اإخوانا

ل من العلوم واملعارف اللغوية والثقافة العالية اويف هذا هو الفيكونت فيليب دي طرزي الذي ح�سن�سيب. وكان كلما كرب يف ال�سن كلما ازدادت حما�سنه و�سفاته واأخالقه ومزاياه.

كانت له �سفاته احلميدة واأخالقة العالية التي قلما اعتد بها اأو تاأفف يف ملب�سه ويف ماأكله وم�سربه.ل يخ�سع اإل للحق ويعامل النا�س معاملة واحدة �سواء اختلفوا يف الراأي والدين اأو اأتفقوا لأنه

يعدهم واحدا يف الن�سانية ويف املجتمع.اإغناء مكتبته الكتاب وامل�سنفات يف �سبيل اإىل اخلارج. واح�سر معه مئات ا�ستفاد من �سفراته

بجميع الكتب الدبية والثقافية والفنية والعلمية والطبية.ونقول يف ختام هذا املو�سوع:

اأين اأ�سبحت جمموعة الفيكونت فيليب دي طرازي؟ هل ل تزال باقية ليزين وجودها )املكتبة الوطنية اجلديدة( التي تزمع احلكومة القيام بها اأو اأن�ساءها اأم اختفت و�سرقت، بع�سها اأو ق�سم

منها، ول يعلم اإل اهلل �سبحانه تعاىل مكان وجودها. اأم ماذا؟

امل�سادر واملراجع مو�سوعة اأدباء لبنان و�سعرائه، دارنوبلي�س، بريوت 2006.

تاريخ ال�سحافة اللبنانية، تاأليف فيليب دي طرازي، بريوت 1913.تنوير الذهان يف تاريخ لبنان، ابراهيم ال�سود، �سنة 1927.

بية اأد

توال

حت

149

امل�ساألة الفل�سفية يف �سعر جوزف حرب1وفيق غزيزي - �ساعر، ناقد وباحث

هذه الدرا�سة حتية اإىل روحه واإىل اإبداعهيتعر�س الناقد الدكتور جان نعوم طنو�س لديوان »املحربة«، لل�ساعر جوزف حرب، واملوؤلف لي�س م�سوؤول عن اآراء ال�ساعر حرب، بل عمد اإىل غربلتها متخذا موقفا نقديا، بعيدا عن املدح املقنع، الذهنية تلك من ي�ستخل�س اأن ومراده وجليلة، �سعبة مهمته اإن امل�سترت. اأو ال�ساخر والهجاء املانوية التي عمت بالدنا كالوباء: تنزيه الذات وحتقري الآخر. اإن مطلب احلقيقة هو الذي يحررنا من اأغالل البيئة وروا�سبها.« ولئن �سح اأن املجتمع عامة، وال�سرة خا�سة يبنيان الفرد ب�سكل اأو باآخر فال�سحيح اأي�سا اأن التوق اإىل املعرفة هو من يربي ال�سخ�سية على نحو مغاير فكاأنه يقوم مقام

الأبويني والو�سط البيئي«.

املقد�ض واملدن�ض

من الواجب اإعادة النظر يف م�سائل ثنائية كالميان وال�سك، واجل�سد والروح، والر�س وال�سماء، فكلها متاألقات ل متناق�سات. ولعل �ساعرنا جوزف حرب ي�سدر عن هذا الجتاه معتمدا على حد�سه ال�سيل، وعلى خمزونه الثقايف، وجتاربه احلياتية. فكيف نظر حرب اإىل ق�سية املقد�س، وما

يتفرع عنها من ق�سايا؟ !يقول املوؤلف: »بداية يرى حرب اأن النبياء والقدي�سني تعذبوا وا�سطهدوا يف �سبيل مبداأ اأعلى جميئهم قبل الخرية هذه وكانت خطاياها، تكاثرت الر�س اأن غري �سيء. لكل احلياة يهب والذنب هنا ل يعود اىل ال�سرائع بقدر ما يعود اىل عوامل عديدة ي�سعب ح�سرها منها عمل الكهان

جان نعوم طنو�س، امل�ساألة الفل�سفية يف �سعر جوزف حرب، دار النه�سة العربية، بريوت 2014. 1- لالأ�سف ال�سديد، تويف ال�ساعر جوزف حرب عندما كان هذا العدد ماثال للطباعة.

150

املجاين للر�سالة ال�سماوية«. والالفت اأن يتغنى ب�سرائع النبياء اإىل حد مذهل وينعتها بكل �سفة ايجابية كاملالئكة، واخل�سب، والعدل، وال�سالم، و�سرعان ما ينتف�س على ذاته اإىل حد الت�سكيك

بهذا التمجيد ال�سابق.اأو قمع امليول احليوية، بل يف اأن احلياة اخل�سبة ل تظهر عند حرب يف كبت اإىل وي�سري املوؤلف على ح�ساب الروح تعزيز لي�س عنده املقد�س ي�سمى خطيئة. الذي التعبري وهو عنها، التعبري اجل�سد، بل انطالقة اجل�سد واحلب والغواية اإىل حد يجوز القول، عنده اأن املبارك الروحي منف�سال عن الغريزي هو ملعون كما اأن هذا امللعون »اإذا نظر اإليه على اأنه ممار�سة احلياة، هو املبارك عينه وبكلمة، املقد�س عند حرب هو احلياة نف�سها، ول �سيما ما يت�سل باأهوائها الطيبة وكاأن الدين عنده

هو دين اخلطيئة ولي�س دين التقوى والزهد«.يردد فكاأنه اأحرارا، ل عبيدا تن�سىء التي اخلوف ديانة يرف�س ال�ساعر جوزف حرب اأن كما مع المام علي بن اأبي طالب: »اإن قوما عبدوا اهلل خ�سية، فتلك ديانة العبيد، واإن قوما عبدوه حمبة وتلك ديانة الحرار«. واإذا قلنا اخلوف قلنا �سلطة مت�سلطة ل ت�سل العقل فقط بل ت�سل ال�سعور والرادة ولكن نقي�س اخلوف هو احلب وقد قال هيغل يف هذا ال�سياق: »اإن اهلل هو احلب واحلب هو اهلل، ول يوجد لهوت اآخر غري احلب.. فاإذا حل احلب وحل اهلل بني الب�سر هكذا ميكن اأن توجد اآلهة«. اخلوف من وجهة نظر املوؤلف موت النف�س ي�ستحق العقل ومييت الأ�سواق اخلرية وبدل من ان تنفتح ورود اجلمال واحلب، يغل الن�سان يف قيود الكراهية والتبعية والتمرد

ال�سلبي.

اجلن�ض املقد�ض

اأن امل�سيحية قلبت راأ�سا على عقب القيم الدينية يرى بع�س الفال�سفة واملفكرين قدميا وحديثا الوثنية واأف�سدت العالقة بني املقد�س واملدن�س. فبدل من متجيد اجل�سد وتكرمي املراأة، نادى اآباء العقل احرتام عن وعو�سا النوثة. وازدروا الغرائز حقروا اأنهم حتى والثبور، بالويل الكني�سة وقدرته على ت�سحيح اأخطائه، ب�سروا ب�سلطة اميانية تفر�س على النا�س قر�سا، خلقوا هوة �سا�سعة اأن اإىل النا�سىء. ويذهب هوؤلء الفال�سفة واملفكرين الوثنية والدين بني العقل واملمار�سة وبني هو با�ستخفاف اإليه نظر طاملا الذي الوثني املدن�س اأن كما عينه املدن�س هو امل�سيحي املقد�س الوثنني ثم عبادة تيارين متناق�سني: عبادة اجل�سد عند البع�س بوجود املقد�س احلقيقي. ويرى

الروح عند امل�سيحيني.


151

واإزاء هذه ال�سكالية يت�ساءل املوؤلف: »فما هي نظرة جوزف حرب للج�سد والعبادات القدمية؟ وهل األغى ثنائية الروح والدين، ومن ثم الغى ال�سراع العقيم بني قطبي النف�س الب�سرية؟ واإىل اأي حد ن�ستطيع التمييز الفا�سل بني احلب اجلن�سي والتهتك الباحي؟ لعل يف ف�سل »ال�سيدة ال�سجرة« وف�سل »ال�سيد الفاأ�س« الواردين يف املحربة ما يجيب عن اأ�سئلة مقلقة قد تهز وجدان

املوؤمن هزا عميقا«.فاللذة لي�ست هدفا يف حد ذاتها واإل حتولت اإىل اإباحية. اإنها ح�سب راأي املوؤلف هذه املراأة مرتبطة والن�سان بالنوثة، الذكورة تالقح عبارة عن فالكون اخل�سب. وثنية هي طقو�س دينية بطقو�س بوا�سطة اجل�سد هو الذي يعني الطبيعة على خ�سبها ويجددها. »ولعل الن�سان املعا�سر ي�ستخف بتلك الطقو�س، ولكنها قدميا كانت تكت�سي بطابع مقد�س«. وعلى هذا النحو اأ�سبحت املراأة تتكافل باملقيا�س الر�سي اخل�سب �سور من �سورة اأنها على الولدة وبدت �سريا، تكافال الر�س مع الب�سري، وان جلميع التجارب الدينية املت�سلة باخل�سب وباملولد، بنية كونية. اإن قدا�سة املراأة ترتبط بقدا�سة الر�س. وللخ�سب الن�سوي ! منوذجا كوين! منوذج الر�س! الأم الكلية. وهكذا يقول املوؤلف »تعطي امراأة �ساعرنا عطاء كليا، فلي�س فيها ما هو غري طبيعي، لن الالطبيعي هو الذي ي�سري عك�س جمرى الطبيعي. وامل�ساألة هنا ل تتعلق بثنائية العهارة والطهارة، فرمبا يوؤدي الكبت املت�سدد اىل �سربني متناق�سني ومتكاملني : الطهارة التي قد تنقلب اإىل اإباحية. وهذه الخرية قد

توؤول اإىل روحانية مف�سولة عن اجل�سد«.اإن القيم امل�سيحية هي التي رو�ست الوح�س الروماين، وقل�ست اأظافره وزرعت يف تربته القاحلة �سيئا من الروحانية، ول�سنا جند حيال م�ساهد التعهر والغت�ساب، ما نقوله غريكلمات القدي�س بول�س: »لو كنت اأنطق باأل�سنة النا�س واملالئكة ومل تكن يف املحبة فامنا اأنا نحا�س يطن اأو �سناج اأعلم جميع ال�سرار والعلم كله، ومل تكن يف املحبة، فل�ست يرن. ولو كانت يف النبوة ، وكنت ب�سيء. املحبة تتاأنى وترفق. املحبة ل حت�سد. املحبة ل تتباهى. ل تاأتي قباحة ول تطلب ما لنف�سها. ل حتتد ول تظن ال�سوء. ل تفرح بالظلم، بل تفرح باحلق«. ويعظم جوزف حرب املراأة يف الع�سر

الموي تعظيما �سبه اأ�سطوري على عادة ال�سعراء الرومانطيقيني وال�سرياليني. والالفت ح�سب اعتقاد املوؤلف اأنه يقيم تناق�سا، ولو خفيا، بني دين اللذة ودين التقوى فالول رمزه اأدوني�س وديوتي�سو�س، والثاين رمزه القدي�سون الطهار، »الدين الول اأموي بامتياز لإت�ساله بالر�س واجل�سد والغرائز، بينما الدين الثاين ذكوري لت�ساله بال�سماء والروح والت�سامي. فلي�س غريبا اأن يعبد الرجل املراأة مع اأنه قدميا عبد اآلهة ذكورا«. ال�ساعر جوزف حرب منحاز اإىل النوثة،

ويرى ال�سعادة يف اجل�سد ل يف الت�سامي والكتب ، يف الر�س ولي�س يف ال�سماء.

152

الفناء املرعب

اإن �ساعرنا �سادق مع نف�سه ل يكبت م�ساعره فقد ا�ستطاع اأن يبدع لنا ن�سا من ن�سو�سه ال�ساحرة فاخلوف من املوت هو اخلوف على احلياة نف�سها، ومن ل ي�سعر بهذا اخلوف من ال�سعب القول اأنه عا�سر احلياة باألوانها املختلفة. ويلفت املوؤلف النظر اإىل اأن �ساحب املحربة ل يطيق الوداع والتخلي عن هذه الر�س لو بعث من عامل اآخر اأكرث جمال، اأو اأكرث �سوءا من عاملنا هذا. فمن يخري بني ممار�سة اجلن�س وجمع اأموال الدنيا وبني حب البقاء؟ »فهذا النزوع هو الذي يجعل ال�ساعر مت�سبثا ل »الهنا« على »الهناك«، ول عجب فاإن اخلوف من املوت يف راأي املاديني هو موجد باحلياة يف�سالعوامل املاورائية وعلة ن�سوء الأديان فما يتمناه حرب هو العي�س على هذه الر�س �سريطة ان تناأى عنه عاهات الروح واجل�سد على اأن هذا التمني نابع من جزع الرحيل وهو �سعور �سادق طبيعي«.

اإن حرب كما نرى ل يطيق فراق هذه الر�س التي يراها احلقيقة الوىل والخرية وكيف يفارقها وهو ل يوؤمن بعوامل اأخرى، ول ثقة له بكالم قدي�س اأو كاهن؟

وباعتقاد املوؤلف اأن م�ساألة خلود الروح هي عند جوزف حرب اأمر م�سحك ولو عرب حرب عن �سكوكه لكان المر مقبول اأما اأن يعد املاورائيات �سيئا �سخيفا فكالم يفتقر اإىل اجلدية والعمق هذا مرد ولعل اخلطرية امل�ساألة هذه �ساأن يف ذات اآراء لهم كانت عظاما فال�سفة اأن خ�سو�سا املطلقة بها حرب، وكاأنها احلقيقة مت�سك التي الغليظة املادية اإىل »يعود املوؤلف بقول ال�ستهزاء

التي ل ياأتيها الريب من اأمامها ومن خلفها«.فكيف اخليال. ورمبا الدوار يورث اأمر خميف، واملوت احلياة اأ�سرار العقل ل�ستجالء تنطح اإن ن�ستطيع الميان مبا هو فوق املح�سو�س ما دمنا ا�سرى هذا املح�سو�س؟ وكيف نتفلت عن قيد الزمان واملكان ونحن قد كبلنا انف�سنا بهما؟ لقد فقد حرب كما يراه الدكتور جان نعوم طنو�س، جتربة الرجاء التي تختلف عن المل، فهذا الخريمت�سلب اأمنيات قد تتحقق. اأما الرجاء » فهو المل تاريخ ولعل احلرية. بنا واأحاطت الظالم، ادلهم كلما الأمل هذا ي�ستد وقد يقينية، غري باأمور ال�سعوب والأفراد �ساهد على هذا الميان الذي يزحزح اجلبال« فحيثما طالعتنا النقا�س، راأينا

الن�سان وينتف�س على الدمار واملوت.

غمو�ض املطلق

ما ت�سور الب�سر اهلل اإل اأ�سقطوا عليه جتاربهم الب�سرية، حتى لي�سح قول اأحد املت�سوفني: »ما و�سعناه بو�سف اإل كنا نحن ذلك الو�سف«. لكن املطلق يتعاىل على الق�سورات الب�سرية، على نقي�س ما ذهب اإليه الفيل�سوف فيورباخ القائل اإن �سر اهلل هو �سر الن�سان نف�سه. فهذا الفيل�سوف يف راأيه، هو


153

الذي اأخرتع الفكرة اللهية، واأفرغ فيها �سفات الن�سان وميوله اخلا�سة. ومن وجهة نظر املوؤلفني هذا الراأي فيه �سيء من احلقيقة، بدليل اأن اهلل يرتاءى تبعا للحالة احل�سارية، ربا �سبيها بالطاغية، كما يرتاءى اأي�سا اإلها حنونا يرتاأف باأبنائه فالثابت ان املجتعات امل�ستبدة وامل�ستغلة تنتج اإلها على �ساكلتها، يف حني اأن املجتمعات العادلة ل ترى فيه ال طاقة حمبة ورحمة. غري اأن لالن�سان نف�سه

دورا يف هذا ال�ساأن فكل معبود ي�سابه عابده.ولكن جوزف حرب يخطىء اإذا يدعو اهلل »اأنا« ذلك اأن كل اإجناز عظيم يتجاوز »الأنا« على الرغم عالقة يف تتجلى التي الدينية العاطفة �سر هي »الأنت« ب »العالقة فيها ال�ساربة جذوره من الن�سان باأخيه الن�سان، وبالطبيعة وباهلل«. اإن اهلل يف ذات الن�سان ولكنه لي�س ذات هذا الن�سان

حتديدا فهو ما يتجاوزها.واملثري للده�سة اأن جوزف حرب تارة ينزه الن�س الديني من كل عنف واإرهاب، وتارة اأخرى يتهمه التناق�س بني ال�سلب واليجاب يطبقه على اهلل نف�سه، وجودا ونفيا اهلل بالطغيان والق�سوة. هذا حمبة وال�سرائع يجب ان ت�ستلهم. ذلك ال�سعور ال�سامي الذي ي�سري الن�سان اإن�سانا واهلل متجليا

يف خملوقاته على اأن �ساعرنا يذكر م�سكلة المل التي ل حل لها وا�سحا يف هذه الدنيا الفانية.وثم وال�سر«. الأمل مل�سكلة عقليا اأو قلقه فال حل جذريا، ال�ساعر ن�ساطر »لعلنا املوؤلف: ويقول من يقول: وان وجود ال�سر لي�س عقبة تعرت�س الميان باهلل، وامنا ال�سر برهان على وجود اهلل، وحتد للعودة اىل من ينت�سر فيه احلب على البغ�س والحتاد على النق�سام واحلياة البدية على املوت«.

ان جوزف حرب موؤمن على طريقته اخلا�سة، ولكنه موؤمن ي�سك بالت�سورات الدينية ال�سائعة اأن يف اأعماقه بذرة اإلهية ل متوت. ولعلها هي التي دفعته اىل كتابة »املحربة« رغبة يف اكمال عملية الغني اأيكون اهلل مع والتوق اىل الكتمال؟ والعذاب ال�سك يتجلى اهلل يف »األ اخللق. وبعد، املوؤمن الالمبايل، املوؤمن اأن اولدهم؟ على القلقني الفقراء مع يكون ول اقواله، اىل املطمئن الرنج�سي، اأبعد ما يكون عن اخلري املطلق اأما ال�ساعر ال�سكاك فهو القرب اإليه لأنه يفت�س عن

احلقيقة حتى لو مل ي�سل اإليها«.

كتاب الكون وت�سحيحه

فاإذا كان اهلل التوحيدية ن�سوء الديان ال�سائدة منذ القيم اإىل عملية قلب الفكر احلديث يلجاأ حمور الوجود قدميا فالن�سان هو الذي يقوم الآن بهذا الدور واإذا كانت اخلطيئة �سبحا مرعبا يق�س امل�ساجع، فاإنها ت�سبح يف هذا الع�سر عودة اإىل الرباءة وكمال لل�سخ�س الب�سري اأما اجل�سد الذي رذل قدميا فاإنه ي�ستعيد مكانته ليجوز القول ان ح�سارتنا هي ح�سارة اجل�سد ويقول الدكتور جان

154

نعوم طنو�س يف هذا املجال: »لي�س غريبا اأن جند �سعراء ومفكرين يوؤثرون قابني على هابيل واحلياة املغوية على بالدة اآدم كما يوؤثرون التمرد على الطاعة ال�سلبية والعقل على الميان وقل المر نف�سه يف اجلنة واجلحيم فلم يعودا مكانني يف العامل املاورائي، واإمنا هما حالتان نف�سيتان معي�ستان على هذه الر�س. وها هو اإبلي�س اأو ال�سيطان ي�ستحيل كائنا نورانيا نبيال عند ال�سعراء الرومانطيفيني.

ول �سيما عند بايرونو وهوغو ودوفيني«. بعنوان ابلي�س عن ف�سل وفيها »املحربة« حرب جوزف ال�ساعر كتب احلداثة تيار �سياق ويف ال�ساك اإىل الن�سان املت�سائل امليتافيزيقي بقدر ما اتخذه رمزا اأنه ل يعتقد بوجوده »الناقد« غري

املنقح لكتاب الكون، وما يت�سمن من ت�سورات ب�سرية ودينية �سائعة. وعندما ننزع �سفة املقد�س ح�سب اعتقاد املوؤلف نتيح للعقل اأن ي�سك وينقح باب التجارب التي

ل حت�سى تلك هي اخلطوة الول التي تعيد اإ�سالح الكون، اإن �سح التعبري.ففي مقابل املطلق حيث ل نقا�س ول حوار يحل الن�سبي مبا ينطوي عليه من وعد وامكانات خبيئة من هنا يرى اإبلي�س ال�ساعر اأن ن�س اخلالق �سبحانه وتعاىل قليل الفعالية ولعله ي�سري اإىل الت�سورات

الدينية ال�سائدة.ويف احلقيقة ل يكفي اأن نف�سر العامل ولكن علينا بقول املوؤلف: »تغيريه تلك هي �سرخة اإبلي�س يف �سعر جوزف حرب. فلقد كان ال�سيطان مغريا للعامل ولكنه مل يدع اإىل ال�سر كما يقول ال�ساعر فما اأغرى اأحدا بارتكاب الثم ول اأقام �سحرا ومل ينب معبدا ومل ين�سر اخلطيئة«. اإنه اإذا العقل

الب�سري الذي �سوره الكهان ب�سورة اإبلي�س.واإذا كان جوزف حرب يقراأ اأعمال العقل فان الكثري من الفال�سفة والالهوتيني ل يف�سلون بني العلماء وبكلمة موجزة نهائية. ول متفتحة تكون الخرية ان �سريطة الروح ومملكة العقل مملكة والفال�سفة اأ�سدقاء احلقيقة الميانية �سريطة ان تكون منفتحة فلي�س بعجيب اأن يت�سبب حرب باآثار

العقل ويجد فيها ما يخدم الن�سان اكرث من احلقائق الدينية التي حنطها رجال الدين.الأر�س هي املهد والقرب معا.

طاملا كانت الر�س مو�سع ازدراء عند بع�س الفال�سفة كاأفالطون الذي ف�سل ف�سال تاما بني عامل املح�سو�سات وعامل املثل فامتهن املادة وما يت�سل بها من رغبات يراها �سريرة فا�سدة ومل ي�سلم املت�سوفة من هذه النظرة ال�سلبية فاأداروا ظهورهم للدنيا الفانية اأو لوادي الدموع كما يقولون وتاقوا اإىل دنيا البقاء اإىل دائرة النور متذرعني اأن احلياة الدنيوية تخلو من ال�سعادة احلقيقية وما من هجاء الثورة من بنوع قام احلديث امل�سيحي الالهوت اأن حتى املادة اإىل وجه الذي هذا من اأعظم

اجلديدة حماول التوفيق بني ما عد متناق�سات ل �سبيل اإىل التوفيق بينها.


155

ولعل كلمة الر�س يقول املوؤمن: قد تعني اأمورا كثرية. اإنها تعنى اجل�سد والغرائز واملراأة اإ�ساعة اإىل الهدف الق�سى للحياة من الطبيعي اإذن، اأن يت�سبث الفكر املعا�سر مبا رذل وقمع قدميا واذا واذا الروحية الدوافع وترتاجع جديدا مطلقا الر�س فتغدو عقب على راأ�سا تنقلب باملقايي�س

بالن�سان نف�سه حفنة من الرتاب تاأويه يف قربتنهي فيه الآمال«.�ساعرنا ومنهم وال�سعرية الفكرية احلداثة اأرباب بع�س بها يوؤمن التي املادية الفل�سفة هي تلك

جوزف حرب.وي�سري املوؤلف اإىل اأن الأر�س يف ن�سو�س املحربة حلرب هي اخلالقة، وباعثة احلياة يف كل �سيء يف حني ان الت�سور الديني يغزو قوة اخللق اىل اهلل �سبحانه وتعاىل حتى ليبدو �سيد الر�س وال�سماء ولي�س يف �سعر حرب ما يغيد وجود قدرة تعلو على املادة بل اإن الأر�س تكت�سي اأبعادا رمبا ل تخطر على بال فرنى الر�س اإمراأة بنوع من الت�سخي�س ال�سعري تعاين �سبق ال�سهوة » وت�سكنها امومتها للكائنات.نهدها يدر لبنا وعيناها برئيتان �سماويتان فال اإثم فيها ول خطيئة ورمبا اأوما ال�ساعر اإىل عملية اخل�سب يف الطبيعة فكاأن مواليدها )اأ�سجار والنباتات والنا�س( ل يخلقون اإل بعد �سهوة

جن�سية كاملراأة متاما اإىل اأن حتني حلظة الو�سع »ح�سب قول املوؤلف«.ما ينطبق على ربات اخل�سب واجلن�س ينطبق على ع�سيقة �ساعرنا ول عجب فاأولئك الإلهات يرمزن اإىل الأر�س نف�سها فهن عذراوات يحبلن وهن المهاب يلدن ورمبا تكون هذه الفقرة را�سخة

عند عدد من ال�سعراء والدباء.ال�ساعر ا�ستهوت خيال القدم وقد املوؤلف غائرة من العذراء الم. من منظور اإن فكرة الر�س يعود واإليها فيها وهو الأر�س ميجد ل فكيف مادية نظرة عن اأحيانا ي�سدر اأنه حرب خ�سو�سا اإن ال�سعرية، البدائي واملخيلة اأمومة الأر�س را�سخة يف العقل اإن اأي عزاء ما ورائي. بعيدا من جوزف حرب يرى يف الر�س حبيبة لنه يجب احلياة احللوة فيها فلولها ل�ستحال البقاء حتما. ويرى املوؤلف اأن الر�س ترتاءى لل�ساعر حرب.النبع البدي والبيت الكوين وحار�سة احلياة من الفناء اأما عري�سها فهو املاء املخ�سب وما اجلبال اإل بطون هذه الر�س بينما ميثل الطني اأداة اخللق

والتوليد.





قيةم�رش

ئع وقا

157

امل�سيحية امل�رشقية... حتديات وحلول

و�شام عبد اهلل - اإعالمي

الذي للخطر حتذير من تت�سمنه مبا امل�سرقية امل�سيحية حول الخرية الآونة يف ال�سوت ارتفع يتعر�س لها امل�سيحيون امل�سرقيون من تهجري يف خمتلف البلدان ولأ�سباب خمتلفة، ففي فل�سطني يزورونها، الذي ال�سياح عدد من اأقل حلم وبيت القد�س اأبواب على امل�سيحني عدد اأ�سبح هاجر لبنان يف م�سيحي، املليون يعادل مبا المريكي الحتالل منذ جماعية هجرة العراق يف امل�سيحيون ب�سبب احلرب الهلية وي�ستمر النزف نتيجة احلياة ال�سيا�سية والقت�سادية املرتدية يف البالد، واأخريا يف �سوريا وب�سبب املعارك التي جتري يف البالد مل ترتك كني�سة وديرا من نارها. واإن خطر ا�ستمرارية الوجود يف املجتمعات امل�سرقية ياأتي من طرفني الول هو الحتالل الإ�سرائيلي وممار�ساته على الر�س، والثاين هو من دخول احلركات املتطرفة ال�سولية على خط الزمات مما �سكل تهديدا لكل املجتمعات، فكانت حادثة خطف مطراين حلب للروم الأرثوذك�س وال�سريان الكاثوليك وتدمري الكنائ�س يف معلول وال�سرحة واجلامع الموي يف حلب اأبلغ ر�سالة عن خطر

هذه املجموعات.كل هذه املخاطر تطلب من منظمات وكتاب ومفكرين و�سيا�سيني لكي يتداعوا بالكلمة والعمل

للتحذير من هذه املخاطر وطرح م�ساريع لوقفها قدر المكان.

املوؤمتر العام االول مل�سيحي امل�رشقعقد يف بريوت يف 2 ت�سرين الثاين املوؤمتر العام الول مل�سيحيي امل�سرق بدعوة من اللقاء امل�سيحي لبنان و�سوريا والردن وفل�سطني والعراق املوؤمتر مب�ساركة ممثلي دول لبنان، وكان - بيت عنيا يف وم�سر. ي�سري امل�ساركون يف املوؤمتر اأن �سبب هذا اللقاء هو نتيجة الظروف التي متر بها املنطقة من ازمات وحروب داخلية وا�ستمرار الحتالل ال�سرائيلي مبمار�سة �سيا�سته القمعية، بالإ�سافة اإىل دخول العامل التكفريي على اأزمات امل�سرق مما �سكال تهديدا لكيان الدول واملجتمعات ب�سكل

عام وعلى امل�سيحيني ب�سكل خا�س نتيجة ا�ستهدافهم ب�سكل وا�سح وممنهج.

158

واألقت الوفود امل�ساركة كلمات اأو�سحت وجهة نظرها يف كيفية احلل ق�سية الوجود امل�سيحي يف امل�سرق، فاأكدت على اأهمية تعزيز مفهوم املواطنة واإقامة الدولة الوطنية اجلامعة و�سرورة مواجهة الخطار املحدقة من احلركات التكفريية، كما �سددت على �سرورة وقف هجرة امل�سيحيني عرب

جعلهم �سركاء حقيقيني يف القرارات ويف احلكم.وقد األقى النائب العماد مي�سيل عون كلمة اأ�سار فيها اإىل اأن مقاربة الواقع امل�سرقي من منطلق اأقليات واكرثيات هي مقاربة خاطئة »فهذه البالد منذ فجر التاريخ هي ثمرة تراكم معريف ثقايف ل�سعوب كثرية وديانات �ستى منذ ما قبل التوحيد. تراكم جمعته الأقليات والأكرثيات معا يف مزيج عز نظريه، وتقلبات غريت التوجهات ال�سيا�سية واأبقت على التنوع املجتمعي والثقايف داخل الروحي للغنى فريد منوذج وهذا وبالعك�س، اأقلية، باتت اكرثية هناك كانت ولطاملا اجلغرافيا، والثقايف واملعريف، يقت�سي منا جميعا املحافظة عليه وحمايته يف اإطار احرتام حرية املعتقد والراأي

والتعبري وحق الختالف، مع الت�سبث بهذا امل�سرق.«بامل�ستحيل »نحن لي�س املدنية الدميقراطية اإىل التكفريية والنتقال اأن تخطي ال�سولية واأو�سح فنقول اإن الإن�سانية مل حتقق �سيئا مل يبد يف البدء م�ستحيال اأو �سبه م�ستحيل؛ من الغو�س يف عمق البحار اإىل ا�ستك�ساف الكون، مرورا بجميع الخرتاعات التي بدلت وجه احلياة الن�سانية. وما نتمناه اليوم قد تخطته �سعوب كثرية وكان حلمنا منذ قرن ونيف، فهل يجوز اأن نبقى يف تلك

امل�ستنقعات؟«.األقى كلمات الوفود، الوفد الأردين الوزير ال�سابق وا�سف عازر، والوفد ال�سوري النائب الدكتورة والوفد �سامل، ميخائيل وجدان الإن�سان حلقوق ال�سابقة الوزيرة العراقي والوفد �سعادة، ماريا الفل�سطيني ع�سو اللجنة التنفيذية ملنظمة التحرير الفل�سطينية حنا عمرية والوفد امل�سري رئي�س

احتاد املنظمات القبطية مدحت قالدة. واختتم اللقاء بالتوافق على اإن�ساء اللقاء امل�سيحي امل�سرقي واعتبار املجتمعني اليوم نواته التاأ�سي�سية الأوىل مع ترك باب الن�سمام اإليه مفتوحا، وت�سكيل جلنة متابعة �سمنها اأمانة �سر للقاء تتاألف من

مندوبني عن كل وفد م�سرقي ملتابعة تو�سيات اللقاء وخطط العمل املقرتحة.

كتبوا عن امل�سيحية امل�رشقية..بعنوان مقال 2013 اأيلول 19 يف ال�سادر عددها يف الخبار جريدة يف القارح رودولف كتب »امل�سرقيون امل�سيحيون والتحديات الوجودية« وهي ورقة قدمت للقاء بيت عنيا الذي تناول ق�سية الوجود امل�سيحي امل�سرقي، اأ�سار الكاتب يف مقالته باأن املجتمعات العربية امل�سرقية تواجه بكامل مكوناتها ومنها املكون امل�سيحي حتديات وجودية تطال عي�سها وكينونتها وم�سريها يف ظروف من

وقائع م�رشقية

159

مبوروث تتميز« امل�سرقية وحتديدا العربية املجتمعات باأن الكاتب واأو�سح ر، املدم املبا�سر العنف ل ت�سك اإن عوامل القول د... غني عن والتعق الغنى تاريخ �سديد اأنتجته حركة ب�سري تعددي هذه ال�سخ�سية ل تعود اإىل �سانع اأحادي فح�سب، بل هي نتيجة تفاعل عنا�سر عدة من اجتماعية

وثقافية وفكرية وتربوية ودينية واإميانية واأخالقية ونف�سية«.»حركة الأوىل متناق�ستني، حلركتني �سنني منذ تتعر�س امل�سرقية املنطقة باأن الكاتب يقول التجمع من اأمناط اإىل الرتداد غايتها املجتمعي، والت�سرذم والتمزق التف�سخ اإىل تهدف ال�سابق لبناء الدول واملجتمعات الراهنة - وهو وهم على اأية حال«، اأما الدينامية الثانية التي ملا العبارة هنا اإىل هذه د والتوحد )اأجلاأ التكامل والت�سارك والتعا�س اإليها فهي »دينامية ي�سري التوحد، اإرادة القائمة على اجلامعة الدينامية واع وعقالين(. هذه اإرادي، قرار اإليه من ترمز تهدف اإىل تطوير املجتمعات والدول امل�سرقية دون تقوي�سها وتدمريها، حمرتمة املوروث الذي

بناه التاريخ دون جتميد«. يوؤكد الكاتب »اأن الدفاع عما ميكن ت�سميته ا�ست�سهال الوجود امل�سيحي يف امل�سرق العربي« هو يف احلقيقة دفاع عن املجتمعات العربية امل�سرقية برمتها، وهي امل�ستهدفة بالتحديد«، كما اأكد على »اإن املجتمعات امل�سرقية يجب اأن حتمي نف�سها بنف�سها، فتحمي بالتايل مكوناتها التاريخية املوروثة، املوؤ�س�سات وتفعيل امل�سرتك، العام القانون �سيادة على القائمة املواطنة بناء خالل من وذلك

اجلامعة«.وي�سري اإىل �سرورة الدفاع عن الفل�سطينيني امل�سيحيني �سمن اإطار الدفاع عن الق�سية الفل�سطينية، »نكاد نقول اإن خط الدفاع الأول عن العرب وامل�سرقيني امل�سيحيني كان يجب اأن يكون بادئ ذي

بدء يف فل�سطني وعرب الدفاع عن ق�سيتها، مما كان وفر على اجلميع امل�سهد ال�سائد راهنا«.حتت عنوان »حقائق ومغالطات حول تاريخ امل�سيحية امل�سرقية: الوجود والدور »كتبت ال�ستاذة اجلامعية حياة احلريري مقالة يف جريدة »الخبار« يف عددها ال�سادر يف 11 ت�سرين الثاين 2013، جلهة وتعاليمها الإ�سالمية الديانة يف »تعمقوا الإ�سالم ظهور مع امل�سيحي الدور اإىل فاأ�سارت النتماء العربي، وان�سهروا يف جمتمعاتها مع احلفاظ على انتمائهم الديني. ومل يكن هذا الوجود �سكليا، بل �سكل امل�سيحيون مدماك احل�سارة العربية الإ�سالمية عرب الدور الذي لعبوه يف حركات الرتجمة والتي �ساعدت امل�سلمني على ن�سر ح�سارتهم وثقافتهم، ويف تبوء عدد منهم املنا�سب

الر�سمية«. اإجنازات »اأبرز ال�سحافة اإدخال التا�سع ع�سر هو القرن بدايات اإجنازاتهم منذ اأبرز اأن واأو�سحت امل�سيحيني يف امل�سرق العربي و�سول اإىل م�سر كان اإدخالهم ال�سحافة على املجتمعات العربية، بارزا يف احلفاظ على اللغة العربية والتم�سك بها، ويف ن�سر الوعي والتي لعبوا من خاللها دورا القومي بني جميع مكونات املجتمع العربي عرب الدفاع عن الق�سايا العربية الوطنية، ل �سيما حماربة

160

الحتاللت الأجنبية بدءا من ال�سلطنة العثمانية و�سول اإىل النتدابني الفرن�سي والإنكليزي، فمحاربة اإ�سرائيل«.

اأيدي الحتالل ال�سرائيلي كانت فل�سطني على لها تعر�ست التي النكبة اأن الكاتبة واأكدت ال�سرارة الوىل لهجرة امل�سيحيني من فل�سطني، كما اأ�سارت اأن اخلطر »يهدد املجتمعات العربية كافة، امل�سيحية والإ�سالمية. لذا، فاإن امل�سوؤولية ل تقع على امل�سيحيني وحدهم يف حماية وجودهم، بل اأي�سا على امل�سلمني يف الدفاع عنهم، لأنهم اأبناء هذه الأر�س العربية، وحاملو ق�ساياها الوطنية

وفكرها القومي منذ القدم«.

مت اكت�ساف هذه القطع الأثرية يف تل براك )جنر قدميا(، �سوريا. وتعود للفرتة 3700-3500 قبل امل�سيح. نقب يف هذا املوقع الأرخيولوجي »ماك�س مالوان Max Mallowan« يف العامني 1937 و1938. ولقد وجد معظم هذا النوع من الآثار يف »معبد العني«، ويرتاوح حجم كل من هذه املج�سمات الثالث بني 10 و20 �سم. وجم�سمات العيون ترمز

اإىل النتباه اإىل الآلهة يف ح�سارات ما بني النهرين.)جمموعة خا�سة(

1 ريال 20 درهم | م�شقط: 10 جنيه | تون�س : 1.5 دينار | املغرب: 100 لرية | م�شر: 2 دينار | �شوريا: لبنان 5000 لرية | الأردن: 10 درهم 10 ريال | الإمارات: 1.5 دينار | قطر: 1.5 دينار | الكويت: ال�شعودية: 10 ريال | البحرين:

�سورية من احلرب واملجاعة اإىل موؤمتر ال�سلح

للثقافة. �سعاده موؤ�س�سة عن قريبا �سي�سدر �سعاده. خليل الدكتور كتابات من الأول املجلد احلرب خالل �سورية اجتاحت التي املجاعة على املوؤلف تعليقات على املجلد هذا يحوي الكربى، اإ�سافة اإىل �سل�سلة من الأبحاث والدرا�سات التي ن�سرها يف مغرتبه الأمريكي اجلنوبي

ما بني ال�سنوات 1914 و1920.

العدد

اآذار2014

Documents

مئ ية احلرب العاملية الأوىل 2014 - 1914